Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

  السلطان الملك الصالح صلاح الدين أمير حاج 190/ 25 م.ح

ذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس بها تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
أيبك165/ 1 م.ح
نور الدين166/ 2 م.ح
قطز 167/ 3 م.ح
بيبرس168/ 4 م.ح
السعيد 169/ 5 م.ح
سلامش 170/ 6 م.ح
سيف الدين171/ 7 م.ح
صلاح الدين172/ 8 م.ح
بن قلاوون 173/ 9 م.ح
زين الدين174/ 10 م.ح
حسام الدين175/ 11 م.ح
بن قلاوون 176/ 12 م.ح
بيبرس177/ 13 م.ح
أحمد178/ 14 م.ح
إسماعيل179/ 15 م.ح
بن قلاوون180/ 16 م.ح
أبو بكر181/ 17 م.ح
كجك182/ 18 م.ح
شعبان 183/ 19 م.ح
حسن 184/ 20 م.ح
صالح 185/ 21 م.ح
حسن186/ 22 م.ح
محمد187/ 23 م.ح
شعبان188/ 24 م.ح
على 189/ 25 م.ح
أمير حاج 190/ 26 م.ح

Hit Counter

****************************************************************************************

 الجزء التالى عن الأسرة الأيوبية الذين حكموا مصر بعد إحتلالهم مصر وهم يدينون لخلافة الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

****************************************************************************************

 

