Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

السلطان الملك الصالح عماد الدين أبو الفداء إسماعيل على مصر 179/ 15 م.ح

ذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس بها تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
أيبك165/ 1 م.ح
نور الدين166/ 2 م.ح
قطز 167/ 3 م.ح
بيبرس168/ 4 م.ح
السعيد 169/ 5 م.ح
سلامش 170/ 6 م.ح
سيف الدين171/ 7 م.ح
صلاح الدين172/ 8 م.ح
بن قلاوون 173/ 9 م.ح
زين الدين174/ 10 م.ح
حسام الدين175/ 11 م.ح
بن قلاوون 176/ 12 م.ح
بيبرس177/ 13 م.ح
أحمد178/ 14 م.ح
إسماعيل179/ 15 م.ح
بن قلاوون180/ 16 م.ح
أبو بكر181/ 17 م.ح
كجك182/ 18 م.ح
شعبان 183/ 19 م.ح
حسن 184/ 20 م.ح
صالح 185/ 21 م.ح
حسن186/ 22 م.ح
محمد187/ 23 م.ح
شعبان188/ 24 م.ح
على 189/ 25 م.ح
أمير حاج 190/ 26 م.ح

Hit Counter

 

****************************************************************************************

 الجزء التالى عن الأسرة الأيوبية الذين حكموا مصر بعد إحتلالهم مصر وهم يدينون لخلافة الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

*********************************************************************************************************************************

 

 

