وكالة الأنباء العالمية بى بى سى بتاريخ الإثنين 20 أكتوبر 2008 م
توفيت الراهبة ايمانويل والتي كرست حياتها لخدمة الفقراء عن عمر يناهز التاسعة والتسعين، في وقت مبكر الاثنين في مدينة كاليان جنوبي فرنسا. وامضت الراهبة مانويل اكثر من عشرين سنة من حياتها خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في خدمة الفقراء في مصر خاصة الاطفال في الاحياء الفقيرة في القاهرة. واولت مانويل اهتماما خاصا لصحة وتعليم الاطفال.
وتوفيت مانويل البلجيكة المولد، في منزلها في المدينة الفرنسية قبل شهر واحد من اتمامها المئة. وقد اسست مانويل عام 1980 الجمعية التي عرفت باسمها من اجل مساعدة الاف الاطفال في العالم لا سيما في مصر والسودان ولبنان والفيليبين والهند وبوركينا فاسو. وفي مذكراتها التي صدرت في اغسطس/ اب الماضين وصفت مانويل شبابها الباكر في العشرينيات من القرن الماضي بانها كانت تسعى للهو مثل اي فتاة في عمرها. الا انها قالت انها كانت دوما تشعر بنداء باطني يدعوها لمهمتها، وهو ما حدث عام 1929 حينما قطعت على نفسها عهودا دينية. وقال ناطق باسم جمعيتها انها لم تكن تعاني من اي مرض حين توفيت "اثناء نومها" ليل الاحد الاثنين.
*****************************
الأهرام 27/10/2008م السنة 133 العدد 445120 عن خبر بعنوان [ رحيل الأخت إيمانويل: صديقة الفقراء.. رمز العطاء ] تحقيق: محمد هندي
هي نموذج للإنسان الذي يعيش لاخوته في البشرية.. يعمل لأجلهم.. يمسح دموعهم.. يخفف آلامهم.. يشاركهم أحزانهم.. ويصنع معهم أفراحهم.. ويضعهم علي أول طريق المستقبل.. تركت بلدها وطافت البلدان التي يعيش فيها المحتاجون والفقراء والمهمشون.. ساعدتهم وساندتهم فتنقلت من بلجيكا ـ حيث ولدت ـ إلي فرنسا حيث درست ثم إلي الهند وبعدها استقرت في مصر.. وهبت حياتها لخدمة الزبالين وجامعي القمامة فأقامت لهم أول حضانة وأول مدرسة وأول مستشفي وعملت بأقصي طاقتها لتخدمهم وتنقلهم من علي هامش الحياة والمجتمع إلي فئة البشر والانسان حتي إنها لم ترض لشباب هذه الأسر الفقيرة أن يضيعوا أو يبددوا طاقتهم فأقامت من بينهم أول فريق لكرة القدم..
أنها الراهبة ايمانويل الملقبة بـ رفيقة الفقراء والتي ودعها العالم منذ أيام بحضور عدد من الشخصيات الدولية في مقدمتهم السيدة سوزان مبارك والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وقرينته والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.
وللراهبة ايمانويل مكانة خاصة في قلوب فقراء منطقتي عزبة النخل والمقطم وخاصة بعزبة الزبالين الذين عاشت وسطهم واعتبرتهم أهلها الذين يحتاجون إلي رعايتها, واستحقت التكريم في مصر عندما منحها الرئيس مبارك الجنسية المصرية في عام1991.
والراهبة ايمانويل اسمها الحقيقي مادلين سنكان ولدت, في بروكسل عام1908 لعائلة ميسورة الحال وحصلت علي شهادات في العلوم الفلسفية والدينية وفي عام1931 دخلت سلك الرهبنة وبعدها بعام هجرت أوروبا لتكرس حياتها لخدمة الفقراء في الشرق الأوسط.
يقول الأنبا مرقص المتحدث الاعلامي بالكنيسة الأرثوذوكسية: السيدة مادلين سنكان ايمانويل كرست حياتها لفئة معينة من المجتمع وهي فئة جامعي القمامة, وقد اقترحت علي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر استبدال العربات الكارو بعربات صغيرة تعمل بالبنزين ولكن لم توفق في هذا المشروع الذي تحقق فيما بعد.
