Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

 ا

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
ظهور محمد على
New Page 1794
New Page 1795
New Page 1796
New Page 1464
New Page 1459
New Page 1460
New Page 1461
New Page 1462
New Page 1463
New Page 1802
New Page 1801
New Page 1803
New Page 1804
New Page 1805
New Page 1806
New Page 1807
New Page 1808
New Page 1809
New Page 1810
New Page 1811
New Page 1812
New Page 1813
New Page 1814
New Page 1815
محمد على والأقباط
زوجات وجوارى محمد على
محمد على والدولة الحديثة
قصر محمد على بالسويس
محمد على وتحديث مصر
سرقة مقبرة محمد على
Untitled 1918
Untitled 1919
Untitled 1920
مشاهير اللأقباط وقديسهم ومحمد على

Hit Counter

 

 يوم الثلاثاء 28  شهر شعبان سنة 1218 هـ - 13 ديسمبر 1803 م  ركب حسن بك أخو طاهر باشا في عدة وافرة وحضر الى بيت عثمان بك البرديسي بعد العصر على حين غفلة وكان عند الحريم فانزعج من ذلك ولم يكن عنده في تلك الساعة إلا أناس قليلة فأرسل الى مماليكه فلبسوا أسلحتهم وأرسلوا الى الأمراء والكشاف والأجناد بالحضور وتوانى في النزول حتى اجتمع الكثير منهم وصعد بعض الأمراء الى القلعة وحصل بعض قلقة ثم نزل الى التنهة وأذن لأخي طاهر باشا بالدخول إليه في قلة من أتباعه وسأله عن سبب حضوره على هذه الصورة فقال نطلب العلوفة ووقع بينهما بعض كلام وقام وركب ولم يتمكن من غرضه وأرسل البرديسي الى محمد علي فحضر إليه وفاوضه في وفي تلك الليلة نادوا بعمل الرؤية فاجتمع المشايخ عند القاضي وكلموه في ذلك فرجع عما كان عزم عليه ونادوا بها ليلة الخميس فعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب بموكبه على العادة الى بيت القاضي فلم يثبت الهلال تلك الليلة ونودي بأنه من شعبان وأصبح الناس مفطرين فلما كان في صبحها حضر بعض المغاربة وشهدوا برؤيته فنودي بالإمساك وقت الضحى وترقب الناس الهلال ليلة الجمعة فلم يره إلا القليل من الناس بغاية العمر وهو في غاية الدقة والخفاء‏.‏
فى يوم الجمعة 2 شهر رمضان سنة 1218 هـ - 16 ديسمبر 1803 م قرروا فردة على البلاد برسم نفقة العسكر أعلى وأوسط وأدنى ستين ألفًا وعشرين ألفًا وعشرة مع ما الناس فيه من الشراقي والغلاء والكلف والتعايين وعيت العسكر وخصوصًا بالأرياف‏.‏
وفيه نزلت الكشاف الى الأقاليم وسافر سليمان بك الخازندار الى جرجا واليًا على الصعيد وصالح بك الألفي الى الشرقية‏.‏
وفي 8  شهر رمضان سنة 1218 هـ - 22 ديسمبر 1803 م وصل الى ساحل بولاق عدة مراكب بها بضائع رومية ويميش وهي التي كان أطلقها الباشا وفيها حجاج وقرمان‏.‏
وفيه حضر ساع من اسكندرية وعلى يده مكتوب من رضوان كتخدا ومن بصحبته يخبرون بأن الباشا كان وعدهم بالسفر يوم الاثنين وبرز خيامه وخازنداره الى خارج البلد فورد عليه مكاتبة من أمراء مصر يأمرونه بأن يحضر من طريق البر على دمنهور ولا يذهب الى رشيد فانحرف مزاجه م ذلك وأحضر الرسل الذين هم رضوان كتخدا ومن معه وأطلعهم على المكاتبة وقال لهم كيف تقولون إني حاكمكم وواليكم ثم يرسلون يتحكمون على أني لا أذهب الى مصر على هذا الوجه فأرسلوا بخبر ذلك‏.‏
وفي يوم الأربعاء 13 شهر رمضان سنة 1218 هـ - 27 ديسمبر 1803 م غيمت السماء غيمًا مطبقًا وأمطرت مطرًا متتابعًا من آخر ليلة الأربعاء الى سادس ساعة من ليلة الخميس وسقط بسببها عدة أماكن قديمة في عدة جهات وبعضها على سكانها وماتوا تحت الردم وزاد منها بحر النيل وتغير لونه حتى صار لونه أصفر مما سال فيه من جبل الطفل وبقي على ذلك التغير أيامًا إلا أنه حصل بها النفع في الأراضي والمزارع‏.‏
وفي 15 شهر رمضان سنة 1218 هـ - 29 ديسمبر 1803 م ورد الخبر بخروج الباشا من الاسكندرية وتوجهه الى الحضور الى مصر على طريق البر وشرعوا في عمل المراكب التي تسمى بالعقبة لخصوص ركوب الباشا وهي عبارة عن موكب كبير قشاشي يأخذونها من أربابها قهرًا وينقشونها بأنواع الأصباغ والزينة والألوان ويركبون عليها مقعدًا مصنوعًا من الخشب المصنع وله شبابيك وطيقان من الخرط وعليه بيارق ملونة وشراريب مزينة وهو مصفح بالنحاس الأصفر ومزين بأنواع الزينة والستائر والمتكفل بذلك أغات الرسالة فلما خرج الباشا من الاسكندرية أرسل محمود جاويش والسيد محمد الدواخلي الى يحيى بك يقولان له إن حضرة الباشا يريد الحضور الى رشيد في قلة وأما العساكر فلا يدخل أحد منهم الى البلد بل يتركهم خارجها فلما وصلوا الى يحيى بك وأرادوا يقولون له ذلك وجدوه جالسًا مع عمر بك كبير الأرنؤد الذي عنده وهم يقرؤون جوابًا أرسله الباشا الى عمر بك المذكور يطلبه لمساعدته والخروج معه أمسكه بعض أتباع يحيى بك مع الساعي فلما سمعوا ذلك قالوا لبعضهم أي شيء هذا وتركوا ما معهم من الكلام وحضروا الى حصر صحبة رضوان كتخدا‏.‏
وفي يوم الجمعة 16 شهر رمضان سنة 1218 هـ - 30 ديسمبر 1803 م ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها لورود الخبر بموت حسين قبطان باشا وتولية خلافه‏.‏
وفي 20 شهر رمضان سنة 1218 هـ - 3 يناير 1804 م أشيع سفر الألفي لملاقاة الباشا وصحبته أربعة من الصناجق وأبرز الخيام من الجيزة من جهة انبابة وأخذوا في تشهيل ذخيرة وبقسماط وجبخانة وغير ذلك‏.‏
وفي 24 شهر رمضان سنة 1218 هـ - 7  يناير 1804 م  عدى الألفي ومن معه الى البر الشرقي وأشيع تعدية الباشا الى بر المنوفية فلما عدوا الى البر الشرقي انتقلوا بعرضيهم وخيامهم الى جهة شبرا وشرعوا في عمل مخابز العيش في شلقان‏.‏
وفيه حضر واحد بيان آغا يسمى صالح أفندي وعلى يده فرمان فأنزلوه ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك ولا يجتمع به أحد‏.‏
وفي غايته وصل الباشا الى ناحية منوف وفردوا له فردًا على البلاد وأكلوا الزروعات وما أنبتته الأرض وانقضى هذا الشهر وما حصل به من عربدة الأرنؤد وخطفهم عمائم الناس وخصوصًا بالليل حتى كان الإنسان إذا مشى يربط عمامته خوفًا عليها وإذا تمكنوا من أحد شلحوا ثيابه وأخذوا ما معه من الدراهم ويترصدون لمن يذهب الى الأسواق مثل سوق انبابة في يوم السبت لشراء الجبن والزبد والأغنام والأبقار فيأخذون ما معهم من الدراهم ثم يذهبون الى السوق وينهبون ما يجلبه الفلاحون من ذلك للبيع فامتنع الفلاحون عن ذلك إلا في الناد خفية وقل وجوده وغلا السمن حتى وصل الى ثلثمائة وخمسين نصف فضة العشرة أرطال قباني وأما التبن فصار أعز من التبر وبيع قنطاره بألف نصف فضة إن وجد وعز وجود الحطب الرومي حتى بلغ سعر الحملة ثلثمائة فضة وكذا غلا سعر باقي الأحطاب وباقي الأمور المعدة للوقود مثل البقمة وجلة البهائم وحطب الذرة ووقفت الأرنؤد لخطف ذلك من الفلاحين فكانوا يأتون بذلك في آخر الليل وقت الغفلة ويبيعونه بأغلى الأثمان وعلم الأرنؤد ذلك فرصدوهم وخطفوهم ووقع منهم القتل في كثير من الناس حتى في بعضهم البعض وغالبهم لم يصم رمضان ولم يعرف لهم دين يتدينون به ولا مذهب ولا طريقة يمشون عليها إباحية أسهل ما عليهم قتل النفس وأخذ مال الغير وعدم الطاعة لكبيرهم وأميرهم وهم أخبث منهم فقطع الله دابر الجميع وأما ما فعله كشاف الأقاليم في القرى القبلية والبحرية من المظالم والمغارم وأنواع الفرد والتساويف فشيء لا تدركه الأفهام ولا تحيط به الأقلام وخصوصًا سليمان كاشف البواب بالمنوفية فنسأل الله العفو والعافية وحسن العاقبة في الدين والدنيا والآخرة‏.‏
وفى يوم الأحد 2 شهر شوال سنة 1218 هـ - 15  يناير 1804 م  سبع رجلًا تاجرًا من وكالة التفاح ثلاثة من العسكر فهرب منهم الى حمام الطنبدي فدخلوا خلفه وقتلوه داخل الحمام وأخذوا ما في جيبه من الدراهم وغيرها وذهبوا وحضر أهله وأخذوه في تابوت ودفنوه ولم ينتطح فيه شاتان وقتل في ذلك اليوم أيضًا رجل عند حمام القيصرلي وغير ذلك‏.‏
وفيه وصل الباشا الى ناحية شلقان وصحبته عساكر كثيرة انكشارية وغيرهم وأكثرهم من الذين خرجوا مطرودين من مصر وصحبته نحو ستين مركبًا في البحر بها أثقاله ومتاعه وعساكر أيضًا‏.‏
وفيه ركب الألفي والأمراء ما عدا ابراهيم بك والبرديسي فإنهما لم يخرجا من بيوتهما وذهبوا الى مخيمهم بشبرا وخرج أيضًا محمد علي وأحمد بك وأتباعهم وأبقوا عند بيوتهم طوائف منهم‏.‏
وفيه وقعت مشاجرة بين الأرنؤدية جهة بيوت سواري العسكر بسبب امرأة قتل فيها نحو خمسة أنفار بالأزبكية‏.‏
وفي يوم الأثنين 3 شوال سنة 1218 هـ - 16  يناير 1804 م  أوقفوا على أبواب المدينة جماعة من العسكر بأسلحتهم فانزعج الناس وارتاعوا من ذلك وأغلقوا الدروب والبوابات ونقلوا أمتعتهم وبضائعهم من الدكاكين وأكثروا من اللغط وصار العسكر الواقفون بالأبواب يأخذون من الداخل والخارج دراهم ويفتشون جيوبهم ويقولون لهم معكم أوراق فيأخذون بحجة ذلك ما في جيوبهم‏.‏
وفي يوم الثلاثاء 4 شوال سنة 1218 هـ - 17  يناير 1804 م  غيروا العسكر بأجناد من الغز المصرلية فجلس على كل باب كاشف ومعه جماعة من العسكر فكان الكاشف الذي على باب الفتوح يأخذ ممن يمر به دراهم فإن بزي الفلاح بأن كان لابس جبة صوف أو زعبوط أخذ منه ما في جيبه أو عشرة أنصاف إن كان فقيرًا وإن كان من أولاد البلد ومجمل الصورة أو لابس جوخة ولو قديمة طالبه بألف نصف فضة أو حبسه حتى يسعى عليه أهله ويدفعوها عنه ويطلقه وسدوا باب الوزير وباب المحروق وقفلوا باب البرقية المعروف بالغريب بعد أن كانوا عزموا على سده بالبناء ثم تركوه بسبب خروج الأموات ( الصورة المقابلة : جندبان من جنود الغز المصرلية )‏.‏
وفيه نودي بوقود القناديل ليلًا على البيوت والوكائل وكل ثلاثة دكاكين قنديل وفي صبحها خامسه شق الوالي وسمر عدة حوانيت بسبب القناديل وشدد في ذلك‏.‏ وفى صبحها : شق الوالى وسمر عدة حوانيت بسبب القناديل , وشدد فى ذلك
وفي يوم ألأربعاء  5 شوال سنة 1218 هـ - 18  يناير 1804 م وفيه انتقل الألفي ومن معه من الأمراء الى ناحية شلقان ونصبوا خيامهم قبال عرضي الباشا فحضر إليه بعض أتباع الباشا وكلموه عن نزوله في ذلك المكان ونصب الخيام في داخل الخيام ودوسهم لهم فقال لهم هذه منزلتنا ومحطنتا فلم يسع الباشا وأتباعه إلا قلعهم الخيام والتأخر فهذه كانت أول حقارة فعلها المصرلية في العثمانية ( الصورة الجانبية : معسكر الألفى فى شلقان ) ونصب محمد علي وأحمد بك وعساكرهم جهة البحر ثم أن خدم الألفي أخذوا جمالًا ليحملوا عليها البرسيم فنزلوا بها الى بعض الغيطان فحضر أميراخور الباشا بالجمال لأخذ البرسيم أيضًا فوجدوا جمال الألفي وأتباعه فنهروهم وطردوهم فرجعوا الى سيدهم وأخبروه فأمر بعض كشافه بالركوب إليهم فركب رامحًا الى الغيظ وأحضر أميراخور الباشا وقطع رأسه قبالة صيوان الباشا ورجع الى سيده بالجمال ورأس أميراخور فذهب أتباع الباشا وأخبروه بقتل أميراخور وأخذ الجمال فحنق وأحضر رضوان كتخدا ابراهيم بك وتكلم معه ومن جملة كلامه أنا فعلت معكم ما فعلت وصالحت عليكم الدولة ولم تزل تضحك على ذقني وأنا أطاوعك وأصدق تمويهاتك الى أن سرت الى ههنا فأخذتم تفعلون معي هذه الفعال وتقتلون أتباعي وترذلوني وتأخذون حملتي وجمالي فلاطفه رضوان كتخدا في الجواب واعتذر إليه وقال له هؤلاء صغار العقول ولا يتدبرون في الأمور وحضرة أفندي شأنه العفو والمسامحة ثم خرج من بين يديه وأرسل الى أتباع الألفي فأحضر منهم الجمال وردها الى وطاق الباشا وحضر إليه عثمان بك يوسف المعروف بالخازندار وأحمد آغا شويكار فقابلاه وأخذا بخاطره ولم يخرج إليه أحد من الأمراء سواهما‏.‏
 نادوا بخروج العساكر الأرنؤدية الى العرضي وكل من بقي منهم ولم يكن معه ورقة من كبيره فدمه هدر وصار الوالي بعد ذلك كلما صادف شخصًا عسكريًا من غير ورقة قبض عليه وغيبه واستمر يفتش عليهم ويتجسس على أماكنهم ليلًا ونهارًا ويقبض على من يجده متخلفًا والقصد من ذلك تمييز الأرنؤدية من غيرهم المتداخلين فيهم وكذلك من مر على المتقيدين بأبواب المدينة وذلك باتفاق بين المصرلية والأرنؤدية لأجل تميزه من بعضهم وخروج غيرهم‏.‏
وفيه أطلعوا السيد على القبطان أخا علي باشا الى القلعة

