Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين على مصر 175/11 م.ح

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل 

Home
Up
أيبك165/ 1 م.ح
نور الدين166/ 2 م.ح
قطز 167/ 3 م.ح
بيبرس168/ 4 م.ح
السعيد 169/ 5 م.ح
سلامش 170/ 6 م.ح
سيف الدين171/ 7 م.ح
صلاح الدين172/ 8 م.ح
بن قلاوون 173/ 9 م.ح
زين الدين174/ 10 م.ح
حسام الدين175/ 11 م.ح
بن قلاوون 176/ 12 م.ح
بيبرس177/ 13 م.ح
أحمد178/ 14 م.ح
إسماعيل179/ 15 م.ح
بن قلاوون180/ 16 م.ح
أبو بكر181/ 17 م.ح
كجك182/ 18 م.ح
شعبان 183/ 19 م.ح
حسن 184/ 20 م.ح
صالح 185/ 21 م.ح
حسن186/ 22 م.ح
محمد187/ 23 م.ح
شعبان188/ 24 م.ح
على 189/ 25 م.ح
أمير حاج 190/ 26 م.ح

Hit Counter

 


 

السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين على مصر

ثم كتب له الملك المنصور حسام الدين لاجين تقليدًا بنيابة صرخد فقبل الملك العادل ذلك وباشر نيابة صرخد سنين إلى أن نقله السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته الثانية من نيابة صرخد إلى نيابة حماة وصار من جملة نواب السلطنة وكتب له عن السلطان كما يكتب لأمثاله من النواب وسافر في التجاريد في خدمة نواب دمشق وحضر الجهاد ولم يزل على نيابة حماة حتى مات بها في ليلة الجمعة يوم عيد الأضحى وهو في سن الكهولية ودفن بحماة ثم نقل منها ودفن بتربته التي أنشأها بسفح جبل قاسيون دمشق غربي الرباط الناصري وله عليها أوقاف‏.‏
وكان ملكًا خيرًا دينًا عاقلًا عادلًا سليم الباطن شجاعًا متواضعًا وكان يحب الفقهاء والعلماء والصلحاء ويكرمهم إكرامًا زائدًا وكان أسمر اللون قصيرًا دقيق الصدر قصير العنق وكان له لحية صغيرة في حنكه‏.‏
أسر صغيرًا من عسكر هولاكو‏.‏
وكان لما ولي سلطنة مصر والشام تشاءم الناس به وهو أن النيل قد بلغ في تلك السنة ست عشرة ذراعًا ثم هبط من ليلته فشرقت البلاد وأعقبه غلاء عظيم حتى أكل الناس الميتة‏.‏
وقد تقدم ذكر ذلك في أول ترجمته ومات الملك العادل كتبغا المذكور بعد أن طال مرضه واسترخى حتى لم يبق له حركة وترك عدة أولاد وتولى نيابة حماة بعده الأمير بتخاص المنصوري نقل إليها من نيابة الشوبك‏.‏
وأمر كتبغا هذا هو خرق العادة من كونه كان ولي سلطنة مصر أكثر من سنتين وصار له شوكة ومماليك وحاشية ثم يخلع ويصير من جملة نواب السلطان بالبلاد الشامية فهذا شيء لم يقع لغيره من الملوك‏.‏
وأعجب من هذا أنه لما قتل الملك المنصور لاجين وتحير أمراء مصر فيمن يولونه السلطنة من بعده لم يتعرض أحد لذكره ولا رشح للعود البتة حتى احتاجوا الأمراء وبعثوا خلف الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك وأتوا به وسلطنوه‏.‏
قلت‏:‏ وما أظن أن القلوب نفرت منه إلا لما رأوه من دنيء همته عندما خلع من السلطنة وتسليمه للأمر من غير قتال ولا ممانعة وكان يمكنه أن يدافع بكل ما تصل القدرة إليه ولو ذهبت روحه عزيزة غير ذليلة وما أحسن قول عبد المطلب جد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لنا نفوس لنيل المجد عاشقة وإن تسلت أسلناها على الأسل لا ينزل المجد إلا في منازلنا كالنوم ليس له مأوى سوى المقل وقول عنترة أيضًا‏:‏ الوافر أروم من المعالي منتهاها ولا أرضى بمنزلة دنيه فإما أن أشال على العوالي وإما أن توسدني المنيه ويعجبني المقالة الثامنة عشرة من تأليف العلامة شرف الدين عبد المؤمن بن هبه الله الأصفهاني المعروف بشوروة فإن أوائلها تقارب ما نحن فيه وهي‏:‏ رتبة الشرف لا تنال بالترف والسعادة أمر لا يدرك إلا بعيش يفرك وطيب يترك ونوم يطرد وصوم يسرد وسرور عازب وهم لازب ومن عشق المعالي ألف الغم ومن طلب اللآليء ركب اليم ومن قنص الحيتان ورد النهر ومن خطب الحصان نقد المهر كلا أين أنت من المعالي‏!‏ إن السحوق جبار وأنت قاعد والفيلق جرار وأنت واحد العقل يناديك وأنت أصلخ ويدنيك ويحول بينكما البرزخ لقد أزف الرحيل قاستنفد جهدك وأكثب الصيد فضمر فهدك فالحذر يترصد الانتهاز والحازم يهيىء أسباب الجهاز تجرع مرارة النوائب في أيام معدودة لحلاوة معهودة غير محدودة وإنما هي محنة بائدة تتلوها فائدة وكربة نافذة بعدها نعمة خالدة وغنيمة باردة فلا تكرهن صبرًا أو صابا يغسل عنك أو صابا ولا تشربن وردًا يعقبك سقاما ولا تشمن وردًا يورثك زكاما ما ألين الريحان لو لا وخز البهمى وما أطيب الماذي لولا حمة الحمى‏!‏ فلا تهولنك مرارات ذاقها عصبة إنما يريد الله ليهديهم بها ولا تروقنك حلاوات نالها فرقة إنما يريد الله ليعذبهم بها‏.‏ انتهى‏.‏

هو السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين بن عبد الله المنصوري سلطان الديار المصرية تسلطن بعد خلع الملك العادل كتبغا المنصوري كما تقدم ذكره في يوم الجمعة عاشر صفر من سنة ست وتسعين وستمائة‏.‏

وأصل لاجين هذا مملوك للملك المنصور قلاوون اشتراه ورباه وأعتقه ورقاه إلى أن جعله من جملة مماليكه فلما تسلطن أمره وجعله نائبًا بقلعة دمشق‏.‏

