Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

ظهور محمد على

  هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
ظهور محمد على
New Page 1794
New Page 1795
New Page 1796
New Page 1464
New Page 1459
New Page 1460
New Page 1461
New Page 1462
New Page 1463
New Page 1802
New Page 1801
New Page 1803
New Page 1804
New Page 1805
New Page 1806
New Page 1807
New Page 1808
New Page 1809
New Page 1810
New Page 1811
New Page 1812
New Page 1813
New Page 1814
New Page 1815
محمد على والأقباط
زوجات وجوارى محمد على
محمد على والدولة الحديثة
قصر محمد على بالسويس
محمد على وتحديث مصر
سرقة مقبرة محمد على
Untitled 1918
Untitled 1919
Untitled 1920
مشاهير اللأقباط وقديسهم ومحمد على

Hit Counter

 

ولد محمد علي في سنة ١٧٦٩م في مدينة «قولة» من ثغور مقدونيا حيث ولد الإسكندر الأكبر وبطلميوس الأول وكان أبوه «إبراهيم أغا» هو رئيس الحرس المنوط بخفارة الطريق في البلدة وكان له سبعة عشر ولدا لم يعش منهم سوي محمد علي وصار يتيم الأبوين وهو في الرابعة عشرة من عمره فكفله عمه طوسون الذي مات أيضا فكفله «الشوربجي» صديق والده،
فأدرجه في سلك الجندية فأبدي محمد علي شجاعة وبسالة وحسن نظر وتصرف، وحين قررت الدولة العثمانية إرسال جيش إلي مصر لانتزاعها من أيدي الفرنسيين كان محمد علي هو نائب رئيس الكتيبة الألبانية، وكان رئيس الكتيبة هو ابن حاكم قولة الذي لم يكد يصل إلي مصر حتي قرر أن يعود إلي بلده فأصبح محمد علي هو قائد الكتيبة إلي أن تولي حكم مصر.

*****************************************************

الجزء التالى من يوميات الجبرتى

*****************************************************

 

يوم السبت 25 شهر ذي القعدة سنة 1217 هـ - 19 مارس 1803 م حضر أحمد باشا والي دمياط
وكانوا أرسلوا له طوخًا ثالثًا وأنه يحضر ويتوجه لمحافظة مكة وكذلك قلدوا آخر باشاوية المدينة يسمى أحمد باشا وضعوا لهما عسكرًا يسافرون صحبتهم للمحافظة من الوهابيين وأخذوا في التشهيل‏
وفي هذه الأيام كثر تشكي العسكر من عدم الجامكية والنفقة فإنه اجتمع لهم جامكية نحو سبعة أشهر وقد قطع عليهم الباشا رواتبهم وخرجهم لقلة الإيراد وكثرة المطلوبات وكراهته لهم فصار كبراؤهم يرترددون ويكثرون من مطالبة الدفتردار حتى كان يهرب من بيته غالب الأيام وأشيع بالمدينة قيام العسكر وأنهم قاصدون نهب أمتعة الناس فنقل أهل الغورية وخلافهم بضائعهم من الحوانيت وامتنع الكثير منهم من فتح الحوانيت وخافهم الناس حتى في المرور‏.‏  ( الصورة المقابلة : العسكر يهاجمون الحوانيت والبقالة والدكاكين )‏.
وخصوصًا أوقات المساء فكانوا إذا انفردوا بأحد شلحوه من ثيابه وربما قتلوه وكذلك أكثروا من خطف النساء والمردان‏.‏
وفي ليلة الثلاثاء28 هر ذي القعدة سنة 1217 هـ - 22 مارس 1803 م كان انتقال الشمس لبرج الحمل وأول فصل الربيع وفي تلك الليلة هبت رياح شمالية شرقية هبوبًا شديدًا مزعجًا واستمرت بطول الليل قبل افجر اشتد هبوبها ثم سكنت عند الشروق وسقط تلك الليلة دار بالحبالة بالرميلة ومات بها نحو ثلاثة أشخاص وداران أيضًا بطولون وغير ذلك حيطان وأطارف أماكن قديمة ثم تحولت الريح غربية قوية وفيه وصل الأمراء المصرلية الى الفيوم فأخذوا كلفًا ودراهم كثيرة فردوها على البلاد ثم سافروا الى الجهة القبلية‏.‏
وفيه ورد الخبر بأن المراكب التي بها ذخيرة أمير الحاج بالقلزم المتوجهة الى الينبع والمويلح غرقت بما فيها ومركب الجميعي من جملتها‏.‏
وفيه حضر مصطفى بينباشا الذي كان أيام الوزير بمصر الى بلبيس وهو موجه بطلب مبلغ دراهم فأقام ببلبيس حتى أرسلوها له ثم ذهب الى دمياط وصحبته نحو الأربعمائة من الأرنؤد ليسافر من البحر‏.‏
وفيه توجه المحروقي والكثير من الناس لزيارة سيدي أحمد البدوي لمولد الشرنبلالية وأخذ معه عدة كثيرة من العسكر خوفًا من العربان ووصل إليه فرمان بطلب دراهم من أولاد الخادم ومن أولاد البلد فدلوا على مكان لمصطفى الخادم فاستخرجوا منه ستة آلاف ريال وطلبوا من كل واحد من أولاد عمه مثلها‏.‏
وفى يوم الأثنين 4 شهر ذو الحجة سنة 1217 هـ - 28 مارس 1803 م استهل بيوم الجمعة في يوم الاثنين رابعه قتلوا شخصًا عسكريًا نصرانيًا عند باب الخرق قتله أغات التبديل بسبب أنه كان يقف عند باب داره بحارة عابدين هو ورفيقان له ويخطفون من يمر بهم من النساء في النهار الى أن قبض عليه وهرب رفيقاه‏.‏
وفيه أيضًا أخرجوا من دار بحارة خشقدم قتلى كثيرة نساء ورجالًا من فعل العسكر‏.‏ وفيه عدى ابراهيم باشا الى بر الجيزة‏.‏
وفي يوم الأحد 10 شهر ذو الحجة سنة 1217 هـ - 3 أبريل 1803 م كان عيد الأضحى في ذلك اليوم حضر من الأمراء القبالي مكاتبة على يد الشيخ سليمان الفيومي خطابًا للمشايخ فأخذها بختمها وذهب بها الى الباشا ففتحها واطلع على ما فيها ثم طلب المشايخ فحضروا إليه وقت العصر‏.‏
وفي يوم الجمعة 15 شهر ذو الحجة سنة 1217 هـ - 8 أبريل 1803 م حضرت مكاتبات من الديار الحجازية يخبرون فيها عن الوهابيين أنهم حضروا الى جهة الطائف فخرج إليهم شريف مكة الشريف غالب فحاربهم فهزموه فرجع الى الطائف وأحرق داره التي بها وخرج هاربًا الى مكة فحضر الوهابيون الى البلدة وكبيرهم المضايفي نسيب الشريف وكان قد حصل بينه وبين الشريف وحشة فذهب مع الوهابيين وطلب من مسعود الوهابي أن يؤمره على العسكر الموجه لمحاربة الشريف ففعل فحاربوا الطائف وحاربهم أهلها ثلاثة أيام حتى غلبوا فأخذ البلدة الوهابيون واستولوا عليها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء وألاطفال وهذا دأبهم مع من يحاربهم ( الصورة الجانبية مقاتل من الوهابيين ) ‏.‏

عساكر يقتلون ستين أمرأة وفي ذلك اليوم مر أربعة أنفار من العسكر وأخذوا غلامًا لرجل حلاق بخط بين السورين عند القنطرة الجديدة فعارضهم الأوسط الحلاق في أخذ الغلام فضربوا الحلاق وقتلوه ثم ذهبوا بالغلام الى دارهم بالخطة فقامت في الناس ضجة وكرشة وحضر أغات التبديل فطلبهم فكرنكوا بالدار وضربوا عليه البنادق من الطيقان فقتلوا من أتباعه ثمانية أنفار ولم يزالوا على ذلك الى ثاني يوم فركب الباشا في التبديل ومر من هناك وأمر بالقبض عليهم فثقبوا عليهم من خلف الدار وقبضوا عليهم بعدما قتلوا وجرحوا آخرين فشنقوهم ووجدوا بالدار مكانًا خربًا أخرجوا منه زيادة عن ستين امرأة مقتولة وفيهن من وجودها وطفلها مذبوح معها في حضنها‏.‏
وفيه حضر علي آغا الوالي الى بيت أحمد آغا شويكار بضرب سعادة وأخرج منه قتلى كثيرة وأمثال ذلك شيء كثير‏.‏
وفي خامس عشره أيضًا أمر الباشا الوجاقلية أن يخرجوا جهة العادلية لأجل الخفر من العربان فإنهم فحش أمرهم وتجاسروا في التعرية والخطف حتى على نواحي المدينة بل وطريق بولاق وغير ذلك فلما كان في ثاني يوم ركب الوجاقلية بأبهتهم وبيارقهم وحضروا الى بيت الباشا وخرجوا من هناك الى وطاقهم الذي أعدوه لأنفسهم خارج القاهرة وشرعوا أيضًا في تعمير قصر من القصور الخارجة التي خربت أيام الفرنسيس‏.‏

