Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

 هيكل وتعليقه على أيام الغضب

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
الشعب يطالب برحيل مبارك
ردود الأفعال العالمية والمحلية
اليوم الثانى لمظاهرات الغضب
اليوم الثالث من أيام الغضب
جمعة الغضب من أيام الغضب
أيام الغضب بالصحف البريطانية
مبارك يقيل الحكومة
آخر تطورات الاحتجاجات1
تفييرات حكومية بعد أيام الغضب
البرادعى وسط المحتجين
بيان الرئيس ورفض أوباما
هيكل وأيام الغضب
الإخوان أثناء غضب الشعب
جمال مبارك والبلطجية
استقالة جمال والشريف من الوطنى
محاكمة وزير ورئيس الجمهورية
مقتل رئيس مباحث قنا
مسئولية حبيب العادلى
الأقباط ومظاهرات الغضب
إقتحام سجن أبو زعبل
تعديلات دستورية
القبض على مراسلين الصحف
قصة ثورة الشباب1
إغتيالات الإخوان للشرطة
هروب مبارك
ألاثار أثناء ثورة الغضب
إختفاء 72 متظاهراً
تعرض مبارك للغيبوبة بعد ثورة الغضب
تنحية البرئيس مبارك
قائمة بالقتلى والمصابيين والمختفيين
المتظاهرين والإغتصاب الجماعى لأمريكية
فيلا مبارك بشرم الشيخ

Hit Counter

 

الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يكتب عن

«أحداث ٢ فبراير»: ميزان المستقبل أصبح فى يد الجيش.. واستمرارية النظام لا تحدث بحرب استنزاف على الشعب
المصرى اليوم ٣/ ٢/ ٢٠١١
هناك الآن على الساحة المصرية حقائق كبرى تستولى على الأفكار والاهتمامات والشواغل، وهذه الحقائق الكبرى هى الآن صانعة الأحداث والأخبار والمشاهد والصور، وفوق ذلك فهى كاتبة التاريخ الحى الذى يجرى أمامنا وأمام الأمة وأمام العالم.
١- أولى الحقائق الكبرى أن الشعب المصرى خلال هذا الأسبوع أكمل عبوره إلى العصر العالمى الجديد للشعوب الحية والحرة والقادرة على الإمساك بمصائرها، لا تتركه للقياصرة أو السلاطين أو الطغاة، وبهذا فإن ثورة الشباب تكون على وشك استكمال مسيرة طويلة للشعب المصرى وتتويجها.
- تكون قد أكملت حركة «عرابى» ١٨٨١، التى كانت أول تمرد وطنى على السيطرة.
- وتكون قد أكملت ثورة ١٩١٩، التى خرج فيها الشعب وتصدرتها طبقة كبار مُلاك الأرض يطلبون جلاء القوات البريطانية بالمفاوضات، ويطالبون بدستور قبلوه حتى منحة من الملك، آملين فى تطويره بالحوار مع القصر والإنجليز.
- وتكون قد أكملت ثورة سنة ١٩٥٢، التى كانت ثورة قامت بها طلائع من الجيش المصرى، أحاطت بها وساندتها جماهير شعبه، وخاضت معها تجربة ضخمة فى مصر، وفى محيطها وفى عالمها، لكنها لم تستطع تحقيق ديمقراطية كل الشعب بصرف النظر عن الأسباب.
- ثم يكون شباب ٢٠١١ أخيراً قد جاؤوا بشحنة تحتوى كل ما سبقها، وتتجاوزه، لأنه لم يعد تمرد ضباط «عرابى»، أو قيادة كبار ملاك يتفاوضون، أو ثورة طلائع من الجيش ساندتها جماهير الشعب، لكن ظروفها عاقتها عند ثلاثة أرباع الطريق.
