Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

السلطان الملك الأشرف أبو المفاخر زين الدين شعبان  على مصر 188/ 24 م.ح

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
Untitled 478

Hit Counter

****************************************************************************************

 الجزء التالى عن الأسرة الأيوبية الذين حكموا مصر بعد إحتلالهم مصر وهم يدينون لخلافة الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

****************************************************************************************

 السلطان الملك الأشرف أبو المفاخر على مصر سنة 764 هـ

السلطان الملك الأشرف أبو المفاخر زين الدين شعبان ابن الملك الأمجد حسين ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون‏.‏
تسلطن باتفاق الأمير يلبغا العمري وطيبغا الطويل مع الأمراء على سلطنته بعد خلع ابن عمه الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر حاجي‏.‏
وهو السلطان الثاني والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية‏.‏
ولما أتفق الأمراء على سلطنته أحضر الخليفة المتوكل على الله أبو عبد الله محمد والقضاة الأربعة وأفيض عليه الخلعة الخليفتية السوداء بالسلطنة وجلس على تخت الملك وعمره عشر سنين في يوم الثلاثاء خامس عشر شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة من غير هرج في المملكة ولا اضطراب في الرعية بل في أقل من قليل وقع خلع المنصور وسلطنة الأشرف هذا وانتهى أمرهما‏.‏
ونزل الخليفة إلى داره وعليه التشريف ولم يعرف الناس ما وقع إلا بحق البشائر والمناداة باسمه وزينت القاهرة وتم أمره على أحسن الأحوال‏.‏ ومولد الأشرف هذا في سنة أربع وخمسين وسبعمائة بقلعة الجبل‏.‏
واستقر الأتابك يلبغا العمري الخاضكي مدبر الممالك ومعه خجداشه الأمير طيبغا الطويل أمير سلاح على عادتهما‏.‏
وعندما ثبت قواعد الملك الأشرف أرسل يلبغا بطلب الأمير علي المارديني نائب الشام إلى مصر فلما حضر أخلع عليه بنيابة السلطنة بديار مصر وتولى عوضه نيابة دمشق الأمير منكلي بغا الشمسي نائب حلب‏.‏ وتولى نيابة حلب عوضًا عن الشمسي الأمير إشقتمر المارديني‏.‏ وتولى نيابة طرابلس عوضًا عن إشقتمر الأمير أزدمر الخازن نائب صفد‏.‏
وتولى نيابة صفد عوضًا عن أزدمر الخازن الأمير قشتمر المنصوري الذي كان نائبا بالديار المصرية لأمر وقع منه في حق يلبغا العمري الأتابكي‏.‏ واستقر الأمير أرغون الأحمدي الخازندار لالا الملك الأشرف شعبان‏.‏ واستقر الأمير يعقوب شاه السيفي تابع يلبغا اليحياوي خازندارًا عوضًا عن أرغون الأحمدي‏.‏ ثم استقر الأمير أرنبغا الخاصكي في نيابة غزة عوضًا عن تمان تمر العمري بحكم وفاته‏.‏ ثم ولي الأمير عمر شاه حاجب الحجاب نيابة حماة عوضًا عن أيدمر الشيخي‏.‏ واستقر الشريف بكتمر في ولاية القاهرة عوضًا عن علاء الدين علي بن الكوراني بحكم استعفائه عنها‏.‏ ثم استقر الأمير أحمد بن القشتمري في نيابة الكرك‏.‏ ثم ورد الخبر بوقوع الوباء بمدينة حلب وأعمالها وأنه مات بها خلق كثير والأكثر في الأطفال والشبان‏.‏ ثم نزل السلطان الملك الأشرف شعبان إلى سرياقوس بعساكره على عادة الملوك‏.‏ ثم سمر الأتابك يلبغا خادمين من خدام السلطان الملك المنصور لكلام بلغه عنهما فشفع فيهما فخليا ونفيا إلى قوص‏.‏ ثم في سنة خمس وستين أنعم على الأمير طيدمر البالسي بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية‏.‏ ثم أخلع على الأمير آسن قجا بنيابة ملطية في ثالث صفر‏.‏
واستقر الأمير عمر بن أرغون النائب في نيابة صفد عوضًا عن قشتمر المنصوري وحضر قشتمر المذكور إلى مصر على إقطاع عمر بن أرغون المذكور‏.‏ واستقر الأمير طينال المارديني نائب قلعة الجبل عوضًا عن ألطنبغا الشمسي بحكم استعفائه‏.‏
ثم أنعم السلطان على جماعة بإمرة طبلخاناه وهم‏:‏ تمربغا العمري ومحمد بن قماري أمير شكار وألطنبغا الأحمدي‏.‏ وآقبغا الصفوي‏.‏ وأنعم أيضًا على جماعة بإمرة عشرات وهم‏:‏ إبراهيم بن صرغتمش وأرزمك من مصطفى ومحمد بن قشتمر وآقبغا الجوهري وطشتمر العلائي خازندار طيبغا الطويل وطاجار من عوض وآروس بغا الخليلي ورجب بن كلبك التركماني‏.‏
ثم وقع الفناء في هذه السنة في البقر حتى هلك منها شيء كثير وأضر ذلك بحال الزراع‏.‏
ثم في هذه السنة فتح الأمير منكلي بغا الشمسي نائب الشام باب كيسان أحد أبواب دمشق بحضور أمراء الدولة وأعيان أهل دمشق وذلك بعد بروز المرسوم الشريف إليه بذلك وعقد عليه قنطرة كبيرة ومد له إلى الطريق جسرًا وعمر هناك جامعًا‏.‏
وكان هذا الباب مغلقًا من مدة تزيد على مائتي سنة كان سده الملك العادل نور الدين محمود الشهيد لأمر اقتضى ذلك فيه مصلحة للإسلام‏.‏
ثم رسم في هذه السنة بإبطال الوكلاء المتصرفين في أبواب القضاة‏.‏
ثم في سنة ست وستين وسبعمائة استقر الأمير قطلقتمر العلائي أمير جاندار في نيابة صفد عوضًا عن الأمير عمر بن أرغون النائب وحضر عمر بن أرغون إلى مصر على إقطاع قطلقتمر المذكور في سابع شهر رجب‏.‏
ثم استقر الأمير عبد الله ابن بكتمر الحاجب أمير شكار عوضًا عن الأمير ناصر الدين محمد بن ألجيبغا واستقر أسندمر العلائي الحرفوش حاجبًا عوضًا عن عبد الله بن بكتمر المذكور‏.‏ ثم أنعم السلطان على الأمير أسندمر المظفري بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية في سلخ شهر رمضان‏.‏ ثم أنعم على الأمير شعبان ابن الأتابك يلبغا العمري بإمرة مائة وتقدمة ألف‏.‏ ثم استقر الأمير قشتمر المنصوري في نيابة طرابلس واستقر الأمير أزدمر الخازن في نيابة صفد عوضًا عن الأمير قطلقتمر العلائي‏.‏ ثم استقر الأمير ألطنبغا البشتكي في نيابة غزة عوضًا عن أرنبغا الكاملي بحكم وفاته‏.‏
ثم أخلع على الأمير منجك اليوسفي باستقراره في نيابة طرسوس بعد تلك الرتب العالية من تحكمه لما ولي الوزر بالديار المصرية ونيابة طرابلس والشام وقد تقدم ذكر ذلك كله في عدة أماكن وإنما أردنا التعريف به هنا لما تقدم له ولما هو آت وكانت ولاية منجك اليوسفي لنيابة طرسوس عوضًا عن قماري أمير شكار بحكم وفاته في سلخ ذي القعدة‏.‏
ثم أنعم السلطان على جماعة بإمرة طلبخاناه وهم‏:‏ قطلوبغا البلباني وكمشبغا الحموي أحد مماليك الأتابك يلبغا العمري وآقبغا الجوهري أحد اليلبغاوية أيضًا وعلى جماعة بإمرة عشرات وهم‏:‏ سلجوق الرومي وأروس السيفي بشتاك وسنقر السيفي أرقطاي ثم أنعم السلطان على الأمير ألجاي اليوسفي في حادي عشرين شهر رجب بإمرة جاندار‏.‏
وفي هذه السنة وهي سنة ست وستين وسبعمائة عزل قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن محمد بن جماعة نفسه من قضاء الديار المصرية في سادس عشر جمادى الأولى ونزل إليه الأتابك يلبغا بنفسه إلى بيته وسأله بعوده إلى المنصب فلم يقبل ذلك وأشار على يلبغا بتولية نائبه بهاء الدين أبي البقاء السبكي فولي بهاء الدين قضاء القضاة الشافعية عوضه‏.‏
ثم استقر قاضي القضاة جمال الدين محمود بن أحمد بن مسعود القونوي الحنفي قاضي قضاة دمشق بعد موت قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن أحمد الكفري بفتح الكاف‏.‏ وفي هذه السنة أسلم الصاحب شمس الدين المقسي وكان نصرانيًا يباشر في دواوين الأمراء فلما أسلم استقر مستوفي المماليك السلطانية‏.‏