لسلطان الملك الصالح عماد الدين أبو الفداء على مصر سنة 743 هـ

على مصر السلطان الملك الصالح عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن السلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون وهو السلطان السادس عشر من ملوك الترك بالديار المصرية والرابع من بني محمد بن قلاوون‏.‏
جلس على تخت الملك في يوم الخميس ثاني عشرين المحرم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة بعد خلع أخيه الملك الناصر أحمد باتفاق الأمراء على ذلك لما بلغهم عن حسن سيرته فإنه قيل للأمراء لما أخرج قوصون أولاد الملك الناصر إلى قوص‏:‏ كان إسماعيل هذا يصوم يومي الإثنين والخميس ويشغل أوقاته بالصلاة وقراءة القرآن مع العفة والصيانة عما يرمى به الشباب من اللهو واللعب‏.‏
فلما بلغهم ذلك آتفقوا على إقامته في الملك وسلطنوه وحلفوا له الأمراء والعساكر وحلف لهم أيضًا السلطان الملك الصالح إسماعيل المذكور ألا يؤذي أحدًا وألا يقبض على أمير بغير ذنب‏.‏
فتم أمره ولقب بالملك الصالح ودقت البشائر ونودي بزينة القاهرة ومصر‏.‏ ورسم بالإفراج عن المسجونين بثغر الإسكندرية وكتب بالإفراج أيضًا إلى الوجه القبلي والبحري وألا يترك بالسجون إلا من استحق عليه القتل‏.‏
وآستقر الأمير أرغون العلائي زوج أم الملك الصالح رأس نوبة ويكون رأس المشورة ومدبر السلطنة وكافل السلطان‏.‏
وآستقر الأمير آق سنقر السلاري نائب السلطنة بالديار المصرية‏.‏ وكتب السلطان للأمراء ببلاد الشام والنواب بآستمرارهم وأرسل إليهم الخلع على يد الأمير طقتمر الصلاحي وكتب بتقليد الأمير أيدغمش نائب حلب بنيابة الشام وآستقر عوضه في نيابة حلب الأمير طقزدمر الحموي نائب حماة‏.‏
واستقر في نيابة حماة عوضًا عن طقزدمر الأمير علم الدين سنجر الجاولي‏.‏ ثم كتب السلطان الملك الصالح إسماعيل إلى أخيه الملك الناصر أحمد بالسلام وإعلامه أن الأمراء أقاموه في السلطنة لما علموا أنه ليس له رغبة في ملك مصر وأنه يحب بلاد الكرك والشوبك ‏"‏ وهي بحكمك وملكك ‏"‏‏.‏
وسأله أن يرسل القبة والطير والغاشية والنمجاة وتوجه بالكتاب الأمير قبلاي‏.‏ وخرج الأمير بيغرا ومعه عدة من الأوجاقية لجر الخيول السلطانية من الكرك الذي كان الملك الناصر أخذهم من الإسطبل السلطاني وتوجه الجميع إلى جهة الكرك‏.‏
ثم في يوم الأربعاء ثامن عشرين المحرم قدم الأمراء المسجونون بثغر الإسكندرية إلى القاهرة وعدتهم ستة وعشرون أميرًا منهم الأمير قياتمر وطيبغا المجدي وابن طوغان جق وأسنبغا ابن البوبكري وابن سوسون وناصر الدين محمد بن المحسني والحاج أرقطاي نائب طرابلس في آخرين‏.‏
وفي يوم الخميس طلعوا إلى القلعة وقبلوا الأرض بين يدي السلطان‏.‏ ثم رسم السلطان أن يجلس أرقطاي مكان الأمير علم الدين سنجر الجاولي المنتقل إلى نيابة حماة وأن يتوجه البقية على وفي يوم السبت أول صفر قدم من غزة الأمير قماري أمير شكار والأمير أبو بكر بن أرغون النائب والأمير ملكتمر الحجازي وصحبتهم الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد ومقدم المماليك الطواشي عنبر السحرتي والمماليك السلطانية مفارقين الملك الناصر أحمد‏.‏
وفيه خرج الأمير طقزدمر الحموي من القاهرة لنيابة حلب‏.‏
وفي يوم الإثنين ثالثه خلع على الأمير سنجر الجاولي نائب حماة خلعة السفر وخلع فيه أيضًا على الأمير مسعود بن خطير الحاجب خلعة السفر لنيابة غزة وخلع على القاضي بحر الدين محمد بن محيي الدين يحيى بن فضل الله وآستقر في كتابة السر بدمشق عوضًا عن أخيه شهاب الدين أحمد‏.‏
ورسم بسفر مماليك قوصون والأمير بشتك إلى البلاد الشامية متفرقين وكتب إلى النواب بذلك‏.‏
وفيه آستقر الأمير جنكلي بن البابا في نظر البيمارستان المنصوري ببين القصرين عوضًا عن سنجر الجاولي‏.‏
وجلس الأمير آق سنقر السلاري بدار النيابة بعدما عمرها وفتح بها شباكًا ورسم له أن يعطي الأجناد الإقطاعات من ثلاثمائة دينار إلى أربعمائة دينار ويشاور فيما فوق ذلك واستقر المكين إبراهيم بن قروينة في نظر الجيش‏.‏
وعين ابن التاج إسحاق لنظر الخاص كلاهما عوضًا عن جمال الكفاة بحكم غيبته بالكرك عند الملك الناصر أحمد‏.وفيه أنعم السلطان على أخيه شعبان بإمرة طبلخاناه‏.‏
وفي يوم الإثنين رابع عشرين صفر خلع السلطان على جميع الأمراء كبيرهم وصغيرهم الخلع السنية‏.‏
وفي يوم الثلاثاء خامس عشرينه قدم القاضي علاء الدين علي بن فضل الله كاتب السر وجمال الكفاة ناظر الجيش والخاص من الكرك إلى الديار المصرية مفارقين الملك الناصر بحيلة دبرها جمال الكفاة‏.‏
وكان قد بلغه عن الناصر أنه يريد قتلهم خوفًا من حضورهم إلى مصر ونقلهم لما هو عليه من سوء السيرة فبذل جمال الكفاة ليوسف بن البصارة البازدار مالًا جزيلًا حتى مكنهم من الخروج فأقبل عليهم الأمراء والسلطان وخلع عليهم بآستمرارهم على وظائفهم‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء ثالث عشرين ربيع الأول رسم السلطان للأمير ألطنبغا المارداني الناصري بنيابة حماة عوضًا عن الأمير سنجر الجاولي وكتب بحضور سنجر الجاولي إلى نيابة غزة عوضًا عن أمير مسعود ونقل أمير مسعود إلى إمرة طبلخاناه بدمشق‏.‏
وقدم الخبر من شطي أمير العرب بأن الملك الناصر أحمد قرر مع بعض الكركيين أنه يدخل إلى مصر ويقتل السلطان فتشوش الأمراء لذلك ووقع الاتفاق على تجريد العساكر لقتال الملك الناصر وأخذه من الكرك‏.‏
وفي يوم الخميس ثالث شهر ربيع الآخر توجهت التجريدة إلى الكرك صحبة الأمير بيغرا وهذه أول التجاريد إلى الكرك لقتال الملك الناصر أحمد‏.‏ وفي عقيب ذلك حدث للسلطان رعاف مستمر فاتهمت أمه أم السلطان الأشرف كجك خوند أردو بأنها سحرته وهجمت عليها وأوقعت الحوطة على موجودها وضربت عدة من جواريها ليعترفن عليها فلم يكن غير قليل حتى عوفي السلطان ورسم بزينة القاهرة وحملت أم السلطان إلى المشهد النفيسي قنديل ذهب زنته رطلان وسبع أواق ونصف أوقية‏.‏
ثم قدم الخبر على يد إياز الساقي بموت الأمير أيدغمش نائب الشام فجأة فوقع الاختيار على استقرار الأمير طقزدمر الحموي نائب حلب مكانه في نيابة الشام وأستقر الأمير ألطنبغا المارداني عوضًا عن طقزدمر في نيابة حلب وآستقر الأمير يلبغا اليحياوي في نيابة حماة عوضًا عن المارداني‏.‏ ثم أنعم السلطان على أرغون العلائي بإقطاع الأمير قماري بعد موته وكتب السلطان لنائب صفد وغزة بالنجدة للأمير بيغرا لحصار الملك الناصر بالكرك‏.‏
ثم قدم الخبر من أمير العرب شطي بن عبية إنه ركب مع العسكر على مدينة الكرك وقاتلوا أهل الكرك وهزموهم إلى القلعة وأن الملك الناصر أذعن وسأل أن يمهل حتى يكتب إلى السلطان ليرسل من يتسلم منه قلعة الكرك فرجعوا عنه فلم يكن غير قليل حتى استعد الملك الناصر وقاتلهم‏.‏