- فهذه المرة خرج الشعب كله بجمعه، بأجياله، وبطبقاته، وبطوائفه، بل بالصبا فيه والطفولة، ملايين بعد ملايين، وكذلك فهى لأول مرة فى التاريخ الحديث خروج كامل، وبالثورة الكاملة، وللشعب المصرى بكامله.
وهذه هى القيمة العُظمى لهذه اللحظة
٢- الحقيقة الثانية أن القوات المسلحة المصرية هى موطن القدرة فى فكرة الدولة وأساسها، وليست مجرد أداة تحت سلطة أى نظام يظهر على الساحة، وقد دُفعت القوات المسلحة إلى ميادين الخروج بحقائق الأشياء ذاتها وطبائع الأحوال ذاتها، وهى الآن فى الشارع حكماً فاصلاً بين الشعب أصل الشرعية ومصدرها، وبين سلطة لم تعد تملك إلا ما تقدر عليه من أدوات الإجبار، وليس مقومات الشرعية.
وبذلك فإن القوات المسلحة تجد نفسها فى موقع شديد الحساسية.
من ناحية فهى حامى الشرعية فى البلد.
ومن ناحية أخرى، فإن الشرعية فى هذا المنعطف التاريخى لم تعد فى موقع الحكم، لأن الشعب بملايينه نزع عن الحكم مقومات شرعيته.
والمأزق أن جماهير الملايين التى أمسكت بالشرعية فى يدها، لم تجد حتى هذه اللحظة تعبيراً سياسياً عنها، يستطيع أن يتحدث من موضع ثقة.
وفى المقابل، فإن القوات المسلحة نفسها فى هذه اللحظة تبدو حائرة بين سلطة لم تعد تملك شرعية إصدار أمر إليها على جانب، وعلى جانب آخر، مواقع ومواطن للشرعية ليست لها حتى هذه اللحظة سلطة سياسية تعبر عنها وتستطيع إصدار قرار واضح المعالم، وواجب التنفيذ على القوات المسلحة.
والعقدة أن القوات المسلحة كانت أكثر من اتصل مباشرة بشرعية الملايين، ثم إن القوات المسلحة بظاهر الشكل تتلقى الأمر من الحكم وتلك ليست عقدة سياسة، ولكنها قضية وطن بأسره: ضميره ومصيره!!
٣- والحقيقة الثالثة أن الرئيس «حسنى مبارك» كان فى مقدوره هذه اللحظة - لو تخلى عن العناد - أن يخفف المأزق عن الجميع، لكنه بدلاً من ذلك وضع الجميع، وهو أولهم، فى مأزق أشد استحكاماً وأكثر خطورة.
فقد أعلن إصراره على البقاء على نهاية ما يسميه ولايته (وكنت أفضل أن يستعمل كلمة رئاسته، لأن الولاية معنى مستعار من أزمنة انتهت من قرون)، قال بذلك فى نفس اللحظة التى كانت جماهير الملايين قد أطاحت بشرعية هذه الولاية كما وصفها، فذلك الرفض القاطع الجامع من الناس أصاب الولاية قبل أن يصيب الرئاسة!!
ولو أن الرئيس مضى إلى أبعد ولم يتأخر كثيراً كالعادة، وأعلن حل برلمان يعرف قبل غيره أنه لا يمثل أحداً حتى بنسبة حضور من شاركوا فى انتخابه، ثم إنه يعرف أكثر من غيره من انتقى الأعضاء هنا وهناك، ومن قام بتعليبهم فى الصناديق، ومن أعلن النتائج، ومن احتفى بها - لكانت هناك بارقة أمل.
لكنه ترك مثل هذا المجلس وصلة ما بين رئيس أعلن أنه لن يرشح نفسه، ورئيس جديد أعلن أنه سوف ينقل إليه السلطة سلمياً - وبذلك فقد مد جسراً فى الانتقال لا يمكن أن تمشى عليه حركة سليمة أو مأمونة أو نافعة!!
