Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

مقدمة تفسير مجمل الأناجيل الأربعة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس  http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
مقدمة تفسير متى
تفسير (مت 1: 1- 17
تفسير  (مت 1: 18
تفسير (مت 1: 19 - 24)
تفسير (متى 2: 1- 12
تفسير (مت 2: 13 - 23
تفسير (مت  3: 1-6
تفسير (مت 3: 7-12
تفسير (مت 3: 13-17
تفسير (متى 4 : 1- 11
تفسير (متى 4: 12- 17)
تفسير (متى 4: 18- 25
تفسير (متى5: 1-  12
تفسير (مت 5: 13- 26
تفسير  (متى 5: 27- 48
تفسير متى 6: 1- 15
تفسير متى 6: 16- 34
تفسير متى الإصحاح7
تفسير متى الإصحاح 8
تفسير متى 9: 1- 17
تفسير متى 9: 18- 38
تفسير متى 10: 1- 23
تفسير متى 10: 24- 42
تفسير متى الإصحاح 11
تفسير متى 12: 1- 21
تفسير متى 12: 22- 50
تفسير متى 13: 1- 32
تفسير متى 13: 33- 58
تفسير متى الإصحاح14
تفسير متى 15: 1- 20
تفسير متى 15: 21- 39
تفسير متى الإصحاح16
تفسير متى الإصحاح17
تفسير متى الإصحاح18
تفسير متى الإصحاح19
تفسير متى الاصحاح20
تفسير متى 21: 1- 22
تفسير متى 21: 23- 46
تفسير متى 22: 1- 22
تفسير متى 22: 23- 46
تفسير متى 23: 1- 22
تفسير متى 23: 23- 39
تفسير متى 24: 1- 22
تفسير متى 24: 23- 51
تفسير متى الإصحاح25
تفسير متى 26: 1- 25
تفسير متى 26: 26- 46
تفسير متى 36: 47- 75
تفسير (مت 27: 1- 26)
تفسير (مت 27 : 27- 44)
فسير (مت 27 : 45- 66)
تفسير متى الفصل 28
جدول بالتآريخ والحكام  بإسرائيل ومصر
إقتباسات متّى من العهد القديم
Untitled 8095
Untitled 8102
Untitled 8410
Untitled 8411