وفي يوم الثلاثاء  19 شهر ذو الحجة سنة 1217 هـ - 12 أبريل 1803 م سافر جماعة الوجاقلية المذكورين وصحبتهم عدة من العسكر الى جهة عرب الجزيرة بسبب إغارة موسى خالد ومن معه على البلاد وقطع الطرق فلاقاهم المذكور وحاربهم وهزمهم الى وردان وذهب هو الى جهة البحيرة‏.‏
حريق كنيسة بحارة الروم ونهب المسلمين ما فيها
وفي رابع عشرينه يوم الأحد 24 شهر ذو الحجة سنة 1217 هـ - 17أبريل 1803 م كان عيد النصارى الكبير في ليلتها وهي ليلة الاثنين وقع الحريق في الكنيسة التي بحارة الروم وفي صبحها أشاع ذلك فركب إليها أغات الانكشارية والوالي وأحضروا السقائين والفعلة الذين يعملون في عمارة الباشا حتى أخذوا الناس المجتمعة بسوق المؤيد بالأنماطيين وحضر الباشا أيضًا في التبديل واجتهدوا في إطفائها بالماء والهدم حتى طفئت في ثاني يوم واحترق بها أشياء كثيرة وذخائر وأمتعة ونهبت أشياء‏.‏
وفيه وردت أخبار بأن الأمراء المصرلية وصلوا الى منية بن خصيب فأرسلوا الى حاكمها بأن ينتقل منها ويعدي هو ومن معه من العسكر الى البر الشرقي حتى أنهم يقيمون بها أيامًا ويقضون أشغالهم ثم يرحلون فأبوا عليهم وحصنوا البلدة وزادوا في عمل المتاريس وحاكمها المذكور سليم كاشف تابع عثمان بك الطنبرجي المرادي المقتول فإنه سالم العثمانيين وانضم إليهم فألبسوه حاكمًا على المنية وأضافوا إليه عساكر فذهب إليها ولم يزل مجتهدًا في عمل متاريس ومدافع حتى ظن أنه صار في منعة عظيمة فلما أجابهم بالامتناع حضروا الى البلدة وحاربهم أشد المحاربة مدة أربعة أيام بلياليها حتى غلبوا عليهم ودخلوا البلدةوأطلقوا فيها النار وقتلوا أهلها وما بها من العسكر ولم ينج منهم إلا من ألقى نفسه في البحر وعام الى البر الآخر أو كان قد هرب قبل ذلك وأما سليم كاشف فإنهم قبضوا عليه حيًا وأخذوه أسيرًا الى ابراهيم بك فوبخه وأمر بضربه فضربوه علقة بالنبابيت‏.‏
وفيه وصلت هجانة من شريف باشا بمكاتبة للباشا والدفتردار يخبر فيها أنه وصل الى الينبع وهو عازم على الركوب من هناك على البر ليدرك الحج ويترك أثقاله تتوجه في المركب الى جدة‏.‏
وفي غايه شهر ذو الحجة سنة 1217 هـ - 22 أبريل 1803 م وصل سلحدار باشا وصحبته أغات المقرر الذي تقدمت بشارته فلما وصلوا الى بولاق أرسل الباشا في صبحها إليهم فركبوا في موكب الى بيت الباشا وضربوا لهم مدافع وحضر المشايخ والقاضي والأعيان والوجاقات فقرئ عليهم ذلك وفيه الأمر بتشهيل غلال للحرمين والحث والأمر بمحاربة المخالفين‏.‏
وفيه بعثوا نحو ألف من العسكر الى جهة أسيوط للمحافظة فساروا على الهجن من البر الشرقي‏.‏
وفيه أرسلوا أوراقًا الى التجار وأرباب الحرف بطلب باقي الفردة وهو القدر الذي كان تشفع فيه المحروقي وأخذوا في تحصيله‏.‏
حوادث هذه السنة
وانقضت هذه السنة وما وقع بها من الحوادث الكلية التي ذكر بعضها وأما الجزئية فلا يمكن الإحاطة ببعضها فضلًا عن كلها لكثرتها واختلاف جهاتها واشتغال البال عن تتبع حقائقها ونسيان الغائب بالأشنع القبيح بالأقبح فمن الكلية التي عم الضرر بها زيادة المكوس أضعاف المعتاد في كل ثغر ذهابًا وإيابًا ومنها توالي الفرد والسلف والمظالم على أهل المدينة والأرياف وحق طرق المعينين وكلفهم الخارجة عن الحد والمعقول بأدنى شكوى ولو بالباطل فبمجرد ما يأتي الشاكي بعرضحال شكواه يكتب له ورقة ويعين بها عسكري أو اثنان أو أكثر بحسب اختيار الشاكي وطلبه للتشفي من خصمه فبمجرد وصوله الىالمشكي بصورة منكرة وسلاح كثير متقلد به فلا يكون له شغل إلا طلب خدمته ولا يسأل عن الدعوى ولا عن صورتها ويطلب طلبًا خارجًا عن المعقول كألف قرش في دعوى عشرة قروش وخصوصًا إذا كانت الشكوى على فلاح في قرية فيحصل أشنع من ذلك من إقامتهم عندهم وطلبهم وتكليفهم الذبائح والفطور بما يشترطونه ويقترحونه عليهم وربما يذهب الشخص الذي يكون بينه وبين آخر عداوة قديمة أو مشاحنة أو دعوى قضى عليه فيها بحرق من زمان طويل فيقدم له عرضحال ويعين له مباشرًا بفرمان ويذهب هو فلا يظهر ويذهب المعين في شغله والمشكي لا يرى الشامي ولا يدري من أين جاءته هذه المصيبة ويمكن أنه من بعد خلاصه من أمر المباشر يحضر الى بيت الباشا ويفحص عن خصمه ويعرفه فينهي دعواه ويظهر حجته بأنه على الحقث وأن خصمه على الباطل فيقال له عين على خصمك أيضًا فإن أجاب الى ذلك رسم له بفرمان ومعين آخر كذلك وإلا ترك أجره على الله ورجع فضاق ذرع الناس من هذه الحال وكرهوا هذه الأوضاع وربما قتل الفلاحون المعينين وهربوا من بلادهم وجلوا عن أوطانهم خوف الغائلة ولم يزل هذا دأبهم حتى نفرت منهم القلوب وكرهتهم النفوس وتمنوا لهم الغوائل وعصت أهل النواحي وعربدت العربان وقطعوا الطرق وعلموا خيانتهم فخانوهم ومكالبتهم فكالبوهم وانتمى عربان الجهة القبلية الى الأمراء المصرلية وساعدوهم عليهم ولما انحدر الأمراء الى جهة بحري انضمت إليهم جميع قبائل الجهة العربية والهنادي وعرب البحيرة وخلافهم فلما وقعت الحروب بين الأمراء والعثمانيين وكانت الغلبة للأمراء والعربان زادت جسارتهم عليهم ورصدوا لهم الغوائل وقطعوا عليهم وعلى المسافرين الطرق بحرًا وبرًا فمن ظفروا به ومانعهم نهبوا متاعه وقتلوه وإلا سلبوه وتركوه فحش الأمر جدًا قبلي وبحري حتى وقف حال الناس ورضوا عن أحكام الفرنسيس ومنها أن الباشا لم قتل الوالي والمحتسب وعمل قائمة تسعيرة للمبيعات وأن يكون الرطل اثنتي عشرة أوقية في جميع الأوزان وأبطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به السمن والجبن والعسل واللحم وغير ذلك وهو أربع عشرة أوقية لم ينفذ من تلك الأوامر شيء سوى نقص الأرطال ولم يزل ذو الفقار محتسبًا حتى رتب المقررات على المتسببين زيادة عن القانون الأصلي وجعل منها قسط الخزينة للباشا وللكتخدا وخلافهما ورجعت الأمور في الأسعار أقبح وأغلى مما كانت عليه في كل شيء واستمر الرطل اثنتي عشرة أوقية لا غير وكثر ورود الغلال أيام النيل ورخص سعرها والرغيف على مقدار رغيف الغلاء ومنها أن الفضة الأنصاف العددية صاروا يأخذونها من دار الضرب أول بأول ويرسلونها الى الروم والشام زيادة الصرف ولا ينزل الى الصيارف منها إلا القليل حتى شحت بأيدي الناس جدًا ووقف حالهم في شراء لوازم البيوت ومحقرات الأمور ويدور الأسانن بالريال أو المجبوب أو المجر وهو في يده طول النهار فلا يجد مصارفته وأغلقت غالب الصيارف حوانيتهم بسبب ذلك وبسبب أذية العسكر فإنهم يأتون إليهم ويلزمونهم بالمصارفة فيقول له الصيرفي ليس عندي فضة فلا يقبل عذره ويفزع عليه بيطقانه أو بارودته وإن وجد عنده المصارفة وكان المحبوب أو البندقي ناقصًا في الوزن لا يستقيم في نقصه ولا يأخذ إلا صرفه كاملًا وإذا اشترى شيئًا من سوقي أعطاه بندقيًا وطلب باقيه ولم يكن عند البائع باقيه أخذ الذي اشتراه والبندقي وذهب ولا يقدر المسبب على استخلاص حقه منه وإن وجد معه باقي الصارفة وأخذ ذلك البندقي ونقد عند الصراف وكان ناقصًا وهو الغالب لا يقدر الصيرفي أن يذكر نقصه فإن قال إنه ينقص كذا فزع عليه وسبه وبعضهم أدخل إصبعه في ومنها شحة المراكب حتى أن المسافر يمكث الأيام الكثيرة ينتظر مركبًا فلا يجد وربما أخذوها بعد تمام وسقها فنكتوه وأخذوها وإن مرت على الأمراء المصرلية ومن انضم إليهم تعرضوا لها ونهبوا ما بها من الشحنة وأخذوا المركب واستمر هذا الحال على الدوام فكان ذلك من أعظم أسباب التعطيل أيضًا‏ ( الصورة الجانبية : بلدة أسيوط .‏
ومنها تسلط العسكر على خطف الناس وسلبهم وقتلهم وخصوصًا في أواخر هذه السنة حتى امتنعت الناس من المرور في جهات سكنهم إلا أن يكونوا في عزوة ومنعة وقوة ولا تكاد ترى شخصًا يمر في الأسواق السلطانية من بعد المغرب وقبيل العشاء وإذا اضطر الإنسان الى المرور تلك الأوقات فلا يمر إلا كالمجازف على نفسه وكأنما على رسه الطير فيقال إن فعلهم هذه الفعائل من عوائدهم الخبيثة إذا تأخرت نفقاتهم فعلوا ذلك مع العامة على حد قول القائل خلص تارك من جارك وذلك كله بسبب تأخير جماكيهم وقطع خرجهم نحو خمسة أشهر والباشا يسوقهم ويقول هؤلاء لا يستحقون فلسًا وأي شيء خرج من يدهم وطول المدى نكلفهم ونعطيهم وما ستروا أنفسهم مع الغز المصرلية ولا مرة فلا حاجة لنا بهم بل يخرجون عني ويذهبون حيث شاؤوا فليس منهم إلا الزرية والفنطزية وهم يقولون لا نخرج ولا نذهب حتى نستوفي حقنا على دور النصف الفضة الواحد وإن شئنا أقمنا وإن شئنا ذهبنا‏.‏
ومنها استمرار الباشا على الهمة والاجتهاد في العمارة والبناء وطلب الأخشاب والمؤن حتى عز جميع أدوات العمارة وضاق حال الناس بسبب احتياجهم لعمارة أماكنهم التي تخربت في الحوادث السابقة وبلغ سعر الأردب الجبس مائة وعشرين نصفًا والجير المخلوط أربعين نصفًا وأجرة المعلم في اليوم خمسة وأربعين نصفًا ويتبعه آخر مثل ذلك والفاعل اثنين وعشرين نصفًا وأحدثوا أخذ إجازة من المعمارجي وهو أن الذي يريد بناء ولو كانونًا لا يقدر أن يأتيه البناء حتى يأخذ ورقة من المعمارجي ويدفع عليها خمسين نصفًا ولم يزل الاجتهاد في العمارة المذكورة حتى أقاموا جانبًا من القشلة وهي عبارة عن وكالة يعلوها طباق وأسفلها اصطبلات وحولها من داخل حواصل ومن خارج حوانيت وقهوة فعندما تمت الحوانيت ركبوا عليها درفها وأسكنوا بها قهوجيًا ومزينًا من أتباع الباشا وخياطين وعقادين وسروجية الباشا وغير ذلك ولم يكمل تسقيف الطباق وعملوا لها بوابة عظيمة بمصاطب وهدموا حائط الرحبة المقابلة لبيت الباشا الخارجة وعمرت وأنشئت بالحجر النحت المحكم الصنعة وعملوا لها بابًا عظيمًا ببدنات وأبراج عظيمة وبها طاقات عليا وسفلى وصفوا بها المدافع العظيمة وبركة الرحبة مثل ذلك وعملوا لها بابًا آخر قبالة باب القشلة بحيث صار بينها وبين القشلة رحبة متسعة يسلك منه المارون الى جهة بولاق على الجسر الذي عمله الفرنسيس ويخرجون أيضًا في سلوكهم من بوابة عظيمة الى طريق بولاق من الجهة الغربية بحائط حجر متصلة من الرحلة حيث البوابة المواجهة للقشلة الى آخر القشلة وعلى هذه البوابة من الجهتين مدافع مركبة على بدنات وأبراج وطيقان مهندمة وبأسفلها من داخل مصطبة كبيرة من حجر وبها باب يصعد منه الى تلك الأبراج والجبخانة والعساكر جلوس على تلك المصاطب الخارجة والداخلة لابسين الأسلحة وبنادقهم مرصوصة بدائر الحيطان وبداخل الرحبة الوسطانية مدافع عظيمة مرصوصة بطول الرحبة يمينًا وشمالًا وكذلك بداخل الحوش الجواني الأصلي وبأسفل البركة نحو المائتي مدفع مرصوصة أيضًا وعربيات وصناديق جبخانة وآلات حرب وغير ذلك والجبخانة الكبيرة لها محل مخصوص بالحوش الداخل الأصلي ولها خزنة وطبجية وعربجية‏.‏
ومنها أنه عدم البصل الأحمر حتى بيع الرطل بسعر القنطار في الزمن السابق وعدم الملح أيضًا بسبب احتكاره وعدم المراكب التي تجلبه من بحري لما ترتب عليهم من زيادة الجمرك‏.‏
وعدم مكاسبهم فيه لأن الذي تولى على جمرك الملاحة صار يأخذه من أصحابه على ذمته بسعر قليل معلوم ويبيعه على ذمته بسعر كثير لمن يسافر به الى جهة قبلي وذلك خلاف ما يأخذه من المراكب التي تحمله فامتنع المتسببون فيه من تجارته فعز وجوده في آخر السنة حتى بيع الربع بثمانين نصفًا من ثلاثة أنصاف وضجت الناس من ذلك فأرسل ذلك الملتزم ثلاثة مراكب على ذمته ووسقها ملحًا وصار يبيع الربع بعشرين نصفًا ويبيعه المسبب بثلاثين‏.‏
وهذا لم يعهد فيما تقدم من السنين وعدم أيضًا الصابون بسبب تأخر القافلة حتى بيع بأغلى ثمن ثم حضرت القافلة فانحل سعره وتواجد وغير ذلك مما لا يمكن الإحاطة به ونسأل الله تعالى حسن العاقبة‏.‏
فى يوم السبت 1 شهر محرم الحرام سنة 1218 هـ   23 أبريل 1803 م استهل بيوم السبت في ذلك اليوم وقعت زعجة عظيمة في الناس وحصلت كرشات في مصر وبولاق حوانيتهم ورفعوا منهاما خف من متاعهم من الدكاكين وبعضهم ترك حانوته وهرب والبعض سقط متاعه من يده ولم يشعر من شدة ما لحقهم من الخوف والإرجاف ولم يعلم سبب ذلك فيقال إن السبب في ذلك أن جماعة من كبار العسكر ذهبوا الى الباشا وطلبوا جماكيهم المنكسرة وخرجهم فقال لهم اذهبوا الى الدفتردار فذهبوا الى الدفتردار فقال لهم حمكيتكم عند محمد علي فذهبوا الى محمد علي وكانوا وعدوهم بقبض جامكيتهم في ذلك اليوم فلما ذهبوا الى محمد علي قال لهم لم أقبض شيئًا فعملوا معه شراسة وضرب بيتهم بعض بنادق وهاجت العسكر عند بيت محمد علي سرششمه فحصلت هذه الزعجة في مصر وفيه وردت عدة تقارير وبها جبخانة وجملة من العسكر وصحبتهم ابراهيم آغا الذي كان كاشف الشرقية عام أول وكان توجه الى اسلامبول فحضر وصحبته ذلك فحملوا الجبخانة وطلعوها الى القلعة فيقال إنها متوجهة الى جدة بسبب فتنة الحجاز وقيل غير ذلك‏.‏
وفي يوم الجمعة 7 شهر محرم الحرام سنة 1218 هـ   29 أبريل 1803 م ثارت العسكر وحضروا الى بيت الدفتردار فاجتمعوا بالحوش وقفلوا باب القيطون وطردوا القواسة وطلع جمع منهم فوقفوا بفسحة المكان الجالس به الدفتردار ودخل أربعة منهم عند الدفتردار فكلموه في إنجاز الوعد فقال لهم إنه اجتمع عندي نحو الستين ألف قرش فإما أن تأخذوها أو تصبروا كم يوم حتى يكمل لكم المطلوب فقالوا لابد من التشهيل فإن العسكر تلقلقوا من طول المواعيد فكتب ورقة وأرسلها الى الباشا بأن يرسل إليه جانب دراهم تكملة للقدر الحاصل عنده في الخزينة فرجع الرسول وهو يقول : " لا أدفع ولا آذن بدفع شيء فإما أن يخرجوا ويسافروا من بلدي أو لابد من قتلهم عن آخرهم " فعندما رجع بذلك الجواب قال له ارجع إليه وأخبره أن البيت قد امتلأ بالعساكر فوق وتحت وإني محصور بينهم فعند وصول المرسال وقبل رجوعه أمر الباشا بأن يديروا المدافع ويضربوها على بيت الدفتردار وعلى العسكر فما يشعر الدفتردار إلا وجلة وقعت بين يديه فقام من مجلسه الى مجلس آخر وتتابع الرمي واشتعلت النيران في البيت وفي الكشك الذي أنشأه ببيت جده المجاور لبيته وهو من الخشب والحجنة ( نبات ينموا على ضفاف النيل والبرك والمستنقعات  يشبه البوص الرفيع ) من غير بياض فلم يكمل فالتهب بالنار فنزل الى أسفل والأرنؤد محيطة به وبات تحت السلالم الى الصباح ونهب العسكر الخزينة والبيت‏.‏ ولم يسلم إلا الدفتردار والأوراق وضعوها في صناديق وشالوها

