Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

 ا

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
ظهور محمد على
New Page 1794
New Page 1795
New Page 1796
New Page 1464
New Page 1459
New Page 1460
New Page 1461
New Page 1462
New Page 1463
New Page 1802
New Page 1801
New Page 1803
New Page 1804
New Page 1805
New Page 1806
New Page 1807
New Page 1808
New Page 1809
New Page 1810
New Page 1811
New Page 1812
New Page 1813
New Page 1814
New Page 1815
محمد على والأقباط
زوجات وجوارى محمد على
محمد على والدولة الحديثة
قصر محمد على بالسويس
محمد على وتحديث مصر
سرقة مقبرة محمد على
Untitled 1918
Untitled 1919
Untitled 1920
مشاهير اللأقباط وقديسهم ومحمد على

Hit Counter

 

سنة 1232هـ
واستهل المحرم بيوم الخميس 1232 - 21 نوفمبر 1816 م وحاكم مصر والمتولي عليها وعلى ضواحيها وثغورها من حد رشيد ودمياط إلى أسوان وأقصى الصعيد واسكاسة القصير والسويس وساحل القلزم وجدة ومكة والمدينة والأقطار الحجازية بأسرها محمد علي باشا القوللي ووزيره وكتخداه محمد آغا لاظو والدفتدار محمد بك صهر الباشا وزوج ابنته وآغات الباب إبراهيم آغا ومدبر أمور البلاد والأطيان والرزق والمساحات وقبض الأموال الميرية وحساباتها ومصاريفها محمود بك الخازندار والسلحدار سليمان آغا حاكم الوجه القبلي محمد بك الدفتردار صهر الباشا عوض إبراهيم باشا ولد الباشا لانفصاله عن إمارة الوجه القبلي وسفره إلى الحجا أنفار لمحاربة الوهابيين وباقي أمراء الدولة مثل عابدين بك وإسماعيل باشا ابن الباشا وخليل باشا وهو الذي كان حاكم الإسكندرية سابقًا وشريف آغا وحسين بك دالي باشا وحسين بك الشماشرجي وحسن بك الشماشرجي الذي كان حاكمًا بالفيوم وغير هؤلاء وحسن آغا آغات الينكجرية وعلي آغا الوالي وكاتب الروزنامه مصطفى أفندي وحسن باشا بالديار الحجازية وشاه بندر التجار السيد محمد المحروقي وهو المتعين لمهمات الأسفار وقوافل العربان ومخاطباتهم وملاقاة الأخبار الواصلة من الديار الحجازية والمتوجه إليها وأجر المحمول وشحنة السفن ولوازم الصدارين والواردين والمنتجعين والمقيمين والراحلين والمتعهد بجميع فرق القبائل والعشير وغوائلهم ومحاكماتهم وأرغابهم وإرهابهم وسياستهم على اختلاف أخلاقهم وطباعهم وهو المتعين أيضًا لفصل قضايا التجار والباعة وأرباب الحرف البلدية وفصل خصوماتهم ومشاجرتهم وتأديب المنحرفين منهم والنصابين وبعوثات الباشا ومراسلاته ومكاتباته وتجاراته وشركاته وابتداعاته واجتهاده في تحصيل الأموال من كل وجه وأي طريق ومتابعة توجيه السرايا والعساكر والذخائر إلى نواحي الحجاز للآغارة على بلاد الوهابية وأخذ الدرعية مستمر لا ينقطع والعرضي منصوب خارج باب النصر وباب الفتوح وإذا ارتحلت طائفة خرجت أخرى مكانها‏.‏
وفيه سومحت أرباب الحرف والباعة والزياتون والجزارون والخضرية والخبازون ونحوهم من المسانهات والمشاهرات واليوميات الموظفة عليهم للمحتسب ونودي برفعها أما المحتسب في الأسواق وعوض المحتسب عنها خمسة أكياس كل شهر يستوفيها من الخزينة وعملوا تسعيرًا بترخيص أسعار المبيعات بدلًا عما كانوا يعرفونه للمحتسب من غير مراعاة النسبة والمعادلة في غالب الأصناف فإن العادة عند إقبال وجود الفاكهة أو الخضروات تباع بأغلى ثمن لعزتها وقلتها حينئذ وشهوة الطباع واشتياق النفوس لجديد الأشياء وزهدها في القديم الذي تكرر استعماله وتعاطيه كما يقال لكل جديد لذة فلم يراعوا ذلك ولم ينظروا في أصول الأشياء أيضًا فإن غالب الأصناف داخل في المحتكرات وزيادة المكوس الحادثة في هذه السنين وما يضاف إلى ذلك من طمع الباعة والسوقة وغشهم وقبحهم وعدم ديانتهم وخبث طباعهم فلما نودي بذلك وسمع الناس رخص المبيعات ظنوا بغفلتهم حصول الرخاء ونزلوا على المبيعات مثل الكلاب السعرانة وخطفوا ما كان بالأسواق بموجب التسعيرة من اللحم وأنواع الخضروات والفاكهة والأدهان فلما أصبح اليوم الثاني لم يوجد بالأسواق في شيء من ذلك وأغلقت الفاكهانية حوانيتهم وأخفوا ما عندهم وطفقوا يبيعونه خفية وفي الليل بالثمن الذي يرتضونه والمحتسب يكثر الطواف بأسواق ويتجسس عليهم ويقبض على من أغلق حانوته أو وجدها خالية أو عثر عليه أنه باع بالزيادة وينكل بهم ويسحبهم مكشوفين الرؤس مشنوقين وموثقين بالحبال ويضربهم ضربًا مؤلمًا ويصلبهم بمفارق الطرق مخزومين الأنوف ومعلق فيها النوع المزاد في ثمنه فلم يرتجعوا عن عادتهم ثم أن هذه المناداة والتسعيرة ظاهرها الرفق بالرعية ورخص الأسعار وباطنها المكر والتحيل والتوصل لما سيظهر بعد عن قريب وذلك أن ولي الأمر لم يكن له من الشغل إلا صرف همته وعقله وفكرته في تحصيل المال والمكاسب وقطع أرزاق المسترزقين والحجر والاحتكار لجميع الأسباب ولا يتقرب إليه من يريد قربه إلا بمساعدته على مراداته ومقاصده ومن كان بخلاف ذلك فلا حظ له معه مطلقًا ومن تجاسر عليه من الوجهاء بنصح أو فعل مناسب ولو على سبيل التشفع حقد عليه وربما أقصاه وأبعده وعاداه معاداة من لا يصفو أبدًا وعرفت طباعه وأخلاقه في دائرته وبطانته فلم يمكنهم إلا الموافقة والمساعدة في مشروعاته إما رهبة أو خوفًا على سيادتهم ورياستهم ومناصبهم إما رغبة أو طمعًا وتوصلًا للرياسة والسيادة وهم الأكثر وخصوصًا أعداء الملة من نصارى الأرمن وأمثالهم الذين هم الآن أخصاء لحضرته ومجالسته وهم شركاؤه في أنواع المتاجر وهم أصحاب الرأي والمشورة وليس لهم شمل ودرس إلا فيما يريد حظوتهم ووجاهتهم عند مخدومهم وموافقة أغراضه وتحسين مخترعاته وربما ذكروه ونبهوه على أشياء تركها أو غفل عنها من المبتدعات وما يتحصل منها من المال والمكاسب التي يسترزقها أرباب تلك الحرفة لمعاشهم ومصاريف عيالهم ثم يقع الفحص على أصل الشيء وما يتفرع منه وما يؤول إذا أحكم أمره وانتظم ترتيبه وما يتحصل منه بعد التسعير الذي يجعلونه مصاريف الكتبة والمباشرين أبرزت مباديه في قالب العدل والرفق بالرعية ولما وقع الالتفات إلى أمر المذابح والسلخانة وما يتحصل منها وما يكتسبه الموظفون فيها فأول ما بدؤا به إبطال جميع المذابح التي بجهات مصر والقاهرة وبولاق خلاف السلخانة السلطانية التي خارج الحسينية وتولى رياستها شخص من الأتراك ثم سعرت هذه التسعيرة فجعل الرطل الذي يبيعه القصاب بسبعة أنصاف فضة