وفي يوم الخميس  6 شوال سنة 1218 هـ - 19  يناير 1803 م خرج البرديسي الى جهة شلقان ولم يخرج ابراهيم بك ولم ينتقل من بيته فنصب خيامه على موازاة خيام الألفي وباقي الأمراء كذلك الى الجبل والأرنؤدية جهة البحر

وقد كان الباشا أرسل الى محمد علي وكبار الأرنؤدية وغيرهم من قبائل العربان ومشايخ البلاد المشهورين مكاتبات قبل خروجه من الاسكندرية يستميلهم إليه وبعدهم ويمنيهم إن قاموا بنصرته ويحذرهم ويخوفهم إن استمروا على الخلاف وموافقة العصاة المتغلبين

فنقل الأرنؤدية ذلك الى المصرلية وأطلعوهم على المكاتبات سرًا فيما بينهم واتفقوا على رد جواب المراسلة من الأرنؤدية بالموافقة على القيام معه إذا حضر الى مصر وخرج الأمراء لملاقاته والسلام عليه فيكون هو وعساكره من أمامهم والأرنؤدية المصرية من خلفهم فيأخذونهم مواسطة فيستأصلونهم والموعد بشلفان‏.‏
وسهلوا له أمر الأمراء المصرلية وأنهم في قلة لا يبلغون ألفا ولول بلغوا ذلك فمن المنضمين إليهم من خلاف قبيلتهم وهم أيضًا معنا في الباطن ودبروا له تدبيرًا ومناصحات تروج على الأباليس منها أن يختار من عسكره قدر كذا من الموصوفين بالشجاعة والمعرفة بالسباحة والقتال في البحر ويجعلهم في السفن قبالته في البحر وأن يعدوا بالعساكر البرية الى البر الشرقي من مكان كذا ويجعل الخيالة والرجالة معه على صفة ذكروها له ولما وصل الى الرحمانية أرسل لهالأرنؤد مكاتبة سرًا بأن يعدي الى البر الشرقي وبينوا له صواب ذلك‏.‏
وهو يعتقد نصحهم فعدى الى البر الشرقي فلما حضر الى شلقان رتب عساكره وجعلهم طوابير وجعل كل بينباشا في طابور وعملوا متاريس ونصبوا المدافع وأوقفوا المراكب بما فيها من العساكر والمدافع بالبحر على موازاة العرضي فخرج الألفي كما ذكر بمن معه من الأمراء المصرلية والعساكر الأرنؤدية وأرسل الى الباشا بالانتقال والتأخر فلم يجد بدًا من ذلك فتأخر الى زفيتة ونزل ونصب هناك وطاقه ومتاريسه وفي وقت تلك الحركة تسلل حسين بك الإفرنج ومن معه من العساكر بالغلايين والمراكب واستعلوا على مراكب الباشا واحتاطوا بها وضربوا عليهم بالبنادق والمدافع وساقوهم الى جهة مصر وأخذوهم أسرى وذهبوا بهم الى الجيزة بعدما قتلوا من كان فيهم من العساكر المحاربين وكبيرهم يسمى مصطفى باشا أخذوه أسيرًا أيضًا

وكان بالمراكب أناس كثيرة من التجار وصحبتهم بضائع وأسباب رومية كان الباشا عوقهم بسكندرية فنزلوا في المراكب ليصلوا ببضائعهم وطمعًا في عدم دفعهم الجمرك فوقعوا أيضًا في الشرك وارتكبوا فيمن ارتبك

ولما تأخر الباشا عن منزلته واستقر بأراضي زفيتة أحاطت به المصريون والعربان وتحلقوا حوله ووقفوا لعرضيه بالرصد فكل من خرج عن الدائرة خطفوه ومن الحياة أعدموه وأرسل إليه الألفي علي كاشف الكبير فقال له حضرة ولدكم الألفي يسلم عليكم ويسأل عن هذه العساكر المصحوبين بركابكم وما الموجب لكثرتها وهذه هيئة النابذين لا مسالمين والعادة القديمة أن الولاة لا يأتون إلا بأتباعهم وخدمهم المختصين بخدمتهم وقد ذكروا لكم ذلك وأنتم بسكندرية فقال‏:‏ نعم وإنما هذه العساكر متوجهة الى الحجاز تقوية لشريف باشا على الخارجي وعندما نستقر بالقلعة نعطيهم جماكيهم ونشلهم ونرسلهم فقال‏:‏ إهم أعدوا لكم قصر العيني تقيمون به فإن القلعة خربها الفرنسيس وغيروا أوضاعها فلا تصلح لسكناكم كا لا يخفاكم ذلك وأما العسكر فلا يدخلون معكم بل ينفصلون عنكم ويذهبون الى بركة الحاج فيمكثون هناك حتى نشهل لهم احتياجاتهم ونرسلهم ولسنا نقول ذلك خوفًا منهم وإنما البلدة في قحط وغلاء والعساكر العثمانية منحرفوا الطباع ولا يستقيم حالهم مع الأرنؤدية ويقع بينهم ما يوجب الفشل والتعب لنا ولكم‏.‏
فقال : " إذن إرحل وإرجع غلى الإسكندرية حيثما كنت " فقال : هذا لا يكون .. وإن فعلتم ذلك حصل لكم الضرر " فقال : : إن العسكر لهم عندى 480 كيساً أحضروها من حسابى معكم ... ندفعها لهم , وينتقلون إلى البركة كما قلتم "

ورجع على الكاشف إلى المراء بذلك الجواب وحضر عابدى بيك من طرف الباشا إلى الأمراء _ وهو كبير العساكر الإنكشارية , فكلموه وكلمهم وميلوه وخدعوه , وذهب إلى الباشا وعاد إليهم , فكان آخر كلامهم له : " إن بيننا وبينه فى الغد , إما الباشا يحضر عندنا فى جماعته المختصين به , وينزل بمخيمنا , وإما الحرب بيننا وبينه " وإنتظروا عابدى بيك , فلم يرجع لهم بالجواب , وهى العلامية بينهم وبينه !! .. وإشتغل هو تلك الليلة مع أصحابه وثبطهم وحل عزائمهم .