الفرنجة يستولون على الإسكندرية
وفي سنة سبع وستين وسبعمائة أخذت الفرنج مدينة إسكندرية في يوم الجمعة ثالث عشرين المحرم‏.‏
وخبر ذلك أنه لما كان يوم الجمعة المذكور طرق الفرنج مدينة الإسكندرية على حين غفلة في سبعين قطعة ومعهم صاحب قبرس وعدة الفرنج تزيد على ثلاثين ألفًا‏.‏
وخرجوا من البحر المالح إلى بر الإسكندرية فخرج أهلها إليهم فتقاتلوا فقتل من المسلمين نحو أربعة آلاف نفس واقتحمت الفرنج الإسكندرية وأخذوها بالسيف واستمروا بها أربعة أيام وهم يقتلون وينهبون ويأسرون‏.‏
وجاء الخبر بذلك إلى الأتابك يلبغا وكان السلطان بسرياقوس فقام من وقته ورجع إلى القلعة ورسم للعساكر بالسفر إلى الإسكندرية‏.‏
وصلى السلطان الظهر وركب من يومه ومعه الأتابك يلبغا والعساكر الإسلامية في الحال وعدوا النيل وجدوا في الدير من غير ترتيب ولا تعبية حتى وصلوا إلى الطرانة والعساكر يتبع بعضها بعضًا‏.‏
فلما وصل السلطان إلى الطرانة أرسل جاليشًا من الأمراء أمامه في خفية وهم قطلوبغا المنصوري وكوندك وخليل بن قوصون وجماعة من الطبلخانات والعشرات وغيرهم وجدوا في السير وبينما هم في ذلك جاء الخبر بأن العدو المخذول لما سمعوا بقدوم السلطان تركوا الإسكندرية وهربوا ففرح الناس بذلك‏.‏
ورسم السلطان بعمارة ما تهدم من الإسكندرية وإصلاح أسوارها‏.‏ وأخلع السلطان على الشريف بكتمر بنيابة الإسكندرية وأعطاه إمرة مائة وتقدمة ألف‏.‏ وبكتمر هذا هو أول نائب ولي نيابة الإسكندرية من النواب وما كانت أولًا إلا ولاية فمن يومئذ عظم قدر نوابها وصار نائبها يسمى ملك الأمراء‏.‏ ثم أمر يلبغا فنودي بمصر والقاهرة بأن البحارة والنفاطة كلهم يحضرون إلى بيت الأتابك يلبغا للعرض والنفقة ليسافروا في المراكب التي تنشأ‏.‏
وبدأ يلبغا في عمارة المراكب وبعث مراسيم إلى سائر البلاد الشامية والحلبية بإخراج جميع النجارين وكل من يعرف يمسك منشارًا بيده ولا يترك واحد منهم وكلهم يخرجون إلى جبل شغلان وهو جبل عظيم فيه أشجار كثيرة من الصنوبر والقرو ونحو ذلك وهذا الجبل بالقرب من مدينة أنطاكية وأنهم يقطعون الألواح وينشرون الأخشاب للمراكب ويحملونها إلى الديار المصرية‏.‏
فامتثل نائب حلب ذلك وفعل ما أمر به ووقع الشروع في عمل المراكب‏.‏ هذا وقد ثقل على يلبغا وطأة خشداشه طيبغا الطويل فأراد أن يستبد بالأمر وحده وأخذ يلبغا يدبر عليه في الباطن‏.‏
ولقد حكى لي بعض من رآهما قال‏:‏ كانا ينزلان من الخدمة السلطانية معًا فتقول العامة‏:‏ يا طويل‏!‏ حسك من هذا القصير‏!‏ فكان طيبغا يلتفت إلى يلبغا ويقول له وهو يضحك‏:‏ ما يقولون هؤلاء‏!‏ فيقول يلبغا‏:‏ هذا شأن العامة يثيرون الفتن‏.‏ انتهى‏.‏
واستمر يلبغا على ذلك أن خرج طيبغا الطويل إلى الصيد بالعباسة فأرسل إليه يلبغا جماعة من مقدمي الألوف وهم‏:‏ أرغون الإسعردي الدوادار والأمير آروس المحمودي الأستادار وأرغون الأزقي وطيبغا العلائي حاجب الحجاب ومعهم تشريف له بنيابة دمشق‏.‏ فساروا حتى قدموا على طيبغا الطويل وأخبروه بما وقع فلما سمع طيبغا ذلك غضب وأبى قبول الخلعة وخامر‏.‏
واتفق معه أرغون الإسعردي الموادار وآروس المحمودي‏.‏ وهرب طيبغا العلائي وأرغون الأزقي ولحقا بالأتابك يلبغا وأعلماه بالخبر فركب يلبغا في الحال ومعه السلطان الملك الأشرف شعبان بالعساكر في صبيحة اليوم المذكور‏.‏
وقد ساق طيبغا الطويل من العباسية حتى نزل بقبة النصر خارج القاهرة ليأتيه من له عنده غرض فوافاه يلبغا في حال وصوله بالعساكر وقاتله فاقتتلا ساعة وانكسر طيبغا الطويل بمن معه وأمسك هو وأصحابه من الأمراء وهم‏:‏ أرغون الإسعردي وآروس المحمودي وكوندك أخو طيبغا الطويل وجركتمر السيفي منجك وأرغون من عبد الله وجمق الشيخوني وكليم‏.‏
أخو طيبغا الطويل وتلك أخو بيبغا الصالحي وآقبغا العمري البالسي وجرجي بن كوندك وأرزمك من مصطفى وطشتمر العلائي وأرسلوا الجمع إلى سجن الإسكندرية‏.‏ وأخذ يلبغا إقطاع ولدي طيبغا الطويل وهما علي وحمزة وكانا أميري طبلخاناه‏.‏
ثم في يوم الاثنين خامس عشرين شعبان من سنة سبع وستين وسبعمائة باست الأمراء الأرض للسلطان ويلبغا الأتابك معهم وطلبوا من السلطان الإفراج عن الأمراء المسجونين بثغر الإسكندرية المقدم ذكرهم فقبل السلطان شفاعتهم ورسم بالإفراج عن طيبغا الطويل خاصة فأفرج عنه ورسم بسفره إلى القدس بطالًا فسافر إلى القدس وأقام به إلى ما يأتي ذكره‏.‏
ثم بعد ذلك في يوم عيد الفطر رسم السلطان بالإفراج عمن بقي في الإسكندرية من أصحاب طيبغا الطويل فأفرج عنهم وحضروا فأخرجوا إلى الشام متفرقين بطالين‏.‏ وصفا الوقت ليلبغا العمري وصار هو المتكلم في الأمور من غير مشارك والسلطان الملك الأشرف شعبان معه آلة في السلطنة‏.‏
وأنعم يلبغا بإقطاعات أصحاب طيبغا الطويل على جماعة من أصحابه فأنعم على الأمير أرغون بن بلبك الأزقي بتقدمة ألف عوضًا عن قطلوبغا المنصوري وأنعم على طيبغا العلائي السيفي بزلار بتقدمة ألف عوضًا عن ملكتمر المارديني بحكم وفاته وأنعم على أينبك البدري أمير آخور يلبغا العمري بإمرة طبلخاناه واستقر أستادار أستاذه يلبغا‏.‏
ثم استقر الأمير إشقتمر المارديني المعزول عن نيابة حلب قبل تاريخه في نيابة طرابلس عوضًا عن قشتمر المنصوري وطلب قشتمر المذكور إلى مصر‏.‏ ثم استقر الأمير طيدمر البالسي أمير سلاح عوضًا عن طيبغا الطويل في سابع جمادى الأولى‏.‏
ثم استقر طيبغا الأبو بكري دوادارًا كبيرًا بإمرة طبلخاناه عوضًا عن الإسعردي فأقام دوادارًا إلى حادي عشرين شعبان وعزل بأمير بيبغا دوادار أمير علي المارديني بإمرة طبلخاناه أيضًا‏.‏
ثم فرق على جماعة كبيرة بإمرة طبلخانات وهم‏:‏ طغيتمر العثماني وآقبغا الجوهري وقجماس السيفي طاز وألطنبغا العزي وأرغون كتك العزي وقراتمر المحمدي والشهابي هذا قراتمر رأيته وقد شاخ وكان بطالًا يسكن بالقرب من الكبش بعد سنة عشرين وثمانمائة‏.‏
انتهى وآروس بغا الكاملي وطاجار من عوض وآقبغا اليوسفي وألطنبغا المارديني - وهو غير صاحب الجامع ذاك متقدم على هذا - ورسلان الشيخوني واستقر حاجبًا بإسكندرية على إمرة طبلخاناه وعلي بن قشتمر المنصوري وسودون القطلقتمري وقطلوبغا الشعباني ومحمد المهندس التركماني‏.‏
وأنعم على جماعة بعشرات وهم‏:‏ تنبك الأزقي وأرغون الأحمدي وطيبغا السيفي يلبغا وأرغون الأرغوني وسودون الشيخوني وهو الذي صار نائب السلطنة في دولة الملك الظاهر برقوق كما سيأتي ذكره وأزدمر العزي أبو ذقن ويونس العمري ودرت بغا البالسي وقرابغا الصرغتمشي وطاز الحسني وقرقماس الصرغتمشي وطيبغا العلائي وقماري الجمالي‏.‏
ثم في هذه السنة أبطل يلبغا المكوس من مكة والمدينة ورتب عوض ذلك من بيت المال مائتي ثم في سنة ثمان وستين طلب السلطان الأمير منكلي بغا الشمسي نائب الشام إلى الديار المصرية فلما حضره أكرمه وأخلع عليه بنيابة حلب عوضًا عن جرجي الإدريسي لعجزه عن القيام بمصالح حلب مع التركمان فامتنع منكلي بغا من نيابة حلب كونه نائب دمشق ثم ينتقل منها إلى نيابة حلب فأضيف إليه أربعة آلاف نفر من عسكر دمشق لتكون منزلته أكبر من منزلة نائب دمشق فأذعن عند ذلك ولبس الخلعة وتوجه إلى حلب‏.‏
وتولى نيابة دمشق عوضه الأمير آقتمر عبد الغني حاجب الحجاب بالديار المصرية وتولى عوضه حجوبية الحجاب طيبغا العلائي‏.‏ وأما جرجي الإدريسي المعزول عن نيابة حلب فإنه ولي نيابة طرابلس بعد عزل منجك اليوسفي عنها‏.‏
ثامن عشر شهر ربيع الأول من سنة ثمان وستين
المذكورة استقر أرغون الأزقي الأستادار في نيابة غزة عوضًا عن ألطنبغا البشتكي‏.‏ وفي الشهر أيضًا استقر آقبغا الأحمدي المعروف بالجلب لالا السلطان الملك الأشرف عوضًا عن أرغون الأحمدي بحكم نفيه إلى الشام لأمر اقتضى ذلك ونفي معه تمربغا العمري‏.‏
ثم في آخر الشهر المذكور أمسك الأتابك الأمير يلبغا الطواشي سابق الدين مثقالًا الآنوكي مقدم المماليك السلطانية وضربه داخل القصر بقلعة الجبل ستمائة عصاة ونفاه إلى أسوان - وسببه ظهور كذبه له - وولى مكانه مختار الدمنهوري المعروف بشاذروان وكان مقدم الأوجاقية بباب السلسلة‏.‏ كل ذلك والعمل في المراكب مستمر إلى أن كملت عمارة المراكب من الغربان والطرائد لحمل الغزاة والخيول‏.‏ وكانوا نحو مائة غراب وطريدة عمرت في أقل من سنة مع عدم الأخشاب والأصناف يوم ذاك‏.‏
وبينما الناس في ذلك قتل يلبغا العمري بيد مماليكه في واقعة كانت بينهم‏.‏ وخبر ذلك أنه لما كان في مستهل شهر ربيع الآخر نزل السلطان من قلعة الجبل وعدى إلى بر الجيزة ليتوجه إلى الصيد بالبحيرة بعد أن ألزم الأمراء أن يجعلوا - في الشواني التي نجز عملها برسم الغزاة - العدد والسلاح والرجال على هيئة القتال لينظر السلطان والناس ذلك‏.‏
فامتثلوا الأمراء المرسوم الشريف وأشحنوا المراكب العدد والسلاح والرجال الملبسة وضربوا الطبلخاناه بها وصارت في أبهى زي ولعبوا بها في البحر قدام السلطان والأتابك يلبغا‏.‏ وخرج الناس للتفرج من كل فج وكان يوم من الأيام المشهودة الذي لم ير مثله في سالف الأعصار‏.‏
ثم سار السلطان والأتابك يلبغا بالعساكر من بر الجيزة يريدون البحيرة حتى نزلوا في ليلة الأربعاء سادس شهر ربيع الآخر من ستة ثمان وستين وسبعمائة بالطرانة وباتوا بها وكانت مماليك يلبغا قد نفرت قلوبهم منه لكثرة ظلمه وعسفه وتنوعه في العذاب لهم على أدنى جرم حتى إنه كان إذا غضب على مملوك ربما قطع لسانه‏.‏
فاتفق جماعة من مماليك يلبغا تلك الليلة على قتله من غير أن يعلموا الملك الأشرف هذا بشيء من ذلك وركبوا عليه نصف الليل ورؤوسهم من الأمراء‏:‏ آقبغا الأحمدي الجلب وأسندمر الناصري وقجماس الطازي وتغري برمش العلائي وآقبغا جاركس أمير سلاح وقرابغا الصرغتمشي في جماعة من أعيان اليلبغاوية‏.‏
ولبسوا آلة الحرب وكبسوا في الليل على يلبغا بخيمته بغتة وأرادوا قتله فأحس بهم قبل وصولهم إليه فركب فرس النوبة بخواصه من مماليكه وهرب تحت الليل وعدى النيل إلى القاهرة ومنع سائر المراكب أن يعدوا بأحد‏.‏
واجتمع عنده من الأمراء طيبغا حاجب الحجاب وأينبك البدري أمير آخور وجماعة الأمراء المقيمين بالقاهرة‏.‏
وأما مماليك يلبغا فإنهم لما علموا بأن أستاذهم نجا بنفسه وهرب اشتد تخوفهم من أنه إذا ظفر بهم بعد ذلك لا يبقي منهم أحدًا‏.‏
فاجتمعوا الجميع بمن انضاف إليهم من الأمراء وغيرهم وجاؤوا إلى الملك الأشرف شعبان - وهو بمخيمه أيضًا بمنزله بالطرانة وكلموه في موافقتهم على قتال يلبغا فامتنع قليلًا ثم أجاب لما في نفسه من الحزازة من حجر يلبغا عليه وعدم تصرفه في المملكة‏.