مقدمة تفسير مجمل الأناجيل الأربعة
 فى هذا الفصل جمعنا نسب السيد المسيح من جهة الجسد الذى ورد فى إنجيل متى وإنجيل لوقا - ولاهوته من جهة كلمة الإله من إنجيل يوحنا
أولا : إنجيل متى
 من هو كاتب إنجيل متى؟
كاتب هذا الأنجيل هو متى ولهذا يطلق عليه لقب الإنجيلي، هو أحد الاثنى عشر تلميذًا، وأسماء شخصيات الكتاب المقدس بلا إستثناء لها معنى وإسم "متّى" يعني "عطيّة الله"، وبالعبرانيّة "نثنائيل"، وباليونانيّة "ثيودورس"، وباللغة العربية "تادرس". وفى لحظة دعوة السيد المسيح لمتى من مكان جباية الضرائب تحول قلبه من محبّة المال وأخرجت قلبه خارج الجباية وهكذا إنطبق عليه العبارة التى تقول "يغير فى لحظة .. يسوع يغير"
فقد كان كان عشّارًا اسمه لاوي واسم أبيه حلفى . رآه السيّد المسيح جالسًا عند مكان الجباية فقال له: اتبعني، فقام وتبعه (مت9: 9؛ مر2: 14؛ لو5: 29). ترك لاوي الجباية التي كان اليهود يتطلّعون إليها ببغضة بل ويبغضون من يعمل فيها فما بال القارئ أنه كان لا ويا أى من سبط لاوى السبط المقدس لخدمة الرب ، واصبح جابيا للسلطة الرومانيّة المستبدة، وعلامة إذلال الشعب اليهودى لحساب المستعمر الروماني المستغلّ. وقد سجّل لنا معلّمنا لوقا البشير الوليمة الكبرى التي صنعها لاوي للسيّد في بيته، ودعا إليها أصدقاءه السابقين من عشّارين وخطاة حتى حفله لتركه أفعاله القديمه ودعوه لهم ليعرفوا السيّد المسيح بأنفسهم (لو5: 29) الأمر الذي أثار معلّمي اليهود، قائلين للتلاميذ: لماذا يأكل معلّمكم مع العشّارين والخطاة؟ أمّا هو فأجاب: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى، لم آت لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة" (مت9: 11-12).
لغة الكتابة
كتب متى الإنجيل باللغة العبرية وخاصة لليهود ويقول بابياس أسقف هيرابوليس عام 118 م. أن متّى كتب الإنجيل باللغة العبرية، وكل واحد ترجمها إلى لغته . وهذا ما أكّده القدّيس إيريناؤس والعلامة أوريجينوس والقدّيسان كيرلس الأورشليمي وأبيفانيوس. ويروي لنا المؤرخ يوسابيوس أن القدّيس بنتينوس في زيارته إلى الهند وجد إنجيل متّى باللسان العبري لدى المؤمنين تركه لهم برثولماوس الرسول.
تاريخ كتابته
كتب متى الإنجيل فى الربع الثالث من القرن الأول وبعد إنجيل معلّمنا مرقس الرسول ببضع سنوات وقبل خراب الهيكل اليهودي سنة 70م حيث يتحدّث عنه كنبوّة لا كواقعة قد تمت.
مكان كتابته
يرى التقليد وكذلك  آباء الكنيسة الأولى أن الإنجيل كُتب في ألأراضى المقدسة وإن كان بعض الباحثين رأوا أنه كُتب في إنطاكيّة أو فينيقيّة.
 
غرض الكتابة
1. كتب القدّيس متّى إنجيله باللغة العبرية وخاصة لليهود الذين كانوا ولا يزالوا ينتظرون المسيّا كرجب محارب وينتهى بالملك عليهم  ومتى كباقى التلاميذ والرسل يهودي تتلمذ للسيّد المسيح يكتب لإخوته اليهود ليُعلن لهم أن المسيّا المنتظر قد جاء لخلاصهم كما هو مكتوب فى الأنبياء ، فكان يستعير كثير من نبوات أشعياء النبى عن المسيا ليوضح لهم المفهوم الذى أراده الرب عن مجئ االمسيا كما صحّحً مفهومهم  للملكوت وأن أرض الموعد، إنّما هو ملكوت سماوي (مت13: 43؛ 25: 34)؛ (7: 21؛ 8: 11؛ 16: 28) وليس مملكة زمانية ووطن أرضية
لقد كرّر كلمة "ابن داود" لتأكيد أن "المسيّا" هو الملك الخارج من سبط يهوذا ليملك، وأوضح لهم أن المسيح ولد فى بيت لحم اليهودية ونشأ فى ناصرة الجليل الأمر الذى كان فى فكر الفريسيين لأنهم ظنوا أن المسيح جليلى

2. حمل هذا الإنجيل أيضًا جانبًا دفاعيًا عن السيّد المسيح ضد الأفكار اليهودية  لهذا تحدّث بوضوح عن ظهور الملاك وميلاده من عذراء، ودافع الملاك عنها أمام خطيبها، وروى تفاصيل قصّة القيامة والرشوة التي دفعها شيوخ الهيكل ورؤساء كهنة اليهود للجند وفبركة الإتهامات ومخامته ثلاث محاكمات فى ليلة واحدة
سماته
كان متى لاويا من سبط لاوى أى أنه تربى وحفظ ودرس العهد القديم دراسة وافية من الصغر ويمكن ملاحظة سمات الكاتب الأدبيّة واضحة فى الإنجيل الذى كتبه لهذا  اتسم هذا الإنجيل بالوضوح والإختصار ومطابقات وتوازن في اللغة. وبسبب هذه السمات استخدم الإنجيل بطريقة واسعة في الأغراض الليتورجيّة كما استخدم هذا الإنجيل في الاقتباسات الواردة في كتابات الكنيسة الأولى أكثر من غيره ولعلّ نشره للموعظة على الجبل بطريقة تفصيليّة كدستور للحياة المسيحيّة كان له أثره على المؤمنين زكانت سببا لمليارات من الناس للإيمان بالمسيحية . أمّا سماته فهي:

