Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

ص

  هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
ظهور محمد على
New Page 1794
New Page 1795
New Page 1796
New Page 1464
New Page 1459
New Page 1460
New Page 1461
New Page 1462
New Page 1463
New Page 1802
New Page 1801
New Page 1803
New Page 1804
New Page 1805
New Page 1806
New Page 1807
New Page 1808
New Page 1809
New Page 1810
New Page 1811
New Page 1812
New Page 1813
New Page 1814
New Page 1815
محمد على والأقباط
زوجات وجوارى محمد على
محمد على والدولة الحديثة
قصر محمد على بالسويس
محمد على وتحديث مصر
سرقة مقبرة محمد على
Untitled 1918
Untitled 1919
Untitled 1920
مشاهير اللأقباط وقديسهم ومحمد على

Hit Counter

 



ثم دخلت سنة ثماني وعشرين ومائتين وألف استهل المحرم بيوم الاثنين سنة 1228 هـ - 4 يناير 1813 م فيه وصل الخبر من الجهة القبلية بأن إبراهيم بك ابن الباشا قبض على أحمد أفندي ابن حافظ أفندي الذي بيده دفاتر الرزق الأحباسية وشنقه وضرب قاسم أفندي بن أمين الدين كاتب الشهر علقة قوية وكان والده أصحبهما معه ليباشرا معه الأمور ويعرفاه الأحوال وكان قاسم أفندي خصيصًا به مثل الوزير والصاحب والنديم ورتب له الباشا في كل سنة ثمانين كيسًا خلاف الخروج والكساوي وشرط عليه المناصحة في كشف المستورات وما يكون فيه تحصيل الأموال فكأنه قصر في كشف بعض الأشياء وأرسل إلى والده يعلمه بخيانته هو وكاتب الأرزاق وأنهما منهمكان في ملاذهما فأذن له في فعله بهما ما ذكر وأخذ ما كانا يجمعاه لأنفسهما وأظهر أنه إنما فعل ذلك بهما عقوبة على ارتكابهما المعصية‏.‏
وفي يوم السبت 20  المحرم سنة 1228 هـ - 23 يناير 1813 م حضر إبراهيم بك المذكور إلى مصر وفيه حصلت منافسة بين حسين أفندي الروزنامجي وبين شخصين من كتابه وهما مصطفى أفندي باش جاجرت وقيطاس ولعل ذلك بإغراء باطني على حسين أفندي فرفعا أمرهما إلى الباشا وعرفاه عن مصارف وأمور يفعلها حسين أفندي ويخفيها عن الباشا وأنه إذا حوسب على السنين الماضية يطلع عليه ألوف من الأكياس فعندما سمع ذلك أمرهما بمباشرة حسابه عن أربع سنوات متقدمة فخرجا من عدنه وأخذا صحبتهما مباشرًا تركيا ونزلوا على حسين غفلة بعد العصر وتوجهوا إلى منزل أخيه عثمان أفندي السروجي ففتحوا خزانة الدفاتر وأخذوها بتمامها إلى بيت ابن الباشا إبراهيم بك الدفتردار واجتمعوا في صبحها للمحاققة والحساب مع أخيه عثمان أفندي المذكور واستمروا في المناقشة والمحاققة عدة أيام مع المرافعة والمدافعة والميل الكلي على حسين أفندي ويذهبون في كل ليلة يخبرون الباشا بما يفعلون وبالقدر الذي ظهر عليه فيعجبه ذلك ويثني عليهما ويحرضهما على التدقيق فتنتفخ أوداجهما ويزيدان في الممانعة والمدافعة والمرافعة في الحساب وحسن أفندي على جليته ويظن أنه على عادته في كونه مطلق التصرف في الأموال الميرية ويبلغها إذا سئل فيها للقائم بالدولة إيرادًا ومصرفًا ليكون إجمالًا لا تفصيلًا لكونه أمينًا وعدلًا وكان الإيراد والمصرف محررًا أو مضبوطًا في الدفاتر التي بأيدي الأفندية الكتاب ومن انضم إليهم من كتاب اليهود في دفاترهم أيضًا بالعبراني لتكون كل فرقة شاهدة وضابطة على الأخرى فلما استقل هذا الباشا بمملكة الديار المصرية واستغول في تحصيل الأموال بأي وجه واستحدث أقلام المكوس وجعلها في دفاتر تحت أيدي الأفندية وكتبة الروزنامة فصارت من جملة الأموال الميرية في قبضها وصرفها وتحاويلها والباشا مرخى العنان للروزنامجي ومرخص له في الإذن والتصرف والروزنامجي كذلك مرخي العنان لأحد خواص كتابه المعروف بأحمد اليتيم لفطانته ودرايته فكان هو المشار إليه من دون الجميع ويتطاول عليهم ويمقت من فعل فعلًا دون اطلاعه وربما سبه ولو كان كبيرًا أو أعلى منزلة منه في فنه فيمتلئ غيظًا وينقطع عن حضور الديوان فيهمله ولا يسأل عنه والأفندي الكبير الذي لا يخرج عن رأيه لكونه ساد أمسد الجميع فدبروا على أحمد أفندي المذكور وحفروا له