****************************************************************************************
الجزء التالى عن الأسرة الأيوبية الذين حكموا مصر بعد إحتلالهم مصر وهم يدينون لخلافة الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة
****************************************************************************************
الأسم بالكامل : المعز عز الدين أيبك الجاشنكير التركماني الصالحى النجمي كان من أصل تركماني. أول سلاطين الدولة المملوكية [اسم أيبك يتكون من مقطعين بالتركية (أي) وتعنى قمر و(بك) وتعني أمير ] نصب سلطانا على مصر في عام 1250 بعد أن تزوجته وتنازلت له عن العرش شجر الدر سلطانة مصر وأرملة السلطان الأيوبى الصالح أيوب وبقي سلطانا على مصر إلى أن أغتيل بقلعة الجبل في عام 1257.
السلطان الملك المعز عز الدين أيبك على مصر سنة 648 هـ
هو السلطان الملك المعز عز الدين أيبك بن عبد الله الصالحي النجمي المعروف بالتركماني أول ملوك الترك بالديار المصرية.
وقد ذكرهم بعض الناس في أبيات مواليا إلى يومنا هذا وهم الملوك الذين مسهم الرق غير أولادهم فقال: أيبك قطز يعقب وبيبرس ياذا الدين بعد و قلاوون بعدو كتبغا لاجين بيبرس برقوق بعدو شيخ ذو التبيين ططر برسباي جقمق صاحب التمكين قلت: هذا قبل أن يتسلطن الملك الأشرف إينال العلائي فلما ملك إينال قلت أنا: أيبك قطز يعقبو بيبرس ذو الإكمال بعدو قلاوون بعدو كتبغا المفضال وقد خرجنا عن المقصود.
ولنعد إلى ذكر الملك المعز أيبك المذكور فنقول: أصله من مماليك السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب اشتراه في حياة والده الملك الكامل محمد وتنقلت به الأحوال عنده ولازم أستاذه الملك الصالح في الشرق حتى جعله جاشنكيره ولهذا لما أمره كان عمل رنكه صورة خوانجا. واستمر على ذلك إلى أن قتل المعظم توران شاه وملكت شجرة الدر بعده.
اتفق الأمراء على سلطنة الملك المعز أيبك هذا وسلطنوه بعد أن بقيت الديار المصرية بلا سلطان مدة وتشوف إلى السلطنة عدة أمراء فخيف من شرهم ومال الناس إلى أيبك المذكور وهو من أوسط الأمراء ولم يكن من أعيانهم غير أنه كان معروفا بالسداد وملازمة الصلاة ولا يشرب الخمر وعنده كرم وسعة صدر ولين جانب. وقالوا أيضا: هذا متى أردنا صرفه أمكننا ذلك لعدم شوكته وكونه من أوسط الأمراء. فبايعوه وسلطنوه وأجلسوه في دست الملك في أواخر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة. وحملت الغاشية بين يديه وركب بشعائر السلطنة.
وأول من حمل الغاشية بين يديه الأمير حسام الدين بن أبي علي ثم تداولها أكابر الأمراء واحدا بعد واحد.
وتم أمره في السلطنة وخطب له على المنابر ونودي في القاهرة ومصر بسلطنته إلى أن كان الخامس من جمادى الأولى بعد سلطنته بخمسة أيام ثارت المماليك البحرية الصالحية وقالوا: لا بد لنا من سلطان يكون من بني أيوب يجتمع الكل على طاعته وكان الذي قام بهذا الأمر الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار والأمير ركن الدين بيبرس البندقداري والأمير سيف الدين بلبان الرشيدي والأمير شمس الدين سنقر الرومي واتفقوا على أن يكون الملك المعز أيبك هذا أتابكًا عليهم واختاروا أن يقيموا صبيا عليهم من بني أيوب يكون له اسم السلطنة وهم يدبرونه كيفما شاؤوا ويأكلون الدنيا به.
كل ذلك والملك المعز سامع مطيع.
فوقع الاتفاق على الملك الأشرف مظفر الدين موسى ابن الملك الناصر يوسف ابن الملك المسعود أقسيس ابن السلطان الملك الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبي بكر ابن الأمير ووصلتْ طائفةٌ منهم من البَحْريّة على وجوههم إلى الصعيد وكانوا قد أساؤوا إلى المصريين ونهبوهم وآرتكبوا معهم كلّ قبيح فخافوا منهم فتوجهوا إلى الصعيد.
وخُطِب في ذلك النهار بالقاهرة ومصر والقلعة للملك الناصر صلاح الدين يوسف المذكور وفي جميع البلاد.
وأيقن كل أحد بزوال دولة الملك المُعِز أَيْبَك.
وبات في تلك الليلة جمالُ الدين بن يَغمور بالعباسة وأَحْمَى الحَمام للملك الناصر صلاح الدين يوسف وهيّأ له الاقامة.
كل ذلك والملك الناصر ما عنده! خبرٌ بماوقع من القتال والكَسْرة وهو واقف بسَنَاجقه وأصحابِه ينتظِر ما يرد عليه من أمر جيشه.