فلما اصبح الصباح , وركب الأمراء المصرلية بعساكرهم , وجعلوها طوابير , وزحفوا عرضى الباشا من كل جهة , فأمر عساكره بالركوب والمحاربة ... فلم يتحركوا , وقالوا : " لم تأمر بالمحاربة !!! " وليس معك فرمان بذلك , وإخواننا البحريون أخذوا عن آخرهم , ولم تعطنا جاميكة ولا نفقة , ولا طاقة لنا بحرب المصريين على هذا الوجه "

فلما تحقق خذلانهم له فى ذلك الوقت الضيق , ركب فى خاصته , وذهب إلى المراء , وترك خيامه وأثقاله , فإستقبلوه وأرسلوه , وصحبه عثمان بيك الخازندار , ورضوان كتخدا البرديسى وأحمد أغا شويكار إلى الخيام التى أعدوها له عند خيام البرديسى .

وحضر إليه كتخدا الجاويشية وكاتب حوالة والوالى وباقى أرباب خدم الديوان , وذهب بعض خدمه وفراشينه إلى قصر العينى ليفرشوه ويرتبوه وينظموه .

وأحضروا مصطفى باشا الذى كان فى المراكب وما كان بصحبته من لوازم الباشا إلى القصر المذكور , وأشيع صلح الأمراء مع الباشا , ثم أن الألفى أرسل إلى كبار عسكر الباشا , فطلبهم ليعطيهم جماكيهم , فلما حضروا عنده , وعدتهم سبعة , عرف منهم ستة من المطرودين فى الفتن السابقة , داروا ورجعوا إلى الإسكندرية لما سمعوا بعلى باشا , فوبخهم ولعنهم , وقال لهم : " أطلقناكم وعتقناكم وعفونا عنكم , وسفرناكم , وكأنكم عدتم لتأخذوا بثأركم " ثم أمر بضرب أعناقهم ... ففعل بهم ذلك ورموا فى البحر ما عدا سابعهم فإنه لم يكن من الذين حضروا إلى مصر , وتعارف محمد على معه فشفع فيه , وتركوه مع الأرنؤود !!

وأحضروا متاع الباشا وحملته وطبلخانه من عرضيه إلى عرضى الأمراء , وأمروا أولئك العساكر بالرحيل , فرحلوا مع حسين بيك الوشاش الألفى وصالح بيك الألفى , وقد كان نزل إلى الشرقية , وحضر عند وصول الباشا وصحبته جملة من العربان , ثم رجع مع خشداشينه , مع العسكر إلى شرقية بلبيس , ليوصلهم إلى الصالحية ... والله أعلم ماذا فعل بهم , وعدتهم ألفان وخمسمائة .

وحضر إليه كتخدا

وفى يوم السبت 8  أنتقل الأمراء إلى منية السيرج

وفى يوم الأثنين 10 شوال سنة 1218 هـ - 22 يناير 1804 م أشيع بركوب الباشا بالموكب إلى القصر العينى على طريق بولاق , وجمع المحتسب خيول الطوحين , وخرج كثير من الناس فى ذلك اليوم إلى جهة بولاق لأجل الفرجة ... فلم يحصل , وقيل أنهم أخروه إلى يوم الأربعاء ثانى عشرة .

الأربعاء 12 شوال سنة 1218 هـ - 25 يناير 1804 م وصل فى صبحها التنابية لأختيارية فى الوجاقات بالحضور والركوب مع الباشا , فلما كان وقت الصحوة الكبرى , توترت الأخبار أنهم أركبوا الباشا وسفره إلى جهة بلبيس الصالحية .

وكان من خبره أنه لما حضر إلى مخيم الأمراء , أرسل غليه عثمان بيك البرديسى كتخدا رضوان كاشف , المعروف بالغرباوى , بهدية وألف نصفية ذهب , وبلغه السلام ولاطفه , قال الباشا له ولمن حضر من الأمراء : أنا عندما قلدونى ولاية مصر قلت للدولة أن أول حوائجى العفو عن الأمراء المصرلية , لأنهم فى عنقى جميلاً عندما حضرت إليهم هارباً من طرابلس , فآوونى وأكرمونى , وأقمت معهم مدة طويلة فى غاية الحظ والإكرام , ولا أنسى معروفهم "

فأجابوه بانهم أيضاً يراعون له ذلك , ولا ينسون عشرتهم معه وخصوصاً صداقته لسيدهم مراد بيك , فإنه كان معه كالأخوين , ولا يانس إلا بمجالسته وركوبه معه إلى الصيد وغيره ... ولو وقع منه بمكاتبه الأرنؤود والعربان وغيرهم .. فقال : " هذا شئ قد كان , ونحن أولاد اليوم " .. وأقام ثلاثة أيام بالخيام التى أجلسوه بها فى عرض البراديسى , ورتب له طعاماً فى الغداء والعشاء من طعامة , ولم يجتمع به احد من ألأمراء الكبار سوى عثمان بيك يوسف المعروف بالخازندار , وأحمد أغا شويكار , وأرباب الخدم .

وأما الذنب الذى نقموه عليه فهو أنهم ذكروا أن فى الليلة التى بات فيها فى عرضى البرديسى , كان خرج من خيامه فارس على فرس يعدوا بسرعة فصهلت الخيل , وإنزعج العرضى , وجروا خلفه فلم يلحقوه , فسألوا الباشا عن ذلك . فقال : لعله حرامى أراد أن يسرق شيئاً وخرج هارباً ! " فلما حصل ذلك , أجلسوا حوله عدة مماليك المسلحين , فسأل عنهم , فقيل له : " أنهم جلوس بقصد المحافظة من السراق " ثم أنه قبضوا على هجان بناحية البساتين مسافر إلى قبلى , زعموا أنهم وجدوا معه مكاتبات من الباشا خطاباً إلى عثمان بيك بقنا , يطلبه الحضور إلى مصر ليكون معيناً له , ويعده بإمارة مصر ... ونحو ذلك .

فلما كان يوم الأربعاء المذكور , حضر إليه الجماعة فسلموا عليه , وأذن لهم بالجلوس فجلسوا وهم سكوت ينظرون إلى بعضهم , فنظر لهم الباشا وقال : " خيراً " فتكلم رضوان كتخدا البرديسى وقال : " ألسنا أصطلحنا مع حضرة أفندينا , وصفا خاطرة معنا ؟ " فقا ل: " نعم فقال له : " هل وقع من حضرتكم لأحد مكاتبة قبل ذلك ؟ " قال : " لا " قال : " لعلكم أرسلتم مكاتبة إلى قبلى " قال : " لا " قال : لم يكن ذلك أبداً " فأخرج له مكتوباً وناوله إياه ... فلما رآه قال : " هذا ما كتبته بإسكندرية , فقالوا له : " نحن وجدناه أمس مع الهجان المسافر به جهة البساتين , قبض عليه المحافظون بتلك الجهة فى ساعته وتاريخه قريب " فسكت متفكراً فقاموا على أقدامهم وقالوا : " بيرون " بمعنى  تفضلوا فقال : " إلى أين ؟ " فقالوا : " إلى غزة .. فإنه لا أمان لنا معك بعد ذلك "

لكلام بقوله , ولا عذر بيديه , حتى أنهم لم يمهلوه لمجئ مركوبه المختص به , بل قدموا له فرساً لبعض المماليك , وأركبوه له , وفى حال ركوبه , رأى الأمراء مستعدين للذهاب معه وقوفاً فى أنتظاره فقال لهم : " إن صحبنى أحد منكم فقولوا لهم يكونون متباعدين عنى فى الحط والترحال " فأجابوه إلى ذلك .

زسار معه محمد بيك المنفوخ , وسليمان بيك صهر إبراهيم بيك ... على الشرط , وركب أتباعه خيول الطواحين , التى كانوا أعدوها للركوب , وكان الطحاتنون ينتظرون متى ينقضى الركوب , ويأخذون خيولهم , فلما تحقق سفرهم , طارت عقول الطحانين , وذهبوا إلى صيوان البرديسى يشكون إليه عطل م

مطاحن البلد فقال لهم : " دونكم ... ها هى أمامكم إذهبوا فخذوها " فجروا خلفها , ومسك كل طحاتن فرسه أو أفراسه , وأنزل عنها راكبها , وأخذوها ورجعوا مسرورين بخيولهم , ولم يقدروا على منعهم , لأنهم صاروا أذلاء مقهورين !! وركبوا بدلاً منها جمالاً , وحجز البرديسى طبلخانة الباشا ومهاترته وطقمه وغالب متاعه , وأشيع ركوبه وذهابه

وفى يوم الخميس 13  دخل الأمراء والعساكر الأرنؤودية وأكابرهم وهم فرحون مسرورون , وخلفهم الطبول والزمور , وركب حسين بيك الأفرنجى المعروف باليهودى , وأمامه العسكر المختصون بطبلهم مثل طبل الفرنسيس , وعلى رؤوسهم برانيط من نحاس أصفر , وهم نصارى وأروام وتكرور , وخلف البرديسى نوبة الباشا ومهاترته بعينهم يطبلون ويزمرون , ولم يدخل الألفى معهم , بل ركب من عرضية بأمرائة وكشافه , فذهب إلى عرب بلى بالجزيرة ... فطرقهم على حين غفلة , وقتل منهم أناساً ونهب مواشيهم ونجعهم , وضرب أيضاً زفتية وأجهور ونحو عشرين بلداً وحرقوا أكثرهم , وأخذوا زرعهم ومتاعهم , بسبب أنه لما كان الباشا كاتب مشايخ البلاد والعربان , أغتروا به , وعندما حل بالقرب منهم قبحوا فى حق المصلالية وأتباعهم , وطردوهم وأسمعوهم أفحش الكلام , وقامت العربان فى الشرقية , وتعصبوا على صالح بيك الألفى , فأوجب تحامل المصرلية عليهم حتى جازوهم به عندما فرغوا من أمر الباشا .