 السلطان الملك الصالح صلاح الدين أمير حاج سنة 783  هـ

سلطنة الملك الصالح حاجي الأولى السلطان الملك الصالح صلاح الدين أمير حاج ابن السلطان الملك الأشرف شعبان ابن الأمير الملك الأمجد حسن ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون‏.‏
وهو الرابع والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية‏.‏
تسلطن بعد وفاة أخيه الملك المنصور علاء الدين علي في يوم الاثنين رابع عشرين صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة‏.‏
وخبر سلطنته أنه لما مات أخوه الملك المنصور علي تكلم الناس بسلطنة الأتابك برقوق العثماني وأشيع ذلك فعظمت هذه المقالة على أكابر أمراء الدولة وقالوا‏:‏ لا نرضى أن يتسلطن علينا مملوك يلبغا وأشياء من هذا النمط‏.‏
وبلغ برقوقًا ذلك فخاف ألا يتم له ذلك‏.‏
فجمع برقوق الأمراء والقضاة والخليفة في اليوم المذكور بباب الستارة بقلعة الجبل وتكلم معهم في سلطنة بعض أولاد الأشرف شعبان فقالوا له‏:‏ هذا هو المصلحة وطلبوهم من الدور السلطانية‏.‏
وحضر أمير حاج هذا من جملة الإخوة فوجدوا بعضهم ضعيفًا بالجدري والبعض صغيرًا فوقع الاختيار على سلطنة أمير حاج هذا لأنه كان أكبرهم‏.‏ فبايعه الخليفة وحلف له الأمراء وباسوا يده ثم قبلوا له الأرض‏.‏
ولقب بالملك الصالح وهو الذي غير لقبه في سلطنته الثانية بالملك المنصور ولا نعرف سلطانًا تغير لقبه غيره وذلك بعد أن خلع برقوق وحبس بالكرك على ما سنذكره إن شاء الله تعالى مفصلًا في وقته - انتهى‏.‏
ولما تم أمر الملك الصالح هذا ألبسوه خلعة السلطنة وركب من باب الستارة بأبهة الملك وبرقوق والأمراء مشاة بين يديه إلى أن نزل إلى الإيوان بقلعة الجبل وجلس على كرسي الملك وقبلت الأمراء الأرض بين يديه‏.‏
ثم مد السماط وأكلت الأمراء‏.‏ ثم قام السلطان الملك الصالح ودخل القصر وخلع على الخليفة المتوكل على الله خلعة جميلة‏.‏
ونودي بالقاهرة ومصر بالأمان والدعاء للملك الصالح حاجي‏.‏ وخلع السلطان على الأتابك برقوق واستقر على عادته أتابك العساكر ومدبر الممالك لصغر سن السلطان وكان سن السلطان يوم تسلطن نحو تسع سنين تخمينًا‏.‏
ثم في سابع عشرين صفر المذكور جلس السلطان الملك الصالح بالإيوان للخدمة على العادة‏.‏ ثم قام ودخل القصر بعد أن حضر الخليفة والقضاة والأمراء والعساكر وقرئ تقليد السلطان الملك الصالح عليهم‏.‏
وعند فراغ القراءة أخذ بدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر التقليد وقدمه للخليفة فعلم عليه بخطه‏.‏ وخلع السلطان على القضاة وعلى كاتب السر المذكور‏.‏ وانفض الموكب‏.‏
وأخذ برقوق في التكلم في الدولة على عادته من غير معاند وفي خدمته بقية الأمراء يركبون في خدمته وينزلون عنده ويأكلون السماط‏.‏
وأما القضاة والنواب بالبلاد الشامية وأرباب الوظائف بالديار المصرية في هذه الدولة فكان أتابك العساكر برقوق العثماني اليلبغاوي ورأس نوبة الأمراء أيتمش البجاسي وأمير سلاح علان الشعباني وأمير مجلس ألطنبغا الجوباني اليلبغاوي والدوادار الكبير آلابغا العثماني والأمير آخور جركس الخليلي وحاجب الحجاب مأمور القلمطاوي اليلبغاوي وأستادار العالية بهادر المنجكي ورأس نوبة ثاني - أعني رأس نوبة في زماننا - قردم الحسني وهؤلاء غير نائب السلطنة وهو الأمير آقتمر عبد الغني وغير أيدمر الشمسي وهما من أجل الأمراء وأقدمهم هجرة يجلس الواحد عن يمين السلطان والآخر عن يساره‏.‏
والقضاة‏:‏ الشافعي برهان الدين بن جماعة والحنفي صدر الدين بن منصور والمالكي علم الدين البساطي والحنبلي ناصر الدين العسقلاني‏.‏ وكاتب السر بدر الدين بن فضل الله العمري والوزير شمس الدين المقسي وناظر الجيش المحتسب جمال الدين محمود القيصري العجمي وناظر الخاص هو ابن المقسي أيضًا ونائب دمشق إشقتمر المارديني ونائب حلب إينال اليوسفي ونائب طرابلس كمشبغا الحموي ونائب حماة طشتمر القاسمي ونائب صفد الأمير الكبير طشتمر العلائي - نقل إليها من القدس - ونائب غزة آقبغا بن عبد الله ونائب إسكندرية بلوط الصرغتمشي‏.‏
والذين هم معاصروه من ملوك الأقطار‏:‏ صاحب بغداد وتبريز وما والاهما الشيخ حسين بن أويس وصاحب ماردين الملك الظاهر مجد الدين عيسى وصاحب اليمن الملك الأشرف ابن الملك الأفضل وصاحب مكة الشريف أحمد بن عجلان وصاحب المدينة الشريفة عطية بن منصور وصاحب سيواس القاضي برهان الدين أحمد وصاحب بلاد قرمان الأمير علاء الدين وصاحب بلاد سمرقند وما والاها تيمورلنك كوركان وصاحب بلاد الدشت طقتمش خان من ذرية جنجز خان‏.‏ انتهى‏.‏
ولما كان يوم الخميس ثالث شهر ربيع الآخر أنعم برقوق على الأمير تغري برمش بتقدمة ألف بديار مصر بعد وفاة أمير علي بن قشتمر المنصوري‏.‏ ثم أنعم على سودون الشيخوني بتقدمة ألف أيضًا واستقر حاجبًا ثانيًا عوضًا عن علي بن قشتمر المنصوري‏.‏ ثم بعد مدة أستقر تغري برمش المقدم ذكره أمير سلاح بعد وفاة علان الشعباني‏.‏ ثم استقر مأمور القلمطاوي حاجب الحجاب في نيابة حماة بعد وفاة طشتمر خازندار يلبغا العمري‏.‏
ثم طلب يلبغا الناصري من دمشق - وكان منفيًا بها على تقدمة ألف - فحضر في آخر شعبان فتلقاه الأتابك برقوق والأمراء وترجل له برقوق وأركبه مركوبًا من مراكيبه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالقاهرة وأجلس رأس ميسرة فوق أمير سلاح‏.‏
فلم تطل مدته بديار مصر وأخلع عليه بنيابة حلب في يوم الخميس ثاني شوال بعد عزل إينال اليوسفي وطلبه إلى مصر‏.‏
فلما وصل إينال إلى غزة قبض عليه وأرسل إلى سجن الكرك‏.‏ ثم أنعم الأتابك برقوق على دواداره الأمير يونس النوروزي بتقدمة ألف بمصر عوضًا عن يلبغا الناصري وخلع على الأمير جركس الخليلي الأمير آخور الكبير واستقر مشير الدولة ورسم للوزير ألا يتكلم في شيء إلا بعد مراجعته‏.‏
وفي العشر الأخير من شوال أنعم على قطلوبغا الكوكائي بتقدمة ألف بعد وفاة الأمير آنص والد الأتابك برقوق العثماني الذي قدم قبل تاريخه من بلاد الجركس‏.‏ يأتي ذكر وفاته في الوفيات‏.‏
ثم في يوم الاثنين تاسع ذي الحجة من سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة تخلى الأمير تغري برمش أمير سلاح عن إمرته ووظيفته وتوجه إلى جامع قوصون ليقيم به بطالًا‏.‏ فأرسل الأتابك إليه الأمير سودون الشيخوني الحاجب الثاني وقردم الحسني رأس نوبة وتوجها إليه وسألاه أن يرجع إلى وظيفته وإمرته فلم يرجع لها فعادا بالجواب إلى برقوق بذلك‏.‏
ثم إن تغري برمش المذكور ندم من ليلته وأرسل يسأل الشيخ أكمل الدين شيخ الشيخونية أن يسأل برقوقًا أن يعيده إلى إمرته ووظيفته فأرسل أكمل الدين إلي برقوق بذلك فلم يقبل برقوق ورسم بخروجه إلى القدس ماشيًا فأخرجه النقباء إلى قبة النصر ماشيًا ثم شفع فيه فركب وسار إلى القدس‏.‏ ثم في العشر الأخير من شعبان أجرى جركس الخليلي الأمير آخور الماء إلى الميدان من تحت القلعة إلى الحوض الذي على بابه‏.‏
قلت‏:‏ وإلى الآن الحوض باق على حاله بلا ماء‏.‏ ثم في التاريخ المذكور أخرج الأمير جركس الخليلي فلوسًا جددًا من الفلوس العتق منها فلس زنته أوقية بربع درهم وفلس زنته نصف أوقية وفلس بفلسين‏.‏
فلما فعل ذلك وقف حال الناس وحصل الغلاء وقل الجالب فلما بلغ الأتابك برقوقًا أمر بإبطالها‏.‏ وفي المعنى يقول الشيخ شهاب الدين أحمد بن العطار رحمه الله تعالى‏:‏ البسيط تغيير عتق فلوس قد أضر فكم حوادث جلا جلت من العدد وقالت العامة - لما فعل الخليلي ذلك ورسم بنقش اسمه على الفلوس -‏:‏ الخليلي من عكسو نقش اسمو على فلسو‏.‏ انتهى‏.‏
ثم حضر إلى الديار المصرية في ذي الحجة الأمير كمشبغا الحموي نائب طرابلس - وكان السلطان والأتابك برقوق في الصيد بناحية كوم برا - فأخلع السلطان عليه باستمراره على نيابة طرابلس‏.‏ ثم في يوم الخميس ثالث المحرم سنة أربع وثمانين وسبعمائة استقر سودون الفخري الشيخوني حاجب الحجاب بالديار المصرية وكانت شاغرة من العام الماضي منذ توجه مأمور القلمطاوي إلى نيابة حماة‏.‏
ثم أرسل الأتابك برقوق بكلمش الطازي العلائي إلى دمياط لإحضار بيدمر الخوارزمي المعزول عن نيابة دمشق قبل تاريخه فحضر في العشرين من المحرم وتلقاه الأتابك برقوق من البحر وخلع عليه باستقراره في نيابة دمشق على عادته عوضًا عن إشقتمر المارديني‏.‏
وفي سلخ صفر تولى القاضي بدر الدين بن أبي البقاء قضاء الشافعية بديار مصر عوضًا عن قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة ورسم بانتقال مأمور القلمطاوي من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس عوضًا عن كمشبغا الحموي بحكم انتقال كمشبغا إلى دمشق على خبز جنتمر أخي طاز بحكم توجه جنتمر إلى القدس بطالًا‏.‏
ونقل إلى نيابة حماة الأمير الكبير طشتمر العلائي الدوادار الذي كان قبل تاريخه حكم مصر وتولى نيابة صفد بعد طشتمر الدوادار تلو حاجب حجاب دمشق‏.‏