وكان ابتداء رمي المدافع وقت صلاة الجمعة وأما أهل البلد فإنهم كانوا متخوفين ومتطيرين من قومة أو فزعة تحصل من العسكر قبل ذلك فلما عاين الناس تجمعهم ببيت الدفتردار شاع ذلك في المدينة ومر الوالي يقول للناس ارفعوا متاعكم واحفظوا أنفسكم وخذوا حذركم وأسلحتكم فأغلق الناس الدكاكين والدروب وهاجوا وماجوا فلما سمعوا ضرب المدافع زاد تطيرهم وتخيلوا هجوم العسكر ونهب البلد بل ودخول البيوت ولا راد يردهم ولا حاكم يمنعهم ونادى المنادي معاشر الناس وأولاد البلد كل من كان عنده سلاح فليلبسه واجتمعوا عند شيخ مشايخ الحارات يذهب بكم الى بيت الباشا وحضرت أوراق من الباشا لأهل الغورية ومغاربة الفحامين وتجار خان الخليلي وأهل طولون يطلبهم بأسلحتهم والحضور عنده والتحذير من التخلف فذهب بعض الناس فأقاموهم عند بيت حريم الباشا وبيت بن المحروقي المجاور له وهو بيت البكري القديم فباتوا ليلتهم هناك وحضر حسن آغا والي العمارة عشاء تلك الليلة وطاف على الناس يحرضهم على القيام ومعاونة الباشا وتجمع بعض الأوباش بالعصي والمساوق وتحزبوا أحزابًا وعملوا متاريس عند رأس الوراقين وجهة العقادين والمشهد الحسيني فلما دخل الليل بطل الرمي الى الصباح فشرعوا في الرمي بالمدافع والقنابر من الجهتين وتترست العساكر بجامع أزبك وبيت الدفتردار وبيت محمد علي وكوم الشيخ سلامة وداخل الناس خوف عظيم من هذه الحادثة وأما القلعة الكبيرة فإن الباشا مطمئن من جهتها لأنه مقيد بها الخازندار ومعه عدة من الأرنؤد وغيرهم وقافل أبوابها ولما كان يوم الجمعة أمس تاريخه قبل حصول الواقعة وحضر أغات الانكشارية والوجاقلية لأجل السلام على عادتهم ودخلوا عند كتخدا بك فقال لهم نبهوا على أهل البلد بغلق الدكاكين والأسواق والاستعداد فإن العكر حاصل عندهم قلة أدب فلما طلعوا عند الباشا أعلموه بمقالة كتخدا بك فقال لهم نعم فقال له أغات الانكشارية يا سلطانم ينبغي الاحتفاظ بالقلعة الكبيرة قبل كل شيء فقال إن بها الخازندار وأوصيته بالاحتفاظ وغلق الأبواب فقال له الآغا لكن ينبغي أن نترك عند كل باب من خارج قدر خمسين انكشاريًا فقال وايش فائدتهم ما عليكم من هذا الكلام تريدون تفريق عساكري اذهبوا لما أمرتكم به وذلك لأحل إنقاذ القضاء وحضر طاهر باشا أيضًا في ذلك الوقت وهو كالمحب ومكمن العداوة فلم يقابله الباشا وأمره بأن يذهب الى داره ولا يقارش

