الأهرام عن خبر بعنوان [ بعد صدور أول شهادة ميلاد: شهادة الأم.. هل هو اعتراف بالعلاقــات غير المشـــروعة؟ ] تحقيق: وجيه الصقار
د. نصر فريد واصل - د. فادية ابوشهبة
اعترف قانون الطفل الصادر عام1996 وتعديلاته الأخيرة بالطفل مجهول الهوية سواء من الأب أو الأم, ومع اصدار أول شهادة ميلاد تحمل اسم الأم الحقيقي ولا تحمل اسم الأب الحقيقي ثارت علامات الاستفهام ورفض الكثيرون هذا النص القانوني الذي يعترف بأطفال مجهولي النسب للأب, وتوقعوا أن يفتح هذا الاعتراف القانوني الباب للانحرافات دون عقاب أو رادع وحالات التسيب الاخلاقي التي تدمر قيمنا ومجتمعنا فينشأ جيل بلا آباء حقيقيين.
القضية هنا ليست في الطفل, ولكن في السماح لفتاة بالحمل والولادة وتسجيل الابن دون التزام بتحديد الأب أو النسب, وخروج جيل معدوم الهوية والشخصية وقبول فكرة الحمل السفاح, بل وتشجيعها دون رادع قانوني, أو حتي المطالبة بوثيقة زواج حتي لو كان عرفيا.
القضية تناقشها الدكتورة فادية أبو شهبة أستاذ القانون الجنائي بمعهد البحوث الاجتماعية والجنائية مؤكدة أن تطبيق قانون الطفل في هذه الجزئية يحتاج وقفة لأنها اهدار لكرامته ومستقبله حيث ينشأ غير معلوم الأب ويلحق به العار مدي حياته من جريمة لم يرتكبها, وهو اعتراف بعلاقات غير مشروعة أيضا, فالقانون الوضعي يعترف بالحرية الجنسية أي أن يمارس الشاب أو الشابة الجنس بكل حرية مادام لا يضر بآخرين, فهي حرية ضمن حريات الأفراد وهي محرمة شرعا فالقانون لا يعاقب إلا إذا كان أحد الشخصين أو كلاهما متزوجا وتكون الدعوي من المتضرر فقط دون غيره فلو تنازل يوقف التنفيذ, ولا يجرم سوي الحالات الأخري مثل الاغتصاب والبغاء والدعارة والفجور بمقابل مادي ومع أشخاص غير معلومين, وهذا يفتح مجال الانحراف تحت مسمي الحرية التي تؤدي بالمجتمع إلي التهلكة وتزايد الفساد, وهذا ما ظهر من القانون12 الذي ينص علي الاعتراف بـ المولود غير معلوم الأب.
القانون الوضعي
وتطالب د. فادية بضرورة تطبيق الشريعة لتخفيف هذه المظاهر التي لا يعالجها القانون الوضعي مع توفير الرعاية للطفل وهو جنين وحتي لا يتعرض للإجهاض أو القتل بعد الولادة أو إلقائه في القمامة أو علي أبواب الجوامع أو تركه في مستشفي بعد الولادة ثم يدخل في متاهة تعذيب المجتمع علي ذنب لم يقترفه وهذه حالات منتشرة في بعض المجتمعات, فإذا كان هناك عقاب وجوبي لهذه الأم الآثمة فإن الطفل لابد أن تتوافر له شهادة ميلاد بلا أب ليحصل علي شيء من الرعاية الصحية والاجتماعية, ومع ذلك فإن هذا القانون لم يحل المشكلة, فقد كان الطفل الناتج عن اغتصاب ينسب لوالد البنت ثم هناك ظاهرة أطفال اغتصاب المحارم والتي تنتشر في المناطق الشعبية الفقيرة من اغتصاب الأب لابنته والأخ لأخته لانعدام القيم والتعليم في هذه المناطق اضافة لحياة الفقر الشديدة التي يعيشونها وانتشار تعاطي المخدرات.
توعية البنات
طالبت الدكتورة فادية بضرورة توعية البنات من الذئاب البشرية في صور الملائكة ممن يرفعون شعار الحب أو الكلمات المعسولة, أو التساهل مع الخطيب وقت الخطوبة تحت أي معني ثم يتركها بلا عودة وينفي نسب الطفل له. وهذا يحتاج وقفة قومية رادعة لمثل هذه الظواهر فليس معني الاعتراف بطفل السفاح هو أن تكون هناك تساهلات مع أمه لنسبه لها إلي درجة تشجع أخريات علي هذا العمل مع وجود مظاهر الانحلال في بعض فئات الشباب, وللقضاء علي ظاهرة أطفال الشوارع بمتابعتهم ورعايتهم ومنع عوامل الانحراف مثل تسهيل الزواج والغاء مظاهره المكلفة للشباب وتوعية الشباب والشابات بالمدارس بخطورة مثل هذه التصرفات الطائشة التي أصبحت تمارسها الفتيات في كثير من المجتمعات مثل الشباب تماما, فالفتاة أصبحت تعاكس الشباب في غياب الأسرة والمجتمع ووسائل الاعلام. وأضافت الباحثة أن ما يحدث سواء بتقنين واقعة الزنا أو الحرية الشخصية الجنسية ساهم بالفعل في وجود خلل بالمجتمع فضلا عن وجود الفضائيات ومواقع الشات علي النت من صور اباحية وعلاقات محرمة.