وأما أمر المصريين فإنَه لما وقعت الهزيمةُ عليهم ساق الملكُ المعز أيبك وأَقْطَاي الجَمَدَار المعروف ب إ أقطيا أ في ثلاثمائة فارس طالبين الشامَ هاربين فعثَروا في طريقهم بشمس الدين لؤلؤ المقذَم ذكرُه والضياءِ القَيْمُري فساق شمس الدين لؤلؤ عليهم فحملوا عليه فكسروه وأَسَروه وقتلوا ضياءَالدين القَيْمُرِي وجيء بشمس الدين لؤلؤ إلى بين يدي الملك المُعِزّ أَيْبَك فقال الأمير حُسَام الدين بن أبي عليّ: لا تقتلوه لنأخذ به الشام فقال أَقْطَاي الجَمَدَار: هذا الذي ياخذ مصر منا بمائتي قِناع! وجعَلَنا مَخاَنيثَ كيف نتركه! وضربوا عنقه وساقوا على حَمِيَّة إلى جهة فاعترضوا طُلْب السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف فوقع المصَافّ بينهم فخامَر على الملك الناصر جماعةٌ من المماليك العَزِيزية من مماليك أبيه وجاؤوا إلى الملك المُعز أَيْبَك التُرْكُماني وقالوا له: إلى أين تتوجه.
هذا السلطان واقفٌ في طُلْبِه ليس له عِلْمٌ بكسرتهم فعطفوا على الطُلْب وتقدمتهم العزِيزية فكَسروا سَناجِقَ السلطان وصناديقَه ونَهبوا ماله ورمَوه بالنُشًاب فأخذ نَوْفل البدوي وجماعة من مماليكه وأصحابه وعادوا به إلى الشام وأسر المصريون الملك المعظم توران شاه ابن السلطان صلاح الدين بعد أن جرحوه وجرحوا ولده تاج الملوك وأخذوا الملك الأشرف صاحب حمص والملك الزاهر عمه والملك الصالح إسماعيل صاحب الوقائع مع الملك الصالح نجم الدين أيوب وجماعة كثيرة من أعيان الحلبيين ومات تاج الملوك من جراحة كانت به فحمل إلى بيت المقدس ودفن به.
وضرب الشريف المرتضى في وجهه بالسيف ضربة هائلة عرضا وأرادوا قتله فقال: أنا رجل شريف و ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركوه وتمزق عساكر دمشق كل ممزق ومشوا في الرمل أياما.
وأما المصريون فإنهم لما وقعت لهم هذه النصرة عادوا إلى القاهرة بالأسارى وسناجق الناصر مقلوبة وطبوله مشققة ومعهم الخيول والأموال والعدد وشقوا القاهرة فلما وصلت المماليك الصالحية النجمية إلى تربة أستاذهم الملك الصالح نجم الدين أيوب ببين القصرين أخذوا الملك الصالح إسماعيل الذي أسروه في الوقعة وكان عدو أستاذهم الملك الصالح المذكور ووقفوا به عند التربة وقالوا: يا خوند أين عينك ترى عدوك أسيرا بأيدينا! ثم سحبوه ومضوا به إلى الحبس فحبسوه هو وأولاده أياما ثم غيبوه إلى يومنا هذا ولم يسمع عنه خبر إلا ما تحدث به العوام بإتلافه.
وأما عساكر الناصر الذين كانوا بالعباسة - أعني الذين كسروا الملك المعز أيبك أولا - فإن المعز لما تم له النصر وهزم الناصر رد إلى المذكورين في عوده إلى القاهرة ومال عليهم بمن معه قتلا وأسرا حتى بدد شملهم ورحل إلى القاهرة بمن معه من الأسارى وغيرهم.
ولما دخل الملك المعز أيبك هذا إلى القاهرة ومعه المماليك الصالحية مالوا على المصريين قتلا ونهبا ونهبوا أموالهم وسبوا حريمهم وفعلوا بهم ما لم يفعله الفرنج بالمسلمين.
قلت: وسبب ذلك أنه لما بلغهم كسرة المعز فرحوا وتباشروا بزوال المماليك من الديار المصرية وأسرعوا أيضا بالخطبة للملك صلاح الدين يوسف صاحب الشام المقدم ذكره.
وكان السامري وزير الملك الصالح إسماعيل المقدم ذكره معتقلا بقلعة الجبل هو وناصر الدين إسماعيل بن يغمور نائب الشام وسيف الدين القيمري والخوارزمي صهر الملك الناصر يوسف فخرجوا من الجب وعصوا بقلعة الجبل فلم يوافقهم سيف الدين القيمري بل جاء وقعد على باب الدار التي فيها أعيان الملك المعز أيبك وحماها من النهب ولم يدع أحدا يقربها وأما الباقون فصاحوا: الملك الناصر يا منصور.
فلما جاء الترك فتحوا باب القلعة ودخلوها وأخذوا من كان عصى فيها وشنقوا وزير الصالح و ابن يغمور والخوارزمي متقابلين وشنقوا أيضا مجير الدين بن حمدان وكان شابًا حسنًا وكان تعدى على بعض المماليك وأخذ خيله.
وأما الملك الناصر يوسف فإنه سار حتى وصل إلى غزة وأقام ينتظر اصحابه فوصل إليه منهم من سلم من عسكر الشام وعسكر الموصل ومضوا إلى الشام.
وأما العساكر المصرية فإن الملك المعز أيبك المذكور لما دخل إلى مصر بعد هذه الوقعة عظم أمره وثبتت قواعد ملكه ورسخت قدمه.