وثمنه على القصاب من المذبح ثمانية أنصاف ونصف وكان يباع قبل هذه التسعيرة بالزيادة الفاحشة فحش وجود اللحم وأغلقت حوانيت الجزارين وخسروا في شراء الأغنام وذبحها وبيعها بهذا السعر وأنهي أمر شحة اللحم إلى ولي الأمر وأن ذلك من قلة المواشي وغلو أثمان مشترواتها على الجزارين وكثرة رواتب الدولة والعساكر وأشيع أنه أمر بمراسيم إلى كشاف الأقاليم قبلي وبحري لشراء الأغنام من الأرياف لخصوص رواتبه ورواتب العسكر والخاصة وأهل الدولة ويترك ما يذبحه جزار والمذبح لأهل البلدة وعند ذلك ترخص الأسعار ثم تبين خلاف ذلك وأن هذه وفي منتصفه وصلت أغنام وعجول وجواميس من الأرياف هزيلة وازدادت بإقامتها هزالًا من الجوع وعدم مراعاتها فذبحوا منها المذابح أقل من المعتاد وزعت على الجزارين فيخص الشخص منهم الاثنان أو الثلاثة فعندما يصل إلى حانوته وهو مثل الحرامي فيتخاطفها العساكر التي بتلك الخطة وتزدحم الناس فلا ينوبهم شيء وتذهب في لمح البصر ثم امتنع وجودها واستمر الحال والناس لا يجدون ما يطبخونه لعيالهم وكذلك امتنع وجود الخضراوات فكان الناس لا يحصلون القوت إلا بغاية المشقة واقتاتوا بالفول المصلوق والعدس والبيصار ونحو ذلك وانعدم وجود السمن والزيت والشيرج وزيت البزر وزيت القرطم لاحتكارها لجهة الميري وأغلقت المعاصر والسيارج وامتنع وجود الشمع والعسل والشمع المصنوع من الشحم لاحتكار الشحم والحجز على عمال الشمع فلا يصنعه الشماعون ولا غيرهم ونودي على بيع الموجود منه بأربعة وعشرين نصفًا وكان يباع بثلاثين وأربعين فأخفوه وطفقوا يبيعونه خفية بما أحبوا وانعدم وجود بيض الدجاج لجعلهم العشرة منه بأربعة أنصاف وكان قبل المناداة اثنان بنصف وكل ذلك والمحتسب يطوف بالأسواق ويشدد على الباعة ويؤلمهم بالضرب والتجريس وفقد وجود الدجاج فلا يكاد يوجد بالأسواق دجاجة لأنه نودي على الدجاجة باثني عشر نصفًا وكان الثمن عنها قبل ذلك خمسة وعشرين فأكثر‏.‏
فى شهر صفر 21 ديسمبر 1816 - 18 يناير 1817 م فيه حضر المعلم غالي من الجهة القبلية ومعه مكاتبات من محمد بك الدفتردار الذي تولى إمارة الصعيد عوضًا عن إبراهيم باشا ابن الباشا الذي توجه إلى البلاد الحجازية لمحاربة الوهابية يذكر فيها نصح المعلم غالي وسعيه في فتح أبواب تحصيل الأموال للخزينة وأنه ابتكر شيء وحسابات يتحصل منها مقادير كثيرة من المال فقوبل بالرضا والإكرام وخلع عليه الباشا واختص به وجعله كاتب سره ولازم خدمته وأخذ فيما ندب إليه وحضر لأجله التي منها حسابات جميع الدفاتر وأقلام المبتدعات ومباشريها وحكام الأقاليم‏.‏
وفيه تجردت عدة عساكر أتراك ومغاربة إلى الحجاز وصحبتهم أرباب صنائع وحرف‏.‏
وفيه أرسل الباشا إلى بندر السويس أخشابًا وأدوات عمارة وبلاط كذان وحديدًا وصناعًا بقصد عمارة قصر لخصوصه إذا نزل هناك‏.‏
واستهل شهر ربيع الأول سنة 1232 هـ - 19 يناير - 17 فبراير 1817 م فيه شحت المبيعات والغلال والأدهان وغلا سعر الحبوب وقل وجودها في الرقع والسواحل فكان الناس لا يحصلون شيئًا منها إلا بغاية المشقة‏.‏
وفيه عزل الباشا حكام الأقاليم والكشاف ونوابهم وطلبهم للحضور وأمر بحسابهم وما أخذوه من الفلاحين زيادة على ما فرضه لهم وأرسل من قبله أشخاصًا مفتشين للفحص والتجسس على ما عسى يكون أخذوه منهم من غير ثمن فأخذوا يقررون المشايخ والفلاحين ويحررون أثمان مفرق الأشياء من غنم أو دجاج أو تبن أو عليق أو بيض أو غير ذلك في المدة التي أقامها أحدهم بالناحية فحصل للكثير من قائم مقاماتهم الضرر وكذلك من انتمى إليهم فمنهم من اضطر وباع فرسه واستدان‏.‏
وفيه حضر علي كاشف من شرقية بلبيس معزولًا عن كشوفيتها وقلدها خلافه وكان كاشفًا بالإقليم عدة سنوات وكذلك جرى لكاشف المنوفية والغربية وحضر أيضًا حسن بك الشماشرجي من الفيوم معزولًا ووجهه الباشا إلى ناحية درنة لمحاربة أولاد علي‏.‏
واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1232 هـ - 18 فبراير - 18 مارس 1817 م فيه حصل الحجز والمنع على من يذبح شيئًا من المواشي في داره أو غيرها ولا يأخذ الناس لحوم أطعمتهم إلا من المذبح وأقفت عساكر بالطرق رصدًا لمن يدخل المدينة بشيء من الأغنام وذلك أنه لما نزلت لمراسيم إلى الكشاف بمشترى المواشي من الفلاحين وإرسالها إلى المكان الذي أعده الباشا لذلك ويؤخذ منها مقدار ما يذبح بالسلخانة في كل يوم لرواتب الدولة والبيع طلب كشاف النواحي شراء الأغنام والعجول والجواميس بالثمن القليل من أربابها فهرب الكثير من الفلاحين بأغنامهم فيخرجون من القرية ليلًا ويدخلون ويمرون بها في الأسواق ويبيعونها بما أحبوا من الثمن على الناس فانكب الناس على شرائها منهم لجودتها ويشترك الجماعة في الشاة فيذبحونها ويقسمونها بينهم وذلك لقلة وجدان اللحم كما سبقت الإشارة إليه وإن تيسر وجوده فيكون هزيلًا رديئًا فإن في كل يوم ترد الجملة الكثيرة من بحري وقبلي إلى المكان المعد لها ولم يكن ثم من يراعيها بالعلف والسقي فتهزل وتضعف فلما كثر ورود الفلاحين بالأغنام وشراء الناس لها ووصل خبر لك إلى الباشا فأمر بوقوف عساكر على مفارق الطرق خارج المدينة من كل ناحية فيأخذون الشاة من الفلاحين إما بالثمن أو يذهب صاحبها معها إلى المذبح فتذبح في يومها ومن الغد ويوزن اللحم خالصًا ويعطى لصاحبها ثمنه عن كل رطل ثمانية فضة ونصف ويوزن على الجزارين بذلك الثمن بما فيه من القلب والكبد والمنحر والمذاكير والمخرج بما فيه من الزبل أيضًا والجزارون يبيعونها على من يشتري لشدة الطلب بزيادة النصف والنصفين بل والثلاثة والأربعة إن كان به نوع جودة وأما الأسقاط من الرؤوس والجلود والكروش فهو للميري وكذلك يفعل فيما يرد لخاصة الناس من الأغنام يفعل بها كذلك ولا يأخذ إلا قدر راتبه في كل يوم من المذبح‏.‏
وفيه شح وجود الغلال في الرقع والسواحل حتى امتنع وجود الخبز في الأسواق فأخرج الباشا جانب غلة ففرقت على الرقع وبيعت على الناس وهي ألف أردب انفضت في يومين ولا يبيعون أزيد من كيلة أو كيلتين وبيع الأردب بألف ومائتين وخمسين نصفًا‏.‏
وفيه أفرد محل لعمل الشمع الذي يعمل من الشحوم بعطفة ابن عبد الله بك جهة السروجية واحتكروا لأجل عمله جميع الشحوم التي من المذبح وغيره وامتنع وجود الشحم من حوانيت الدهانين ومنعوا من يعمل شيئًا من الشمع في داره أو في القوالب الزجاج وتتبعوا من يكون عنده شيء منها فأخذوها منه وحذروا من عمله خارج المعمل كل التحذير وسعروا رطله بأربعة وعشرين نصفًا‏.‏