وركب السلطان بمماليك يلبغا وخاصكيته فأخذوه وعادوا به إلى جهة القاهرة وقد اجتمع عليه خلائق من مماليك يلبغا وعساكر مصر وساروا حتى وصلوا إلى ساحل النيل ببولاق التكروري تجاه بولاق والجزيرة الوسطى‏.‏ فأقام الملك الأشرف ببولاق التكروري يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة فلم يجدوا مراكب يعدون فيها‏.‏
وأما يلبغا فإنه لما علم أن الملك الأشرف طاوع مماليكه وقربهم أنزل من قلعة الجبل سيدي آنوك ابن الملك الأمجد حسين أخي الملك الأشرف شعبان وسلطنه ولقبه بالملك المنصور وذلك بمخيمه بجزيرة أروى المعروفة بالجزيرة الوسطانية تجاه بولاق التكروري حيث الملك الأشرف نازل بمماليك يلبغا بالبر الشرقي والأشرف بالبر الغربي فسمته العوام سلطان الجزيرة‏.‏
ثم في يوم الجمعة حضر عند الأتابك يلبغا الأمير طغيتمر النظامي والأمير أرغون ططر فإنهما كانا يتصيدان بالعباسة وانضافا بمن معهما إلى يلبغا فقوي أمره بهما‏.‏
وعدى إليه أيضا جماعة من عند الملك الأشرف وهم‏:‏ الأمير قرابغا البدري والأمير يعقوب شاه والأمير بيبغا العلائي الدوادار والأمير خليل بن قوصون وجماعة من مماليك يلبغا الذين أمرهم مثل‏:‏ آقبغا الجوهري وكمشبغا الحموي ويلبغا شقير في آخرين‏.‏
واستمر الأتابك يلبغا وآنوك بجزيرة الوسطى والملك الأشرف ومماليك يلبغا ببولاق التكروري إلى أن حضر إلى الأشرف شخص يعرف بمحمد ابن بنت لبطة رئيس شواني السلطان وجهز للسلطان من الغربان التي عمرها برسم الغزاة نحو ثلاثين غرابًا برجالها وكسر بروقها وجعلها مثل الفلاة لأجل التعدية‏.‏
فنزل فيها جماعة من الأمراء ومن مماليك يلبغا ليعدوا فيها إلى الجزيرة فرمى عليهم يلبغا بمكاحل النفط وصار هؤلاء يرمون على يلبغا بالسهام فيردونهم على أعقابهم‏.‏ وأخذ يلبغا ومن معه يرمون أيضًا النفط والنشاب والأشرفية لا يلتفتون إلى ذلك بل يزيدون في سب يلبغا ولعنه وقتاله‏.‏
وأقاموا على ذلك إلى عصر يوم السبت وقد قوي أمر الملك الأشرف وضعف أمر يلبغا‏.‏ ثم اتفق رأي عساكر الملك الأشرف على تعدية الملك الأشرف من الوراق فعدى وقت العصر من الوراق إلى جزيرة الفيل وتتابعته عساكره‏.‏
فلما صاروا الجميع في بر القاهرة وبلغ ذلك يلبغا هرب الأمراء الذين كانوا مع يلبغا بأجمعهم وجاؤوا إلى الملك الأشرف وقبلو الأرض بين يديه‏.‏ فلما رأى يلبغا ذلك رجع إلى جهة القاهرة ووقف بسوق الخيل من تحت قلعة الجبل ولم يبق معه غير طيبغا حاجب الحجاب الذي كان أولًا أستاداره‏.‏