فلما خرج الأمير سيف الدين سنقر الأشقر عن طاعة الملك المنصور قلاوون وتسلطن بدمشق وتلقب بالملك الكامل وملك قلعة دمشق قبض على لاجين هذا وحبسه مدة إلى أن انكسر سنقر الأشقر وملك الأمير علم الدين سنجر الحلبي دمشق أخرجه من محبسه ودام لاجين بدمشق إلى أن ورد مرسوم الملك المنصور قلاوون باستقرار لاجين هذا في نيابة دمشق دفعة واحدة فوليها ودام بها إحدى عشرة سنة إلى أن عزله الملك الأشرف خليل بن قلاوون بالشجاعي ثم قبض عليه ثم أطلقه بعد أشهر ثم قبض عليه ثانيًا مع جماعة أمراء وهم‏:‏ الأمير سنقر الأشقر المقدم ذكره الذي كان تسلطن بدمشق وتلقب بالملك الكامل والأمير ركن الدين طقصو الناصري حمو لاجين هذا والأمير سيف الدين جرمك الناصري والأمير بلبان الهاروني وغيرهم فخنقوا الجميع وما بقي غير لاجين هذا فقدموه ووضعوا الوتر في حلقه وجذب الوتر فانقطع وكان الملك الأشرف حاضرًا فقال لاجين‏:‏ يا خوند أيش لي ذنب‏!‏ ما لي ذنب إلا أن صهري طقصو ها هو قد هلك وأنا أطلق ابنته فرق له خشداشيته وقبلوا الأرض وسألوا السلطان فيه وضمنوه فأطلقه وخلع عليه وأعطاه إمرة مائة فارس بالديار المصرية وجعله سلاح دار‏.‏
قلت‏:‏ يعني جعله أمير سلاح فإن أمير سلاح هو الذي يناول السلطان السلاح وغيره‏.‏
قلت‏:‏ لله در المتنبي حيث يقول‏:‏ الكامل لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم وذلك أن لاجين لما خرج من الحبس وصار من جملة الأمراء خاف على نفسه واتفق مع الأمير بيدرا نائب السلطنة وغيره على قتل الأشرف حتى تم لهم ذلك حسب ما تقدم ذكره في ترجمة الملك الأشرف‏.‏
ثم اختفى لاجين أشهرًا إلى أن أصلح أمره الأمير كتبغا وأخرجه وخلع عليه الملك الناصر محمد بن قلاوون كما تقدم وجعله على عادته‏.‏ كل ذلك بسفارة الأمير كتبغا‏.‏
ثم لما تسلطن كتبغا جعله نائب سلطنته بل قسيم مملكته واستمر لاجين على ذلك حتى سافر الملك العادل كتبغا إلى البلاد الشامية وأصلح أمورها وعاد إلى نحو الديار المصرية وسار حتى نزل بمنزلة اللجون اتفق لاجين هذا مع جماعة من أكابر الأمراء على قتل الملك العادل كتبغا ووثبوا عليه بالمنزلة المذكورة وقتلوا الأميرين‏:‏ بتخاص وبكتوت الأزرق العادليين وكانا من أكابر مماليك الملك العادل كتبغا وأمرائه واختبط العسكر وبلغ الملك العادل كتبغا ذلك ففاز بنفسه وركب في خمسة من خواصه وتوجه إلى دمشق‏.‏ وقد حكينا ذلك كله في ترجمة كتبغا‏.‏
فاستولى عند ذلك لاجين على الخزائن والدهليز وبرك السلطنة وساق الجميع أمامه إلى مدينة غزة‏.‏ وبايعوه الأمراء بالسلطنة بعد شروط اشترطوها الأمراء عليه حسب ما يأتي ذكرها في محله‏.‏ وسار الجميع إلى نحو الديار المصرية حتى دخلوها وملكوا القلعة بغير مدافع وجلس لاجين هذا على كرسي المملكة في يوم الجمعة المقدم ذكره‏.‏
وتم أمره وخلع على الأمراء بعدة وظائف وهم‏:‏ الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصوري بنيابة السلطنة بالديار المصرية عوضًا عن نفسه وخلع على الأمير قبجق المنصوري بنيابة الشام عوضًا عن الأمير أغزلو العادلي وعلى عدة أمراء أخر‏.‏
ثم ركب الملك المنصور لاجين بعد ذلك من قلعة الجبل في يوم الاثنين العشرين من صفر بأبهة السلطنة وعليه الخلعة الخليفتية وخرج إلى ظاهر القاهرة إلى جهة قبة النصر ثم عاد من باب النصر وشق القاهرة إلى أن خرج من باب زويلة والأمراء والعساكر بين يديه وحمل الأمير بدر الدين بيسري الجتر على رأسه وطلع إلى القلعة‏.‏ وخلع أيضًا على الأمراء وأرباب الوظائف على العادة‏.‏ واستمر في السلطنة وحسنت سيرته وباشر الأمور بنفسه وأحبه الناس لولا مملوكه منكوتمر فإنه كان صبيًا مذموم السيرة‏.‏
ولما كان يوم الثلاثاء منتصف ذي القعدة من سنة ست وتسعين وستمائة قبض السلطان الملك المنصور لاجين على الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصوري نائب السلطنة وحبسه وولى مملوكه منكوتمر المذكور نيابة السلطنة عوضه فعظم ذلك على أكابر الأمراء في الباطن‏.‏
ثم بعد أيام ركب السلطان الملك المنصور لاجين ولعب الكرة بالميدان فتقنطر به الفرس فوقع من عليه وتهشم جميع بدنه وانكسرت يده وبعض أضلاعه ووهن عظمه وضعفت حركته وبقي يعلم عنه مملوكه ونائبه سيف الدين منكوتمر وأيس من نفسه‏.‏
كل ذلك والأمراء راضون بما يفعله منكوتمر لأجل خاطره إلى أن من الله تعالى عليه بالعافية وركب ولما ركب زينت له القاهرة ومصر والبلاد الشامية لعافيته وفرح الناس بعافيته فرحًا شديدًا خصوصا الحرافيش فإنه لما ركب بعد عافيته قال له واحد من الحرافشة‏:‏ يا قضيب الذهب بالله أرني يدك فرفع إليه يده وهو ماسك المقرعة وضرب بها رقبة الحصان الذي تحته‏.‏  وكان ركوبه في حادي عشرين صفر من سنة سبع وتسعين وستمائة‏.‏
ثم جهز السلطان الملك المنصور العساكر إلى البلاد الشامية لغزو سيس وغيرها وعليهم الأمير علم الدين سنجر الدواداري وغيره من الأمراء وسارت العساكر من الديار المصرية إلى البلاد الشامية وفتحت تل حمدون وتل باشر وقلعة مرعش وجاء الأمير علم الدين سنجر الدواداري حجر في رجله عطله عن الركوب في أيام الحصار‏.‏ أستشهد الأمير علم الدين سنجر المعروف بطقصبا وجرح جماعة كثيرة من العسكر والأمراء‏.‏ ثم إن الملك المنصور قبض على الأمير عز الدين أيبك الحموي المعزول عن نيابة دمشق قبل تاريخه بمدة سنين وعلى الأمير سنقر شاه الظاهري لأمر بلغه عنهما‏.‏
