****************************************************************************************
الجزء التالى عن المماليك الذين حكموا مصر وهم تحت إستعمار الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة
****************************************************************************************
سلطنة الناصر حسن الأولى على مصر سنة 748 م
سلطنة الناصر حسن الأولى السلطان الملك الناصر بدر الدين وقيل ناصر الدين أبو المعالي حسن - واللقب الثاني أصح لأنه أخذ كنية أبيه ولقبه وشهرته - ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون.
وأمه أم ولد ماتت عنه وهو صغير فتولى تربيته خوند أردو وكان أولًا يدعى قماري واستمر بالدور السلطانية إلى أن كان من أمر أخيه الملك المظفر خاجي ما كان.
وطلبت المماليك أخاه حسينًا للسلطنة فقام الأمراء بسلطنة حسن هذا وأجلسوه على تخت الملك بالإيوان في يوم الثلاثاء رابع عشر شهر رمضان سنة ثماني وأربعين وسبعمائة وركب بشعار السلطنة وأبهة الملك.
ولما جلس على تخت الملك لقبوه بالملك الناصر سيف الدين قماري فقال السلطان حسن للنائب أرقطاي: " يا أبت ما آسمي قماري إنما اسمي حسن " فاستلطفه الناس لصغر سنه ولذكائه فقال له النائب: " يا خوند - والله - إن هذا آسم حسن على خيرة الله تعالى ".
فصاحت الجاووشية في الحال بآسمه وشهرته وتم أمره وحلف له الأمراء على العادة وعمره يوم سلطنته إحدى عشرة سنة.
وهو السلطان التاسع عشر من ملوك الترك بالديار المصرية والسابع من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون.
كانت مدة سلطنته هذه الأولى ثلاث سنين وتسعة أشهر وأربعة عشر يومًا منها مدة الحجر عليه ثلاث سنين ومدة استبداده بالأمر نحو تسعة أشهر وأربعة عشر يومًا.
وكان القائم بدولته في أيام الحجر عليه الأمير شيخون العمري رأس نوبة النوب وإليه كان أمر خزانة الخاص ومرجعه لعلم الدين بن زنبور ناظر الخاص. وكان الأمير منجك اليوسفي الوزير والأستادار ومقدم المماليك إليه التصرف في أموال الدولة.
والأمير بيبغا أرس نائب السلطنة وإليه حكم العسكر وتدبيره والحكم بين الناس. وكان المتولي لتربية السلطان حسن خوند طغاي زوجة أبيه ربته وتبنت به. وكانت الست حدق الناصرية دادته.
وكان الأمراء المذكورون رتبوا له في أيام سلطنته في كل يوم مائة درهم يأخذها خادمه من خزانة الخاص وليس ينوبه سواها وذلك خارج عن سماطه وكلفة حريمه فكان ما ينعم به السلطان حسن في أيام سلطنته ويتصدق به من هذه المائة درهم لا غير إلى أن ضجر من الحجر وسافر النائب بيبغا أرس والأمير طاز إلى الحجاز وخرج شيخون إلى العباسة للصيد واتفق السلطان حسن مع مغلطاي الأمير آخور وغيره على ترشيده فترشد حسب ما ذكرناه. واستبد بالدار المصرية.
ثم قبض على منجك وشيخون وبيبغا أرس إلى أن كان من أمره ما كان على أنه سار في سلطنته بعد آستبداله بالأمور مع الأمراء أحسن سيرة فإنه اختص بالأمير طاز بعد حضوره من الحجاز وبالغ في الإنعام عليه.
وكانت أيامه شديدة كثرت فيها المغارم بما أحدثه الوزير منجك بالنواحي وخربت عدة أملاك على النيل واحترقت مواضع كثيرة بالقاهرة ومصر وخرجت عربان العائد وثعلبة وعرب الشام وعرب الصعيد عن الطاعة واشتد فسادهم لاختلاف كلمة مدبري المملكة. وكان في أيامه الفناء العظيم المقدم ذكره الذي لم يعهد في الإسلام مثله.
وتوالى في أيامه شراقي البلاد وتلاف الجسور وقيام ابن واصل الأحدب ببلاد الصعيد فآختلت أرض مصر وبلاد الشام بسبب ذلك خللًا فاحشًا كل ذلك من اضطراب المملكة واختلاف الكلمة وظلم الأمير منجك وعسفه.
وأما الملك الناصر حسن المذكور فإنه كان في نفسه مفرط الذكاء عاقلًا وفيه رفق بالرعية ضابطًا لما يدخل إليه وما يصرفه كل يوم متدينًا شهمًا لو وجد ناصرًا أو معينًا لكان أجل الملوك.
يأتي بيان ذلك في سلطنته الثانية إن شاء الله تعالى. وأما سلطنته هذه المرة فلم يكن له من السلطنة إلا مجرد الاسم فقط وذلك لصغر سنه وعدم من يؤيده. انتهى.
ثم طلب الأمراء خدام الملك المظفر وعبيده ومن كان يعاشره من الفراشين ولعاب الحمام وسلموا لشاد الدواوين على حمل ما أخذوه من الملك المظفر من الأموال فأقر الخدام أن الذي خص " كيدا " في مدة شهرين نحو خمسة وثلاثين ألف دينار ومائتين وعشرين ألف درهم وخص عبد علي العواد نحو ستين ألف درهم وخص الإسكندر بن كتيلة الجنكي نحو الأربعين ألف درهم وخص العبيد والفراشين ومطيري الحمام نحو مائة ألف درهم.
وأظهر بعض الخدام حاصلًا تحت يده من الجوهر واللؤلؤ ما قيمته زيادة على مائة ألف دينار وتفاصيل حرير وبذلات زركش بمائة ألف دينار أخرى.
وفي يوم الخميس قبض على الأمير أيدمر الزراق والأمير قطز أمير آخور والأمير بلك الجمدار وأخرج قطز لنيابة صفد. وقطعت أخباز عشرين خادمًا وخبز عبد علي العواد المغني وخبز إسكندر بن بدر الدين كتيلة الجنكي. ثم قبض يوم الأحد على الطواشي عنبر السحرتي مقدم المماليك وعلى الأمير آق سنقر أمير جندار. ثم عرضت المماليك أرباب الوظائف وأخرج منهم جماعة.
وأحيط بمال " كيدا " حظية الملك المظفر التي أخذها بعد اتفاق السوداء العواد وأموال بقية الحظايا وأنزلن من القلعة.