وأغروا به حتى نكبه الباشا وصادره في ثمانين كيسًا ومخدومه حسين أفندي في أربعمائة كيس وانقطع أحمد أفندي عن حضور الديوان وتقدم المتأخر وضم الباشا إلى ديوانهم من طرفه خليل أفندي وسموه كاتب الذمة بمعنى أنه لا يكتب تحويل ولا ورقة ميرى ولا خلاف ذلك مما يسطر في ديوانهم حتى يطلع عليه خليل أفندي المذكور ويرسم عليه علامته فأحاط علمه بجميع أسرارهم وكل قليل يستخبر منه الباشا فيحيطه بمعلوماته ولم يزل حتى تحول ديوانهم وانتقل إلى بيت خليل أفندي تجاه منزل إبراهيم بك ابن الباشا بالأزبكية وترأس بالديوان قاسم أفندي كاتب الشهر وقريبه قيطاس أفندي ومصطفى أفندي باش جاجرت وبعد مدة أشهر سافر إبراهيم بك وأخذ صحبته قاسم أفندي على الصورة المتقدمة والروزنامجي وولده محمد أفندي يراعيان جانب رفيقيه ولا يتعرضان لهما فيما يتصدران له ويضمانه في عهدتهما‏.‏ فلما
وصل الخبر بنكبة إبراهيم بك لقاسم أفندي
فعند ذلك قصر معهما وأظهر ابن الروزنامجي مكمون غيظه في حقهما ومانعهما أيضًا وخشن القول لهما فاتفقا على إنهاء الحال إلى باب الباشا ففعلا ما ذكر وكان حسين أفندي عندما استأذن الباشا في صرف ما يتعلق بمشايخ العلم والأفندية الكتبة والسيد محمد المحروقي بالكامل وما عداهم ربع استحقاقهم وكتب له فرمانًا بذلك فقال له الروزنامجي في بعضهم من يستحق المراعاة كبعض أهل العلم الخاملين وأهل الحرمين المهاجرين ومستوطنين بمصر بعيالهم وليس لهم إيراد يتعيشون منه إلا ما هو مرتب لهم من العلائف في كل سنة وكذلك بعض الملتزمين الذين اعتادوا سداد ما عليهم من الميري وبعضه بما لهم من الإتلافات والعلائف والغلال فقال له النظر في ذلك لرأيك فإن هذا شيء يعسر ضبط جزئياته فاعتمد ذلك وطفق يفعل في البعض بالنصف والبعض بالثلث أو الثلثين وأما العامة والأرامل فيصرف لهم الربع لا غير حسب الأمر ويقاسون في تحصيل ربع استحقاقهم الشدائد من السعي وتكرار الذهاب والتسويف والرجوع في الأكثر من غير شيء مع بعد المسافة وفيهم الكثير من العواجز فلما ترافعوا في الحساب مانع المتصدر فيما زاد على الربع وطلع إلى الباشا فعرفه بذلك فقال الباشا لا تخصموا له إلا ما كان بإذني وفرماني وما كان بدون ذلك فلا وأنكر الحال السابق منه له وقال هو متبرع فيما فعله فتأخر عليه مبلغ كبير في مدة أربع سنوات وكذلك كان يحول عليه حوالات لكبار العسكر برسول من أتباعه فلا يسعه الممانعة ويدفع القدر المحول عليه بدون فرمان اتكالًا على الحلة التي هو معه عليها فرجعوا عليه في كثير من ذلك وتأخر عليه مبلغ كبير أيضًا فتتموا حساب سنة واحدة على هذا النسق فبلغت نحو الألف كيس ومائتي كيس وكسور تبلغ في الأربع سنوات خمسة آلاف كيس فتقلق حسن أفندي وتحير في أمره وزاد وسواسه ولم يجد مغيثًا ولا شافعًا ولا دافعًا‏.‏
وفي أواخر  المحرم سنة 1228 هـ - 23 يناير 1813 م عمل الباشا مهمًا لختان ابن بونابارته الخازندار الغائب ببلاد الحجاز وعملوا له زفة في يوم الجمعة بعد الصلاة اجتمع الناس للفرجة عليها‏.‏
وفيه أيضًا زاد الإرجاف بحصول الطاعون وواقع الموت منه بالإسكندرية فأمر الباشا كورنتينه بثغر رشيد ودمياط والبراس وشبرا وأرسل إلى الكاشف الذي بالبحيرة بمنع المسافرين المارين من البر وأمر أيضًا بقراءة صحيح البخاري بالأزهر وكذلك يقرأون بالمساجد والزوايا سورة الملك والأحقاف في كل ليلة بنية رفع الوباء فاجتمعوا إلا قليلًا بالأزهر نحو ثلاثة أيام ثم تركوا ذلك وتكاسلوا عن الحضور‏.‏
وفي يوم الاثنين 29  المحرم سنة 1228 هـ - 1 فبراير 1813 م كسفت الشمس وقت الضحوة وكان المنكسف نحو ثلاثة أرباع الجرم وكانت الشمس في برج الدلو أيام الشتاء فأظلم الجو إلا قليلًا ولم ينتبه له كثير من الناس لظنهم أنها غيوم متراكمة لأنهم في فصل الشتاء‏.‏
واستهل شهر صفر بيوم الأربعاء سنة 1228 هـ - 3 فبراير 1813 م فيه في أخريات النهار هبت ريح جنوبية غربية عاصفة باردة واستمرت لعصر يوم السبت وكانت قوتها يوم الجمعة أثارت غبارًا أصفر ورمالًا مع غيم مطبق وقتام ورش مطر قليل في