قتل الأميـــــر يلبغـــا
فوقف يلبغا ساعة ورأى أمره في إدبار فنزل عن فرسه بسوق الخيل تجاه باب الميدان وصلى العصر وحل سيفه وأعطاه للأمير طيبغا الحاجب‏.‏ ثم نزل وقصد بيته بالكبش فرجمته العوام من رأس سويقة منعم إلى أن وصل حيث اتجه‏.‏
وسار الملك الأشرف شعبان بعساكره حتى طلع إلى قلعة الجبل في آخر نهار السبت المذكور‏.‏
وأرسل جماعة من الأمراء إلى يلبغا فأخذوه من بيته ومعه طيبغا الحاجب وطلعوا به إلى القلعة بعد المغرب فسجن بها إلى بعد عشاء الآخرة من اليوم المذكور‏.‏
فلما أذن للعشاء جاء جماعة من مماليك يلبغا مع بعض الأمراء وأخذوا يلبغا من سجنه وأنزلوه من القلعة‏.‏
فلما صار بحدرة القلعة أحضروا له فرسًا ليركبه فلما أراد الركوب ضربه مملوك من مماليكه يسمى قراتمر فأرمى رأسه ثم نزلوا عليه بالسيوف حتى هبروه تهبيرًا وأخذوا رأسه وجعلوها في مشعل النار إلى أن انقطع الدم فلما رآه بعضهم أنكره وقال‏:‏ أخفيتموه وهذه رأس غيره فرفعوه من المشعل ومسحوه ليعرفوه أنه رأس يلبغا بسلعة كانت خلف أذنه فعند ذلك تحقق كل أحد بقتله وأخذوا جثته فغيبوها بين العروستين‏.‏
فجاء الأمير طشتمر الدوادار فأخذ الرأس منهم في الليل واستقصى على الجثة حتى أخذها وحط الرأس على الجثة وغسلها وكفنها وصلى عليه في الليل ودفنه بتربته التي أنشأها بالصحراء بالقرب من تربة خوند طغاى أم آنوك زوجة الناصر محمد ابن قلاوون‏.‏
فالقصاص قريب والجزاء من جنس العمل‏.‏
ولما أصبح نهار الأحد عاشر شهر ربيع الأخر وهو صبيحة ليلة قتل فيها يلبغا العمري الخاصكي المقدم ذكره وطلع جميع الأمراء إلى القلعة واستقر الأمير طغيتمر النظامي هو المتحدث في حل المملكة وعقدها ومعه آقبغا جلب الأحمدي وأسندمر الناصري وقجماس الطازي وقبضوا من الأمراء على تمربغا البدري ويعقوب شاه وبيبغا العلائي الدوادار وقيدوا وأرسلوا عشية النهار إلى الإسكندرية‏.‏
ورسم للأمير خليل بن قوصون أن يلزم بيته بطالًا‏.‏ وفي يوم الاثنين حادي عشرة استقر قشتمر المنصوري حاجب الحجاب عوضًا عن طيبغا العلائي‏.‏ واستقر أيدمر الشامي دودارًا بإمرة مائة وتقدمة ألف وناظر الأحباس ولم يعلم قبله دوادار أمير مائة ومقدم ألف‏.‏ ثم قبض على جماعة من الأمراء وهم‏:‏ أزدمر العزي وآقبغا الجوهري وأرغون كتك العزي أيضًا وأرغون الأرغوني ويونس الرماح العمري وكمشبغا الحموي وأرسلوا الجميع في القيود إلى ثغر الإسكندرية فحبسوا بها‏.‏
ثم استقر طيدمر البالسي أستادار العالية‏.‏ ثم أخلع على قجماس الطازي واستقر أمير سلاح عوضًا عن طيدمر البالسي المنتقل إلى الأستادارية‏.‏ وأنعم على قرابغا الصرغتمشي بتقدمة ألف دفعة واحدة من إمرة عشرة‏.‏ ثم في العشرين من الشهر استقر أسنبغا القوصوني لالا السلطان عرضًا عن آقبغا جلب‏.‏ واستقر قراتمر المحمدي خازندارًا عوضًا عن تلكتمر المحمدي‏.‏
وحضر سابق الدين مثقال الآنوكي من قوص بطلب من السلطان وقبل الأرض ونزل إلى داره‏.‏ وفي يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى قبض على فخر الدين ماجد بن قروينة وسلم لقرابغا الصرغتمشي ليستخلص منه الأموال واستقر عوضه في الوزارة الصاحب جمال الدين عبد الله بن تاج الدين موسى بن أبي شاكر وأضيف إليه نظر الخاص أيضًا وكان أولًا صاحب ديوان يلبغا‏.‏
وفي سادس عشر جمادى الأولى أعيد الطواشي سابق الدين مثقال إلى تقدمة المماليك السلطانية وصرف الدمنهوري المعروف بشاذروان‏.‏ وفي يوم الخميس سادس عشر رجب قبض على قرابغا الصرغتمشي‏.‏
وعندما قبض على قرابغا المذكور ركب الأمير تغري برمش بالسلاح ومعه عدة من الأمراء والخاصكية‏.‏ فرسم السلطان بركوب الأمراء والخاصكية فركبوا في الحال وقبضوا عليه وأمسكوا معه الأمير أينبك البدري وإسحاق الرجبي وقرابغا العزي ومقبل الرومي وأرسلوا إلى الإسكندرية‏.‏
ثم أنعم السلطان على كل من قطلوبغا جركس وأقطاي بتقدمة ألف‏.‏ ومن هذا الوقت أخذ أسندمر الناصري في التعاظم وانضمام الناس عليه‏.‏ فاتفق جماعة من الأمراء العزية مع طغيتمر النظامي وآقبغا جلب على قبض أسندمر ودبروا عليه‏.‏
إلى أن كانت ليلة الأحد سابع شهر شوال من سنة ثمان وستين المذكورة ركبوا نصف الليل‏.‏ وضربوا الكوسات وأنزلوا الملك الأشرف إلى الإسطبل السلطاني وقصدوا مسك أسندمر الناصري وبعض مماليك يلبغا العمري الأشرار‏.‏
وبلغ ذلك أسندمر فمكث في بيته إلى طلوع الشمس‏.‏ ثم ركب من بيته بالكبش فإنه كان سكن فيه بعد قتل يلبغا وتوجه بمن معه إلى قبة النصر ومنها إلى القرافة إلى باب الدرفيل من وراء القلعة فلم يفطن به الأمراء إلا وهو تحت الطبلخاناه السلطانية من القلعة وكبس عليهم من الصوة فهرب أكثر الأمراء وكان غالبهم قد استخدم عنده جماعة من مماليك يلبغا‏.‏
فلما رأى مماليك يلبغا أسندمر ومن معه من خشداشيتهم توجهوا إليهم وتركوا أمراءهم‏.‏
ثم خرج إلى أسندمر آقبغا جلب وطردوا الحاجب ابن اخي آل ملك فقوي أسندمر بهم على الأمراء وصدمهم صدمة هائلة كسرهم فيها كسرة شنيعة وهربوا الجميع إلا ألجاي اليوسفي وأرغون ططر فإنهما ثبتا وقاتلا أسندمر وليس معهما غير سبعين فارسًا‏.‏
فقاتلوا أسندمر وجماعته إلى قريب الظهر فلم يرجع إليهما أحد من أصحابهما فانكسرا وانتصر أسندمر الناصري عليهم وطلع إلى القلعة وقبل الأرض بين يدي الملك الأشرف شعبان فأخلع عليه الأشرف باستقراره أتابكا ومدبر المماليك كما كان يلبغا العمري الخاصكي‏.‏ ثم قبض أسندمر على جماعة من الأمراء وقيدهم وأرسلوا إلى ثغر الإسكندرية فحبسوا بها وهم‏:‏ ألجاي اليوسفي وطغيتمر النظامي وأيدمر الشامي وآقبغا جلب وقطلوبغا جركس وأقطاي وأرغون ططر وقجماس الطازي وجميع هؤلاء مقدمو ألوف‏.‏
ثم قبض على جماعة من الأمراء الطبلخمانات وهم‏:‏ طاجار من عوض ويلبغا شقير وقرابغا شاد الأحواش وقرابغا الأحمدي وقطلوبغا الشعباني وأيدمر الخطائي وتمراز الطازي وآسن الناصري وقراتمر المحمدي‏.‏
ثم أصبح أسندمر في يوم حادي عشر شوال أنعم على جماعة من الأمراء واستقروا مقدمي ألوف بالديار المصرية وأصحاب وظائف فأخلع على أزدمر العزي واستقر أمير مائة ومقدم ألف وأمير سلاح واستقر جركتمر السيفي منجك أمير مائة ومقدم ألف وأمير مجلس واستقر ألطنبغا اليلبغاوي رأس نوبة النوب من إمرة عشرة دفعة واحدة واستقر قطلقتمر العلائي أمير جاندار واستقر سلطان شاه أمير مائة ومقدم ألف وحاجبًا ثانيًا‏.‏
واستقر بيرم العزي دوادارًا بتقدمة ألف وكان جنديًا قبل ذلك فأنعم عليه بإقطاع طغيتمر النظامي ووظيفته وجميع موجوده ومماليكه وحواصله‏.‏ وأنعم على خليل بن قوصون بتقدمة ألف وعلى قبق العزي بتقدمة ألف وعلى أرغون القشتمري بتقدمة ألف وعلى محمد بن طيطق العلائي بتقدمة ألف‏.‏
ثم أنعم على جماعة بإمرة طبلخاناه وهم‏:‏ بزلارالعمري وأرغون المحمدي الآنوكي الخازن وأرغون الأرغوني ومحمد بن طقبغا الماجاري وباكيش السيفي يلبغا وآقبغا آص الشيخوني وسودون الشيخوني وجلبان السعدي وكبك الضرغتمشي وإينال اليوسفي وكمشبغا الطازي وبكتمر العلمي وقماري الجمالي وأرسلان خجا ومبارك الطازي وتلكتمر الكشلاوي وأسنبغا العزي وقطلوبغا الحموي ومأمور القلمطاوي‏.‏
ثم أنعم على جماعة بإمرة عشرات وهم‏:‏ كزك الأرغوني وألطنبغا المحمودي وقرابغا الأحمدي - وهذا غير قرابغا الأحمدي الجلب - وحاجى ملك بن شادي وعلي بن باكيش ورجب بن خضر وطيطق الرماح‏.‏
ثم خلع على جماعة واستقرت جوكندارية وهم‏:‏ مبارك الطازي المقدم ذكره وقرمش الصرغتمشي وإينال اليوسفي‏.‏ وأخلع على تلكتمر المحمدي واستقر خازندارًا على عادته وبهادر الجمالي شاد الدواوين عوضًا عن خليل بن عرام بحكم انتقال ابن عرام إلى نيابة الإسكندرية‏.‏
واستقر أسندمر الزيني في نيابة طرابلس عوضًا عن اشقتمر المارديني وأمسك اشقتمر وحبس بالإسكندرية‏.‏ واستقر طيبغا الطويل الناصري - رفيق يلبغا العمري الخاصكي المقدم ذكره - في نيابة حماة وكان بطالًا بالقدس في تاسع صفر فلم تطل مدته وقبض عليه منها في ذي القعدة واعتقل بالإسكندرية ثانيًا‏.‏
واستهلت سنة تسع وستين والملك الأشرف شعبان كالمحجور عليه مع أسندمر غير أن اسمه السلطان وخليفة الوقت المتوكل على الله وأسندمر الناصري أمير كبير أتابك العساكر ومدبر المملكة ونائب السلطنة مع أمير علي المارديني آلة يتعاطى الأحكام لا غير ونائب دمشق آقتمر عبد الغني ونائب حلب منكلي بغا الشمسي وهو يومئذ يخشى شره ونائب طرابلس منجك اليوسفي ونائب حماة عمر شاه صاحب القنطرة على الخليج خارج القاهرة ونائب صفد أرغون واستمر الأتابك أسندمر على ما هو عليه إلى يوم الجمعة سادس صفر اتفقت عليه مماليك يلبغا الأجلاب وركبوا معهم الأمراء وقت صلاة الجمعة ودخلوا على أسندمر الناصري وسألوه أن يمسك جماعة من الأمراء فمسك أزدمر العزي أمير سلاح وجركتمر المنجكي أمير مجلس وبيرم العزي الدوادار الكبير وبيبغا القوصوني والأمير آخور كبك الصرغتمشي الجوكندار‏.‏
واستمرت المماليك لابسين السلاح وأصبحوا يوم السبت ومسكوا خليل بن قوصون ثم أطلقوه وانكسرت الفتنة إلى عشية النهار وهي ليلة الأحد وقالوا لأسندمر‏:‏ نريد عزل الملك الأشرف وكان أسندمر مقهورًا معهم‏.‏
وبلغ الخبر الملك الأشرف فأرسل في الحال إلى خليل بن قوصون فحضر وركب الملك الأشرف وركب ابن قوصون ومماليك الأشرف الجميع مع أستاذهم وكانوا نحو المائتين لا غير وكان الذين اجتمعوا من مماليك يلبغا فوق الألف وخمسمائة‏.‏
وركب مع الملك الأشرف جماعة من الأمراء الكبار مثل أسنبغا ابن الأبو بكري وقشتمر المنصوري في آخرين وضربت الكوسات واجتمع على السلطان خلق كثير من العوام‏.‏
ولما بلغ أسندمر الناصري ركوب الملك الأشرف أخذ جماعة من مماليك يلبغا وطلع من خلف القلعة كما فعل أولًا في واقعة آقبغا الجلب وتقدمت مماليك يلبغا وصدموا المماليك الأشرفية وتقاتلوا‏.‏ وبينما هم في ذلك جاء أسندمر بمن معه من تحت الطبلخاناه كما فعل تلك المرة فعلم به الأشرفية والأمراء فمالوا عليه فكسروه أقبح كسرة وقرب أسندمر ثم أمسك وتمزقت المماليك اليلبغاوية‏.‏
فلما جيء للأشرف بأسندمر وحضر بين يديه شفعت فيه الأمراء الكبار فأطلقه السلطان ورسم له أن يكون أتابكًا على عادته‏.‏
ورسم له بالنزول إلى بيته بالكبش ورسم للأمير خليل بن قوصون أن يكون شريكه في الأتابكية‏.‏ فنزل أسندمر إلى بيته ليلة الاثنين وأرسل السلطان معه الأمير خليل بن قوصون صفة الترسيم وهو شريكه في وظيفة الأتابكية ليحضره في بكرة نهار الاثنين‏.‏ فلما نزلا إلى الكبش تحالفا وخامرا ثانيًا على السلطان‏.‏
وأجتمع عند أسندمر وخليل بن قوصون في تلك الليلة جماعة كبيرة من مماليك يلبغا وصاروا مع أسندمر كما كانوا أولًا‏.‏ وأصبحا يوم الاثنين وركبا إلى سوق الخيل‏.‏
فركب السلطان بمن معه من الأمراء والمماليك الأشرفية وغيرهم فالتقوا معهم وقاتلوهم وكسروهم وقتلوا جماعة كبيرة من مماليك يلبغا‏.‏ وهرب أسندمر وابن قوصون واشتغل مماليك السلطان والعوام بمسك مماليك يلبغا يمسكونهم ويحضرونهم عرايا مكشفي الرؤوس‏.‏ وتوجه فرقة من السلطانية إلى أسندمر وابن قوصون فقبضوا عليهما وعلى ألطنبغا اليلبغاوي وجماعة أخر من الأمراء اليلبغاوية فقيدوا وأرسلوا إلى سجن الإسكندرية‏.‏
هلال شعبان جهرًا لاح في صفر بالنصر حتى أرى عيدًا بشعبان وأهل كبش كأهل الفيل قد أخذوا رغمًا وما انتطحت في الكبش شاتان ثم جلس الملك الأشرف شعبان في الإيوان وبين يديه أكابر الأمراء ورسم بتسمير جماعة من مماليك يلبغا نحو المائة وتوسيطهم ونفى جماعة منهم إلى الشام وأخذ مال أسندمر وأنفق على مماليكه لكل واحد مائة دينار ولكل واحد من غير مماليكه خمسون دينارًا‏.‏
ورسم للأمير يلبغا المنصوري باستقراره أتابك العساكر هو والأمير ملكتمر الخازندار وأنعم على كل منهما بتقدمة ألف‏.‏ وأنعم على تلكتمر بن بركة بتقدمة ألف عوضًا عن خليل بن قوصون وكان ذلك في سادس عشر صفر‏.‏
ثم أصبح السلطان من الغد في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر قبض على يلبغا المنصوري المذكور ورفيقه تلكتمر المحمدي لأنهما أرادا الإفراج عن مماليك يلبغا العمري وقصد يلبغا المنصوري أن يسكن بالكبش فمسكهما الملك الأشرف وأرسلهما إلى الإسكندرية‏.‏ ثم أرسل السلطان بطلب الأمير منكلي بغا الشمسي نائب حلب إلى الديار المصرية فحضرها بعد مدة وأخلع عليه السلطان خلعة النيابة بديار مصر فأبى أن يكون نائبًا فأنعم عليه بتقدمة ألف وجعله أتابك العساكر وتولى نيابة حلب عوضه طيبغا الطويل وكان أخرجه من سجن الإسكندرية ثم زوج السلطان أخته للأمير منكلي بغا الشمسي المذكور فتزوجها وأولدها بنتا تزوجها الملك الظاهر برقوق وعاشت بعد الملك الظاهر إلى أن ماتت في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بقاعتها بخط الكعكين من القاهرة‏.‏
ثم رسم الملك الأشرف أن يفرج عن طغيتمر النظامي وأيدمر الخطائي وألجاي اليوسفي وكانوا محبوسين بالإسكندرية فحضروا إلى بين يدي السلطان وقبلوا الأرض بين يديه‏.‏ وخلع السلطان على بكتمر المؤمني واستقر أمير آخور كبيرًا بتقدمة ألف وهو صاحب المصلاة والسبيل بالرميلة‏.‏
ثم رسم السلطان بإحضار الأمير آقتمر عبد الغني فلما وصل آقتمر إلى مصر أخلع عليه السلطان باستقراره حاجب الحجاب بالديار المصرية‏.‏ وكان آقتمر هذا قد ولي نيابة السلطنة بالديار المصرية قبل نيابة الشام وتولى نيابة دمشق بعده بيدمر الخوارزمي قليلًا ثم عزل واستقر عوضه في نيابة دمشق منجك اليوسفي نائب طرابلس واستقر في نيابة طرابلس بعد منجك أيدمر الآنوكي‏.‏ ثم أخلع السلطان على الأمير الأكز الكشلاوي باستقراره شاد الدواوين عوضًا عن بهادر الجمالي‏.‏ ثم أفرج عن الأمير أرغون ططر وأخلع عليه واستقر أمير شكار بتقدمة ألف‏.‏
ثم رسم بإحضار قطلوبغا الشعباني من الشام فحضر بعد مدة‏.‏ ثم في ثامن عشر جمادى الآخرة استقر الأمير آقتمر الصاحبي دوادارًا عوضًا عن آقبغا بن عبد الله بإمرة طبلخاناه‏.‏ واستقر طغيتمر العثماني شاد الشراب خاناه‏.‏
واستقر بشتك العمري رأس نوبة ثانيًا‏.‏
ثم وقع الوباء بالديار المصرية حتى بلغت عدة الموتى في اليوم أكثر من ألف نفس وأقام نحو الأربعة أشهر وارتفع‏.‏
وفي هذه السنة أيضًا وهي سنة تسع وستين وسبعمائة قصدت الفرنج مدينة طرابلس الشام في مائة وثلاثين مركبًا من الشواني والقراقير والغربان والطرائد وصحبتهم صاحب قبرس وهو المقدم ذكره عليهم وكان نائبها وأكثر عسكرها غائبين عنها‏.‏
فاغتنمت الفرنج الفرصة وخرجوا من مراكبهم إلى الساحل فخرج لهم من طرابلس بقية عسكرها بجماعة من المسلمين فتراموا بالنبال ثم اقتتلوا أشد قتال‏.‏ وتقهقر المسلمون ودخل المدينة طائفة من الفرنج فنهبوا بعض الأسواق‏.‏
ثم إن المسلمين تلاحقوا وحصل بينهم وبين الفرنج وقائع عديدة استشهد فيها من المسلمين نحو أربعين نفرًا وقتل من الفرنج نحو الألف وألقى الله تعالى الرعب في قلوب الفرنج فرجعوا خائبين‏.‏ وفي هذه السنة قوي أمر الملك الأشرف في السلطنة وصار تدبير ملكه إليه‏:‏ يعزل ويولي من غير مشورة الأمراء وصار في الفلك من غير منازع ولا معاند وحسنت سيرته وأحبته الرعية إلى الغاية وصار يقصد المقاصد الجميلة مما سيأتي ذكره‏.‏
ثم في أول جمادى الآخرة عزل الأشرف أسنبغا بن الأبو بكري عن نيابة حب بالأمير قشتمر المنصوري‏.‏
ثم قبض السلطان على أرغون العجمي الساقي أحد المماليك السلطانية بسبب أنه سرق أحجارًا مثمنة من الخزانة السلطانية وباعها على الفرنج وفيها حجر يعرف بوجه الفرس فجاء به الفرنج إلى منجك اليوسفي نائب الشام فعرفه وأرسله إلى السلطان وأخبره بخبر أرغون العجمي وكيف باعه للفرنج فصفح السلطان عنه ونفاه إلى الشام‏.‏
ثم في يوم السبت العشرين من شهر رمضان نفى السلطان الأمير آقتمر الصاحبي الدوادار الكبير إلى الشام لأمر وقع بينه وبين الأمير ألجاي اليوسفي‏.‏
وفي تاسع عشر ذي القعدة أحضر الأمير بيدمر الخوارزمي المعزول عن نيابة الشام قبل تاريخه وأدخل إلى قاعة الصاحب بقلعة الجبل وطلب منه ثلاثمائة ألف دينار وكان متولي أمره علي بن محمد بن كلبك التركماني فعصر يوم الثلاثاء حادي عشرين ذي القعدة ثم أفرج عنه ونفي إلى طرابلس بعد أن أخذ منه مائة ألف دينار‏.‏
ولما بلغ الملك الأشرف ذلك عظم عليه وأرسل تقليدًا للأمير اشقتمر المارديني بنيابة حلب على يد الأمير قطلوبغا الشعباني وعزل حيارًا عن إمرة العرب وولاها لزامل‏.‏
ثم أنعم الملك الأشرف في هذه السنة على ألوف بتقادم وطبلخانات وعشرات فممن أنعم عليهم بتقدمة ألف‏:‏ الأمير بهادر الجمالي وبشتك العمري‏.‏ وممن أنعم عليه بإمرة طبلخاناه‏:‏ صراي الإدريسي وبيبغا القوصوني وأحمد بن اقتمر عبد الغني وأحمد بن قنغلي وخليل بن قماري الحموي وطغيتمر الحسيني وحسين بن الكوراني وأرغون شاه الأشرفي‏.‏
وكان أمير الحاج في هذه السنة بهادر الجمالي‏.‏ وحجت في هذه السنة أيضًا خوند بركة والدة السلطان الملك الأشرف صاحب الترجمة بتجمل زائد ورخت عظيم وبرك هائل وفي خدمتها من الأمراء الألوف‏:‏ بشتك العمري وبهادر الجمالي أمير الحاج ومائة مملوك من المماليك السلطانية الخاصكية‏.‏
وكان من جملة ما معها بحرب الحجاز كوسات وعصائب سلطانية وعدة محفات بأغطية زركش وعدة محاير كثيرة بأفخر زينة‏.‏
وحمل معها أشياء كثيرة يطول الشرح في ذكرها من ذلك‏:‏ قطر جمال عليها مزروع خضر وغير ذلك‏.وحجت وعادت إلى الديار المصرية بعد أن احتفل جميع أمراء الدولة إلى ملاقاتها‏.‏ ولما وصلت إلى القلعة أثنت على بهادر الجمالي فأخلع السلطان عليه‏.‏
ثم بعد مدة في يوم حادي عشرين المحرم من سنة إحدى وسبعين وسبعمائة أخلع السلطان على الأمير بهادر الجمالي واستقر به أمير آخور كبيرًا عوضًا عن الأمير بكتمر المؤمني بعد موته واستقر الأمير تلكتمر من بركة أستادارًا عوضًا عن بهادر الجمالي المذكور واستقر أرغون شاه الأشرفي أمير مجلس عوضًا عن تلكتمر المنتقل إلى الأستادارية ثم نقل أرغون شاه المذكور بعد مدة يسيرة من وظيفة أمير مجلس إلى وظيفة رأس نوبة النوب بعد موت بشتك العمري‏.‏
ثم في سنة ثلاث وسبعين عزل السلطان الأمير اشقتمر المارديني عن نيابة حلب بالأمير عز الدين أيدمر الدوادار‏.‏
وفي سنة ثلاث وسبعين المذكورة رسم السلطان الملك الأشرف أن الأشراف بالديار المصرية والبلاد الشامية كلهم يسمون عمائمهم بعلامة خضراء بارزة للخاصة والعامة إجلالًا لحقهم وتعظيمًا لقدرهم ليقابلوا بالقبول والإقبال ويمتازوا عن غيرهم من المسلمين‏.‏ فوقع ذلك ولبسوا الأشراف العمائم الخضر التي هي الآن مستمرة على رؤوسهم‏.‏
وكان السلطان الملك الأشرف قبل ذلك قد استجد في كل سنة عند طلوعه من هذه السرحة وهي توجه السلطان إلى ربيع الخيل أن يلبس الأمراء الخاصكية مقدمي الألوف أقبية حرير بفرو سمور بأطواق سمور بطرز زركش والطبلخانات والعشرات أقبية حرير بطرز زركش منها ما هو بفرو قاقم ومنها ما هو بفرو سنجاب‏.‏
ثم بعد ذلك نزل السلطان في يوم الثلاثاء سادس عشر ذي القعدة سنة أربع وسبعين ووالدته معه وهي متمرضة إلى الروضة تجاه مصر القديمة بمنظرة الأمير طشتمر الدوادار فأقام فيها يوم الثلاثاء والأربعاء وصحبته جميع الأمراء وطلع يوم الخميس إلى القلعة‏.‏
واستمرت أم السلطان متمرضة إلى أن ماتت في ذي الحجة وهي في عصمة ألجاي اليوسفي وصلى عليها ابنها السلطان الملك الأشرف ودفنت بمدرستها التي عمرتها بخط التبانة خارج القاهرة بالقرب من باب الوزير‏.‏
ووجد عليها ولدها الملك الأشرف وجدًا عظيمًا لأنها كانت من خيار نساء عصرها دينًا وخيرًا وصدقة ومعروفًا‏.‏
وكثر الكلام بين السلطان وبين ألجاي اليوسفي حتى غضب ألجاي وخرج عن طاعة الملك الأشرف ولبس هو ومماليكه آلة الحرب ولبست مماليلك السلطان أيضًا‏.‏ وركب السلطان بمن معه من أمرائه وخاصكيته وباتوا الليلة لابسين السلاح إلى الصباح‏.‏ فما كان نهار الأربعاء سابع المحرم كانت الوقعة بين الملك الأشرف شعبان وبين زوج أمه الأتابك ألجاي اليوسفي فتواقعوا إحدى عشرة مرة وعظم القتال بينهما حتى كانت الوقعة الحادية عشرة انكسر فيها ألجاي اليوسفي وانهزم إلى بركة الحبش‏.‏
ثم تراجع أمره وعاد بمن معه من على الجبل الأحمر إلى قبة النصر فطلبه السلطان الملك الأشرف فأبى فأرسل إليه خلعة بنيابة حماة فقال‏:‏ أنا أروح بشرط أن يكون كل ما أملكه وجميع مماليكي معي فأبى السلطان ذلك وباتوا تلك الليلة‏.‏
فهرب جماعة من مماليك ألجاي في فلما كان صباح يوم الخميس ثامن المحرم أرسل السلطان الأمراء والخاصكية ومماليك أولاده وبعض المماليك السلطانية إلى قبة النصر إلى حيث ألجاي فلما رآهم ألجاي هرب فساقوا خلفه إلى الخرقانية‏.‏
فلما رأى ألجاي أنه مدرك رمى بنفسه وفرسه إلى البحر ظنا أنه يعدي به إلى ذلك البر وكان ألجاي عوامًا فثقل عليه لبسه وقماشه فغرق في البحر وخرج فرسه‏.‏ وبلغ الخبر السلطان الملك الأشرف فشق عليه موته وتأسف عليه‏.‏
ثم أمر بإخراجه من النيل فنزل الغواصون وطلعوا به وأحضروه إلى القلعة في يوم الجمعة تاسع المحرم في تابوت وتحته لباد أحمر فغسل وكفن وصلى عليه الشيخ جلال الدين التباني ودفن في القبة التي أنشأها بمدرسته برأس سويقة العزي خارج القاهرة والمدرسة معروفة وبها خطبة‏.‏ وكان ألجاي من أجل الأمراء وأحسنها سيرة‏.‏
ثم قبض السلطان على مماليك ألجاي ونودي بالمدينة أن كل من لقي أحدًا منهم يحضره إلى السلطان ويأخذ له خلعة‏.‏
ثم أخذ السلطان أولاد ألجاي وهم إخوته لأمه ورتب لهم ما يكفيهم واحتاط على سائر موجود ألجاي وأخذ جميع مماليكه وصفح عنهم وجعلهم في خدمة ولديه‏:‏ أمير علي وأمير حاج‏.‏ ثم قبض السلطان على جماعة من الأمراء ممن كان يلوذ بالأمير ألجاي وهم‏:‏ صراي العلائي وسلطان شاه بن قراجا وطقتمر الحسني وعلي بن كلبك وصادره‏.‏
ثم أمسك بيبغا القوصوني وخليل بن قماري الحموي فشفع فيهما الأمير طشتمر الدوادار‏.‏ ثم في آخر صفر رسم السلطان بنفي جماعة إلى البلاد الشامية وهم‏:‏ محمد شاه دوادار ألجاي وخليل بن عرام المعزول عن نيابة الإسكندرية وعلي بن كلبك وآقبغا البشمقدار خازندار ألجاي‏.‏ وكان السلطان في تاسع المحرم رسم لبوري الحلبي الخازندار أن يتوجه إلى طرابلس لإحضار نائبها الأمير عز الدين أيدمر الدوادار الناصري إلى مصر فتوجه بوري إليه وأحضره‏.‏
فلما مثل بين يدي السلطان أخلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضًا عن ألجاي اليوسفي وتولى عوضه نائب طرابلس الأمير يعقوب شاه‏.‏ وبعد موت ألجاي أنعم السلطان على جماعة من الأمراء بإقطاعات ووظائف فأخلع على الأمير صرغتمش الأشرفي باستقراره أمير سلاح خاصكيًا يجلس بالإيوان في دار العدل واستقر أرغون الأحمدي اللالا أميرًا كبيرًا برانيًا وأجلس بالإيوان قاله العيني في تاريخه ووافقه غيره‏.‏
قلت‏:‏ فيكون على هذا الحكم تلك الأيام أمير كبير خاص وأمير كبير براني وأمير سلاح خاص وأمير سلاح براني وهذا شيء لم يسمع بمثله‏.‏ انتهى ثم أنعم السلطان على قطلوبغا الشعباني بتقدمة ألف واستقر رأس نوبة ثانيًا‏.‏ قلت‏:‏ وهذه الوظيفة الآن هي وظيفة رأس نوبة النوب‏.‏ ورأس نوبة نوب تلك الأيام قد بطلت من الدولة الناصرية فرج بن برقوق‏.‏
وكانت تسمى رأس نوبة الأمراء وآخر من وليها آقباي الطرنطاوي الحاجب‏.‏ ثم أخلع على جماعة وأنعم عليهم بإمرة طبلخانات وهم‏:‏ أحمد بن يلبغا العمري الخاصكي واقتمر الصاحبي وتمرباي الحسني وإينال اليوسفي وعلي بن بهادر الجمالي وبلوط الصرغتمشي ومختار الطواشي الحسامي مقدم الرفرف‏.‏ قلت‏:‏ وأيضًا هذا شيء لم يسمع بمثله من أن يكون بعض خدام الأطباق أمير طبلخاناه‏.‏ وأغرب من ذلك أن مقدم المماليك في زماننا هذا إقطاعه إمرة عشرة ضعيفة‏.‏ انتهى‏.‏
ثم ندب السلطان الأمير يلبغا الناصري للسفر إلى دمشق لإحضار نائبها الأمير منجك اليوسفي فسار من وقته إلى أن وصل إلى دمشق وأحضر الأمير منجك المذكور‏.‏ ووصل منجك إلى الديار المصرية وصحبته أولاده ومملوكه جركتمر وصهره آزوس المحمودي بعد أن احتفل أهل الدولة لملاقاته وخرجت إليه الأمراء إلى بين الحوضين خارج قبة النصر‏.‏
وطلع إلى القلعة من باب السر وسائر الأمراء والخاصكية مشاة بين يديه في ركابه مثل أيدمر الدوادار ومن دونه بإشارة السلطان‏.‏
فلما دخل منجك على السلطان وقبل الأرض أقبل