وفي ليلة الجمعة رابع عشره حصل خسوف للقمر جزئي بعد رابع ساعة من الليل ومقدار المنخسف أربع أصابع وثلث وانجلى في سابع ساعة إلا شيئًا يسيرًا‏.‏
وفي ذلك اليوم أرسل البرديسي الى شيخ السادات تذكرة صحبة واحد كاشف من أتباعه يطلب عشرين ألف ريال سلفة فلاطفه ورده بلطف فرجع الى مخدومه وأبقى ببيت الشيخ جماعة من العسكر فوبخه على الرجوع من غير قضاء حاجة وأمره بالعود ثانيًا فعاد إليه في خامس ساعة من الليل وصحبته جماعة أخرى من العسكر فأزعجوا أهل البيت وأرسلت عديلة هانم ابنة ابراهيم بك الى المعينين تأمرهم أن لا يعملوا قلة أدب وأرسلت الى أبيها لأن منزلها بجواره فاهتم لذلك وأرسل خليل بك الى البرديسي فكفه عن ذلك بعد علاج وسعي ورفع المعينين‏.‏
وفي ليلة الخميس 20 شوال سنة 1218 هـ - 2 فبراير 1804 م وصلت أخبار ومكاتبات من الأمراء الذين ذهبوا بصحبة الباشا يخبرون فيها بموت الباشا بالقرين فضربوا مدافع كثيرة بعد العشاء ونصف الليل ومضمون ما ذكروه في المراسلة أن الباشا أراد أن يكسبهم بمن معه ليلًا وكان معهم سائس يعرف بالتركي فحضر إليهم وأخبرهم فتحذروا منهم فلما كبسوهم وقعت بينهم محاربة وقتل منهم عدة من المماليك وخازندار محمد بك المنفوخ وانجرح المنفوخ أيضًا جرحًا بليغًا وأصيب الباشا وصاحبه من غير قصد والليل ليس له صاحب فقضى عليه وكان ذلك مقدورًا وفي الكتاب مسطورًا وأنكم ترسلوا لنا أمانًا بالحضور الى مصر ولا ذهبنا الى الصعيد هذا ما قالوه والواقع أنهم لما سافروا معه كان بصحبته خمسة وأربعون نفسًا لا غير والعساكر التي كانت سافرت قبله نجعت الى الصالحية أو ذهبت حيث شاء الله وكان أمامه عسكر المغاربة وخلفه الأمراء المصرلية فلما وصلوا الى أراضي القرين ونزلوا هناك عمل المغاربة مع الخدم مشاجرة وجسموها الى أن تضاربوا بالسلاح فقامت الأجناد المصرلية من خلفهم فصار الباشا ومن معه في الوسط والتحموا عليهم بالقتال ففر من أتباعه أربعة عشر نفسًا الى الوادي وثلاثة عشر رموا بأنفسهم في ساقية قريبة منهم من حلاة الروح وضرب الباشا بعض المماليك منهم بقرابينة فأصابته وقتل معه ابن أخته حسن بك وكتخداه وباقي الثمانية عشر‏.‏
فلما سقط الباشا وبه رمق رأى أحد الأميرين فقال له‏:‏ في عرضك يا فلان إن معي كفنًا داخل الخرج فكفني فيه وادفني ولا تتركني مرميًا فلما انقضى ذلك أعطى ذلك الأمير لبعض العرب دنانير وأعطاه الكفن الذي أوصاه عليه وقال له‏:‏ اذهب الى مقتلهم وخذ الباشا فكفنه وادفنه في تربة ففعل كما أمره وحفروا لباقيهم حفرًا ووارهم فيها وانقضى أمرهم هذا أخبار بعض تلك البلاد المشاهدين للواقعة وكل ذلك وبال فعله وسوء سريرته وخبث ضميره فلقد بلغنا أنه قال لعسكره‏:‏ إن بلغت مرادي من الأمراء المصريين وظفرت بهم وبالأرنؤد أبحت لكم المدينة والرعي ثلاثة أيام تفعلون بها ما شئتم والدليل على ذلك ما فعله بالاسكندرية مدة إقامته بها من الجور والظلم ومصادرات الناس في أموالهم وبضائعهم وتسلط عساكره عليهم بالجور والخطف والفسق وترذيله لأهل العلم وإهانته لهم حتى أنه كان يسمى الشيخ محمد المسيري الذي هو أجل مذكور في الثغر بالمزور وإذا دخل عليه مع أمثاله وكان جالسًا اتكأ ومد رجليه قصدًا لإهانتهم‏.‏
كان أصله من الجزائر مملوك محمد باشا حاكم الجزائر فلما مات محمد باشا وتولى مكانه صهره أرسله بمراسلة الى حسين قبطان باشا وكان أخوه المعروف بالسيد علي مملوكًا للدولة ومذكورًا عند قبطان باشا ومتولي الريالة فنوه بذكره فقلده قبطان باشا ولاية طرابلس وأعطاه فرمانات ويرق فذهب إليها وجيش له جيوشًا ومراكب وأغار على متوليها وهو أخو حمودة باشا صاحب تونس وحاربه عدة شهور حتى ملكها بمخامرة أهلها لعلمهم أنه متوليها من طرف الدولة وهرب أخو حمودة باشا عند أخيه بتونس فلما استولى علي باشا المذكور على طرابلس أباحها لعسكره ففعلوا بها أشنع وأقبح من التمرلكنية من النهب وهتك النساء والفسق والفجور وسبه حريم متوليها وأخذهن أسرى وفضحهن بين عسكره ثم طالبهم بالأموال وأخذ أموال التجار وفرد على أهل البلد وأخذ أموالهم ثم أن المنفصل حشد وجمع جموعًا ورجع الى طرابلس وحاصره أشد المحاصرة وقام معه المغرضون له من أهل البلدة والمقروصون من علي باشا فلما رأى الغلبة على نفسه نزل الى المراكب بما جمعه من الأموال والذخائر وأخذ معه غلامين جميلين من أولاد الأعيان شبه الرهائن وهرب الى اسكندرية وحضر الى مصر والتجأ الى مراد بك فأكرمه وأنزله منزلًا حسنًا عنده بالجيزة وصار خصيصًا به وسبب مجيئه الى مصر ولم يرجع الى القبطان علمه أنه صار ممقوتًا في الدولة لأن من قواعد الدولة العثمانيين أنهم إذا أمروا أميرًا في الولاية ولم يفلح مقتوه وسلبوه وربما قتلوه وخصوصًا إذا كان ذا مال ثم حج المترجم في سنة سبع ومائتين وألف من القلزم وأودع ذخائره عند رشوان كاشف المعروف بكاشف الفيوم لقرابة بينهما من بلادهما ولما كان بالحجاز ووصل الحجاج الطرابلسية ورأوه وصحبته الغلامان ذهبوا الى أمير الحاج الشامي وعرفوه عنه وعن الغلامين وأنه يفعل بهما الفاحشة فأرسل معهم جماعة من أتباعه في حصة مهملة وكبسوا عليه على حين غفلة فوجدوه راقدًا ومعه أحد الغلامين فسبه الطرابلسية ولعنوه وقطعوا لحيته وضربوه بالسلاح وجرحوه جرحًا بالغًا وأهانوه وأخذوا منه الغلامين وكادوا يقتلونه لولا جماعة من جماعة أمير الحاج ثم رجع الى مصر من البحر أيضًا وأقام في منزلته عند مراد بك زيادة عن ست سنوات الى أن حضر الفرنسيس الى الديار المصرية فقاتل مع الأمراء وتغرب معهم في قبلي وغيره ثم انفصل معهم وذهب الى خلف الجبل وسار الى الشام فأرسله الوزير يوسف باشا بعد الكسرة بمكاتبات الى الدولة فلم يزل حتى وقعت هذه الحوادث وقامت العسكر على محمد باشا وأخرجوه ووصل الخبر الى اسلامبول فطلب ولاية مصر على على ظن بقاء حبل الدولة العثمانية وأوامرها بمصر وليس بها إلا طاهر باشا والأرنؤد وجعل على نفسه قدرًا عظيمًا من المال ووصل الى الاسكندرية وبلغه انعكاس الأمر وموت طاهر باشا وطرد الينكجرية وانضمام طائفة الأرنؤد للمصرلية وتمكنهم من البلدة فأراد أن يدبر أمرًا ويصطاد العقاب بالغراب فيجوز بذلك سلطنة مجددة ومنقبة مؤبدة فلم تنفعه التدابير ولم تسعفه المقادير فكان كالباحث على حتفه بظلفه الجادع بيده مارن أنفه ولم يعلم أنها القاهرة كما قهرت جبابرة وكادت فراعنة‏.‏
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده وكان صفته أبيض اللون عظيم اللحية والشوارب أشقرهما قليل الكلام بالعربي يحب اللهو والخلاعة‏.‏
ولما انقضى أمره وأرسل سليمان بك ومحمد بك مكاتبات الى شاهين بك ونظرائه بما ذكروا أن يأخذوا لهم أمانًا من ابراهيم بك البرديسي فكتبوا لهم أمانًا بعد امتناع منهما وإظهار التغير والغضب والتأسف على التفريط منهما في قتله‏.‏
وفي يوم الخميس المذكور عملوا ديوانًا وأحضروا صالح آغا قابجي باشا الذي حضر أولًا‏.‏
ونزل ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك وقرأوا الفرمان الذي معه وهو يتضمن ولاية علي باشا والأوامر المعتادة لا غير وليس فيها ما كان ذكره علي باشا من الجمارك والالتزام وغيره‏.‏
وتكلم الشيخ الأمير في ذلك المجلس وذكر بعض كلمات ونصائح في اتباع العدل وترك الظلم وما يترتب عليه من الدمار والخراب وشكا الأمراء المتآمرون من أفعال بعضهم البعض وتعدى الكشاف النازلين في الأقاليم وجورهم على البلاد وأنه لا يتحصل لهم من التزامهم وحصصهم ما يقوم بنفقاتهم فاتفق الحال على إرسال مكاتبات للكشاف بالحضور والكف عن البلاد‏.‏
وأما مصطفى باشا فإنهم أنزلوه في مركب مع أتباع الباشا الذين كانوا بقصر العيني وسفروهم الى حيث شاء الله‏.‏
وفيه وصل الألفي من سرحته الى مصر القديمة فأقام في قصره الذي عمره هناك وهو قصر البارودي يومين ثم عدى الى الجيزة ودخل أتباعه بالمنهوبات من الجمال والأبقار والأغنام‏.‏
ومعهم الجمال محملة بالقمح الأخضر والفول والشعير لعدم البرسيم فإنهم رعوا ما وجدوه في حال ذهابهم وفي رجوعهم لم يجدوا خلاف الغلة فرعوها وحملوا باقيها على الجمال ولو شاء ربك ما فعلوه‏.‏
وفي يوم السبت 22 شوال سنة 1218 هـ - 4 فبراير 1804 م وقعت معركة بين الأرنؤدية وعسكر التكرور بالقرب من الناصرية بسبب حمل برسيم وضربوا على بعضهم بنادق رصاص وقتل بينهم أنفار واستمروا على مضاربة بعضهم البعض نحو سبعة أيام وهم يترصدون لبعضهم في الطرقات‏.‏
وفي يوم الثلاثاء 25 شوال سنة 1218 هـ - 7 فبراير 1804 م عملوا ديوانًا وقرأوا فرمانًا وصل من الدولة مع الططر خطابًا لعلي باشا والأمراء بتشهيل أربعة آلاف عسكري وسفرهم الى الحجاز لمحاربة الوهابيين وإرسال ثلاثين ألف أردب غلال الى الحرمين وأنهم وجهوا أربع باشات من جهة بغداد بعساكر‏.‏
وكذلك أحمد باشا الجزار أرسلوا له فرمانًا بالاستعداد والتوجه لذلك فإن ذلك من أعظم ما تتوجه إليه الهمم الإسلامية وأمثال ذلك من الكلام والترفق وفيه بعض القول بالحسب والمروءة بتنجيز المطلوب من الغلال وإن لم تكن متيسرة عندكم تبذلوا الهمة في تحصيلها من النواحي والجهات بأثمانها على طرف الميري بالسعر الواقع‏.‏
وفيه تقيد لضبط مخلفات علي باشا صالح أفندي ورضوان كتخدا ونائب القاضي وباشكاتب‏.‏
وفيه حضر الأمراء الذين توجهوا بصحبة الباشا الى الشرقية وفي هذا اليوم حضر عثمان كاشف البواب الذي كان بالمنوفية وترك خيامه وأثقاله وأعوانه على ما هم عليه وحضر في قلة من أتباعه‏.‏
وفيه نقلوا عسكر التكرور من ناحية قناطر السباع الى جهة أخرى وأخرجوا سكانًا كثيرة من دورهم جهة الناصرية وأزعجوهم من مواطنهم وأسكنوا بها عساكر وطبجية‏.‏
وفيه أنزلوا السيد علي القبطان من القلعة الى بيت علي بك أيوب كما كان وهذا السيد علي‏.‏
هو أخو علي باشا المقتول كما ذكر وأصله مملوك وليس شريف كما يتبادر الى الفهم من لفظ سيد أنها وصف خاص للشريف بل هي منقولة من لغة المغاربة فإنهم يعبرون عن الأمير بالسيد بمعنى المالك وصاحب السيادة‏.‏
وفي سادس عشرينه أنزلوا محمل الحاج من القلعة مطويًا من غير هيئة وأشيع في الناس دورانه الى بيت ابراهيم بك صحبة أحد الكشاف وطائفة من المماليك واتفق الرأي على سفره من طريق بحر القلزم صحبة محمود جاويش مستحفظان ومعه الكسوة والصرة وكان حضر الكثير من حجاج الجهة القبلية بجمالهم ودوابهم ومتاعهم فلما تحققوا عدم السفر حكم المعتاد‏.‏
باعوا جمالهم ودوابهم بالرميلة بأبخس الأثمان لعدم العلف بعدما كلفوها بطول السنة وما قاسوه أيضًا في الأيام التي أقاموها بمصر في الانتظار والتوهم‏.‏
وفى   يوم الاثنين 1 شهر ذي القعدة سنة 1218 هـ  - سنة 1218 هـ - 7 فبراير 1804 م  فيه أنزلوا حسين قبطان ومن معه من عسكر الأرنؤد من القلعة وكانوا نحو الأربعمائة فذهبوا الى بولاق وسكنوا بها بعدما أخرجوا السكان من دورهم بالقهر عنهم‏.‏
ولم يبق بالقلعة من أجناسهم سوى الطبجية المتقيدين بخدمة المصرلية‏.‏
وفيه ألبس ابراهيم بك كتخداه رضوان خلعة وأشيع أنه قلده دفتردارية مصر وذهب الى البرديسي فخلع عليه أيضًا وكذلك الألفي وذلك إكرامًا له وتنويهًا بذكره جزاء فعله ومجيئه بالباشا وتحيله عليه‏.‏