تمرد الأمير رمضان
وفي يوم الأربعاء رابع شهر رجب كانت فتنة الأمير رمضان أخي السلطان‏.‏
وسبب ذلك أن السلطان كان أنعم عليه بتقدمة ألف فلما خرج السلطان إلى سرحة سرياقوس تأخر رمضان عنه بالقلعة وتحدث مع طائفة من المماليك في إقامته سلطانًا واتفقوا على ذلك‏.‏
فلما مرض السلطان الملك الصالح هذا واسترخى قوي أمره وشاع ذلك بين الناس وراسل تكا الخضري ومن خرج معه من الأمراء وواعد من وافقه على الركوب بقبة النصر‏.‏
فبلغ ذلك السلطان ومدبر دولته الأمير أرغون العلائي فلم يعبأ بالخبر إلى أن أهل شهر رجب جهز الأمير رمضان خيوله وهجنه بناحية بركة الحبش وواعد أصحابه على يوم الأربعاء‏.‏
فبلغ الأمير آق سنقر أمير آخور عند الغروب بما هو فيه من الحركة فندب عدة من العربان ليأتوه بخبر القوم‏.‏ فلما أتاه خبرهم سار إليهم وأخذ جميع الخيل والهجن عن آخرهم من خلف القلعة وساقهم إلى الإسطبل السلطاني وعرف السلطان والعلائي أرغون من باب السر بما فعله فطلباه إليهما فصعد بما ظفر به من أسلحة القوم‏.‏
فآتفقوا على طلب إخوة السلطان إلى عنده والاحتفاظ بهم‏.‏
فلما طلع الفجر خرج أرغون العلائي من بين يدي السلطان وطلب إخوة السلطان ووكل بهم ووكل ببيت رمضان جماعة حتى طلعت الشمس‏.‏ وصعد الأمراء الأكابر إلى القلعة باستدعاء وأعلموا بما وقع فطلبوا سيدي رمضان إليهم قآمتنع من الحضور وهم يلحون في طلبه إلى أن خرجت أمه وصاحت عليهم فعادوا عنه إلى أرغون العلائي‏.‏
فبعث أرغون بعدة من المماليك والخدام لإحضاره فخرج رمضان في عشرين مملوكًا إلى باب القلة وسأل عن النائب فقيل له إنه عند السلطان مع الأمراء فمضى إلى باب القلعة وسيوف أصحابه مصلتة وركب على خيول الأمراء ومر بمن معه إلى سوق الخيل تحت القلعة فلم يجد أحدًا من الأمراء فتوجه إلى جهة قبة النصر خارج القاهرة ووقف هناك ومعه الأمير تكا الخضري وقد آجتمع الناس عليهم‏.‏
وبلغ السلطان والأمراء خبره فأخرج السلطان محمولًا بين أربعة لما به من الاسترخاء وركب النائب وآق سنقر أمير آخور وقماري أخو بكتمر الساقي وجماعة أخر‏.‏
وأقام أكابر الأمراء عند السلطان وصفت أطلابهم تحت القلعة وضربت الكوسات حربيًا ونزلت النقباء في طلب الأجناد‏.‏ وتوجه النائب إلى قبة النصر ووقف بمن معه تجاه رمضان وقد كثر جمع رمضان من أجناد الحسينية ومن مماليك تكا والعامة وبعث النائب يخبر السلطان بذلك فمن شدة ما انزعج نهضت قوته وقام قائمًا على قدميه بعد ما كان يئس من نفسه من عظم آسترخاء أعضائه وأراد الركوب فقام الأمراء وهنوه بالعافية وقبلوا له الأرض وهونوا عليه أمر أخيه رمضان‏.‏
ولا زالوا به حتى جلس مكانه فأقام إلى بعد الظهر والنائب يراسل رمضان ويعده بالجميل ويخوفه العاقبة وهو لا يلتفت إلى قوله‏.‏ فعزم النائب على الحملة عليه هو ومن معه ودق طبله فلم يثبت العامة المجتمعة على رمضان وآنفلوا عنه وآنهزم هو وتكا الخضري في عدة من المماليك إلى البرية والأمراء في طلبه فعاد النائب إلى السلطان‏.‏
فلما كان بعد العشاء الآخرة من ليلة الخميس أحضر رمضان وتكا الخضري وقد أدركوهما بعد المغرب عند البويب ورموا تكا بالنشاب حتى ألقوه عن فرسه وقد وقف فرس رمضان من شدة السوق‏.‏
فوكل برمضان من يحفظه وأذن للأمراء بنزولهم إلى بيوتهم وطلعوا من بكرة يوم الخميس إلى الخدمة على العادة‏.‏ وجلس السلطان وطلب مماليك رمضان فأحضروا‏.‏
فأمر بحبسهم فحبسوا أيامًا ثم فرقهم السلطان على الأمراء ثم خلع السلطان على الأمراء وفرق عليهم الأموال‏.‏
وفي يوم الإثنين سادس عشره وصل قاصد الأمير بيغرا المتوجه إلى الكرك بمن معه من العساكر بعد ما حاربوا الملك الناصر أحمد بالكرك وقاتلوه قتالًا شديدًا وجرح منهم جماعة وقلت أزوادهم‏.‏ فكتب السلطان بإحضارهم إلى الديار المصرية‏.‏
وفيه خلع السلطان على طرنطاي البشمقدار بنيابة غزة عوضًا عن الأمير علم الدين سنجر الجاولي وكتب بقدوم الجاولي إلى مصر‏.‏
وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه وسط السلطان تكا الخضري بسوق الخيل تحت القلعة ووسط معه مملوكين من المماليك السلطانية‏.‏
وفي هذا الشهر وقف السلطان الملك الصالح صاحب الترجمة ثلثي ناحية سندبيس من القليوبية على ستة عشر خادمًا لخدمة الضريح الشريف النبوي عليه الصلاة والسلام فتمت عدة خدام الضريح الشريف النبوي بذلك أربعين قلت لله دره فيما فعل‏!‏ وعلى هذا تحسد الملوك لا على غيره‏.‏ ثم اتفق الأمراء مع السلطان على إخراج تجريدة ثانية لقتال الملك الناصر بالكرك‏.‏ فلما كان عاشر شعبان خرج الأمير بيبرس الأحمدي والأمير كوكاي في ألفي فارس تجريدة للكرك‏.‏
وكتب السلطان أيضًا بخروج تجريدة من الشام مضافًا إلى من خرج من الأمراء والعساكر من الديار المصرية وتوجه الجميع ونصبت المناجيق على الكرك وجدوا في حصارها‏.‏ وأما الملك الصالح فإنه بعد خروج التجريدة خلع على جمال الكفاة بعدما عزل وصودر بآستقراره مشير الدولة بسؤال وزير بغداد نجم الدين محمود في ذلك بعد أن أعيد إلى الوزارة ونزلًا معًا بتشاريفهما‏.‏
وفي ذي القعدة رتب السلطان دروسًا للمذاهب الأربعة بالقبة المنصورية ووقف عليهم وعلى قراء وخدام وغير ذلك ناحية دهمشا بالشرقية فاستمر ذلك وعرف بوقف الصالح‏.‏ ثم في يوم الأربعاء عاشر المحرم سنة أربع وأربعين وسبعمائة قبض السلطان على أربعة أمراء وهم الأمير آق سنقر السلاري نائب السلطنة والأمير بيغرا أمير جاندار صهر آق سنقر المذكور والأمير قراجا الحاجب وأخيه أولاجا وقيدوا ورسم بحبسهم في الإسكندرية‏.‏
وخرج الأمير بلك على البريد إلى المجردين إلى الكرك فأدركهم على السعيدية وطيب خواطرهم وأعلمهم بالقبض على الأمراء وعاد سريعا فقدم قلعة الجبل طلوع الشمس من يوم الخميس حادي عشره وبعد وصوله قبض السلطان على طيبغا الدوادار الصغير‏.‏
وكان سبب قبض السلطان على هؤلاء الأمراء أن الأمير آق سنقر كان في نيابته لا يرد قاصدًا ولا قصة ترفع إليه فقصده الناس من الأقطار وسألوه الرزق والأراضي التي أنهوا أنها لم تكن بيد أحد وكذلك نيابة القلاع والأعمال والرواتب وإقطاعات الحلقة فلم يرد أحدًا سأله شيئًا من ذلك سواء أكان ما أنهاه صحيحًا أم باطلًا فإذا قيل له‏:‏ هذا الذي سأله يحتاج أن يكشف عنه تغير وجهه وقال‏:‏ ‏"‏ ليش تقطع رزق الناس ‏"‏ وكان إذا كتب الإقطاع لأحد فحضر صاحبه من سفره أو تعافى من مرضه وسأله في إعادة إقطاعه قال له‏:‏ ‏"‏ هذا أخذ إقطاعك ونحن نعوضك ‏"‏‏.‏
ففسدت الأحوال لا سيما البلاد الشامية فكتب النواب بذلك للسلطان فكلمه السلطان فلم يرجع وقال‏:‏ كل من طلب مني شيئًا أعطيته وما أرد قلمي عن أحد بحيث إنه كان تقدم إليه القصة وهو يأكل فيترك أكله ويكتب عليها من غير أن يعلم ما فيها فأغلظ له بسبب ذلك الأمير شمس الدين آق سنقر الناصري أمير آخور واتفق مع ذلك أنه وشي به أنه مباطن مع الملك الناصر أحمد وأن كتبه تصل إليه فقرر أرغون العلائي مسكه مع السلطان فأمسك هو وحاشيته هذا ما كان من أمره‏.‏
وفي يوم الجمعة ثاني عشر المحرم من سنة أربع وأربعين المذكورة خلع السلطان على الأمير الحاج آل ملك واستقر في نيابة السلطنة عوضًا عن آق سنقر السلاري المذكور‏.‏
ثم في ثاني عشر صفر قدم الخبر بوفاة الأمير ألطنبغا المارداني الناصري نائب حلب فرسم السلطان للأمير يلبغا اليحياوي نائب حماة بآستقراره في نيابه حلب عوضه‏.‏ واستقر في نيابة حماة الأمير طقتمر الأحمدي نائب صفد وآستقر بلك الجمدار في نيابة صفد‏.‏ وتوجه الأمير أرغون شاه بتقليد يلبغا اليحياوي وتوجه الأمير ألطنبغا البرناق بتقليد نائب حماة‏.‏
وفي يوم السبت خامس عشرين صفر قدم الأمير بيبرس الأحمدي والأمير كوكاي بمن معهما من المجردين إلى الكرك فركب الأمراء إلى لقائهم وآستمر الأمير أصلم على حصار الكرك وهي التجريدة الثانية للكرك‏.‏
وعرفوا الأمراء السلطان أنه لا بد من خروج تجريدة ثالثة سريعًا تقوية لأصلم لئلا يتنفس الناصر وحتى يدوم الحصار عليه‏.‏ فعين السلطان جماعة من أعيان الأمراء وتجهزوا وخرجوا في يوم الإثنين رابع شهر ربيع الآخر وهم الأمير جنكلي بن البابا والأمير آق سنقر الناصري الأمير آخور ملكتمر السرجواني والأمير عمر بن أرغون النائب في أربعة آلاف فارس تقوية لأصلم وهذه التجريدة الثالثة إلى الكرك‏.‏
وتوجه صحبتهم عدة حجارين ونجارين ونقابين ونفطية وخرج السلطان أيضًا في يوم سفرهم إلى سرياقوس على العادة كالمودع لهم‏.‏ وفي هذه الأيام آشتد نائب السلطنة الحاج آل ملك على والي القاهرة ومصر في بيع الخمور وغيره من المحرمات وعاقب جماعة كثيرة على ذلك وكان هذا دأب النائب من يوم أخرب خزانة البنود في العام الماضي وأراق خمورها وبناها مسجدًا وحكرها للناس فعمروها دورًا‏.‏
وكان الذي يفعل في خزانة البنود من المعاصي والفسق يستحى من ذكره فعف الناس في أيام نيابة آل ملك المذكور عن كثير من المعاصي خوفًا منه‏.‏ وآستمر على ما هو عليه من تتبع الفواحش والخواطىء وغير ذلك حتى إنه نادى‏:‏ من أحضر سكرانًا واحدًا معه جرة خمر خلع عليه فقعد العامة لشربة الخمر بكل طريق وأتوه مرة بجندي قد سكر فضربه وقطع خبزه وخلع على من قبض عليه‏.‏ ووقع له أمور مع بيعة الخمر يطول الشرح في ذ كرها‏.‏
وكان يجلس في شباك النيابة طول النهار لا يمل من الحكم ولا يسأم وتروح أصحاب الوظائف ولا يبقي عنده إلا النقباء البطالة حتى لا يفوته أحد وصار له مهابة عظيمة وحرمة كفت الناس عن أشياء كثيرة حتى أعيان الأمراء حتى قال فيه بعض شعراء عصره‏:‏ آل ملك الحج غدا سعده يملأ ظهر الأرض مهما سلك فالأمرا من دونه سوقة والملك الظاهر هو الملك وفي يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى قدم الأمير أصلم و أبو بكر بن أرغون النائب وأرنبغا من تجريدة الكرك بغير إذن وآعتذروا بضعف أبدانهم وكثرة الجراحات في أصحابهم وقلة الزاد عندهم فقبل السلطان عذرهم ورسم بسفر طقتمر الصلاحي وتمر الموساوي في عشرين مقدمًا من الحلقة وألفي فارس نجدة لمن بقي من الأمراء على حصار الكرك فساروا في سلخه‏.‏
وهذه التجريدة الرابعة بل الخامسة فإنه تكرر رواح الأمراء في تلك التجريدة مرتين‏.‏
ثم بعد مدة رسم السلطان بتجهيز الأمير علم الدين سنجر الجاولي والأمير أرقطاي والأمير قماري الأستادار وعشرين أمير طبلخاناه وثلاثين مقدم حلقة فساروا يوم الثلاثاء خامس عشر شوال في ألفي فارس إلى الكرك وهي التجريدة السادسة وتوجه معهم أيضًا عدة حجارين ونقابين ونفطية وغير ذلك‏.‏
وفي مستهل شهر رمضان فرغت عمارة السلطان الملك الصالح إسماعيل صاحب الترجمة من القاعة التي أنشأها المعروفة الآن بالدهيشة الملاصقة للدور السلطانية المطلة على الحوش وفرشت بأنواع البسط والمقاعد الزركش‏.‏
قلت‏:‏ هي الآن مجاز لأوباش الرعية لمن له حاجة عند السلطان من التركمان والأعراب والأوغاد والأتباع‏.‏ ولله در القائل‏:‏ وإذا تأملت البقاع وجدتها تشقى كما تشقى الرجال وتسعد وجلس السلطان الملك الصالح فيها وبين يديه جواريه وخدمه وحرمه وأكثر السلطان في ذلك اليوم من الخلع والعطاء وكان السلطان