وفيه وكان أمر المشورة في الدولة والتدبير لتسعة أمراء: بيبغا أرس القاسمي وألجيبغا المظفري وشيخون العمري وطاز الناصري وأحمد شاد الشراب خاناه وأرغون الإسماعيلي وثلاثة أخر. واستقر الأمير شيخون رأس نوبة كبيرًا وشارك في تدبير المملكة. وآستقر الأمير مغلطاي أمير آخور عوضًا عن الأمير قطز. ثم رسم بالإفراج عن الأمير بزلار من سجن الإسكندرية. ثم جهزت التشاريف لنواب البلاد الشامية وكتب لهم بما وقع من أمر الملك المظفر وقتله وسلطنة الملك الناصر حسن وجلوسه على تخت الملك.
ثم اتفقوا الأمراء على تخفيف الكلف السلطانية وتقليل المصروف بسائر الجهات وكتبت أوراق بما على الدولة من الكلف.
وأخذ الأمراء في بيع طائفة الجراكسة من المماليك السلطانية وقد كان الملك المظفر حاجي قربهم إليه بواسطة غرلو وجلبهم من كل مكان وأراد أن ينشئهم على الآتراك وأدناهم إليه حتى عرفوا بين الأمراء بكبر عمائمهم وقوي أمرهم وعملوا كلفتات خارجة عن الحد في الكبر. فطلبوا الجميع وأخرجوهم منفيين خروجًا فاحشًا وقالوا: هؤلاء جيعة النفوس كثيرو الفتن. ثم قدم كتاب نائب الشام الأمير أرغون شاه يتضمن موافقته للأمراء ورضاءه بما وقع وغض من الأمير فخر الدين إياس نائب حلب.
وكان الأمير أرقطاي النائب قد طلب من الأمراء أن يعفوه من النيابة ويولوه بلدًا من البلاد فلم يوافقوه الأمراء على ذلك فلما ورد كتاب نائب الشام يذكر فيه أن إياس يصغر عن نيابة حلب فإنه لا يصلح لها إلا رجل شيخ كبير القدر له ذكر بين الناس وشهرة فعند ذلك طلب الأمير أرقطاي النائب نيابة حلب فخلع عليه بنيابة حلب في يوم الخميس خامس شوال واستقر عوضه في نيابة السلطنة بالديار المصرية الأمير بيبغا أرس أمير مجلس وخلع عليهما معًا.
وجلس بيبغا أرس في دست النيابة وجلس أرقطاي دونه بعد ما كان قبل ذلك أرقطاي في دست النيابة وبيبغا دونه.
وفي يوم السبت سابعه قدم الأمير منجك اليوسفي السلاح دار حاجب دمشق وأخو بيبغا أرس من الشام فرسم له بتقدمه ألف بديار مصر وخلع عليه واستقر وزيرًا وأستادارًا وخرج في موكب عظيم والأمراء بين يديه فصار حكم مصر للأخوين: بيبغا أرس ومنجك السلاحدار. ثم في يوم الثلاثاء عاشر شوال خرج الأمير أرقطاي إلى نيابة حلب وصحبته الأمير كشلي الإدريسي مسفرًا. ثم إن الأمير منجك اشتد على الدواوين وتكلم فيهم حتى خافوه بأسرهم وقاموا له بتقادم هائلة فلم يمض شهر حتى أنس بهم وآعتمد عليهم في أموره كلها. وتحدث منجك في جميع أقاليم مصر ومهد أمورها.
ثم قدم سيف الأمير فخر الدين إياس نائب حلب بعد القبض عليه فخرج مقيدًا وحبس بالإسكندرية.
ثم تراسل المماليك الجراكسة مع الأمير حسين ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على أن يقيموه سلطانًا فقبض على أربعين منهم وأخرجوا على الهجن مفرقين إلى البلاد الشامية. ثم قبض على ستة منهم وضربوا تجاه الإيوان من القلعة ضربًا مبرحًا وقيدوا وحبسوا بخزانة شمائل. ثم عملت الخدمة بالإيوان واتفقوا على أن الأمراء إذا انفضوا من خدمة الإيوان دخل أمراء المشورة والتدبير إلى القصر دون غيرهم من بقية الأمراء ونفذوا الأمور على اختيارهم من غير أن يشاركهم أحد من الأمراء في ذلك.
فكانوا إذا حضروا الخدمة بالإيوان خرج الأمير منكلي بغا الفخري والأمير بيغرا والأمير بيبغا ططر والأمير طيبغا المجدي والأمير أرلان وسائر الأمراء فيمضوا على حالهم إلا أمراء المشورة وهم: الأمير بيبغا أرس النائب والأمير شيخون العمري رأس نوبة النوب والأمير طاز والأمير الوزير منجك اليوسفي السلاح دار والأمير ألجيبغا المظفري والأمير طنيرق فإنهم يدخلون القصر وينفذون أحوال المملكة بين يدي السلطان
ثم في يوم الأربعاء ثاني عشر المحرم المذكور ورد الخبر بقتل الأمير سيف الدين أرغون شاه نائب الشام وأمره غريب وهو أنه لما كان نصف ليلة الخميس ثالث عشرينه وهو بالقصر الأبلق بالميدان خارج مدينة دمشق ومعه عياله وإذا بصوت قد وقع في الناس بدخول العسكر فثاروا بأجمعهم ودارت النقباء على الأمراء بالركوب ليقفوا على مرسوم السلطان.
فركبوا جميعًا إلى سوق الخيل تحت القلعة فوجدوا الأمير ألجيبغا المظفري نائب طرابلس وإذا بالأمير أرغون شاه نائب الشام ماش وعليه بغلوطاق صدر وتخفيفة على رأسه وهو مكتف بين مماليك الأمير إياس وخبر ذلك أن ألجيبغا لما ركب من طرابلس سار حتى طرق دمشق على حين غفلة وركب معه الأمير فخر الدين إياس السلاح دار.
وأحاط إياس بالقصر الأبلق وطرق بابه. وعلم الخدام بأنه قد حدث أمر مهم فأيقظوا الأمير أرغون شاه وقام من فراشه وخرج إليهم فقبضوا عليه وقالوا له: حضر مرسوم السلطان بالقبض عليك والعسكر واقف.
فلم يجسر أحد أن يدفع عنه وأخذه الأمير إياس وأتى به ألجيبغا. فسلم أمراء دمشق على ألجيبغا وسألوه الخبر فذكر لهم أن مرسوم السلطان ورد عليه بركوبه إلى دمشق بعسكر طرابلس والقبض على أرغون شاه المذكور وقتله والحوطة على ماله وموجوده وأخرج لهم كتاب السلطان بذلك فأجابوا بالسمع والطاعة وعادوا إلى منازلهم ونزل ألجيبغا إلى الميدان.
وأصبح يوم الخميس فأوقع الحوطة على موجود أرغون شاه وأصبح يوم الجمعة رابع عشرين ربيع الأول أرغون شاه المذكور مذبوحًا. فكتب ألجيبغا محضرًا أنه وجده مذبوحًا والسكين في يده يعني أنه ذبح نفسه فأنكر عليه كونه لما قبض أموال أرغون شاه لم يرفعها إلى قلعة دمشق على العادة واتهموه فيما فعل.