عليه السلطان إقبالًا كليًا وخلع عليه باستقراره نائب السلطنة بالديار المصرية خاصكيا عوضًا عن آقتمر عبد الغني المنتقل إلى نيابة طرابلس وفوض إليه السلطان النظر في الأحباس والأوقاف والنظر في الوزارة - فإنه كان وليها بعد موت أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون كما تقدم ذكره - والنظر على ناظر الخاص وقرئ تقليده بالإيوان وأن السلطان أقامه مقام نفسه في كل شيء وفوض إليه سائر أمور المملكة وأنه يخرج الإقطاعات التي عبرتها سبعمائة دينار إلى ما دونها وأنه يعزل من شاء من أرباب الدولة وأنه يخرج الطبلخانات والعشرات بسائر المماليك الشامية ورسم للوزير أن يجلس قدامه في الدركاه مع الموقعين‏.‏
ثم بدأ الغلاء بالديار المصرية في هذه السنة وتزايد سعر القمح إلى أن أبيع بتسعين درهمًا الإردب وزاد النيل بعد أن نقص في شهر هاتور وهذا أيضًا من الغرائب‏.‏ وهذه السنة تسمى سنة الشراقي كما سنبينه في حوادث السنين من سلطنة الملك الأشرف هذا‏.‏ ثم في أول سنة ست وسبعين عزل السلطان الأمير آقتمر عبد الغني عن نيابة طرابلس بالأمير منكلي بغا البلدي نائب صفد وولاه نيابة صفد‏.‏
ثم مرض الأمير منجك اليوسفي النائب فنزل السلطان لعيادته ففرش منجك تحت رجلي فرسه الشقق الحرير وقدم له عشرة مماليك وعشرة بقج وعدة خيول فقبلها السلطان ثم أنعم بها عليه‏.‏ وكان ذلك في يوم الثلاثاء سابع عشرين ذي الحجة‏.‏ ومات منجك بعد يومين‏.‏
ثم ورد الخبر على السلطان بأن القان حسين ابن الشيخ أويس ابن الشيخ حسن بن حسين بن آقبغا بن أيلكان تولى مملكة تبريز وبغداد بعد وفاة أبيه‏.‏
وفي هذه السنة فتحت سيس - وهي كرسي الأرمن - على يد الأمير اشقتمر المارديني نائب حلب بعد أن نازلها مدة ثلاثة شهور حتى فتحها وانقرضت منها دولة الأرمن - ولله الحمد - فدقت البشائر لذلك وفرح الملك الأشرف فرحًا عظيمًا بهذا الفتح العظيم‏.‏
وفي هذه السنة - أيضًا وهي سنة ست وسبعين المذكورة - وقع الفناء بالديار المصرية من نصف جمادى الآخرة وتزايد في شعبان ثم في شهر رمضان حتى صار يموت في كل يوم من الحشرية نحو خمسمائة نفس ومن الطرحى نحو الألف‏.‏
وأبيع كل فروج بخمسة وأربعين درهمًا وكل سفرجلة بخمسين درهمًا وكل رمانة بعشرة دراهم والعشرة دراهم يوم ذاك كانت أزيد من نصف دينار وكل رمانة حلوة بستة عشر درهمًا وكل بطيخة صيفية بسبعين درهمًا‏.‏
ولما توفي منجك شغرت نيابة السلطنة بديار مصر إلى العشرين من شهر ربيع الأول واستقر فيها وفي محرم سنة سبع وسبعين ختن السلطان أولاده وعمل المهم سبعة أيام‏.‏ وفي العشر الأوسط من صفر هذه السنة ابتدأ الملك الأشرف بعمارة مدرسته التي أنشأها بالصوة تجاه الطبلخاناه السلطانية التي موضعها الآن بيمارستان الملك المؤيد شيخ وهو كلا شيء فاشترى الملك الأشرف بيت الأمير شمس الدين سنقر الجمالي وشرع في هدمه‏.‏
وفي هذه السنة تزايد الغلاء بالبلاد الشامية حتى جاوز الحد وجعل الغني فقيرًا وأبيع فيه الرطل الخبز بدرهمين‏.‏
ثم في العشرين من شهر ربيع الآخر غرقت الحسينية خارج القاهرة وخرب فيها أزيد من ألف بيت‏.‏
وكان سبب هذا الغرق أن أحمد بن قايماز أستادار محمد ابن آقبغا آص استأجر مكانًا خارج القاهرة بالقرب من آخر الحسينية وجعله بركة ليجتمع فيه السمك وفتح له مجرى من الخليج فتزايد الماء وغفلوا عنه فطفح على الحسينية فغرقها‏.‏
فقبض السلطان بعد ذلك بمدة على محمد بن اقبغا آص وصادره وعزله عن الأستادارية هذا والسلطان في تأهب سفر الحجاز‏.‏
فلما كان يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سفر السلطان إخوته وأولاد أعمامه إلى الكرك صحبة الأمير سودون الفخري الشيخوني ليقيم عندهم بالكرك مدة غيبة السلطان في الحجاز‏.‏
كل ذلك والسلطان متضعف وحركة الحجاز عمالة وحواشيه وخواصه ينهونه عن السفر في هذه السنة وهولا يلتفت إلى كلامهم‏.‏ ثم توجه السلطان إلى سرياقوس على عادته في كل سنة وعاد وقد نصل عن ضعفه إلى يوم السبت الثاني عشر من شوال خرجت أطلاب الأمراء المتوجهين صحبة السلطان إلى الحجاز‏.‏
وفي الأحد ثالث عشره خرج السلطان بتجمل زائد وطلب عظيم إلى الغاية جر فيه عشرون قطارًا من الهجن الخاص بقماش ذهب وخمسة عشر قطارًا بقماش حرير وقطار واحد بلبس خليفتي وقطار آخر بلبس أبيض برسم الإحرام ومائة فرس ملبسة وكجاوتان بأغشية زركش وتسع محفات غشاء خمس منهن زركش وستة وأربعون زوجًا من المحاير وخزانة عشرون جملًا وقطاران من الجمال محملة خضر مزروعة كالبقل والشمار والنعناع والسلق والكسبرة وغير ذلك‏.‏
وأما أحمال المطاعم والمشارب والمآكل فلا تدخل تحت حصر كثرة‏:‏ منها ثلاثون ألف علبة حلاوة في كل علبة خمسة أرطال كلها معمولة من السكر المكرر المصري وطيبت بمائة مثقال مسك سوى الصندل والعود هذا خلاف ما كان للأمراء والخاصكية‏.‏
وإنما كان هذا للسلطان خاصة نفسه وأشياء من هذا النموذج كثيرة ومع هذا كله لم يتغير سعر السكر بمصر‏.‏ وسار السلطان بأمرائه في أبهة عظيمة حتى نزل سرياقوس فأقام بها يومًا‏.‏
وفي هذا اليوم أخلع السلطان على الشيخ ضياء الدين القرمي الحنفي باستقراره شيخ شيوخ المدرسة التي أنشأها بالصوة وقد أشرفت على الفراغ وجاءت من أحسن البناء‏.‏ ثم رحل السلطان من سرياقوس حتى نزل بالبركة على عادة الحجاج فأقام بها إلى يوم الثلاثاء ثاني عشرين شوال‏.‏
ورحل منها بعساكره وأمرائه إلى جهة الحجاز وكان الذي صحبه من أمراء الألوف تسعة وهم‏:‏ الأمير صرغتمش الأشرفي وأرغون شاه الأشرفي ويلبغا الشامي - وهؤلاء الثلاثة أشرفية مماليكه - والأمير بهادر الجمالي وصراي تمر المحمدي وطشتمر العلائي الدوادار ومبارك الطازي وقطلقتمر العلائي الطويل وبشتك من عبد الكريم الأشرفي أيضًا‏.‏
ومن أمراء الطبلخانات خمسة وعشرون أميرًا وهم‏:‏ بوري الأحمدي وأيدمر الخطائي من صديق وعبد الله بن بكتمر الحاجب وبلوط الصرغتمشي وآروس المحمودي ويلبغا المحمدي ويلبغا الناصري - على أنه كان أنعم عليه بتقدمة ألف غير أنه أضيف إلى الطبلخانات كونه كان حاجبًا ثانيًا - وأرغون العزي الأفرم وطغيتمر الأشرفي ويلبغا المنجكي وكزل الأرغوني وقطلوبغا الشعباني وأمير حاج بن مغلطاي وعلي بن منجك اليوسفي ومحمد بن تنكز بغا وتمرباي الحسني الأشرفي وأسندمر العثماني وقرابغا الأحمدي وإينال اليوسفي وأحمد بن يلبغا العمري وموسى بن دندار بن قرمان ومغلطاي البدري وبكتمر العلمي وآخر‏.‏
ومن العشرات خمسة عشر أميرًا وهم‏:‏ آقبغا بوز الشيخوني وأبو بكر بن سنقر الجمالي وأحمد بن محمد بن بيبرس الأحمدي وأسنبغا التلكي وشيخون ومحمد بن بكتمر الشمسي ومحمد بن قطلوبغا المحمدي وخضر بن عمر بن أحمد بن بكتمر الساقي وجوبان الطيدمري وألطنبغا من عبد الملك وقطلوبغا البزلاري وطوغان العمري الظهيري وتلكتمر العيسوي ومحمد بن سنقر المحمدي‏.‏ وعين الملك الأشرف جماعة من الأمراء ليقيموا بالديار المصرية‏.‏ عين الأمير أيدمر الشمسي نائب الغيبة بالقلعة وأميرين أخر تسكن بالقلعة أيضًا وعين الأمير آقتمر عبد الغني نائب الغيبة وأن يسكن بالقاهرة للحكم بين الناس‏.‏
وعين أيضًا للإقامة بالديار المصرية من الأكابر‏:‏ الأمير طشتمر اللفاف وقرطاي الطازي وأسندمر الصرغتمشي وأينبك البحري‏.‏