لما كانت سنة إحدى وخمسين وستمائة وقع الاتفاق بينه وبين الملك الناصر المذكور على أن يكون للمعز وخشداشيته المماليك الصالحية البحرية الديار المصرية وغزة والقدس وما بقي بعد ذلك من البلاد الشامية تكون للملك الناصر صلاح الدين يوسف.
وأفرج الملك المعز عن الملك المعظم توران شاه ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف المذكور وعن أخيه نصرة الدين وعن الملك الأشرف صاحب حمص وغيرهم من الاعتقال وتوجهوا إلى الشام.
ولما فرغ الملك المعز من ذلك أخذ ينظر في أمره مع فارس الدين أقطاي الجمدار فإنه كان أمره قد زاد في العظمة والتفت عليه المماليك البحرية وصار أقطاي المذكور يركب بالشاويش وغيره من شعار الملك وحدثته نفسه بالملك وكان أصحابه يسمونه الملك الجواد فيما بينهم.
كل ذلك والمعز سامع مطيع حتى خطب أقطاي بنت الملك المظفر تقي الدين محمود صاحب حماة وكان أخوها الملك المنصور هو يومئذ صاحب حماة بعد موت أبيه.
وتحدث أقطاي مع الملك المعز أيبك أنه يريد يسكنها في قلعة الجبل لكونها من بنات الملوك ولا يليق سكناها بالبلد فاستشعر الملك المعز منه بما عزم عليه وأخذ يدبر أمره وعمل على قتله فلم يقدر على ذلك.
فكاتب الملك المعز السلطان صلاح الدين يوسف واستشاره في الفتك به فلم يجبه في ذلك بشيء مع أنه كان يؤثر ذلك لكنه علم أنه مقتول على كل حال فترك الجواب.
ثم سير فارس الذين أقطاي الجمدار المذكور جماعة لإحضار بنت صاحب حماة إليه فخرجت من حماة ووصلت إلى دمشق بتجمل عظيم في عدة محفات مغشاة بالأطلس وغيره من فاخر الثياب وعليها الحلي والجواهر ثم خرجت بمن معها من دمشق متوجهة إلى الديار المصرية.
وأما الملك المعز فإنه لما أبطأ عليه جواب الملك الناصر صلاح الدين في أمر أقطاي وتحقق أن بنت صاحب حماة في الطريق بقي متحيرا إن منعه من سكنى القلعة حصلت المباينة الكلية وإن سكنه قويت أسبابه بها ولا يعود يتمكن من إخراجه ويترتب على ذلك استقلال الأمير فارس الدين أقطاي بالملك فعمل على معاجلته فدخل أقطاي عليه على عادته وقد رتب له الملك المعز جماعة للفتك به منهم الأمير سيف الدين قطز المعزي - أعني الذي تسلطن بعد ذلك - وبهادر وسنجر الغتمي فلما دخل أقطاي وثبوا عليه وقتلوه في دار السلطنة بقلعة الجبل في سنة اثنتين وخمسين وستمائة فتحرك لقتله جماعة من خشداشيته البحرية ثم سكن الحال ولم ينتطح في ذلك شاتان!.
ولما وقع ذلك التفت الملك المعز إلى خلع الملك الأشرف مظفر الدين موسى الأيوبي فخلعه وأنزله من قلعة الجبل إلى حيث كان أولا عند عماته القطبيات.
وركب الملك المعز بالسناجق السلطانية وحملت الأمراء الغاشية بين يديه واستقل على الملك بمفرده استقلالًا تامًا إلى أن قصدت المماليك العزيزية القبض عليه في سنة ثلاث وخمسين فشعر بذلك قبل وقوعه فقبض على بعضهم وهرب بعضهم.
ثم وقعت الوحشة ثانيا بين الملك المعز هذا وبين الملك الناصر صلاح الدين يوسف فمشى الشيخ نجم الدين البادرائي بينهما حتى قرر الصلح بين المعز وبين الناصر على أن تكون الشام جملة للملك الناصر وديار مصر للملك المعز وحد ما بينهما بئر القاضي وهو فيما بين الورادة والعريش واستمر الحال على ذلك.
ثم إن الملك المعز تزوج بالملكة شجرة الدر أم خليل في هذه السنة ودخل بها وكان زواجه بها سببا لقتله ولما تزوجها وأقام معها مدة أراد أن يتزوج ببنت الملك الرحيم صاحب الموصل وكانت شجرة الدر شديدة الغيرة فعملت عليه وقتلته في الحمام وأعانها على ذلك جماعة من الخدام. وقد ذكرنا ذلك كله مفصلا في ترجمة شجرة الدر فيما مضى.
وكان قتل الملك المعز في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة.
وأما أهل مصر فلم يرضوا بذلك إلى أن مات وهم يسمعونه ما يكره حتى في وجهه إذا ركب ومر بالطرقات ويقولون: لا نريد إلا سلطانًا رئيسًا مولودًا على الفطرة.
وخلف عدة أولاد منهم الملك المنصور علي الذي تسلطن بعده وناصر الدين قان. قال الشيخ قطب الدين اليونيني في الذيل على مرآة الزمان: ورأيت له ولدًا آخر بالديار المصرية في سنة تسع وثمانين وستمائة وهو في زي الفقراء الحريرية انتهى.