وركبوا جميعًا لقتاله في يوم الثلاثاء ثامن عشرينه فقاتلهم ألجيبغا المذكور وجرح الأمير مسعود بن خطير وقطعت يد الأمير ألجيبغا العادلي أحد أمراء دمشق وقد جاوز تسعين سنة فعند ذلك ولى ألجيبغا المظفري نائب طرابلس ومعه خيول أرغون شاه وأمواله وتوجه إلى نحو المزة ومعه الأمير إياس نائب حلب كان ومضى إلى طرابلس.
وسبب هذه الواقعة أن إياسًا لما عزل عن نيابة حلب وأخذت أمواله وسجن ثم أفرج عنه واستقر في جملة أمراء دمشق وعدوه أرغون شاه الذي كان سعى في عزله عن نيابة حمص نائبها فصار أرغون شاه يهينه ويخرق به.
واتفق أيضًا إخراج ألجيبغا من الديار المصرية إلى دمشق أميرًا بها فترفع عليه أيضًا أرغون شاه المذكور وأذله فآتفق ألجيبغا وإياس على مكيدة. فأخذ ألجيبغا في السعي على خروجه من دمشق عند أمراء مصر وبعث إلى الأمير بيبغا أرس نائب السلطنة بالديار المصرية وإلى أخيه الأمير منجك الوزير هدية سنية فولاه نيابة طرابلس مقيم بدمشق وطلب أن نائب الشام يردهم إلى طرابلس فكتب له بذلك.
فشق على أرغون شاه نائب الشام كون ألجيبغا لم يكتب إليه يسأله وأرسل كاتب السلطان في ذلك فكتب إلى ألجيبغا بالإنكار عليه فيما فعل وأغلظ له في القول وحمل البريدي إليه مشافهة شنيعة فقامت قيامة ألجيبغا لما سمعها وفعل ما فعل بعد أن أوسع الحيلة في ذلك فآتفق مع إياس فوافقه إياس أيضًا لما كان في نفسه من أرغون شاه حتى وقع ما ذكرناه.
وأما أمراء الديار المصرية فإنهم لما سمعوا بقتل الأمير أرغون شاه ارتاعوا وآتهم بعضهم بعضًا فحلف كل من شيخون والنائب بيبغا أرس على البراءة من قتله وكتبوا إلى ألجيبغا بأنه قتل أرغون - شاه بمرسوم من وإعلامهم بمستنده في ذلك وكتب إلى أمراء دمشق بالفحص عن هذه الواقعة. وكان ألجيبغا وإياس قد وصلا إلى طرابلس وخيما بظاهرها فقدم في غد وصولهما كتب أمراء دمشق إلى أمراء طرابلس بالاحتراس على ألجيبغا حتى يرد مرسوم السلطان فإنه فعل فعلته بغير مرسوم السلطان ومشت حيلته علينا.
ثم كتبوا إلى نائب حماة ونائب حلب وإلى العربان بمسك الطرقات عليه فركب عسكر طرابلس بالسلاح وأحاطوا به. ثم وافاهم كتاب السلطان بمسكه وقد سار عن طرابلس وساروا خلفه إلى نهر الكلب عند بيروت فإذا أمراء العربان وأهل بيروت واقفون في وجهه فوقف قدامهم نهاره ثم كر راجعًا عليهم فقاتله عسكر طرابلس حتى قبضوا عليه وفر إياس.
ووقعت الحوطة على مماليك ألجيبغا وأمواله ومسك الذي كتب الكتاب بقتل أرغون شاه فاعتذر أنه مكره وأنه غير ألقاب أرغون شاه وكتب أوصال الكتب مقلوبة حتى يعرف أنه زور. وحمل ألجيبغا المذكور مقيدًا إلى دمشق.
ثم قبض نائب بعلبك على الأمير إياس وقد حلق لحيته ورأسه واختفى عند بعض النصارى وبعث به إلى دمشق فحبسا معًا بقلعتها وكتب بذلك إلى السلطان والأمراء فندب الأمير قجا الساقي على البريد إلى دمشق بقتل ألجيبغا وإياس فأخرجهما من حبس قلعة دمشق ووسطهما بسوق الخيل بدمشق وعلق إياس على خشب وقدامه ألجيبغا على خشبة أخرى وذلك في يوم الخميس حادي عشرين شهر ربيع الآخر. وكان عمر ألجيبغا المذكور يوم قتل نحو تسع عشرة سنة وهو ماطر شاربه.
ثم كتب السلطان بآستقرار الأمير أرقطاي نائب حلب في نيابة الشام عوضًا عن أرغون شاه المذكور. واستقر الأمير قطليجا الحموي نائب حماة في نيابة حلب عوضًا عن أرقطاي. واستقر أمير مسعود بن خطير في نيابة طرابلس عوضًا عن ألجيبغا المظفري المقدم ذكره.
ثم قدم إلى مصر طلب أرغون شاه ومماليكه وأمواله وموجود ألجيبغا أيضًا فتصرف الوزير منجك في وبعد مدة يسيرة ورد الخبر أيضًا بموت الأمير أرقطاي نائب دمشق فكتب بآستقرار قطليجا الحموي نائب حلب في نيابة دمشق وتوجه الأمير تلكتمر المحمدي بتقليده بنيابة الشام وسار حتى وصل إليه فوجده قد أخرج طلبه إلى جهة دمشق وهو ملازم الفراش فمات قطليجا أيضًا بعد أسبوع.
ولما وصل الخبر إلى مصر بموت قطليجا أراد النائب بيبغا أرس والوزير منجك إخراج طاز لنيابة الشام والأمير مغلطاي أمير آخور إلى نيابة حلب فلم يوافقاهما على ذلك وكادت الفتنة أن تقع. فخلع على الأمير أيتمش الناصري بنيابة الشام واستقر بعد مدة الأمير أرغون الكاملي في نيابة حلب.
وفي محرم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة آبتدأت الوحشة بين الأمير مغلطاي أمير آخور وبين الوزير منجك اليوسفي بسبب الفأر الضامن وقد شكا منه. فطلبه مغلطاي من الوزير وقد احتمى به فلم يمكنه منه.
وكان منجك لما فرغ من بناء صهريجه الذي عمره تجاه القلعة عند باب الوزير اشترى له من بيت المال ناحية بلقينة بالغربية بخمسة وعشرين ألف دينار وأنعم عليه بها فوقفها منجك على صهريجه المذكورة فأخذ مغلطاي يعد لمنجك تصرفه في المملكة وسكن الأمر فيما بينهما. ثم توجه السلطان إلى سرحة سرياقوس على العادة في كل سنة وأنعم على الأمير قطليجا الذهبي بإقطاع الأمير لاجين أمير آخور بعد موته وأنعم بإقطاع قطلوبغا وتقدمته على الأمير عمر بن أرغون النائب.
