Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

 ا

  هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
ظهور محمد على
New Page 1794
New Page 1795
New Page 1796
New Page 1464
New Page 1459
New Page 1460
New Page 1461
New Page 1462
New Page 1463
New Page 1802
New Page 1801
New Page 1803
New Page 1804
New Page 1805
New Page 1806
New Page 1807
New Page 1808
New Page 1809
New Page 1810
New Page 1811
New Page 1812
New Page 1813
New Page 1814
New Page 1815
محمد على والأقباط
زوجات وجوارى محمد على
محمد على والدولة الحديثة
قصر محمد على بالسويس
محمد على وتحديث مصر
سرقة مقبرة محمد على
Untitled 1918
Untitled 1919
Untitled 1920
مشاهير اللأقباط وقديسهم ومحمد على

Hit Counter

 

يوم الخميس 13 شهر شعبان سنة 1222 هـ - 16 أكتوبر1807 م
مر الباشا في ناحية سويقة العزي سائرًا إلى ناحية بيت بلغيا وهناك المكتب فوق السبيل الذي بين الطريقين تجاه من يأتي من تلك الناحية فطلع إلى ذلك المكتب شخصان من العسكر يرصدان الباشا فر مروره فحيثما أتى مقابلًا لذلك المكتب أطلقا في وجهه برودتين فأخطأتاه وأصابت إحدى الرصاصتين فرس فارس من الملازمين حوله فسقط ونزل الباشا عن جواده على مصطبة حانوت مغلقة وأمر الخدم بإحضار الكامنين بذلك المكتب فطلعوا إليهما وقبضوا عليهما ثم حضر كبيرهم من دار قريبة من ذلك المكان واعتذر إلى الباشا بأنهما مجنونان وسكرانان فأمره بإخراجهما وسفرهما من مصر وركب وذهب إلى داره‏.‏
وفي يوم الاثنين 23 شهر شعبان سنة 1222 هـ - 26 أكتوبر1807 م  اجتمع عسكر الأرنؤد والترك على بيت محمد علي باشا وطلبوا علائفهم فوعدهم بالدفع فقالوا لا نصبر وضربوا بنادق كثيرة ولم يزالوا واقفين ثم انصرفوا وتفرقوا وارتجت البلد وأرسل السيد عمر إلى أهل الغورية والعقادين والأسواق يأمرهم برفع بضائعهم من الحوانيت ففعلوا وأغلقوها فلما كان قبيل الغروب وصل إلى بيت الباشا طائفة من الدلاتية وضربوا أيضًا بنادق فضرب عليهم عسكر الباشا كذلك فقتل من الدلاة أربعة أنفار وانجرح بعضهم فانكفوا ورجعوا وبات الناس متخوفين وخصوصًا نواحي الأزهر وأغلقوا البوابات من بعد الغروب وسهروا خلفها بالأسلحة ولم تفتح إلا بعد طلوع الشمس

وفى 24 شهر شعبان سنة 1222 هـ - 27 أكتوبر1807 م  وأصبح يوم الثلاثاء والحال على ما هو عليه من الاضطراب ونقل الباشا أمتعته الثمينة تلك الليلة إلى القلعة وكذلك في ثاني يوم ثم أنه طلع إلى القلعة في ليلة الأربعاء وشيعه حسن باشا إلى القلعة ورجع إلى داره ويقال أن طائفة من العسكر الذين معه بالدار أرادوا غدره تلك الليلة وعلم ذلك منهم بإشارة بعضهم لبعض رمزًا فغالطهم وخرج مستخفيًا من البيت ولم يعلم بخروجه إلا بعض خواصه الملازمين له وأكثرهم أقاربه وبلدياته ولما تحققوا من خروجه من الدار وطلوعه إلى القلعة صرف بونابارته الخازندار الحاضرين في الحال ونقل الأمتعة والخزينة في الحال وكذلك الخيول والسروج وخرجت عساكره يحملون ما بقي من المتاع والفرش والأواني إلى القلعة وأشيع في البلدة أن العساكر نهبوا بيت الباشا وزاد اللغط والاضطراب ولم يعلم أحد من الناس حقيقة الحال حتى ولا كبار العسكر وزاد تخوف الناس من العسكر وحصل منهم عربدات وخطف عمائم وثياب وقتل أشخاص وأصبح يوم الخميس 26 شهر شعبان سنة 1222 هـ - 29 أكتوبر1807 م  وباب القلعة مفتوح والعساكر مرابطون وواقفون بأسلحتهم وطلع أفراد من كبار العسكر بدون طوائفهم ونزلوا واستمر الحال على ذلك يوم الجمعة والعسكر والناس في اضطراب وكل طائفة متخوفة من الأخرى والأرنؤد فرقتان فرقة تميل إلى الأتراك وفرقة تميل إلى جنسها والدلاة تميل إلى الأتراك وتكره الأرنؤد وهم كذلك والناس متخوفة من الجميع ومنهم ومن يخشى من قيام الرعية ويظهر التودد لهم وقد صاروا مختلطين بهم في المساكن والحارات وتأهلوا وتزوجوا منهم‏.‏
وفي يوم السبت 28 شهر شعبان سنة 1222 هـ - 31 أكتوبر1807 م  طلع طائفة من المشايخ إلى القلعة وتكلموا وتشاوروا في تسكين هذا الحال بأي وجه كان ثم نزلوا‏.‏
وفي ليلة الأحد 29 شهر شعبان سنة 1222 هـ - 1 نوفمبر1807 م  كانت رؤية هلال رمضان فلم يعمل الموسم المعتاد وهو الاجتماع ببيت القاضي وما يعمل به من الحراقة والنفوط والشنك وركوب المحتسب ومشايخ الحرف والزمور والطبول واجتماع الناس للفرجة بالأسواق والشوارع وبيت القاضي فبطل ذلك كله ولم تثبت الرؤية تلك الليلة وأصبح يوم الأحد والناس مفطرون فلما كان وقت الضحوة نودي بالإمساك ولم تعلم‏.‏
واستهل شهر رمضان بيوم الاثنين سنة 1222 هـ - 2 نوفمبر1807 م