واستهل شهر جمادى الأولى سنة 1232 هـ - 19 مارس - 17 أبريل 1817 م فيه حول معمل الشمع إلى جهة الحسينية عند الدرب الذي يعرف بالسبع والضبع‏.‏ دوفيه ارتحلت عساكر مجردة إلى الحجاز‏.‏
وفيه برزت أوامر إلى كشاف النواحي بإحصاء عدد أغنام البلاد والقرى ويفرض عليها كل عشر شياه واحدة من أعظمها إما كبش أو نعجة بأولادها يجمعون ذلك ويرسلون به إلى مجمع أغنام الباشا وفرض أيضًا على كل فدان رطلًا من السمن يجمع الأرطال مشايخ البلاد من الفلتحين عند كشاف النواحي ويرسلونها إلى مصر وسبب هذه الحادثة أنه لما عملت التسعيرة وتسعر رطل السمن بستة وعشرين نصفًا ويبيعه السمان والزيات بزيادة نصفين امتنع وجوده وظهوره فيأتي الفلاح ليلًا في الخفية ويبيعه للزبون أو للمتسبب بما أحب ويبيعه المتسبب أيضًا بالزيادة لمن يريده سرًا فيبيعون الرطل بأربعين وخمسين ويزيد على ذلك غش المتسبب وخلطه بالدقيق والقرع والشحم وعكر اللبن فيصفو على النصف ولا يقدر مشتريه على رد غشه للبائع لأنه ما حصله إلا بغاية المشقة والعزة والإنكار والمنع وإن فعل لا يجد من يعطيه ثانيًا وتقف طائفة من العسكر بالطرق ليلًا وفي وقت الغفلات يرصدون الواردين من الفلاحين ويأخذونه منهم بالقهر ويعطونهم ثمنه بالسعر المرسوم ويحتكرونه هم أيضًا ويبيعونه لمن يشتريه منهم بالزيادة الفاحشة فامتنع وروده إلا في النادر خفية مع الغرر أو الخفارة والتحامي في بعض العساكر من أمثالهم واشتد الحال في انعدام السمن حتى على أكابر الدولة فعند ذلك ابتدع الباشا هذه البدعة وفرض على كل فدان من طين الزراعات رطلًا من السمن ويعطي في ثمن الرطل عشرين نصفًا فاشتغلوا في تحصيل ما دهمهم من هذه النازلة وطولب المزارع بمقدار ما يزرعه من الأفدنة أرطالًا من السمن ومن لم يكن متأخرًا عنده شيء من سمن بهيمته أو لم يكن له بهيمة أو احتاج إلى تكملة موجود عنده فيشتريه ممن يوجد عنده بأغلى ثمن ليسد ما عليه اضطرار أجزاء وفاقًا‏.‏
وفيه حصل الإذن بدخول ما دون العشرة من الأغنام إلى المدينة وكذلك الإذن لمن يشتري شيئًا منها من الأسواق وسبب إطلاق الإذن بذلك مجيء بعض أغنام إلى أكابر الدولة ولا غنى عن ذلك ولا دني منهم أيضًا وحجزوا عن وصولها إلى دورهم فشكوا إلى الباشا فأطلق الإذن فيما دون العشرة‏.‏
وفيه أيضًا امتنع وجود الغلال بالعرصات والسواحل بسبب احتكارها واستمرار انجرارها ونقلها في المراكب قبلي وبحري إلى جهة الإسكندرية للبيع على الإفرنج بالثمن الكثير كما تقدم ووجهت المراسيم إلى كشاف النواحي بمنع بيع الفلاحين غلالهم لمن يشتري منهم من المتسببين والتراسين وغيرهم وبأن كل ما احتاجوا لبيعه مما خرج لهم من زراعتهم يؤخذ لطرف الميري بالثمن المفروض بالكيل الوافي واشتد الحال في هذا الشهر وما قبله حتى قل وجود الخبز من الأسواق بل امتنع وجوده في بعض الأيام وأقبلت الفقراء نساء ورجالًا إلى الرقع بمقاطفهم ورجعوا بها فوارغ من غير شيء وزاد الهول والتشكي وبلغ الخبر الباشا فأطلق أيضًا ألف أردب توزع على الرقع ويباع على الناس إما ربع واحدًا وكيلة فقط وكل ربع ثمنه قرش فيكون الأردب بأربعة وفيه حضر حسن بك الشماشرجي من ناحية درنة وبلد أخرى يقال لها سيوة وصحبته فرقة من أولاد علي وذلك أن أولاد علي افترقوا فرقتين أحدهما طائعة والأخرى عاصية عن الطاعة ومنحازون إلى هذه الناحية فجرد الباشا عليهم حسن بك المذكور فحاربهم وهزمهم وهزموه ثانيًا فرجع إلى مصر فضم إليه الباشا جملة من العساكر وأصحب معه الفرقة الأخرى الطائعة فسار الجمع ودهموهم على حين غفلة وتقدم لحربهم إخوانهم الطائعة وقتلوا منهم وآغاروا على مواشيهم وأباعرهم وأغنامهم فأرسلوا المنهوبات إلى جهة الفيوم وفي ظن العرب أن الغنائم تطيب لهم وحضر حسن بك وصحبته كبار العرب من أولاد علي الطائعين وفي ظنهم الفوز بالغنيمة وأن الباشا لا يطمع فيها لكون النصرة كانت بأيديهم وأنه يشكرهم ويزيدهم أنعامًا وكانوا نزلوا ببر الجيزة وحضر حسن بك إلى الباشا فطلب كبار العرب ليخلع عليهم ويكسوهم فلما حضروا إليه أمر بحبسهم وإحضار الغنيمة من ناحية الفيوم بتمامها فأحضروها بعد أيام وأطلقهم فيقال أن الأغنام ستة عشر ألف رأس أو أكثر ومن الجمال ثمانية آلاف جمل وناقة وقيل أكثر من ذلك‏.‏
وفيه نجزت عمارة السواقي التي أنشأها الباشا بالأرض المعروفة برأس الوادي بناحية شرقية بلبيس قيل أنها تزيد على ألف ساقية وهي سواقي دواليب خشب تعمل في الأرض التي يكون منبع الماء فيها قريبًا واستمر الصناع مدة مستطيلة في عمل آلاتها عند بيت الجبجي وهو بيت الرزاز الذي جهة التبانة بقرب المحجر وتحمل على الجمال إلى الوادي هناك المباشرون للعمل المقيدون بذلك وغرسوا بها أشجار التوت الكثيرة لتربية دود القز واستخراج الحرير كما يكون بنواحي الشام وجبل الدوروز ثم برزت الأوامر إلى جميع بلاد الشرقية بأشخاص أنفار من الفلاحين البطالين الذين لم يكن لهم أطيان فلاحة يستوطنون بالوادي المذكور وتبنى لهم كفور يسكنون فيها ويتعاطون خدمة السواقي والمزارع ويتعلمون صناعة تربية القز والحرير واستجلب أناسًا من نواحي الشام والجبل من أصحاب المعرفة بذلك ويرتب للجميع نفقات إلى حين ظهور النتيجة ثم يكونون شركاء في ربع المتحصل ولما برزت المراسيم بطلب الأشخاص من بلاد الشرق أشيع في جميع قرى الأقاليم المصرية إشاعات وتقولوا أقاويل منها أن الباشا يطلب من كل بلدة عشرة من الصبيان البالغين وعشرة من البنات ويزوجهم بهن ويمهرهن من ماله ويرتب لهم نفقات إلى بد وصلا المزارع ثم أشاعوا الطلب للصبيان الغير مختونين ليرسلهم إلى بلاد الإفرنج ليتعلموا الصنائع التي لم تكن بأرض مصر وشاع ذلك في أهل القرى وثبت ذلك عندهم فختن الجميع صبيانهم ومنهم من أرسل ابنه أو بنته وفيها عند معارفه بالمدينة إلى غير ذلك من الأقاويل التي لم يثبت منها إلا ما ذكر أولًا من أن المطلوب جلب الفلاحين البطالين من بلد الشرقية لا غير وقد تعمر هذا الوادي بالسواقي والأشجار والسكان من جميع الأجناس وانتشأ دنيا وفيه سافر جملة من عساكر الأتراك والمغاربة وكبيرهم إبراهيم آغا الذي كان كتخدا إبراهيم باشا ثم تولى كشوفية المنوفية وصحبته خزينة وجبخانة ومطلوبات لمخدومه‏.‏
واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الثلاثاء سنة 1232 هـ النصف الثانى من أبريل 1817 م  في أوائله حضر إلى مصر بن يوسف باشا حاكم طرابلس وعه أخوه أصغر منه يستأذنان الباشا في حضور والدهما إلى مصر فارًا من والده وكان ولاه على ناحية درنة وبني غازي فحصل منه ما غير خاطر والده عليه وعزم على أن يجرد عليه فأرسل أولاده إلى صاحب مصر بهدية يستأذن في الحضور إلى مصر والالتجاء إليه فأذن له في الحضور وهو ابن أخي الذي بمصر أولًا وسافر مع الباشا إلى الحجاز ورجع إلى مصر واستمر ساكنًا بالسبع قاعات‏.‏
وفيه وصل الخبر بأن إبراهيم آغا سافر مع الجردة لما وصل إلى العقبة أمر من بصحبته من المغاربة والعسكر بالرحيل فلما ارتحلوا ركب هو في خاصته وذهب على طريق الشام‏.‏
وفي ليلة الأربعاء 16 شهر جمادى الثانية سنة 1232 هـ - 3 مايو 1817 م وصل جراد كثير ليلًا ونزل ببستان الباشا بشبرا وتعلق بالأشجار والزهور وصاحت الخولة والبستانجية وأرسل الباشا إلى الحسينية وغيرها فجمعوا مشاعل كثيرة وأوقدوها وضربوا بالطبول والصنوج النحاس لطرده وأمر الباشا لكل من جمع منه

ثم في ليلة السبت 19 جمادى الثانية سنة 1232 هـ - 6 مايو 1817 م قبل الغروب وصل جراد كثير من ناحية المشرق مارًا بين السماء والأرض مثل السحاب وكان الريح ساكنًا فيقط منه الكثير على الجنائن والمزارع والمقاثيء فلما كان في نصف الليل هبت رياح جنوبية واستمرت واشتد هبوبها عند انتصاف النهار وأثارت غبارًا أصفر وعبوقًا بالجو ودامت إلى بعد العصر يوم السبت فطردت ذلك الجراتد وأذهبته فسبحان الحكيم المدبر اللطيف‏.‏
وفي يوم الأحد 20 جمادى الثانية سنة 1232 هـ - 7 مايو 1817 م طاف مناد أعمى يقوده آخر بالأسواق ويقول في ندائه من كان مريضًا أو به رمدًا وجراحة وإدارة فليذهب إلى خان بالموسكي به أربعة من حكماء الإفرنج أطباء يداوونه من غير مقابلة شيء فتعجب الناس من هذا وتحاكوه وسعوا إلى جهتهم لطلب التداوي‏.‏
وفيه حضر ابن باشت طرابلس ودخل إلى المدينة وصحبته نحو المائتي نفر من أتباعه فأنزله الباشا في منزل أم مرزوق بك بحارة عابدين وأجرى عليه النفقات والرواتب له ولأتباعه‏.‏
وفي يوم الخميس 21 جمادى الثانية سنة 1232 هـ - 8 مايو 1817 م وصل خبر الأطباء ومناداتهم إلى كتخدا بك فأحضر حكيم باشا وسأله فأنكر معرفتهم وأنه لا علم عنده بذلك فأمر بإحضارهم وسألهم فخلطوا في الكلام فأمر بإخراجهم من البلدة ونفوهم في الحال وذهبوا إلى حيث شاء الله ولو فعل مثل هذه الفعلة بعض المسلمين لجوزي بالقتل أو الخازوق وكان صورة جلوسهم أن يجلس أحدهم خارج المكان والآخر من داخل وبينهما ترجمان ويأتي مريد العلاج إلى الأول وهو كأنه الرئيس فيجس نبضه أو بيضه وكأنه عرف علته ويكتب له ورقة فيدخل مع الترجمان بها لآخر بدخل المكان فيعطيه شيئًا من الدهن أو السفوف أو الحب المركب ويطلب منه إما قرشًا أو قرشين أو خمسة بحسب الحال وذلك ثمن الدواء لا غير وشاع ذلك وتسامع به الناس وأكثرهم معلول من طبيعتهم التقليد والرغبة في الوارد الغريب فتكاثروا وتزاحموا عليهم فجمعوا في الأيام القليلة جملة من الدراهم واستلطف الناس طريقتهم هذه بخلاف ما يفعله الذين يدعون التطبيب من الإفرنج واصطلاحهم إذا دعي الواحد منهم لمعالجة المريض فأول ما يبدأ به نقل قدمه بدراهم يأخذها إما ريال فرانسة أو أكثر بحسب الحال والمقام ثم يذهب إلى المريض فيجسه ويزعم أنه عرف علته ومرضه وربما هول على المريض داءه وعلاجه ثم يقاول على سعيه في معالجته بمقدار من الفرانسة إما خمسين أو مائة أو أكثر بحسب مقام العليل ويطلب نصف الجعالة ابتداء ويجعل على كل مرة من التردادات عليه جعالة أيضًا ثم يزاوله بالعلاجات التي تجددت عندهم وهي مياه مستقطرة من الأعشاب أو أدهان كذلك يأتون بها للمرضى في قوارير الزجاج اللطيفة في المنظر يسمونها بأسماء بلغاتهم ويعربونها بدهن البد زهر وإكسير الخاصة ونحو ذلك فإن شفى الله العليل أخذ منه بقية ما قاوله عليه أو أماته طالب الورثة بباقي الجعالة وثمن الأدوية طبق ما يدعيه وإذا قيل له أنه قد مات قال في جوابه أني لم أضمن أجله وليس على الطبيب منع الموت ولا تطويل العمر وفيهم من جعل له في كل يوم عشرة من الفرانسة‏.‏
وفيه رأى رأيه حضرة الباشا حفر بحر عميق يجري إلى بركة عميقة تحفر أيضًا بالإسكندرية تسير فيها السفن بالغلال وغيرها ومبدؤها من مبدً خليج الأشرفية عند الرحمانية فطلب لذلك خمسين ألف فأس ومسة يصنعها صناع الحديد وأمر بجمع الرجال من القرى وهم مائة ألف فلاح توزع على القرى والبلدان للعمل والحفر بالأجرة وبرزت الأوامر وبذلك فارتبك أمر الفلاحين ومشايخ البلاد لأن الأمر برز بحضور المشايخ وفلاحيهم فشرعوا في التشهيل وما يتزيدون به في البرية ولا يدرون مدة الإقامة فمنهم من يقدرها بالسنة ومنهم بأقل أو أكثر‏.‏
واستهل شهر رجب بيوم الأحد سنة 1232 هـ

 في يوم الاثنين 2 شهر رجب سنة 1232 هـ - 19 مايو 1817 م - الموافق 12 بشنس القبطي 1533 ش وسابع أيار الرومي قبل الغروب بنحو ساعة تغير الجو بسحاب وقتام وحصل رعد متتابع وأعقبه مطر بعد الغروب ثم انجلى ذلك والسبب في ذكر مثل هذه الجزئية شيئان الأول وقوعها في غير زمانها لما فيه من الاعتبار بخرق العوائد الثاني الاحتياج إليها في بعض الأحيان في العلامات السماوية وبالأكثر في الوقائع العامية فإن العامة لا يؤرخون غالبًا بالأعوام والشهور بل بحادثة أرضية أو سماوية خصوصًا إذا حصلت في غير وقتها أو ملحمة أو معركة أو فصل أو مرض عام أو موت كبير أو أمير فإذا سئل الشخص عن وقت مولده أو مولد ابنه أو ابنته أو موت أبيه أو سنة بلوغه سن الرشد يقول كان بعد الحادثة الفلانية بكذا من الأيام ثم لا يدري في أي شهر أو عام وخصوصًا إذا طال الزمان بعدها وتكرر الاحتياج إلى تحرير الوقت في مسائل شرعية في مجلس الشرع في مثل الحضانة والعدة والنفقة وسن اليأس ومدة غيبة المفقود بأن يتفق قولهم على أن الصبي ولد يوم السيل الذي هدم القبور أو يوم موت الأمير فلان أو الواقعة الفلانية ويختلفون في تحقيق وقتها وعند ذلك يحتاجون إلى السؤال ممن عساه يكون أرخ وقتها وفي غير وقت الاحتياج يسخرون بمن يشغل بعض أوقاته بشيء من ذلك لاعتيادهم إهمال العلوم التي كان يعتني بتدوينها الأوائل إلا بقدر إقامة الناموس الذي يحصلون به الدنيا ولولا تدوين العلوم وخصوصًا علم الأخبار ما وصل إلينا شيء منها ولا الشرائع الواجبة ولا يشك شاك في فوائد التدوين وخصائصه بنص التنزيل قال تعالى وكلًا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين‏.‏