اقد آختص ببيبغا الصالحي وأمره وخوله في النعم وزوجه بابنة الأمير أرغون العلائي مدبر مملكة السلطان وزوج أمه والبنت المذكورة أخت السلطان لأمه‏.‏
وكثر في هذه الأيام استيلاء الجواري والخدام على الدولة وعارضوا النائب في أمور كثيرة حتى صار النائب يقول لمن يسأله شيئا‏:‏ ‏"‏ روح إلى الطواشي فلان فينقضي شغلك ‏"‏‏.‏ وآستمر السلطان يكثر من الجلوس في الدهيشة بأبهة عظيمة إلى الغاية‏.‏
ثم رسم السلطان بإحضار المجردين إلى الكرك وعين عوضهم تجريدة أخرى إلى الكرك وهي التجريدة السابعة فيها الأمير بيبرس الأحمدي والأمير كوكاي وعشرون أمير طبلخاناه وستة عشر أمير عشرة وكتب بخروج عسكر أيضًا من دمشق ومعهم المنجنيق والزحافات‏.‏
وحمل إلى الأحمدي مبلغ ألفي دينار وكذلك لكوكاي ولكل أمير طبلخاناه خمسمائة دينار ولكل أمير عشرة مائتي دينار وأرسل أيضًا مع الأحمدي أربعة آلاف دينار لمن عساه ينزل إليه من قلعة الكرك طائعًا وجهز معه تشاريف كثيرة وعينت لهم الإقامات وكان الوقت شتاء فقاسوا من الأمطار مشقات كثيرة وأقاموا نحو شهرين وخرج معهم ستة آلاف رأس من البقر ونحو مائتي رأس جاموس ونحو ألفي راجل فآستعد لهم الملك الناصر وجمع الرجال وأنفق فيهم مالًا كثيرًا وفرق فيهم الأسلحة المرصدة بقلعة الكرك‏.‏ وركب المنجنيق الذي بها ووقع بينهم القتال والحصار إلى ما سيأتي ذكره‏.‏
ثم رسم السلطان بالقبض على الأمير آقبغا عبد الواحد فقبض عليه بدمشق في عدة من أمرائها وسجنوا بها لميلهم للملك الناصر أحمد‏.‏ واشتد الحصار على الملك الناصر بالكرك وضاقت عليه هو ومن معه لقلة القوت‏.‏
وتخلى عنه أهل الكرك وضجروا من طول الحصار ووعدوا الأمراء بالمساعدة عليه فحملت إليهم الخلع ومبلغ ثمانين ألف درهم‏.‏ هذا وقد استهم السلطان في أول سنة خمس وأربعين وسبعمائة بتجريدة ثامنة إلى الكرك وعين فيها الأمير منكلي بغا الفخري والأمير قماري والأمير طشتمر طلليه ولم يجد السلطان في بيت المال ما ينفقه عليهم فأخذ مالًا من تجار العجم ومن بنت الأمير بكتمر الساقي على سبيل القرض وأنفق فيهم‏.‏
وخرج المجردون في يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم سنة خمس وأربعين وسبعمائة وهؤلاء نجدة لمن توجه قبلهم خوفًا أن يمل من كان توجه من القتال فيجد الناصر فرجًا بعودهم عنه‏.‏ وقطعت الميرة عن الملك الناصر ونفدت أمواله من كثرة نفقاته فوقع الطمع فيه‏.‏
وأخذ بالغ - وكان أجل ثقاته - في العمل عليه وكاتب الأمراء ووعدهم بأنه يسلم إليهم الكرك وسأل الأمان‏.‏ فكتب إليه من السلطان أمان وقدم إلى القاهرة ومعه مسعود وابن أبي الليث وهما أعيان مشايخ الكرك فأكرمهم السلطان وأنعم عليهم وكتب لهم مناشير بجميع ما طلبوه من الإقطاعات والأراضي وكان من جملة ما طلبه بالغ وحده نحو أربعمائة وخمسين ألف درهم في السنة وكذلك أصحابه‏.‏
ثم أعيدوا إلى الكرك بعدما حلفوا ثم ركب العسكر للحرب وخرج الكركيون فلم يكن غير ساعة حتى آنهزموا منهم إلى داخل المدينة فدخل العسكر أفواجًا واستوطنوها وجدوا في قتال أهل القلعة عدة أيام والناس تنزل إليهم منها شيئًا بعد شيء حتى لم يبق عند الملك الناصر أحمد بقلعة الكرك سوى عشرة أنفس فأقام يرمي بهم على العسكر وهو يجد في القتال ويرمي بنفسه وكان قوي الرمي شجاعًا إلى أن جرح في ثلاثة مواضع‏.‏
وتمكنت النقابة من البرج وعلقوه وأضرموا النار تحته حتى وقع‏.‏ وكان الأمير سنجر الجاولي قد بالغ أشد مبالغة في الحصار وبذل فيه مالًا كثيرًا‏.‏
ثم هجم العسكر على القلعة في يوم الإثنين ثاني عشرين صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة فوجدوا الناصر قد خرج من موضع وعليه زردية وقد تنكب قوسه وشهر سيفه‏.‏ فوقفوا وسلموا عليه فرد عليهم وهو متجهم وفي وجهه جرح وكتفه أيضًا يسيل دمًا‏.‏ فتقدم إليه الأمير أرقطاي والأمير قماري في آخرين وأخذوه ومضوا به إلى دهليز الموضع الذي كان به وأجلسوه وطيبوا قلبه وهو ساكت لا يجيبهم فقيدوه ووكلوا به جماعة ورتبوا له طعامًا فأقام يومه وليلته‏.‏