ليلة الجمعة خامسه وصلت مكاتبات من يحيى بك البرديسي
حاكم رشيد يخبر فيها بوصول محمد بك الألفي الكبير الى ثغر رشيد يوم الأربعاء ثالثه وقد طلع على أبي قير وحضر الى ادكو ثم الى رشيد في يوم الأربعاء المذكور وقصده الإقامة برشيد ستة أيام‏.‏
فلما وصلت تلك الأخبار عملوا شنكًا وضربوا مدافع كثيرة بعد الغروب وكذلك بعد العشاء وفي طلوع النهار من جميع الجهات من الجيزة ومصر القديمة وبيت البرديسي والقلعة‏.‏
وأظهروا البشر والفرح وشرعوا في تشهيل الهدايا والتقادم وأضمروا في نفوسهم السوء له ولجماعته المتآمرين حسدًا لرئاسته عليهم وخمولهم بحضوره فهاجت حفائظهم وكتموا حقدهم وتناجوا فيما بينهم وبيتوا أمرهم مع كبار العسكر وأرسل البرديسي كتابًا الى مملوكه يحيى بك نابعه حاكم رشيد يأمره فيه بقتل الألفي هناك وركب هو الى المنيل وعدى شاهين بك ومحمد بك المنفوخ واسمعيل بك صهر ابراهيم بك وعمر بك الإبراهيمي الى بر الجيزة ليلة الأحد ونصبوا خيامهم ليستعدوا الى السفر من آخر الليل صحبة الألفي الصغير وعدى أيضًا قبلهم حسين بك الوشاش الألفي ونصب خيامه بحري منهم فلما كان في خامس ساعة من الليل أرسلوا الى حسين بك يطلبونه إليه فحضر مع مماليكه وقد رتبوا جماعة منهم تأتي بخيول ومشاعل من جهة القصر فقالوا له‏:‏ أين الخيول فإننا راكبون في هذا الوقت للملاقاة‏.‏
وها هو أوك الألفي قد ركب وهو مقبل فنظر فرأى المشاعل والخيول فلم يشك في صحة ذلك ولم يخطر بباله خيانتهم له فأمر مماليكه أن يذهبوا الى خيولهم ويركبوا ويأتوه بفرسه‏.‏
فأسرعوا الى ذلك وبقي هو وحده ينتظر فرهسه فعاجلوه وغدروه وقتلوه بينهم وأرسلوا الى ابرديسي بالخبر وكان محمد علي وأحمد بك والأرنؤدية عدوا قبلي الجيزة ليلًا وكمنوا بمكان ينتظرون الإشارة ويتحققون وقوع الدم بينهم فلما علموا ذلك حضروا الى القصر وأحاطوا به وكان طبجي الألفي مخامرًا أيضًا فعطل فوالي المدافع واستمروا في ترتيب الأمراء على القصر الى آخر الليل فحضر الى األفي من أيقظه وأعلمه بقتل حسين بك وإحاطتهم بالقصر‏.‏
فأراد الاستعداد للحرب وطلب الطبجي فلم يجده وأعلموه بما فعل بالمدافع فأمر بالتحميل وركب في جماعته الحاضرين وخرج من الباب الغربي وسار مقبلًا فركب خلفه الأمراء المذكورون وساروا مقدار ملقتين حتى تعبت خيولهم ولم يكن معهم خيول كثيرة لأنهم لم يكونوا يظنون خروجه من القصر واشتغل أكثر أتباعهم بالنهب لأنه عندما ركب الألفي وخرج من القصر دخله العسكر والأجناد ونهبوا ما فيه من الأثقال والأمتعة والفرش وغيرها‏.‏
وكان كاتبه المعلم غالي ساكنًا بالجيزة وكذلك كثير من أتباعه ومقدميه فذهبوا الى دورهم فنهبوها وأخذوا ما عند كاتبه المذكور من الأموال ثم نهبوا دور الجيزة عن آخرها ولم يتركوا بها جليلًا ولا حقيرًا حتى عروا ثياب النساء وفعلوا بها مثل ما فعلوا بدمياط وأصبح الناس بالمدينة يوم الأحد لايعلمون شيئًا من ذلك إلا أنهم سمعوا الصراخ ببيت حسين بك جهة التبانة وقيل إنه قتل ببر الجيزة فصار الناس في تعجب وحيرة واختلفت رواياتهم ولم يفتحوا دكاكينهم ونقلوا أسبابهم منها وظلوا غالب اليوم لم يعلموا سر قتل حسين بك إلا من صراخ أهل بيته وكل ذلك وقع وابراهيم بك جالس في بيته ويسأل ممن يدخل إليه عن الخبر وأحضر محمود جاويش المعين للسفر بالمحمل وصير في الصرة والكتبة واشتغل معهم ذلك اليوم في عدد مال اصرة وحسابها ولوازم ذلك وبعد العصر أشيع المرور بالمحمل فاجتمع الناس للفرجة فمروا به من الجمالية الى قراميدان قبل الغروب وأصبح يوم الاثنين ثامنه ركب ابراهيم بك وأمراؤه الى قراميدان وسلم المحمل واجتمع الناس للفرجة على العادة فمروا به من الشارع الأعظم الى العادلية وأمامه الكسوة في أناس قليلة وطبل وأشاير وعينوا للذهاب معه أربعمائة مغربي من الحجاج رتبوا لهم جامكية ثلاثين نفرًا من عسكر الأرنؤد هذا ما كان من هؤلاء وأما ما كان من أمر الألفي الكبير فإنه لما حضر الى رشيد يوم الأربعاء ثالثه كما تقدم قابله يحيى بك وعمل له شنكًا وطعامًا وما يليق به وسأله عن مدة إقامته برشيد فقال له أريد الإقامة ستة أيام حتى نستريح ونزل ببيت مصطفى عبد الله التاجر ولم يكن معه إلا خاصة مماليكه وجوخداره تتمة ستة عشر فاستأذنه يحيى بك في إرسال الخبر الى مصر ليأتي الأمراء الى ملاقاته فلم يرض بذلك ثم أنه لم يقم برشيد إلا ليلة واحدة وأنزل أمتعته في أربع مراكب من الرواحل وانتقل آخر الليل الى بيت البطروشي القنصل وأمر بتنقيل المتاع الى مراكب النيل وأهدى له البطروشي غرابًا من صناعة الانكليز مليح الشكل نزل هو به وسار الى مصر وكان قصده الحضور بغتة فعندما يصلهم الخبر يصبحون يجدونه في الجيزة ولما وصل الخبر بحضوره وعملوا الشنك جهز له الألفي الصغير بحض الاحتياجات وأرسلها في الذهبية والقنجة صحبة الخواجا محمود حسن وخلافه‏.‏
فنزلوا من بولاق وانحدروا بعد الظهر من يوم السبت فاجتمعوا به عند نادر نصف الليل فلما أصبح الصباح حضر إليه سليمان كاشف البواب وقابله ورجع معه الى منوف العلا فأقام هناك يوم الأحد وبات هناك ودخل الحمام وسار منها بعد طلوع النهار وهم يسحبون المراكب باللبان لمخالفة الريح فلم يزل سائرًا الى الظهيرة فلاقاه عدة من عسكر الأرنؤد الموجهة إليه في أربعة مراكب في مضيق الترعة فسلم عليهم فرودا عليه السلام فسألهم بعض أتباعه بالتركي وقال لهم‏:‏ أين تريدون فقال نريد الألفي فقال لهم ها هو الألفي فسكتوا ثم تلاغى الملاحون مع بعضهم فأعلموهم الخبر فنقلوه الى الألفي فكذب ذلك وقال‏:‏ هذا شيء لا يكون ولا يصح إن إخواننا يفعلون ذلك معي وأنا سافرت وتغربت سنة لأجل راحتنا ولعلها حادثة بينهم وبين العسكر ثم أن طائفة منهم أدركت الغراب الذي قدمهله البطروشي وكان متأخرًا عن المراكب فصعدوا إليه وأخذوا ما فيه من المتاع فأخبروه بذلك ونظر فرآهم يفعلون ذلك‏.‏
فأرسل إليهم بعض من معه من الأتراك ليستخبر عن شأنهم وأمرهم ولم ينتظر رجوعه بالجواب ولكنه أخذ بالجزم ونزل في الحال الى القنجة مع المماليك وصحبته الخواجا محمود حسن وأمرهم أن يمسكوا المقاذيف ففعلوا ذلك وهو يستحثهم حتى خرجوا من الترعة الى البحر فلاقاهم طائفة أخرى في سفينتين وفيهم سراج باشا تابع البرديسي وكان بعيدًا عنهم فأعماهم الله عنه وكأنهم لم يظنوه إياه ولم يزل يجد في السير حتى وصل الى شبرا الشهابية‏.‏
فنظر الى رجل ساع وأعلمه أنه مرسل من بيت سليمان كاشف البواب بخبر الواقع فعند ذلك تحقق الخبر وطلع الى البر وأمر بتغريق القنجة ومشى مع المماليك على أقدامهم وتخلف عنه الخواجا محمود حسن بشبرا فلم يزالوا يجدون السير حتى وصلوا الى ناحية قرنفيل‏.‏
ودخل الى نجع عرب الحويطات والتجأ الى امرأة منهم فأجارته ولبت دعوته وركبته فرسًا وأصحبت معه شخصين هجانين وركب معهما وصار الى قرب الخانكة ليلًا والمماليك معه مشاة فقابلهم جماعة من عرب بلي وكبيرهم يقال له سعد ابراهيم فاحتاطوا به فاشتغل المماليك بحربهم فتركهم وسار مع الهجانة الى ناحية الجبل ومضى فسمع الأجناد القريبون منهم وفيهم البرديسي صوت البنادق بين العرب والمماليك فأسرعوا إليهم وسألوهم عن سيدهم فقالوا إنه كان معنا وفارقنا الساعة فأمر البرديسي من معه من المماليك والأجناد أن يسرعوا خلفه ويتفرقوا في الطرق وكل من أدركه فليقتله في الحال فذهبوا خلفه فلم يعثر به أحد منهم وخرم عليه سعد ابراهيم بجماعة قليلة من طريق يعرفها فرمى لهم ما معه من الذهب والجوهر والكرك الذي على ظهره فاشتغلوا به وتركهم وسار وغاب أمره‏.‏