وفي ليلته بين العصر والمغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وأردفوا ذلك بالبنادق الكثيرة المتتابعة وكذلك العسكر الكائنون بالبلدة فعلوا كفعلهم من كل ناحية ومن أسطحة الدور والمساكن وكان شيئًا هائلًا واستمر ذلك إلى بعد الغروب وذلك شنك لقدوم رمضان في دخوله وانقضائه‏.‏
وفي يوم الخميس 4 شهر رمضان سنة 1222 هـ - 5 نوفمبر1807 م انكشفت القضية عن طلب مبلغ ألفي كيس بعد جمعيات ومشاورات تارة ببيت السيد عمر النقيب وتارة في أمكنة أخرى كبيت السيد المحروقي وخلافه حتى رتبوا ذلك ونظموه فوزع منه جانب على رجال دائرة الباشا وجانب على المشايخ الملتزمين نظير مسموحهم في فرض حصصهم التي أكلوها وهي مبلغ مائتي كيس وزعت على القراريط على كل قيراط ثلاثة آلاف نصف فضة على سبيل القرض لأجل أن ترد أو تحسب لهم في الكشوفات من رفع المظالم ومال الجهات يأخذونها من فلاحيهم وفرض من ذلك مبالغ على أرباب الحرف وأهل الغورية ووكالة الصابون ووكالة القرب والتجار الآفاقية واستقر ديوان الطلب ببيت ابن الصاوي بما يتعلق بالفقهاء وإسماعيل الطوبجي بالمطلوب من طائفة الأتراك وأهل خان الخليلي والمرجع في الطلب والدفع والرفع إلى السيد عمر النقيب واجتمع كثير من أهل الحرف كالصرماتية وأمثالهم والتجؤا إلى الجامع الأزهر وأقاموا به ليالي وأيامًا فلم ينفعهم ذلك وانبث المعينون بالطلب وبأيديهم الأوراق بمقدار المبلغ المطلوب من الشخص وعليها حق الطريق وهم قواسة أتراك وعسكر ودلاة وقواسة بلدي ودهى الناس بهذه الداهية في الشهر المبارك فيكون الإنسان نائمًا في بيته ومتفكرًا في قوت عياله فيدهمه الطلب ويأتيه المعين قبل الشروق فيزعجه ويصرخ عليه بل ويطلع إلى جهة حريمه فينتبه كالمفلوج من غير اصطباح ويلاطف المعين ويعده ويأخذ بخاطره ويدفع له كراء طريقة المرسوم له في الورقة المعين بها المبلغ المطلوب قبل كل شيء فما يفارقه إلا ومعين آخر واصل إليه على النسق المتقدم وهكذا‏.‏
وفيه حضر محمد كتخدا شاهين بك الألفي بجواب عن مراسلة أرسلها الباشا إلى مخدومه فأقام أيامًا يتشاور مع الباشا في مصالحته مع شاهين بك وحصل الاتفاق على حضور شاهين بك إلى الجزيرة ويتراضى مع الباشا على أمر وسافر في ثاني عشره وصحبته صالح آغا السلحدار‏.‏
وفي يوم الخميس 18 شهر رمضان سنة 1222 هـ - 19 نوفمبر1807 م قصد الباشا نفي رجب آغا الأرنؤدي وأرسل إليه يأمره بالخروج والسفر بعد أن قطع خرجه وأعطاه علوفته فامتنع من الخروج وقال أنا لي عنده خمسون كيسًا ولا أسافر حتى أقبضها وذلك أنه في حياة الألفي الكبير اتفق مع الباشا بأن يذهب عند الألأفي وينضم إليه ويتحيل في اغتياله وقتله فإن فعل ذلك وقتله وتمت حيلته عليه أعطاه خمسين كيسًا فذهب عند الألفي والتجأ إليه وأظهر أنه راغب في خدمته وكره الباشا وظلمه فرحب به وقبله وأكرمه مع التحذر منه ظلمًا طال به الأمد ولم يتمكن من قصده رجع إلى الباشا فلما أمره بالذهاب أخذ يطالبه بالخمسين كيسًا فامتنع الباشا وقال جعلت له ذلك في نظير شيء يفعله ولم يخرج من يده فعله فلا وجه لمطالبته به واستمر رجب آغا في عناده وذلك أنه لا يهون بهم مفارقة مصر التي صاروا فيها أمراء وأكابر بعد أن كانوا يحتطبون في بلادهم ويتكسبون بالصنائع الدنيئة ثم أنه جمع جيشه إليه من الأرنؤد بناحية سكنه وهو بيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق فأرسل إليه الباشا من يحاربه فحضر حسن آغا سرششمه من ناحية قنطرة باب الخرق وحضر أيضًا الجم الكثير من الأتراك وكبرائهم من جهة المدابغ وعمل كل منهم متاريس من الجهتين وتقدموا قليلًا حتى قربوا من مساكن الأرنؤد تجاه بيت البارودي فلم يتجاسروا على الإقدام عليهم من الطريق بل دخلوا من البيوت التي في صفهم ونقبوا من بيت إلى آخر حتى انتهوا إلى أول منزل من مساكنهم فنقبوا البيت الذي يسكن به الشيخ محمد سعد البكري ونفذوا منه إلى المنزل الذي بجواره ثم منه إلى منزل علي آغا الشعراوي إلى بيت سيدي محمد وأخيه سيدي محمود المعروف بأبي دفية الملاصق لمسكن طائفة من الأرنؤد وعبثوا في الدور وأزعجوا أهلها بقبح أفعالهم فإنهم عندما يدخلون في أول بيت يصعدون إلى الحريم بصورة منكرة من غير دستور ولا استئذان وينقبون في مساكن الحريم العليا فيهدمون الحائط ويدخلون منها إلى محل حريم الدار الأخرى وتصعد طائفة منهم إلى السطح وهم يرمون بالبنادق في الهواء في حال مشيهم وسيرهم وهكذا ولا يخفى ما يحصل للنساء من الانزعاج ويصرن يصرخن ويصحن بأطفالهن ويهربن إلى الحارات الأخرى مثل حارة قواديس وناحية حارة عابدين بظاهر الدور المذكورة بغاية الخوف والرعب والمشقة وطفقت العساكر تنهب الأمتعة والثياب والفرش ويكسرون الصناديق ويأخذون ما فيها ويأكلون ما في القدور من الأطعمة في نهار رمضان من غير احتشام ولقد شاهدت أثر قبح فعلهم ببيت أبي دفية المذكور من الصناديق المكسرة وانتشار حشو الوسائد والمراتب التي فتقوها وأخذوا ظروفها ولم يسلم لأصحاب المساكن سوى ما كان لهم خارج دورهم وبعيدًا عنها أو وزعوه قبل الحادثة وأصيب محمد أفندي أبو دفية برصاصة أطلقها بعضهم من النقيب الذي نقب عليهم نفذت من كتفه وكذلك فعل العساكر التي أتت من ناحية المدابغ بالبيوت الأخرى واستمروا على هذه الأفعال ثلاثة أيام بلياليها فلما كان ليلة الاثنين 22 شهر رمضان سنة 1222 هـ - 22 نوفمبر1807 م حضر عمر بك كبير الأرنؤد الساكن ببولاق وصالح قوج إلى رجب آغا المذكور وأركباه وأخذاه إلى بولاق وبطل الحرب بينهم ورفعوا المتاريس في صبحها وانكشفت الواقعة عن نهب البيوت ونقبها وإزعاج أهلها وما فيما بينهم أنفار قليلة وكذلك مات أناس وانجرح أناس من أهل البلد‏.‏

وفي الخميس 25 شهر رمضان سنة 1222 هـ - 26 نوفمبر1807 م سافر رجب آغا وتخلف عنه كثير من عساكره وأتباعه وذهب من ناحية دمياط‏.‏ وفيه حضر ديوان أفندي من دهشور وابن الباشا أيضًا وخلع شاهين بك على ابن الباشا فردة وقدم له تقدمة وسلاحًا نفيسًا إنكليزيًا‏.‏
وفي يوم السبت 27 شهر رمضان سنة 1222 هـ - 28 نوفمبر1807 م وصل شاهين بك الألفي إلى دهشور ووصل صحبته مراكب بها سفار وهدية من إبراهيم بك ومحمد بك المرادي المعروف بالمنفوخ برسم الباشا وهي نحو الثلاثين حصانًا ومائة قنطار بن قهوة ومائة قنطار سكر وأربع خصيهن وعشرون جارية سوداء فلما وصل شاهين بك إلى دهشور فحضر محمد كتخداه وعلي كاشف الكبير فأرسل الباشا إليه صحبتهما هدية ومعهما ولده وديوان أفندي‏.‏
وفي 28 شهر رمضان سنة 1222 هـ - 29 نوفمبر1807 م وصل شاهين بك إلى شبرامنت وقد أمر الباشا بأن يخلوا له الجيزة وينتقل منها الكاشف والعسكر فعدى الجميع إلى البر الشرقي وتسلم علي كاشف الكبير الألفي القصر وما حوله وما به من الجبخانة والمدافع وآلات الحرب وغيرها‏.‏
واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1222 هـ ولم يعمل العسكر شنكهم تلك الليلة من رميهم الرصاص والبارود الكثير المزعج من سائر النواحي والبيوت والأسطحة لانقباض نفوسهم وإنما ضربوا مدافع من القلعة مدة ثلاثة أيام العيد

وفي يوم السبت 5 شهر شوال سنة 1222 هـ - 2 ديسمبر 1807 م اعتنى الباشا بتعمير القصر لسكن شاهين بك بالجيزة وكان العسكر أخربوه وكذلك بيوت الجيزة ولم يتركوا بها دارًا عامرة إلا القليل فرسم الباشا للمعمارجية بعمارة القصر فجمعوا البنائين والنجارين والخراطين وحملوا الأخشاب من بولاق وغيرها وهدموا بيت أبي الشوارب وأحضروا الجمال والحمير لنقل أخشابه وأنقاضه وأخرجوا منه أخشابًا عظيمة في غاية العظم والثخن ليس لها نظير في هذا الوقت والأوان‏.‏