هزيمة محمد باشا

فلما كان في صبحها يوم السبت 8 شهر محرم سنة 1218 هـ   30 أبريل 1803 م رتب الباشا عساكره على طريقة الفرنسيس وهو المسمى بالنظام الجديد فخرجوا بأسلحتهم وبنادقهم وخيولهم وهم طوابير ومروا حوالي البركة وانقسموا فرقتين فرقة أتت على رصيف الخشاب وفرقة على جهة باب الهواء ليأخذوا الأرنؤدية بينهم ويحصروهم من الجهتين فلما حضرت الفرقة التي من ناحية رصيف الخشاب قاتلوا الأرنؤدية فعند ذلك أركبوا الدفتردار وأخذوه الى بيت طاهر باشا ومعه أتباعه وانهزم الأرنؤدية من تلك الجهة وانحصروا جهة جامع أزبك واشتغلوا بمحاربة الفرقة الأخرى وتحققوا الهزيمة والخذلان وعندما وصلت عساكر الباشا الى بيت الدفتردار والمحروقي وبيت حريم الباشا اشتغلوا بالنهب وإخراج الحريم وتركوا القتال وتفرقوا بالمنهوبات وفترت همة الفرقة الأخرى وجرى أكثرهم ليخطف شيئًا ويغنم مثلهم وقالوا نحن نقاتل ونموت لا على شيء وأصحابنا ينهبون ويغنمون فهزموا أنفسهم لذلك وتراجع الأرنؤدية واشتدت عزيمتهم ورجع البعض منهم الى عساكر الباشا فهزموا من بقي منهم وملكوا الجهة التي كانوا أجلوهم عنها فعند ذلك ظهر طاهر باشا وركب الى الرميلة وتقدم الى باب العزب فوجده مغلوقًا فعالج الطاقات الصغار التي في حائط باب العزب القريبة من الأرض المعدة لرمي المدافع من أسفل ففتح بعضها ودخل منها بعض عسكر فتلاقوا مع الأرنؤد المحافظين داخل الباب فالتف بعضهم على بعض‏.‏
ثم طلعوا عند الخازندار وكان عنده ابن أخت طاهر باشا ممرضًا قبل ذلك بأيام وصحبته طائفة أيضًا فالتفوا على بعضهم وصاروا عصبة وطلبوا مفاتيح القلعة من الخازندار فمانعهم ولما رأى منهم العين الحمراء سلمهم المفاتيح فنزلوا وفتحوا الأبواب لطاهر باشا وحبسوا الخازندار وأنزلوا من القلعة مدافع وبنبات وجبخانة الى الأزبكية لجماعتهم وكذلك قيدوا بالقلعة طبجية وعساكر كل ذلك ومحمد باشا لا يدري بشيء من ذلك فلم يشعر إلا والضرب نازل عليه من القلعة فسأل ما هذا فقيل له إنهم ملكوا القلعة فسقط في يده وعند ذلك نزل طاهر باشا من القلعة وشق من وسط المدينة وهو يقول بنفسه مع المنادي أمان واطمئنان افتحوا دكاكينكم وبيعوا واشتروا ما عليكم بأس وطاف يزور الأضرحة والمشايخ والمجاذيب ويطلب منهم الدعاء ورفع الناس المتاريس من الطرق وانكفوا عن مقارشة العسكر وكذلك لم يحصل أذية من العسكر لأحد من الرعية وأمروا بفتح مخابز العيش والمآكل وأخذوا واشتروا عن غير إجحاف ولا بخس فلما علم الباعة منهم ذلك ذهبوا إليهم بالعيش والكعك والجبن والفطير والسميط وغير ذلك ودخلوا فيهم يبيعون عليهم وهم يشترون منهم بالمصلحة وصار بعض أولاد البلد يذهب الى الفرجة ويدخل بينهم ويمر من وسطهم فلا يتعرضون لهم ويقولون نحن مع بعضنا وأنتم رعية فلا علاقة لكم بنا ووجدوا مع البعض سلاحًا ذهب به عندما أرسل الباشا ونادى بالناس فردوهم بلطف وكل ذلك على غير القياس وطاهر باشا لم يكن له شغل إلا الطواف بالمدينة والأسواق وخارج البلد ويقول للفلاحين الذين يجلبون الحطب والجلة والسمن والجبن من الأرياف كونوا على ما أنتم عليه وهاتوا أسبابكم وبيعوا واشتروا وليس عليكم باس وحضر إليه الوالي فأمره بالمرور والمناداة بالأمن للناس واستمر الحرب بين الفريقين نهار السبت واشتد ليلة الأحد طول الليل فما أصبح النهار حتى زحف عساكر الأرنؤد الى جامع عثمان كتخدا والي حارة النصارى من الجهة الأخرى وطلعوا الى التلول التي بناحية بولاق وملكوا بولاق وهجموا على مناخ الجمال الذي بالقبر من الشيخ فرج فقتلوا من به من عسكر التكرور وهرب من بقي منهم عريانًا وقبضوا على منش القبطان وعدوا بالغليون الى بر انبابة ونهبوا ما فيه وكان به مال القبطان وذخائره التي جمعها من مظالم المراكب والمسافرين والقادمين شيئًا كثيرًا وكذلك ذهبت طائفة منهم الى قصر العيني وقبضوا على من به من عبيد الباشا وعروهم وأخذوهم أسرى ونهبوا بيت السيد أحمد المحروقي بالأزبكية وهو بيت البكري القديم وقد كان أخلاه لنفسه وعمره وسكنه بحريمه فنهبوا منه شيئًا كثيرًا يفوق الحصر وأخرجوا منه النساء بعدما فتشوهن أو افتدين أنفسهن وكذلك بيت حريم الباشا الملاصق له بعدما أرسل الباشا عساكره قبل بيوم فنقل منه الحريم عنده بطولهن لا غير ونهبوا بيت جرجس الجوهري وأخذوا منه أشياء نفيسة كثيرة وفراوي مثمنة وحريم بيت الباشا لم يتمكنوا منه إلا بعد انفضاض القضية بيومين بسبب أن المحافظين عليه كانوا ثمانية عشر فرنساويًا فحاصروا فيه هذه المدة حتى خرجوا منه بأمان وأما سكان تلك الخطة فإنهم كانوا يذهبون الى طاهر باشا أو محمد علي فيرسل معهم عسكرًا لخفارتهم حتى ينقلوا أمتعتهم أو أمكنهم الى جهات بعيدة عن ذلك المحل ليأمنوا على أنفسهم من الحرب وهرب المحروقي وابنه عند الباشا ولاحت لوائح الخذلان على الباشا واستعد للفرار فإنه لما بات تلك الليلة لم يجد عليقًا ولا خبزًا فعلقوا على الخيل أرزًا وتعشى الباشا بالبقسمات وأرسل الى حارة النصارى فطلب منهم خبزًا فأرسلوا له خبزًا فخطفه الأرنؤد في الطريق ولم يصل إليه ثم أن عسكر الأرنؤد أحضروا آلة بنية ووضعوها بالبركة وضربوا بها على بيت الباشا فوقعت واحدة الى الباذاهنج فالتهب فيه النار فأرادوا إطفاءها فلم يجدوا سقائين تنقل الماء ويقال إن الخازندار الذي كان بالقلعة لما قبضوا عليه التزم لهم بحرق بيت الباشا ويطلقوه فأرسل بعض أتباعه الى مكانه الذي ببيت الباشا فأوقدوا فيه النار في ذلك الوقت واشتعلت في الأخشاب والسقوف وسرت الى مساكن الباشا فعند ذلك نزل الباشا الى أسفل وأنزل الحريم وعددهن سبع عشرة امرأة فأركبهن بغالًا وأمر الدلاة والهوارة أن يتقدموهن وركب صحبتهن المحروقي وابنه وترجمانه وصيرفيه وعبيده وفراشوه وتأخر الباشا حتى أركب الحريم ثم ركب في مماليكه ومن بقي من عسكره وأتباعه وركب معه حسين أغاشنن وبعض أغوات وصحبته ثلاث هجن وخرج الى جزيرة بدران ( الصورة الجانبية محمد باشا يخرج منهزماً إلى جزيرة بدران ) فعندما أشيع ركبوه هجمت عساكر الأرنؤد على البيت واشتغلوا بالنهب هذا والنار تشتعل فيه وكان ركوبه قبيل أذان العصر من يوم الأحد تاسع المحرم وخرج خلفه عدة وافرة من عسكر الأرنؤد فرجع عليهم وهزمهم مرتين وقيل ثلاثًا وأما المحروقي ومن معه فإنهم تشتتوا من بعضهم خلف الدلاة ولم يلحقوهم وانقطع حزام بغلته فنزل عنها فأدركه العساكر المتلاحقة بالباشا فعروه وشلحوه هو وأتباعه وابنه وأخذوا منهم نحو عشرين ألف دينار اسلامبولي نقدية وقيل جواهر بنحو ذلك فأدركهم عمر آغا بيناشي المقيم ببولاق فوقعوا عليهم فأمنهم وأخذهم معه الى بولاق وباتوا عنده الى ثاني يوم وأخذ لهم أمانًا وحضر الى طاهر باشا وقابله وكذلك جرجس الجوهري ونهب العسكر بيت الباشا وأخذوا منه شيئًا كثيرًا وباتت النار تلتهب فيه والدخان صاعد الى عنان السماء حتى لم يبق فيه إلا الجدران التحتانية الملاصقة للأرض واحترقت وانهدمت تلك الأبنية العظيمة المشيدة العالية وما به من قصور والمجالس والمقاعد والرواشن والشبابيك والقمريات والمناظر والتنهات والخزائن والمخادع وكان هذا البيت من أضخم المباني المكلفة فإنه إذا حلف الحالف أنه صرف على عمارته من أول الزمان الى أن احترق عشر خزائن من المال أو أكثر لا يحنث فإن الألفي لما أنشأه صرف عليه مبالغ كثيرة وكان أصل هذا المكان قصرًا عمره وأنشأه السيد ابراهيم ابن السيد سعودي اسكندر من فقهاء الحنفية وجعل في أسفله قناطر وبوائك من ناحية البركة وجعلها برسم النزهة لعامة الناس فكان يجتمع بها عالم من أجناس الناس وأولاد البلد شيء كثير وبها قهاوي وبياعون وفكهانية ومغاني وغير ذلك ويقف عندها مراكب وقوارب بها من تلك الأجناس فكان يقع بها وبالجسر المقابل لها من عصر النهار الى آخر الليل من الخط والنزاهة ما لا يوصف ثم تداول ذلك القصر أيدي الملاك وظهر علي بك وقساوة حكمه فسدوا تلك البوائك ومنعوا الناس عنها لما كان يقع بها في الأحيان من اجتماع أهل الفسوق والحشاشين ثم اشترى ذلك القصر الأمير أحمد آغا شويكار وباعه بعد مدة فاشتراه الأمير محمد بك الألفي في سنة إحدى عشرة ومائتين وألف وشرع في هدمه وتعميره وإنشائه على الصورة التي كان عليها وكان غائبًا جهة الشرقية فرسم لكتخداه صورته في كاغد بكيفية وضعه فحضر ذو الفقار كتخدا وهدم ذلك القصر وحضر الجضران ووضع الأساس وأقام الدعائم ووضع سقوف الدور السفلى فحضر عند ذلك مخدومه فلم يجده على الرسم الذي حدده له فهدمه ثانيًا وأقام دعائمه على مراده واجتهد في عمارته وطلب له الصناع والمؤن من الأحجار والأخشاب المتنوعة حتى شجت المؤن في ذلك الوقت وأوقفت أربعة من أمرائه على أربع جهاته وعمل على ذمة العمارة طواحين للجبس وقمن الجير وأحضر البلاط من الجبل قطعًا كبارًا ونشرها على قياس مطلوبه وكذلك الرخام وذلك خلاف أنقاض رخام المكان وأنقاض الأماكن التي اشتراها وهدمها وأخذ أخشابها وأنقاضها ونقلها على الجمال ( الصورة الجانبية جانب فقط من بيت الباشا ) ‏.‏
وفي المراكب لأجل ذلك فمنها البيت الكبير الذي أنشأه حسن كتخدا الشعراوي على بركة الرطلي وكان به شيء كثير من الأخشاب والأنقاض والشبابيك والرواشن نقلت جميعها الى العمارة فصار كل من الأمراء المشيدين يبني وينقل ويبيع ويفرق على من أحب حتى بنوا دورًا من جانب تلك العمارة والطلب مستمر حتى أتموه في مدة يسيرة وركب على جميع الشبابيك شرائح الزجاج أعلى وأسفل وهو شيء كثير جدًا وفي المخادع المختصة به ألواح الزجاج البلور الكبار التي يساوي الواحد منها خمسمائة درهم وهو كثير أيضًا ثم فرشه جميعه بالبسط الرومي والفرش الفاخر وعلقوا به الستائر والوسائل المزركشة وطوالات المراتب كلها مقصبات وبنى به حمامين علويًا وسفليًا الى غير ذلك فما هو إلا أن تم ذلك فأقام به نحو عشرين يومًا ثم خرج الى الشرقية فأقام هناك وحضر الفرنسيس فسكنه ساري عسكر بونابارته فعمر فيه أيضًا عمارة ولما سافر وأقام مكانه كلهبر عمر فيه أيضًا فلما قتل كلهبر وتولى عوضه عبد الله منو لم يزل مجتهدًا في عمارته وغير معاليمه وأدخل فيه المسجد وبنى الباب على الوضع الذي كان عليه وعقد فوقه القبة المحكمة وأقام في أركانها الأعمدة بوضع محكم متقن وعمل السلالم العراض التي يصعد منها الى الدور العلوي والسفلي من على يمين الداخل وجعل مساكنه كلها تنفذ الى بعضها البعض على طريقة وضع مساكنهم واستمر يبني فيه ويعمر مدة إقامته الى أن خرج من مصر فلما حضر العثمانية وتولى على مصر محمد باشا المذكور رغب في سكنى هذا المكان وشرع في تعميره هذه العمارة العظيمة حتى أنه رتب لحرق الجير فقط إثنى عشر قمينًا تشتغل على الدوام والجمال التي تنقل الحجر من الجبل ثلاث قطارات كل قطار سبعون جملًا وقس على ذلك بقية اللوازم ورموا جميع الأتربة في البركة حتى ردموا منها جانبًا كبيرًا ردمًا غير معتدل حتى شوهوا البركة وصارت كلها كيمانًا وأتربة والعجب أن منتهى الرغبة في سكن هذه البركة وأمثالها إنما هو تسريح النظر وانبساط النفس باتساعها وإطلاقها وخصوصًا أيام النيل حين تمتلئ بالماء فتصير لجة ماء بركارية مملوءة بالزوارق والقنج والشطيات المعدة للنزهة تسرح فيها ليلًا ونهارًا وعند دخول المساء يوقدون القناديل بدائرها في جميع قواطين البيوت فيصير لذلك منظر بهيج لاسيما في الليالي المقمرة فيختلط ضحك الماء في وجه البدر والقناديل وانعكاس خيالها كأنها أسفل الماء أيضًا وصدى أصوات القيان والأغاني في ليال لا تعد من الأعمار إذ الناس ناس والزمان زمان فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الى أن كان ما كان ووقعت هذه الحوادث فتضاعف المسخ والتشويه والعجب أنه لما وقعت الحرابة بين الفرنساوية والعثمانية وأهل مصر وأقام الحرب 36 يومًا وهم يضربون على ذلك البيت بالمدافع والقنابر لم يصبه شيء ولم ينهدم منه حجرًا واحدًا ولما وقعت هذه الحرابة بين الباشا وعسكره احترق وانهدم في ليلة واحدة وكذلك احترق بيت الدفتردار وهو بيت ثلاثة ولية الذي كان أنشأه رضوان كتخدا الجلفي وكان بيتًا عظيمًا ليس له نظير في عمارته وزخرفته وكلفته وسقوفه من أغرف ما صنعته أيدي بني آدم في الدقة والصنعة وكله منقوش بالذهب واللازورد والأصباغ وعلى مجالسه العليا قباب مصنعة وأرضه كلها بالرخام الملون فاحترق جميعه ولم يبق به شيء إلا بعض الجدران اللاطئة بالأرض وسكنت الفتنة وشق الوالي علي آغا الشعراوي وذو الفقار المحتسب وأغات الانكشارية ونادوا بالأمان والبيع والشراء فكانت مدة ولاية هذا الباشا على مصر سنة وثلاثة أشهر وواحدًا وعشرين يومًا وكان سيئ التدبير ولا يحسن التصرف ويحب سفك الدماء ولا يتروى في ذلك ولا يضع شيئًا في محله ويتكرم على من لا يستحق ويبخل على من يستحق وفي آخر مدته داخله الغرور وطاوع قرناء السوق المحدقين به والتفت الى المظالم والفرد على الناس وأهل القرى حتى أنهم كانوا حرروا دفاتر فردة عامة على الدور الأماكن بأجرة ثلاث سنوات وقيل أشنع من ذلك فأنقذ الله منه عباده وسلط عليه جنده وعساكره وخرج مرغومًا مقهورًا على هذه الصورة ولم يزل في سيره الى أن نزل بقليوب بعد الغروب فعشاه الشواربي شيخ قليوب ثم سار ليلًا الى دجوة فأنزل الحريم والأثقال في ثلاثة مراكب وسار هو الى جهة بنها وغالب جماعته تخلفوا عنه بمصر وكذلك الكتخدا وديوان أفندي والخازندار الذي كان بالقلعة
وفي يوم الاثنين 10شهر محرم الحرام سنة 1218 هـ   2 مايو  1803 م نودي بالأمان أيضًا وأن العساكر لا يتعرضون لأحد بأذية وكل من تعرض له عسكري بأذية ولو قليلة فليشتكه الى القلق الكائن بخطته ويحضره الى طاهر باشا فينتقم له منه‏.‏