وفي 10 شهر رجب سنة 1232 هـ - 27 مايو 1817 م وصلت هجانة وأخبار عن إبراهيم باشا من الحجاز بأنه وصل إلى محل يسمى الموتان فوقع بينه وبين الوهابية وقتل منهم مقتلة عظيمة وأخذ منهم أسرى وخيامًا ومدفعين

 وفي يوم الأربعاء 18 شهر رجب سنة 1232 هـ - 4 يونية 1817 م سافر الباشا إلى أسكلة السويس وصحبته السيد محمد المحروقي ليتلقى سفائنه الواصلة بالبضائع الهندية‏.‏ واستهل
شهر شعبان بيوم الاثنين سنة 1232 هـ
فيه رجع الباشا من السويس وأخلوا للبضائع الواصلة ثلاث خانات توضع في حواصلها ثم توزع على الباعة بالثمن الذي يفرضه‏.‏
وفيه وصل الخبر أيضًا بوصول سفائن إلى بندر جدة وفيها ثلاثة من الفيلة‏.‏
وفيه قوي اهتمام الباشا لحفر الترعة الموصلة إلى الإسكندرية كما تقدم وأن يكون عرضها عشرة أقصاب والعمق أربعة أقصاب بحسب علو الأراضي وانخفاضها وتعينت كشاف الأقاليم لجمع الرجال وفرضوا أعدادهم بحسب كثرة أهل القرية وقلتها وعلى كل عشرة أشخاص شخص كبير وجمعت الغلقان ولكل غلق فأس وثلاثة رجال لخدمته وأعطوا كل شخص خمسة عشر قرشًا ترحيلة ولكل شخص ثلاثون نصفًا في أجرته كل يوم وقت العمل وحصل الاهتمام لذلك في وقت اشتغال الفلاحين بالحصيدة والدراس وزراعة الذرة التي هي معظم قوتهم وشرعوا في تشهيل احتياجاتهم وشراء القرب للماء فإن تلك البرية لا يوجد الماء إلا ببعض الحفائر التي يحفرها طالب الماء وقد تخرج مالحة لأنها أراض مسبخة وتعين جماعة من مهندس خانة ونزلوا مع كبيرهم لمساحتها وقياسها فقاسوا من فم ترعة الأشرفية حيث الرحمانية إلى حد الحفر المراد بقرب عمود السواري الذي بالإسكندرية فبلغ ذلك ستة وعشرين ألف قصبة ثم قاسوا من أول الترعة القديمة المعروفة بالناصرية وابتداؤها من المكان المعروف بالعطف عند مدينة فوة فكان أقل من ذلك ينقص عنه خمسة آلاف قصبة وكسر فوقع الاختيار على أن يكون ابتداؤها هناك‏.‏
وفي أثناء ذلك زاد النيل قبل المناداة عليه بالزيادة وذلك في منتصف بؤنه القبطي وغرق المقاثيء من البطيخ والخيار والعبدلاوي وأهمل أمر الحفر في الترعة المذكورة إلى ما بعد النيل واستردت الدراهم التي أعطيت للفلاحين لأجل الترحيلة وفرحوا بذلك الإهمال وقد كان أطلق الباشا لمصارفها أربعة آلاف كيس من تحت الحساب ورجع المهندسون إلى مصر وقد صوروا صورتها في كواغد ليطلع عليها الباشا عيانًا وكان رجوعهم في ثامن عشر شعبان‏.‏
وفيه تقلد إبراهيم آغا المعروف بآغات الباب أمر تنظيم الأصناف والمحدثات وعمل معدلاتها لبيان سرقات ومخفيات المتقلدين أمر كل صنف من الأصناف بعد البحث والتفتيش والتفحص على دقائق الأشياء‏.‏
وفيه وصل نحو المائتي شخص من بلاد الروم أرباب صنائع معمرين ونجارين وحدادين وبنائين وفيه أيضًا اهتم الباشا ببناء حائطين بحري رشيد عند الطينة على يمين البغاز وشماله لينحصر فيما بينهما الماء ولا تطمى الرمال وقت ضعف النيل ويقع بسبب ذلك العطب للمراكب وتلف أموال المسافرين وقد كمل ذلك في هذا الشهر وهذه الفعلة من أعظم الهمم الملوكية التي لم يسبق بمثلها‏.‏
وفي يوم السبت 20 شهر شعبان سنة 1232 هـ - 5 يوليو 1817 م شنق شخص بباب زويلة بسبب الزيادة في المعاملة وعلقوا بأنفه ريال فرانسة مع أن الزيادة سارية في المبيعات والمشتروات من غير إنكار‏.‏
وفيه أيضًا خزم المحتسب آناف أشخاص من الجزارين في نواحي وجهات متفرقة وعلق في آنافهم قطعًا من اللحم وذلك بسبب الزيادة في ثمن اللحم وبيعهم له بما أحبوه من الثمن في بعض الأماكن خفية لأن الجزارين إذا نزلوا باللحم من المذبح وأكثره هزيل ونعاج ومعز والقليل من المناسب الجيد فيعلقون الرديء بالحوانيت ويبيعونه جهارًا بالثمن المسعر ويخفون الجيد ويبيعونه في بعض الأماكن بما يحبون‏.‏

وفي يوم الخميس 25 شهر شعبان سنة 1232 هـ - 10 يوليو 1817 م وصلت الأفيال الثلاثة من السويس أحدها كبير عن الاثنين ولكن متوسط في الكبر فعبروا بها من باب النصر وشقوا من وسط المدينة وخرجوا بها من باب زويلة على الدرب الأحمر وذهبوا بها إلى قراميدان وهرولت الناس والصبيان للفرجة عليها وذهبوا خلفها وازحموا في الأسواق لرؤيتها وكذلك العسكر والدلاة ركبانًا ومشاة وعلى ظهر الفيل الكبير مقعد من خشب‏.‏
واستهل شهر رمضان بيوم الثلاثاء سنة 1232 هـ - 15 يوليو 1817 م وعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب وكذا مشايخ الحرف كعادتهم وأثبتوا رؤية الهلال تلك الليلة وكان عسر الرؤية جدًا‏.‏
وفي صبح ذلك اليوم عزل عثمان آغا الورداني من الحسبة وتقلدها مصطفى كاشف كرد وذلك لما تكرر على سمع الباشا أفعال الوقة وانحرافهم وقلة طاعتهم وعدم مبالاتهم بالضرب والإيذاء وخزم الأنوف والتجريس قال في مجلس خاصته لقد سرى حكمي في الأقاليم البعيدة فضلًا عن القريبة وخافني العربان وقطاع الطريق وغيرهم خلاف سوقة مصر فإنهم لا يرتدعون بما يفعله فيهم ولاة الحسبة من الإهانة والإيذاء فلا بد لهم من شخص يقهرهم ولا يرحمهم ولا يهملهم فوقع اختياره على مصطفى كاشف كرد هذا فقلده ذلك وأطلق له الإذن فعند ذلك ركب في كبكبة وخلفه عدة من الخيالة ترك شعار المنصب من المقدمين والخدم الذين يتقدمونه وكذلك الذي أمامه بالميزان ومن بأيديهم الكرابيج لضرب المستحق والمنقص في الوزن وبات يطوف على الباعة ويضرب بالدبوس هشمًا بأدنى سبب ويعاقب بقطع شحمة الأذن فأغلقوا الحوانيت ومنعوا وجود الأشياء حتى ما جرت العادة في رمضان من عمل الكعك والرقاق المعروف بالسحير وغيره فلم يلتفت لامتناعهم وغلقهم الحوانيت وزاد في التعسف ولم يرجع عن سعيه واجتهاده ولازم على السعي والطواف ليلًا ونهارًا لا ينام الليل بل ينام لحظة وقت ما يدركه النوم في أي مكان ولو على مصطبة حانوت وأخذ يتفحص على السمن والجبن ونحوه المخزون في الحواصل ويخرجه ويدفع ثمنه لأربابه بالسعر المفروض ويوزعه لأرباب الحوانيت ليبيعوه على الناس بزيادة نصف أو نصفين في كل رطل وذهب إلى بولاق ومصر القديمة فاستخرج منها سمنًا كثيرًا ومعظم ذلك في مخازن للعسكر فإن العسكر كانوا يرصدون الفلاحين وغيرهم فيأخذونه منهم بالسعر المفروض وهو مائتان وأربعون في العشرة منه ثم يبيعونه على المحتاجين إليه بما أحبوا من الزيادة الفاحشة فلم يراع جانبهم واستخرج مخبآتهم قهرًا عنهم ومن خالف عليه منهم ضربه وأخذ سلاحه ونكل به وذهب في بعض الأوقات إلى بولاق فأخرج من حاصل ببعض الوكائل ثلاثمائة وخمسين ماعونًا لكبير من العسكر فحضر إليه بطائفته فلم يلتفت إليه ووبخه وقال له أنتم عساكر ولكم رواتب والعلائف واللحوم والأسمان وخلافها ثم تحتكرون أيضًا أقوات الناس وتبيعونها عليهم بالثمن الزائد وإعطاء الثمن المفروض وحمل المواعين على الجمال إلى الأمكنة التي أعدها لها عند باب الفتوح وعندما رأى أرباب الحوانيت الجد وعدم الإهمال والتشديد عليهم فتح المغلق منهم حانوته وأظهروا مخبآتهم أمامهم وملؤا السدريات والطسوت من السمن وأنواع الجبن خوفًا من بطش المحتسب وعدم رحمته بهم ويقف بنفسه على باعة البطيخ والقاوون‏.‏