1. إذ كتب متّى الإنجيلي هذا الإنجيل لليهود أوضح العلاقة الأكيدة بين المسيحيّة والعهد القديم وأن المسيحية ما هى إلا إمتداد للعهد القديم  وأن المسيا هو ما ذكر عنه في نبوّات العهد القديم التي تحقّقت فعليا وروحيًا في المسيح يسوع ربنا. لقد أشار إلى حوالي 60 نبوّة من العهد القديم، كما تكرّرت كلمة الملكوت حوالي 55 مرّة، وذُكر السيّد المسيح كابن لداود ثمان مرّات، معلنًا أنه الموعود به. لقد حمل هذا الإنجيل جوًا يهوديًا أكثر من غيره، فيفترض في القارئ معرفة العبريّة (5: 19)، يستعمل التعبيرات المفضّلة عند اليهود كدعوة أورشليم بالمدينة المقدّسة (4: 5؛ 27: 52-53)، والهيكل بالمكان المقدّس (24: 15). يتحدّث عن أسس الأعمال الصالحة الثلاثة عند اليهود، أي الصدقة والصلاة والصوم (6: 1-8، 16-18)، وعن واجبات الكهنة في الهيكل (12: 5) وضريبة الهيكل (17: 24-27)، والعشور (23: 23) وغسل الأيدي علامة التطهير من الدم (27: 24) وغيرها من العادات اليهودية الخ.

أوضح أن المسيح لم يأتِ ليحتقر العهد القديم، بل ليكمله ويصحح مفهوم اليهود عن كثير من الأشياء التى كانت غير مفهومة مثل العبادات الشكلية والهيكل كبيت للإله وحفظ السبت والتطهير وغيرها ، من جهة الناموس والوصيّة وتحقيق ما جاء به من وعود خاصة بالخلاص. هذا التحقيق لم يتمّ فقط خلال تعاليم السيّد المسيح، وإنما أيضًا خلال شخصه كمخلّصٍ وفادٍ.

هذا ما دفع بعض الدارسين إلى إعتبار أن هذا الإنجيل عبارة عن بحث حاخاميّ مسيحيّ يكشف عن إعلان يظهر فيه السيّد المسيح المخفي بين آيات العهد القديم.

2. ,اظهر متّى الإنجيلي لليهود أخطائهم، فيقول عن قائد المائة الروماني: "لم أجد ولا في إسرائيل إيمانا بمقدار هذا، وأقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتّكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السماوات، وأما بنو الملكوت فيُطرحون إلى الظلمة الخارجيّة" (8: 10، 12). وقوله: "ابن الإنسان يُسلّم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت" (20: 18)، وأيضًا: "ملكوت الله ينزع منكم ويعطي لأمّة تعمل أثماره" (21: 43). منتقدًا تفسيرهم الحرفي لحفظ السبت (12: 1-13)، واهتمامهم بالمظهر الخارجي للعبادة (6: 2، 5، 16)، وانحرافهم وراء بعض التقاليد المناقضة للوصيّة (15: 3-9)، مؤكدًا لالتزامهم بالوصايا الشريعيّة حتى تلك التي ينطق بها الكتبة والفرّيسيّون مع نقده الشديد لريائهم (ص23) الخ.