وفييوم الخميس 13 شهر محرم الحرام سنة 1218 هـ   5 مايو 1803 م وقت العصر حضر الآغا والوجاقلية إلى بيت القاضي وأعلموه باجتماعهم في غد عند طاهر باشا ويتفقون على تلبيسة قائمقام ويكتبون عرض محضر بحاصل ما وقع‏.‏
وفي ذلك اليوم حضر جعفر كاشف تابع ابراهيم بك وبيده مراسلة خطابًا للعلماء والمشايخ وقيل إنه كان بمصر من مدة أيام وكان يجتمع بطاهر باشا كل وقت بالشيخونية

فلما أصبح يوم الجمعة 14 شهر محرم سنة 1218 هـ   6 مايو 1803 م اجتمع المشايخ عند القاضي وركبوا صحبته وذهبوا عند طاهر باشا وعملوا ديوانًا وأحضر القاضي فروة سمور ألبسها لطاهر باشا ليكون قائمقام حتى تحضر له الولاية أو يأتي وال وكلموه على رفع الحوادث والمظالم وظنوا فيه الخيرية واتفقوا على كتابة عرضحال بصورة ما وقع وقرأوا المكتوب الذي حضر من عند الأمراء القبالى وهو مشتمل على آيات وأحاديث وكلام طويل ومحصله أنهم طائعون وسممتثلون ولم يحصل منهم تعد ولا محاربة وإنما إذا حضروا الى جهة أو بلدة وطلبوا المرور عليها أو قضاء حاجة من بندر منعهم الحاكم والعساكر التي بها ونابذ بالمحاربة والطرد ومع ذلك إذا وقعت بيننا محاربة لا يثبتون لنا وينهزمون ويفرون وقد تكرر ذلك المرة بعد المرة ولا يخفى ما يترتب على ذلك من النهب والسلب وهتك الحرائر

وقد وقع لنا لما حضرنا بالمنية فحصل ما حصل وبدؤونا بالطرد والإبعاد حصل ما حصل مما ذكر وعوقب من لا جنى وذنب الرعية والعباد في رقابكم وقد التمسنا من ساداتنا المشايخ أن يتشفعوا لنا عند حضرة الوزير ويعطينا ما يقوم بمؤونتنا ومعايشنا فأبى حضرة الوزير إلا إخراجنا من القطر المصري كليًا وبعثتم تحذرونا مخالفة الدولة العلية مستدلين علينا بقوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول أولي الأمر منكم‏.‏
ولم تذكروا لنا آية تدل على أننا نخرج من تحت السماء ولا آية تدل على أننا نلقى بأيدينا الى التهلكة وذكرتم لنا أن حريمنا وأولادنا بمصر وربما ترتب على المخالفة وقوع الضرر بهم وقد تعجبنا من ذلك فإننا إنما تركنا حريمنا ثقة بأنهم في كفالتكم وعرضكم على أن المروءة تأبى صرف الهمة الى امتداد الأيدي للحريم والرجال للرجال على أن أملك دورًا والله يقلب الليل والنهار والملك بيد الله يؤتيه من يشاء قل الله مالك الملك الآية

فلما قرئ ذلك بتفاصيله تعجب السامعون له فكأنما كانوا ينظرون من خلف حجاب الغيب وأخذ ذلك المكتوب طاهر باشا ( إنتهز طاهر باشا هذه الفرصة ليجتذب إليه المماليك , وكتب إليهم يدعوهم إلى الحضور والإقتراب من القاهرة , وظهرت للمشايخ فى هذا التعيين السلطة الرسمية , وإن كانت فى الواقع سلطة إسمية , لأن طاهر باشا إنما وصل ليصبح قائمقام بحد السيف ... ولكن بمجرد إستشعاره بضرورة إتفاق العلماء على إختياره , هو تسليم منه بأن لهم شأنا فى حل الأزمات , كما أن تدخلهم فى الوساطة بين البكاوات المماليك والوالى أكسبهم نفوذاً على الفريقين ومساعيهم فى رفع المظالم أعلنت مكانتهم , وزادت فى إلتفاف الناس حولهم , وقد كان للعلماء مقام محمود فى مقاومة المظالم التى أرتكبها طاهر باشا , فإن أول عمل له أنه ألأقى القبض على جماعة من كبار الموظفين والأعيان بحجة أنهم من أنصار خسرو باشا , منهم : " السيد المحروقى كبير التجار , ورئيس الإنكشارية , وكاتب خزانة خسرو باشا , ومصطفى الوكيل وغيرهم , وسجنهم فى القلعة , فتوسط المشايخ وأطلقوا سراح السيد أحمد المحروقى , فنزل من القلعة فى اليوم التالى لأعتقاله , وتدخل السادات للأفراج عن مصطفى الوكيل وأخذه معه إلى بيته , وكان ذلك يوم الجمعة 21 محرم 1218 هـ - 13 مايو 1803 م . فلما كان يوم الأحد أرسل طاهر باشا يطلب مصطفى الوكيل من عند الشيخ السادات , فذهب معه السادات إلى طاهر باشا ليحميه من بطشه , فلما رآه الجنود ألأقوا القبض عليه ثانية , وأخذوه إلى القلعة فحنق السيد السادات من هذا الظلم , ودخل على طاهر باشا وأعترض إعتراضاً شديداً , فأطلعه طاهر باشا على خطاب مرسل إلى مصطفى الوكيل من خسرو باشا ليبرهن له على أنه موال لخسرو باشا , وكان طاهر باشا مصمما على قتله , فإنتهى الأمر على ان لا يقتله , وأن يبقى ببيت السادات مشمولاً بحمايته , وخشى طاهر باشا من تغير خاطر السادات بسبب هذه الحادثة فذهب إليه فى بيته ليسترضيه . ومن مظالم طاهر باشا أنه أمر بقتل المعلم سلطى من كبار الكتبة الأقباط , وهو الذى كان متولياً القضاء فى زمن الفرنسيس , وأمر كذلك بقتل المعلم حنا الصبحانى أحد التجار السوريين ( وبلا نزاع ا، سبب قتلهما الطمع فى اموالهما ) على أن طاهر باشا لم يدم له الأمر , فقد أشتهر بالظلم والجبروت , وأطلق لجنودة الألبانيين عنان السلب والنهب , وضرب (أمر) الغرامات الفادحة على التجار ( راجع كتاب تاريخ الحركة القومية - عبد الرحمن الرافعى - ج2 ص 237 )