محاولة قتل الأمير برقوق
وفي العشر الأوسط من شعبان نام الأتابك برقوق بمبيته بسكنه بالإسطبل السلطاني وقعد شيخ الصفوي الخاصكي يكبسه‏.‏
وبينما هو نائم مسكه شيخ المذكور في جنبه قويًا خارجًا عن الحد فقعد برقوق من اضطجاعه وقال له‏:‏ ما الخبر فقال‏:‏ إن مملوكك أيتمش اتفق مع مماليك الأسياد الذين في خدمتك ومعهم بطا الأشرفي على أنهم الساعة يقتلونك فسكت برقوق وجلس على حاله فإذا أيتمش المذكور دخل عليه فقام برقوق وأخذ بيده قوسًا وضربه به ضربة واحدة صفحًا أرماه وأمر بمسكه وقال له‏:‏ يا متخنث الذي يأخذ الملك ويقتل الملوك يقع من ضربة واحدة‏.‏ ثم مسك بطا الخاصكي‏.‏
وخرج برقوق وجلس بالإسطبل وطلب سائر الأمراء الكبار والصغار‏.‏ فطلع الجميع إليه في الحال فكلمهم بما سمع وجرى ثم أمسك من مماليك الأسياد نحو سبعة عشر نفرًا منهم‏:‏ كزل الحططي ويلبغا الخازندار الصغير وجماعة من رؤوس نوب الجمدارية عنده‏.‏ ثم في صبيحة نهاره أمسك جماعة من رؤوس نوب الجمدارية وجماعة آخر تتمة خمسة وستين نفرًا من مماليك الأسياد وهرب من بقي منهم‏.‏
فالذين كان قبض عليهم أول يوم حبسهم بالبرج من قلعة الجبل والذين مسكهم من الغد حبسهم بخزانة شمائل‏.‏ ثم أنزل بطا الخاصكي الأشرفي وأيتمش إلى خزانة شمائل‏.‏ ثم أمسك الأتابك برقوق الأمير ألابغا العثماني الدوادار الكبير وأحد مقدمي الألوف بالديار المصرية وسجنه‏.‏ ثم أخرجه على إمرة طبلخاناه بطرابلس‏.‏ ثم نقله بعد مدة يسيرة إلى تقدمة ألف بدمشق‏.‏
ثم في يوم السبت مستهل شهر رمضان أخرج برقوق من خزانة شمائل ثلاثة وأربعين مملوكا من الممسوكين قبل تاريخه وأمر بتخشيبهم وتقييدهم ومشوا وهم مزنجرين بالحديد ومعهم سودون الشيخوني حاجب الحجاب ونقيب الجيش إلى أن أوصلوهم إلى مصر القديمة وأنزلوهم إلى المراكب وصحبتهم جماعة من الجبلية فتوجهوا بهم إلى قوص‏.‏ وكان سبب اتفاق هؤلاء المماليك على برقوق وقتله بسكنه بباب السلسلة لفرصة كانت وقعت لهم باشتغال الأمير جركس الخليلي الأمير آخور بجسر كان عمره بين الروضة ومصر في النيل‏.‏
وخبره أنه لما كان في أوائل شهر ربيع الأول من هذه السنة اهتم الأمير جركس الخليلي المذكور في عمل جسر بين الروضة وبين جزيرة أروى المعروفة بالجزيرة الوسطى طوله نحو ثلاثمائة قصبة وعرضه عشر قصبات وأقام هو بنفسه على عمله ومماليكه وجعل في ظاهر الجسر المذكور خوازيق من سنط وسمر عليها أفلاق نخل جعلها على الجسر كالستارة تقية من الماء عند زيادته وانتهى العمل منه في آخر شهر ربيع الأخر‏.‏
ثم حفر في وسط البحر خليجًا من الجسر المذكور إلى زريبة قوصون ليمر الماء فيه عند زيادته ويصير البحر ممره دائمًا منه صيفًا وشتاءً وغرم على هذا العمل أموالًا كثيرة فلم يحصل له ما أراد على ما يأتي ذكره‏.‏
 لما كان خطر في نفوسهم من الوثوب على الملك فإنه من يوم قتل الملك الأشرف شعبان وصار طشتمر اللفاف من الجندية أتابك العساكر ثم من بعده قرطاي الطازي ثم من بعده أينبك البدري ثم من بعده قطلقتمر ثم الأتابك برقوق وبركة - وكل من هؤلاء كان إما جنديًا أو أمير عشرة وترقوا إلى هذه المنزلة بالوثوب وإقامة الفتنة - طمع كل أحد أن يكون مثلهم ويفعل ما فعلوه فذهب لهذا المعنى خلائق ولم يصلوا إلى مقصودهم‏.‏ انتهى‏.‏
واستمر الأتابك برقوق بعد مسك هؤلاء في تخوف عظيم واحترز على نفسه من مماليكه وغيرهم غاية الاحتراز‏.‏ فأشار عليه بعد ذلك أعيان خشداشيته وأصحابه مثل أيتمش البجاسي وألطنبغا الجوباني أمير مجلس وقردم الحسني وجركس الخليلي ويونس النوروزي الدوادار وغيرهم أن يتسلطن ويحتجب عن الناس ويستريح ويريح من هذا الذي هو فيه من الاحتراز من قيامه وقعوده‏.‏

هدف الأمير برقوق للسلطنة على مصر
فجبن عن الوثوب على السلطنة وخاف عاقبة ذلك فاستحثه من ذكرناه من الأمراء فاعتذر بأنه يهاب قدماء الأمراء بالديار المصرية والبلاد الشامية‏.‏
فركب سودون الفخري الشيخوني حاجب الحجاب ودار على الأمراء سرا حتى استرضاهم ولازال بهم حتى كلموا برقوقًا في ذلك وهونوا عليه الأمر وضمنوا له أصحابهم من أعيان النواب والأمراء بالبلاد الشامية وساعدهم في ذلك موت الأمير آقتمر عبد الغني فإنه كان من أكابر الأمراء وكان برقوق يجلس في الموكب تحته لقدم هجرته وكذلك بموت الأمير أيدمر الشمسي فإنه كان أيضًا من أقران اقتمر عبد الغني فماتا في سنة واحدة على ما يأتي ذكرهما في الوفيات إن شاء الله تعالى‏.‏
فعند ذلك طابت نفسه وأجاب‏.‏
وصار يقدم رجلًا ويؤخر أخرى حتى كان يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة طلع الأمير قطلوبغا الكوكائي أمير سلاح وألطنبغا المعلم رأس نوبة إلى السلطان الملك الصالح أمير حاج صاحب الترجمة فأخذاه من قاعة الدهيشة وأدخلاه إلى أهله بالدور السلطانية وأخذا منه النمجاة وأحضراها إلى الأتابك برقوق العثماني‏.‏
وقام بقية الأمراء من أصحابه على الفور وأحضروا الخليفة والقضاة وسلطنوه على ما سنذكره في أول ترجمته بعد ذكر حوادث سنين الملك الصالح هذا على عادة هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏
وخلع الملك الصالح من السلطنة فكانت مدة سلطنته على الديار المصرية سنة واحدة وسبعة أشهر تنقص أربعة أيام على أنه لم يكن له في السلطنة من الأمر والنهي لا كثير ولا قليل‏.‏
واستمر الملك الصالح عند أهله بقلعة الجبل إلى أن أعيد للسلطنة ثانيًا بعد خلع الملك الظاهر برقوق من السلطنة وحبسه بالكرك في واقعة يلبغا الناصري ومنطاش كما سيأتي ذكر ذلك مفصلًا‏.‏
السنة الأولى من سلطنة الصالح أمير حاج الأولى وهي سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة‏.‏
على أن أخاه الملك المنصور عليًا حكم فيها من أولها إلى فيها - أعني سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة -
فبموت كثير من ألمراء القدامى فى هذه السنة صفا الوقت لبرقوق وإن كان بقي من القدماء إشقتمر المارديني وأيدمر الخوارزمي فهما ليس كهؤلاء فإنهما لحبهما لنيابة دمشق وغيرها يتواضعان لأصحاب الشوكة‏.‏ انتهى‏.‏
وكان أيدمر الشمسي هذا كونه مملوك ابن قلاوون يجلس عن اليمين وآقتمر عبد الغني عن اليسار‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وثمانية أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا‏.‏
أنتهى 170