وقد اتجهت إلي حيث يعيش الزبالون وبدأت في بناء بعض البيوت المناسبة وقامت بكفالة وتدريب أصحاب هذه المهنة ثم قامت بتأسيس حضانة وعيادة تتناسب مع احتياجات هذه الفئة وخاصة في منطقة عزبة النخل والمقطم بجوار الدويقة وعندما بلغت السيدة ايمانويل من العمر80 عاما أقيم لها احتفال في منطقة الزبالين وحضرت الاحتفال قرينة الرئيس الفرنسي ـ في ذلك الوقت فرانسوا ميتران وجاءت بطائرة خاصة من المطار إلي عزبة الزبالين بعزبة النخل مباشرة وبعد الحفل غادرت المكان إلي المطار مرة أخري في زيارة سريعة جدا.
فالراهبة الراحلة ايمانويل محبوبة جدا لدي الفرنسيين والبلجيكيين والمصريين خاصة الذين يمتهنون حرفة جمع القمامة, وهذه السيدة لها لمسات وبصمات واضحة في خدمة هذه الفئة وكان لديها فكرة بأن تقيم مساكن شعبية وحضارية لهذه الفئة المهمشة أيضا ولكن لم تنفذ.. ولكن انشأت ناديا اجتماعيا بعزبة النخل.
ويصف الأب رفيق جريش مدير المكتب الصحفي بالكنيسة الكاثوليكية الراهبة الراحلة بأنها صديقة الفقراء والمساكين. وأنها ذات إرادة قوية لم تكتف بأن تظل داخل أسوار الدير ولكنها ترجمت حياة العبادة وحبها لله إلي عمل انساني اجتماعي ووهبت نفسها لهذا العمل حبا في( الفقراء).
ويشير رفيق جريش أن هذه ترجمة حقيقية وفعلية للإيمان وحب الإنسان لله إلي عمل تجاه الإخوة الآخرين.., دون أدني تفرقة في الدين واللون والجنس, وهذه ترجمة عملية لتعاليم الإنجيل فجاءت الأخت ايمانويل في أوائل الثمانينيات وشاهدت الحياة التي يعيشها جامعو القمامة فكرست حياتها ومجهودها لهذه الطبقة الفقيرة من المجتمع وتخصصت في مساعدة هؤلاء المحتاجين لما شهدته من فقر وحرمان مادي, وصحي, وعلمي, وعاشت بينهم تحت سفح جبل المقطم وعزبة النخل وأسست جمعية مازالت موجودة وتعمل في هذه المنطقة وساعدت هؤلاء المحتاجين وهذه الجمعية أغلبها راهبات يعملن في تخفيف الآلام عن هؤلاء( الزبالين), وكانت ايمانويل كل فترة تذهب إلي أوروبا وبعلاقاتها الدولية المتشعبة تأتي بالمساعدات من أجل هؤلاء الزبالين فقد بنت لهم المدارس والمستوصفات وكانت تعلم الأمهات كيفية النظافة الشخصية ونظافة المنزل الذي يسكن فيه مع حرصها الشديد علي الدعوة إلي تنظيم الأسرة.
ويشير الأب رفيق جريش إلي أنه في يوم الجمعة المقبل الموافق31 أكتوبر الحالي سوف يقام قداس خاص بالإسكندرية في كنيسة سانت كاترين الساعة السابعة مساء وفي يوم30 نوفمبر بالقاهرة سوف يقوم الأب بولاد بتأبين الأخت ايمانويل وسط حضور كثير من الشخصيات المهمة والعامة. ويقول الدكتور يوحنا أولتا. النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك إن السيدة صديقة الفقراء ايمانويل عاشت في مصر أكثر من40 سنة بعد أن أدت رسالة عظيمة لفئة من المجتمع تعاني التهميش فأنشأت لهم فصول محو الأمية ومستوصفات ورعاية الأمومة والتنمية وزرعت في قلوبهم الأمل وتركت كل هذا عندما أصابتها الشيخوخة وسلمتها إلي الأيدي المصرية الأمينة عليها فهذه الراهبة أوفت بوعدها ونفذته لتكون في خدمة المهمشين في الأرض ولذلك نالت تقدير العالم كله وأهم ما يميز رسالتها إنها كانت تخدم الإنسان المصري المسلم والمسيحي, مما طبع رسالتها بطابع انساني رفيع.