وأودعه في جيبه ثم قال الحاضرون فما يكون الجواب قال حتى نتروى في ذلك ثم كتب لهم جوابًا يخبرهم فيه بما وقع ويأمرهم بأنهم يحضرون بالقرب من مصر لربما اقتضى الحال الى المعاونة‏.‏
وفي يوم الاثنين 17 شهر محرم الحرام سنة 1218 هـ   9 مايو 1803 م كتبوا العرض المحضر بصورة ما وقع وختم عليه المشايخ والوجاقلية وأرسلوه الى اسلامبول وأما محمد باشا ( لم يسع خسرو باشا إلا أن يلوذ بالهرب , وفر هو وعائلته وحاشيته وبقية جنودة , وخرج من المدينة , وقصد إلى قليوب فالمنصورة ثم ذهب إلى دمياط وأستقر بها , وأخذ يستعد لأسترجاع ولايتة , ومن غريب أمره وهو فى محنته وفى فراره ضرب الضرائب على البلاد التى مر بها , وأخذ من الأموال ما أستطاع نهبه , وبفرار خسرو باشا إنتهت ولايته الفعلية , فكانت مدتها سنة وثلاثة أشهر وواحد وعشرين يوماً ( راجع كتاب تاريخ الحركة القومية - عبد الرحمن الرافعى - ج2 ص 237 )

المهزوم فإنه لم يزل في سيره حتى وصل الى المنصورة وفرد على أهلها تسعين ألف ريال وكذلك فرد على علي ما أمكنه من بلاد الدقهلية والغربية فردًا ومظالم وكلفًا وصادف في طريقه بعض المعينين حاضرين بمبالغ الفردة السابقة فأخذها منهم‏.‏
وفي ليلة الثلاثاء 18 شهر محرم سنة 1218 هـ   10 مايو  1803 م بعد المغرب ثامن عشره أرسل طاهر باشا عدة من العسكر فقبضوا على جماعة من بيوتهم وهم أغات الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز ومصطفى آغا الوكيل وأيوب كتخدا الفلاح وأحمد كتخدا علي والسيد أحمد المحروقي فأنزلوه الى بيته في ثاني يوم وعملوا عليه ستمائة ولزم العسكر بيته وكذلك بقية الجماعة منهم من عمل عليه مائتا كيس وأقل وأكثر وأقاموا في الترسيم‏.‏
وفي يوم الجمعة 21 شهر محرم سنة 1218 هـ   12 مايو  1803 م ركب طاهر باشا بالموكب والملازمين وصلى الجمعة بجامع الحسين‏.‏
وفيه وردت الأخبار بأن الأمراء المصرية رجعوا الى قبلي ووصلوا الى قرب بني سويف‏.‏
وفيه تشفع شيخ السادات في مصطفى آغا الوكيل وأخذه الى بيته وعملوا عليه مائتين وعشرين كيسًا فلما كان يوم الأحد أرسل طاهر باشا يطلب مصطفى آغا الوكيل من عند شيخ السادات فركب معه شيخ السادات وسعيد آغا وكيل دار السعادة وذهبا صحبته الى بيت طاهر باشا‏.‏
فلما طلعوا الى أعلى الدرج خرج عليهم جماعة من العسكر وجذبوا مصطفى آغا من بينهم وقبضوا عليه وأنزلوه الى أسفل وأخذوه الى القلعة ماشيًا على أقدامه فحنق الشيخ السادات ودخل على طاهر باشا وتشاجر معه فأطلعه على مكتوب مرسل من محمد باشا إليه فقال هذا لا يؤاخذ به وإنما يؤاخذ إذا كان المكتوب منه الى محمد باشا ثم انحط الأمر على أنه لا يقتله ولا يطلقه ثم أن طاهر باشا ركب ليلًا وذهب الى شيخ السادات وأخذ خاطره بعد ما فزع من حضوره إليه في ذلك الوقت‏.‏
وفي يوم الأحد 23 شهر محرم سنة 1218 هـ   15 مايو  1803 م أطلعوا يوسف كتخدا الباشا الى القلعة وألزموه بمال وكذلك خزنة كاتب‏.‏
وفيه خرج أمير الأزلام لملاقاة الحجاج فنصب وطاقه بقبة النصر وأقام هناك‏.‏
وفيه حضر هجان على يده مكاتيب كر مؤرخة في عشرين شهر الحجة مضمونها أن الوهابيين أحاطوا بالديار الحجازية وأن شريف مكة غالب تداخل مع شريف باشا وأمير الحاج المصري والشامي وأرشاهم على أن يتعوقوا معه أيامًا حتى ينقل ماله ومتاعه الى جدة وذلك بعد اختلاف كبير وحل وربط وكونهم يجتمعون على حربه ثم يرجعون على ذلك الى أن اتفق رأيهم على الرحيل فأقاموا مع الشريف اثني عشر يومًا ثم رحلوا ورحل الشريف بعد أن أحرق داره وفيه قبضوا على أنفار من الوجاقلية أيضًا المستورين وطلبوا منهم دراهم وعملوا على طائفة القبط الكتبة خمسمائة كيس بالتوزيع‏.‏
وفي يوم الثلاثاء 25 شهر محرم سنة 1218 هـ   17 مايو  1803 م قبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وكذلك عملوا على طائفة اليهود مائة كيس‏.‏ وفيه حضر أحمد آغا شويكار الى مصر بمراسلة من الأمراء القبالى‏.‏
وفي يوم الأربعاء 26 شهر محرم سنة 1218 هـ   26 مايو  1803 م سافرت التجريدة المعينة لمحمد باشا وكبيرها حسن بك أخو طاهر باشا فنزلوا في مراكب وفي البر أيضًا‏.‏
وفي يوم الخميس 27 شهر محرم سنة 1218 هـ - 19 مايو  1803 م قبضوا على المعلم ملطي القبطي من أعيان كتبة القبط وهو الذي كان قاضيًا أيام الفرنسيس فرموا رقبته عند باب زويلة وكذلك قطعوا رأس المعلم حنا الصبحاني أخي يوسف الصبحاني من تجار الشوام عند باب الخرق في ذلك اليوم وأقاما مرميين الى ثاني يوم‏.‏
وفي يوم السبت غايته شهر محرم سنة 1218 هـ - 22 مايو  1803 م رجع أحمد آغا شويكار بجواب من الباشا الى رفقائه وأشيع وصول ابراهيم بك ومن معه الى زاوية المصلوب ووصلت مقدماتهم الى بر الجيزة يقبضون الكلف من البلاد‏.‏
وفيه أفرجوا عن يوسف كتخدا الباشا بعد أن دفع ثمانين كيسًا ونزل من القلعة الى داره‏.‏
وفيه أرسل طاهر باشا الى مصطفى أفندي رامز الكاتب وابراهيم أفندي الروزنامجي وسليمان أفندي فأخذوهم عند عبد الله أفندي رامز الروزنامجي الرومي‏.‏
فى 2 شهر صفر 1218 ه - 24 مايو 1803 م استهل بيوم الأحد في ثانيه حضر الأمراء القبالي الى الشيخ الشيمي‏.‏

يقطعون رأس طاهر باشا ويرمونها من الشباك
وفي ليلة الأربعاء 4 شهر صفر 1218 ه - 26 مايو 1803 م خنقوا أحمد كتخدا علي باش اختيار الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز العزب وكانا محبوسين بالقلعة وضربوا وقت خنقهما مدفعين في الساعة الثالثة من الليل ورموهما الى الخارج‏.‏
وفي صبحها يوم الأربعاء حضر جواب من العسكر الذين ذهبوا لمحاربة محمد باشا مضمونه أنه انتقل من مكانه وذهب الى جهة دمياط وأنه تخلف عنه من العسكر الذين معه وأرسلوا يطلبون منهم الأمان فلم يجاوبوهم حتى يستأذنوا في ذلك فأجابهم طاهر باشا بأن يعطوهم أمانًا ويضموهم إليهم‏.‏
وفي ذلك اليوم أشيع أن طاهر باشا قاصد التعدية الى البر الغربي ليسلم على الأمراء المصرلية في ذلك الوقت أمر بإحضار حسن آغا محرم فارتاع من ذلك وأيقن بالموت فلما حضر بين يديه خلع عليه فروة وجعله معمارجي باشا وأعطاه ألفي فرانسه وأمره أن يتقيد بتعمير القلعة وما صدق أن خرج من بين يديه وسكن روعه في ذلك الوقت حضر إليه طائفة من الانكشارية وهم الذين كانوا حضروا في أول المحرم في النقاير مع الجبخانة ليتوجهوا الى الديار الحجازية وأنزلوهم بجامع الظاهر خارج الحسينية وحصلت كائنة محمد باشا وهم مقيمون على ما هم عليه ولما خرج محمد باشا وظهر عليه طائفة الأرنؤد شمخوا على الانكشارية ( الصورة المقابلة : أثنين من جنود الأرنؤد ) وصاروا ينظرون إليهم بعين الاحتقار مع تكبر الانكشارية ونظرهم في أنفسهم أنهم فخذ السلطنة وأن الأرنؤد خدمهم وعسكرهم وأتباعهم ولما فرد الفرد طاهر باشا وصادر الناس صار يدفع الى طائفة الأرنؤد جماكيهم المنكسرة أو يحولهم بأوراق على المصادرين وكلما طلب الانكشارية شيئًا من جماكيهم قال لهم ليس لكم عندي شيء ولا أعطيكم إلا من وقت ولايتي فإن كان لكم شيء فاذهبوا وخذوه من محمد باشا فضاق خناقهم وأوعز صدورهم وبيتوا أمرهم مع أحمد باشا والي المدينة فلما كان في هذا اليوم ركب الجماعة المذكورون من جامع الظاهر وهم نحو المائتين وخمسين نفرًا بعددهم وأسلحتهم كما هي عادتهم وخلفهم كبراؤهم وهم اسمعيل آغا ومعه آخر يقال له موسى آغا وآخر فذهبوا على طاهر باشا وسألوه في جماكيهم فقال لهم ليس لكم عندي إلا من وقت ولايتي وإن كان لكم شيء مكسور فهو مطلوب لكم من باشتكم محمد باشا فألحوا عليه فنتر فيهم فعاجلوه بالحسام وضربه أحدهم فطير رأسه ورماها من الشباك الى الحوش وسحبت طوائفهم الأسلحة وهاجوا في أتباعه فقتل منهم جماعة واشتعلت النار في الأسلحة والبارود الذي في أماكن أتباعه فوقع الحريق والنهب في الدار ووقع في الناس كرشات وخرجت العساكر الانكشارية وبأيديهم السيوف المسلولة ومعهم ما خطفوه من النهب