وأكثر من ذلك فإن الرئيس الذى اعترف بأن مجلس الشعب الذى صنعه وزير الداخلية السابق، والأمين العام للحزب الوطنى السابق، والمطعون فى صحة نسبة للشعب فى السابق واللاحق - ترك هذا المجلس حكماً على تعديل الدستور - على حد ما وصف - وحكماً على المرحلة الباقية من ولايته «كما حددها»، وحكماً على خلفه فى الرئاسة الذى تعهد بأن يسلمه السلطة سلمياً «كما قال» - ثم تحفظ بأن أوصى بالنظر جدياً فى الطعون أمام القضاء ببطلان من تصح فى شأنهم الطعون «وهم كل المجلس تقريباً، لأن ما جرى كان عملية تزوير لا تصح معها حصانة أو بقاء أو مشروعية من أى درجة».
فضلاً عن ذلك فإن قمة السلطة نفسها لم تعد لها - فضلاً عن الشرعية - مهابة قول، أو حرمة قرار، أو نفاذ أمر، ولم يبق لها بعد الآن غير عنف تحاول به إخلاء الأرض أمامها وغسلها ولو بحمام دم لا تدفع هى تكاليفه، معتمدة على احتكار السلاح.
٤- والحقيقة الرابعة أن الموقف كان يحتاج إلى قوى سياسية ناضجة تستطيع أن تمد جسراً يملأ الفراغ بين الشرعية والسلطة، لكن الأحزاب المعترف بها ونحن المعترف بها لا تبدو قادرة، ولعله كان من المبالغة انتظار دور فاعل منها، فالأحزاب السياسية فى مصر ذبلت من زمان بعيد، ولو كانت هذه الأحزاب قادرة، لما كانت هناك حاجة إلى ثورة ٢٣ يوليو أساساً، فقد عجزت هذه الأحزاب لأسباب يطول شرحها عن إزاحة الاحتلال البريطانى، كما عجزت عن وقف الفساد الملكى، والحقيقة أن أكبر هذه الأحزاب وأجدرها بأن يسمى حزباً أضاع قوته فى معاهدة سنة ١٩٣٦، وأضاع شرعيته يوم ٤ فبراير، وفيما بعد ذلك فإن الأحزاب السياسية لم تواتها الفرصة أو لم تواتها الشجاعة لإثبات وجودها وفاعليتها، وظلت على حافة بقايا نظام ٢٣ يوليو، وعلى هامشه، وحين عادت إلى تواجدها، فإنها جاءت بقرار من الرئيس «السادات»، ووفق حدود لم تستطع تجاوزها.
ومع سيطرة قوى النظام - أو ما بقى منه بعد احتقان سنة ١٩٨١ واغتيال رأس السلطة - فإن الأمن فرض مطالبه، ومحصلتها أن الحياة السياسية راحت تجف يوماً بعد يوم، وفى فراغ السياسة ظهرت عوالق وطحالب لا تشير إلى خصوبة، بقدر ما تشير إلى ركود وعفن، فالسياسة فى معناها الحقيقى حوار أفكار ومبادئ وبرامج وتيارات موصولة بجماهيرها وأمتها وعالمها.
٥- والحقيقة الخامسة أن العالم كله القريب فيه والبعيد، والصديق فيه والغريب، أصبح طرفاً موجوداً فى الأزمة، مطلاً عليها ومؤثراً فيها.
وضمن المأزق أنه لم يعد فى مقدور أحد هنا أن يواجه هذا العالم أو يخاطبه من موقع شرعية تترتب عليها أحقية.
فهذا العالم يرى أمامه سلطة لم تعد تملك أهلية تمثيل الوطن، كما أن هذا العالم يرى شرعية جديدة فى مصر، ويتابع مبهوراً حركة شباب هذا الوطن، لكنه لا يعرف شيئاً عن هذا الشباب، فهذا الشباب مشغول بما هو فيه، ومستغرق فى عملية استكمال مهمته التى أخذها على عاتقه، وقد ناداه إليها قلق على أحوال وطن، دعا شبابه لنصرته فى وقت تراجع أخاف كل القوى الوطنية المصرية وعوقها حتى حدث ما حدث، وقد راحت كلها تهرول وراء الشباب تؤيده وتناصره.