السلطان يأمر بقتل أخاه  خنقا 
ومن باكر الغد يقدم إليه الطعام فلا يتناول منه شيئًا إلى أن سألوه أن يأكل فأبى أن يأكل حتى يأتوه بشاب يقال له عثمان كان يهواه فأتوه به فأكل عند ذلك‏.‏
وخرج الأمير ابن بيبغا حارس طير بالبشارة إلى السلطان الملك الصالح وعلى يده كتب الأمراء فقدم قلعة الجبل في يوم السبت ثامن عشرين صفر فدقت البشائر سبعة أيام‏.‏
وأخرج السلطان منجك اليوسفي الناصري السلاح دار ليلًا من القاهرة على البخت لقتل الملك الناصر أحمد من غير مشاورة الأمراء في ذلك فوصل إلى الكرك وأدخل على الملك الناصر من أخرج الشاب من عنده ثم خنقه في ليلة رابع شهر ربيع الأول وقطع رأسه وسار من ليلته ولم يعلم الأمراء ولا العسكر بشيء من ذلك حتى أصبحوا وقد قطع منجك مسافة بعيدة‏.‏
وقدم منجك بعد ثلاثة أيام قلعة الجبل ليلًا وقدم الرأس بين يدي السلطان - وكان ضخمًا مهولًا له شعر طويل - فآقشعر السلطان عند رؤيته وبات مرجوفًا وطلب الأمير قبلاي الحاجب ورسم له أن يتوجه لحفظ الكرك إلى أن يأتيه نائب لها‏.‏
وكتب السلطان بعود الأمراء والعساكر المجردين إلى الكرك فكانت مدة حصار الملك الناصر بالكرك سنتين وشهرًا وثلاثة أيام‏.‏ ثم قدم الأمراء المجردون إلى الكرك فخلع السلطان على الجميع وشكرهم وأكثر من الثناء عليهم‏.‏
ثم خلع على الأمير ملكتمر السرجواني باستقراره في نيابة الكرك على ما كان عليه قديمًا وجهز معه عدة صناع لعمارة ما تهدم من قلعة الكرك وإعادة البرج على ما كان عليه‏.‏
ورسم بأن يخرج مائة مملوك معه من مماليك قوصون وبشتك الذين كان الملك الناصر قد أسكنهم بالقلعة ورتب لهم الرواتب و أن يخرج منهم مائتان إلى دمشق وحماة وحمص وطرابلس وصفد وحلب‏.‏
فأخرجوا جميعًا في يوم واحد ونساؤهم وأولادهم في بكاء وعويل وسخروا لهم خيول الطواحين ليركبوا عليها‏.‏
ثم وقعت الوحشة بين الأمير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الحجازي وبين الحاج آل ملك نائب السلطنة وصار الحجازي والعلائي معًا على آل ملك النائب‏.‏
ووقع بين آل ملك والحجازي أمور يطول شرحها وكان الحجازي مولعًا بالخمر وآل الملك ينهى عن شربها فكان كلما ظفر بأحد من حواشي الحجازي مثل به فتقوم قيامة الحجازي لذلك وتفاوضا غير مرة بسبب هذا في مجلس السلطان وأرغون العلائي يميل مع الحجازي لما في نفسه من آل ملك وداما على ذلك مدة‏.‏
وأما السلطان فإنه بعد مدة نزل إلى سرياقوس بتجمل زائد على العادة في كل سنة‏.‏ ثم عاد إلى القلعة بعد أيام فورد عليه قصاد صاحب الروم وقصاد صاحب الغرب‏.‏ ثم بدا للسلطان الحج فتهيأ لذلك وأرسل يطلب العربان وأعطاهم الأموال بسبب كراء الجمال‏.‏ فتغير مزاجه في مستهل شهر ربيع الأول ولزم الفراش ولم يخرج إلى الخدمة أيامًا‏.‏
وكثرت القالة بسبب ضعفه وتحسنت الأسعار‏.‏ ثم أرجف بموت السلطان في بعض الأيام فأغلقت الأسواق حتى ركب الوالي والمحتسب وضربوا جماعة وشهروهم‏.‏
ثم آجتمعوا الأمراء ودخلوا على السلطان وتلطفوا به حتى أبطل حركة الحج وكتب بعود طقتمر من الشام واستعادة الأموال من العربان‏.‏ وما زال السلطان يتعلل إلى أن تحرك أخوه شعبان وآتفق مع عدة مماليك وقد انقطع خبر السلطان عن الأمراء‏.‏ وكتب السلطان بالإفراج عن المسجونين من الأمراء وغيرهم بالأعمال وفرقت صدقات كثيرة ورتبت جماعة لقراءة ‏"‏ صحيح البخاري ‏"‏‏.‏
فقوي أمر شعبان وعزم أن يقبض على النائب فآحترز النائب منه‏.‏ وأخذ أكابر الأمراء في توزيع أموالهم وحرمهم في الأماكن ودخلوا على السلطان وسألوه أن يعهد لأحد من إخوته‏.‏ فطلب السلطان النائب وبقية الأمراء فلم يحضر إليه أحد منهم‏.‏ وقد آتفق الأمير أرغون العلائي مع جماعة على إقامة شعبان في الملك وفرق فيهم مالًا كبيرًا فإنه كان أيضًا ابن زوجته وشقيق الملك الصالح إسماعيل لأبيه وأمه‏.‏
وقام مع أرغون من الأمراء غرلو وتمر الموساوي وامتنع النائب من إقامته وصاروا حزبين فقام النائب آل ملك في الإنكار على سلطنة شعبان وقد آجتمع مع الأمراء بباب القلة وقبض ومات السلطان الملك الصالح إسماعيل في ليلة الخميس رابع شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة وقد بلغ من العمر نحو عشرين سنة فكتم موته‏.‏