****************************************************************************************

كاتب سيدى المسيحى الذى أسلم ليصبح وزيراً

ذكر المؤرخ المسلم المقريزى فى  المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  الجزء الثالث  ( 103 من 167 )  : " درب كاتب سيدي‏:‏ هذا الدرب من جملة خط الملحيين كان يعرف بدرب تقيّ الدين الأطرباني أحد موقعي الحكم عند قاضي القضاة تقيّ الدين الأخناوي ثم عرف بالوزير لصاحب علم الدين عبد الوهاب القبطيّ الشهير بكاتب سيدي‏.‏
الوزير كاتب سيدي‏:‏ تسمى لما أسلم بعبد الوهاب القسيس وتلقّب علم الدين وعُرف بين الكتاب الأقباط بكاتب سيدي وترقى في الخدم الديوانية حتى ولي ديوان المرتجع وتخصص باةزير الصاحب شمس الدين إبراهيم كاتب أرلان فلما أشرف من مرضه على الموت عين للوزارة من بعده علم الدين هذا فولاه الملك الظاهر وظيفة الوزارة بعد موت الوزير شمس الدين في سادس عشري شعبان سنة تسع وثمانين وسبعمائة‏.‏
فباشر الوزارة إلى يوم السبت رابع عشري رمضان سنة تسعين وسبعمائة ثم قبض عليه وأقيم في منصب الوزارة بدله الوزير الصاحب كريم الدين بن الغنام وسلمه إليه وكان قد أراد مصادرة كريم الدين فاتفق استقراره في الوزارة وتمكنه منه فألزمه بحمل مال قرّره عليه‏.‏
فيقال أنه حمل في هذا اليوم ثلثمائة ألف درهم عنها إذ ذاك نحو العشرة آلاف مثقال ذهبًا ومات بعد ذلك من هذه السنة‏.‏
وكان كاتبًا بليغًا كتب بيده بضعًا وأربعين رزمة من الورق وكانت أيامه ساكنة والأحوال متمشية وفيه لين‏.‏


**************************************************************************************

قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 140 من 167 ) : " فأقيم بعده أخوه السلطان الملك الصالح زين الدين حاجي‏:‏ في يوم الإثنين رابع عشري صفر المذكور فقام بأمر الملك وتدبير الأمور الأمير الكبير برقوق حتى خلعه في يوم الأربعاء تاسع شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة فكانت مدّته سنة وشهرين ينقصان أربعة أيام وبه انقضت دولة المماليك البحرية الأتراك وأولادهم ومدّتهم مائة وست وثلاثون سنة وسبعة أشهر وتسعة أيام أوّلها يوم الخميس عاشر صفر سنة ثمان وأربعين وستمائة وآخرها يوم الثلاثاء ثمان عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة وعدّتهم أربعة وعشرون ذكرًا ما بين رجل وصبي وامرأة واحدة وأولهم امرأة وآخرهم صبي ولما أقيم الناصر حسن بعد أخيه المظفر حاجي طلب المماليك الجراكسة الذي قربهم المظفر بسفارة الأمير أغرلو فإنه كان يدعي أنه كان جركسي الجنس وجلبهم من أماكن حتى ظهروا في الدولة وكبرت عمائمهم وكلوتاتهم فأخرجوا منفيين أنحس خروج فقدموا على البلاد الشامية والله تعالى أعلم‏
*******************************************************************************