لكن المشكلة أن العالم يريد أن يسمع صوت الحقيقة من مصر، فهو يرى حركتها، ويسمع صوتها، لكنه حتى هذه اللحظة لم يستطع أن يترجم ما تقوله، وهو مع الحقيقة فى شرعية ما تمثله، ومشروعية ما تطالب به، لكنه يريد أن يفهم أكثر لكى يعرف على الأقل كيف يتعامل معها.
٦ - والحقيقة السادسة أن هناك بوادر انقضاض على الحق البازغ فى مصر، فهناك - ومن الطبيعى أن يكون هناك هجوم مضاد للثورة - فعلى الأرض وأمام الشباب قوى لها مطالبها، وهناك مصالح لديها ماتريده، وهناك خطايا لا يصح أن تنكشف، وتلك كلها دواع تشد كثيرين إلى حلف غير مقدس، يريد أن يقمع حلما مقدسا تتبدى ملامحه.
إن عناصر من الحزب الوطنى قامت منذ عدة سنوات بدراسة للمهارات التى اكتسبتها بعض الأحزاب فى العالم، وقامت عناصر منها بالتحديد بزيارات ممتدة، وكثيرا ما سمعت ولم أصدق أن اهتمام رُسُل الحزب الوطنى ومبعوثيه كان بالخطط السرية للأحزب التى زاروها وبتحضيراتها لمواجهة الخصوم، سواء كانت هذه الأحزاب فى السلطة أو فى المعارضة، أى أن اهتمامهم كان أكثر بأساليب الفعل المضاد، أكثر من اهتمامهم بأساليب الفعل.
وبعض ما يجرى الآن يشير إلى أن ماتعلموه هناك هو الآن موضوع ممارسة تزيد عليها جهالات الادعاء (بما فيها استخدام الأحصنة والجمال)!!
لكن المعضلة أن ذلك كله لن يجدى، وحتى إذا نجحت مخططات هذا الحلف غير المقدس، فسوف ينشأ فى مصر وضع غير مقنع لأحد: لا فى الداخل ولا فى الخارج، لأنه ببساطة لا يملك شرعية البقاء أو الاستمرار، أو حتى كفاءة الإدارة لإنجاز كل هذه المطالب- من البقاء، إلى الاستمرار، إلى الكفاءة - لأن هذه كلها لا تحدث بحرب استنزاف على شعب، تمارس بالقمع والكبت، وبالتمويه والخداع.
وحتى إذا نجح الانقضاض هنا، فإنه لن ينجح أو على الأقل لن يقنع هناك، وهذا وضع لا يستطيع أن يتحمله بلد فى هذه اللحظة من تطوره، ولا حتى من أمنه القومى بالمعنى الحقيقى للأمن القومى، وهو قوة وقدرة وعصرية شعب له دولة، ومن حوله أمة، وهو فى وسط عالم زاخر يموج بتدافع قوى الحرية والعدل والتقدم.
٧ - والحقيقة السابعة وهى تبدو أمامى - على الأقل - واضحة وجلية- أن ميزان المستقبل أصبح فى يد القوات المسلحة، فهذه القوات- وهى رمز السيادة وأداتها - أمامها الآن مسؤوليات عظمى ليس هناك غيرها من يقوم بها، وأستطيع تصورها خطوة بعد خطوة:
- الخطوة الأولى: تأكيد ماأعلنته من اللحظة الأولى من أنها تتفهم مشروعية مطالب القوى الوطنية والشباب طليعتها.
- والخطوة الثانية: ضمان فترة انتقال تفتح الطريق لوضع جديد يحكمه عقد اجتماعى متحضر يمهد لدستور، لا يكتبه محترف التلفيق والتزوير ولكن قانون، تصدره إرادة شعب حر، وبعدها يجىء دور الصياغة، مع خبراء التشريع والقانون.