3. إن كان هذا الإنجيل موجه لليهود وباللغة العبرانية لكنّه لم يغفل القارئ الأممي، لوجود جاليات أممية فى الأراضى المقدسة فى ذلك الوقت فيشرح له بعض الألفاظ المعروفة لدي اليهود كقوله: "عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (1: 23)، "موضع يقال له جلجثّة، وهو المُسمّى موضع الجمجمة" (27: 33). وشرح بعض النواحي الجغرافيّة، كقوله: "وأتى وسكن في كفرناحوم التي عند البحر في تخوم زبولون ونفتاليم" (4: 13). وشرح المعتقدات التي يعرفها اليهودي مثل: "جاء إليه صدّيقيّون، الذين يقولون ليس قيامة" (22: 23)، وأيضًا عادات يهوديّة مثل "كان الوالي معتادًا في العيد أن يطلق لهم أسيرًا واحدًا من أرادوه" (27: 15).

4. مع اهتمام الإنجيلي بالعادات والتقاليد والعهد القديم اليهوديّة ليس فقط بالالتجاء إلى نبوّات العهد القديم، وإنما أيضًا بالالتزام بالوصايا الناموسيّة (5: 8)، وتعاليم الكتبة والفريسيين الجالسين على كرسي موسى (23: 2)، بطريقة روحيّة عميقة وجديدة، أعلن السيّد أنه مُرسل لخراف إسرائيل الضالة (15: 24)، ويرجع نسبه إلى إبراهيم أب اليهود، وينقسم إلى ثلاثة أقسام تتكون من 14 جيلًا عن كل قسم بطريقة حاخاميّة، وأنه ابن داود المنتظر الذي يدخل المدينة المقدّسة كغالبٍ. هذه جميعها تُشير إلى تحقيقات أمنيات اليهود لكن الإنجيلي لم يقف عند هذا الحد؛ أيضًا عند الخصوصيات اليهوديّة بل انطلق بفكرهم إلى الرسالة الإنجيليّة الجامعيّة، معلنًا ظهور إسرائيل الجديد الذي لا يقف عند الحدود الضيقة. فقد ورد في نسب السيّد أمميّات غريبات الجنس، وفي طفولته هرب إلى مصر كملجأ له، معلنًا احتضان الأمم لملكوته (2: 13)، وفي لقاءاته مع بعض الأمميّين والأمميّات كان يمدحهم معلنًا قوّة إيمانهم، وفي نفس الوقت هاجم الكتبة والفرّيسيّين في ريائهم وضيق أفقهم وفي مثل الكرم تحدّث عن تسليم الكرم إلى كرّامين آخرين (21: 33)، وكأنه انطلق بهم من الفهم الضيّق المتعصّب إلى الفهم الروحي الجديد وإعلان الرسالة العظيمة الممتدة إلى جميع الأمم، حيث ختم السفر بكلمات السيّد الوداعيّة: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم" (28: 19).
الجانب اللاهوتي
يمكن إعتبار إنجيل متّى هو ألإنجيل الذى يبدأ وينتهى  بالملكوت بل أن مركزه "ملكوت السماوات" في االعظات التعليميّة للسيّد المسيح كما في أمثاله ومعجزاته. هذا الملكوت هو ملكوت المستقبل (25: 34؛ 7: 21؛ 8: 11؛ 16: 28)، لكنّه يبدأ من الآن في حياتنا كحقيقة حاضرة (12: 28؛ 4: 17؛ 5: 3؛ 11: 3). كأن ملكوت السماوات قد بدأ فعلًا بمجيء السيّد المسيح وسكناه في قلوبنا ليُعلن بكماله في مجيئه الأخير.