وكان للمعز بر ومعروف وعمائر من ذلك: المدرسة المعزية على النيل بمصر القديمة ووقف عليها أوقافًا.
ودهليز المدرسة متسع طويل مفرط قيل: إن بعض الأكابر دخل إلى هذه المدرسة المذكورة فراها صغيرة بالنسبة إلى دهليزها فقال: هذه المدرسة مجاز بلا حقيقة! انتهى.
وكانت مدة سلطنة الملك المعز على مصر سبع سنين. ومات وقد ناهز الستين سنة - رحمه الله قلت: وقد تقدم أن الملك المعز أيبك هذا أول من ملك الديار المصرية من الأتراك الذين مسهم الرق. وقد ذكرنا مبدأ أمره وما وقع له من الحروب وغيرها على سبيل الاختصار.
ولنذكر هنا أيضًا من عاصره من ملوك الأقطار ليعلم الناظر في هذه الترجمة بأصل جماعة كبيرة من الملوك الآتي ذكرهم في الحوادث وأيضا بحد مملكة الملك المعز يوم ذاك وحد تحكمه من البلاد ومع هذا كان له من المماليك والحشم والعساكر أضعاف ما لملوك زماننا هذا مع اتساع ممالكهم. انتهى.
ونذكر أيضا من أمر النار التي كانت بأرض الحجاز في أيام سلطنته في سنة أربع وخمسين وستمائة فنقول: استهلت سنة أربع وخمسين المذكورة والخليفة المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله العباسي ببغداد وسلطان مصر الملك المعز أيبك التركماني هذا وسلطان الشام إلى الفرات الملك الناصر صلاح الدين يوسف الأيوبي ما خلا حماة وحمص والكرك وبلادًا أخر نذكر ملوكها فيما يأتي وهم: صاحب حماة الملك المنصور ناصر الدين محمد بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب.
وصاحب الكرك والشوبك الملك المغيث فتح الدين عمر ابن الملك العادل أبي بكر ابن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب. وصاحب صهيون وبرزيه وبلاطنس الأمير مظفر الدين عثمان ابن الأمير ناصر الدين منكورس.
وصاحب تل باشر والرحبة وتدمر الملك الأشرف مظفر الدين موسى ابن إبراهيم بن شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شادي. وصاحب الموصل وأعمالها الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ الأتابكي. وصاحب ميافارقين وديار بكر وتلك الأعمال الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب.
وصاحب ماردين الملك السعيد إيلغازي الأرتقي. وصاحب إربل وأعمالها الصاحب تاج الدين بن صلايا العلوي من جهة الخليفة. والنائب في حصون الإسماعيلية الثمانية بالشام رضي الدين أبو المعالي.
وصاحب المدينة الشريفة -الأمير عز الدين أبو ملك منيف بن شيحة بن قاسم الحسيني. وصاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر.
وأما ملوك الشرق فسلطان ما وراء النهر وخوارزم السلطان ركن الدين وأخوه عز الدين والبلاد بينهما مناصفة وهما في طاعة هولاكو ملك التتار.
ظهور نــــــــــار بالحجــــــاز
وأما أمر النار التي ظهرت بالحجاز قال قاضي المدينة سنان الحسيني: لما كان ليلة الأربعاء ثالث خمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة ظهر بالمدينة الشريفة دوي عظيم ثم زلزلة عظيمة رجفت منها المدينة والحيطان والسقوف ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة خامس الشهر المذكور ظهرت نار عظيمة وقد سالت أودية منها بالنار إلى وادي شظا حيث يسيل الماء وقد سدت مسيل شظا وما عاد يسيل.
ثم قال: والله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيرانا وقد سدت الحرة طريق الحاج العرافي وسارت إلى أن وصلت إلى الحرة فوقفت بعد ما أشفقنا أن تجيء إلينا ورجعت تسير في الشرق يخرج من وسطها مهود وجبال نيران تأكل الحجارة كما أخبر الله في كتابه العزيز فقال عز من قائل: " إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ".
قال: وقد كتبت هذا الكتاب يوم خامس رجب سنة أربع وخمسين والنار في زيادة ما تغيرت وقد عادت إلى الحرة وفي قريظة طريق الحاج العراقي.
وأما أمر النار الكبيرة فهي جبال نيران حمر والأم الكبيرة النار التي سالت النيران منها من عند قريظة وقد زادت وما عاد الناس يدرون أي شيء يتم بعد ذلك والله يجعل العاقبة إلى خير وما أقدر أصف هذه النار. انتهى كلام القاضي في كتابه.
وقال غيره بعد ما ساق من أمر النار المذكورة عجائب نحوًا مما ذكرناه وأعظم إلى أن قال: وقد سال من هذه النار واد يكون مقداره أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال وعمقه قامة ونصفا وهي تجري على وجه الأرض وتخرج منها أمهاد وجبال صغار تسير على الأرض وهو صخر يذوب حتى يبقى مثل الآنك فإذا جمد صار أسود وقبل الجمود لونه أحمر وقد حصل بسبب هذه النار إقلاع عن المعاصي والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة.