- ومع ضمان القوات المسلحة فإنه من الضرورى أن يكون هناك محفل وطنى جامع من عقلاء الأمة، يحملون أمانة مشروعها، بحيث يعكس هذا المحفل- ليس فقط روح شباب ٢٠١١- لكن وجوده المباشر أيضا، وربما كان التأمين الأكبر للمحفل الوطنى الجامع لأمناء الوطن هو أن يتكون من عناصر كلها تحت سن معين - خالص من «كراكيب» الماضى (وأعتبر نفسى بينهم)- حتى يتخفف المستقبل من حمولاتها وأثقالها، وحتى يكون هؤلاء الأمناء على الوطن أقدر على فهم زمان عالمى جديد، عليه أن يتفاهم معه ويتعامل مع قواه، مبرأ من عقد وتعقيدات ترسبت من مراحل انتهى وقتها الأصلى، وانتهى وقتها الإضافى، وانتهى وقتها الضائع!!
أردت أن أقول كلمات سريعة فى موقف لا يتحمل التلكؤ والتربص، ولا الميوعة والغموض، فى انتظار الثغرات والشقوق، تلاعبا بالمقادير وعدواناً على المصائر!!
وإذا كان فى مقدور ماتبقى من النظام أن يستدعى فلوله فإن من حق الشعب أن ينادى جيشه، حفاظا على شرعية الملايين من البشر وليس جموع الأحصنة والجمال!.

***********************

الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يكتب: ١٠ حقائق و٧ مقترحات
المصرى اليوم ٦/ ٢/ ٢٠١١
حقائق الموقف هذه اللحظة عشرة - وخطواته الممكنة الآن سبعة!!
الحقائق العشرة:
١- شعب فى طليعته شبابه الذى فتح أفق المستقبل أمامه.
٢- وجيش يملك ميزان القوة، وهو نفسه جيش الشعب وابنه.
٣- وأزمة حكم سقط ولا يريد أن يرحل، وفى سبيل البقاء، فهو يريد - بغريزة وحش جريح - أن يتمسك بموقفه، وأن ينتقم، ولا يبالى فى سبيل ذلك بأن تحدث فتنة كبرى.
٤- وفى وسط الأزمة زحام من ساسة بغير سياسة، تحركهم أوهام قديمة أو أحلام مستجدة.
٥- وهناك فى خضم هذا الزحام صفوة من الرجال والنساء لا يعرفون كيف يمكن أن يتحركوا فى الأزمة، وكثيرون منهم يتحركون بقوة العاصفة ولكن دون بوصلة!!
٦- لا يوجد من يستطيع بثقة أن يقول إنه يفهم، أو حتى يعرف ما هو المطلوب الآن، فليست هناك جهة أو هيئة سياسية تحظى بقدر من الشرعية أو المرجعية أو المصداقية - وأولها البرلمان المصنوع أخيراً بمجلسيه - بما يساعد هذه الجهة أو الهيئة على الإسهام فى صنع المستقبل.
٧- وهناك عالم مهتم، ومن الصعب رد اهتمامه، لأنه موجود بالواقع وسط الأزمة، وهو يرى جيل الشباب ويستشعر إرادة الشعب، ويرى سلامة الجيش ويلمس مسؤوليته، ويرى - أيضاً - وبجلاء أن هذا النظام لم يعد يقدر على أن يتعامل مع العالم، ولا عاد العالم قادراً على أن يتعامل معه، فضلاً عن ذلك فهناك أمة من المحيط للخليج تتابع ومازالت، وأيديها على قلوبها داعية وراجية.
٨- ومن سوء الحظ أن بعض عناصر هذا النظام تجرب عزل ثورة الشعب عن العالم، بمحاولة إضفاء طابع عليها ينسب ما وقع فى مصر إلى عنصر أو تيار أو جماعة معينة، وذلك خطأ وخطر، لكن بقايا النظام تحاول جاهدة - بمزيج من ضيق الأفق ومخزون الخبث - أن تدفع بهذا الانطباع إلى المواجهة.