وفي يوم الثلاثاء 15 شهر رمضان سنة 1232 هـ - 31 يوليو 1817 م وصلوا برمة إبراهيم بك الكبير من دنقلة وذلك أنه لما وصل خبر موته استأذنت زوجته أم ولده الباشا في إرسالها امرأة تدعى نفيسة لإحضار رمته فأذن بذلك وأعطى المتسفرة فيما بلغنا عشرة أكياس وكتب لها مكاتبات لكشاف الوجه القبلي بالمساعدة وسافرت وحضرت به في تابوت وقد جف جلده على عظمه لنحافته وذلك بعد موته بنحو ستة شهور وعملوا له مشهدًا وأماه كفارة ودفنوه بالقرافة الصغرى عند ابنه مرزوق بك‏.‏
وفي ليلة الخميس 17 شهر رمضان سنة 1232 هـ - 31 يوليو 1817 م طلب المحتسب حجاجًا الخضري الشهير بنواحي الرميلة فأخذه إلى الجمالية وشنقه على السبيل المجاور لحارة المبيضة وذلك في سادس ساعة من الليل وقت السحور وتركوه معلقًا لمثلها من الليلة القابلة ثم أذن برفعه فأخذه أهله ودفنوه وحجاج هو الذي تقدم ذكره غير مرة في واقعة خورشيد باشا وغيرها وكان مشهورًا بالإقدام والشجاعة طويل القامة عظيم الهمة وكانشيخًا على طوائف الخضرية صاحب صولة وكلمة بتلك النواحي ومكارم أخلاق وهو الذي بنى البوابة بآخر الرميلة عند عرصة الغلة أيام الفتنة واختفى مرارًا بعد تلك الحوادث وانضم إلى الألفي ثم حضر إلى مصر بأمان ولم يزل على حالته في هدوء وسكون ولم يؤخذ في هذه بجرم فعله يوجب شنقه بل قتل مظلومًا لحقد سابق وزجرًا لغيره‏.‏
وفي يوم الاثنين 28 شهر رمضان سنة 1232 هـ - 31 يوليو 1817 م - الموافق 6 مسرى القبطي 1533 ش أوفى النيل أذرعه فنودي بالوفاء وكسر السد صبح يوم الثلاثاء بحضرة كتخدا بك والقاضي وغيره وجرى الماء في الخليج ولم يقع فيه مهرجان مثل العادة هذا والمحتسب مواظب على السروح ليلًا ونهارًا ويعاقب بجرح الآذان والضرب بالدبوس وأقعد بعض صناع الكنافة على صوانيهم التي على النار وأمر بكنس الأسواق ومواظبة رشها بالماء ووقود القناديل على أبواب الدور وعلى كل ثلاثة من الحوانيت قنديل ويركب آخر الليل ثم يذهب إلى بولاق ليتلقى الواردين بالبطيخ الأخضر والأصفر ويعرف عدة الشروات ويأمرهم بدفع مكوسها المفروضة ثم يأمرهم بالذهاب إلى مراكز بيعهم ولا يبيعون شيئًا حتى يأتيهم بنفسه أو بحضرة من يرسله من طرفه ثم يعود طائفًا عليهم فيحصي ما في فرش أحدهم عددًا ويميز الكبير بثمن والصغير بثمن ويترك عند البائع من يباشره أو يقف هو بنفسه ويبيع على الناس بما فرضه ويعطي لصاحبه الثمن والربح فيراه قد ربح العشرة قروش وأكثر بعد مكسه ومصارفه فيقول له أما يكفي مثلك ربح هذا القدر حتى تطمع أيضًا في الزيادة عليه وهو مع ذلك يكر ويطوف على غيرهم ويحلق على ما يرد من السمن الوارد الذي تقرر على المزارعين فيزنه منهم بالسعر المفروض وهو أربعة وعشرون نصفًا الرطل ويرد عليهم الفوارغ ويعطيه للبائع بالثمن المقرر وهو ستة وعشرون وهو يبيعونه بزيادة نصفين في كل رطل وهو ثمانية وعشرون ويناله الناس بأسهل وجدان سالمًا من الخلط والغش ويأمرهم بإعادة ما عسى يوجد فيه من المرتة والعكار إلى مواعينه ليوزن مع فوارغه ورصد أيضًا ما يرد للناس ولو لأكابر الدولة من السمن فيطلق البعض ويأخذ الباقي بالثمن وكذلك ما يأتيهم من البطيخ والدجاج ولو كان لصاحب الدولة حسب إذنه له بذلك كل ذلك للحرص على كثرة وجدان الأشياء وتعدت أحكامه إلى بضائع التجار والأقمشة الهندية وأهل مرجوش والمحلاوية وخلافهم وطلب قوائم مشترواتهم والنظر في مكايلهم فضاق خناق أكثر الناس لكونهم لم يعتادوه من محتسب قبله وكأنه وصله خبر ولاة الحسبة وأحكامهم في الدلو المصرية القديمة فإن وظيفة أمين الاحتساب وظيفة قضاء وله التحكم والعدالة والتكلم على جميع الأشياء وكان لا يتولاها إلا المتضلع من جميع المعارف والعلوم والقوانين ونظام العدالة حتى على من يتصدر لتقرير العلوم فيحضر مجلسه ويباحثه فإن وجد فيه أهلية للإلقاء أذن له بالتصدر أو منعه حتى يستكمل وكذلك الأطباء والجراحية حتى البيطارية والبزدرية ومعلموا الأطفال في المكاتب ومعلموا السابحة في الماء والنظر في وسق المراكب في الأسفار وأحمال الدواب في نقل الأشياء ومقادير روايا الماء مما يطول شرحه وفي ذلك مؤلف للشيخ بن الرفعة وقد يسهل بعض ذلك مع العدالة وعدم الاحتكار وطمع المتولي وتطلعه لما في أديد الناس وأرزاقهم‏.‏
ومما يحكي أن الرشيد سأل الليث بن سعد فقال له يا أبا الحرث ما صلاح بلدكم يعني مصر فقال له أما صلاح أمرها ومزارعها فبالنيل وأما أحكامها فمن رأس العين يأتي الكدر‏.‏
وفي أواخر رمضان سنة 1232 هـ - حوالى منتصف أغسطس  1817 م زاد المحتسب في نغمات الطنبور وهو أنه أرسل مناديه في مصر القديمة ينادي على نصارى الأرمن والأروام والشوام بإخلاء البيوت التي عمروها وزخرفوها وسكنوا بها بإنشاء والملك والمؤاجرة المطلة على النيل وأن يعودوا إلى زيهم الأول من لبس العمائم الزرق وعدم ركوبهم الخيول والبغال والرهونات الفارهة واستخدامهم المسلمين فتقدم أعاظمهم إلى الباشا بالشكوى وهو يراعي جانبهم لأنهم صاروا أخصاء الدولة وجلساء الحضرة وندماء الصحبة‏.‏