وسافر السلطان وهو متوعك في بدنه بعد أن أشار عليه جماعة حمن الصلحاء والأعيان بتأخير الحج في هذه السنة فأبى إلا السفر لأمر يريده الله تعالى‏.‏
وأمر السلطان لنائب الغيبة وغيره أن يطلعوا القلعة في كل يوم موكب ويدخلوا إلى باب الستارة ويخرج الأسياد أولاد السلطان الملك الأشرف ساعة ثم يعود كل واحد إلى محله فامتثلوا ذلك‏.‏
فكانوا لما يطلعون إلى القلعة ويخرج عليهم الأسياد وأكبرهم أمير علي يقوم الأمراء ويبوسون أيديهم ويقعدون ساعة لطيفة فيقوم أمير علي ويشير بيده أمرًا باسم الله فيقوم الأمراء وينصرفون بعد أن يسقون مشروبًا‏.‏ ووقع ذلك في غيبة السلطان مدة يسيرة‏.‏

تمرد الأمراء ويقتلون السلطان الملك الأشرف ويخنقونه
فلما كان يوم السبت ثالث ذي القعدة أتفق طشتمر اللفاف وقرطاي الطازي وأسندمر الصرغتمشي وأينبك البحري وجماعة من المماليك السلطانية وجماعة من مماليك الأسياد أولاد السلطان الملك الأشرف وجماعة من مماليك الأمراء المسافرين صحبة السلطان الملك الأشرف ولبسوا السلاح واتفق معهم من بالأطباق من المماليك السلطانية وهجموا الجميع القلعة وقصدوا باب الستارة فغلق سابق الدين مثقال الزمام باب الساعات ووقف داخل الباب ومعه الأمير جلبان اللالا - لالا أولاد السلطان - وآقبغا جركس اللالا أيضًا‏.‏
فدقت المماليك الباب وقالوا‏:‏ أعطونا سيدي أمير علي فقال لهم اللالا‏:‏ من هو كبيركم حتى نسلم لهم سيدي عليًا وأبى أن يسلمهم سيدي عليًا‏.‏ وكثر الكلام بينهم ومثقال الزمام يصمم على منع أمير علي فقالوا له‏:‏ السلطان الملك الأشرف مات ونريد أن نسلطن ولده أمير علي فلم يلتفت مثقال إلى كلامهم‏.‏
فلما علموا المماليك ذلك طلعوا جميعًا وكسروا شباك الزمام المطل على باب الساعات ودخلوا منه ونهبوا بيت الزمام وقماشه‏.‏
ثم نزلوا إلى رحبة باب الستارة ومسكوا مثقالًا الزمام وجلبان اللالا وفتحوا الباب‏.‏ فدخلت بقيتهم وقالوا‏:‏ أخرجوا أمير علي حتى نسلطنه فإن أباه توفي إلى رحمة الله تعالى فدخل الزمام على رغم أنفه وأخرج لهم أمير علي فأقعد في باب الستارة‏.‏
ثم أحضر الأمير أيدمر الشمسي فبوسوه الأرض لأمير علي‏.‏
ثم أركبوا أمير علي على بعض خيولهم وتوجهوا به إلى الإيوان الكبير‏.‏
وأرسلوا خلف الأمراء الذين بالقاهرة فركبوا إلى سوق الخيل وأبوا أن يطلعوا إلى القلعة فأنزلوا أمير علي إلى الإسطبل السلطاني حتى رأوه الأمراء فلما رأوه طلعوا وقبلوا له الأرض وحلفوا له‏.‏
غير أن الأمير طشتمر الصالحي وبلاط السيفي ألجاي الكبير وحطط رأس نوبة النوب لم يوافقوا ولا طلعوا فنزلوا إليهم المماليك ومسكوهم وحبسوهم بالقصر وعقدوا لأمير علي بالسلطنة ولقبوه بالملك المنصور على ما يأتي ذكره في محله ونسوق الواقعة على جليتها‏.‏ ثم نادوا بالديار المصرية بالأمان والبيع والشراء بعد أن أخذوا خطوط سائر الأمراء المقيمين بمصر‏.‏ فأقاموا ذلك النهار وأصبحوا يوم الأحد رابع ذي القعدة من سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وهم لابسون آلة الحرب واقفون بسوق الخيل يتكلمون في إتمام أمرهم‏.‏
وبينما هم في ذلك جاءهم الخير أن شخصًا يسمى قازان اليرقشي كان مسافرًا صحبة السلطان الملك الأشرف إلى الحجاز الشريف وجدوه متنكرًا فمسكوه وأتوا به إلى الأمراء فسألوه عن خبر قدومه وعن أخبار السلطان فأبى أن يخبرهم بشيء وأنكر أنه لم يتوجه إلى الحجاز‏.‏
فأوهموه بالتوسيط فأقر وأعلمهم الخبر بقدوم السلطان الملك الأشرف شعبان وكسرته من مماليكه بالعقبة فقالوا له‏:‏ وما سبب هزيمة السلطان من عقبة أيلا قال‏:‏ لما نزل السلطان الملك الأشرف بمن معه من أمرائه وعساكره إلى العقبة وأقام بها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء سلخ شوال فطلب المماليك السلطانية العليق فقيل لهم اصبروا إلى منزلة الأزلم فغضبوا وامتنعوا من أكل السماط عصر يوم الأربعاء واتفقوا على الركوب‏.‏
فلما كانت ليلة الخميس المذكورة ركبوا على السلطان ورؤوسهم الأمير طشتمر العلائي ومبارك الطازي وصراي تمر المحمدي وقطلقتمر العلائي الطويل وسائر مماليك الأسياد وأكثر المماليك السلطانية‏.‏ فلما بلغ السلطان أمرهم ركب بأمرائه وخاصكيته وتواقعوا فانكسر السلطان وهرب هو ومن كان معه من الأمراء وهم‏:‏ صرغتمش الأشرفي وأرغون شاه الأشرفي وبيبغا الأشرفي وبشتك الأشرفي وأرغون كتك ويلبغا الناصري‏.‏
وصار السلطان بهؤلاء إلى بركة عجرود فنزل بها وهو مقيم بها‏.‏ فقالوا له‏:‏ كذبت قل لنا حقيقة أمره فامتنع وحلف‏.‏ فأرادوا توسيطه حقيقة فقال‏:‏ أطلقوني أنا أدلكم عليهم‏.‏
فأطلقوه فأخذهم وتوجه بهم إلى قبة النصر خارج القاهرة إلى محل كان الأشرف نزل فيه بجماعته فوجدوا بالمكان أرغون شاه وصرغتمش وبيبغا وبشتك وأرغون كتك‏.‏
وكان الذي توجه مع قازان اليرقشي من القوم أسندمر الصرغتمشي وطولو الصرغتمشي ومعهما جماعة كبيرة من المماليك الذين ثاروا بالقاهرة‏.‏ فقبضوا على الأمراء المذكورين وسألوهم عن الملك الأشرف فقالوا‏:‏ فارقنا وتوجه هو ويلبغا الناصري إلى القاهرة ليختفي بها فقتلوا الأمراء المذكورين في الحال وحزوا رؤوسهم وأتوا بها إلى سوق الخيل ففرح بذلك بقية الأمراء الذين هم أصل الفتنة وعلموا أن الأشرف قد زال ملكه‏.‏
وأما الملك الأشرف فإنه لما وصلى إلى قبة النصر توجه منها نحو القاهرة ومعه يلبغا الناصري واختفى عند أستادار يلبغا الناصري فلم يأمن على نفسه فتوجه تلك الليلة من عند أستادار يلبغا الناصري إلى بيت آمنة زوجة المشتولي فاختفى عندها‏.‏
فقلق عند ذلك الأمراء الذين أثاروا الفتنة وخافوا عاقبة ظهور الأشرف وهم‏:‏ قرطاي الطازي وطشتمر اللفاف وأسندمر الصرغتمشي وقطلوبغا البدري وألطنبغا السلطاني وبلاط الصغير ودمراش اليوسفي وأينبك البدري ويلبغا النظامي وطولو الصرغتمشي - وهؤلاء الأمراء وأما الأجناد فكثير - فاشتد قلقهم‏.‏
وبينما هم في ذلك في آخر نهار الأحد يوم قتلوا الأمراء المذكورين بقبة النصر وقبل أن يمضي النهار جاءت امرأة إلى الأمراء وذكرت لهم أن السلطان مختف عند آمنة زوجة المشتولي في الجودرية فقام ألطنبغا من فوره ومعه جماعة وكبسوا بيت آمنة المذكورة فهرب السلطان واختفى في بادهنج البيت فطلعوا فوجدوه في البادهنج وعليه قماش النساء‏.‏
فمسكوه وألبسوه عدة الحرب وأحضروه إلى قلعة الجبل فتسلمه الأمير أينبك البدري وخلا به‏.‏ وأخذ يقرره على الذخائر فأخبره الملك الأشرف بها وقيل إن أينبك المذكور ضربه تحت رجليه عدة عصي‏.‏
ثم أصبحوا في يوم الاثنين خنقوه وتولى خنقه جاركس شاد عمائر ألجاي اليوسفي فأعطى جاركس المذكور إمرة عشرة واستقر شاد عمائر السلطان‏.‏ ثم بعد خنق الملك الأشرف لم يدفنوه بل أخذوه ووضعوه في قفة وخيطوا عليها ورموه في بئر‏.‏
فأقام بها أيامًا إلى أن ظهرت رائحته فاطلع عليه بعض خدامه من الطواشية ثم أخرجوه ودفنوه عند كيمان السيدة نفيسة وذلك الخادم يتبعهم من بعد حتى عرف المكان‏.‏