ثم في أواخر صفر أخرج السلطان الملك المنصور لاجين الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصرية إلى الكرك ليقيم بها وفي خدمته الأمير جمال الدين آقوش أستاذ دار الملك المنصور فنزل الملك الناصر محمد بحواشيه من قلعة الجبل وسافر حتى وصل إلى الكرك ثم بدا للسلطان الملك المنصور هذا أن يعمل الروك بالديار المصرية وهو الروك الحسامي فلما كان يوم سادس جمادى الأولى من سنة سبع وتسعين وستمائة ابتدأ عمل الروك والشروع فيه في إقطاعات الأمراء وأخباز الحلقة والأجناد وجميع عساكر الديار المصرية واستمروا في عمله إلى يوم الاثنين ثامن شهر رجب من سنة سبع وتسعين وستمائة وفرقت المثالات على الأمراء والمقدمين‏.‏
وفي اليوم العاشر ضرع نائب السلطنة الأمير سيف الدين منكوتمر في تفرقة المثالات على الحلقة والبحرية ومماليك السلطان وغير ذلك فكان كل من وقع له مثال لا سبيل له إلى المراجعة فيه فمن الجند من سعد ومنهم من شقي وأفرد للخاص أعمال الجيزية بتمامها وكمالها ونواحي الصفقة الإتفيحية وثغر دمياط والإسكندرية ونواحي معينة من البلاد القبلية والبحرية وعين لمنكوتمر من النواحي ما اختاره لنفسه وأصحابه وكان الحكم في التعيين لداوين منكوتمر والاختيار لهم في التفرقة وكان الذي باشر هذا الروك وعمله من الأمراء الأمير بدر الدين بيليك الفارسي الحاجب والأمير بهاء الدين قراقوش الطواشي الظاهري‏.‏ وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي‏:‏ وكان مدة عمل الروك ثمانية أشهر إلا أيامًا قلائل‏.‏ ثم تقنطر السلطان الملك المنصور لاجين عن فرسه في لعب الكرة انتهى كلام الصفدي‏.‏
وقال القطب اليونيني‏:‏ حكى بعض كتاب الجيش بالديار المصرية في سنة سبعمائة قال لي‏:‏ أخدم في ديوان الجيش بالديار المصرية أربعين سنة قال‏:‏ والديار المصرية أربعة وعشرون قيراطًا منها‏:‏ أربعة قراريط للسلطان ولما يطلقه وللكلف والرواتب وغير ذلك ومنها عشرة للأمراء والإطلاقات والزيادات ومنها عشرة قراريط للحلقة قال‏:‏ وذكروا للسلطان ولمنكوتمر أنهم يكفون الأمراء والجند بأحد عشر قيراطًا يستخدم عليها حلقة بمقدار الجيش فشرعوا في ذلك وطلبونا وطلبوا الكتاب الجياد في هذه الصناعة فكفينا الأمراء والجند بعشرة قراريط وزدنا الذين تضرروا قيراطًا فبقي تسعة فاتفق قتل السلطان ومنكوتمر‏.‏ وكان في قلوب الأمراء من ذلك هم عظيم فأنعم على كل أمير ببلد وبلدين من تلك التسعة قراريط وبقي الجيش ضعيفًا ليس له قوة وكانت التسعة قراريط التي بقيت خيرًا من الأحد عشر قيراطًا المقطعة‏.‏ قلت‏:‏ يعني أن هذا خارج عن الأربعة قراريط التي هي برسم السلطان خاصة‏.‏ انتهى‏.‏
وقيل في الروك وجه آخر قال‏:‏ لما كان في ذي الحجة سنة سبع وتسعين وستمائة قصد السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوري أن يروك البلاد المصرية وينظر في أمور عساكر مصر فتقدم التاج الطويل مستوفي الدولة بجمع الدواوين لعمل أوراق بعبرة إقطاع الأمراء والجند وقانون البلاد وندب الأمير بهاء الدين قراقوش الظاهري والأمير بدرالدين بيليك الفارسي الحاجب فجمع سائر الكتاب لذلك وأخذوا في عمله فلم يحكموا العمل وذلك أنهم عمدوا إلى الإقطاعات الثقيلة المتحصلة من إقطاعات الأمراء والجند وأبدلوها بإقطاعات دونها في العبرة والمتحصل وأصلحوا ما كان من الإقطاعات ضعيفًا وأفرد للعسكر بأجمعه أربعة عشر قيراطًا وللسلطان أربعة قراريط وأرصد لمن عساه يتضرر من الأمراء والجند ويشكو قلة المتحصل قيراطان فتم بذلك عشرون قيراطًا وقتل الملك المنصور لاجين ولم يستخدم أحدًا وأوقف برسم عسكر أخر يستجد أربعة قراريط وأفرد لخاص السلطان الجيزية والإتفيحية ومنفلوط وهو والكوم الأحمر ومرج بني هميم وحرجة سمطا وأتفو أدفو بأعمال قوص وإسكندرية ودمياط وأفرد لمنكوتمر مملوكه نائب السلطنة من الجهات ما لم يكن لنائب قبله وهو عبرة نيف عن مائة ألف دينار‏.‏
فلما فرغت الأوراق على ما ذكرنا جلس السلطان الملك المنصور لاجين لتفرقة المثالات على الأمراء والمقدمين فأخذوها وهم غير راضين بذلك وتبين للسلطان من وجوه الأمراء الكراهة فأراد زيادة العبرة في الإقطاعات فمنعه نائبه منكوتمر من ذلك وحذره فتح هذا الباب فإنه يخشى أن يعجز السلطان عن سده وتكفل له منكوتمر بإتمام العرض فيما قد عمل برسم السلطان ولمن كان له تعلق في هذا العمل من الأمراء وغيرهم أن يرفعوا شكايتهم إلى النائب وتصدى منكوتمر لتفرقة إقطاعات أجناد الحلقة فجلس في شباك النيابة بالقلعة ووقف الحجاب بين يديه وأعطى لكل تقدمة مثالاتها فتناولوها على كره منهم وخافوا أن يكلموا منكوتمر لسوء خلقه وسرعة بطشه وتمادى الحال على ذلك عدة أيام‏.‏
وكانت أجناد الحلقة قد تناقصت أحوالهم عن أيام الملك المنصور قلاوون فإنهم كانوا على أن أقل عبرة الإقطاعات وأضعف متحصلاتها عشرة آلاف درهم وما فوق ذلك إلى ثلاثين ألف درهم وهي أعلاها فرجع الأمر في هذا الروك إلى أن استقر أكثر الإقطاعات عشرين ألفًا إلى ما دونها فقل لذلك رزق الأجناد فإنه صار من كان متحصله عشرين ألفًا رجع إلى عشرة آلاف ومن كان عبرة إقطاعه عشرة آلاف بقيت خمسة آلاف فشق ذلك على الجند ولم يرضوه إلا أنهم خشوا التنكيل من منكوتمر وكانت فيهم بقية من أهل القوة والشجاعة فتقدموا إلى النائب منكوتمر وألقوا مثالاتهم وقالوا‏:‏ إنا لا نعتد قط بمثل هذه الإقطاعات ونحن إما أن نخدم الأمراء وإلا بطلنا فعظم قولهم على النائب وأغضبه وأمر الحجاب بضربهم وساقهم إلى السجن فشفع فيهم الأمراء فلم يقبل شفاعتهم وأقبل منكوتمر على من حضر من الأمراء والمقدمين وغيرهم فأوسعهم سبًا وملأهم تقريعًا وتعنيفًا حتى وغر صدورهم وغير نياتهم فانصرفوا وقد عولوا على عمل الفتنة وبلغ السلطان ذلك فعنف منكوتمر ولامه وأخرج الأجناد من السجن بعد أيام‏.‏
وكان عمل هذا الروك وتفرقته من أكبر الأسباب وأعظمهما في فتك الأمراء بالسلطان الملك المنصور لاجين وقتله وقتل نائبه منكوتمر المذكور‏.‏ على ما سيأتي ذكره‏.‏