شيخو الذى سيطر على أمور الحكم

المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  الجزء الرابع ( 147 من 167 )  : " شيخو‏:‏ الأمير الكبير سيف الدين أحد مماليك الناصر محمد بن قلاون حظي عند الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاون وزادت وجاهته حتى شفع في الأمراء وأخرجهم من سجن الإسكندرية ثم إنه استقر في أوّل دولة الملك الناصر حسن أحد أمراء المشورة وفي آخر الأمر كانت القصص تقرأ عليه بحضرة السلطان في أيام الخدمة وصار زمام الدولة بيده فساسها أحسن سياسة بسكون وعدم شر وكان يمنع كل حزب من الوثوب على الآخر فعظم شأنه إلى أن رسم السلطان بإمساك الأمير يلبغاروس نائب السلطنة بديار مصر وهو مسافر بالحجاز وكان شيخو قد خرج متصيدًا إلى ناحية طنان بالغربية فلما كان يوم السبت رابع عشري شوّال سنة إحدى وخمسين وسبعمائة أمسك السلطان الأمير منجك الوزير وحلّف الأمراء لنفسه وكتب تقليد شيخو بنيابة طرابلس وجهزه إليه مع الأمير سيف الدين طينال الجاشنكير فسار إليه وسفره من برًا فوصل إلى دمشق ليلة الثلاثاء رابع ذي القعدة فظهر مرسوم السلطان بإقامة شيخو في دمشق على إقطاع الأمير بيلبك السالميّ وبتجهيز بيلبك إلى القاهرة فخرج بيلبك من دمشق وأقام شيخو على إقطاعه بها فما وصل بيلبك إلى القاهرة إلاّ وقد وصل إلى دمشق مرسوم بإمساك شيخو وتجهيزه إلى السلطان وتقييد مماليكه وأعمالهم بقلعة دمشق فأمسك وجهّز مقيدًا فلما وصل إلى قطيا توجهوا به إلى الإسكندرية فلم يزل معتقلًا بها إلى أن خُلع السلطان الملك الناصر حسن وتولى أخوه الملك الصالح صالح فأفرج عن شيخو ومنجك الوزير وعدّة من الأمراء فوصلوا إلى القاهرة في رابع شهر رجب سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وأنزل في الأشرفية بقلعة الجبل واستمرّ على عادته وخرج مع الملك الصالح إلي الشام في واقعة يلبغاروس وتوجه إلى حلب هو والأمير طازوأرغون الكاملي خلف يبلغاروس وعاد مع السلطان إلى القاهرة وصمم حتى أمسك يلبغاروس ومن معه من الأمراء بعدما وصلوا إلى بلاد الروم وحُزت رؤسهم وأمسك أيضًا ابن دلغار وأحضر إلى القاهرة ووسِّطَ وعَلِّقَ على باب زويلة ثم خرج بنفسه في طلب الأحدب الذي خرج بالصعيد وتجاوز في سفره قوص وأمسك عدّة كثيرة ووسَّطهم حتى سكنت الفتن بأرض مصر وذلك في آخر سنة أربع وخمسين وأول سنة خمس وخمسين‏.‏
ثم خلع الملك الصالح وأقام بدله الملك الناصر حسنًافي ثاني شوّال وأخرج الأمير طاز من مصر إلى حلب نائبًا بها ومعه إخوته وصارت الأمور كلها راجعة إليه وزادت عظمته وكثرت أمواله وأملاكه ومستأجراته حتى كاد يكاثر أمواج البحر بما ملك وقيل له قارون عصره‏.‏
وعزيز مصره وأنشأ خلقًا كثيرًا فقوى بذلك حزبه وجعل في كل مملكة من جهته عدة أمراء وصارت نوابه بالشام وفي كل مدينة أمراء كبار وخدموه حتى قيل كان يدخل كل يوم ديوانه من إقطاعه وأملاكه ومستأجراته بالشام وديار مصر مبلغ مائتي ألف درهم نقرة وأكثر وهذا شيء لم يُسمع بمثله في الدولة التركية وذلك سوى الإنعامات السلطانية والتقادم التي ترد إليه من الشام ومصر وما كان يأخذ من البراطيل على ولاية الأعمال وجامعه هذا وخانقاهه التي بخط الصليبة لم يعمر مثلهما قبلهما ولا عُمل في الدولة التركية مثل أوقافهما وحسن ترتيب المعاليم بهما ولم يزل على حاله إلى أن كان يوم الخميس ثامن شعبان سنة ثمان وخمسين وسبعمائة فخرج عليه شخص من المماليك السلطانية المرتجعة عن الأمير منجك الوزير يقال له باي فجاء وهوجالس بدار العدل وضربه بالسيف في وجهه وفي يده فارتجت القلعة كلها وكثر هرج الناس حتى مات من الناس جماعة من الزحمة وركب من الأمراء الكبار عشرة وهم بالسلاح عليهم إلى قبة النصر خارج القاهرة ثم أمسك باي فجاء وقرر فلم يعترف بشيء على أحد وقال‏:‏ أنا قدّمت إليه قصة لينقلني من الجامكية إلى الإقطاع فما قضى شغلي فأخذت في نفسي من ذلك فسجن مدّة ثم سُمِّر وطيف به الشوارع وبقي شيخو عليلًا من تلك الجراحة لم يركب إلى أن مات ليلة الجمعة سادس عشري ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وسبعمائة ودفن بالخانقاه الشيخونية وقبره بها يُقرأ عنده القرآن دائمًا‏.‏
جامع الجاكيّ هذا الجامع كان بدرب الجاكي عند سويقة الريش من الحكر في برّ الخليج الغربيّ أصله مسجد من مساجد الحكر ثم زاد فيه الأمير بدر الدين محمد بن إبراهيم المهمندار وجعله جامعًا وأقام فيه منبرًا في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة فصار أهل الحكر يصلون فيه الجمعة إلى أن حدثت المحن من سنة ست وثمانمائة فخرب الحكر وبيعت أنقاض معظم الدور التي هناك وتعطل هذا الجامع من ذكر الله وإقامة الصلاة لخراب ما حوله فحكم بعض قضاة الحنفية ببيع هذا الجامع فاشتراه شخص من الوعاظ بُعرف بالشيخ أحمد الواعظ الزاهد صاحب جامع الزاهد بخط المقس وهدمه وأخذ أنقاضه فعملها في جامعه الذي بالمقس في أوّل سنة سبع عشرة وثمانمائة‏.‏
******************************************************************************
الوزير منجك