وفي حال جلوسه عند العرب مر عليهم طائفة من الأجناد سائرين لأنهم لما فعلوا فعلتهم في الجيزة لم يبق لهم شغل إلا هو وأخذوا في الاحتياط عليه ما أمكن فأرسلوا عسكرًا في المراكب وانبثت طوائفهم في الجهات البحرية شرقًا وغربًا فذهبت طائفة منهم الى الشرقية وطائفة الى القليوبية وكذلك المنوفية والغربية والبحيرة وسلكوا طريق الجبل الموصلة الى قبلي وذهب حسين بك ورستم بك الى صالح بك الألفي الذي بالشرقية وذهب شاهين بك الى سليمان كاشف البواب من البر الغربي ليقطع عليه الطريق وذهب علي بك أيوب ومحمد علي على جهة القليوبية ليلحقه بمنوف فلما وصل الى دجوة تعوق بسبب قلة المعادي فلما وصل الى منوف فوجدوه عدى الى الجهة الأخرى فأخذوا متروكاته التي تركها وهي بعض خيول وجمال وخمسين زلعة سمن مسلي وعملوا على أهل البلد أربعة آلاف ريال قبضوها منهم ورجعوا وكان عندما بلغه الخبر الإجمالي لم يكذب المخبر وذلك بعد مفارقة الألفي له بنحو ثلاث ساعات فعدى في الحال الى الجهة الغربية بأثقاله وعساكره فوجد أمامه شاهين بك فأرسل يطلب منه أمانًا فأجابه الى ذلك وأرسل الى مصر من يأتي بالأمان واطمأن شاهين ليلًا فلما أصبح شاهين بك وجده قد ارتحل فرجع بخفي حنين وعدى الى القليوبية فبلغه خبر الألفي وما وقع له مع العرب فطلبهم فأخبروه أنه غاب عنهم في الجبل من الطريق الفلاني‏.‏
فقبل عليهم وأحضرهم صحبته مشنوقين في عمائمهم ووجد المماليك فقبض عليهم وأرسلهم الى البرديسي‏.‏
وأما مراكبه فإنه عندما نزل الى القنجة ( الصورة الجانبية شكل القنجة ) وفارقها أردكها العسكر الذين قابلوه في المراكب‏.‏
ونهبوا ما فيها وكان بها شيء كثير من الأموال وظرائف الانكليز والأمتعة والجوخ والأسلحة والجواهر فإنه لما وصل الى اقرالي أكرمه إكرامًا كثيرًا وأهدى إليه تحفًا غريبة وكذلك أكابرهم وأعطاه جملة كبيرة من المال على سبيل الأمانة يرسل له بها غلالًا وأشياء من مصر واشترى هو لنفسه أشياء بأربعة آلاف كيس يدفعها الى القنصل بمصر وأرسل له بها القرالي بوليصة وأهدى له صورة نفسه من جوهر ونظارات وآلات وغير ذلك وأما الألفي الصغير فإنه ذهب الى جهة قبلي وفرد الفرد والكلف على ابلاد ومن عصي عليه أو توانى في دفع المطلوب نهبهم وحرقهم وأما صالح بك الألفي فإنه لما وصل إليه الخبر وقدوم الموجهين إليه ركب في الحال من زنكلون وترك حملته وأثقاله فلم يدركوه أيضًا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء 9 شهر ذي القعدة سنة 1218 هـ  - 20 فبراير 1804 م أحضروا مماليك الألفي الكبير وجوخداره الى بيت البرديسي وأرسل ابراهيم بك والبرديسي مكاتبات الى الأمراء بقبلي وهم سليمان بك الخازندار حاكم جرجا‏.‏
وعثمان بك حسن بقنا ومحمد بك المعروف بالغربية الابراهيمي يوصونهم ويحذرونهم من التفريط في الألفي الصغير والكبير إن وردا عليهما وأما شاهين بك فإنه عدى الى الشرقية واجتهد في التفتيش ثم رجع يوم الثلاثاء المذكور وأمامه العرب المتهمون بأنهم يعرفون طريقه وأنهم أدركوه فأعطاهم جوهرًا كثيرًا وتركوه وأحضروا صحبتهم حقًا من خشب وجدوه مرميًا في بعض الطرق فأحضر البرديسي مماليك الألفي وأراهم ذلك الحق فقالوا نعم كان مع أستاذنا وفي داخله جوهر ثمين وأرسلوا عدة من المماليك والهجانة الى الطريق التي ذكرها العرب وأحضر البرديسي ابن شديد وسأله فأخبره أنه لم يكن حاضرًا في نجعه وأن أمه أو خالته هي التي أعطته الفرس والهجانة فوبخه ولامه فقال له‏:‏ هذه عادة العرب من قديم الزمان يجيرون طنيبهم ولا يخفرون ذمتهم فحبسه أيامًا ثم أطلقه وقيل إنه مر عليه علي بك أيوم ومحمد علي ومن معهم من العسكر وهو في خيش العرب وهو يراهم وأعماهم الله عن تفتيش النجع وعن السؤال وفي ذلك اليوم خرج عثمان بك يوسف وحسين بك الوالي وأحمد آغا شويكار الى جهة الشرقية ومرزوق بك الى اقليوبية يفتشون على الألفي‏.‏
وفيه شرعوا في تشهيل تجريدة الى الألفي الصغير وأميرها شاهين بك وصحبته محمد بك المنفوخ وعمر بك وابراهيم كاشف‏.‏
وفي يوم الجمعة ثاني عشره سافرت قافلة الحجاج بالمحمل الى السويس‏.‏
وفي يوم السبت حضر علي بك أيوب ومحمد علي من سرحتهما على غير طائل‏.‏
وفيه سافر قنصل الانكيز من مصر بسبب هذه الحادثة فإنه لما وقع ذلك اجتمع بابراهيم بك والبرديسي وتكلم معهما ولامهما على هذه الفعلة وكلمهما كلامًا كثيرًا منه أنه قال لهما‏:‏ هذا الذي فعلتماه لأجل نهب مال القرالي ومطلوب مني أربعة آلاف كيس وهي البوليصة الموجهة الى الألفي وغير ذلك فلاطفاه وأرادا منعه من السفر فقال‏:‏ لا يمكن أني أقيم ببلدة هذا شأنها‏.‏
وطريقتنا لا نقيم إلا في البلدة المستقيمة الحال ثم نزل مغضبًا وسافر وأراد أيضًا قنصل الفرنسيس السفر فمنعاه‏.‏
وفي يوم السبت طلب العسكر جماكيهم من الأمراء وشددوا في الطلب واستقلوا الأمراء في أعينهم وتكلموا مع محمد علي وأحمد بك وصادق آغا كلامًا كثيرًا فسعوا في الكلام مع الأمراء المصرلية فوعدوهم الى يوم الثلاثاء ومات بقطر المحاسب كاتب البرديسي يوم الأحد فلما كان يوم الثلاثاء اجتمع العسكر ببيت محمد علي وحصل بعض قلقة فحولهم على القبط بمائتي ألف ريال منها خمسون على غالي كاتب الألفي وثلاثون على تركة بقطر المحاسب والمائة والعشرون موزعة عليهم فسكن الاضطراب قليلًا‏.‏
وفي يوم الثلاثاء المذكور رجع مرزوق بك من القليوبية‏.‏
وفي يوم الأربعاء 17 شهر ذي القعدة سنة 1218 هـ - 28 فبراير 1804 م  توفي ابراهيم أفندي الروزنامجي وفيه حصل رجات وقلقات بسبب العسكر وجماكيهم وأرادوا أخذ القلعة فلم يتمكنوا من ذلك وقفل الناس دكاكينهم ‏.‏
وقتلوا رجلًا نصرانيًا عند حارة الروم وخطفوا بعض النساء وأمتعة وغير ذلك وركب محمد علي ونادى بالأمان‏.‏
وفي يوم السبت 20 شهر ذي القعدة سنة 1218 هـ - 2 مارس 1804 م حضر سليمان كاشف البواب بالأمان ودخل الى مصر‏.‏
وفي يوم الأحد أفرجوا عن كشاف الألفي المحبوسين‏.‏
وفيه حضر عثمان بك يوسف من ناحية الشرقية واستمر هناك حسين بك الوالي ورستم بك وذهب المنفوخ واسمعيل بك الى ناحية شرق اطفيح لأنه أشيع أن الألفي ذهب عند عرب المعازة فقبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وأرسلوا مائة هجان الى جميع النواحي وأعطوهم وفيه شرعوا في عمل فردة على أهل البلد وتصدى لذلك المحروقي وشرعوا في كتب قوائم لذلك وزعوها على العقار والأملاك أجرة سنة يقوم بدفع نصفها المتستأجر والنصف الثاني يدفعه صاحب الملك‏.‏
وفي يوم الأربعاء 24 شهر ذي القعدة سنة 1218 هـ - 6 مارس 1804 م شرح كتاب الفردة والمهندسون ومع كل جماعة شخص من الأجناد وطافوا بالأخطاط يكتبون قوائم الأملاك ويصقعون الأجر فنزل بالناس ما لا يوصف من الكدر مع ما هم فيه من الغلاء ووقف الحال وذلك خلاف ما قرروه على قرى الأرياف فلما كان في عصر ذلك اليوم نطق أفواه الناس بقولهم الفردة بطالة وباتوا على ذلك وهم ما بين مصدق ومكذب‏.‏
وفي يوم الخميس 25 شهر ذي القعدة سنة 1218 هـ - 7 مارس 1804 م أشيع إبطال الفردة مع سعي الكتبة والمهندسين في التصقيع والكتابة وذهبوا الى نواحي باب الشعرية ودخلوا درب مصطفى فضج الفقراء والعامة والنساء وخرجوا طوائف يصرخون وبأيديهم دفوف يضربون عليها ويندبن وينعين ويقلن كلامًا على الأمراء مثل قولهن‏:‏ ايش تأخذ من تفليسي يا برديسي وصبغن أيديهن بالنيلة وغير ذلك فاقتدى بهن خلافهن وخرجوا أيضًا ومعهم طبول وبيارق وأغلقوا الدكاكين وحضر الجمع الكثير الى الجامع الأزهر وذهبوا الى المشايخ فركبوا معهم الى اأمراء ورجعوا ينادون بأبطالهم وسر الناس بذلك وسكن اضطرابهم وفي وقت قيام العامة كان كثير من العسكر منتشرين في الأسواق فداخلهم الخوف وصاروا يقولون لهم‏:‏ نحن معكم سوا سوا أنتم رعية ونحن عسكر ولم نرض بهذه الفردة وعلوفاتنا على الميري ليست عليكم أنتم أناس فقراء فلم يتعرض لهم أحد وحضر كتخدا محمد علي مرسلًا من جهته الى الجامع الأزهر وقال مثل ذلك ونادى به في الأسواق ففرح الناس وانحرفت طباعهم عن الأمراء ومالوا الى العسكر‏.‏ وكانت هذه الفعلة من جملة الدسائس الشيطانية