وكان هذا الروك أيضًا سببًا كبيرًا في إضعاف الجند بديار مصر وإتلافهم فإنه لم يعمل فيه عمل طائل ولا حصل لأحد منهم زيادة يرضاها وإنما توفر من البلاد جزء كبير‏.‏ فلما قتل الملك المنصور لاجين تقسمها الأمراء زيادة على ماكان بيدهم انتهى‏.‏
ثم إن السلطان الملك المنصور لاجين جهز الأمير جمال الدين آقوش الأفرم الصغير والأمير سيف الدين حمدان بن صلغاي إلى البلاد الشامية وعلى أيديهم مراسيم شريفة بخروج العساكر الشامية وخروج نائب الشام الأمير قبجق المنصوري بجميع أمراء دمشق حتى حواشي الأمير أرجواش نائب قلعة دمشق فوصلوا إلى دمشق وألحوا في خروج العسكر ونوهوا بأن التتار قاصدون البلاد فخرج نائب الشام بعساكر دمشق في ليلة الخميس رابع عشر المحرم من سنة ثمان وتسعين وستمائة‏.‏ ووقع لقبجق نائب الشام المذكور في هذه السفرة أمور أوجبت عصيانه وخروجه من البلاد الحلبية بمن معه من الأمراء ومماليكه إلى غازان ملك التتار‏.‏
وكان الذي توجه معه من أكابر الأمراء‏:‏ بكتمر السلاح دار وألبكي وبيغار وغيرهم في جمع كثير وكان خروجهم في ليلة الثلاثاء ثامن شهر ربيع الأخر‏.‏
وسبب خروج قبجق عن الطاعة وتوجهه أنه كان ورد عليه مرسوم السلطان بالقبض على هؤلاء الأمراء المذكورين وغيرهم ففطن الأمراء بذلك فهرب منهم من هرب وبقي هؤلاء فجاؤوا إلى قبجق وهو نازل على حمص فطلبوا منه أمانًا فأمنهم وحلف لهم وبعث قبجق إلى السلطان يطلب منه أمانًا لهم فأبطأ عليه الأمان ثم خشن عليه بعض كابر أمراء دمشق في القول بسببهم فعلم قبجق أن ذلك الكلام من قبل السلطان فغضب وخرج على حمية وتبعه الأمير عز الدين بن صبرا والملك الأوحد وجماعة من مشايخ الأمراء يسترضونه فلم يرجع وركب هو ومن معه من حواشيه ومن الأمراء المذكورين وسار حتى وصل ماردين والتقى مع مقدم التتار فخدمهم مقدم التتار وأخذهم وتوجه بأطلاب التتار وعساكره إلى أن وصلوا إلى غازان ملك التتار وهو نازل بأرض السيب من أعمال واسط‏.‏
فلما قدم قبجق ومن معه على غازان سر بهم وأكرمهم ووعدهم ومناهم وأعطى لكل أمير عشرة آلاف دينار ولكل مملوك مائة دينار وللمماليك الصغار مع الركبدارية خمسين دينارًا وكل دينار من هذه الدنانير صرفه باثني عشر درهمًا ثم أقطع الأمير قبجق المذكور مدينة همذان وأعمالها فلم يقبل قبجق واعتذر أن ليس له قصد إلا أن يكون في صحبة السلطان الملك غازان ليرى وجهه في كل وقت‏!‏ فأجابه غازان إلى ما سأله وأعجبه ذلك منه‏.‏
وكان لما خرج قبجق من حمص إلى جهة التتار وبلغ أمراء دمشق ذلك خرج في طلبه الأمير كجكن والأمير أيدغدي شقير بمماليكهم ومعهم أيضًا جماعة من عسكر الشام فوجدوه قد قطع الفرات ولحقوا بعض ثقله‏.‏
وعند وصول قبجق ومن معه إلى غازان بلغه قتل السلطان الملك المنصور لاجين بالديار المصرية وكان خبر قتل السلطان أيضًا بلغ الأمير كجكن والأمير أيدغدي لما خرجوا في أثر قبجق فانحلت عزائمهم عن اللحوق بقبجق ورجعوا عنه وإلا كانوا لحقوه وقاتلوه‏.‏
وأما أمر السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين صاحب الترجمة فإنه لما أخذ في قبض من استوحش منهم من الأمراء وغيرهم وزاد في ذلك بإشارة مملوكه منكوتمر استوحش الناس منه ونفرت قلوبهم وأجمعوا على عمل فتنة‏.‏
ثم فوض لمملوكه منكوتمر جميع أمور المملكة فاستبد منكوتمر بوظائف الملك ومهماته‏.‏
وانتهى حال أستاذه الملك المنصور معه إلى أن صار إذا رسم الملك المنصور لاجين مرسومًا أو كتب لأحد توقيعًا وليس هو بإشارة منكوتمر يأخذه منكوتمر من يد المعطى له ويمزقه في الملأ ويرده ويمنع أستاذه منه فعند ذلك استثقل الأمراء وطأة منكوتمر وعلموا أن أستاذه الملك المنصور لا يسمع فيه كلام متكلم فعملوا على قتل أستاذه الملك المنصور لاجين‏.‏
قلت‏:‏ الولد الخبيث يكون سببًا لاستجلاب اللعنة لوالده‏!‏ انتهى‏.‏
وقال الأمير بيبرس الدوادار في تاريخه‏:‏ وكان سبب قتل لاجين أمور منها‏:‏ أنه لما أراد أن يتسلطن جاءه جماعة من الأمراء واشترطوا عليه شروطًا فالتزمها لاجين منها أنه يكون كأحدهم ولا ينفرد برأي عنهم ولا يسلط يد أحد من مماليكه فيهم وكان الأعيان الحاضرون في هذه المشورة والمتفقون على هذه الصورة‏:‏ الأمير بدر الدين بيسري الشمسي والأمير قرا سنقر المنصوري والأمير سيف الدين قبجق والأمير الحاج بهادر أمير حاجب الحجاب والأمير كرت والأمير حسام الدين لاجين السلاح دار الرومي الأستادار والأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح والأمير عز الدين أيبك الخازندار والأمير جمال الدين آقوش الموصلي والأمير مبارز الدين أمير شكار والأمير بكتمر السلاح دار والأمير سيف الدين سلار والأمير طغجي والأمير كرجي والأمير طقطاي والأمير برلطاي وغيرهم ولما حلف لهم الملك المنصور لاجين على ما شرطوا قال الأمير سيف الدين قبجق‏:‏ نخشى أنك إذا جلست في المنصب تنسى هذا التقرير وتقدم الصغير من مماليكك على الكبير وتفوض لمملوكك منكوتمر في التحكم والتدبير فتنصل لاجين من ذلك وكرر لاجين الحلف أنه لا يفعل فعند ذلك حلفوا له‏.‏
ورحلوا نحو الديار المصرية يعني أن ذلك كان بعد هروب الملك العادل كتبغا وعند دخول لاجين إلى غزة فوقع هذه الشروط كلها يمدينة غزة انتهى‏.‏
قال بيبرس‏:‏ فلما تسلطن رتب الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصوري نائبًا والأمير الحاج بهادر حاجبًا على عادته والأمير سلار أستادارًا والأمير بكتمر السلاح دار أمير اخور واستقر بالصاحب فخر الدين بن الخليلي في الوزارة ورتب الأمير قبجق نائب الشام ثم بعد مدة أفرج عن الأمير برلغي فأعطاه إقطاعًا بدمشق ثم أفرج عن الأمير بيبرس الجاشنكير وجماعة من الأمراء وأعطى بيبرس الجاشنكير إمرة بالقاهرة‏.‏
ثم برز مرسومه باستقرار الملك العادل كتبغا في نيابة صرخد وكتب له بها منشورًا‏.‏