 فانزعجت الناس وأغلقوا الأسواق والدكاكين وهربوا الى الدور وأغلقوا الأبواب وهم لا يعلمون ما الخبر وبعد ساعة شاع الخبر وشق الوالي والآغا ينادون بالأمن والأمان حسب ما رسم أحمد باشا وكرروا المناداة بذلك ثم نادوا باجتماع الانكشارية البلدية وخلافهم عند أحمد باشا على طائفة الأرنؤد وقتلهم وأخرجهم من المدينة فتحزبوا أحزابًا ومشوا طوائف طوائف وتجمع الأرنؤد جهة الأزبكية وفي بيوتهم الساكنين فيها وصار الانكشارية إذا ظفروا بأحد من الأرنؤد أخذوا سلاحه وربما قتلوه وكذلك الأرنؤد يفعلون معهم مثل ذلك هذا والنهب والحريق عمال في بيت طاهر باشا وفرج الله عن المعتقلين والمحبوسين على المغارم والمصادرات وبقيت جثة طاهر باشا مرمية لم يلتفت إليها أحد ولم يجسر أحد من أتباعه على الدخول الى البيت وإخراجها ودفنها وزالت دولته انقضت سلطنته في لحظة فكانت مدة غلبته ستة وعشرين يومًا ولو طال عمره زيادة على ذلك لأهلك الحرث والنسل وكان صفته أسمر اللون نحيف البدن أسود اللحية قليل الكلام بالتركي فضلًا عن العربي ويغلب عليه لغة الأرنؤدية وفيه هوس وانسلاب وميل للمسلوبين والمجاذيب والدراويش وعمل له خلوة بالشيخونية وكان يبيت فيها كثيرًا ويصعد مع الشيخ عبد الله الكردي الى السطح في الليل ويذكر معه ثم سكن هناك بحريمه وقد كان تزوج بامرأة من نساء الأمراء وكان يجتمع عنده أشكال مختلفة الصور فيذكر معهم ولما رأوا منه ذلك خرج الكثير من الأوباش وتزيا بما سولت له نفسه وشيطانه ولبس له طرطورًا طويلًا ومرقعة ودلفًا وعلق له جلاجل وبهرجان وعصا مصبوغة وفيها شخاشيخ وشراريب وطبلة يدق عليها ويصرخ ويزعق ويتكلم بكلمات مستهجنة وألفاظ موهمة بأنه من أرباب الأحوال ونحو ذلك ولما قتل أقام مرميًا الى ثاني يوم لم يدفن ثم دفنوه من غير رأس بقبة عند بركة الفيل وأخذ بعض الينكجرية رأسه وذهبوا بها ليوصلوها الى محمد باشا يأخذوا منه البقشيش فلحقهم جماعة من الأرنؤد فقتلوهم وأخذوا الرأس منهم ورجعوا بها ودفنوها مع جثته وكتب أحمد باشا مكتوبًا الى محمد باشا يعلمه بصورة الواقعة ويستعجله للحضور وكذلك المحروقي وسعيد آغا أرسل كل واحد مكتوبًا بمعنى ذلك وظنوا تمام المنصف ولما نهبوا بيته نهبوا ما جاوره من دور الناس من الحبانية الى ضلع السمكة الى درب الجماميز

ظهور محمد على

ثم ان أحمد باشا أحضر المشايخ وأعلمهم بما وقع وأمرهم بالذهاب الى محمد علي ويخاطبوه بأن يذعن الى الطاعة فلما ذهبوا إليه وخاطبوه في ذلك أجاب بأن أحمد باشا لم يكن واليًا على مصر بل إنما هو والي المدينة المنورية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وليس له علاقة بمصر وأنا كنت الذي وليت طاهر باشا لكونه محافظ الديار المصرية من طرف الدولة وله شبهة في الجملة وأما أحمد باشا فليس له جرة ولا شبهة فهو يخرج خارج البلدويأخذ معه الانكشارية ونجهزه ويسافر الى ولايته فقاموا من عنده على ذلك واستمر الانكشارية على ما هم عليه من النهب وتتبع الأرنؤد وتحزبوا وتسلحوا وعملوا متاريس على جهاتهم ونواحيهم الى آخر النهار فنادوا على الناس بالسهر والتحفظ والدكاكين تفتح والقناديل تعلق وبات الناس على تخوف ولما أصبح نهار الخميس مر الوالي والآغا ينادون بالأمان برسم حكم أحمد باشا ثم أن أحمد باشا أرسل أوراقًا الى المشايخ بالحضور فذهبوا إليه فقال لهم أريد منكم أن تجمعوا الناس والرعية وتأمروهم بالخروج على الأرنؤد وقتلهم فقالوا سمعًا وطاعة وأخذوا في القيام فقال لهم لا تذهبوا وكونوا عندي وأرسلوا للناس كما أمرتكم فقالوا له إن عادتنا أن يكون جلوسنا في المهمات بالجامع الأزهر ونجتمع به ونرسل الى الرعية فإنهم عند ذلك لا يخالفون وكان مصطفى آغا الوكيل حاضرًا فراددهم في ذلك وعرف منهم الانفكاك فلم يزالوا حتى تخلصوا وخرجوا وكان أحمد باشا أرسل أحضر الدفتردار ويوسف كتخدا الباشا وعبد الله أفندي رامز الروزنامجي وغالب أكابر العثمانية ومصطفى آغا الوكيل كان مرهونًا عند شيخ السادات كما تقدم فعندما سمع بقتل طاهر باشا ركب بجماعته وأبهته وأخذ معه عدة من الانكشارية وذهب الى عند أحمد باشا ووقف بين يديه يعاضده ويقويه وأما محمد علي والأرنؤد فإنهم مالكون القلعة الكبيرة ويجمعون أمرهم ويراسلون الأمراء فلما أصبح ذلك اليوم عدى الكثير من المماليك والكشاف الى بر مصر ومروا في الأسواق وعدى أيضًا محمد علي وقابلهم في بر الجيزة ورجع وعدى الكثير منهم من ناحية انبابة ومعهم عربان كثيرة وساروا الى جهة خارج باب النصر وباب الفتوح وأقاموا هناك وأرسل ابراهيم بك ورقة الى أحمد باشا يقول فيها إنه بلغنا موت المرحوم طاهر باشا عليه الرحمة والرضوان فأنتم تكونون مع أتباعكم الأرنؤد حالًا واحدًا ولا تتداخلوا مع الانكشارية فلما كان ضحوة النهار ذهب جماعة من الانكشارية الى جهة الرميلة فضربوا عليهم من القلعة مدافع فولوا وذهبوا ثم بعد حصة ضربوا أيضًا عدة مدافع متراسلة على جهة بيت أحمد باشا وكان ساكنًا في بيت علي بك الكبير بالداودية فعند ذلك أخذ أمره في الانحلال وتفرق عنه غالب الانكشارية البلدية ووافق أن المشايخ لما خرجوا من عنده وركبوا لم يزالوا سائرين الى أن وصلوا جامع الغورية فنزلوا به وجلسوا وهم في حيرة متفكرين فيما يصنعون فعندما سمعوا صوت المدافع قاموا وتفرقوا وذهبوا الى بيوتهم ثم أن ابراهيم بك أرسل ورقة الى أحمد باشا قبيل العصر يأمره فيها بتسليم الذين قتلوا طاهر باشا ويخرج الى خارج البلد ومعه مهلة الى حادي عشر ساعة من النهار ولا يقيم الى الليل وإن خالف فلا يلومن إلا نفسه فلما رأى حال نفسه مضمحلًا لم يجد بدًا من الامتثال إلا أنه يجد جمالًا يحمل عليها أثقاله فقال للرسول سلم عليه وقل له يرسل لي جمالًا وأنا أخرج وأما تسليم القاتلين فلا يمكن فقال له أما بحضور الجمال فغير متيسر في هذا الوقت لبعد المسافة فقال له وكيف يكون العمل فقال يركب حضرتكم ويخرج ووقت ما حضرت الجمال الليلة أو غدًا حملت الأثقال ولحقتكم خارج البلد فعند ذلك قام وركب وقت العصر وتفرق من كان معه من أعيان العثمانية مثل الدفتردار وكتخدا بك والروزنامجي وذهبوا الى محمد علي والتجؤوا إليه فأظهر لهم البشر والقبول وخرج أحمد باشا في حالة شنيعة وأتباعه مشاة بين يديه وهم يعدون في مشيهم وعلى أكتافهم وسائد وأمتعة خفيفة فعندما خرج من البيت دخل الأرنؤد ونهبوا جميع ما فيه ولم يزل سائرًا حتى خرج من المدينة من باب الفتوح فوجد العسكر والعربان وبعض كشاف ومماليك مصرية محدقة بالطرق فدخل مع الانكشارية الى قلعة الظاهر وأغلقوها عليهم وخرج خلفهم عدة وافرة من الأرنؤد والكشاف المصرلية والعرف والغز وأحاطوا بهم وأقاموا على ذلك تلك الليلة وبعد العشاء مر الوالي وأمامه المناداة بالأمان حسب ما رسم ابراهيم بك حاكم الولاية وأفندينا محمد علي فكانت مدة الولاية لأحمد باشا يومًا وليلة لا غير وفي ذل اليوم نهبوا بيت يوسف كتخدا بك وأخرجوا منه أشياء كثيرة أخذ ذلك جميعه الأرنؤد

وأصبح يوم الجمعة 6 شهر صفر 1218 ه - 2ح مايو 1803 م فركب المشايخ والأعيان وعدوا الى بر الجيزة وسلموا على ابراهيم بك والأمراء‏.‏
وفيه استأذن الدفتردار وكتخدا بك محمد علي في الإقامة عنده أو الذهاب فأذن لهما بالتوجه الى بيوتهما فركبا قبيل الظهر وسارا الى بيت الدفتردار وهو بيت البارودي فدخل كتخدا بك مع الدفتردار لعلمه بنهب بيته فنزلا وجلسا مقدار ساعة وإذا بجماعة من كبار الأرنؤد ومعهم عدة من العسكر وصلوا إليهما وعند دخولهم طلبوا المشاعلي من بيت علي آغا الشعراوي وهو تجاه بيت البارودي فلم يجدوه فذهب معهم رفيق له وليس معه سلاح فدخلوا الدار وأغلقوا الباب وعلم أهل الخطة مرادهم فاجتمع الكثير من الأوباش والجعيدية والعسكر خارج الدار يريدون النهب ولما دخلوا عليهما قبضوا أولًا على الدفتردار وشلحوه من ثيابه وهو يقول عيبتر وأصابه بعضهم بضربة على يده اليمنى وأخرجوه الى فسحة المكان وقطعوا رأسه بعد ضربات وهو يصيح مع كل ضربة لكون المشاعلي لا يحسن الضرب ولم يكن معه سلاح بل ضربه بسلاح بعض العسكر الحاضرين ثم فعلوا ذلك بيوسف كتخدا بك وهو ساكت لم يتكلم وأخذوا الرأسين وتركوهما مرميين وخرجوا بعدما نهبوا ما وجدوه من الثياب والأمتعة بالمكان وكذلك ثياب أتباعهم وخرج أتباعهم في أسوأ حال يطلبون النجاح بأرواحهم ومنهم من هرب وطلع الى حريم البارودي الساكنات في البيت وصرخ النساء وانزعجن وكانت الست نفيسة المرادية في ذلك المنزل أيضًا في تلك الأيام فعندما رأت وصول الجماعة أرسلت الى سليم كاشف المحرمجي فحضر في ذلك الوقت فكلمته في أن يتلافى الأمر فوجده قد تم فخرج بعد خروجهم بالرأسين فظن الناس أنها فعلته ثم حضر محمد علي في إثر ذلك وطرد الناس المجتمعين للنهب وختم على المكان وركب الى داره ثم أن علي آغا الشعراوي استأذن محمد علي في دفنهما فأذن له فأعطى شخصًا ستمائة نصف فضة لتجهيزهما وتكفينهما فأخذها وأعطى منها الآخر مائتين نصف لا غير فأخذها وذهب فوضعهما في تابوت واحد من غير رؤوس وكانوا ذهبوا برؤوسهما الى الأمراء بالجيزة ولم يردوهما ولم يدفنا معهما ثم رفعهما بالتابوت الى ميضاة جامع السلطان شاه المجاور للمكان وهو مكان قذر فغسلهما وكفنهما في كفن حقير ودفنهما في حفرة تحت حائط بتربة الأزبكية من غير رؤوس فهذا ما كان من أمرهما وأما الذين في قلعة الظاهر فإنهم انحصروا وأحاط بهم الأرنؤد والغز والعربان وليس عندهم ما يأكلون ولا ما يشربون فصاروا يرمون عليهم من السور القرابين والبارود وهم كذلك يرمون عليهم من أسفل وجمعوا أتربة وعملوها كيمانًا عالية وصاروا يرمون عليهم منها كذلك بقية نهار الجمعة وليلة السبت اشتد الحرب بينهم بطول الليل وفي الصباح أنزلوا من القلعة مدافع كبارًا وبنبة وجبخانة وأصعدوها على التلول وضربوا عليهم من قبيل العصر فعند ذلك طلبوا الأمان وفتحوا باب القلعة وخرج أحمد باشا وصحبته شخصان وهما اللذان قتلا طاهر باشا فأخذوهم وعدوا بهم الى الجيزة وبطل الحرب والرمي وبقي طائفة الانكشارية دال القلعة وحولهم العساكر فلما ذهبوا بهم الى الجيزة أرسلوا أحمد باشا الى قصر العيني وأبقوا الاثنين وهم اسمعيل آغا وموسى آغا بالقصر الذي بالجيزة ونودي بالأمان للرعية حسب ما رسم ابراهيم بك وعثمان بك البرديسي ومحمد علي‏.‏
وفي يوم السبت 7 شهر صفر 1218 ه - 29 مايو 1803 م حضر أحمد بك أخو محمد علي الى جهة خان الخليلي لإجراء التفتيش على منهوبات الأرنؤد التي نهبها الانكشارية وأودعوها عند أصحابهم الأتراك ففتحوا عدة حوانيت وقهاوي وأماكن وأخذوا ما فيها وأجلسوا طوائف من عسكر الأرنؤد على الخانات والوكائل والأماكن وشلحوا ناسًا كثيرة من ثيابهم وربما قتلوا من عصي عليهم فتخوف أهل خان الخليلي ومن جاورهم واستمر الأرنؤد كلما مرت منهم طائفة ووجدوا شخصًا في أي جهة قبة شبه ما بالأتراك قبضوا عليه وأخذوا ثيابه وخصوصًا إن وجدوا شيئًا معه من السلاح أو سكينًا فتوقى أكثر الناس وانكفوا عن المرور في أسواق المدينة فضلًا عن الجهات البرانية‏.‏
وفيه كثر مرور الغز والكشاف المصرلية وترددوا الى المدينة وعلى أكتافهم البنادق والقرابين وخلفهم المماليك والعربان فيذهبون الى بيوتهم ويبيتون بها ويدخلون الحمامات ويغيرون ثيابهم ويعودون الى بر الجيزة وبعضهم أمامه المناداة بالأمان عند مروره بوسط المدينة‏.‏
وفيه كتبت أوراق بطلب دراهم فردة على البلاد الموفية والغربية كل بلد ألف ريال وذلك خلاف مضايف العرب وكلفهم‏.‏