شعبان يطلب السلطنة لنفسه
وقام شعبان إلى أمه ومنع من إشاعة موت أخيه وخرج إلى أصحابه وقرر معهم أمره‏.‏ فخرج طشتمر ورسلان بصل إلى منكلي بغا ليستعطفوا الأمير أرقطاي والأمير أصلم‏.‏ وكان النائب والأمراء علموا من العصر أن السلطان في النزع اتفقوا على النزول من القلعة إلى بيوتهم بالقاهرة‏.‏ فدخل الجماعة على أرقطاي ليستميلوه لشعبان فوعدهم بذلك‏.‏
ثم دخلوا على أصلم فأجابهم وعادوا إلى شعبان وقد ظنوا أن أمرهم تم‏.‏
فلما أصبحوا نهار الخميس خرج الأمير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الحجازي وتمر الموساوي وطشتمر طلليه ومنكلي بغا الفخري وأسندمر وجلسوا بباب القلة فأتاهم الأمير أرقطاي والأمير أصلم والوزير نجم الدين محمود والأمير قماري الأستادار وطلبوا النائب فلم يحضر إليهم فمضوا كلهم إلى عنده وآستدعوا الأمير جنكلي بن البابا وآشتوروا فيمن يولوه السلطنة فأشار جنكلي أن يرسل إلى المماليك السلطانية ويسألهم من يختاروه ‏"‏ فإن من أختاروه رضيناه سلطانا ‏"‏ فعاد جوابهم مع الحاجب أنهم رضوا بشعبان سلطانًا فقاموا جميعًا ومعهم النائب إلى داخل باب القلة‏.‏
وكان شعبان تخيل من دخولهم عليه وجمع المماليك وقال‏:‏ ‏"‏ من دخل علي وجلس على الكرسي قتلته بسيفي هذا‏!‏ وأنا أجلس على الكرسي حتى أبصر من يقيمني عنه ‏"‏‏.‏ فسير أرغون العلائي إليه وبشره وطيب خاطره ودخل الأمراء إليه وسلطنوه ولقب بالملك الكامل سيف الدين شعبان حسب ما يأتي ذكره في أول ترجمته‏.‏