وفي يوم الأثنين 7 شهر شوال سنة 1222 هـ - 8 ديسمبر 1807 م حضر شاهين بك إلى بر الجيزة وبات بالقصر وضربوا لقدومه مدافع كثيرة من الجيزة وعمل له جربجي موسى الجيزاوي وليمة وفرض مصروفها وكلفتها على أهل البلدة وأعطاه الباشا إقليم الفيوم بتمامه التزامًا وكشوفية وأطلق له فيها التصرف وأنعم عليه أيضًا بثلاثين بلدة من إقليم البهنا مع كشوفيتها وعشرة بلاد من بلاد الجيزة من البلاد التي ينتقيها ويختارها وتعجبه مع كشوفية الجيزة وكتب له بذلك تقاسيط ديوانية وضم له كشوفية البحيرة بتمامها إلى حد الإسكندرية وأطلق له التصرف في جميع ذلك ومرسوماته نافذة في سائر البر الغربي‏.‏
وفي صبح يوم الأربعاء 9 شهر شوال سنة 1222 هـ - 10 ديسمبر 1807 م ركب السيد عمر أفندي النقيب والمشايخ وطلعوا إلى القلعة باستدعاء إرسالية أرسلت إليهم في تلك الليلة فلما طلعوا إلى القلعة ركب معهم ابن الباشا طوسون بك ونزل الجميع وساروا إلى ناحية مصر القديمة وكان شاهين بك عدى إلى البر الشرقي بطائفة من الكشاف والمماليك والهوارة فسلموا عليه وكان بصحبتهم طائفة من الدلاة ساروا أما القوم بطبلاتهم وسفافيرهم ومن خلفهم طائفة من الهوارة ومن خلفهم الكشاف والمماليك والسيد عمر النقيب والمشايخ ثم شاهين بك وبجانبه ابن الباشا وخلفهم الطوائف والأتباع والخدم وخلفهم النقاقير فساروا إلى ناحية جهة القرافة وزاروا ضريح الإمام الشافعي ثم ركبوا وساروا إلى القلعة وطلعوا من باب العزب إلى سراية الديوان وانفصل عنهم المشايخ ونزلوا إلى دورهم وقابلوا الباشا وسلم شاهين بك عليه فخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة وسيفًا وخنجرًا مجوهرًا وتعابى وقدم له خيولًا بسروجها وعزم عليه ابن الباشا فأذن له أن يتوجه صحبته إلى سرايته فركب معه وتغدى عنده ثم ركب بصحبته ونزلا من القلعة وذهب عند حسن باشا فقابله أيضًا وسلم عليه وخلع عليه أيضًا وقدم له خيولًا وركب صحبتهما وذهبوا عند طاهر باشا ابن أخت الباشا فسلم عليه أيضًا وقدم له تقادم ثم ركب عائدًا إلى الجيزة وذهب إلى مخيمه بشبرامنت واستمر مقيمًا بالمخيم حتى تمم عمارة القصر وتردد كشافهم وأجنادهم إلى بيوتهم بالمدينة فيبيتون الليلة والليلتين ويرجعون إلى مخيمهم‏.‏ وفيه قطع الباشا رواتب طوائف من الدلاة وأمروا بالسفر إلى بلادهم‏.‏

وفي يوم الجمعة 11 شهر شوال سنة 1222 هـ - 12 ديسمبر 1807 م انتقل الألفية بعرضيهم وخيامهم إلى بحري الجيزة‏.‏

وفي يوم السبت 12 شهر شوال سنة 1222 هـ - 13 ديسمبر 1807 م وصل أربعة من صناجق الألفية وهم أحمد بك ونعمان بك وحسين بك ومراد بك فطلعوا إلى القلعة وخلع عليهم الباشا فراوى وقلدهم سيوفًا وقدم لهم تقادم ثم نزلوا إلى حسن باشا فسلموا عليه وخلع عليه أيضًا خلعًا ثم ذهبوا إلى بيت صالح آغا السلحدار فأقاموا عنده إلى أواخر النهار ثم ذهبوا إلى البيوت التي بها حريمهم فباتوا وذهبوا في الصباح إلى الجيزة‏.‏
وفي يوم الثلاثاء 15 شهر شوال سنة 1222 هـ - 16 ديسمبر 1807 م عملت وليمة وعقدوا لأحمد بك الألفي على عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير والوكيل في العقد شيخ السادات وقبل عنه محمد كتخدا بوكالته عن أحمد بك ودفع الصداق الباشا من عنده وقدره ثمانية آلاف ريال‏.‏
وفيه أنفقوا على إرسال نعمان بك ومحمد كتخدا وعلي كاشف الصابونجي إلى إبراهيم بك الكبير لإجراء الصلح‏.‏
وفيه أيضًا أرادوا إجراء عقد زينب هانم ابنة إبراهيم بك على نعمان بك فامتنعت وقالت لا يكون ذلك إلا عن إذن أبي وهاهو مسافر إليه فليستأذنه ولا أخالف أمره فأجيبت إلى ذلك وأراد شاهين بك أن يعقد لنفسه على زوجة حسين بك المقتول المعروف بالوشاش وهو خشداشه وهي ابنة السفطي فاستأذن الباشا فقال أني أريد أن أزوجك ابنتي وتكون صهري وهي واصلة عن قريب أرسلت بحضورها من بلدي قوله فإن تأخر حضورها جهزت لك سرية وزوجتك إياها‏.‏
وفي يوم الأربعاء 16 شهر شوال سنة 1222 هـ - 17 ديسمبر 1807 م نزل الباشا من القلعة وذهب إلى مضرب النشاب واستدعى شاهين بك من الجيزة وعمل معه ميدانًا وترامحوا وتسابقوا ولعبوا بالرماح والسيوف ثم طلع الجميع إلى القلعة واستمر شاهين بك عند الباشا إلى بعد الظهر ثم نزل مع نعمان بك إلى بيت عديلة هانم فمكثا إلى قبيل المغرب ثم أرسل إليهما الباشا فطلعا إلى القلعة فباتا عنده ونزلا في الصباح وعديا إلى الجيزة‏.‏
قال الشاعر‏:‏ أمور تضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها اللبيب وفيه تقلد حسن آغا سرششمه إمارة دمياط عرضا عن احمد بك وتقلد عبد الله كاشف الدرندلي إمارة المنصورة عوضًا عن عزيز آغا‏.‏
وفي يوم الأربعاء 23 شهر شوال سنة 1222 هـ - 24 ديسمبر 1807 م وصل قابجي ومعه مرسومات يتضمن أحدها التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر وآخر بالدفتردارية باسم ولده إبراهيم وآخر بالعفو عن جميع العسكر جزاء عن إخراجهم الإنكليز من ثغر الإسكندرية وآخر بالتأكيد في التشهيل والسفر لمحاربة الخوارج بالحجاز واستخلاص الحرمين والوصية بالرعية والتجار وصحبته أيضًا خلع وشلنجات فأركبوه في موكب في صبح يوم الخميس وطلع إلى القلعة وقرئت المراسيم المذكورة بحضرة الباشا والمشايخ وكبار العسكر وشاهين بك وخشداشينه الألفية وضربوا مدافع وشنكًا‏.‏
وفيه سافر إبراهيم بك ابن الباشا على طريق القليوبية وصحبته طائفة من مباشري الأقباط وفيهم جرجس الطويل وهو كبيرهم وأفندية من أفندية الروزنامة وكتبة مسلمين للكشف على الأطيان التي رويت من ماء النيل والشرقي فأنزلوا بالقرى النوازل من الكلف وحق الطرقات وقرروا على كل فدان رواه النيل أربعمائة وخمسين نصف فضة تقبض للديوان وذلك خلاف ما للملتزم والمضاف والبراني وما يضاف إلى ذلك من حق الطرق والكل المتكررة‏.‏
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة 1222 هـ   31 ديسمبر 1807 م وفيه فرضوا على مساتير الناس سلف أكياس ويحسب لهم ما يؤخذ منهم من أصل ما يتقرر على حصصهم من المغارم في المستقبل وعينوا العساكر بطلبها فتغيب غالبهم وتوارى لعدم ما بأيديهم وخلو أكياسهم من المال والتجأ الكثير منهم إلى ذوي الجاه ولازموا أعتابهم حتى شفعوا فيهم كشفوا غمتهم‏.‏
وفي 10 شهر ذي القعدة سنة 1222 هـ   9 يناير 1808 م ورد الخبر من الجهة القبلية بأن الأمراء المصريين تحاربوا مع ياسين بك بناحية المنية وذلك عن أمر الباشا وهزموه إلى المنية ونهبوا حملته متاعه‏.‏
وفي أثر ذلك حضر أبو ياسين بك إلى مصر وعينت عساكر إلى جهة قبلي وأميرها بونابارته الخازنجار وتقدمهم سليمان بك الألفي في آخرين‏.‏
وفي 20 شهر ذي القعدة سنة 1222 هـ   19 يناير 1808 م تعين أيضًا عدة عساكر إلى ناحية بحري وفيهم عمر بك تابع لأشقر المصرلي لمحافطة رشيد وآخرين إلى الإسكندرية ثم تعوق عمر بك عن السفر وسبب ذلك أنه ورد قائد الإنكليز إلى ثغر سكندرية وأخبر بخروج عمارة الفرنسيس إلى البحر بسيسيليه وربما استولوا عليها وكذلك مالطه فلما ورد هذا الخبر حضر البطروش قنصل الإنكليز المقيم برشيد إلى مصر بأهله وعياله‏.‏
وفي أواخر شهر ذي القعدة سنة 1222 هـ   - أواخر يناير 1808 م جمعوا عدة كبيرة من البنائين والنجارين وأرباب الأشغال لعمارة أسوار وقلاع الإسكندرية وأبي قير والسواحل‏.‏
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1222 هـ   - 10 فبراير 1808 م في ثاني عشره ورد الخبر بأن سليمان بك الألفي لما وصل إلى المنية ونزل بفنائها خرج إليه ياسين بك بجموعه وعساكره وعربانه فوقع بينهما وقعة عظيمة وانهزم ياسين بك وولى هاربًا إلى المنية فتبعه سليمان بك في قلة وعدى الخندق خلفه فأصيب من كمين بداخل الخندق ووقع ميتًا بعد أن نهب جميع متاع ياسين بك وجماله وأثقاله وشتت جموعه وانحصر هو وعساكره وعربانه وما بقي منهم بداخل المنية وكانت الواقعة يوم الأربعاء سادس الشهر فلما ورد الخبر بذلك على الباشا أطهر أنه اغتم على سليمان بك وتأسف على موته وأقام العزاء عليه خشداشينه بالجيزة وفي بيوتهم طفق الباشا يلوم على جراءة المصريين وإقدامهم وكيف أن سليمان بك يخاطر بنفسه ويلقي بنفسه من داخل الخندق ويقول أنا أرسلت إليه أحذره وأقول له أنه ينتظر بونابارته الخازندار ويرسل ياسين بك ويطلعه على ما بيده من المراسيم فغن أبى وخالف ما في ضمنها فعند ذلك يجتمعون على حربه وتتقدم عسكر الأتراك لمعرفتهم وصبرهم على محاصرة الأبنية فلم يستمع لما قلت له وغرر بنفسه وأيضًا ينبغي لكبير الجيش التأخر عن عسكره فإن الكبير عبارة عن المدير الرئيس وبمصابه تنكسر قلوب قومه وهؤلاء القوم بخلاف ذلك يلقون بأنفسهم في المهالك ولما أرسل جماعة سليمان بك يخبرون بموت كبيرهم وأنهم مجتمعون على حالتهم ومقيمون بعرضهم ومحطتهم على المنية وأنهم منتظرون من يقيمه الباشا رئيسًا مكانه فعند ذلك أرسل الباشا إلى شاهين بك يعزيه ويلتمس منه أن يختار من خشداشينه من يقلده الباشا إمارة سليمان بك فتشاور شاهين بك مع خشداشينه فلم يرض أحد من الكبار أن يتقلد ذلك ثم وقع اختيارهم على شخص من المماليك يسمى يحيى أرسلوه إلى الباشا فخلع عليه وأمره بالسفر إلى المنية فأخذ في قضاء أشغاله وعدى إلى بر الجيزة‏.‏
وفي 15 شهر ذي الحجة سنة 1222 هـ   -  25 فبراير 1808 م  ورد الخبر بأن بونابارته الخازندار وصل إلى المنية بعد الواقعة وياسين بك محصور بها فأرسل إليه يستدعيه إلى الطاعة وأطلعه على المكاتبات والمراسيم التي بيده من الباشا خطابًا له ولأمراء الحاضرين والغائبين المصرية وفي ضمنها أن أبي ياسين بك عن الدخول في الطاعة واستمر على عناده وعصيانه فإن بونابارته والأمراء المصرية يحاربونه فعند ذلك نزل ياسين بك على حكم بونابارته وحضر عنده بعد أن استوثق منه بالأمان ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر وخرجت العربان المحصورون بالمنية بعد أن صالحوا على أنفسهم وفتحوا لهم طريقًا وذهبوا إلى أماكنهم واستلم بونابارته المنية فأقام بها يومين وارتحل عنها وحضر إلى مصر‏.‏
وفي ليلة الثلاثاء 19 شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1222 هـ   - أخر فبراير 1808 م  حضر ياسين بك إلى ثغر بولاق وركب في صبحها وطلع إلى القلعة فعوقه الباشا وأراد قتله فتعصب له عمر بك الأرنؤدي وصالح قوج وغيرهما وطلعوا في يوم الجمعة وقد رتب الباشا عساكره وجنده وأوقفهم بالأبواب الداخلة والخارجة وبين يديه وتكلم عمر بك وصالح آغا مع الباشا في أمره وأن يقيم بمصر فقال الباشا لا يمكن أن يقيم بمصر والساعة اقتله وانظر أي شيء يكون فلم يسع المتعصبين له إلا الامتثال ثم أحضرعه وخلع عليه فروة وأنعم عليه بأربعين كيسًا ونزلوا بصحبته بعد الظهر إلى بولاق وسافر إلى دمياط ليذهب إلى قبرص ومعه محافظون‏.‏
وفي يوم الأحد 20 شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1222 هـ   - أخر فبراير 1808 م حضر بونابارته الخازندار من المنية إلى مصر

سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف
فكان 1المحرم يوم سنة 1223 هـ - 28 فبراير 1808 م الأحد فيه برز القابجي المسمى بيانجي بك إلى السفر على طريق البر وخرج الباشا لوداعه وهذا القابجي كان حضر بالأوامر بخروج العساكر للبلاد الحجازية وخلاص البلاد من أديد الوهابية وفي مراسيمه التي حضر بها التأكيد والحث على ذلك فلم يزل الباشا يخادعه ويعده بإنفاذ الأمر ويعرفه أن هذا الأمر لا يتم بالعجلة ويحتاج إلى استعداد كبير وإنشاء مراكب في القلزم وغير ذلك من الاستعدادات وعمل الباشا ديوانًا جمع فيه الدفتردار والمعلم غالي والسيد عمر والمشايخ وقال لهم لا يخفاكم أن الحرمين استولى عليها الوهابيون ومشوا أحكامهم بها وقد رودت علينا الأوامر السلطانية المرة بعد المرة للخروج إليهم ومحاربتهم وجلائهم وطردهم عن الحرمين الشريفين ولا تخفي عنكم الحواث والوقائع التي كانت سببًا في التأخير عن المبادرة في امتثال الأوامر والآن حصل الهد وحضر قابجي باشا بالتأكيد والحث على خروج العساكر وسفرهم وقد حسبنا المصاريف اللازمة في هذه الوقت فبلغت أربعة وعشرين ألف كيس فاعملوا رأيكم في تحصيلها فحصل ارتباك واضطراب وشاع ذلك في الناس وزاد بهم الوسواس ثم اتفقوا على كتابة عرضحال ليصحبه ذلك القابجي معه بصورة نمقوها‏.‏
وفي يوم الجمعة 6 المحرم يوم سنة 1223 هـ - 4 مارس 1808 م حضر مرزوق بك وسليم بك المحرمجي وعلي كشاف الصابونجي المرسل فطلعوا إلى القلعة وقابلوا الباشا وخلع على مرزوق بك والمحرمجي فروتين ونزلا إلى دورهما ثم ترددوا وطلعوا ونزلوا وبلغوا رسائل الأمراء القبليين وذكروا مطالبهم وشروط الباشا عليهم والاتفاق في تقرير الصلح والمصالحة عدة أيام‏.‏
وفيه حضر عرب الهنادي والجهنة وصالحوا على أنفسهم وأن يرجعوا إلى منازلهم بالبحيرة ويطردوا أولاد علي وكانوا تغلبوا على الإقليم وحصل منهم الفساد والإفساد وكانت مصالحتهم بيد شاهين بك الألفي وسافر معهم شاهين بك وخشداشينه ولم يبق بالجيزة سوى نعمان بك وذهبوا إلى ناحية دمنهور وارتحل أولاد علي إلى الحوش ابن عيسى وذلك أواخر المحرم ثم أن شاهين بك ركب بمن معه وحاربهم ووقع بينهم مقتلة عظيمة وقتل فيها شخصان من كبار الأجناد الألفية وهما عثمان كاشف وآخر ونحو ستة مماليك وقتل جملة كثيرة من العرب وانكشف الحرب عن هزيمة العرب وأسروا منهم نحو الأربعين وغنموا منهم غنائم كثيرة من أغنام وجمال وتفرقوا وتشتتوا وذهبوا إلى ناحية قبلي والفيوم وذلك في شهر صفر في عاشره حضر شاهين بك وباقي الألفية‏.‏
واستهل بيوم الأحد  شهر ربيع الثاني سنة 1223 هـ - 5 يونية 1808 م حضر شاهين بيك الألفى