كما أن بقايا النظام - بالتوازى مع ذلك - تتصور المراوغة بالحيلة المعروفة فى الإلهاء السياسى، فتقطع بنفسها بعض ذيولها «ثلاثة أو أربعة من الوزراء السابقين، وثلاثة أو أربعة من الأنصار القدامى»، وتلقى بهم على الطريق، لعل مطارديها يتلهون بها، وهذا خطأ فى عالم السياسة والأخلاق، مما قد يجوز فى العالم المظلم للجريمة وعصابات المافيا، لكن عالم السياسة والأخلاق يستدعى العدل قبل أن يفرض العقاب!!
٩- وعنصر الوقت ليس مع أحد، ولكنه ضد الكل، من الأمن والاقتصاد إلى السياسة والقرار، إلى الأمن القومى، إلى ضرورة العودة إلى الأمة والعالم بعد أسبوعين من الفوران حتى درجة الغليان!!
١٠- وعليه فإن أصحاب الحل هذه اللحظة.. شباب وجماهير شعب يعرفون ما لا يريدون، وأوله رحيل رجل واستقامة نظام، لكن هؤلاء الذين يعرفون ما لا يريدون لابد أن تتاح لهم الفرصة، لكى يقرروا ماذا يريدون، وهم يقفون فى ذلك صفاً موازياً وليس معارضاً، لجيش وطنى موجود بقيمته ومسؤوليته، وهو بفكرة الدساتير بأسرها - ومنذ ظهورها وكتابتها - حامى الشرعية الوطنية، وحامى الأمن القومى، ولابد بين الشعب والجيش الآن من لقاء.
ولا يمكن لهذا اللقاء أن يتم إلا بضمانة من الثقة، لابد أن تتوفر، لكى يتنفس الشعب بحرية، ويلتقط أنفاسه بهدوء، ويتكلم بأمان، ويقدر مسار خطاه بوعى واقتدار.
وهنا وقبل الوصول إلى الحلول الخمسة، تثور نقطة لابد أن تواجه بأمانة وجد واحترام للنفس وللعصر ولحقائق الأشياء، وهى الكلام عن إجراءات دستورية لترتيب الانتقال.
ذلك أن تطورات أحوال متلاحقة أصبحت تقتضى تحولات سياسية كبرى فى الفكر والفعل، وليس صيغاً وعبارات تتزى برداء القانون، وذلك لأسباب بدهية - بداهة طلوع الشمس وغروبها بينها:
 أن الدستور المعمول به الآن، والذى جرى ترقيعه عدة مرات ليتسع لكل ما عاشته مصر من تضليل طوال سنوات بالعشرات - لم يعد يصلح قاعدة أو سنداً لأية ترتيبات لبداية جديدة، فلا أحد يستطيع تحويل الخرق البالية إلى ثوب جديد، إلا إذا كنا نريد البحث عن نافذة من سجن يهرب منها المستقبل عبر الأسوار، لأن المستقبل لا يهرب من نافذة سجن، وإنما ينطلق بإزاحة كل الأسوار.
 أن الشعب وهو مصدر الشرعية قال كلمته، وأظهر إرادته، ووضع الأساس لشرعية جديدة يمكن التعبير عنها بدستور جديد يصدر عن جمعية تأسيسية منتخبة بعد فترة انتقالية، تفتح الباب لعودة السياسة إلى الوطن مرة أخرى، وتسمح لأجيال جديدة من الشباب بأن تشارك فى حوار المستقبل الذى يقيمه ويحصنه الدستور الجديد، ولقد كان الخطأ المتكرر فى تاريخنا باستمرار هو أن مشروعات الدساتير كتبها قانونيون بطلب من سلطة، ثم جرى عرضها على الشعب، وهذا استهتار بالسياق التاريخى فى وضع الدساتير، فالدستور يختلف عن القانون، لأن الدستور عقد وطنى سياسى واجتماعى، يعبر عن مشيئة الأمة، وأما القانون فعملية تنظيم لاحتياجات الشعب وأمنه، وعلاقات الجماعات والأفراد ببعضهم، بما فى ذلك خياراتهم فى مجالات حياتهم المتنوعة، وضمان مستقبلهم المشترك.