الأمراء يقتلون السلطان لاجين
وقال غيره‏:‏ ولما تسلطن لاجين وثبتت قدمه ورسخت نسي الشروط وقبض على أكابر خشداشيته من أعيان أمراء مصر وأماثلهم مثل‏:‏ الأمير قرا سنقر والبيسري وبكتمر السلاح دار وغيرهم وولى مملوكه منكوتمر نيابة السلطنة بل صار منكوتمر هو المتصرف في الممالك‏.‏
فعند ذلك نفرت قلوب الأمراء والجند من الملك المنصور لاجين ودبروا عليه واستوحش هو أيضًا منهم واحترز على نفسه وقلل من الركوب ولزم القعاد بقلعة الجبل متخوفًا وكان كرجي خصيصًا به وهو أحد من كان أعانه على السلطنة فقدمه لاجين لما تسلطن على المماليك السلطانية فكان يتحدث في أشغالهم ويدخل للسلطان من أراد لا يحجبه عنه حاجب فحسده منكوتمر مع ما هو فيه من الحل والعقد في المملكة وسعى في إبعاد كرجي عن السلطان الملك المنصور لاجين‏.‏
فلما ورد البريد يخبر بأمر القلاع التي فتحها عسكر السلطان ببلاد الأرمن حسن منكوتمر إلى السلطان أن يرسل كرجي المذكور إليها نائبًا ليقيم فيها فوافقه السلطان على ذلك وكلم كرجي فاستعفى كرجي من ذلك فأعفاه السلطان بعد أمور فكمن كرجي في نفسه‏.‏
ثم أخذ مع هذا منكوتمر يغلظ على المماليك السلطانية وعلى الأمراء الكبار في الكلام فعظم ذلك عليهم وتشاكوا فيما بينهم من منكوتمر وقالوا‏:‏ هذا متى طالت مدته أخذنا واحدًا بعد واحد وأستاذه مرتبط به ولا يمكن الوثوب عليه أيام أستاذه فلم يجدوا بدًا من قتل أستاذه الملك المنصور لاجين قبله ثم يقتلونه بعده واتفقوا على ذلك‏.‏
قال الشيخ مجد الدين الحرمي وكيل بيت المال‏:‏ كان الملك المنصور لاجين متزوجًا ببنت الملك الظاهر بيبرس وكانت دينة عفيفة فحكت أنها رأت في المنام ليلة الخميس قبل قتل السلطان بليلة واحدة كأن السلطان جالس في المكان الذي قتل فيه وكأن عدة غربان سود على أعلى المكان وقد نزل منهم غراب فضرب عمامة السلطان فرماها عن رأسه وهو يقول‏:‏ كرج كرج فلما ذكرت ذلك للسلطان قالت له‏:‏ أقم الليلة عندنا فقال السلطان‏:‏ ما ثم إلا ما قدره الله‏!‏ وخرج من عندها إلى القصر بعد أن ركب في أول النهار على العادة وكان صائمًا وهو يوم الخميس عاشر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وستمائة فأفطر بالقصر‏.‏
ثم دخل إلى القصر الجواني بعد العشاء الآخرة وأخذ في لعب الشطرنج وعنده خواصه وهم‏:‏ قاضي القضاة حسام الدين الحنفي والأمير عبد الله وبريد البدوي وإمامه محب الدين بن العسال فأول من دخل عليه كرجي وكان نوغيه السلاح دار من جملة المتفقين وهو في نوبته عند السلطان وكان كرجي مقدم البرجية والسلطان مكب على لعب الشطرنج فأوهم كرجي أنه يصلح الشمعة فرمى الفوطة على النيمجاة ثم قال السلطان لكرجي‏:‏ رحت بيت البرجية وغلقت عليهم والبرجية هم الآن مماليك الأطباق فقال كرجي‏:‏ نعم يا خوند وقد كان أوقف كرجي أكثرهم في دهليز القصر فشكره السلطان وأثنى عليه من حضر فقال السلطان القاضي القضاة‏:‏ لولا الأمير سيف الدين كرجي ما وصلت أنا إلى السلطنة فقبل كرجي الأرض وقال‏:‏ يا خوند ما تصلي العشاء فقال السلطان‏:‏ نعم وقام حتى يصلي فضربه كرجي بالسيف على كتفه فطلب السلطان النيمجاة فلم يجدها فقام من هول الضربة ومسك كرجي ورماه تحته وأخذ نوغيه السلاح دار النيمجاة وضرب بها رجل السلطان فقطعها فانقلب السلطان على قفاه يخور في دمه‏.‏ انتهى ما ذكره وكيل بيت المال‏.‏
وقال القاضي حسام الدين الحنفي‏:‏ كنت عند السلطان فما شعرت إلا وستة أو سبعة أسياف نازلة على السلطان وهو مكب على لعب الشطرنج فقتلوه ثم تركوه وأنا عنده وغلقوا علينا الباب وكان سيف الدين طغجي قد قصد بقية البرجية المتفقين معه ومع كرجي في الدركاه فقال لهم‏:‏ قضيتم الشغل فقالوا‏:‏ نعم‏.‏
ثم إنهم توجهوا جميعًا إلى دار سيف الدين منكوتمر وهو بدار النيابة من قلعة الجبل فدقوا عليه الباب وقالوا له‏:‏ السلطان يطلبك فأنكر حالهم وقال لهم‏:‏ قتلتم السلطان فقال له كرجي‏:‏ نعم يا مأبون وقد جئناك نقتلك فقال‏:‏ أنا ما أسلم نفسي إليكم إنما أنا في جيرة الأمير سيف الدين طغجي فأجاره طغجي وحلف له أنه لا يؤذيه ولا يمكن أحدًا من أذيته ففتح داره فتسلموه وراحوا به إلى الجب فأنزلوه إلى عند الأمراء المحبوسين فلما دخل إلى الجب قام إليه الأمير شمس الدين سنقر الأعسر وتلقاه متهكمًا عليه ثم قام إليه الأمير عز الدين أيبك الحموي وشتمه وأراد قتله لأن منكوتمر هذا كان هو السبب في مسك هؤلاء الأمراء وإقلاب الدولة من حرصه على أن الأمر يفضي إليه ويتسلطن بعد أستاذه فأقام منكوتمر نحو ساعة في الجب وراح الأمير طغجي إلى داره حتى يقضي شغلًا له فاغتنم كرجي غيبته وأخذ معه جماعة وتوجه إلى باب الحبس وأطلع منكوتمر صورة أنهم يريدون تقييمه كما جرت العادة في أمر المحتبسين فامتنع من الطلوع فألحوا عليه وأطلعوه وذبحوه على باب الجب ونهبوا داره وأمواله‏.‏
*************************************************************************