تشجيع الفاحشة
ومن جانبه أكد الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية سابقا أنه يجوز نسب الطفل لأمه وهذا ما حدث في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام, ولكن هذا لا يكون ذريعة لتشجيع جريمة الفاحشة, فإذا لم يكن الأب معروفا وتعرضت الفتاة للاغتصاب من شخص مجهول أو لسبب من الأسباب فإن الشرع يحدد أن الأم نسب حقيقي لابنها, وهنا تتغلب مصلحة الطفل بلا تشجيع للجريمة, ويكون من حقه تحديد اسم أب غير حقيقي النسب مع الحفاظ علي الأنساب الأصلية مع وضع حلول لموقف الأم وظروفها من حيث العقاب أو التأهيل وهو علاج مشكلة قائمة في بعض المجتمعات, فالطفل لم يقترف اثما حتي نعاقبه عليه, ويجوز له نسب مدني بقرار اداري لمصلحته فلا ضرر للطفل من الناحية الشرعية حتي يعيش في المجتمع.
وأضاف د. نصر فريد أن حالة مماثلة حدثت مع ماعز الغامدية في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام ونسب الطفل إلي أمه حتي بعد أن وقع عليها القصاص ونودي ابنها باسمها ولم ينسب لأب غير شرعي, كما أنه يمكن أن ينسب الطفل لأبيه الأصلي دون زواج شرعي ويكلف بإلتزام حقوقه, وهذا يلزمنا بأن نصدر تشريعا يبتغي المصلحة ويدفع الضرر, ولا يكون لأمه حق ميراث والده الأصلي إلا بزواج لأنه ابن سفاح, وفي نفس الوقت يجب عرض مثل هذه القضايا حسب ملابساتها علي مجمع البحوث الإسلامية لحسم موقفه الشرعي والقانوني وسيكون الرأي مع المصلحة للطفل والمجتمع وتدوين اسم الطفل الجديد باسم أب غير حقيقي ووضع خانة سرية في شهادته تبين أنه بلا أب.
لا حرج
ولا تجد الدكتورة آمنة محمد نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية, حرجا في نسب الطفل لأمه مع وضع اسم مستعار للأب, حفاظا علي مصلحته, قائلة: اننا نحاول أن نخدع أنفسنا ونجني علي أطفال لا جناية لهم, مطالبة بتفعيل وسائل الكشف عن الأب وتحديده سواء بالتحقيق أو باستخدام(DNA) لاننا لا يجب أن نتجاهل العلم في سبيل الكشف عن تحديد الأب, فقد كنا من قبل لا نأتمن من يسجل اسم الطفل وكان هناك شرط بأن من يسجله أو يبلغ عنه هو الأب أو العم أو الجد للأب ويمنع بلاغ الخال أو الأم كما لو أنهم خائنون, بضرورة أن يكون المبلغ من العصبية, ففي حالة نسب الطفل لأمه متاحة مادامت من حق الطفل ومن حق أمه أن تبلغ عنه,
وتكتب اسمها في خانة الوالدة ثم تعطيه اسم أب ولكن يكون علي اسم الأم كود محدد يبين أنه بلا أب شرعي أو غير شرعي, وهذه في حد ذاتها عقاب أولي لهذه الأم ووصمة عار لها قد لا يكتشفها الابن في الكود الخاص بأمه, وهذا لا يمنع حقه في الحياة الطبيعية بعد ذلك بدلا من أن يشرد ويكون من أبناء الشوارع أو ينشأ في ظروف قهرية ليكون مدمرا للمجتمع, فالطفل في هذه الحالة نحافظ عليه رغم جريمة والدته فهذه نصف حماية للطفل بدلا من ضياعه فلا معني لتعذيب اللقطاء أو أبناء الزنا لأنه لا جريرة لهم. وتسوق الدكتورة آمنة نصير فكر الرسول عليه الصلاة والسلام, المتقدم في مثل هذه المشكلة, فكان يأمر بالقائف لهذا الطفل أي من يكون له شبه به, وكان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤمن بالقرعة في تحديد الأب, لحسم هذه المشكلة رغم ما قد يكون بها من أخطاء محتملة بينما نحن الآن لا نريد الاعتراف بالـDNA وهو علم دقيق, ونترك خانة الأب فارغة أو باسم وهمي ونتغافل عن المجرم الحقيقي الذي ترك الفتاة في تعاسة وعار ورفض نسب الطفل له, والتي تضطر بعده لالقاء الطفل في سلة القمامة.