وأيضًا نادى مناديه على المردان ومحلقي اللحى بأنهم يتركونها ولا يحلقونها وجميع العسكر وغالب الأتراك سنتهم حلق اللحى ولو طعن في السن فأشيع فيهم أن يأمرهم بترك لحاهم وذلك خرم لقواعدهم بل يرونه من الكبائر وكذلك السيد محمد المحروقي بسبب تعرضه إلى بضائع التجار وفي أثناء ذلك ورد إلى عابدين بك مواعين سمن فأرسل الجمال إلى حملها من ساحل بولاق فبلغ خبرها المحتسب فأخذها وأدخلها مخزنه وعادت الجمال فارغة وأخبروا مخدومهم بحجز المحتسب لها فأرسل عدة من العسكر فأخرجوها من المخزن وأخذوها ولم يكن المحتسب حاضرًا واتفق أنه ضرب شخصًا من عسكر المذكور أرنؤدي بالدبوس حتى كاد يموت فاشتد بعابدين بك الحنق وركب إلى كتخدا بك وشنع على المحتسب وتعددت الشكاوي وصادفت في زمن واحد فأنهي الأمر إلى الباشا فتقدم إليه بكف المحتسب عن هذه الأفعال فأحضره الكتخدا وزجره وأمره أن لا يتعدى حكمه الباعة ومن كان يسري عليهم أحكام من كان في منصبه قبله وأن يكون أمامه الميزان ويؤدب المستحق بالكرابيج دون الدبوس‏.‏
واستهل شهر شوال بيوم الخميس سنة 1232 هـ - 14 أغسطس 1817 م فترك السروح في أيام العيد وأشيع بين السوقة عزله فأظهروا الفرح ورفعوا ما كان ظاهرًا بين أديديهم من السمن والجبن وأخفوه عن الأعين ورجعوا إلى حالتهم الأولى في الغش والخيانة وغلاء السعر وأغلق بعضهم الحانوت وخرجوا إلى المنتزهات وعملوا ولائم‏.‏
وفي يوم الأحد  4 شهر شوال سنة 1232 هـ - 17 أغسطس 1817 م شنقوا عدة أشخاص في أماكن متفرقة قيل أنهم سراق وزغلية وكانوا مسجونين في أيام رمضان ولم يركب المحتسب حسب الأمر بل أركب خازنداره وشق بالميزان عوضًا عنه ثم ركب هو أيضًا وبيده الدبوس لكن دون الحالة الأولى في الجبروت ولم يسر حكمه على النصارى فضلًا عن غيرهم‏.‏
وفي يوم السبت  10 شهر شوال سنة 1232 هـ - 23 أغسطس 1817 م يوم السبت نزلوا بكسوة الكعبة من القلعة وشقوا بها من وسط الشارع إلى المشهد الحسيني‏.‏
وفي يوم السبت 17 شهر شوال سنة 1232 هـ - 30 أغسطس 1817 م أداروا المحمل وخرج أمير الركب إلى خارج باب النصر ووصلت حجاج كثيرة من ناحية المغرب إلى بر أنبابة وبولاق وطفقوا يشترون الأغنام من الفلاحين ويذبحونها ويبيعونها ببولاق وطرقها على الناس جزافًا من غير وزن ويذهب الكثير من الناس إلى الشراء منهم فيقعون في الغبن الفاحش والزيادة على السعر بالضعف وأكثر وضرورتهم في الشراء منهم رداءة ما يحمله القصابون من المذبح من أغنام الباشا المحضرة من البلاد والقرى وقد هزلت من السفر والإقامة بالجوع والعطش ويموت الكثير منها فيسلمونه ويزنونه على الجزارين بالبيع للناس وفيه المتغير الرائحة وما تعافه النفوس فبسبب ذلك اضطر الناس إلى الشراء من هؤلاء الأجناس بالغبن وتحمل سوء أخلاقهم وحصل بينهم وبين بعض العسكر شرور وقتل بينهم قتلى ومجاريح والباشا وحكام الوقت يتغافلون عنهم خوفًا من وقوع الفتن ثم ارتحلوا لأنهم كثروا وملؤا الأزقة والنواحي وحضر أيضًا الركب الفاسي وفيه ولدا السلطان سليمان ومن يصحبهما فأحسن الباشا نزلهم وتقيد السيد محمد المحروقي بملاقاتهم ولوازمهم وأنزلوهم في منزل بجوار المشهد الحسيني وأجريت عليهم نفقات تليق بهم وأهديا للباشا هدية وفيها عدة بغال وبرانس حرير وغير ذلك‏.‏
وفي يوم الأربعاء 28 شهر شوال سنة 1232 هـ - 10 سبتمبر 1817 مارتحل الحج المصري من البركة وكانت الحجوج في هذه السنة كثيرة من سائر الأجناس أتراك وططر وبشناق وجركس وفلاحين من سائر الأجناس ورجع الكثير من المسافرين على بحر القلزم إلى الحجاز من السويس لقلة المراكب التي تحملهم وغصت المدينة من كثرة الزحام زيادة على ما بها من ازدحام العساكر وأخلاط العالم من فلاحي القرى المشيعين والمسافرين ومن يرد من الآفاق والبلاد الشامية ونصارى الروم والأرمن والدلاة والواردين والذين استدعاهم الباشا من الدروز والمتاولة والنصيرية وغيرهم لعمل الصنائع والمزارع وشغل الحرير وما استجده بوادي الشرق حتى أن الإنسان يقاسي الشدة والهول إذا مر بالشارع من كثرة الازدحام ومرور الخيالة وحمير الأوسية والجمال التي تحمل الأتربة والأنقاض والأحجار لعمائر الدولة سوى ما عداها من حمول الأحطاب والبضائع والتراسين حتى الزحمة في داخل العطف الضيقة وزيادة على ذلك كثرة الكلاب بحيث يكون في القطعة من الطريق نحو الخمسين ثم صياحها ونباحها المستمر وخصوصًا في الليل على المارين وتشاجرها مع يعضها مما يزعج النفوس ويمنع الهجوع وقد أحسن الفرنساوية بقتلهم الكلاب فإنهم لما استقروا وتكرر مرورهم ونظروا إلى كثرة الكلاب من غير حاجة ولا منفعة سوى الهبهبة والعواء وخصوصًا عليهم لغرابة أشكالهم فطاف عليهم طائف منهم باللحم المسموم فما أصبح النهار إلا وجميعها موتى مطروحة بجميع الشوارع فكان الناس والصغار يسحبونها كذا بالحبال إلى الخلاء واستراحت الأرض ومن فيها منها فالله يكشف عنا مطلق الكرب في الدنيا والآخرة بمنه وكرمه‏.‏
واستهل شهر ذي القعدة سنة 1232 هـ

في يوم الأربعاء وليلة الخميس 5 و 6  شهر ذي القعدة سنة 1232 هـ - 16 و 17 سبتمبر 1817 م ارتحل ركب الحجاج المغاربة من الحصوة‏.‏
وفي أواخر شهر ذي القعدة سنة 1232 هـ - أوائل أكتوبر 1817 م  حصل الأمر للفقهاء بأزهر بقراءة صحيح البخارى فاجتمع الكثير من الفقهاء والمجاورين وفرقوا بينهم أجزاء وكراريس من البخارى يقرؤون فيها في مقدار ساعتين من النهار بعد الشروق فاستمروا على ذلك خمسة أيام وذلك بقصد حصول النصر لإبراهيم باشا على الوهابية وقد طالت مدة انقطاع الأخبار عنه وحصل لأبيه قلق زائد ولما انقضت أيام قراءة البخاري نزل للفقهاء عشرون كيسًا فرقت عليهم وكذلك على أطفال المكاتب‏.‏
في 4 شهر ذو الحجة سنة 1232 هـ - أوائل أكتوبر 1817 م  شنقوا أشخاصًا قيل أنهم خمسة ويقال أنهم حرامية‏.‏
وفيه أرسلت الأفيال الثلاثة إلى دار السلطنة صحبة الهدايا المرسلة ثلاثة سروج ذهب وفيها سرج مجوهر وخيول وكباش ونقود وأقمشة هندية وسكاكر وأرز‏.‏
وفيه وصل فيل آخر كبير مروا به من وسط المدينة وذهبوا به إلى رحبة بيت السيد محمد المحروقي وقفوا به في أواخر النهار والناس تجتمع للفرجة عليه إلى أواخر النهار ثم طلعوا إلى القلعة وأوقفوا بالطبخانة وهي محل عمل المدافع وحضر بصحبته شخص يدعي العلم والمعرفة بالطب والحكمة ومعه مجلد كبير في حجم الوسادة يحتوي على الكتب الستة الحديثية وخطه دقيق قال أنه نسخه بيده ونزل ببيت السيد محمد المحروقي وركب له معجون الجواهر أنفق فيه جملة من المال وكجلا وركب أيضًا تراكيب لغيره وشرط عليهم في الاستعمال بعد مضي ستة أشهر وشيء منها بعد شهرين وثلاثة وأقام أيامًا ثم سافر راجعًا إلى صنعاء‏.‏