وفي الأربعاء 20 شهر ربيع الثاني سنة 1223 هـ - 15 يونية 1808 م ورد الخبر بموت شاهين بك المرادي فخلع الباشا عن سليم بك المحرمجي وجعله كبيرًا ورئيسًا على المرادية عوضًا عن شاهين بك وسافر إلى قبلي‏.‏
وفيه أيضًا حضر أمين بك الألفي من غيبته وكان مسافرًا مع الإنكليز الذين كانوا حضروا إلى الإسكندرية ورشيد وحصل لهم ما حصل فلم يزل غائبًا حتى بلغه صلح خشداشينه مع وفيه زوج الباشا شاهين بك سرية انتقتها زوجة الباشا ونظمتها وفرش له سبعة مجالس بقصر الجيزة وجمعوا لذلك المنجدين وتقيد بتجهيز الشوار والأقمشة واللوازم الخواحجا محمود حسن وكذلك زوج نعمان بك سرية أخرى وسكن بيت المشهدي بدرب الدليل بعد أن عمرت له الدار وفرشت على طرف الباشا وكذلك تزوج عمر بك بجارية من جواري الست نفيسة المرادية وجهزتها جهازًا نفيسًا من مالها وتزوج أيضًا علي كاشف الكبير الألفي بزوجة أستاذه‏.‏
شهر جمادى الأول سنة 1223 هـ - يونية ويوليو 1808 م فيه سافر مرزوق بك بعد تقرير أمر الصلح بينه وبين الأمراء المصريين القبالي وقلد الباشا مرزوق بك ولاية جرجا وإمارة الصعيد وألبسه الخلعة وشرط عليه إرسال المال والغلال الميرية فعند ذلك اطمأنت الناس وسافرت السفار والمتسببون ووصل إلى السواحل مراكب الغلال والأشياء التي تجلب من الجهة القبلية‏.‏
واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1223 هـ فيه قطع الباشا مرتب الدلاة الأغراب وأخرجهم وعزل كبيرهم الذي يسمى كردي بوالي الساكن ببولاق وقلد ذلك مصطفى بك من أقاربه وجعله كبيرًا على طائفة الدلاتية الباقين وضم إليه طائفة من الأتراك ألبسهم طراطير وجعلهم دلاتية وسافر كردي بوالي لبلاده في منتصف الشهر وخرج صحبته عدة كبيرة من الدلاة‏.‏
وفي أواخره - أواخر اغسطس 1808 م وردت الأخبار من إسلامبول وذلك أن طائفة من الينكجرية تعصبت وقامت على السلطان سليم وعزلوه وأجلسوا مكانه السلطان مصطفى وأبطلوا النظام الجيد وقتلوا دفتردار النظام الجديد وكتخدا الدولة ودفتردار الدولة وغيرهم وقطعوهم في أت ميدان بعد أن تغيبوا واختفوا في أماكن حتى في بيوت النصارى واستدلوا عليهم واحدًا بعد واحد فكانوا يستحبون الأمير منهم المترفه على صورة منكرة إلى أت ميدان فيقتلونه وبعضهم قطعوه في الطريق وسكن الحال على سلطنة السلطان مصطفى بن عبد الحميد وكان السلطان سليم عندما أحس بحركة الينكجرية أرسل يستنجد ويستدعي مصطفى باشا البيرقدار وكان يرشق بالروملي بمخيم العرضي المتعين على حرب الموسكوب ووصل خبر الواقعة إلى من بالعرضي فأقام أيضًا الينكجرية الفتنة العرضي وقتلوا آغات العرضي وخلافه عند مصطفى باشا المذكور وقد وصله مراسلة السلطان سليم فحركوا همته على القيام بنصرة السلطان سليم على الينكجرية فركب من العرضي في عدة وافرة وحضر إلى إسلامبول وشق بجمعه وعسكره من وسطها في كبكبة حتى وصل إلى باب السراية فوجده مغلقًا فأراد كسره أو حرقه إلى أن فتحوه بالعنف وعبر إلى داخل السراية وطلب السلطان سليم فعند ذلك أرسل السلطان مصطفى المتولي جماعة من خاصته فدخلوا على السلطان سليم في المكان الذي هو مختف به وقتلوه بالخناجر والسكاكين حتى مات وأحضره ميتًا إلى مصطفى باشا البيرقدار وقالوا له هاهو السلطان سليم الذي تطلبه فلما رآه ميتًا بكى وتأسف ثم أنه عزل السلطان مصطفى وأحضر محمودًا أخاه بن عبد الحميد وأجلسه على تخت الملك ونودي باسمه وكان ذلك يوم الخميس خامس جمادى الثانية من السنة وعمره ثلاث وعشرون سنة‏.‏
ومات السلطان سليم وعمره إحدى وخمسون سنة لأنه ولد سنة 1172 ومجة ولايته نحو العشرين سنة تنقص شهرًا فلما وردت هذه الأخبار وتواترت في مكاتبات التجار والسفار خطب بعض الخطباء يوم الجمعة سادس عشرينه باسم السلطان محمود وبعضهم أطلق في الدعاء ولم يذكر الاسم‏.‏
وفيه قوي عزم الباشا على السفر إلى جهة دمياط ورشيد والإسكندرية فطلب لوازم السفر ووعد بسفره بعد قطع الخليج وطفق يستعجل بالوفاء ويطلب ابن الرداد المقياسي ويسأله عن الوفاء ويقول اقطعوا جسر الخليج في غد أو بعد غد فيقول تأمرونا بقطعه قبل الوفاء فيقول لا ويقول ليس الوفاء بأيدينا‏.‏
فلما كان يوم السبت 27  جمادى الثانية سنة 1223 هـ - 20 أغسطس 1808 م - 15 مسرى القبطي 1524 ش نقص النيل نحو خمسة أصابع وانكشف الحجر الراقد الذي عند فم الخليج تحت الحجر القائم فضج الناس ورفعوا الغلال من الرقع والعرصات والسواحل وانزعجت الخلائق بسبب شحة النيل في العام الماضي وهيفان الزرع وتنوع المظالم وخراب الريف وجلاء أهله واجتمع في ذلك اليوم المشايخ عند الباشا فقال لهم اعملوا استسقاء وأمروا الفقراء والضعفاء والأطفال بالخروج إلى الصحراء وادعوا الله فقال له الشيخ الشرقاوي ينبغي أن ترافقوا بالناس وترفعوا الظلم فقال أنا لست بظالم وحدي وأنتم أظلم مني فإني رفعت عن حصتكم الفرض والمغارم إكرامًا لكم وأنتم تأخذونها من الفلاحين وعندي دفتر محرر فيه ما تحت أيديكم من الحصص تبلغ ألفي كيس ولا بد أني أفحص عن ذلك وكل من وجدته يأخذ الفرضة المرفوعة من فلاحيته أرفع الحصة عنه فقالوا له لك ذلك ثم اتفقوا على الخروج والتقيا في صبحها بجامع عمرو بن العاص لكونه محل الصحابة والسلف الصالح يصلون به صلاة الاستسقاء ويدعون الله ويستغفرونه ويتضرعون إليه في زيادة النيل وبالجملة ركب السيد عمر والمشايخ وأهل الأزهر وغيرهم والأطفال واجتمع عالم كثير وذهبوا إلى الجامع المذكور بمصر القديمة فلما كان صبحها وتكامل الجمع صعد الشيخ جاد المولى على المنبر وخطب بعد أن صلى الاستسقاء ودعا الله وأمن الناس على دعائه وحول ردائه ورجع الناس بعد صلاة الظهر وفي تلك الليلة رجع الماء إلى محل الزيادة الأولى واستتر الحجر الراقد بالماء‏.‏
وفي يوم الاثنين 29 جمادى الثانية سنة 1223 هـ - 22 أغسطس 1808 م خرجوا أيضًا وأشار بعض الناس بإحضار النصارى أيضًا فحضروا وحضر المعلم غالي ومن يصحبه من الكتبة الأقباط وجلسوا في ناحية من المسجد يشربون الدخان وانفض الجمع أيضًا‏.‏
وفي تلك الليلة التي هي ليلة الثلاثاء زاد الماء ونودي بالوفاء وفرح الناس وطفق النصارى يقولون أن الزيادة لم تحصل إلا بخروجنا‏.‏
فلما كانت ليلة الأربعاء طاف المنادون بالرايات الحمر ونادوا بالوفاء وعمل الشنك والوقدة تلك الليلة على العادة‏.‏
وفي صبحها حضر الباشا والقاضي واجتمع الناس وكسروا السد وجرى الماء في الخليج جريانًا ضعيفًا لعلو أرض الخليج وعدم تنظيفه من الأتربة المتراكمة فيه من مدة سنين وكان ذلك يوم الأربعاء غرة شهر رجب وتاس عشر مسى القبطي‏.‏
واستهل شهر رجب بيوم الأربعاء سنة 1223