منجك‏:‏ الأمير سيف الدين اليوسفيّ لما امتنع أحمد بن الملك الناصر محمد بن قلاون بالكرك وقام في مملكة مصر بعده أخوه الملك الصالح عماد الدين إسماعيل وكان من محاصرته بالكرك ما كان إلى أن أخذ فتوجه إليه وقطع رأسه وأحضرها إلى مصر وكان حينئذِ أحد السلاحدارية فأعطى إمرة بديار مصر وتنقل في الدول إلى أن كانت سلطنة الملك المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن قلاون فأخرجه من مصر إلى دمشق وجعله حاجبًا بها موضع ابن طغريل فلما قتل الملك المظفر وأقيم بعده أخوه الملك الناصر حسن أقيم الأمير سيف الدين يلبغاروس في نيابة السلطنة بديار مصر وكان أخا منجك فاستدعاه من دمشق وحضر إلى القاهرة في ثامن شوّال سنة ثمان وأربعين وسبعمائة فرسم له بأمرة تقدمة ألف وخلع عليه خلع الوزارة فاستقرّ وزيرًا وأستادارًا وخرج في دست الوزارة والأمراء في خدمته من القصر إلى قاعة الصاحب بالقلعة فجلس بالشباك ونفذ أمور الدولة ثم اجتمع الأمراء وقرأ عليهم أوراقًا تتضمن ما على الدولة من المصروف ووفر من جامكية المماليك مبلغ ستين ألف درهم في الشهر وقطع كثيرًا من جوامك الخدم والجواري والبيوتات السلطانية ونقص رواتب الدور من زوجات السلطان وجواريه وقطع رواتب الأغاني وعرض الإسطبل السلطانيّ وقطع منه عدّة أميراخورية وسراخورية وسواس وغلمان ووفر من راتب الشعير نحو الخمسين إردبًا في كل يوم وقطع جميع الكلابزية وكانوا خمسين جوقة وأبقى منهم جوقتين ووفر جماعة من الأسرى والعتالين والمستخدمين في العمائر وأبطل العمارة من بيت السلطان وكانت الحوائجخاناه تحتاج في كل يوم إلى أحد وعشرين ألف درهم نقرة فاقتطع منها مبلغ ثلاثة آلاف درهم وبقي مصروفها في اليوم ثمانية عشر ألف درهم نقرة وشرع ينكث على الدواوين ويحط على القاضي موفق الدين ناظر الحولة وعلى القاضي علم الدين بن زنبور ناظر الخواص ورسم أن لا يستقرّ في المعاملات سوى شاهد واحد وعامل وشاد بغير معلوم وأغلظ على الكتاب والدواوين وهدّدهم وتوعدهم فخافوه واجتمع بعضهم ببعض واشتوروا في أمرهم واتفقوا على مال يتوزعونه بينهم على قدر حال كل منهم وحملوه إلى منجك سرّاَ فلم يمض من استقراره في الوزارة شهر حتى صار الكتاب وأرباب الدواوين أحباءه وأخلاّءه وتمكنوا منه أعظم ما كانوا قبل وزارته وحسنوا له أخذ الأموال فطلب ولاة الأقاليم وقبض على أقبغا والي الغربية وألزمه بحمل خمسمائة ألف درهم نقرة وولى عوضه الأمير استدمر القلنجيّ ثم صرفه وولى بدله قطليجا مملوك بكتمر واستقرّ باستدمر القلنجي في ولاية القاهرة وأضاف له التحدّث في الجهات وولى البحرية لرجل من جهته وولى قوص لآخر وأوقع الحوطة على موجود إسماعيل الواقدي متولى قوص وأخذ جميع خواصه وولي طغاي كشف الوجه القبلي عوضًا عن علاء الدين عليّ بن الكوراني وولى ابن المزوق قوص وأعمالها وولى مجد الدين موسى الهدبانيّ الأشمونين عوضًا عن ابن الأزكشيّ وتسامعت الولاة وأرباب الأعمال بأن الوزير فتح باب الأخذ على الولايات فهرع الناس إليه من جهات مصر والشام وحلب وقصدوا بابه ورتب عنده جماعة برسم قضاء الأشغال فأتاهم أصحاب الأشغال والحوائج وكان السلطان صغيرًا حظه من السلطنة أن يجلس بالإيوان يومين في الأسبوع ويجتمع أهل الحل والعقد مع سائر الأمراء فيه فإذا انقضت خدمة الإيوان خرج الأمير منكليبغا الفخريّ والأمير بيغرا والأمير يلبغا تتر والمجديّ وأرلان وغيرهم من الأمراء ويدخل إلى القصر الأمير يلبغاروس نائب السلطنة والأمير سيف الدين منجك الوزير والأمير سيف الدين شيخو العمريّ والأمير الجيبغا المظفري والأمير طيبرق ويتفق الحال بينهم على ما يرونه هذا والوزير أخو النائب متمكن تمكنًا زائدًا وقدم من دمشق جماعة للسعي عند الوزير في وظائف منهم ابن السلعوس وصلاح الدين بن المؤيد وابن الأجل وابن عبد الحق وتحدّثوا مع ابن الأطروش محتسب القاهرة في أغراضهم فسعى لهم حتى تقرّروا فيما عينوا‏.‏
ولما دخلت سنة تسع وأربعين عرف الوزير السلطان والأمراء أنه لما ولي الوزارة لم يجد في الإهراء ولا في بيت المال شيئًا وسأل أن يكون هذا بمحضر من الحكام فرسم للقضاة بكشف ذلك فركبوا إلى الإهراء بمصر وإلى بيت المال بقلعة الجبل وقد حضر الدواوين وسائر المباشرين وأشهدوا عليهم أن الأمير منجك لما باشر الوزارة لم يكن بالإهراء ولا ببيت المال قدح غلة ولا دينار ولا درهم وقرئت المحاضر على السلطان والأمراء فلما كان بعد ذلك توقف أمر الدولة على الوزير فشكا إلى الأمراء من كثرة الرواتب فاتفق الرأي على قطع نحو ستين سوّاقًا فقطعهم ووفر لحومهم وعليقهم وسائر ما باسمهم من الكساوي وغيرها وقطع من العرب الركابة والنجابة ومن أرباب الوظائف في بيت السلطان ومن الكتاب والمباشرين ما جملته في اليوم أحد عشر ألف درهم وفتح باب المقايضات باقطاعات الأجناد وباب النزول عن الإقطاعات بالمال فحصل من ذلك مالًا كثيرًا وحكم على أخيه نائب السلطنة بسبب ذلك وصار الجنديّ يبيع إقطاعه لكل من أراد سواء كان المنزول له جنيدًا أو عامّيًا وبلغ ثمن الإقطاع من عشرين ألف درهم إلى ما دونها وأخذ يسعى أن تضاف وظيفة نظر الخاص إلى الوزارة وأكثر من الحط على ناظر الخاص فاحترس ابن زنبور منه وشرع في إبعاده مرّة بعد مرّة مع الأمير شيخو فمنع شيخو منجك من التحدّث في الخاص وخرج عليه فشق ذلك على منجك وافترقا عن غير رضى فتغير يلبغاروس النائب على شيخو رعاية لأخيه‏.‏
وسأل أن يُعفى من النيابة ويُعفى منجك من الوزارة واستقراره في الأستادارية والتحدّث في عمل حفر البحر وأن يستقرّ أستدمر العمريّ المعروف برسلان بصل في الوزارة فطلب وكان قد حضر من الكشف وألبس خلع الوزارة في يوم الإثنين الرابع والعشرين من شهر ربيع الأوّل وكان منجك قد عزل من الوزارة في ثالث ربيع الأوّل المذكور وتولى أمر شدّ البحر فجبى من الأجناد من كل مائة ديناردرهمًا ومن التجار والمتعيشين في مصر والقاهرة من كل واحد عشرة دراهم إلى خمسة دراهم إلى درهم ومن أصحاب الأملاك والدور في مصر والقاهرة على كل قاعة ثلاثة دراهم وعلى كل طبقةدرهمين وعلى كل مخزن أو اصطبل درهمًا وجعل المستخرج في خان مسرور بالقاهرة والمشد على المستخرج الأمير بيلك فجبى مال كبير وأما استدمر فإن أحوال الدولة توقفت في أيامه فسأل في الإعفاء فأعفي وأعيد منجك إلى الوزارة بعد أربعين يومًا وقد تمنع تمنعًا كبيرًا ولما عاد إلى الوزارة فتح باب الولايات بالمال فقصده الناس وسعوا عنده فولى وعزل وأخذ في ذلك مالًا كثيرًا‏.‏