ورب الملكوت هو "المسيّا" المخلّص الذي كشف الإنجيل عن سلطانه الملوكي والروحى يجلس فى قلب الإنسان لأن ملكوت الله داخلكم ، موضّحًا أنه فيه تمّ المكتوب، وتحقّقت المواعيد الإلهيّة، وتمتّعت الشعوب بمشتهى الأمم! إنه موسى الجديد على المخلص الذى خلص شعبه ليس من فرعون ولكن الشيطان الذى كان يسير فرعون ، يصوم أربعين يومًا، ويجرّب على الجبل ليغلب باسم شعبه وتخدمه الملائكة، يكمّل الشريعة الموسويّة لا بتسلّم وصايا على حجر منقوش بل يتكلّم بسلطان من عنده، يُشبع الجموع التي في القفر، ويتجلّى أمام تلاميذه مستدعيًا موسى وإيليّا ومتحدّثًا معهما! إنه ابن الله، لكنّه هو أيضًا ابن الإنسان، إذ حلّ في وسطنا ليدخل بنا إلى أمجاده. لهذا يدعوه "ابن الإنسان" في مواقف المجد الفائق.
الجانب الكنسي
 إنجيل متّى البشيرالوحيد بين الإنجيليّين يسجّل عاليم خاصة بالكنيسة بطريقة صريحة وواضحة على لسان السيّد المسيح، الذي نُسب إليه استخدام كلمة "إككليسيّا" مرّتين في عبارتين غاية في الأهمّية: فتحدّث عن أساس الكنيسة: صخرة الإيمان، قائلًا لبطرس الرسول حين أعلن إيمانه به، "على هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت16: 18). كما تحدّث عن سلطان الكنيسة. "وإن لم يسمع منهم فقُل للكنيسة، وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشّار. الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء، وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولًا في السماء" (18: 17-18).

هذا يكشف لنا عن اهتمام الإنجيلي متّى بالأمور الكنسيّة. والملاحظ أنه يؤكّد سرّ الكنيسة كحضرة الله وسط شعبه، وفي قلوبهم بطريقة وبأخرى عَبْر السفر كله، فيفتحه بحديث الملاك للقدّيس يوسف عن السيّد المسيح: "ويدعون اسمه عمّانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (1: 23). وينقل إلينا حديث السيّد مع تلاميذه مقدّمًا لنا صورة مبسّطة للكنيسة المحليّة، بقوله: "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (18: 20). كما أوضح السيّد الكنيسة الخفيّة في قلب الشاهد للحق، خاصة خلال عمله الرسولي بقوله: "من يقبلكم يقبلني" (10: 40)، "من قبِل ولدًا واحدًا مثل هذا باسمي فقد قبلني" (18: 5) (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). كما يظهر معيّته مع شعبه المحتاج والمتألّم بقوله في اليوم الأخير: "بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي الأصاغر فبي فعلتم" (25: 40). ويرى العلامة ترتليان أن الإنجيلي متّى في عرضه لملاقاة السيّد مع تلاميذه داخل السفينة وسط الرياح الثائرة صورة حيّة للكنيسة التي تستمد سلامها من السيّد المسيح الساكن فيها والمتجلّي داخلها بالرغم ممّا يثيره الشيطان من اضطرابات ومضايقات. أخيرًا فإن الإنجيلي يختم السفر بكلمات السيّد لتلاميذه أن يتلمذوا جميع الأمم ويعمّدوهم ويعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصاهم به (28: 19، 20) مؤكدًا معيّته معهم كل الأيام إلى انقضاء الدهر (28: 20)، وكأن الكنيسة ممتدة من حيث المكان لتشمل الأمم ومن حيث الزمان إلى مجيئه الأخير لتعيش معه وجهًا لوجه!

 

.