ثم قال قطب الدين في الذيل: ومن كتاب شمس الدين سنان بن نميلة الحسيني قاضي المدينة إلى بعض أصحابه يصف الزلزلة إلى أن ذكر قصة النار وحكى منها شيئًا إلى أن قال: وأشفقنا منها وخفنا خوفًا عظيمًا وطلعت إلى الأمير وكلمته وقلت: قد أحاط بنا العذاب ارجع إلى الله! فأعتق كل مماليكه ورد على جماعة أموالهم فلما فعل هذا قلت له: اهبط الساعة معنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهبط وبتنا ليلة السبت والناس جميعهم والنسوان وأولادهم وما بقي أحد لا في النخيل ولا في المدينة إلا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشفقنا منها وظهر ضوءها إلى أن أبصرت من مكة ومن الفلاة جميعها.
ثم سال من ذلك نهر من نار وأخذ في وادي أحيلين وسد الطريق ثم طلع إلى بحرة الحاج وهو بحر نار يجري وفوقه جمر يسير إلى أن قطعت الوادي: وادي الشظا وما عاد يجري سيل قط لأنها حفرته نحو قامتين. والمدينة قد تاب جميع أهلها ولا بقي يسمع فيها رباب ولا دف. ثم ذكر أشياء مهولة من هذا الجنس إلى أن قال: والشمس والقمر من يوم طلعت النار ما يطلعان إلا كاسفين! قال: وأقامت هذه النار أكثر من شهرين.
وفيها يقول بعضهم: البسيط يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا لقد أحاطت بنا يا رب بأساء نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها حملًا ونحن بها حقًا أحقاء أقام سبعًا يرج الأرض فانصدعت عن منظر منه عين الشمس عشواء والقصيدة طويلة جدا كلها على هذا المنوال.
السنة الأولى شاه ابن الملك الصالح نجم الدين ثم في صفر والربيعين منها الملكة شجرة الدر أم خليل الصالحية ثم في باقيها الملك المعز أيبك وهي سنة ثمان وأربعين وستمائة.
صاحب الترجمة ومعه الملك الأشرف مظفر الدين موسى والعمدة في ذلك على المعز هذا.
فيها كانت كسرة الفرنج على دمياط وقبض على الفرنسيس كما تقدم. وفيها قتل الملك المعالم توران شاه وفيها كانت الوقعة بين الملك الناصر صلاح الدين يوسف وبين الملك المعز هذا.
هـــــولاكــــو ملك التتــــــــار
وفيها ثارت الجند ببغداد لقطع أرزاقهم.
وكل ذلك كان من عمل الوزير ابن العلقمي الرافضي فإنه كان حريصا على زوال دولة بني العباس ونقلها إلى العلويين وكان يرسل إلى التتار في السر والخليفة المستعصم لا يطلع على باطن الأمور.
وفيها لما فرغوا من حرب دمياط وتفرق أهلها نقلوا أخشاب بيوتهم وأبوابهم منها وتركوها خاوية على عروشها ثم بنيت بعد ذلك بليدة بالقرب منها تسمى المنشية. وكان سور دمياط من أحسن الأسوار.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإصبعان.
السنة الثانية الصالحي النجمي التركماني على مصر وهي سنة تسع وأربعين وستمائة.
فيها عاد الملك الناصر صلاح الدين يوسف من غزة إلى دمشق وأرسل المعز عسكر مصر فنزل إلى غزة والساحل ثم عادوا إلى القاهرة. وفيها أيضا أخذ الملك المغيث ابن الملك العادل ابن الملك الكامل الكرك والشوبك أعطاه إياهما الخادم.
ولما سمع الملك المعز بذلك جهز الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار في ألف فارس إلى غزة.
وفيها نقلوا تابوت الملك الصالح نجم الدين أيوب إلى تربته بالقاهرة ببين القصرين ولبس الأمراء ثياب العزاء وناحوا عليه ببين القصرين وتصدقت جاريته شجرة الدر في ذلك اليوم بمال عظيم.
وفيها أخرب الترك دمياط وحملوا آلاتها إلى مصر وأخربوا الجزيرة - أعني الروضة - وأخلوها.
وفيها كثر الظلم بالديار المصرية وعظم الجور والمصادرات لكل أحد حتى أخذوا مال الأوقاف ومال الأيتام على نية القرض ومن أرباب الصنائع كالأطباء والشهود.
السنة الثالثة من ولاية الملك المعز أيبك التركماني وهي سنة خمسين وستمائة.
فيها وصلت التتار إلى الجزيرة ونهبوا ديار بكر وميافارقين وجاؤوا إلى رأس عين وسروج وغيرها وقتلوا زيادة على عشرة آلاف إنسان وصادفوا قافلة خرجت من حران تقصد بغداد فأخذوا منها أموالًا عظيمة: منها ستمائة حمل سكر مصري وستمائة ألف دينار قاله أبو المظفر في مرآة الزمان قال: وقتلوا الشيوخ والعجائز وساقوا من النساء والصبيان ما أرادوا ثم رجعوا إلى خلاط. وقطع أهل الشرق الفرات وخاض الناس في القتلى من دنيسر إلى الفرات.
قال بعض التجار: عددت على جسر بين حران ورأس عين في مكان واحد ثلاثمائة وثمانين قتيلا من المسلمين ثم قتل ملك التتار كشلوخان.