في يوم الخميس 2 رجب سنة 1223 هـ - 24 أغسطس 1808 م وصل إلى بولاق راغب أفندي وهو أخو خليل أفندي الرجائي الدفتردار المقتول وعلى يده مرسوم بإجراء الخطبة باسم السلطان محمود بن عبد الحميد وأنزلوه ببيت ابن السباعي بالغورية وضربوا مدافع بالقلعة وشنكًا ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة وخطب الخطباء في صبحها باسم السلطان محمود الدعاء له في جميع المساجد‏.‏
وفي ليلة الأحد 5 رجب سنة 1223 هـ - 27 أغسطس 1808 م سافر محمد علي باشا إلى بحري ونزل في المراكب وأرسل قبل نزوله بأيام بتشهيل الإقامات والكلف على البلاد من كل صنف خمسة عشر وأخلوا لمن معه بيوت البنادر مثل المنصورة ودمياط ورشيد والمحلة والإسكندرية وفرض الفرض والمغارم على البلاد على حكم القراريط التي كانوا ابتدعوها في العام الماضي على كل قيراط سبعة آلاف نصف فضة وسماها كلفة الذخيرة وأمر بكتابة دفتر لذلك فكتب إليه الروزنامجي أن الخراب استولى على كثير من البلاد فلا يمكن تحصيل هذا الترتيب فأرسل من المنصورة يأمر بتحرير العمار بدفتر مستقل والخراب بدفتر آخر فلما فعل الروزنامجي ذلك أدخل فيها بلاد بها بعض الرمق لتخلصمن الفرضة وفيها ما هو لنفسه فلما وصلت إليه أمر بتوزيع ذلك الخراب على أولاده وأتباعه وأغراضه وعدتها مائة وستون بلدة وأمر الروزنامجي بكتابة تقاسيطها بالأسماء التي عينها له فلم يمكن الروزنامجي أن يتلاقى ذلك فتظهر خيانته ووزعت وارتفعت عن أصحابها وكذلك حصل بإقليم البحيرة لما عمها الخراب وتطل خرابها وطلبوا الميري من الملتزمين فتظلموا واعتذروا بعموم الخراب فرفعوها عنهم وفرقها الباشا على أتباعه واستولوا عليها وطلبوا الفللاحين الشاردة والمتسحبه من البلاد الآخر وأمروهم بسكناها وزادوا في الطنبور نقمات وهوانهم صاروا ينتبعون أولاد البلد أرباب الصنائع الذين لهم نسبة قديمة بالقرى وذلك بإغراء أتباعهم وأعوانهم فيكون الشخص منهم جالسًا في حانوته وصناعته فما يشعر إلا والأعوان محيطون به يطلبونه إلى مخدومهم فإن امتنع أو تلكأ سحبوه بالقهر وأدخلوه إلى الحبس وهو لا يعرف له ذنبًا فيقول وما ذنبي فيقال له عليك مال الطين فيقول وأي شيء يكون الطين فيقولون له طين فلاحتك من مدة سنين لم تجفعه وقدره كذا وكذا فيقول لا أعرف ذلك ولا أعرف البلد ولا رأيتها في همري لا أنا ولا أبي ولا جدي فيقال له ألست فلانًا الشيراوي أو الميناوي مثلًا فيقول لهم هذه النسبة قديمة سرت إلي من عمي أو خالي أو جدي فلا يقبل منه ويحبس ويضرب حتى يدفع ما ألزموه به أو يجد شافعًا يصالح عليه وقد وقع ذلك لكثير من المتسببين والتجار وصناع الحريري وغيرهم ولم يزل الباشا في سيره حتى وصل إلى دمياط وفرض على أهلها أكياسًا وأخذ من حكامها هدايا وتقادم ثم رجع إلى سمنود وركب في البر إلى المحلة وقبض ما فرضه عليها وهو خمسون كيسًا نقصت سبعة أكياس عجزوا عنها بعد الحبس والعقاب وقدم له حاكمها ستين جملًا وأربعين حصانًا خلاف الأقمشة المحلاوية مثل الززدخانات والمقاطع الحرير وما يصنع بالمحلة من أنواع الثياب والأمتعة صناعة من بقي بها من الصناع ثم ارتحل عنها ورجع إلى بحر منوف وذهب إلى رشيد والإسكندرية ولما استقر بها أعبى هدية إلى الدولة وأرسل إلى مصر فطلب عدة قناطر من البن والأقمشة الهندية وسبعمائة أردب أرز أبيض أخذت من بلاد الأرز وأرسل الهدية صحبة إبراهيم أفندي المهردار وحضر إليه وهو بالإسكندرية قابجي من طرف مصطفى باشا البيرقدار الوزير برسالة ورجع بالجواب على أثره ولم يعلم ما دار بينهما‏.‏
وفي منتصفه أعثى شعبان حضر محمد علي باشا من غيبته وطلع على ساحل بولاق ليلة الخميس خامس عشره وذهب إلى داره بالأزبكية ثم طلع في ثاني يوم إلى القلعة وضربوا لحضوره مدافع‏.‏
الشعلة المقدسة
واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة 1223 هـ - 21 أكتوبر 1808 م فيه وردت الأخبار بحرق القمامة القدسية وظهر حريقها من كنيسة الأروام‏.‏
وفيه سافر عدة من العسكر والدلاة وعمر بك الألفي ومعه طائفة من المماليك إلى البحيرة بسبب عربان أولاد علي فإنهم كانوا بعد الحوادث المتقدمة نزلوا بالإقليم وشاركوا وزرعوا مثل ما كان عليه الهنادي والجهنة فلما اصطح الألفية مع الباشا توسط شاهين بك في صلح الهنادي والجهنة على قدر وذلك لما كان بينهم وبين أستاذه من النسابة ونزل صحبتهم إلى البحيرة وغمرهم بأرضها كما كانوا أولاد وطرد أولاد علي وحاربهم ومكن الهنادي والجهنة ورجع إلى الجيزة فراسل أولاد علي الباشا بوساطة بعض أهل الدولة وعملوا للباشا مائة ألف ريال على رجوعهم للبحيرة وإخراج الهنادي فأجابهم طمعًا في المال فحنق أولئك وعصوا وحاربوا أولاد علي ونهبوا ونالوا منهم بعد أن كانوا ضيقوا عليهم وحصلت اختلافات وامتنع أولاد علي من دفع المال الذي قرروه على أنفسهم واجتمعوا بحوش ابن عيسى فأرسل إليهم الباشا عمر بك المذكور ومن معه فحاربوهم مع الهنادي فظهر عليهم أولاد علي وهزموهم وقتل من الدلاة أكثر من مائة وكذلك من العسكر ونحو الخمسة عشر من المماليك فأمر الباشا بسفر عساكر أيضًا وصحبتهم نعمان بك وخلافه وسافرت طائفة من العرب إلى ناحية الفيوم فأرسلوا لهم عدة من العسكر‏.‏
وفي أواخر شهر رمضان 1223 هـ - 19 نوفمبر 1808 م سافر أيضًا شاهين بك وياقي الألفية خلاف أحمد بك فإنه أقام بالجيزة‏.‏
وفيه نودي على المعاملة بأن يكون صرف الريال الفرنسا بمائتين وعشرين وكان بلغ في مصارفته إلى مائتين وأربعين والمحبوب بمائتين وخمسين فنودي على صرفه بمائتين وأربعين وذلك كله من عدم الفضة العددية بأيدي الناس والصيارف لتحكيرهم عليها ليأخذها تجار الشام بفرط في مصارفتها تضم للميري فيدور الشخص على صرف القرش الواحد فلا يجد صرفه إلا بعد وفيه سافر أيضًا حسن الشماشرجي ولحق بالمجردين‏.‏