**********
فكرى فهمى
 قد يتصور البعض أن الأحداث والمعجزات والتعاليم والعظات تأتي في الأناجيل بطريقة عشوائية، فلا ترابط بين حدث وما قبله وما بعده. وهذا خطأ. فالأحداث مترابطة، وكل حدث يشرح ما قبله ويمهد لما يأتي بعده.
والإنجيل بل الأناجيل كلها ليست تأريخ لحياة المسيح بقدر ما هي عرض لفكرة معينة يريدها الإنجيلي أن تصل إلينا.
فنجد إنجيل متى يبدأ بقوله " كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم .... "
وداود هو الملك الأشهر في تاريخ إسرائيل وقيل عن ابنه " هو يبنى بيتًا لإسمى وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد" (2صم 13:7). وقيل عنه أيضًا " أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه. من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك.." (مز 11:132، 12). وحيث أن كرسي هذا الابن الموعود به يستمر للأبد فهذا يشير للمسيح ابن داود (رؤ 16:22)
وإبراهيم هو الذي بدأت به قصة الخلاص حينما اختاره الله وأمره بالذهاب إلى أرض الميعاد ومنه خرج شعب أتى منه المسيح المخلص فتحقق قول الله لإبراهيم "يتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك 18:22)
وقصة تقديم ابراهيم ابنه ذبيحة هي رمز واضح للفداء. إذاً ما أراد متى أن يقوله بأن المسيح هو إبن داود إبن إبراهيم.. هو أن المسيح أتى ليخلص ويؤسس مملكة هي "ملكوت السموات". وإنجيل القديس متى كله يشرح ما هو الخلاص، وما هي هذه المملكة، وكيف يؤسسها المسيح في أحداث مترابطة.
ويقول الملاك ليوسف أن هذا المولود اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا.
فيسوع المسيح هو الله ظهر في الجسد. والله حياة والله قدوس فحينما اتحد بجسد بشريتنا صارت لنا حياة أبدية. وصار لنا أن يحل الروح القدس فينا ويملأنا محبة (رو 5:5) فنمتلئ فرحًا (غل 22:5-23) وننتصر على الخطية " عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد" (1تى 16:3) وصار الشيطان تحت أقدامنا
(لو 19:10) ولذلك يطلب السيد المسيح منا أن نثبت فيه فيكون لنا كل هذا (يو 4:15). وكل من يثبت في المسيح ينضم لمملكته أي لملكوت السموات الذي أتى المسيح ليؤسسه بأن نهب بيت الشيطان القوى ونهب أمتعته بعد أن ربطه (مت 29:12) وأمتعته كانت نحن ولكن المسيح حررنا منه فصرنا للمسيح.
*******
الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ـ تفسير انجيل متى – مار ديونيسيوس ابن الصليبي
 كتابُ ميلادِ يسوعَ المسيحِ ابنِ داودَ ابنِ إِبراهم :

لم يقل متّى ، كقول الانبياء ، قال لي الرب . ولم يقل ، كقول الأنبياء الكذبة لليهود التابعين لهم ، قد رأيت رؤيا . فمتّى كان يكتب للمؤمنين فلم يتشبه بالأنبياء ولم يكتب اسمه في الكتاب لانه كان يكتب اخباراً للمقريبن منه . اما بولس ، بداعي كتابته للبعيدين ، كان يعنّون كل رسالة بإسمه . قال متى ( كتاب ميلاد ) لان ابتداء جميع الصالحات هو الميلاد ، وذلك جرياً على ما فعله موسى النبي اذ سمّى كتابه ” كتاب الخليقة ” لانه ضمّنه الأمور التي حدثت في العالم مدة ألفين ومئتين وستة عشر سنة . كما أنه دعا كتاباً آخر ” سفر الخروج ” لانه ضمّنه رواية خروج الشعب من مصر . وهكذا سمّى متّى كتابه كتاب ميلاد لأنه ضمّنه خبر ولادة الله بالجسد وتدبيره وسياسته وحكمته في خلاص العالم . وقد جرت العادة ان يتّّصف الشئ بأشرف أجزائه ، لذلك وصف كتابه باسم ( كتاب ميلاد ) لا كتاب عماد أو صلب أو قيامة ، حالة كون العماد هو بدء الانجيل . لكن الانجيلي فضّل تقديم ذكر الميلاد ، ليعلّم العبرانيين ان هذا هو المسيح الذي وعد الله ابراهيم وداود بظهوره بالجسد من زرعهما وهو واهب الانجيل الشريف .