وفيها حج بالناس من بغداد بعد أن كان بطل الحج منذ عشر سنين من سنة مات الخليفة المستنصر.
وفيها قدم الشيخ نجم الدين البادراني رسولًا من الخليفة وأصلح بين المعز أيبك صاحب الترجمة وبين الناصر يوسف وقد تقدم ذلك وكان كل واحد من الطائفتين قد سئم وضرس من الحرب وسكنت الفتنة بين الملوك واستراح الناس.
قال الحافظ الدمياطي: وكان شيخًا صدوقًا صالحًا صموتًا عن فضول الكلام إمامًا في اللغة والفقه والحديث قرأت عليه يوم الأربعاء وتوفي ليلة الجمعة تاسع عشر شعبان وحضرت دفنه بداره بالحريم الطاهري ببغداد.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا.
السنة الرابعة من ولاية الملك المعز أيبك الصالحي النجمي التركماني على مصر وهي سنة إحدى وخمسين وستمائة.
وفيها عظم بمصر أمر الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار ورشح للسلطنة وكان من حزبه من خشداشيته بيبرس البندقداري وبلبان الرشيدي وسنقر الرومي وسنقر الأشقر. وصار الملك المعز في خوف.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع وثماني أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا.
السنة الخامسة من ولاية الملك المعز أيبك الصالحي النجمي التركماني على مصر وهي سنة إثنين وخمسين وستمائة
ذكر المؤرخ المسلم المقريزى فى لمواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار البلاد التالية فى الجزء الأول 43 / 167 : التية وهو الأرض التى تاه فيها بنى أسرائيل ذكر التيه هو أرض بالقرب من أيلة بينهما عقبة لا يكاد الراكب يصعدها لصعوبتها إلا أنها مهدت في زمان خمارويه بن أحمد بن طولون ويسير الراكب مرحلتين في محض التيه هذا حتى يوافي ساحل بحر فاران حيث كانت مدينة قاران وهناك غرق فرعون والتيه مقدار أربعين فرسخًا في مثلها وفيه تَاه بنو إسرائيل أربعين سنة لم يدخلوا مدينة ولا أووا إلى بيت ولا بدّلوا ثوبًا وفيه مات موسى عليه السلام.
ويقال: إنّ طول التيه نحو من ستة أيام واتفق أنّ المماليك البحربة لما خرجوا من القاهرة هاربين في سنة اثنتين وخمسين وستمائة مرّ طائفة منهم بالتيه فتاهوا فيه خمسة أيام ثم تراءى لهم في اليوم السادس سواد على بعد فقصدوه فإذا مدينة عظيمة لها سور وأبواب كلها من رخام أخضر فدخلوا بها وطافوا بها فإذا هي قد غلب عليها الرمل حتى طم أسواقها ودورها ووجدوا بها أواني وملابس وكانوا إذا تناولوا منها شيئًا تناثر من طول البلى ووجدوا في صينية بعض البزازين تسعة دنانير ذهبًا عليها صورة غزال وكتابة عبرانية وحفروا موضعًا فإذا حجر على صهريج ماء فشربوا منه ماء أبرد من الثلج ثم خرجوا ومشوا ليلة فإذا بطائفة من العربان فحملوهم إلى مدينة الكرك فدفعوا الدنانير لبعض الصيارفة فإذا عليها أنها ضربت في أيام موسى عليه السلام ودفع لهم في كل دينار مائة درهم وقيل لهم: إنّ هذه المدينة الخضراء من مدن بني إسرائيل ولها طوفان رمل يزيد تارة وينقص أخرى لا يراها إلا تائه والله أعلم.
فيها وصلت الأخبار من مكة بأن نارًا ظهرت في أرض عدن في بعض جبالها بحيث يطير شررها إلى البحر في الليل ويصعد منها دخان عظيم في النهار فما شكوا أنها النار التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تظهر في آخر الزمان.
فتاب الناس وأقلعوا عما كانوا عليه من المظالم والفساد وشرعوا في أفعال الخير والصدقات.
وفيها وصلت الأخبار من الغرب باستيلاء إنسان على إفريقية وادعى أنه خليفة وتلقب بالمستنصر وخطب له في تلك النواحي وأظهر العدل وبنى برجًا وأجلس الوزير والقاضي والمحتسب بين يديه يحكمون بين الناس وأحبته الرعية وتم أمره.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع وست أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا.
السنة السادسة من ولاية الملك المعز أيبك الصالحي النجمي التركماني على مصر وهي سنة ثلاثة وخمسين وستمائة.
فيها عزمت المماليك العزيزية على القبض على الملك المعز وكاتبوا الملك الناصر فلم يوافقهم أيدغدي العزيزي واستشعر الملك المعز منهم بذلك وعلم الخبر وعلموا هم أيضا فهربوا على حمية وكبيرهم آقوش البرنلي ولم يهرب أيدغدي وأقام بمخيمه فجاء الملك المعز راكبًا إلى قرب خيمته فخرج إليه أيدغدي فأمر المعز بحمله وقبض أيضا على الأمير الأتابكي ونهبت خيام العزيزية وكانوا بالعباسة.
والأعيان الذين هربوا هم بلبان الرشيدي وعز الدين أزدمر وبيبرس البندقداري وسنقر الأشقر وسيف الدين قلاوون الألفي وبدر الدين بيسري وسنقر الرومي وبلبان المستنصري.