وفي يوم الثلاثاء 10 شهر ذو الحجة سنة 1232 هـ - 21 أكتوبر 1817 م كان عيد النحر ولم يرد فيه مواش كثيرة كالأعياد السابقة من الأغنام والجواميس التي تأتي من الأرياف فكانت تزدحم منها الأسواق لكثرتها والوكائل والرميلة فلم يرد إلا النزر القليل قبل النحر بيومين ويباع بالثمن الغالي ولم يذبح الجزارون في أيام النحر للبيع كعادتهم إلا القليل منهم مع التحجير على الجلود وعلى من يشتريها وتباع لطرف الدولة بالثمن الرخيص جدًا وانقضت السنة مع استمرار ما تجدد فيها من الحوادث التي منها ما حدث في آخر السنة من الحجر وضبط أنوال الحياكة وكل ما يصنع بالمكوك وما ينسج على نول أو نحوه من جميع الأصناف من إبريم أو حرير أو كتان إلى الخيش والفل والحصير في سائر الإقليم المصري طولًا وعرضًا قبلي وبحري من الإسكندرية ودمياط إلى أقصى بلاد الصعيد والفيوم وكل ناحية تحت حكم هذا المتولي وانتظمت لهذا الباب دواوين ببيت محمود بك الخازندار وأيامًا ببيت السيد محمد المحروقي وبحضرة من ذكر والمعلم غالي ومتولي كبر ذلك والمفتتح لأبوابه المعلم يوسف كنعان الشامي والمعلم منصور أبو سربمون القبطي ورتبوا لضبط ذلك كتابًا ومباشرين يتقررون بالنواحي والبلدان والقرى وما يلزم لهم من المصاريف والمعليم والمشاهرات ما يكفيهم في نظير تقيدهم وخدمتهم فيمضي المتعينون لذلك فيحصون ما يكون موجودًا على الأنوال بالناحية من القماش والبز والأكسية الصوف المعروفة بالزعابيط والدفافي ويكتبون عدده على ذمة الصانع ويكون ملزومًا به حتى إذا تم نسجه دفعوا لصاحبه ثمنه بالفرض الذي يفرضونه وإن أرادها صاحبها أخذها من الموكلين بالثمن الذي يقدرونه بعد الختم عليها من طرفيها بعلامة الميري فإن ظهر عند شخص شيء م غير علامة الميري أخذت منه بل وعوقب وغرم تأديبًا على اختلاسه وتحذيرًا لغيره هذا شأن الموجود الحاصل عند النساجين واستئناف العمل المجدد فإن الموكل بالناحية ومباشريها يستدعون من كل قرية شخصًا معروفًا من مشايخها فيقيمونه وكيلًا ويعطونه مبلغًا من الدراهم ويأمرونه بإحصاء الأنوال والشغالين والبطالين منهم في دفتر فيأمرون البطالين بالنسج على الأنوال التي ليس لها صناع بأجرتهم كغيرهم على طرف الميري ويدفع المتوكل لشخصين أو ثلاثة دراهم يطوفون بها على النساء اللاتي يغزلن الكتان بالنواحي ويجعلنه أذرعًا فيشترون ذلك منهن بالثمن المفروض ويأتون إلى النساجين ثم تجمع أصناف الأقمشة في أماكن للبيع بالثمن الزائد وجعلوا لمبيعها أمكنة مثل خان أبو طقية وخان الجلاد وبه يجلس المعلم كنعان ومن معه وغير ذلك وبلغ ثمن الثوب القطن الذي يقال له البطانة إلى ثلاثمائة نصف فضة بعد ما كان يشترى بمائة نصف وأقل وأكثر بحسب الرداءة والجودة وأدركناه يباع في الزمن السابق بعشرين نصفًا وبلغ ثمن المقطع القماش الغليظ إلى ستمائة نصف فضة وكان يباع بأقل من ثلث ذلك وقس على ذلك باقي الأصناف وهذه البدعة أشنع البدع المحدثة فإن ضررها عم الغني والفقير والجليل والحقير والحكم لله العلي الكبير‏.‏
ومنها أن المشار إليه هدم القصر الذي بالآثار وأنشأه على الهيئة الرومية التي ابتدعوها في عمائرهم بمصر وهدموه وعمروه وبيضوه في أيام قليلة وذلك أنه بات هناك ليلتين فأعجبه هواؤه فاختار بناءه على هواه وعند تمامه وتنظيمه بالفرش والزخارف جعل يتردد إلى المبيت به بعض الأحيان مع السراري والغلمان كما ينتقل ما قصر الجيزة وشبرا والأزبكية والقلعة وغيرها من سرايات أولاده وأصهاره والملك لله الواحد القهار‏.‏
ومنها أن طائفة من الإفرنج الإنكليز قصدوا الإطلاع على الأهرام المنهورة الكائنة ببر الجيزة غربي الفسطاط لأن طبيعتهم ورغبتهم الإطلاع على الأشياء المستغربات والفحص عن الجزئيات وخصوصًا الآثار القديمة وعجائب البلدان والتصاوير والتماثيل التي في المغارات والبرابي بالناحية القبلية وغيرها ويطوف منهم أشخاص في مطلق الأقاليم بقصد هذا الغرض ويصرفون لذلك جملًا من المال في نفقاتهم ولوازمهم ومؤاجريهم حتى أنهم ذهبوا إلى أقصى الصعيد وأحضروا قطع أحجار عليها نقوش وأقلام وتصاوير ونواويس من رخام أبيض كان بداخلها موتى بأكفانها أو أجسامها باقية بسبب الأطلية والأدهان الحافظة لها من البلاء ووجه المقبور مصور على تمثال صورته التي كان عليها في حال حياته وتماثيل آدمية من الحجر السماقي الأسود المنقط الذي لا يعمل فيه الحديد جالسين على كراسي واضعين أيديهم على الركب وبيد كل واحد شبه مفتاح بين أصابعه اليسرى والشخص مع كرسيه قطعة واحدة مفرغ معه أطول من قامة الرجل الطويل وعلو رأسه نصف دائرة منه في علو الشبر وهم شبه العبيد المشوهين الصورة وهم ستة على مثال واحد كأنما أفرغوا في قالب واحد يحمل الواحد منهم الجملة من العتالين وفيهم السابع من رخام أبيض جميل الصورة وأحضروا أيضًا رأس صنم كبير دفعوا في أجرة السفينة التي أحضروه فيها ستة عشر كيسًا عنها ثلاثمائة وعشرون ألف نصف فضة وأرسلوها إلى بلادهم لتباع هناك بأضعاف ما صرفوه عليها وذلك عندهم من جملة المتاجر في الأشياء الغريبة ولما سمعت بالصور المذكورة فذهبت بصحبة ولدنا الشيخ مصطفى باكير المعروف بالساعاتي وسيدي إبراهيم المهدي الإنكليزي إلى بيت قنصل بدرب البرابرة بالقرب من كوم الشيخ سلامة جهة الأزبكية وشاهدت ذلك كما ذكرته وتعجبنا من صناعتهم وتشبههم وصقالة أبدانهم الباقية على ممر السنين والقرون التي لا يعلم قدرها إلا علام الغيوب وأردوا الإطلاع على أمر الأهرام وأذن لهم صاحب المملكة فذهبوا إليها ونصبوا خيمة وأحضروا الفعلة والمساحي والفلقان وعبروا إلى داخلها وأخرجوا منها أتربة كثيرة من زبل الوطواط وغيره ونزلوا إلى الزلاقة ونقلوا منها ترابًا مربع من الحجر المنحوت غير مسلوك هذا ما بلغنا عنهم وحفروا حوالي الرأس العظيمة التي بالقرب من الأهرام التي تسميها الناس رأس أبي الهول فظهر أنه جسم كامل عظيم من حجر واحد ممتد كأنه راقد على بطنه رافع رأسه وهي التي يراها الناس وباقي جسمه مغيب بما انهال عليه من الرمال وساعداه من مرفقيه ممتدان أمامه وبينهما شبه صندوق مربع إلى استطالة من سماق أحمر عليه نقوش شبه قلم الطير في داخله صورة سبع مجسم من حجر مدهون بدهان أحمر رابض باسط ذراعيه في مقدار الكلب رفعوه أيضًا إلى بيت القنصل ورأيته يوم ذاك وقيس المرتفع من جسم أبي الهول من عند صدره إلى أعلى رأسه فكان اثنين وثلاثين ذراعًا وهي نحو الربع من باقي جسمه وأقاموا في هذا العمل نحوًا من أربعة أشهر‏.‏
ج3/126

This site was last updated 03/02/09