الوزراء

 

 المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 112 من 167 ) : " سنقر الأعسر‏:‏ كان أحد مماليك الأمير عز الدين أيدمر الظاهري نائب الشام وجعله دواداره فباشر الدوادارية لأستاذه بدمشق ونفسه تكبر عنها فلما عزل أيدمر من نيابة الشام في أيام الملك المنصور قلاوون وحضر إلى قلعة الجبل اختار السلطان عدّة من مماليكه منهم سنقر الأعسر هذا فاشترا وولاه نيابة الاستادارية ثم سيره في سنة ثلاث وثمانين وستمائة إلى دمشق وأعطاه أمرة وولاه شدّ الدواوين بها واستادارًا فصارت له بالشام سمعة زائدة إلى أن مات قلاوون وقام من بعد الأشرف خليل واستوزر الوزير شمس الدين السلعوس طلب سنقر إلى القاهرة وعاقبه وصادره فتوصل حتى تزوّج بابنة الوزير على صداق مبلغه ألف وخمسمائة دينار فأعاده إلى حالته ولم يزل إلى أن تسلطن الملك العادل كتبغا واستوزر الصاحب فخر الدين بن خليل وقبض على سنقر وعلى سيف الدين استدمر وصادرهما وأخذ من سنقر خمسمائة ألف درهم وعزله عن شدّ الدواوين وأحضر إلى القاهرة‏.‏

فلما وثب الأمير حسام الدين لاجين على كتبغا وتسلطن ولي سنقر الوزارة عوضًا عن ابن خليل في جمادى الأولى سنة ست وتسعين وسبعمائة ثم قبض عليه في ذي الحجة منها وذلك أنه تعاظم في وزارته وقام بحق المنصب يريد أن يتشبه بالشجاعي وصار لا يقبل شفاعة أحد من الأمراء ويخرق بنوابهم وكان في نفسه متعاظمًا وعنده شمم إلى الغاية مع سكون في كلامه بحيث أنه إذا فاوض السلطان في مهمات الدولة كما هي عادة الوزراء لا يجيب السلطان بجواب شاف وصار يتبين منه للسلطان قلة الاكتراث به فأخذ في ذمه وعيبه بما عنده من الكبر وصادفه الغرض من الأمراء وشرعوا في الحط عليه حتى صُرف وقُيد فأرسل يسال السلطان عن الذنب الذي أوجب هذه العقوبة فقال‏:‏ ماله عندي ذنب غير كبره فإني كنت إذا دخل إليّ أحسب أنه هو السلطان وأنا الأعسر فصدره منقام وحديثي معه كأني أحدّث أستاذي وقرّر من بعده في الوزارة ابن الخليلي فلما قُتِلَ لاجين وأعيد الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى الملك ثانيًا أفرج عن سنقر الأعسر وعن جماعة من الأمراء وأعاد الأعسر إلى الوزارة في جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة وفي وزارته هذه كانت هزيمة الملك الناصر بعساكره من غازان فتولى ناصر الدين الشيخي والي القاهرة جباية الأموال من التجار وأرباب الأموال لأجل النفقة على العساكر وقرّر في وزارته على كل أردب غلة خروبة إذا طلع إلى الطحان وقرّر أيضًا نصف الشمسرة ومعناها أنه كان للمنادي على الثياب أجرة دلالته على كل ما مبلغه مائة درهم درهمين فيؤخذ منه درهم منهما ويفضل له درهم واستخدم على هاتين الجهتين نحو مائتين من الأجناد منه درهم منهما ويفضل له درهم واستخدم على هاتين الجهتين نحو مائتين من الأجناد البطالين وتحصل في بيت المال من أموال المصادرات مبلغ عظيم ثم خرج الوزير بمائة من مماليك السلطان وتوجه إلى بلاد الصعيد وقد وقعت له في النفوس مهابة عظيمة فكبس البلاد وأتلف كثيرًا من المفسدين من أجل أنه لم حصلت وقعة غازان كثر طمع العربان في المغل ومنعوا كثيرًا من الخراج وعصوا الولاة وقطعوا الطريق ومازال يسير إلى الأعمال القوصية فلم يدع فرسًا لفلاح ولا قاض ولا متعمم حتى أخذه وتتبع السلاح ثم حضر بألف وستين فرسًا وثمانمائة وسبعين جملًا وألف وستمائة رمح وألف ومائتي سيف وتسعمائة درقة وستة آلاف رأس غنم وقتل عدّة من الناس فتمهدت البلاد وقبض الناس مغلهم بتمامه واتفقت واقعة النصارى التي ذكرت عند ذكر كنائس النصارى من هذا الكتاب في أيامه فأمر بالتاج ابن سعيد الدولة أحد مستوفي الدولة وكان فيه زهو وحمق عظيم وله اختصاص بالأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكيري فُعرّيَ وضرب بالمقارع ضربًا مبرحًا فأظهر الإسلام وهو في العقوبة فأمسك عنه‏.‏