وفيها عاد الملك الناصر داود من الأنبار إلى دمشق بعد أن حبسه الملك الناصر صلاح الدين يوسف بقلعة حمص ثلاث سنين وبعث به إلى بغداد ثم عاد إلى دمشق وأقام بها ثم عاد في سنة ثلاث وخمسين إلى العراق وحج وأقام بالحلة وكان قد جرى بين الحج العراقي وأصحاب أمير مكة فتنة فأصلح بينهم.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعا سواء.
السنة السابعة من ولاية الملك المعز أيبك الصالحي النجمي التركماني وهي سنة أربع وخمسين وستمائة.
فيها فتح الملك الناصر صلاح الدين يوسف مدرسته التي أنشأها بدمشق بباب الفراديس.
وفيها غرقت بغداد الغرق العظيم الذي لم يعهد مثله بحيث انتقل الخليفة ودخل الماء إلى دار الوزير وغرقت خزائن الخليفة وجرى شيء لم يجر مثله وكان ذلك في شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى.
وفيها كان ظهور النار العظيمة بالمدينة الشريفة وهي غير التي ذكرناها في السنة الماضية وهذه النار التي تقدم ذكرها في ترجمة الملك المعز هذا.
احتراق مسجد رسول الإسلام
وفيها احترق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان وهذا غير النار التي ظهرت بنواحي المدينة فإن هذا الحريق له سبب ابتدأ من زاوية الحرم النبوي الغربية من الشمال فعلقت في آلات الحرم ثم دبت في السقوف فما كان إلا ساعة حتى احترقت سقوف المسجد أجمع ووقع بعض أساطينه وكان ذلك قبل أن ينام الناس واحترق أيضا سقف الحجرة.
وأصبح الناس في يوم الجمعة فعزلوا موضعا للصلاة.
ونظم في حريق المسجد غير واحد من الشعراء فقال معين الدين بن تولو المغربي: الكامل قل للروافض بالمدينة ما لكم يقتادكم للذم كل سفيه ما أصبح الحرم الشريف محرقا إلا لسبكم الصحابة فيه وقال غيره: الكامل لم يحترق حرم النبي لحادث يخشى عليه ولا دهاه العار لكنها أيدي الروافض لامست ذاك الجناب فطهرته النار قال: وعد ما وقع من تلك النار الخارجة وحريق المسجد من جملة الآيات.
وقال أبو شامة: في ليلة السادس عشر من جمادى الآخرة خسف القمر أول الليل وكان شديد الحمرة ثم انجلى وكسفت الشمس في غده احمرت وقت طلوعها وقريب غروبها واتضح بذلك ما صوره الإمام الشافعي من اجتماع الخسوف والكسوف واستبعده أهل النجامة.
وفيها تواترت الأخبار بوصول هولاكو إلى أذربيجان قاصدًا بلاد الشام فتصالح العسكر المصري والشامي على قتاله وتهيأ كل منهم للقاء التتار.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع وست عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة
****************************************************************************
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 031 من 761 ) : " وقصره وله ذكر في شعر تميم بن المعز وغيره ولشعراء مصر في هذه الجزيرة ( جزيرة الروضة ) أشعار منها قول أبي الفتح بن قادوس الدمياطيّ: كانَّ مجرّةَ الجوز أحاطتْ وأثبتَتِ المنازلُ في المنازلُ وكنت أشق في بعض الليالي بالفسطاط على ساحلها فزجهيني ضحك البدر في وجه النيل أمام سور هذه الجزيرة الدريّ اللون ولم أنفصل عن مصر حتى كمل سور هذه القلعة وفي داخله من الدور السلطانية ما ارتفعت إليه همة بانيها وهو من أعظم السلاطين همة في البناء وأبصرت في هذه الجزيرة إيوانًا لجلوسه لم ترعيني مثاله ولا أقدّر ما أنفق عليه وفيه من صفائح الذهب والرخام الأبنوسيّ والكافوريّ والمجزع ما يذهل الأفكار ويستوقف الأبصار ويفضل عما أحاط به السور أرض طويلة وفي بعضها حاظر حظر به على أصناف الوحوش التي يتفرّج عليها السلطان وبعدها مروج ينقطع فيها مياه النيل فينظر بها أحسن منظر وقد تفرّجت كثيرًا في طرف هذه الجزيرة مما يلي برّ القاهرة فقطعت فهي عشيات مذهبات لم تزل لأحزان الغربة مذهبات وإذا زاد النيل فصل ما بينها وبين الفسطاط بالكلية وفي أيام احتراق النيل يتصل برّها ببرّ الفسطاط من جهة خليج القاهرة ويبقى موضع الجسر فيه مراكب وركبت مرّة هذه النيل أيام الزيادة مع الصاحب المحسن محيي الدين بن ندا وزير الجزيرة وصعدنا إلى جهة الصعيد ثم انحدرنا واستقبلنا هذه الجزيرة وأبراجها تتلالأ والنيل قد انقسم عنها فقلت: تأمّل لحسن الصالحيةِ إذْ بدتْ وأبراجها مثلُ النجومِ تلالا ووافى إليها النيلُ من بعد غايةٍ كما زارَ مشغوفٌ يرومُ وصالا وعانقها من فرطِ شوقٍ لحسنها فمدّ يمينًا نحوها وشمالا جرى قادمًا بالسعدِ فاختط حولها من السعدِ أعلامًا فزاد دلالا ولم تزل هذه القلعة عامرة حتى زالت دولت بني أيوب فلما ملك السلطان الملك المعز عز الدين أيبك التركماني أوّل ملوك الترك بمصر أمر بهدمها وعمر منها مدرسته المعروفة بالمعزية في رحبة الحناء بمدينة مصر ومع في القلعة من له جاه فأخذ جماعة منها عدّة سقوف وشبابيك كثيرة وغير ذلك وبيع من أخشابها ورخامها أشياء جليلة.