فإن محمد علي لما حرش العساكر على محمد باشا خسروا وأزال دولته وأوقع به ما تقدم ذكره بمعونة طاهر باشا والأرنؤد ثم بالأتراك عليه حتى أوقع به أيضًا وظهر أمر أحمد باشا وعرف أنه إن تم له الأمر ونما أمر الأتراك لا يبقون عليه فعاجله وأزاله بمعونة الأمراء المصرلية واستقر معهم حتى أوقع باشتراكهم قتل الدفتردار والكتخدا ثم محاربة محمد باشا بدمياط حتى أخذوه أسيرًا ثم التحيل على علي باشا الطرابلسي حتى أوقعوه في فخهم وقتلوه ونهبوه كل ذلك وهو يظهر المصافاة والمصادقة للمصريين وخصوصًا البرديسي فإنه تآخى معه وجرح كل منهما نفسه ولحس من دم الآخر‏.‏
واغتر به البرديسي وراج سوقه عليه وصدق وتعضد به واصطفاه دون خشداشينه وتحصن بعساكره وأقامهم حوله في الأبراج وفعل بمعونتهم ما فعله بالألفي وأتباعه وشردهم وقص جناحه بيده وشتت البواقي وفرقهم بالنواحي في طلبهم فعند ذلك استقلوهم في أعينهم وزالت هيبتهم من قلوبهم وعملوا خيانتهم وسفهوا رأيهم واستضعفوا جانبهم وشمخوا عليهم وفتحوا باب الشر بطلب العلوفة مع الأحجام خوفًا من قيام أهل البلد معهم ولعلمهم بميلهم الباطني إليهم فاضطروهم الى عمل ذهه الفردة ونسب فعلها للبرديسي فثارت العامة وحصل ما حصل وعند ذلك تبرأ محمد علي والعسكر من ذلك وساعدوهم في رفعها عنهم فمالت قلوبهم إليهم ونسوا قبائحهم وابتهلوا الى الله في إزالة الأمراء وكرهوهم وجهروا بالدعاء عليهم وتحقق العسكر منهم ذلك وانحرف الأمراء على الرعية باطنًا بل أظهر البرديسي الغيظ والانحراف من أهل مصر وخرج من بيته مغضبًا الى جهة مصر القديمة وهو يلعن أهل مصر ويقول لابد من تقريرها عليهم ثلاث سنوات وأفعل بهم وأفعل حيث لم يمتثلوا لأوامرنا ثم أخذوا يدبرون على العسكر وأرسلوا الى جماعتهم المتفرقين في الجهات القبلية والبحرية يطلبونهم للحضور فأرسلوا الى حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية واسمعيل بك صهر ابراهيم بك ومحمد بك المنفوخ ليأتينا من شرق اطفيح والفريقان كانوا لرصد الألفي وانتظاره وأرسلوا الى سليما بك حاكم الصعيد بالحضور من أسيوط بمن حوله من الكشاف والأمراء والى يحيى بك حاكم رشيد وأحمد بك حاكم دمياط وأصعدوا محمد باشا المحبوس الى القلعة