دفن الملك الأشرف
فلما دخل الليل أخذ جماعة من إخوته وخدمه ونقلوه في تلك الليلة من موضع دفنوه المماليك ودفنوه بتربة والدته خوند بركة بمدرستها التي بخط التبانة في قبة وحده بعد أن غسلوه وكفنوه وصلوا عليه‏.‏
وقيل غير ذلك وهو في البيت المذكور وعليه قماش النسوة أركبوه على هيئة بازار خلف مملوك ومشوا خلفه وطلعوا به من على قنطرة باب الخرق وطلعوا به على معذية فريج وطلعوا به من على الصليبة وقت الظهر‏.‏
وكان من رآه يحسبه أميرًا من الأمراء وفعلوا ذلك خوفًا من العامة فإنهم لو علموا أنه السلطان خلصوه منهم ولو ذهبت أرواحهم الجميع لمحبة الرعية في الأشرف المذكور‏.‏
ثم دخلوا بالأشرف إلى إسطبل بالقرب من الصليبة مخافة من العامة لا يعرفون به لما تكاثروا للفرجة عليه فأقام بالإسطبل ونزل إليه قرطاي وقرره على الذخائر فقر له‏.‏ ثم قتله ودفنه بمصطبة بالإسطبل المذكور‏.‏
فهذه رواية أخرى غير ما ذكرنا أولًا والأول أشهر وأظنه الأصح والأقوى‏.‏
وأما الذين تخلفوا بالعقبة من الذين وثبوا على الملك الأشرف وكسروه وهرب الأشرف إلى جهة الديار المصرية ولم يدركوه فإنهم اتفقوا الجميع - الأمراء وغيرهم - وتوجهوا إلى الخليفة المتوكل على الله وكان أيضًا في صحبة السلطان الملك الأشرف وقالوا له‏:‏ يا أمير المؤمنين تسلطن ونحن بين يديك وكانت العصائب السلطانية حاضرة فامتنع الخليفة من ذلك‏.‏
هذا وهم لا يعلمون بما وقع بالديار المصرية من ركوب هؤلاء وسلطنة أمير علي فإن كل طائفة وثبت على السلطان وليس للأخرى بها علم ولا كان بينهم اتفاقية على ذلك وهذا من غريب ثم بعد ثلاثة أيام أو أقل تكون بمصر أيضًا ويخلع الملك الأشرف ويتسلطن ولده وكلاهما من غير مواعدة الأخرى فنعوذ بالله من زوال النعم‏.‏
ثم إن الأمراء والمماليك أقاموا بالعقبة بعد هروب السلطان يومين وقد جهزوا للخليفة قماش السلطنة وآلة الموكب وألحوا عليه بالسلطنة وهو يمتنع‏.‏ وتوجهت القضاة إلى القدس للزيارة ورد الحاج بأسره إلى أبيار العلائي وقد قصدوا العود إلى القاهرة وإبطال الحاج في تلك السنة فنهض الأمير بهادر الجمالي أمير الحافي وردهم وحج بهم‏.‏
ولما تحققت الأمراء والمماليك أن الخليفة امتنع من السلطنة رجعوا نحو الديار المصرية حتى وصلوا إلى جرود فأتاهم الخبر بما جرى من مسك السلطان الملك الأشرف وقتله فاطمأنوا‏.‏
فإنهم كانوا على وجل ومنهم من ندم على ما فعل فإنه كان سببًا لزوال دولة الملك الأشرف ولم ينله ما أمل وخرج الأمر لغيره‏.‏
ثم ساروا الجميع من عجرود إلى أن وصلوا إلى بركة الحاج فسار إليهم جماعة من القائمين بمصر بآلة الحرب فتعبوا لقتالهم‏.‏
فأرسل طشتمر العلائي الدوادار طليعة عليها قطلقتمر الطويل فقاتلوه المصريون فكسرهم قطلقتمر وسار خلفهم إلى قلعة الجبل‏.‏
فلما قرب إلى القلعة تكاثروا عليه ومسكوه‏.‏ وفي ذلك الوقت حضر إلى الديار المصرية الأمير آقتمر الصاحبي نائب السلطنة بالديار المصرية وكان قد توجه إلى بلاد الصعيد قبل توجه السلطان الملك الأشرف إلى الحجاز فتلقاه أمراء مصر وعظموه وقالوا له‏:‏ أنت نائب السلطنة على عادتك وأنت المتحدث وكلنا مماليكك فلم يسعه إلا مطاوعتهم على ما أرادوا‏.‏
وكان كلام الأمراء لآقتمر الصاحبي بهذا القول خوفًا ممن أتى من الأمراء والخاصكية من العقبة‏.‏
ثم اتفق المصريون على قتال طشتمر الدوادار ومن أتى معه من العقبة من المماليك الأشرفية وغيرها فنزلوا إليهم من القلعة بعد المغرب في جمع كبير والتقوا معهم على الصوة من تحت القلعة تجاه الطبلخاناه السلطانية‏.‏ وتقاتلوا فانكسر طشتمر ومن معه من الأمراء والمماليك الأشرفية وانهزموا بعد المغرب إلى ناحية الكيمان‏.‏
فلما كان الليل أرسل طشتمر طلب الأمان لنفسه فأرسلوا له الأمان‏.‏ لما حضر مسكوه وقيموه هو وجماعته وحبسوهم بالقلعة‏.‏
ونجيه يقول الأديب شهاب الدين أحمد بن العطار‏:‏ مجزوء الكامل إن كان طشتمر طغى وأتى بحرب مسرع وبغى سيؤخذ عاجلًا ولكل باغ مصرع قلت‏:‏ ما أشقى هؤلاء القوم العصاة بالعقبة فإنهم كانوا سببًا لزوال ملك أستاذهم الملك الأشرف وذهاب مهجته من غير أن يحصل أحدهم على طائل‏.‏
بل ذهبت عنهم الدنيا والآخرة فإنهم عصوا على أستاذهم وخلعوا طاعته من غير موجب‏.‏ وشمل ضررهم على الحجاج وأما أمر الدنيا فإنها زالت عنهم بالكلية وخرج عنهم إقطاعاتهم ووظائفهم وأرزاقهم ومنهم من قتل أشر قتلة ولم يقر بهم ملك من الملوك بعد ذلك بل صاروا مبعودين في الدول وماتوا قهرًا مما قاسوه من الذل والهوان حتى إنني رأيت منهم من كان عمر واحتاج إلى السؤال وما ربك بظلام للعبيد‏.‏
وكان السلطان الملك الأشرف - رحمه الله تعالى - من أجل الملوك سماحة وشهامة وتجملًا وسؤددًا‏.‏ قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني - رحمه الله - في تاريخه‏:‏ كان ملكًا جليلًا لم ير مثله في الحلم‏.‏ كان هينًا لينًا محبًا لأهل الخير والعلماء والفقراء مقتديًا بالأمور الشرعية واقفًا عندها محسنًا لإخوته وأقاربه وبني أعمامه أنعم عليهم وأعطاهم الإمريات والإقطاعات وهذا لم يعهد من ملك قبله في ملوك الترك ولا غيرهم‏.‏ ولم يكن فيه ما يعاب سوى كونه كان محبًا لجمع المال‏.‏
وكان كريمًا يفرق في كل سنة على الأمراء أقبية بطرز زركش والخيول المسومة بالكنابيش الزركش والسلاسل الذهب والسروج الذهب وكذلك على جميع أرباب الوظائف وهذا لم يفعله ملك قبله‏.‏ انتهى كلام العيني باختصار - رحمه الله تعالى -‏.‏
وقال غيره رحمه الله‏:‏ وكان ملكًا جليلًا شجاعًا مهابًا كريمًا هينًا لينًا محبًا للرعية‏.‏ قيل إنه لم يل الملك في الدولة التركية أحلم منه ولا أحسن خلقًا وخلقًا‏.‏ وأبطل عدة مكوس في سلطنته‏.‏
وكانت أيام الملك الأشرف شعبان المذكور بهجة وأحوال الناس في أيامه هادئة مطمئنة والخيرات كثيرة على غلاء وقع في أيامه بالديار المصرية والبلاد الشامية ومع هذا لم يختل من أحوال مصر شيء لحسن تدبيره ومشى سوق أرباب الكمالات في زمانه من كل علم وفن‏.‏
ونفقت في أيامه البضائع الكاسدة من الفنون والملح وقصدته أربابها من الأقطار وهو لا يكل من الإحسان إليهم في شيء يريده وشيء لا يريده حتى كلمه بعض خواصه في ذلك فقال - رحمه الله -‏:‏ أفعل هذا لئلا تموت الفنون في دولتي وأيامي‏.‏
قلت‏:‏ لعمري إنه كان يخشى موت الفنون والفضائل ولقد جاء من بعده من قتلها صبرًا قبل أوان موتها ودفنها في القبور وعفى أثرها‏.‏
وولدت بعده خوند سمراء جاريته ولدًا سموه أحمد فصاروا سبعة‏.‏ وخلف سبع بناب رأيت إحداهن بعد سنة عشرين وثمانمائة‏.‏
وكانت مدة سلطنة الملك الأشرف أربع عشرة سنة وشهرين وعشرين يومًا‏.‏ ومات وعمره أربع وعشرون سنة‏.‏
ورثاه الشعراء بعد موته بعدة قصائد وحزن الناس عليه حزنًا عظيمًا وكثر تأسفهم عليه‏.‏ وعمل عزاؤه بالقاهرة عدة أيام‏.‏
 السنة الأولى من سلطنة الملك الاشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة خمس وستين وسبعمائة‏.‏
على أنه حكم في السنة الماضية من شعبان إلى آخرها‏.‏
وفيها أعني سنة خمس وستين وسبعمائه
 أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وستة أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا‏.‏ وكان الوفاء ثاني عشرين توت‏.‏
السنة الثانية من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة ست وستين وسبعمائة ف
وتوفي الشيخ الإمام العالم العلامة قطب الدين محمد بن محمد الرازي الشافعي الشهير بالقطب التحتاني رحمه الله بدمشق عن نيف وستين سنة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وأربعة أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وستة عشر إصبعًا‏.‏
السنة الثالثة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة سبع وستين وسبعمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وأربعة أصابع‏.‏ ومبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وستة عشر إصبعًا‏.‏
السنة الرابعة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة ثمان وستين وسبعمائة‏.‏
وفيها كانت وقعة يلبغا العمري الخاصكي صاحب الكبش ومقتلته وسلطنة آنوك بجزيرة الوسطى ولم يتم أمره ولا غد من السلاطين وقد تقدم ذكر ذلك كله مفصلًا في ترجمة الملك الأشرف هذا فلينظر هناك‏.‏
وتوفي الوزير الصاحب فخر الدين ماجد بن قروينة القبطي المصري تحت العقوبة بعد أن أحرقت أصابعه بالنار‏.‏ وكان - رحمه الله - وزيرًا عارفًا مكينًا عفيفًا رزينًا ذا حرمة ونهضة‏.‏ لم يل الوزارة في الدولة التركية من يشابهه‏.‏ عمر في أيام وزارته بيوت الأموال بالذهب والفضة وترك بالأهراء مغل ثلاث سنين وبعض الرابعة وذلك فوق ثلاثمائة ألف إردب وبالبلاد مغل سنتين بعد ما كان يقوم بالكلف السلطانية وكلفة الأتابك يلبغا العمري الخاصكي‏.‏ وبعد هذا كله كان يحمل إلى الخزانة الشريفة في كل شهر ستين ألف دينار‏.‏ وكان فيه محاسن كثيرة غير أنه كانت نفسه نفسًا شامخة وفيه تهكم على الناس مع تكبر هذا مع الكرم الزائد والإحسان للناس وقلة الظلم بالنسبة إلى غيره رحمه الله تعالى والله أعلم‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وستة أصابع‏.‏
فيها كانت الوقعة بين الملك الأشرف صاحب الترجمة وبين الأتابك أسندمر الزيني الناصري وانتصر الأشرف حسب ما تقدم ذكره‏.‏