ثم استقر بكلمش أمير شكار في نيابة طرابلس عوضًا عن أمير مسعود بن خطير وكتب بإحضار أمير مسعود إلى القاهرة.
ثم عاد السلطان من سرحة سرياقوس وكتب بعود أمير مسعود إلى دمشق بطالًا حتى ينحل له من الإقطاع ما يليق به.
وخلع على الأمير فارس الدين ألبكي بآستقراره في نيابة غزة بعد موت الأمير دلنجي ودلنجي باللغة التركية هو المكدي وهو بكسر الدال المهملة وفتح اللام وسكون النون وكسر الجيم.
وفي هذه الأيام توجه الأمير طاز إلى سرحة البحيرة وأنعم السلطان عليه بعشرة آلاف إردب شعير وخمسين ألف درهم وناحية طموه من الجيزية زيادة على إقطاعه. وفي خامس عشر شوال خرج أمير حاج المحمل الأمير بزلار أمير سلاح. ثم خرج بعده طلب الأمير بيبغا أرس النائب بتجمل زائد وفيه مائة وخمسون مملوكًا معدة بالسلاح.
ثم خرج طلب الأمير طاز وفيه ستون فارسًا فرحل بيبغا أرس قبل طاز بيومين. ثم رحل طاز بعده.
ثم رحل بزلار بالحاج ركبًا ثالثًا في عشرين شوال من البركة. وفي يوم السبت رابع عشرينه عزل الأمير منجك اليوسفي عن الوزر وقبض عليه وكان الأمير شيخون خرج إلى العباسة.
وسبب عزله أن السلطان بعد توجه شيخون طلب القضاة والأمراء فلما اجتمعوا بالخدمة قال لهم: " يا أمراء هل لأحد علي ولاية حجر أو أنا حاكم نفسي " فقال الجميع: " يا خوند ما ثم أحد يحكم على مولانا السلطان وهو مالك رقابنا " فقال: " إذا قلت لكم شيئًا ترجعوا إليه " قالوا جميعهم: " نحن تحت طاعة السلطان وممتثلون ما يرسم به ".
فالتفت إلى الحاجب وقال له: " خذ سيف هذا " وأشار إلى منجك الوزير فأخذ سيفه وأخرج وقيد ونزلت الحوطة على أمواله مع الأمير كشلي السلاح دار فوجد له خمسون حمل زردخاناه ولم يوجد له كبير مال فرسم بعقوبته ثم أخرج إلى الإسكندرية فسجن.
وساعة القبض عليه رسم بإحضار الأمير شيخون من العباسة وإعلامه بمسك منجك الوزير. فقام الأمير مغلطاي أمير آخور والأمير منكلي بغا في منعه من الحضور وما زالا يخيلان السلطان منه حتى كتب له مرسوم بنيابة طرابلس على يد طينال الجاشنكير.
فتوجه إليه أطينال فلقيه قريب بلبيس وقد عاد صحبة الجمدار الذي توجه بإحضاره من عند السلطان وأوقفه على المرسوم فأجاب بالسمع والطاعة. وبعث شيخون يسأل في الإقامة بدمشق فكتب له بخبز الأمير تلك بدمشق وحضور تلك إلى مصر فتوجه شيخون إليها. ثم قبض السلطان على الأمير عمر شاه الحاجب وأخرج إلى الإسكندرية.
واستقر الأمير طنيرق رأس نوبة كبيرًا عوضًا عن شيخون. ثم قبض على حواشي منجك وعلى عبده عنبر البابا وصودر.
وكان عنبر قد أفحش في سيرته مع الناس وشره في قطع المصانعات وترفع على الناس ترفعًا زائدًا فضرب ضربًا مبرحًا.
ثم ضرب بكتمرشاد الأهراء فاعترف للوزير منجك باثني عشر ألف إردب غلة آشتراها من أرباب الرواتب. وفي مستهل ذي القعدة قبض على ناظر الدول والمستوفين وألزموا بخمسمائة ألف دينار فترفق في أمرهم الأمير طنيرق حتى آستقرت خمسمائة ألف درهم ووزعها الموفق ناظر الدولة على جميع المباشرين من الكتاب أو الشهود والشادين ونحوهم والتزم علم الدين عبد الله بن زنبور ناظر الخاص والجيش بتكفية جميع الأمراء المقدمين بالخلع من ماله وقيمتها خمسمائة ألف درهم وفصلها وعرضها على السلطان فركبوا الأمراء بها الموكب وقبلوا الأرض وكان موكبًا جليلًا.
وفي يوم السبت ثامن ذي القعدة خلع السلطان على الأمير بيبغا ططر حارس طير وآستقر في السلطنة بالديار المصرية عوضًا عن بيبغا أرس المتوجه إلى الحجاز بعد أن عرضت النيابة على أكابر الأمراء فلم يقبلها أحد. وتمنع بيبغا ططر أيضًا منها تمنعًا كبيرًا ثم قبلها.
واستقر الأمير مغلطاي أمير آخور رأس نوبة كبيرًا عوضًا عن طنيرق الذي كان وليها عن شيخون. وأطلق له التحدث في أمر الدولة كلها عوضًا عن الأمير شيخون مضافًا لما بيده من الأميراخورية.
واستقر الأمير منكلي بغا الفخري رأس مشورة وأتابك العساكر وأنعم على ولده بإمرة ودقت الكوسات وطبلخانات الأمراء بأجمعها وزينت القاهرة ومصر في يوم الأحد تاسع ذي القعدة واستمرت ثمانية أيام.
وأما شيخون فإنه لما وصل إلى دمشق قدم بعده الأمير أرغون التاجي بإمساكه فقبض عليه وقيد وأخرج من دمشق في البحر وتوجه إلى الطينة ثم أوصله إلى الإسكندرية فسجن بها. وخلع على طشبغا الدوادار على عادته دوادارًا وتصالح هو والقاضي علاء الدين بن فضل الله كاتب السر - فإنه كان في بسببه حسب ما تقدم ذكره - وأرسل كل منهما إلى صاحبه هدية. وكان السلطان لما أمسك منجك كتب إلى الأمير طاز وإلى الأمير بزلار على يد قردم وأخبرهما بما وقع وأنهما يحترسان على النائب بيبغا أرس وقد نزل سطح العقبة.
فلما قرأ بيبغا الكتاب وجم وقال: " كلنا مماليك السلطان " وخلع عليه وكتب أنه ماض لقضاء الحج.