******************************
الأهرام 6/11/2008م السنة 133 العدد 44530 عن خبر بعنوان [ الراهبة إيمانويل.. مائة عام من الحب! ] بقلم : عائشة عبدالغفار
احتلت مؤخرا صور الراهبة إيمانويل أغلفة المجلات الفرنسية والبلجيكية, وتناول الاعلام الغربي والعربي نشاطها في مصر علي مدي عشرين عاما متواصلة من أجل رعاية المصابين بالجذام والارتقاء بمعيشة الطبقة المطحونة من الفقراء بمجمع الزبالين بعزبة النخل بالمطرية والدعوة لتطوير وتنقية العشوائيات بمصر من خلال دفع الاستثمارات في مجالات الخدمات والبنية التحتية, وتنبيه العالم ومصادر التمويل الدولية الي أهمية النهوض بأحياء الزبالين لتحويل هذه المناطق إلي خليات نحل ذات مردود اجتماعي وبيئي لانتشال الفين وخمسمائة عائلة مصرية من الفقر المدقع ومن الدنية الاجتماعية.. وإعفاء الحكومة من هذا العبء الخطير, وإدخال السعادة الي قلوب مجتمع جامعي القمامة مسلمين ومسيحيين علي قدم المساواة.
وتبدأ القصة الحقيقية عندما فتحت الراهبة ايمانويل بابا ضخما من التعاون مع الدكتور منير نعمة الله مؤسس شركة نوعية البيئة الدولية عام1981, وصاحب مبادرة التنمية المستدامة بواحة سيوة, والذي ظل جنديا مجهولا في مساندة رسالة الراهبة إيمانويل صديقة الفقراء التي عاشت في كوخ علي مقربة من مشروع طموح استهدف تحويل روث الحيوانات الي سماد عضوي لتنصهر إيمانويل انصهارا إنسانيا مع سكان المنطقة وتكفل لهم الرعاية اللازمة والنصائح الصائبة, ولتعلمهم ان الله هو الذي يختار للانسان طرقا مختلفة الي جانب أهمية تبادل الاحترام بين أصحاب الأديان المختلفة ولترسي معاني التسامح والمحبة.
لم تتردد الأخت إيمانويل في محطتها الثانية بمصر بعد ذلك في التوجه الي نيويورك مع ابنها الروحي خبير البيئة الدولي الدكتور منير نعمة الله وتقنع البنك الدولي بلباقة شديدة بأهمية الاهتمام بحي منشية ناصر ليري مشروع التنمية الحضارية الأول النور بمنطقة المقطم.. عقب ان شرحت أهمية مصر بالنسبة للانسانية, وتحدثت باسم مصر وطبقة جامعي القمامة, وليسجل البرنامج التنموي البيئي لجامعي القمامة نجاحا ضخما خلال قمة الأرض بـ ريو بالبرازيل عام1992. وعندما حلمت بالحصول علي الجنسية المصرية أهداءها اليها الرئيس مبارك عام1991 تقديرا لجهودها في تطوير حياة الفقراء في المناطق العشوائية.
ثم جاءت مشاركة السيدة سوزان مبارك في التكريم الوطني الذي منحته لها فرنسا خلال القداس الذي أقيم علي روحها بكاتدرائية نوتردام التاريخية كإماءة حضارية عظيمة وعرفانا بالجميل للراهبة التي أخرجت مجتمع جامعي القمامة من الظلمات الي النور من خلال تأسيس ركيزة من الصناعات الصغيرة في المناطق العشوائية, وتقديرا للراهبة ايمانويل التي أطلقت الشرارة الأولي لعمل اجتماعي مهم أثبت أن التفاعل بين الحضارات عنصر مهم في مجال التنمية البشرية, وان الكوكب بأكمله مسئول ومعني بالقضايا المتعثرة, وان الحل يأتي بمساندة المجتمع المدني العالمي.
لقد تركت الراهبة ايمانويل برحيلها ميراثا ضخما من خلال قصة حب مدوية مع فقراء العالم, الي الحد الذي طرح خلال القداس الذي أقيم علي روحها قضية عدم التوازن الذي يسود عالمنا. عظيمة انت ايتها الراهبة إيمانويل التي تهدينا معاني خالدة وسامية في زمن تفجر مجتمعات تعيسة الغاما من الحقد والتخلف والتراجع الحضاري والعنف.!