فيقال أنه أخذ من الأمير مازان لما نقله من المنوفية إلى الغربية ومن ابن الغساني لما نقله من الأشمونين إلى البهنساوية ومن ابن سلمان لما ولاه منوف ستة آلاف دينار ووفر إقطاع شاد الدواوين وجعله باسم المماليك السلطانية ووفر جوامكهم ورواتبهم وشرع أوباش الناس في السعي عنده في الوظائف والمباشرات بمال وأتوه من البلاد فقضى أشغالهم ولم يرد أحدًا طلب شينًا ووقع في أيامه الفناء العظيم فانحلت إقطاعات كثيرة فاقتضى رأي الوزير أن يوفر الجوامك والرواتب التي للحاشية وكتب لسائر أرباب الوظائف وأصحاب الأشغال والمماليك السلطانية مثالات بقدر جوامك كل منهم وكذلك لأرباب الصدقات فأخذ جماعة من الأقباط ومن الكتاب ومن الموقعين إقطاعات في نظير جوامكهم وتوفر في الدولة مال كبير عن الجوامك والرواتب‏.‏
ولما دخلت سنة خمسين رسم الأمير منجك الوزير لمتولي القاهرة بطلب أصحاب الأرباع وكتابة جميع أملاك الحارات والأزقة وسائر أخطاط مصر والقاهرة ومعرفة أسماء سكانها والفحص عن أربابها ليعرف من توفر عنه ملك بموته في الفناء فطلبوا الجميع وأمعنوا في النظر فكان يوجد في الحارة الواحدة والزقاق الواحد ما يزيد على عشرين دارًا خالية لا يُعرف أربابها فختموا على ما وجدوه من ذلك ومن الفنادق والخانات والمخازن حتى يحضر أربابها‏.‏
وفي شعبان عزل ولاة الأعمال وأحضرهم إلى القاهرة وولى غيرهم وأضاف إلى كل وال كشف الجسور التي في عمله وضمن الناس سائر جهات القاهرة ومصر بحيث أنه لا يتحدث أحد معه من المقدّمين والدواوين والشادّين وزاد في المعاملات ثلاثمائة ألف درهم وخلع عليه ونودي له بمصر والقاهرة فاشتدّ ظلمه وعسفه وكثرت حوادثه‏.‏
فلما كانت ليالي عيد الفطر عزف الوزير الأمراء أن سماط العيد ينصرف عليه جملة ولا ينتفع به أحد فأبطله ولم يعمل تلك السنة‏.‏
وفي ذي القعدة توقف حال الدولة ووقف مماليك السلطان وسائر المعاملين والحوائجكاشية وانزعج السلطان والأمراء بسبب ذلك على الوزير‏.‏
فاحتج بكثرة الكلف وطلب الموفق ناظر الدولة فقال‏:‏ إن الانعامات قد كثرت والكلف تزايدت وقد كانت الحوائجخاناه في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون في اليوم ينصرف فيها مبلغ ثلاثة عشر ألف درهم واليوم ينصرت فيها اثنان وعشرون ألف درهم فكتبت أوراق بمتحصل الدولة ومصروفها وبمتحصل الخاص ومصروفه فجاءت أوراق الدولة ومتحصلها عشرة آلاف ألف درهم وكلفها أربعة عشر ألف ألف درهم وستمائة ألف درهم ووجد الأنعام من الخاص والجيش بما خرج من البلاد زيادة على إقطاعات الأمراء فكان زيادة على عشرين ألف دينار سوى جملة من الغلال وأن الذي استجد على الدولة من حين وفاة الملك الناصر في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين إلى مستهل المحرّم سنة خمسين وسبعمائة‏.‏
وكانت جملة الإنعامات والإقطاعات بنواحي الصعيد والفيوم وبلاد الملك والوجه البحري وما أعطى من الرزق للخدّام والجواري سبعمائة ألف ألف وألف ألف وستمائة ألف معينة بأسماء أربابها من أمير وخادم وجارية وكانت النساء قد أسرفن في عمل القمصان والبغالطيق حتى كان يفضل من القيمص كثير على الأرض وسعة الكم ثلاثة أذرع ويسمينه البهطلة وكان يغرم على القميص ألف درهم وأكثر وبلغ إزار المرأة إلى ألف درهم وبلغ الخف والسرموزة إلى خمسمائة درهم وما دونها إلى مائة درهم‏.‏
فأمر الوزير منجك بقطع أكمام النساء وأخرق بهنّ وأمر الوالي بتتبع ذلك ونودي بمنع النساء من عمل ذلك وقبض على جماعة منهنّ وركب على سور القاهرة صور نساء عليهنّ تلك القمصان بهيئة نساء قد قتلن عقوبة على ذلك فانكففن عن لبسها ومُنع الأساكفة من عمل الأخفات المثمنة ونودي في القياسر من باع إزار حرير ماله للسلطان فنودي على إزار ثمنه سبعمائة وعشرون درهمًا فبلغ ثمانين درهمًا ولم يجسر أحد أن يشتريه وبالغ الوزير في الفحص عن ذلك حتى كشف دكاكين غسالي الثياب وقطع ما وجد من ذلك فامتنع النساء من لبس ما أحدثنه من تلك المنكرات ولما عظم ضرر الفار أيضًا من كثرة شكاية الناس فيه فلم يسمع فيه الوزير قولًا وقام في أمره الأمير مغلطاي أميراخور فاستوحش منه الوزير واتفق أنه كان قد حج محمد بن يوسف مقدّم الدولة في محمل كبير بلغ عليق جماله في اليوم مائتي عليقة ولما قدم في المحرّم مع الحاج أهدى للنائب وللوزير وللأمير طاز وللأمير صرغتمش هدايا جليلة ولم يهد للأمير شيخو ولا للأمير مغلطاي شيئًا ثم لما عاب عليه الناس ذلك أهدى بعد عدة أيام للأمير شيخو هديه فردها عليه ثم أنه أنكر على الوزير في مجلس السلطان ما يفعله ولاة البر وما عليه مقدّم الدولة من كثرة المال وأغلظ في القول فرسم بعزل الولاة والقبض على المقدّم محمد بن يوسف وابن عمه المقدّم أحمد بن زيد فلم يسع الوزير غير السكوت‏.‏
فلما كان في رابع عشري شوّال سنة إحدى وخمسين قبض على الوزير منجك وقيد ووقعت الحوطة على سائر حواصله فوجدت له زردخاناه حمل خمسين جملًا ولم يظهر من النقد كثير مال فأمر بعقوبته‏.‏