وفي يوم الاثنين 9 شهر صفر 1218 ه - 21 مايو 1803 م قتلوا شخصًا بباب الخرق يقال إنه كان من أكبر المتحزبين على الأرنؤد وجمع منهوبات كثيرة‏.‏

وفيه أيضًا قتلوا اسمعيل آغا وموسى آغا وهما اللذان كان قتلا طاهر باشا وتقدم أنهم كانوا أخذوهما بالأمان صحبة أحمد باشا فأرسلوا أحمد باشا الى قصر العيني وبقي الإثنان بقصر الجيزة فأخذوهما وعدوا بهما الى البر الآخر وقطعوا رأسيهما عند الناصرية وأخذوا الرأسين وذهبوا بهما الى زوجة طاهر باشا بالشيخونية ثم طلعوهما الى أخي طاهر باشا بالقلعة‏.‏

وفيه تقلد سليم آغا أغات مستحفظان سابقًا الأغاوية كما كان وركب وشق المدينة بأعوانه وأمامه جماعة من العسكر الأرنؤد وليسوا أيضًا حسين آغا أمين خزنة مراد بك وقلدوه والي الشرطة ولبسوا محمدًا المعروف بالبرديسي كتخدا قائد آغا وجعلوه محتسبًا وشق كل منهم بالمدينة وأمامهم المناداة بالأمن والأمان والبيع والشراء‏.‏

وفيه أخرجوا الانكشارية الذين بقلعة الظاهر وسفروهم الى جهة الصالحية وصحبتهم كاشفان وطائفة من العرب بعدما أخذوا سلاحهم ومتاعهم بل وشلحوهم ثيابهم والذي بقي لهم بعد ذلك أخذته العرب وذهبوا في أسوأ حال وأنحس بال وهم نحو الخمسمائة إنسان ومنهم من التجأ الى بعض المماليك والغز فستر عليه وغير هيئته وجعله من أتباعه وكذلك الانكشارية الذين كانوا مخفيين التجأوا الى المماليك وانتموا إليهم وخدموهم فسبحان مقلب الأحوال وحضر سليم كاشف المحرمجي وسكن بقلعة الظاهر وكتب الى إقليم القليوبية أوراقًا وقرر على كل بلد ألف ريال ومن كل صنف من الأصناف سبعين مثل سبعين خروف وسبعين رطل سمن وسبعين رطل بن وسبعين فرخة وهكذا وحق طريق المعين لقبض ذلك خمسة وعشرون ألف فضة من كل بلد‏.‏

وفي يوم الأربعاء 11 شهر صفر 1218 ه - 2 يونية 1803 م حضر محمد عليوعبد الله أفندي رامز الروزنامجي ورضوان كتخدا ابراهيم بك الى بيت الدفتردار المقتول وضبطوا تركته فوجد عنده نقود ثلثمائة كيس وقيمة عروض وجواهر وغيرها نحو ألف كيس‏.‏

وفيه أرسل ابراهيم بك فجمع الأعيان والوجاقلية وأبرز لهم فرمانات وجدوها عند الدفتردار المقتول مضمونها تقريرات مظالم منها أن المماليك المصرلية كانوا أحدثوا على الغلال التي تباع الى بحربرا علن كل أردب محبوب فيقرر ذلك بحيث يتحصل من ذلك للخزينة العامة عشرة آلاف كيس في السنة فإن نقصت عن ذلك القدر أضر ذلك بالخزينة ومنها تقرير المليون الذي كان قرره الفرنسيس على أهالي مصر في آخر مدتهم ويوزع ذلك على الرؤوس والدور والعقار والأملاك ومنها أن الحلوان عن المحلول ثلاث سنوات ومنها أنه يحسب المضاف والبراني الى ميري البلاد وغير ذلك‏.‏
وفي يوم الخميس 12 شهر صفر 1218 ه - 3 يونية 1803 م عمل عثمان بك البرديسي عزومة بقصر العيني وحضر ابراهيم بك والأمراء ومحمد علي ورفقاؤه وبعد انقضاء العزومة ألبسوا محمد علي ورفقاءه خلعًا وقدموا لهم تقادم‏.‏
وفي يوم الجمعة 13 شهر صفر 1218 ه - 3 يونية 1803 م كذلك عملوا عزومة لابن أخي طاهر باشا المقيم بالقلعة وصحبته عابدي بك ورفقاؤهم بقصر العيني وخلعوا عليهم وقدموا لهم تقادم أيضًا‏.‏
وفي يوم الأحد 15 شهر صفر 1218 ه - 6 يونية 1803 م نزل ابن أخي طاهر باشا من القلعة ومن معه من أكابر الأرنؤد وأعيانهم وعساكرهم بعزالهم ومتاعهم وما جمعوه من المنهوبات وهو شيء كثير جدًا وسلموا القلعة الى الأمراء المصرلية وطلع أحمد بك الكلارجي الى باب الانكشارية وأقام به وعبد الرحمن بك ابراهيم الى باب العزب وسليم آغا مستحفظان الى القصر فعند ذلك اطمأن الناس بنزولهم من القلعة فإنهم كانوا على تخوف من إقامتهم بها وكثر فيهم اللغط بسبب ذلك فلم يزل الأمراء وفيه ورد الخبر أن محمد باشا لما قربت منه العساكر التي كان أرسلها له طاهر باشا ارتحل الى دمياط كما تقدم‏.‏
وفي يوم الاثنين 16 شهر صفر 1218 ه - 7 يونية 1803 م وردت مكاتبات من الديار الحجازية مؤرخة في منتصف محرم وفيها الإخبار باستيلاء الوهابيين على مكة في يوم عاشوراء وأن الشريف غالب أحرق داره وارتحل الى جدة وأن الحجاج أقاموا بمكة ثمانية أيام زيادة عن المعتاد بسبب الارتباك قبل حصول الوهابيين بمكة ومراعاة للشريف حتى نقل متاعه الى جدة ثم ارتحل الحجاج وخرجوا من مكة طالبين زيارة المدينة فدخل الوهابيون بعد ارتحال الحج بيومين‏.‏
وفي يوم الأربعاء 18 شهر صفر 1218 ه - 9 يونية 1803 م أخرجوا باقي الانكشارية والدلاة والسجمان وكانوا مجتمعين بمصر القديمة فتضرر منهم المارة وأهل تلك الجهة بسبب قبائحهم وخطفهم أمتعة الناس بل وقتلهم وكان تجمعهم على أن يذهبوا الى جهة الصعيد ويلتفون على حسن باشا بجرجا وينضمون إليه والى من بناحية الصعيد من أجناسهم فذهب منهم من أخبر الأمراء المصرلية بذلك فضبطوا عليهم الطرق واتفق أن جماعة منهم وقفوا لبعض الفلاحين المارين بالبطيخ والخضار فحجزوهم وطلبوا منهم دارهم فمر بهم بعض مماليك من أتباع البرديسي فاستجار بهم الفلاحون فكلموهم فتشاحنوا معهم وسحبوا على بعضهم السلاح فقتل مملوك منهم فذهبوا الى سيدهم وأعلموه فأرسل الى ابراهيم بك فركب الى العرضي ناحية بولاق التكرور وترك مكانه بقصر الجيزة محمد بك بشتك وكيل الألفي وشركوا عليهم الطرق وأمروهم بالركوب والخروج من مصر الى جهة الشام واللحوق بجماعتهم فركبوا من هناك ومروا على ناحية الجبل من خلف القلعة الى جهة العادلية وأمامهم وخلفهم بعض الأمراء المصرلية ومعهم مدفعان وهم نحو ألف وخمسمائة وأزيد فلما خرجوا وتوسطوا البرية عروا الكثير منهم ومن المتخلفين والمتأخرين عنهم وأخذوا أسلحتهم وقتلوا كثيرًا منهم ورجع المماليك ومعهم الكثير من بنادقهم وسلاحهم يحملونه معهم ومع خدامهم فلما رجع المماليك بهذه الصورة ووقف العسكر الأرنؤدية على أبواب المدينة انزعج الناس كعادتهم في كرشاتهم وأغلقوا الدكاكين وعين للسفر معهم حسين كاشف الألفي يذهب معهم الى القنطرة ونودي في عصريته بالأمان وخروج من تخلف من الانكشارية وكل من وجد منهم بعد ثلاثة أيام فدمه وماله هدر‏.‏
ج2/ 81

This site was last updated 03/02/09