ثم إن السلطان عزل الأمير صرغتمش والأمير عليًا من وظيفتي الجمدارية وكانا من جملة حاشية شيخون ورسم لصرغتمش أن يدخل الخدمة مع الأمراء ثم أخرج أميرعلي إلى الشام وأخرج صرغتمش لكشف الجسور بالوجه القبلي وألزم السلطان أستادار بيبغا أرس بكتب حواصل بيبغا وندب السلطان الأمير آقجبا الحموي لبيع حواصل منجك.
وأخذت جواري بيبغا أرس ومماليكه وجواري منجك ومماليكه إلى القلعة فطلع لمنجك خمسة وسبعون مملوكًا صغارًا وطلع لبيبغا أرس خمس وأربعون جارية فلما وصلن تجاه دار النيابة صحن صيحة واحدة وبكين فأبكين من كان هناك.
ثم قدم الخبر على السلطان بأن الأمير أحمد الساقي نائب صفد خرج عن طاعة السلطان. وسببه أنه لما قبض على منجك خرج الأمير قماري الحموي وعلى يدي ملطفات لأمراء صفد بالقبض عليه فبلغه ذلك من هجان جهزه له أخوه.
فندب الأمير أحمد طائفة من مماليكه لتلقي قماري وطلب نائب قلعة صفد وديوانه وأمره أن يقرأ عليه كم له بالقلعة من الغلة فأمر لمماليكه منها بشيء فرقه عليهم إعانة لهم على ما حصل من المحل في البلاد وبعثهم ليأخذوا ذلك فعندما طلعوا القلعة شهروا سيوفهم وملكوها من نائب قلعة صفد وقبضوا على عدة من الأمراء.
وطلع الأمير أحمد بحريمه إلى القلعة وحصنها وأخذ مماليكه قماري وأتوا به فأخذ ما معه من الملطفات وحبسه. فلما بلغ السلطان ذلك كتب إلى نائب غزة ونائب الشام بتجريد العسكر إليه.
هذا والأراجيف كثيرة بأن طاز تحالف هو وبيبغا أرس بعقبة أيلة فخرج الأمير فياض والأمير عيسى بن حسن أمير العائذ فتفرقا على عقبة أيلة بسبب بيبغا أرس. وكتب لعرب شطي وبني عقبة وبني مهدي بالقيام مع الأمير فضل وكتب لنائب غزة بإرسال السوقة إلى ثم خلع السلطان على الأمير شهاب الدين أحمد بن قزمان بنيابة الإسكندرية عوضًا عن بكتمر المؤمني. ثم في يوم الأربعاء سادس عشرين ذي القعدة قدم سيف الأمير بيبغا أرس وقد قبض عليه. وسبب ذلك أنه لما ورد عليه كتاب السلطان بمسك أخيه منجك اشتد خوفه وطلع إلى العقبة ونزل إلى المنزلة فبلغه أن الأمير طاز والأمير بزلار ركبا للقبض عليه.
فركب بيبغا أرس بمن معه من الأمراء والمماليك بآلة الحرب. فقام الأمير عز الدين أزدمر الكاشف بملاطفته وأشار عليه ألا يعجل وأن يكشف الخبر أولًا. فبعث نجابًا في الليل لذلك فعاد وأخبر أن الأمير طاز مقيم بركبه وأنه سار بهم وليس فيهم أحد ملبس.
فقلع بيبغا السلاح هو ومن معه وتلقى طاز وسأله عما تخوف منه فأوقفه على كتاب السلطان إليه فلم ير فيه ما يكره. ثم رحل كل منهما بركبه من العقبة.
وأتت الأخبار للأمراء بمصر باتفاق طاز وبيبغا أرس فكتب السلطان للأمير طاز وللأمير بزلار عند ذلك القبض على بيبغا أرس قبل دخوله مكة وتوجه إليهما بذلك طينال الجاشنكير وقد رسم له أن يتوجه مع بيبغا إلى الكرك.
فلما قدم طينال على طاز وبزلار ركبا إلى أزدمر الكاشف فأعلماه بما رسم به إليهما من مسك بيبغا أرس ووكدا عليه في استمالة الأمير فاضل والأمير محمد بن بكتمر الحاجب وبقية من مع بيبغا أرس فأخذ أزدمر في ذلك.
ثم كتب لبيبغا أرس أن يتأخر حتى يسمع مرسوم السلطان و حتى يكون دخولهم لمكة جميعًا فأحس بيبغا بالشر وهم أن يتوجه إلى الشام فما زال أزدمر الكاشف به حتى رجعه عن ذلك.
وعند نزول بيبغا أرس إلى منزلة المويلحة قدم طاز وبزلار فتلقاهما وأسلم نفسه من غير ممانعة فأخذا سيفه وأرادا تسليمه لطينال حتى يحمله إلى الكرك فرغب إلى طاز أن يحج معه فأخذه طاز محتفظًا به وكتب طاز بذلك إلى السلطان فتوهم مغلطاي والسلطان أن طاز وبزلار قد مالا إلى بيبغا أرس وتشوشا تشويشًا زائدًا.
ثم أكد ذلك ورود الخبر بعصيان أحمد الساقي نائب صفد وظنوا أنه مباطن لبيبغا أرس وأخرج طينال ليقيم بالصفراء حتى يرد الحاج إليها فيمضي بيبغا أرس إلى الكرك. ثم في يوم الخميس سابع عشرين ذي القعدة خلع على الأمير علم الدين عبد الله بن زنبور خلعة الوزارة مضافًا لما بيده من نظر الخاص ونظر الجيش بعد ما امتنع وشرط شروطًا كثيرة.
وفيه أيضًا خلع السلطان على الأمير طنيرق باستقراره في نيابة حماة عوضًا عن أسندمر العمري. ثم كتب القاضي علاء الدين بن فضل الله كاتب السر تقليد ابن زنبور الوزير ونعته فيه بالجناب العالي - وكان جمال الكفاة سعى أن يكتب له ذلك فلم يرض كاتب السر وشح عليه بذلك - فخرج الوزير وتلقى كاتب السر وبالغ في إكرامه وبعث إليه بتقدمة سنية.
ثم قدم الخبر على السلطان بنزول عسكر الشام وطرابلس على محاصرة أحمد نائب صفد وزحفهم على قلعة صفد عدة أيام جرح فيها كثير من الناس والأجناد ولم ينالوا من القلعة غرضًا إلى أن بلغهم القبض على بيبغا أرس.
وعلم أحمد بذلك وانحل عزمه فبعث إليه الأمير بكلمش نائب طرابلس يرغبه في الطاعة ودس على من معه بالقلعة حتى خامروا عليه وهموا بمسكه فوافق على الطاعة وحلف له نائب طرابلس فنزل إليه بمن معه. فسر السلطان بذلك وكتب بإهانته وحمله إلى السجن.