ولنرجع إلى بقية ترجمة الملك الصالح إسماعيل‏.‏
وكان الملك الصالح سلطانًا ساكنًا عاقلًا قليل الشر كثير الخير هينًا لينًا بشوشًا وكان شكلًا حسنًا حلو الوجه أبيض بصفرة وعلى خده شامة‏.‏ ولم يكن في أولاد الملك الناصر خير منه‏.‏ رتب دروسًا بمدرسة جده المنصور قلاوون وجدد جماعة من الخدام بالحرم النبوي حسب ما ذكرناه في وقته‏.‏ وله مآثر كثيرة بمكة واسمه مكتوب على رباط السدرة بحرم مكة‏.‏ ولم يزل مثابرًا على فعل الخير حتى توفي‏.‏
وكان الملك الصالح محببًا للرعية على مشقة كانت في أيامه من كثرة التجاريد إلى قتال أخيه الملك الناصر أحمد بالكرك وكانت السبل مخيفة‏.‏
وشغف مع ذلك بالجواري السود وأفرط في محبة ‏"‏ اتفاق ‏"‏ العوادة وفي العطاء لها وقرب أرباب الملاهي وأعرض عن تدبير الملك بإقباله على النساء والمطربين حتى كان إذا ركب إلى سرحة سرياقوس أو سرحة الأهرام ركبت أمه في مائتي امرأة الأكاديش بثياب الأطلس الملون وعلى رؤوسهن الطراطير الجلد البرغالي المرصعة بالجوهر واللآلىء وبين أيديهن الخدام الطواشية من القلعة إلى السرحة‏.‏
ثم تركب حظاياه الخيول العربية ويتسابقن ويركبن تارة بالكامليات الحرير ويلعبن بالكرة وكانت لهن في المواسم والأعياد وأوقات النزهة أمور من هذا النموذج‏.‏
وآستولى الخدام والطواشية في أيامه على أحوال الدولة وعظم أمرهم بتحكم كبيرهم عنبر السحرتي لالاة السلطان وآقتنى عنبر السحرتي البزاة والسناقر وصار يركب إلى المطعم ويتصيد بثياب الحرير المزركشة وآتخذ له كفًا للصيد مرصعًا بالجوهر‏.‏
وعمل له خاصكية وخدامًا ومماليك تركب في خدمته حتى ثقل أمره على أكابر أمراء الدولة فإنه أكثر من شراء الأملاك والتجارة في البضائع كل ذلك لكونه لالا السلطان‏.‏
وأفرد له ميدانًا يلعب فيه بالكرة وتصدى لقضاء الأشغال وقصده الناس فصارت الإقطاعات والرزق والوظائف لا تقضى إلا بالخدام والنساء‏.‏
وكان متحصل الدولة في أيام الملك الصالح قليلًا ومصروف العمارة كثيرًا‏.‏ وكان مغرمًا بالجلوس بقاعة الدهيشة لا سيما لما ولدت منه ‏"‏ اتفاق ‏"‏ العوادة ولدًا ذكرًا عمل لها فيه مهما بلغ الغاية التي لا توصف ومع هذا كانت حياته منغصة وعيشته منكدة لم يتم سروره بالدهيشة سوى ساعة واحدة‏.‏