*****************************************************************************
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 931 من 761) : " السلان الملك المعز عز الدين أيبك الجاشنكير التركماني الصالحي: أحد المماليك الأتراك البحرية وكان قد انتقل إلى الملك الصالح من أولاد ابن التركماني فعرف بالتركماني ورقاه في خدمه حتى صار من جملة الأمراء ورتبة جاشنكيره فلما مات الصالح وقدمته البحرية عليهم في سلطنة شجرة الدر كتب إليهم الخليفة المستعصم من بغداد بذمهم على إقامة امرأة ووافق مع ذلك أخذ الناصر لدمشق وحركتهم لمحاربته فوقع الاتفاق على إقامة أيبك في السلطنة فأركبوه بشعار السلطنة في يوم السبت آخر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة ولقبوه بالملك المعز وجلس على تخت الملك بقلعة الجبل فورد الخبر من الغد بأخذ الملك المغيث عمر بن العادل الصغير الكرك والشوبك وأخذ الملك السعيد قلعة الصبيبة فاجتمع رأي الأمراء على إقامة الأشرف مظفر الدين موسى بن الناصر ويقال المسعود يوسف بن الملك المسعود يوسف ويقال طسز ويقال أيضًا اقسيس بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب شريكًا للمعز في السلطنة فأقاموه معه وعمره نحو ست سنين في خمس جمادى الأولى وصارت المراسيم تبرز عن الملكين إلا أن الأمر والنهي للمعز وليس للأشرف سوى مجرد الإسم وولى المعز الوزارة لشرف الدين أبي سعيد هبة الله بن صاعد الفائزي وهو أول قبطي ولي وزارة مصر وخرج المعز بالعساكر وعربان مصر لمحاربة الناصر يوسف في ثالث ذي القعدة وخيم بمنزلة الصالحية وترك الأشرف بقلعة الجبل واقتتل مع الناصر في عاشره فكانت النصرة له على الناصر وعاد في ثاني عشره فنزل بالناس من البحرية بلاءً لا يوصف ما بين قتل ونهب وسبي بحيث لو ملك الفرنج بلاد مصر ما زادوا في الفساد على ما فعله الحبرية وكان كبرؤهم ثلاثة الأمير فارس الدين اقطاي وركن الدين بيبرس البندقداري وبليان الرشيدي ثم في محرم سنة تسع وأربعين خرج المعز بالأشرف والعساكر فنزل بالصالحية وأقام بها نحو سنتين والرسل تتردد بينه وبين الناصر وأحدث الوزير الأسد هبة الله الفائزي مظالم لم تعهد بمصر قبله فورد الخبر في سنة خمسين بحركة التتر على بغداد فقطع المعز من الخطبة اسم الأشرف وانفرد بالسلطنة وقبض على الأشرف وسجنه وكان الأشرف موسى آخر ملوك بني أيوب بمصر ثم إن المعز جمع الأموال فأحدث الوزير مكوسًا كثيرة سماها الحقوق السلطانية وعاد المعز إلى قلعة الجبل في سنة إحدى وخمسين وأوقع بعرب الصعيد وقبض على الشريف حصن الدين ثعلب بن ثعلب وأذل سائر عرب الوجهين القبلي والبحري وأفناهم قتلًا وأسرًا وسبيًا وزاد في القطيعة على من بقي منهم حتى ذلوا وقلوا ثم قتل الفارس أقطاي ففر منه معظم البحرية بيبرس وقلاونى في عدد كثير منهم إلى الشام وغيرها ولم يزل إلى أن قتلته شجرة الدر في الحمام ليلة الأربعاء رابع عشري ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة فكانت مدّته سبع سنين تنقص ثلاث وثلاثين يومًا وكان ظلومًا غشومًا سفاكًا للدماء أفنى عوالم كثيرة بغير ذنب وقام من بعده ابنه.
******************
تزوج عز الدين أيبك زوجته الأولى أم على (( راجع قصة وا إسلاماه للكاتب علي أحمد باكثير )) من قرية البرامون [ ترجع أصول كلمة البرامون- إلى العصر الفرعونى نسبة إلى الملك (امون). مشتقة من كلمتي (بر) و (آمون) أى ( برآمون)لأنها يقع على الجهة الشرقية من نهر النيل فرع دمياط أي على البر الشرقي لضفاف النيل يحد البرامون من الغرب نهر النيل فرع دمياط ثم قريةالطويلة و كفر الطويلة مركز طلخا] وبها دفن وضريحه ما زال قائم حتى الان ويسمى مقام سيدي إيبك وهو مبني عبارة عن قبة على الطراز المنغولي