وفي عاشر ذي الحجة كانت الواقعة بمنى وقبض على الملك المجاهد صاحب اليمن وآسمه علي بن داود بن المظفر يوسف بن المنصور عمر بن علي بن رسول. وكان من خبره أن ثقبة لما بلغه آستقرار أخيه عجلان عوضه في إمرة مكة توجه إلى اليمن وأغرى صاحب اليمن بأخذ مكة وكسوة الكعبة فتجهز الملك المجاهد صاحب اليمن وسار يريد الحج في حفل كبير بأولاده وأمه حتى قرب من مكة وقد سبقه حاج مصر.
فلبس عجلان آلة الحرب وعرف أمراء مصر ما عزم عليه صاحب اليمن وحذرهم غائلته. فبعثوا إليه بأن " من يريد الحج إنما يدخل مكة بذلة ومسكنة وقد ابتدعت من ركوبك بالسلاح بدعة لا تمكنك أن تدخل بها وابعث إلينا ثقبة ليكون عندنا حتى تنقضي أيام الحج فنرسله إليك " فأجاب لذلك وبعث ثقبة رهينة فأكرمه الأمراء.
وركبوا الأمراء في جماعة إلى لقاء الملك المجاهد فتوجهوا إليه ومنعوا سلاح داريته بالمشي معه بالسلاح ولم يمكنوه من حمل الغاشية. ودخلوا به مكة فطاف وسعى وسلم على الإمراء واعتذر إليهم ومضى إلى منزله.
وصار كل منهم على حفر حتى وقفوا بعرفة وعادوا إلى الخيم من منى وقد تقرر الحال بين الأمير ثقبة وبين الملك المجاهد على أن الأمير طاز إذا سار من مكة أوقعا بأمير الحاج ومن معه وقبضا على عجلان وتسلم ثقبة مكة.
فآتفق أن الأمير بزلار رأى وقد عاد من مكة إلى منى خادم الملك المجاهد سائرًا فبعث يستدعيه فلم يأته وضرب مملوكه بعد مفاوضة جرت بينهما وجرحه في كتفه. فماج الحافي وركب الأمير بزلار وقت الظهر إلى الأمير طاز فلم يصل إليه حتى أقبلت الناس جافلة تخبر بركوب الملك المجاهد بعسكره للحرب وظهرت لوامع أسلحتهم فركب طاز وبزلار وأكثر العسكر المصري بمكة.
فكان أولى من صدم أهل اليمن بزلار وهو في ثلاثين فارسًا فأخذوه في صدرهم إلى أن أرموه قريب خيمته. ومضت فرقة إلى جهة طاز فأوسع لهم طاز ثم عاد عليهم.
وركب الشريف عجلان والناس فبعث الأمير طاز لعجلان أن آحفظ الحاج ولا تدخل بيننا في حرب ودعنا مع غريمنا. واستمر القتال بينهم إلى بعد العصر فركب أهل اليمن مع كثرة عددهم وآستعدادهم الذلة والتجأ الملك المجاهد إلى دهليزه وقد أحاط به العسكر وقطعوا أطنابه وألقوه إلى الأرض.
فمر الملك المجاهد على وجهه منهزمًا ومعه أولاده فلم يجد طريقًا فسلم المجاهد ولديه لبعض الأعراب وعاد بمن معه من عسكره وهم في أقبح حال يصيحون " الأمان يا مسلمون "! فأخذوا وزيره وتمزقت عساكره في تلك الجبال وقتل منهم خلق كثير ونهبت أموالهم وخيولهم عن آخرها وآنفصل الحال عند غروب الشمس. وفر ثقبة بعبيده وعربه فأخذ عبيد عجلان جماعة من الحاج فيما بين مكة ومنى وقتلوا جماعة.
قلت: هذا شأن عرب مكة وعبيدها وهذه فروسيتهم لا في لقاء العدو وكان حقهم يوم ذاك خفر الحاج كون الترك قاموا عنهم بدفع عدوهم وإلا كان المجاهد يستولي عليهم وعلى أموالهم وذراريهم في أسرع وقت. انتهى.
ولما أراد طاز الرحيل من منى سلم أمراء المجاهد وحريمه إلى الشريف عجلان وأوصاه بهم. وركب الأمير طاز ومعه المجاهد محتفظًا به وبالغ في إكرا
نمه يريد الديار المصرية وصحب معه أيضًا الأمير بيبغا أرس مقيدًا وبعث بالأمير طقطاي إلى السلطان يبشره بما وقع. ولما قدم الأمير طاز إلى المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والرحمة قبض بها على الشريف طفيل.
وأما الديار المصرية فإنه في يوم الجمعة خامس المحرم من سنة آثنتين وخمسين وسبعمائة قدم الأمير أرغون الكاملي نائب حلب إلى الديار المصرية بغير إذن فخلع عليه وأنزل بالقلعة وسبب حضوره أنه أشيع عنه بحلب القبض عليه ثم أشيع في مصر أنه خامر فكره تمكن موسى حاجب حلب منه لما كان بينهما من العداوة ورأى وقوع المكروه به في غير حلب أخص عليه فلما قدم مصر فرح السلطان به لما كان عنده من إشاعة عصيانه.
ثم قدم الخبر على السلطان بأن طيلان تسلم بيبغا أرس من الأمير طاز وتوجه به إلى الكرك من بدر فسر السلطان أيضًا بذلك. ثم في يوم السبت عشرين المحرم قدم الأمير طاز بمن معه من الحجاز وصحبته الملك المجاهد والشريف طفيل أمير المدينة فخرج الأمير مغلطاي إلى لقائه إلى البركة ومعه الأمراء ومد له سماطًا جليلًا وقبض على من كان معه من الأمراء من أصحاب بيبغا أرس وقيدهم وهم: الأمير فاضل أخو بيبغا أرس وناصر الدين محمد بن بكتمر الحاجب.
وأما الأمير أزدمر الكاشف فإنه أخرج السلطان إقطاعه ولزم داره. ثم في يوم الإثنين ثاني عشرينه طلع الأمير طاز بالملك المجاهد إلى نحو القلعة حتى وصل إلى باب القلة قيده ومشى الملك المجاهد بقيده حتى وقف عند العمود - بالدركاه تجاه الإيوان والأمراء جلوس - وقوفًا طويلًا إلى أن خرج بر جاندار يطلب الأمراء على العادة فدخل المجاهد على تلك الهيئة معهم.
وخلع السلطان على الأمير طاز ثم قدم الملك المجاهد وقبل الأرض ثلاث مرات وطلب السلطان الأمير طاز وسأل عنه فما زال طاز يشفع في المجاهد إلى أن أمر السلطان بقيده ففك عنه وأنزل بالأشرفية من القلعة عند الأمير مغلطاي جرى له الرواتب السنية وأقيم له من يخدمه. ثم أنعم السلطان على الأمير طاز بمائتي ألف درهم.