قلت‏:‏ ولا أعلم أحدًا ولي كتابة السر هذه المدة الطويلة من قبله ولا من بعده سوى العلامة القاضي كمال الدين محمد بن البارزي - رحمه الله - فإنه وليها أيضًا نحوًا من ثلاث وثلاثين سنة على أنه عزل منها غير مرة وتعطل سنين كما سيأتي ذكره في ترجمته إذا وصلنا إليه إن شاء الله تعالى‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وأربعة عشر إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا سواء‏.‏
السنة السادسة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة سبعين وسبعمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة ‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ لزيادة سبعة عشر ذراعًا وستة أصابع‏.‏
السنة السابعة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة إحدى وسبعين وسبعمائة‏.‏

وتوفي الوزير الصاحب شمس الدين موسى بن أبي إسحاق عبد الوهاب بن عبد الكريم القبطي المصري‏ فى سنة 771 هـ
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وخمسة وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وثمانية عشر إصبعًا‏.‏
السنة الثامنة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة‏.‏
وتوفي الشيخ المعتقد الصالح صاحب الكرامات الخارقة أبو زكرياء يحيى بن علي بن يحيى المغربي الأصل الصنافيري الضرير المجذوب‏.‏ قدم جده يحيى من الغرب ونزل عند الشيخ أبي العباس البصير بزاويته بجوار باب الخرق وولد له علي أبو يحيى هذا وكانت له أيضًا كرامات وقدم في التجريد وكان الغالب عليه الوله وذكر له الموفق كرامات جمة‏.‏
ثم ولد له يحيى هذا صاحب الترجمة مكفوفًا مجذوبًا إلا أنه له كلام خارق وأحوال عجيبة‏.‏ وكان الغالب عليه الوله كما كان أبوه وكان لا يفيق من سكرته‏.‏  يزال مغمورًا في نشوته لا يفرق بين من هو في حضرته من سلطان ولا أمير ولا غني ولا فقير والناس كلهم عنده سواء‏.‏
وكان يقيم أولًا بالقرافة عند ضريح أبي العباس البصير وبنى له هناك قبة وجعل لها بابين‏:‏ بابًا ظاهرًا وبابًا في الأرض نازلًا‏.‏
وكان أذا أحس بالناس هرب من ذلك الباب الذي في الأرض‏.‏ فلما كثر ترداد الناس إليه للزيارة من كل فج صار يرجمهم بالحجارة فلم يردهم ذلك عنه رغبة في التماس بركته‏.‏ ففر منهم وساح في الجبال مدة طويلة‏.‏ ثم نزل صنافير بالقليوبية من قرى القاهرة فكان كل يوم في أيام الشتاء يغطس في الماء البارد صبيحة نهاره وفي شد

 ة الحر يجلس عريانًا مكشوف الرأس في الشمس وليس عليه سوى ما يستر عورته‏.‏
فكان يقيم على سقيفة طابونة سوداء أقام على ذلك ثلاث سنين لا ينزل عنها وبنى له بعض الأمراء زاوية فلم يسكنها ولا التفت إليها‏.‏ وكان الناس يترددون إليه فوجًا فوجًا ما بين قاض وعالم وأمير ورئيس وهو لا يلتفت إلى أحد منهم‏.‏
ومن كراماته - نفعنا الله به - أنه أتي مرة بمنسف خشب فيه طعام أرز فقال لهم‏:‏ سخنوه فلم يسعهم إلا موافقته ووضعوا المنسف الخشب على النار حتى اشتدت سخونة الطعام ولم تؤثر النار في الخشب‏.‏
ثم عاد إلى القرافة فمات بها في يوم الأحد سابع عشرين شهر شعبان وصلي عليه بمصلاة خولان فحزر عدة من صلى عليه من الناس فكانوا زيادة على خمسين ألفًا‏.‏ والله أعلم‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وخمسة وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وأربعة أصابع‏.‏
السنة التاسعة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة‏.‏
فيها رسم السلطان الملك الأشرف للأشراف بسائر الأقطار أن يسموا عمائمهم بعلائم خضرة وقد تقدم ذكر ذلك كله في ترجمة الأشرف‏.‏
 أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبعة أذرع وخمسة وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وأربعة أصابع‏.‏
السنة العاشرة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة أربعة وسبعين وسبعمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة ‏:‏ الماء القديم لم يحرر لأجل التحويل‏.‏ حولت هذه السنة إلى سنة خمس وسبعين‏.‏
السنة الحادية عشرة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة خمس وسبعين وسبعمائة‏.‏
فيها كانت وقعة الملك الأشرف المذكور مع زوج أمه الأتابك ألجاي اليوسفي وغرق ألجاي في بحر النيل حسب ما تقدم ذكره‏.‏
وتوفي القاضي شمس الدين شاكر القبطي المصري المعروف بابن البقري ناظر الذخيرة وصاحب المدرسة البقرية بالقاهرة في ثالث عشر شوال‏.‏ وكان معدودًا من رؤساء الأقباط‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وعشرة أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وتسعة عشر إصبعًا وهي سنة الشراقي العظيم‏.‏
السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة ست وسبعين وسبعمائة‏.‏
 أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع واثنا عشر إصبعًا‏.‏مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وخمسة أصابع‏.‏
السنة الثالثة عشرة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة سبع وسبعين وسبعمائة‏.‏
 أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وأربعة أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وثلاثة عشر إصبعًا‏.‏
السنة الرابعة عشرة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وهي التي قتل فيها في ذي القعدة‏.‏
‏ أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وأثنتا عشرة إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وإصبعان‏.‏
‏ *****************************************************************************

صائم الدهـــــــــــر مرة أخرى

ذكر المقريزى فى  المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  الجزء الثالث  ( 123 من 167 )  : "  قنطرة المقسيّ‏:‏ هذه القنطرة على خليج فم الخور وهو الذي يخرج من بحر النيل ويلتقي مع الخليج الناصريذ عند الدكة فيصيران خليجًا واحدًا يصب في الخليج الكبير كان موضعها جرسًا يستند عليه الماء إذا بدت الزيادة إلى أن تكمل أربعة عشر ذراعًا فيفتح ويمرّ الماء فيه إلى الخليج الناصريّ وبركة الرطليّ ويتأخر فتح الخليج الكبير حتى يرقي الماء ستة عشر ذراعًا فلما انطرد ماء النيل عن البرّ الشرقيّ بقي تاجه هذا الخليج في أيام احتراق النيل رملة لا يصل إليها الماء إلاّ عند الزيادة وصار يتأخر دخول الماء في الخليج مدّة وإذا كُسر سدّ الخليج الكبير عند الوفاء مرّ الماء هذا الخليج مرورًا قليلًا وما زال موضع هذه القنطرة سدًّا إلى أن كانت وزارة الصاحب شمس الدين أبي الفرج عبد الله المقسيّ في أيام السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين فأنشأ بهذا المكان القنطرة فعرفت به واتصلت العمائر أيضًا بجانبي هذا الخليج من حيث يبتدىء إلى أن يلتقي مع الخليج الناصريّ ثم خرب أكثر ما عليه من العمائر والمساكن بعد سنة ست وثمانمائة وكان للناس بهذا الخليج مع الخليج الناصريذ في أيام النيل مرور في المراكب للنزهة يخرجون فيه عن الجدّ بكثرة التهتك والتمتع بكل ما يُلهي إلى أن ولي أمر الدولة بعد قتل الملك الأشرف شعبان بن حسين الأميران برقوق وبركة فقام الشيخ محد المعروف بصائم الدهر في منع المراكب من المرور بالمتفرّجين في الخليج واستفتى شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقينيّ فكتب له بوجوب منعهم لكثرة ما ينتهك في المراكب من الحرمات ويتجاهر به من الفواحش والمنكرات فبرز مرسوم الأميرين المذكورين بمنع المراكب من الدخول إلى الخليج وركّبت سلسلة على قنطرة المقسيّ هذه في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فامتنعت المراكب بأسرها من عبور هذا الخليج إلاّ أن يكون فيها غلة أو متاع فقلق الناس لذلك وشق عليهم وقال الشهاب أحمد بن العطار الدنيسريّ في ذلك‏:‏ حديثُ فم الخورِ المُسلسلِ ماؤهُ بقنطرةِ المقسيّ قدْ سارَ في الخلقِ ألا فاعجبوا من مُطَلَقٍ ومسلسلٍ يقول لقد أوقفتهم الماء في حلقي وقال‏:‏ تسلسلتْ قنطرةُ المقسيّ مم - ا قد جرى والمنعُ أضحى شاملًا وقالّ أهلُ طبنة في مجنهم قوموا بناء نقطَعُ السلاسلا ولم تزل مراكب الفرجة ممتنعة من عبور الخليج إلى أن زالت دولة الظاهر برقوق في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة فأذن في دخولها وهي مستمرّة إلى وقتنا هذا‏

*******************************************************************************

قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 140 من 167 ) : "فقام بالأمر ابنه السلطان الملك المنصور علاء الدين علي بن شعبان بن حسين‏:‏ وعمره سبع سنين في يوم السبت ثالث ذي القعدة المذكور وأبوه حيّ فلم يكن حظه من السلطنة سوى الإسم حتى مات في يوم الأحد ثالث عشري صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة فكانت مدّته خمس سنين وثلاثة أشهر وعشرين يومًا‏.‏ ====================================================================

This site was last updated 04/02/11