ويقال الميلاد بانواع شتى : اولاً ، الميلاد من المرأة . ثانياً ، الميلاد من المعمودية كقوله : ” إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله ” ( يوحنا 3 : 5 ) . ثالثاً، الميلاد من القبر كقوله : ” من سمع مثل هذا ؟ من رأى مثل هذه ؟ هل تمْخَضُ بلاد في يوم واحد أو تولد أمة دفعة واحدة فقد مخضت صهيون بل ولدت بنيها ” ( 1شعيا 66 : 8 ) . رابعاً ، يطلق الميلاد على قبول الكرازة والإيمان كقول بولس الرسول : ” لأني انا ولدتكم في المسيح يسوع بالانجيل ” ( 1 كورنثوس 4 : 15 ) . وقوله : ” وهو قد شاء أن يلدنا بكلمة الحق ” وكقول سليمان الحكيم : ” لا تفتخر بالغد لانك لا تعرف ماذا يلده يوم ” ( امثال 27 : 1 ) ، وقول النبي : ” ان الاثيم قد تمخض وحبل زوراً وولد افكاً ” . خامساً ، كمثل الشعاع والاشراق الذي يتولد من الشمس والنار . والميلاد الازلي كميلاد الابن من الآب ازلياً ، أما هنا فلا يقصد متى ولادة الابن الازلية من الآب بل الولادة الزمنية التي من البتول . على ان الكتاب ذكر ولادة أبرار كثيرين ولكنه لم يعنّون سفراً واحداً بولادة احدهم ما عدا المسيح فقط ، كي يعلم بهذا انه ليس انساناً عادياً لكنه إله قد تأنّس ، وانه لم يولد من أب وأم كعادة الناس بل وُلد بخلاف الطبيعة ولد من الروح القدس ومن العذراء . وقد ابتدأ متى أيضا من المواليد ليبيّن ان المسيح هو ابن يوسف ابن داود ، وإن ظنّ به اليهود انه من يوسف غير عارفين ببنوته الازلية ، لان داود هو ابو يوسف بدليل جدول تلك النسبة

وقد سمّى اليونان سفر الخليقة باسم سفر التكوين لأن التكوين يقال على تسعة أنواع : اولاً ، كون الشيء من لا شيء كتكوين السماء والارض من لا شئ . ثانياً ، من شيء تكوّن كالرقيع والاشجار التي تكوّنت من مادة تقدمت وجودها . ثالثاً ، بمطلق القول كقوله تعالى : ” هو ذا الانسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشر ” ( تكوين 3 : 22 ) . رابعاً ، بالانقلاب والتغيير مثل امرأة لوط التي صارت عمود ملح . خامساً ، غير مشير الى شخص ما نحو : ” وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً ” ( تكوين 1 : 13 ) . سادساً ، على سبيل المعونة نحو قوله : ” وكان الرب مع يوسف فكان رجلاً صالحاً ” ( تكوين 39 : 2 ) . سابعاً ، كالكون في زمان كقوله : ” وكنت كإنسان لا يسمع ” . ثامناً ، بالانعام على عبيده كقوله : ” وكان موسى الهاً لفرعون ” . تاسعاً ، بلا تغيير في ذاتيات الكون كما قيل : ” كان هابيل راعي غنم وداود ملكاً ونبياً وهارون كاهناً ولم يتغير احدهم عما كان انساناً بطبعه ” . فبهذا النوع نقول ان الله الكلمة صار انساناً اذ لم يتغير عما هو إله بطبعه.



المراجع
موقع الأنبا تكلاهيمانوت.

 

This site was last updated 01/17/21