وفي أواخره ورد الخبر بأن محو بك كاشف البحيرة قبض على السيد حسين نقيب الأشراف بدمنهور وأهانه وضربه وصادره وأخذ منه ألفي ريال بعد أن حلف أنه لم يأت بها في مدة أريع وعشرين ساعة وإلا قتله فوقع في عرض النصارى المباشرين فدفعوها عنه حتى تخلص بالحياة وكذلك قبض على رجل من التجار وقرر عليه جملة كثيرة من المال فدفع الذي حصلته يده وبقي عليه ما قرره عليه فلم يزل في حبسه حتى مات تحت العقوبة فطلب أهله رمته فحلف ألا يعطيها لهم حتى يكون ابنه في الحبس مكانه‏.‏
ومن الحوادث السماوية أن في سابع عشرين رمضان غيمت السماء بناحية الغربية والمحلة الكبرى وأمطرت بردًا في مقدار بيض الدجاج وأكبر وأصغر فهدمت دورًا وأصابت أنعامًا غير أنها قتلت الدودة من الزرع البدري‏.‏
واستهل شهر شوال بيوم الأحد سنة 1223 هـ منتصف ديسمبر 1808 م في أواخره حضر شاهين بك الألفي من ناحية البحيرة وذلك بعد ارتحال أولاد علي من الإقليم‏.‏
وفيه أيضًا حضر سليمان كاشف البواب من ناحية قبلي وصحبته عدة من المماليك وأربعة من الكشاف فقابل الباشا وخلع عليه وأنزله ببيت طنان بسويقة العزى وسكن بها وحضر مطرودًا من إخوانه المرادية‏.‏
واستهل شهر القعدة بيوم الاثنين سنة 1223 - 19 ديسمبر 1808 م فيه عزل الباشا السيد المحروقي عن نظارة الضربخانه ونصب بها شخصًا من أقاربه‏.‏
وفي يوم السبت 13 شهر القعدة سنة 1223 - 19 ديسمبر 1808 م نزل والي الشرطة وأمامه المناداة على ما يستقرضه الناس من العسكر بالربا والزيادة على أن يكون على كل كيس ستة عشر قرشًا في كل شهر لا غير والكيس عشرون ألف نصف فضة وهو الكيس الرومي وذلك بسبب ما انكسر على المحتجين والمضطرين من الناس من كثرة الربا الضيق المعاش وانقطاع المكاسب وغلو الأسعار وزيادة المكوس قيضطر الشخص إلى الاستدانة فلا يجد من يداينه من أهل البلد فيستدين من أحد العسكر ويحسب عليه على كل كيس خمسين قرشًا في كل شهر وإذا قصرت يد المجيون عن الوفاء أضافوا الزيادة على الأصل وبطول الزمن تفحش الزيادة ويؤول الأمر لكشف حال المديون وجرى ذلك على كثير من مساتير الناس وباعوا أملاكهم ومتاعهم والبعض لما ضاق به الحال ولم يجد شيئًا خرج هاربًا وترك أهله وعياله خوفًا من العسكري وما يلاقي منه وربما قتله فعرض بعض المديونين إلى الباشا فأمر بكتابة هذا البيورلدي ونزل به والي الشرطة ونادى به في الأسواق فعد ذلك من غرائب الحكام حيث ينادي على الربا جهارًا في الأسواق من غير احتشام ولا مبالاة لأنهم لا يرون ذلك عيبًا في عقيدتهم‏.‏
وفي يوم الأربعاء 24 شهر القعدة سنة 1223 هـ - 11 يناير 1809 م غضب الباشا على محو بك الكبير الذي كان كاشفًا بالبحيرة ونفاه إلى أبي قير وأخذ أمواله وأنعم ببيته وهو بيت حسن آغا شنين بحارة عابدين وما بها من الخيل والجمال والجوار والخيام والمتاع على محو بك الصغير الأورفلي‏.‏
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الثلاثاء سنة 1223 هـ - 11 يناير 1809 م فيه وصلت الأخبار من إسلامبول بوقوع فتنة عظيمة وأنه لما حصل ما حصل في منتصف السنة من دخول مصطفى باشا البيرقدار على الصورة المذكورة وقتل السلطان سليم وتولية السلطان محمود وخذلان الينكجرية وقتلهم ونفيهم وتحكم مصطفى باشا في أمور الدولة واستمر من بقي منهم تحت الحكم فأجمعوا أمرهم ومكر مكرهم وحذر بعضهم مصطفى باشا من المذكورين فلم يكترث بذلك واستهون أمرهم واحتقر جانبهم وقال أي شيء هؤلاء منا وأرى بمعنى أنهم بياعون الفاكهة فكان حاله كما قيل فلا تحتقر كيد العدو فربما تموت الأفاعي من سموم العقارب ثم أنهم تحزبوا وحضروا إلى سرايته على حين غفلة بعد السحور ليلة السابع والعشرين من رمضان وجماعته وطائفته متفرقون في أماكنهم فحرقوا باب السراية وكبسوا عليه فقتل من قتل من أتباعه وهرب من هرب على حمية واختفى مصطفى باشا في سرداب فلم يجدوه وأوقعوا بالسراية الحرق والهدم والنهب وخاف السلطان لان سراية الوزير بجانب السراية السلطانية ففتح باب السراية التي بناحية البحر وأرسل يستعجل قاضي باشا بالحضور وكذلك قبطان باشا فحضرا إلى السراية واشتد الحرب بين الفريقين وأكثر الينكجرية من الحريق في البلدة حتى أحرقوا منها جانبًا كبيرًا فلما عاين السلطان ذلك هاله وخاف من عموم حريق البلدة وهو ومن معه محصورون بالسراية يومًا وليلة فلم يسعه إلا تلافي الأمر فراسل كبار الينكجرية وصالحهم وأبطلوا الحرب وشرعوا في إطفاء الحريق وخرج قاضي باشا هاربًا وكذلك قبودان باشا وهو عبد الله رامز أفندي الذي كان في أيام الوزير بمصر ثم أنهم أخرجوا مصطفى باشا من المكان الذي اختفى فيه ميتًا من تحت الردم وسحبوه من رجليه إلى خارج وعلقوه في شجرة ومثلوا به وأكثروا على رمته من السخرية وعند وقوع هذه الحادثة ومجيء قاضي باشا وكان من أغراض السلطان مصطفى المنفصل فخاف السلطان أن قاضي باشا إن غلب على الينكجرية فيعزله ويولي أخاه ويرده إلى السلطنة فقتل السلطان محمود أخاه مصطفى خنقًا ثم لما سكن الحال عينوا على قاضي باشا وقتلوه وكذلك عبد الله أفندي رامز قبودان باشا وكان مصطفى باشا البيرقدار هذا مشكور السيرة يحب إقامة العدل والوقت بخلاف ذلك‏.‏
وفيه قوي إليه تمام بسد ترعة الفرعونية وتعين لذلك شخص يسمى عثمان السلانكلي الذي كان مباشرًا على جسر الإسكندرية‏.‏
وفي 15 شهر ذي الحجة سنة 1223 هـ - 1 فبراير 1809 م سافر الباشا وصحبته حسن باشا لمباشرة الترعة التي يريدون سدها وأمر بوصق الأحجار وأفردوا لذلك عدة من المراكب تشحن بالأشجار والأخشاي الكبيرة وترجع فارغة وتعود موسوقة في كل يوم مرة وأمر بجمع الرجال من القرى للعمل‏.‏
وفيه أيضًا شرع الباشا في إنشاء أبنية بساحل شبرا الشهيرة الآن بشبرا المكاسة وأشيع أن قصده إنشاء سواقي وعمائر وبساتين ومزارع وأخذ في الاستيلاء على ما يحاذي ذلك من القرى والأطيان والرزق والإقطاعات من ساحل شبرا إلى جهة بركة الحاج عرضًا‏.‏
وفي 17 شهر ذي الحجة سنة 1223 هـ - 3 فبراير 1809 م خرجت عساكر كثيرة إلى البر الغربي بقصد الذهاب إلى الفيوم صحبة شاهين بك والألفية بسبب أولاد علي الذين كانوا بالبحيرة‏.‏