فلما خوف أقرّ بصندوق فيه جوهر وقال‏:‏ سائر ما كان يتحصل لي من النقد كنت اشتري به أملاكًا وضياعًا وأصناف المتاجر فاحيط بسائر أمواله وحمل إلى الإسكندرية مقيدًا واستقر الأمير بلبان السنانيّ نائب البيرة أستادارًا عوض منجك بعد حضوره منها وأضيفت الوزارة إلى القاضي علم الدين بن زنبور ناظر الخاص فلم يزل منجك مسجونًا بالإسكندرية إلى أن خلع الملك الناصر حسن وأقيم بدله في المملكة أخوه الملك الصالح صالح فأمر بالإفراج عن الأمير شيخو والأمير منجك فحضرا إِلى القاهرة في رجب سنة اثنتين وخمسين ولما استقرّ الأمير منجك بالقاهرة بعث إليه الأمير شيخو خمس رؤوس خيل وألفي دينار وبعث إليه جميع الأمراء بالتقادم وأقام بطالًا يجلس على حصير فوقه ثوب سرج عتيق وكلما أتاه أحد من الأمراء يبكي ويتوجع ويقول أخذ جميع مالي حتى صرت على الحصير ثم كتب فتوى تتضمن أن رجلًا مسجونًا في قيد هدّد بالقتل إن لم يبع أملاكه وأنه خشي على نفسه القتل فوكل في بيعها‏.‏
فكتب له الفقهاء لا يصح بيع المكره‏.‏
ودار على الأمراء وما زال بهم حتى تحدّثوا له مع السلطان في ردّ أملاكه عليه فعارضهم الأمير صرغتمش ثم رضي أن يردّ عليه من أملاكه ما أنعم به السلطان على مماليكه فاستردّ عدّة أملاك وأقام إلى أن قام يلبغاروس بحلب فاختفى منجك وطلب فلم يوجد وأطلق النداء عليه بالقاهرة ومصر وهدّد من أخفاه وألزم عربان العائد باقتفاء أثره فلم يوقف له على خبر وكبس عليه عدة أماكن بالقاهرة ومصر وفتش عليه حتى في داخل الصهريج الذي بجامعه فأعيى أمره وأدرك السلطان السفر لحرب يلبغاروس فشرع في ذلك إلى يوم الخميس رابع شعبان فخرج الأمير طاز بمن معه‏.‏
وفي يوم الاثنين سابعه عرض الأمير شيخو والأمير صرغتمش أطلابهما وقد وصل الأمير طاز إلى بلبيس فحضر إليه من أخبره أنه رأى بعض أصحاب منجك فسير إليه وأحضره وفتشه فوجد معه كتاب منجك إلى أخيه يلبغاروس وفيه أنه مختف عند الحسام الصفديّ استاداره فبعث الكتاب إلى الأمير شيخو فوافاه والأطلاب خارجة فاستدعى بالحسام وسأله فأنكر فعاقبه الأمير صرغتمش فلم يعترف فركب إلى بيت الحسام بجوار الجامع الأزهر وهجمه فإذا بمنجك ومعه مملوك فكتفه وسار به مشهورًا بين الناس وقد هرعوا من كلّ مكان إلى القلعة فسجن بالإسكندرية إلى أن شفع فيه الأمير شيخو فأفرج عنه في ربيع الأوّل سنة خمس وخمسين ورسم أن يتوجه إلى صفد بطالًا فسار إليها من غير أن يعبر إلى القاهرة فلما خُلع الملك الصالح صالح وأعيد السلطان حسن في شوّال منها نقل منجك من صفد وأنعم عليه بنيابة طرابلس عوضًا عن أيتمش الناصريّ فسار إليها وأقام بها إلى أن قبض على الأمير طاز نائب حلب في سنة تسع وخمسين فولي منجك عوضًا عنه ولم يزل بحلب إلى أن فر منها في سنة ستين فلم يُعرف له خبر وعوقب بسببه خلق كثير ثم قبض عليه بدمشق في سنة إحدى وستين فحمل إلى مصر وعليه بشت صوف عسليّ وعلى رأسه مئزر صوف فلم يؤاخذه السلطان وأعطاه إمرة طبلخاناه ببلاد الشام وجعله طرخاناه يقيم حيث شاء من البلاد الإسلامية وكتب له بذلك‏.‏
فلما قتل السلطان حسن وأقيم من بعده في المملكة الملك المنصور محمد بن المظفر حاجي في جمادى الأولى سنةاثنتين وستين خامر الأمير نائب الشام على الأميريلبغا العمري القائم بتدبير دولةالملك المنصور ورافقه جماعة من الأمراء منهم الأمير منجك فخرج الأمير يلبغا بالمنصور والعساكر من قلعة الجبل إلى البلاد الشامية فوافى دمشق ومشى الناس بينه وبين الأمير بيدمر حتى تمّ الصلح وحلف الأمير يلبغا أنه لا يؤذي بيدمر ولا منجك فنزلا من قلعة دمشق وقيدهما وبعث بهما إلى الإسكندرية فسجنا بها إٍلى أن خُلع الأمير يلبغا المنصور وأقام بدله الملك الأشرف شعبان بن حسين وقتل الأمير يلبغا فأفرج الملك الأشرف عن منجك وولاه نيابة السلطنة بدمشق عوضًا عن الأمير عليّ المارداني في جمادى الأولى سنة تسع وستين فلم يزل في نيابة دمشق إلى أن حضر إلى السلطان زائرًا في سنة سبعين بتقادم كثيرة جليلة وعاد إلى دمشق وأقام بها إلى أن استدعاه السلطان في سنة خمس وسبعين إلى مصر وفوّض إليه نيابة السلطنة بديار مصر وعمله أتابك العساكر وجعل تدبير المملكة إليه وأن يخرج الأمهات للبلاد الشامية وأن يولي ولاة أقاليم مصر والكشاف ويخرج الإقطاعات بمصر من عبرة ستمائة دينار إلى ما دونها وكانت عادة النوّاب قبله أن لا يخرج من الإقطاعات إلاّ ما عبرته أربعمائة دينار فما دونها فعمل النيابة على قالب جائر وحرمة وافرة إلى أن مات حتف أنفه في يوم الخميس التاسع والعشرين من ذي الحجة سنة ست وسبعين وسبعمائة وله من العمر نيف وستون سنة وشهد جنازته سائر الأعيان ودفن بتربته المجاورة لجامعه هذا وله سوى الجامع المذكور من الآثار بديار مصر خان منجك في القاهرة ودار منجك برأس سويقة العزي بالقرب من مدرسة السلطان حسن وله بالبلادالشامية عدة آثار من خانات وغيرها رحمه الله‏.‏
جامع منجك  : هذا الجامع يُعرف موضعه بالثغرة تحت قلعة الجبل خارج باب الوزير أنشأه الأمير سيف الدين منجك اليوسفيّ في مدّة وزارته بديار مصر في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وصنع فيه صهريجًا فصار يُعرف إلى اليوم بصهريج منجك ورتب فيه صوفية وقرّر لهم في كل يوم طعامًا ولحمًا وخبزًا وفي كل شهر معلومًا وجعل فيه منبرًا ورتب فيه خطيبًا يُصلي بالناس فيه صلاة الجمعة وجعل على هذا الموضع عدة أوقاف منها ناحية بلقينة بالغربية وكانت مرصدة برسم الحاشية فقومت بخمسة وعشرين ألف دينار فاشتراها من بيت المال وجعلها وقفًا على هذا المكان‏.‏
الجامع الأخضر هذا الجامع خارج القاهرة بخط فم الخور عُرف بذلك لأن بابه وقبته فيهما نقوش وكتابات خضر والذي أنشأه خازندار الأمير شيخو واسمه‏. 

========================================================================

This site was last updated 04/02/11