 والقول بتعديل الدستور فى عدة مواد ثار حولها اللغط، والترتيب للمستقبل على أساسها يتطلب مراجعة، لأنه ليس فى مقدور أحد أن يسد ثغرة ما جرى بأى عملية «ترقيع».
- فرئيس الدولة حامى ذلك الدستور انتهى سياسياً وعملياً.
- والدستور نفسه مهلهل.
- والمجلس المكلف بإعادة ترميم بعض مواده المتهالكة - هو نفسه مجلس مزور.
وأن يكون لهذا المجلس الذى يُراد فتح باب الطعون فى صحة عضوية من احتلوه بالتزوير، مسؤولية سد الفراغ وهم لسوء الحظ أغلبية فيه - نوع من التلفيق بعد الترقيع وبعد التزوير، وفى مطلق الأحوال فكيف يمكن أن يؤتمن على الدستور مجلس قام على التزوير؟! - وأقسم أعضاؤه اليمين على باطل؟! - وصفقوا جماعة بخطاب عرش تهاوت قوائمه؟!!
 وربما يقول قائل - وهو على حق - إن المرحلة الانتقالية نفسها لابد أن تكون لها ضمانات دستورية، وهنا فإنه يمكن للدستور الحالى أن يستمر حتى يحل بدله دستور من إملاء الشعب، ولكن بعد إخلاء ما يكمن فى مواده من أثقال على الحريات العامة، والقيود التى تعوق العمل السياسى، ومطالب التفكير الحر والتعبير النزيه - وبدلاً من «الترقيع» فإنه يمكن بجانب ذلك إعلان مبادئ ركيزتها إعلان حقوق الإنسان المؤكدة للحريات العامة، وفيها حرية التفكير والتعبير والتنظيم والكرامة المكفولة لكل إنسان، وأن يكون ذلك فى وجود «مجلس قانون» مكون من المحكمة الدستورية العليا، والمحكمة الإدارية العليا لمجلس الدولة، وبمشاركة مجلس «أمناء على الوطن» يتم اختيارهم بعيداً عن ذلك التسابق المهين لركوب الموج، وتلك ظاهرة عرفتها وعانت منها كل الثورات فى التاريخ.
أقول بذلك وأنا أعرف وأقدر وأحترم فكرة القانون، وأظنها - وقد قلت ذلك مراراً وتكراراً فى كل الظروف - أفضل ما أنتجه الفكر الإنسانى على طول العصور، فلولا فكرة القانون ما استقر مجتمع، ولا تقدم بشر، ولا تحرك زمان، لكن الدساتير وهى القانون الأعلى فى المجتمعات ليست مسألة صياغة، وإنما هى مسألة إرادة - وليست مسألة نصوص وإنما مسألة قيم، وهنا فإن إرادة الشعب وقيمه هى الأصل، وليست الصياغة والنص.
ولنتذكر أنه بمنطق الصياغة والنص فى الدستور فإن كل الملايين التى خرجت لتسقط شرعية الحكم الشخصى يعتبرون متمردين وعصاة - يصح تأديبهم أكثر مما تصح الاستجابة لطلباتهم.
- النص حق إذا كان تعبيراً عن حقيقة وإرادة خالصة لشعب.
- والنص باطل إذا جاء ليحقق شهوة فى سلطة لا أحد يعرف من أين وإلى أين!!
والنص عاجز إذا كان مجرد كلمات وجمل ومواد يكتبها المبتدئون أو الراسخون فى فن الصياغات.