سبب مرض الملك الصالح وموته
ثم قدم عليه منجك السلاح دار برأس أخيه الملك الناصر أحمد من الكرك فلما قدم بين يديه ورآه بعد غسله اهتز وتغير لونه وذعر حتى إنه بات تلك الليلة يراه في نومه ويفزع فزعًا شديدًا‏.‏
وتعلل من رؤيته وما برح يعتريه الأرق ورؤية الأحلام المزعجة وتمادى مرضه وكثر إرجافه حتى آعتراه القولنج وقوي عليه حتى مات منه في يوم الخميس المذكور ودفن عند أبيه وجده الملك المنصور قلاوون بالقبة المنصورية في ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الآخر فكانت مدة ملكه بالديار المصرية ثلاث سنين وشهرين وأحد عشر يومًا‏.‏
وقال الصفدي‏:‏ ثلاث سنين وشهرًا وثمانية عشر يومًا‏.‏ وتسلطن من بعده أخوه شقيقه شعبان ولقب بالكامل‏.‏
وعمل للملك الصالح العزاء بالديار المصرية أيامًا كثيرة ودارت الجواري بالملاهي يضربن بالدفوف والمخدرات حواسر يبكين ويلطمن وكثر حزن الناس عليه ووجدوا عليه وجدًا عظيمًا‏.‏
السنة الأولى من سلطنة الصالح إسماعيل على مصر وهي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وإصبعان‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا سواء‏.‏ وهي سنة أربع وأربعين وسبعمائة‏.‏
 أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الثالثة من سلطنة الصالح إسماعيل وهي سنة خمس وأربعين وسبعمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة ‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وثماني أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا‏.‏
 

This site was last updated 04/02/11