ثم خلع السلطان أيضًا على الأمير أرغون الكاملي بآستمراره على نيابة حلب ورسم أن يكون موسى حاجب حلب في نيابة قلعة الروم. وفي يوم تاسع عشرين المحرم حضر الملك المجاهد الخدمة وأجلس تحت الأمراء بعد أن ألزم بحمل أربعمائة ألف دينار يقترضها من تجار الكارم حتى ينعم له السلطان بالسفر إلى بلاده.
ثم أحضر الأمير أحمد الساقي نائب صفد مقيدًا إلى بين يدي السلطان فأرسل إلى سجن الإسكندرية.
ثم في آخر المحرم خلع السلطان على الأمراء المقدمين وعلى الملك المجاهد صاحب اليمن بالإيوان وقبل المجاهد الأرض غير مرة.
وكان الأمير طاز والأمير مغلطاي تلطفا في أمره حتى أعفي من أجل المال وقربه السلطان ووعده بالسفر إلى بلاده مكرمًا فقبل الأرض وسر بذلك وأذن له أن ينزل من القلعة إلى إسطبل الأمير مغلطاي ويتجهز للسفر. وأفرج عن وزيره وخادمه وحواشيه وأنعم عليه بمال.
وبعث له الأمراء مالًا جزيلًا وشرع في القرض من الكارم تجار ثم في يوم الخميس ثاني صفر ركب الملك المجاهد في الموكب بسوق الخيل تحت القلعة وطلع مع النائب بيبغا ططر إلى القلعة ودخل إلى الخدمة السلطانية بالإيوان مع الأمراء والنائب. وكان موكبًا عظيمًا ركب فيه جماعة من أجناد الحلقة مع مقدميهم وخلع على المقدمين وطلعوا إلى القلعة.
وآستمر المجاهد يركب في الخدم مع النائب بسوق الخيل ويطلع إلى القلعة ويحضر الخدمة. ثم خلع السلطان على الأمير صرغتمش وآستقر رأس نوبة على ما كان عليه أولًا بعناية الأمير طاز والأمير مغلطاي.
خلع السلطان حسن
وفي يوم السبت ثامن عشر من صفر برز المجاهد صاحب اليمن بثقله من القاهرة إلى الريدانية متوجهًا إلى بلاده وصحبته الأمير قشتمر شاد الدواوين. وكتب للشريف عجلان أمير مكة بتجهيزه إلى بلاده وكتب لبني شعبة وغيرهم من العربان بالقيام في خدمته وخلع عليه. وقرر المجاهد على نفسه مالا يحمله في كل سنة. وأسر السلطان إلى قشتمر أنه إن رأى منه ما يريبه يمنعه من السفر ويطالع السلطان في أمره.
فرحل المجاهد من الريدانية في يوم الخميس ثالث عشرينه ومعه عدة مماليك آشتراها وكثير من الخيل والجمال.
ثم في أوائل جمادى الآخرة توعك السلطان ولزم الفراش أيامًا فبلغ طاز ومنكلي بغا ومغلطاي أنه أراد بإظهار توعكه القبض عليهم إذا دخلوا عليه وأنه قد اتفق مع قشتمر وألطنبغا الزامر وملكتمر الماردينى وتنكز بغا على ذلك وأنه ينعم عليهم بإقطاعاتهم وإمرياتهم.
فواعدوا الأمراء أصحابهم واتفقوا مع الأمير بيبغا ططر النائب والأمير طيبغا المجدي والأمير رسلان بصل وركبوا يوم الأحد سابع عشرين جمادى الآخرة بأطلابهم ووقفوا عند قبة النصر خارج القاهرة.
فخرج السلطان إلى القصر وبعث يسألهم عن سبب ركوبهم فقالوا: " أنت اتفقت مع مماليكك على مسكنا ولا بد من إرسالهم إلينا " فبعث تنكزبغا وقشتمر وألطنبغا الزامر وملكتمر فعندما وصلوا إليهم قيموهم وبعثوهم إلى خزانة شمائل فسجنوا بها. فشق ذلك على السلطان وبكى وقال: " قد نزلت عن السلطنة " وسير إليهم النمجاة فسلموها للأمير طيبغا المجدي.
وقام السلطان حسن إلى حريمه فبعثوا الأمراء الأمير صرغتمش ومعه الأمير قطلوبغا الذهبي ومعهم جماعة ليأخذوه ويحبسوه فطلعوا إلى القلعة راكبين إلى باب القصر الأبلق ودخلوا إلى الملك الناصر حسن وأخذوه من بين حرمه فصرخ النساء صراخًا عظيمًا وصاحت الست حدق على صرغتمش صياحًا منكرًا وقالت له: " هذا جزاؤه منك "! وسبته سبًا فاحشًا.
فلم يلتفت صرغتمش إلى كلامها وأخرجه وقد غطى وجهه إلى الرحبة فلما رآه الخدام والمماليك تباكوا عليه بكاء كثيرًا.
وطلع به صرغتمش إلى رواق فوق الإيوان ووكل به من يحفظه وعاد إلى الأمراء. فاتفق الأمراء على خلعه من السلطنة وسلطنة أخيه الملك الصالح صالح بن محمد بن قلاوون وتسلطن حسب ما يأتي ذكره.
السنة الأولى من سلطنة الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون الأولى وهي سنة تسع وأربعين وسبعمائة على أنه حكم من الخالية من رابع عشر شهر رمضان.
فيها أعني سنة تسع وأربعين كان الوباء العظيم المقدم ذكره في هذه الترجمة وعم الدنيا حتى دخل إلى مكة المشرفة ثم عم شرق الأرض وغربها فمات بهذا الطاعون بمصر والشام وغيرهما خلائق لا تحصى.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا.
السنة الثانية من سلطنة الناصر حسن الأولى على مصر وهي سنة خمسين وسبعمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا.
السنة الثالثة من سلطنة الناصر حسن الأولى على مصر وهي سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع ونصف وقيل خمس أذرع وسبع عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا. ونزل في خامس توت وشرقت البلاد.
السنة الرابعة من سلطنة الناصر حسن الأولى على مصر وهي سنة آثنتين وخمسين وسبعمائة وهي التي خلع فيها السلطان
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإصبع واحدة.
وفي يوم الأربعاء خامس عشره اجتمع الأمراء بالقلعة وأخرج لهم الطواشي دينار الشبلي المال من الخزانة.