وألزمه بحلم مال فالتجأ إلى زاوية الشيخ نصر المنيحي وترامى على الشيخ فقام في أمره حتى عفي عنه فكره الأمراء الأعسر لكثرة شممه وتعاظمه فكلّموا الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكيري فعُرّي وضرب بالمقارع ضربًا مبرحًا فأظهر الإسلام وهو ف العقوبة فأمسك عنه‏.‏

وألزمه بحمل مال فالتجأ إلى زاوية الشيخ نصر المنيحي وترامى على الشيخ فقام في أمره حتى عفي عنه فكره الأمراء الأعسر لكثرة شممه وتعاظمه فكلّموا الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكيري وإليه أمر الدولة في ولاية الأمير ز الدين أيبك البغدادّي الوزارة وساعدهم على ذلك الأمير سلار فولي الأعسر كشف القلاع الشامية وإصلاح أمورها وترتيب رجالها وسائر ما يحتاج إليه‏.‏

وخلع على الأمير أيبك خلع الوزارة في آخر سنة سبعمائة فلما عاد استقرّ أحد أمراء الألوف وحد في صحبة الأمير سلار ومات بالقاهرة بعد أمراض في سنة تسع وسبعمائة وكان عارفًا خيّرًا مهابًا له سعادات طائلة ومكارم مشهورة ولحاشيته ثروة متسعة وغالب مماليكه تأمّروا بعده وممن مدحه الوداعيّ وابن الوكيل‏.‏

***************************************************************************

 قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 139 من 167) : " السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوريّ‏:‏ أحد مماليك المنصور قلاون وجلس على التخت بقلعة الجبل وتلقب بالملك المنصور في يوم الاثنين ثامن عشري المحرم المذكور واستناب مملوكه منكوتمر فنفرت القلوب عنه حتى قتل في ليلة الجمعة حادي عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وستمائة فكانت مدّته سنتين وشهرين وثلاثة عشر يومًا ودبر الأمراء بعده أمور الدولة حتى قدم من الكرك‏.‏
***************************************************************************

مملوك يتسبب فى قتل السلطان بسبب سبه للأمراء المماليك
 قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 154 من 167) : " منكوتمر‏:‏ هو أحد مماليك الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوريّ ترقى في خدمته واختص به اختصاصًا زائدًا إلى أن ولي مملكة مصر بعد كتبغا في سنة ست وتسعين وستمائة فجعله أحد الأمراء بديار مصر ثم خلع عليه خلع نيابة السلطنة عوضًا عن الأمير شمس الدين قراسنقر المنصوريّ يوم الأربعاء النصف من ذي القعدة فخرج سائر الأمراء في خدمته إلى دار النيابة وباشر النيابة بتعاظم كثير وأعطى المنصًب حقه من الحرمة الوافرة والمهابة التي تخرج عن الحدّ وتصرف في سائر أمور الدولة من غير أن يعارضه السلطان في شيء البتة وبلغت عبرهّ إقطاعه في السنة زيادة على مائة ألف دينار‏.‏
ولما عمل الملك المنصور الروك المعروف بالروك الحساميّ فوّض تفرقة منالات إقطاعات الأجناد له فجلس في شباك دار النيابة بقلعة الجبل ووقف الحجاب بين يديه وأعطى لكل تقدمة منالات فلم يجسر أحد أن يتحدّث في زيادة ولا نقصان خوفًا من سوء خلقه وشدة حمقه وبقي أيامًا في تفرقة المنالات والناس على خوف شديد‏.‏
فإن أقلّ الإقطاعات كان في أيام الملك المنصور قلاون عشرة آلاف درهم في السنة وأكثره ثلاثين ألف درهم‏.‏
فرجع في الروك الحسامي أكثر إقطاعات الحلقة إلى مبلغ عشرين ألف درهم وما دونها فشق ذلك على الأجناد وتقدّم طائفة منهم ورموا منالاتهم التي فرّقت عليهم لأن الواحد منهم وجد مناله بحق النصف مما كان له قبل الروك وقالوا لمنكوتمر‏:‏ إما أن تعطونا ما يقوم بكلفنا وإلاّ فخذوا أخبازكم ونحن نخدم الأمراء أو نصير بطالين‏.‏
فغضب منكوتمر وأخرق بهم وتقدّم إلى الحجاب فضربوهم وأخذوا سيوفهم وأودعوهم السجون وأخذ يخاطب الأمراء بفحش ويقول‏:‏ أيما قوّاد شكا من خبزه ويقول نقول للسلطان فعلت به وفعلت إيش يقول للسلطان إن رضي يخدم وإلاّ إلى لعنة الله فشق ذلك على الأمراء وأسرّوا له الشرّ ثم إنه لم يزل بالسلطان حتى قبض على الأمير بدر الدين بيسرى وحسن له إخراج أكابر الأمراء من مصر فجرّدهم إلى سيس وأصبح وقد خلا له الجوّ فلم يرض بذلك حتى تحدث مع خوشداشيته بأنه لا بدّ أن يُنشيء له دولة جديدة ويخرج طفجي وكرجي من مصر ثم إنه جهز حمدان بن صلغاي إلى حلب في صورة أنه يستعجل العساكر من سيس وقرّر معه القبض على عدّة من الأمراء وأمر عدّة أمراء جعلهم له عدّة وذخرًا وتقدّم إلى الصاحب فخر الدين الخليليّ بأن يعمل أوراقًا تتضمن أسماء أرباب الرواتب ليقطع أكثرها فلم تدخل سنة ثمان وتسعين حتى استوحشت خواطر الناس بمصر والشام من منكوتمر وزاد حتى أراد السلطان أن يبعث بالأمير طغا إلى نيابة طرابلس فتنصل طغا من ذلك فلم يعفه السلطان منه وألح منكوتمر في إخراجه وأغلظ للأمير كرجي في القول وحط على سلار وبيبرس الجاشنكير وأنظارهم وغض منهم وكان كرجي شرس الأخلاق ضيق العطن سريع الغضب فهم غير مرّة بالفتك بمنكوتمر وطفجي يسكن غضبه فبلغ السلطان فساد قلوب الأمراء والعسكر فبعث قاضي القضاة حسام الدين الحسن بن أحمد بن الحسن الروميّ الحنفيّ إلى منكوتمر يحدّثه في ذلك ويرجعه عما هو فيه فلم يلتفت إلى قوله وقال‏:‏ أنا مالي حاجة بالنيابة أريد أخرج مع الفقراء فلما بلغ السلطان عنه ذلك استدعاه وطيب خاطره ووعده بسفو طفجي بعد أيام ثم القبض على كرجي بعده فنُقل هذا للأمراء فتحالفوا وقتلوا السلطان كما قد ذكر في خبره وأول من بلغه خبر مقتل السلطان الأمير منكوتمر فقام إلى شباك النيابة بالقلعة فرأى باب القلة وقد انفتح وخرج الأمراء والشموع تقد والضجة قد ارتفعت فقال‏:‏ والله قد فعلوها وأمر فغُلقت أبواب دار النيابة وألبس مماليكه آلة الحرب فبعث الأمراء إليه بالأمير الحسام أستادار فعرّفه بمقتل السلطان وتلطف به حتى نزل وهو مشدود الوسط بمنديل وسار به إلى باب القلة والأمير طفجي قدجلس في مرتبة النيابة فتقدم إلى طفجي وقبل يده فقام إليه وأجلسه بجانبه وقام الأمراء في أمر منكوتمر يشفعون فيه فأمر به إلى الجب وأنزلوه فيه وعندما استقرّ به أدليت له القفة التي نزل فيها وتصايحوا عليه بالصعود فطلع عليهم وإذا كرجي قد وقف على رأس الجبّ في عدة من المماليك السلطانية فأخذ يسب منكوتمر ويهينه وضربه بلت ألقاه وذبحه بيده على الجبّ وتركه وانصرف فكان بين قتل أستاذه وقتله ساعة من الليل وذلك في ليلة الجمعة عاشر ربيع الأوّل سنة ثمان وتسعين‏.‏ طفجي‏:‏ الأمير سيف الدين كان من جملة مماليك الملك الأشرف خليل بن قلاون ترقى في خدمته حتى صار من جملة أمراء ديار مصر فلما قُتل الملك الأشرف قام طفجي‏.‏

 قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 155 من 167) : "في المماليك الأشرفية وحارب الأمير بيدرا المتولي لقتل الأشرف حتىأخذه وقّتله فلمّا أقيم الملك الناصر محمد بن قلاون في المملكة بعد قتل بيدرا صار طفجي من أكابر الأمراء واستمرعلى ذلك بعد خلع الملك الناصر بكتبغا مدّة أيامه إلى أن خُلع الملك العادل كتبغا وقام في سلطنة مصر الملك المنصور لاجين وولى مملوكه الأمير سيف الدين منكوتمر نيابة السلطنة بديار مصر فأخذ يواحش أمراء الدولة بسوء تصرّفه واتفق أن طفجي حج في سنة سبع وتسعين وستمائة فقرّر منكوتمر مع المنصور أنه إذا قدم من الحج يخرجه إلى طرابلس ويقبض على أخيه الأمير سيف الدين كرجي فعندما قدم طفجي من الحجاز في صفر سنة ثمان وتسعين وستمائة رسم له بنيابة طرابلس فثقل عليه ذلك وسعى بإخوته الأشرفية حتى أعفاه السلطان من السفر فسخط منكوتمر وأبى الإسفر طفجي وبعث إليه يلزمه بالسفر وكان لاجين منقادًا لمنكوتمر لا يخالفه في شيء فتواعد طفجي وكرجي مع جماعة من المماليك وقتلوا لاجين وتولى قتله كرجي وخرج فإذا طفجي في انتظاره على باب القلة من قلعة الجبل فسُرّ بذلك وأمر بإحضار مَنْ بالقلعة من الأمراء وكانوا حنيئذ يبيتون بالقلعة دائمًا وقَتَل منكوتمر في تلك الليلة وعزم على أنه يتسلطن ويقيم كرجي في نيابة السلطنة فخذله الأمراء‏.‏
وكان الأمير بدر الدين بكتاش الفخريّ أمير سلاح قد خرج في غزاة وقَرُبَ حضوره فاستمهلوه بما يريد إلى أن يحضر فأخر سلطنته وبقي الأمراء في كل يوم يحضرون معه في باب القلة ويجلس في مجلس النيابة والأمراء عن يمينه وشماله ويمدّ سماط السلطان بين يديه فلما حضر أمير سلاح بمن معه من الأمراء نزل طفجي والأمراء إلى لقائهم بعدما امتنع امتناعًا كثيرًا وترك كرجي يحفظ القلعة بمن معه من المماليك الأشرفية وقد نوى طفجي الشرّ للأمراء الذين قد خرج إلى لقائهم وعرف ذلك الأمراء المقيمون عنده في القلعة فاستعدوا له‏.‏
وسار هو والأمراء إلى أن لقوا الأمير بكتاش ومعه من الأشرفية أربعمائة فارس تحفظه حتى يعود من اللقاء إلى القلعة فعندما وافاه بقبة النصر وتعانقا أعلمه بقتل السلطان فشقّ عليه وللوقت جرّد الأمراء سيوفهم وارتفعت الضجة فساق طفجي من الحلقة والأمراء وراءه إلى أن أدركه قراقوش الظاهريّ وضربه بسيف ألقاه عن فرسه إلى الأرض ميتًا ففرّ كرجي ثم أخذ وقُتل وحُمل طفجي في مزبلة من مزابل الحمّامات على حمار إلى مدرسته هذه فدفن بها وقبره هناك إلى اليوم‏.‏
وكان قتله في يوم الخميس سادس عشر ربيع الأوّل سنة ثمان وتسعين وستمائة بعد خمسة أيام من قتل لاجين ومنكوتمر‏.‏



 

=====================================================================

 

 

 

 

 

Home | أيبك165/ 1 م.ح | نور الدين166/ 2 م.ح | قطز 167/ 3 م.ح | بيبرس168/ 4 م.ح | السعيد 169/ 5 م.ح | سلامش 170/ 6 م.ح | سيف الدين171/ 7 م.ح | صلاح الدين172/ 8 م.ح | بن قلاوون 173/ 9 م.ح | زين الدين174/ 10 م.ح | حسام الدين175/ 11 م.ح | بن قلاوون 176/ 12 م.ح | بيبرس177/ 13 م.ح | أحمد178/ 14 م.ح | إسماعيل179/ 15 م.ح | بن قلاوون180/ 16 م.ح | أبو بكر181/ 17 م.ح | كجك182/ 18 م.ح | شعبان 183/ 19 م.ح | حسن 184/ 20 م.ح | صالح 185/ 21 م.ح | حسن186/ 22 م.ح | محمد187/ 23 م.ح | شعبان188/ 24 م.ح | على 189/ 25 م.ح | أمير حاج 190/ 26 م.ح

This site was last updated 09/05/09