 أنتقل الآن إلى سبع خطوات إلى المستقبل «وكفانا ما مضى من عذاب الانتظار، وتكاليفه المادية والمعنوية».
١- خروج الرئيس «حسنى مبارك» من رئاسة الدولة، وابتعاده عن الساحة، دون إضاعة فرصة أو مداورة، وتعلل بالفوضى، وذلك حتى يرتفع ثقل وجوده عن المشهد كله، فاستمرار هذا الوجود تعقيد لا مبرر له، وتعطيل لما ينبغى بعده، فالشعب كله حاضر، والكنيسة مضاءة، والمسجد عامر، والشباب هناك، وأكثر من ذلك فإن ذلك الرئيس لم يعد قادراً على مواجهة طرف داخلى أو خارجى، ولا قادراً على أن يقدم أوراق اعتماده لطرف عربى أو دولى يسمع له أو يقبل منه، كما أن القول بالانتظار والصبر لم يبق له مجال يحتمل الاستمرار، ولا داعى لهذا الوقوف، لأن هذا الوضع ستة شهور من القلق والشك والتربص.
٢- إعلان من القوات المسلحة مسؤوليتها والتزامها بحماية الشعب والتعهد بكامل مطالبه.
٣- إعلان قيام مجلس قانون يمسك فى يده بالشرائع والقواعد، ومعه ما يصلح من الدستور القائم، ومعه أيضاً ما هو مقبول ومعمول به فى عالم النور والحضارة.
٤- إعلان قيام مجلس لأمناء الشعب بتمثيل محقق للشباب.
٥- إعلان فترة انتقالية كافية لحوار جاد لا يضغط عليه دستور تهاوت أسسه بتهاوى شرعية من أصدروه.
٦ - تشكيل حكومة قوية تجمع بين الأفضل ممن يمكن الوثوق بهم ممن يعرفون الحقائق، إلى جانب من يمكن الاطمئنان إليهم ممن يحملون نبض الأمل، فلا يمكن لصالح هذا البلد «ولا هو وقع فى كل الثورات من قبل» أن يكون هناك حائط من الفولاذ بين ما كان فى وطن، وما ينبغى أن يكون فيه.
٧- وأضيف هنا أننى أحترم العسكريين الأربعة الذين وضعتهم الأقدار الآن فى موقع القرار: «عمر سليمان» - و«أحمد شفيق» - و«محمد حسين طنطاوى» - و«سامى عنان».
أحترمهم باعتبارهم من رجال هذا الجيش الذى لم يعد هناك الآن - بجانب أجيال الشباب وقوى الشعب العارف والواثق بنفسه - قوة مؤثرة وفاعلة فى المستقبل غيره.
وأحترمهم وأنا أعرف أن مسيرة التاريخ المصرى والمستقبل هذه الساعة فى أيديهم، وفيها حياة الشعب ودمه، وفيها الوطن ومستقبله.
أقول ذلك وأنا رجل يدرك المحاذير، ويقدر المسؤوليات، ويتفهم - بقدر ما هو إنسانى - مشاق الاختيار ومزالقه فى هذا الظرف من الزمان!!
وتحت درع القوات المسلحة تستطيع جموع هذا الوطن أن تهدأ، ويستطيع العقل أن يؤدى دوره، ويستطيع الأمل أن يجد أفقه بعيداً عن ضياع الساسة وتخبطهم، وصخب الإعلام وألوانه وأضوائه.
فلابد أن تتاح للشعب فرصة أن يتكلم ويُسمع ويطاع ولابد أن ينفتح الطريق للتاريخ.
--- أقول ذلك كرجل لا يملك غير فكره.. ولا يطلب دوراً من أى نوع ودرجة، فهو بالطبيعة قرب الغروب وعلى حافته.. ولا يطلب أكثر من أن يطمئن على وطنه ويستريح - قبل أن يغمض عينيه وينام.

This site was last updated 02/07/11