**************************************************************************************
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 139 من 167 ) : " السلطان الملك الناصر بدر الدين أبو المعالي حسن بن محمد: في يوم الثلاثاء رابع عشرة وعمره إحدى عشرة سنة فلم يكن له من الأمر شيء والقائم بالأمر الأمير شيخو العمريّ فلما أخذ في الاستبداد بالتصرف خُلع وسجن في يوم الإثنين ثامن عشري جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين فكانت مدّته أربع سنين تنقص خمسة عشر يومًا منها تحت الحجر ثلاث سنين ونيف ومدّة استبداده نحو من تسعة أشهر. وأقيم من بعده أخوه
******************************************************************************
المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الرابع ( 147 من 167 ) : " الملك الناصر أبو المعالي الحسن بن محمد بن قلاون: جلس على تخت الملك وعمره ثلاث عشرة سنة في يوم الثلاثاء رابع عشر شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بعد أخيه الملك المظفر حاجي وأركب من باب الستارة بقلعة الجبل وعليه شعار السلطنة وفي ركابه الأمراء إلى أن نزل بالإيوان السلطانيّ ومدبر والحولة يومئذ الأمير يلبغاروس والأمير ألجيبغا المظفري والأمير شيخو والأمير طاز وأحمد شادّ الشرابخاناه وأرغون الإسماعيليّ فخلع على يلبغاروس واستقرّ في نيابة السلطنة بديار مصر عوضًا عن الحاج أرقطاي وقرّر أرقطاي في نيابة السلطنة بحلب وخلع على الأمير سيف الدين منجك اليوسفيّ واستقرّ في الوزارة والاستادارية وقرر الأمير أرغون شاه في نيابة السلطنة بدمشق.
فلما دخلت سنة تسع وأربعين كثر انكشاف الأراضي من ماء النيل بالبرّ الشرقيّ فيما يلي بولاق إلى مصر فاهتم الأمراء بسدّ البحر مما يلي الجيزة وفوض ذلك للأمير منجك فجمع مالًا كثيرًا وأنفقه على ذلك فلم يُفد فقبض على منجك في ربيع الأوّل وحدث الوباء العظيم في هذه السنة وأخرج أحمد شادّ الشرابخاناه لنيابة صفد وألجيبغا لنيابة طرابلس فاستمرّ أجليبغا بها إلى شهر ربيع الأوّل سنة خمسين فركب إلى دمشق وقتل أرغون شاه بغير مرسوم فأنكر عليه وأمسك وقتل بدمشق.
وفي سنة إحدى وخمسين سار من دمشق عسكر عدّته أربعة اَلاف فارس ومن حلب ألفا فارس إلى مدينة سنجار ومعهم عدّة كثيرة من التركمان فحصروها حتى طلب أهلها الأمان ثم عادوا.
وترشد السلطان واستبدّ بأمره وقبض على منحكُ ويلبغاروس وقبض بمكة على الملك المجاهد صاحب اليمن وقيد وحمل إلى القاهرة فأطلق ثم سجن بقلعة الكرك.
فلما كان يوم الأحد سابع عشر جمادى الاَخرة ركب الأمراء على السلطان وهم: طاز وإخوته ويلبغا الشمسيّ وبيغوا ووقفوا تحت القلعة وصعد الأمير طاز وهولابس إلى القلعة في عدّة وافرة وقبض على السلطان وسجنه بالدور فكانت مدّة ولايته ثلاث سنين وتسعة أشهر وأقيم بدله أخوه الملك الصالح صالح فأقام السلطان حسن مجمعًا على الاشتغال بالعلم وكتب بخطه نسخة من كتاب دلائل النبوّة للبيهقيّ إلى يوم الإثنين ثاني شوّال سنة خمس وخمسين وسبعمائة فأقامه الأمير شيخو العمريّ في السلطنة وقبض على الصالح وكانت مدّة سجنه ثلاث سنين وثلاثة أشهر وأربعة عشر يومًا فرسم بإمساك الأمير طاز وإخراجه لنيابة حلب.
وفي ربيع الأول سنة سبع خمسين هبت ريح عاصفة من ناحية الغرب من أوّل النهار إلى آخر الليل اصفرّ منها الجوّ ثم احمرّ ثم اسودّ فتلف منها شيء كثير.
وفي شعبان سنة تسع وخمسين ضرب الأمير شيخو بعض المماليك بسيف فلم يزل عليلًا حتى مات.
وفي سنة تسع وخمسين كان ضرب الفلوس الجدد فعُمل كلّ فلس زنة مثقال وقبض على الأمير طاز نائب حلب وسجن بالإسكندرية وقرّر مكانه في نيابة حلب الأمير منجك اليوسفيّ وأمسك الأمير صرغتمش في شهر رمضان منها وكانت حرب بين مماليكه ومماليك السلطان انتصر فيها المماليك السلطانية وقُبض على عدّة أمراء فأنعم السلطان على مملوكه يلبغا العمريّ الخاصكيّ بتقدمة ألف عوضًا عن تنكر بغا الماردانيّ أمير مجلس بحكم وفاته.
وفي سنة ستين فر منجك من حلب فلم يوقف له على خبر فأقرّ على نيابة حلب الأمير بيدمر الخوارزميّ وسار لغزو سيس فأخذ أدنه بأمان وأخذ طرسوس والمصيصة وعدة بلاد وأقام بها نوّابًا وعاد فلما كانت سنة اثنتين وستين عدّى السلطان إلى برّ الجيزة وأقام بناحية كوم برًامدّة طويلة لوباء كان بالقاهرة فتنكر الحال بينه وبني الأمير يلبغا إلى ليلة الأربعاء تاسع جمادى الأولى فركب السلطان في جماعة ليكبس على الأمير يلبغا وكان قد أحسن بذلك وخرج عن الخيام وكمن بمكان وهولابس في جماعته فلم يظفر السلطان به ورجع فثار به يلبغا فانكسر بمن معه ومرّ يريد قلعة الجبل فتبعه يلبغا وقد انضم إليه جمع كثير ودخل السلطان إلى القلعة فلم يثبت وركب معه أيدمر الدوادار ليتوجه إلى بلاد الشام ونزل إلى بيت الأمير شرف الدين موسى بن الأزكشيّ أمير حاجب فبعث في الحال إلى الأمير يبلغا يعلمه بمجيء السلطان إليه فبعث من قبضه هو والأمير أيدمر ومن حينئذ لم يوقف له على خبر البتة مع كثرة فحص أتباعه وحواشيه عن قبره وما اَل إليه أمره فكانت مدّة ولايته هذه ثانيهّ ست سنين وسبعة أشهر وأيامًا وكان ملكًا حازمًا مهابًا شجاعًا صاحب حرمة وافرة وكلمة نافذة ودين متين حلف غير مرّة أنه ما لاط.
ولا شرب خمرًا ولا زنى إلاّ أنه كان يبخل ويعجب بالنساء ولا يكاد يصبر عنهنّ ويبالغ في إعطائهنّ المال وعادى في دولته أقباط مصر وقصد اجتثاث أصلهم وكره المماليك وشرع في إقامة أولاد الناس أمراء وترك عشرة بنين وست بنات وكان أشقر أنمش وقتل وله من العمر بضع وعشرون سنة ولم يكن قبله ولا بعده في الدولة التركية مثله.