حالة أهل مكة
وفي 22 شهر ذي الحجة سنة 1223 هـ - 8 فبراير 1809 م وصل واحد قابجي وأشيع أنه طلع من بولاق وذهب إلى بيت الباشا وعلى يده مرسومان أحدهما تقرير للباشا على ولاية مصر والثاني يذكر فيه أن يوسف باشا المعدني الصدر السابق تعين بالسفر على جهة الشام لتنظيم بلاد العرب والحجاز أو يقوم محمد علي باشا بلوازمه وما يحتاج إليه من أدوات وذخير وغير ذلك ولم يظهر لذلك الكلام أثر ولما أصبح النهار وحضر ذلك القابجي في موكب إلى بيت الباشا وحضر الأشياخ والأعيان وكان الباشا غائبًا في الترعة كما تقدم وعوضه كتخدا بك وأكابر دولتهم وقرئت المراسيم تحقق الخبر وانقضت السنة بحوادثها العامة توالي الفرض والمظالم المتوالية وإحداث أنواع المظالم على كل شيء والتزايد فيها واستمرار الغلاء في جميع أسعار المبيعات والمآكل والمشارب بسبب ذلك وفقر أهل القرى وبيعهم لمواشيهم في الغارم فقل اللحم والسمن والجبن وأخذ مواشيهم وأغنامهم من غير ثمن في الكلف ثم رميها على الجزارين بأغلى ثمن ولا يذبحونها إلا في المذبح ويؤخذ منهم إسقاطها وجلودها ورؤوسها ورواتب الباشا وأهل دولته ثم يذهبون بما يبقى لهم لحوانيتهم فتباع على أهل البلد بأغلى ثمن حتى يخلص للجزار رأس ماله وإذا عثر المحتسب على جزار ذبح شاة اشتراها في غير المذبح قبض عليه وأشهره وأخذ ما في حانوته من اللحم من غير ثمن ثم يحبس ويضرب ويغرم مالًا ولا يغفر ذنبه ويسمى خائنًا وفلاتيًا ومنها انقطاع الحج الشامي والمصري معتلين بمنع الوهابي الناس عن الحج والحال ليس كذلك فإنه لم يمنع أحدًا يأتي الحج على الطريقة المشروعة وإنما يمنع من يأتي بخلاف ذلك من البدع التي لا يجيزها الشرع مثل المحمل والطبل والزمر وحمل الأسلحة وقد وصل طائفة من حجاج المغاربة وحجوا ورجعوا في هذا العام وما قبله ولم يعترض لهم أحد بشيء ولما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي وانقطع عن أهل المدينة ومكة ما كان يصل إليهم من الصدقات والعلائف والصرر التي كانوا يتعيشون منها خرجوا من أوطانهم بأولادهم ونسائهم ولم يمكث إلا الذي ليس له إيراد من ذلك وأتوا إلى مصر والشام ومنهم من ذهب إلى إسلامبول يتشكون من الوهابي ويستغيثون بالدولة في خلاص الحرمين لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها من إجراء الأرزاق واتصال الصلات والنيابات والخدم في الوظائف التي بأسماء رجال الدولة كالفراشة والكناسة ونحو ذلك ويذكرون أن الوهابي استولى على ما كان بالحجرة الشريفة من الذخائر والجواهر ونقلها وأخذها فيرون أن أخذه لذلك من الكبائر العظام وهذه الأشياء أرسلها ووضعها خساف العقول من الأغنياء والملوك والسلاطين الأعاجم وغيرهم إما حرصًا على الدنيا وكراهة أن يأخذها من يأتي بعدهم أو لنوائب الزمان فتكون مدخرة ومحفوظة لوقت الاحتياج إليها فيستعان بها على الجهاد ودفع الأعداء فلما تقادمت عليها الأزمنة وتوالت عليها السنين والأعوام الكثيرة وهي في الزيادة فارتدت معنى لا حقيقة وارتسم في الأذهان حرمة تناولها وأنها صارت مالًا للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لأحد أخذها ولا إنفاقها والنبي عليه الصلاة والسلام منزه عن ذلك ولم يدخر شيئًا من عرض الدنيا في حياته وقد أعطاه الله الشرف الأعلى وهو الدعوة إلى الله تعالى والنبوة والكتاب واختار أن يكون عبدًا ولم يختر أن يكون نبيًا ملكًا‏.‏
وثبت في الصحيحين وغيرهما أنه قال اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا‏.‏
وروى الترمذي بسنده عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا قلت لا يا رب ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا أو قال ثلاثًا أو نحو ذلك فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت شكرتك وحمدتك ثم إن كانوا وضعوا هذه الذخائر والجواهر صدقة على الرسول ومحبة فيه فهو فاسد فهو لقول النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ومنع بني هاشم من تناول الصدقة وحرمها عليهم والمراد الانتفاع في حال الحياة لا بعدها فإن المال أوجده المولى سبحانه وتعالى من أمور الدنيا لا من أمور الآخرة قال تعالى إنما الحياة الدنيا لعب ولهو زينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد وهو من جملة السبعة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى زين للناس حب الشهوات مكن النساء والبنين والقناطير المقنظرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب فهذه السبعة بها تكون الخبائث والقبائح وليست هي في نفسها أمورًا مذمومة بل قد تكون معينة على الآخرة إذا صرفت في محلها‏.‏
وعن مطرف عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر قال يقول ابن آدم مالي مالي فهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت إلى غير ذلك ومحبة الرسول بتصديقه واتباع شريعته وسنته لا بمخالفة أوامره وكنز المال بحجرته وحرمان مستحقيه من الفقراء والمساكين وباقي الأصناف الثمانية وإن قال المدخر أكنزها لنزائب الزمان ليستعان بها على مجاهدة الكفار والمشركين عند الحاجة إليها قلنا قد رأينا شدة احتياج ملوك زماننا واضطرارهم في مصالحات المتغلبين عليهم من قرانات الإفرنج وخلو خزائنهم من الأموال التي أفنوها بسوء تدبيرهم وتفاخرهم ورفاهيتهم فيصالحون المتغلبين بالمقادير العظيمة بكفالة إحدى الفرق من الإفرنج المسالمين لهم واحتالوا على تحصيل المال من رعاياهم بزيادة المكوس والمصادرات والطلبات والاستيلاء على الأموال بغير حق حتى أفقروا تجارهم ورعاياهم ولم يأخذوا من هذه المدخرات شيئًا بل ربما كان عندهم أو عند خونداتهم جوهر نفيس من بقايا المدخرات فيرسلونه هدية إلى الحجرة ولا ينتفعون به في مهماتهم فضلًا عن إعطائه لمستحقه من المحتاجين وإذا صار في ذلك المكان لا ينتفع به أحد إلا ما يختلسه العبيد خصيون الذين يقال لهم أغوات الحرم والفقراء من أولاد الرسول وأهل العلم والمحتاجون وأبناء السبيل يموتون جوعًا وهذه الذخائر محجور عليها وممنوعون منها إلى أن حضر الوهابي واستولى على المدينة وأخذ تلك الذخائر فيقال أنه عبى أربعة سحاحير من الجواهر المحلاة بالألماس والياقوت العظيمة القدر ومن ذلك أربع شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة ألماس مستطيلة يضيء نورها في الظلام نحو مائة سيف قراباتها ملبسة بالذهب الخالص ومنزل عليها ألماس وياقوت ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك وسلاحها من الحديد الموصوف كل سيف منها لا قيمة له وعليها دمعات باسم الملوك والخلفاء السالفين وغير ذلك‏.‏
ومنها أن الباشا عزم على عمارة المجراة التي تنقل الماء إلى القلعة وقد خربت وتلاشى أمرها وتهدمت قناطرها وبطل نقل الماء عليها من نحو عشرين سنة فقيد بعمارتها محمد أفندي طبل ناظر المهمات فعمرها وأجرى الماء بها في أواخر الشهر الماضي‏.‏
ومنها أحداث عدة مكوس على أصناف كثيرة منها على بضاعة اللبان عن كل قطعة ثلاثمائة نصف فضة وكذلك على صنف الحناء عن كل مخلة عشرة أنصاف وكذلك الموزونات كل مائة درهم أربعة دراهم على البائع درهمان وعلى المشتري درهمان وغير ذلك حوادث كثيرة لا نعلمها‏.‏ فمات
ج3/ 104

This site was last updated 03/02/09