وفي يوم الأحد 28 شهر ذي القعدة سنة 1218 هـ - 10 مارس 1804 م وعلم الأرنؤدية منهم ذلك فبادروا واجتمعوا بالأزبكية في يوم الأحد ثامن عشرينه فارتاع الناس وأغلقوا الحوانيت والدروب وذهب جمع من العسكر الى ابراهيم بك واحتاطوا بمهمات بيته بالداودية وكذلك ببيت البرديسي بالناصرية وتفرقوا على بيوت باقي الأمراء والكشاف والأجناد وكان ذلك وقت العصر والبرديسي عنده عدة كبيرة من العسكر المختصين به ينفق عليهم ويدر عليهم الأرزاق والجماكي والعلوفات ومنهم الطبجية وغيرهم‏.‏
وعمر قلعة الفرنسيس التي فوق تل العقارب بالناصرية وجددها بعد تخريبها ووسعها وأنشأ بها أماكن وشحنها بآلات الحرب والذخيرة والجبخانة وقيد بها طبجية وعساكر من الأرنؤدية وذلك خلاف المتقيدين بالأبراج والبوابات التي أنشأها قبالة بيته بالناصرية جهة قناطر السباع والجهة الأخرى كما سبق ذكر ذلك فلما علم بوصول العساكر حول دائرته وكان جالسًا صحبة عثمان بك يوسف فقال وقال له‏:‏ كن أنت في مكاني هنا حتى أخرج وأرتب الأمر وأرجع إليك وتركه وركب الى خارج فضربوا عليه الرصاص فخرج على وجهه بخاصته وهجنه ولوازمه الخفيفة وذهب الى ناحية مصر القديمة وذلك في وقت الغروب وكان العسكر نقبوا نقبًا من الجنينة التي خلف داره ودخلوا منه وحصلوا بالدار فوجدوه قد خرج بمن معه من المماليك والأجناد فقاتلوا من وجدوه وأوقعوا النهب في الدار وانضم إليهم أجناسهم المتقيدون بالدار وقبضوا على عثمان بك يوسف ومماليكه وشلحوهم ثيابهم وسحبوهم بينهم عرايا مكشوفي الرؤوس وفي سابع ساعة من الليل أرسل محمد علي جماعة من العسكر ومعهم فرمان وصل من أحمد باشا خورشيد حاكم الاسكندرية بولايته على مصر فذهبوا به الى القاضي وأطلعوه عليه وأمروه أن يجمع المشايخ في الصباح ويقرأه عليهم ليحيط علم الناس بذلك فلما أصبح أرسل إليهم فقالوا لا تصح الجمعية في مثل هذا اليوم مع قيام الفتنة فأرسله إليهم واطلعوا عليه ( الصورة الجانبية : محمد على ) ‏.‏
وأشيع ذلك بين الناس وأما ابراهيم بك فإنه استمر مقيمًا ببيته بالداودية وأمر مماليكه وأتباعه أن يجلسوا برؤوس الطرق الموصلة إليه فجلس منهم جماعة وفيهم عمر بك تابعه بسبيل الدهشة المقابل لباب زويلة وكذلك ناحية تحت الربع والقريبة وجهة سويقة لاجين والداودية‏.‏
وصار العسكر يضربون عليهم وهم كذلك ودخل عليهم الليل فلم يزالوا على ذلك الى اصباح‏.‏
واضمحل حالهم وقتل الكثير من المماليك والأجناد ووصل إليهم خبر خروج البرديسي فعند ذلك طلبوا الفرار والنجاة بأرواحهم وعلم ابراهيم بك بخروج البرديسي وأنه إن استمر على حاله أخذ فركب في جماعة في ثاني ساعة من النهار وخرجوا على وجوههم والرصاص يأخذهم من كل ناحية فلم يزل سائرًا حتى خرج الى الرميلة وهدم في طريقه أربعة متاريس‏.‏
وأصيب بعض مماليك وخيول وخدامين وأصيب رضوان كتخداه وطلعت روحه عند الرميلة‏.‏
فأنزلوه عند باب العزب وأخذوا ما معه من جيوبه ثم شالوه الى داره ودفنوه وقبضوا على عمر بك تابع الأشقر الابراهيمي من سبيل الدهيشة هو ومماليكه وأما الذين بالقلعة من الأمراء فإنهم أصبحوا يضربون بالمدافع والقنابر على بيوت الأرنؤد بالأزبكية الى الضحوة الكبرى فلما تحققوا خروج ابراهيم بك والبرديسي ومن أمكنه الهروب لم يسعهم إلا أنهم أبطلوا الرمي وتهيؤوا للفرار ونزلوا من باب الجبل ولحقوا بابراهيم بك فقام عليهم عسكر المغاربة ومنعوهم من أخذهم ونهب المغاربة الضربخانة وما فيها من الذهب والفضة والسبائك حتى العدد والمطارق وتسلم العسكر القلعة من غير مانع ولم تثبت المصرلية للحرب نصف يوم في القلعة ولم ينفع اهتمامهم بها طول السنة من التعمير والاستعداد وما شحنوه بها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وملأوا ما بها من الصهاريج بالماء الحلوة وقام أحمد بك الكلارجي وعبد الرحمن بك الابراهيمي وسليم آغا مستحفظان من وقت مجيئهم الى مصر متقيدين ومرتبطيهن بها ليلًا ونهارًا لا ينزلون الى بيوتهم إلا ليلة في الجمعة بالنوبة إذا نزل أحدهم أقام الآخران وطلع محمد علي إليها ونزل وبجانبه محمد باشا خسرو ورفقاؤه وأمامهم المنادي ينادي بالأمان حكم ما رسم محمد باشا ومحمد علي وأشيع في الناس رجوع محمد باشا الى ولاية مصر فبادر المحروقي الى المشايخ فركبوا الى بيت محمد علي يهنون الباشا بالسلامة والولاية وقدم له المحروقي هدية وأقام على ذلك بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء فكان مدة حبسه ثمانية أشهر كاملة فإنه حضر الى مصر بعد كسرته بدمياط في آخر ربيع الأول وهو آخر يوم منه وأطلق في آخر يوم من ذي القعدة وخرج الأمراء على أسوأ حال من مصر ولم يأخذوا شيئًا مما جمعوه وكنزوه من المال وغيره إلا ما كان في جيوبهم أو كان منهم خارج البلد مثل سليم كاشف أبي دياب فإنه كان مقيمًا بقصر العيني أو الغائبين منهم جهة قبلي وبحري وأما من كان داخل البلد فإنه لم يخلص له سوى ما كان في جيبه فقط ونهب العسكر أموالهم وبيوتهم وذخائرهم وأمتعتهم وفرشهم وسبوا حريمهم وسراريهم وجواريهم وسحبوهن بينهم من شعورهن وتسلطوا على بعض بيوت الأعيان من الناس المجاورين لهم ومن لهم بهم أدنى نسبة أو شبهة بل وبعض الرعية إلا من تداركه الله برحمته أو التجأ الى بعض منهم أو صالح على بيته بدراهم يدفعها لمن التجأ إليه منهم ووقع في تلك الليلة واليومين بعدها ما لا يوصف من تلك الأمور وخربوا أكثر البيوت وأخذوا أخشابها ونهبوا ما كان بحواصلهم من الغلال والسمن والأدهان وكان شيئًا كثيرًا وصاروا يبيعونه على من يشتريه من الناس ولولا اشتغالهم بذلك لما نجا من الأمراء المصرلية الذين كانوا بالبلدة أحد ولو رجع الأمراء عليهم وهم مشتغلون بالنهب لتمكنوا منهم ولكن غلب عليهم الخوف والحرص على الحياة والجبن وخابت فيهم الظنون وذهبت نفختهم في الفارغ وجازاهم الله ببغيهم وظلمهم وغرورهم وخصوصًا ما فعلوه مع علي باشا من الحيل حتى وقع في أيديهم ثم رذلوه وأهانوه وقتلوا عسكره ونهبوا أمواله ثم طردوه وقتلوه فإنه وإن كان خبيثًا لم يعمل معهم ما يستحق ذلك كله وأعظم منه ما فعلوه مع أخيهم الألفي الكبير بعدما سافر لحاجتهم وراحتهم وصالح عليهم ورتب لهم ما فيه راحتهم وراحة الدولة معهم بواسطة الانكليز وغاب في البحر المحيط سنة وقاسى هول الأسفار والفراتين في البحر فجاوزه بالتشريد والتشتيت والنهب وقتل أتباعه وحبسهم وبصلهم واتخذوهم أعداء وأخصامًا من غير جرم ولا سابقة عداوة معهم إلا الحسد والحقد وحذرًا من رئاسته عليهم وكانت هذه الفعلة سببًا لنفور قلوب العسكر منهم واعتقادهم خيانتهم وقلتهم في أعينهم فإن الألفي وأتباعه وكانوا يرون في أنفسهم أن الشخص منهم يدوس برجله الجماعة من في غفلتهم ومشتغلون بما هم فيه من مغارم الفلاحين وطلب الكلف فلما أرسلوا لهم بالحضور لم يسهل بهم ترك ذلك ولم يستعجلوا الحركة حتى يستوفوا مطلوباتهم من القرى الى أن حصل ونزل بهم ما نزل ولم يقع لهم منذ ظهورهم أشنع من هذه الحادثة وخصوصًا كونها على يد هؤلاء وكانوا يرون في أنفسهم أن الشخص منهم يدرس برجله الجماعة من العسكر وأحسنوا ظنهم فيهم واعتقدوا أنهم صاروا أتباعهم وجندهم مع أنهم كانوا قادرين على إزالتهم من الإقليم وخصوصًا عندما خرجوا من المدينة لملاقاة علي باشا وأخرجوا جميع العسكر وحازوهم الى جهة البحر‏.‏
وحصنوا أبواب البلد بمن يثقون به من أجنادهم ورسموا لهم رسومًا امتثلوها فلو أرسلوا لهم بعد إيقاعهم بعلي باشا أقل أتباعهم وأمروهم بالرحلة لما وسعتهم المخالفة حتى ظن كثير ممن له أدنى فطنة حصول ذلك فكان الأمر بخلاف ذلك ودخلوا بعد ذلك وهم بصحبتهم ضاحكين من غفلة القوم ومستبشرين برجوعهم ودخولهم الى المدينة ثانيًا وعند ذلك تحقق لذوي الفطن سوء رأيهم وعدم فلاحهم وزادوا في الطنبور نغمة بما صنعوه مع الألفي وكان العسكر يهابون جانبه ويخافون أتباعه ويخشونهم وخصوصًا لما سمعوه بوصوله على الهيئة المجهولة لهم داخلهم من ذلك أمر عظيم استمر في أخلاطهم يومًا وليلة الى أن أجلاه البرديسي ومن معه بشؤم رأيهم وفساد تدبيرهم وفرقوا جمعهم في النواحي حرصًا على قتل الألفي وأتباعه فعند ذلك زالت هيبتم من قلوب العسكر وأوقعوا بهم ما أوقعوه ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله‏.‏
ج2/ 8

This site was last updated 03/02/09