وفي يوم الثلاثاء 7 شهر صفر سنة 1228 هـ - 9 فبراير 1813 م وردت بشائر من البلاد الحجازية باستيلاء العساكر على جدة ومكة من غير حرب وذلك أنه لما انهزمت الأتراك في العلم الماضي ورجعوا على الصورة التي رجعوا عليها مشتتين ومتفرقين وفيهم من حضر من طريق السويس ومنهم من أتى من البر ومنهم من حضر من ناحية القصير ونفى الباشا من استعجل بالهزيمة والرجوع من غير أمره ويخشى صولته ويرى في نفسه أنه أحق بالرياسة منه مثل صالح قوج وسليمان وحجو وأخرجهم من مصر واستراح منهم ثم قتل أحمد آغا لاظ جدد ترتيبًا آخر وعرفه كبراء العرب الذين استمالهم واندرجوا معه وشيخ الحويطات أن الذي حصل لهم إنما هو من العرب الموهبين وهم عرب حرب والصفراء وأنهم مجهودون والوهابية لا يعطونهم شيئًا ويقولون لهم قاتلوا عن دينكم وبلادكم فإن بذلتم لهم الأموال وأغدقتم عليهم بالأنعام والعطاء ارتدوا ورجعوا وصاروا معكم وملكوكم البلاد فاجتهد الباشا في جمع الأموال بأي وجه كان واستأنف الطلب ورتب الأمور وأشاع الخروج بنفسه ونصب العرضي خارج بالموكب كما تقدم وجلس بالصيوان وقرر للسفر في المقدمة بونابارته الخازندار وأعطاه صناديق الأموال والكساوي وأرفق معه عابدين بك ومن يصحبهما وواظب على الخروج إلى العرضي والرجوع تارة إلى القلعة وتارة إلى الأزبكية والجيزة وقصر شبرا ويعمل الرماحة والميدان في يومي الخميس والاثنين والمصاف على طرائق حرب الإفرنج وسافر بونابارته في أواخر شعبان واستمر العرضي منصوبًا والطلب كذلك مطلوبًا والعساكر واردة من بلادها على طريق الإسكندرية ودمياط ويخرج الكثير إلى العرضي ويستمرون على الدخول إلى المدينة في الصباح لقضاء أشغالهم والرجوع أخريات النهار مع تعدي أذاهم للباعة والحمارة وغيرهم ولما غدر الباشا بأحمد آغا لاظ وقتله في أواخر رمضان ولم يبق أحد ممن يخشى سطوته وسافر عابدين بك في شوال وارتحل بعده بنحو شهر مصطفى بك داني باشا وصحبته عدة وافرة من العسكر ثم سافر أيضًا يحيى آغا ومعه نحو الخمسمائة وهكذا كل قليل ترحل طائفة بعد أخرى والعرضي كما هو ميدان الرماحة وكذلك ولما وصل بونابارته إلى ينبع البر أخذوا في تأليف العربان واستمالتهم وذهب إليهم ابن شديد الحويطي ومن معه وتقابلوا مع شيخ حرب ولم يزالوا به حتى وافقهم وحضروا به إلى بونابارته فأكرمه وخلع عليه الخلع وكذلك على من حضر من أكابر العربان فألبسهم الكساوي والفراوي السمور والشالات الكشميري ففرق عليهم من الكشمير ملء أربع سحاحير وصب عليهم الأموال وأعطى لشيخ حرب مائة ألف فرانسة عين وحضر باقي المشايخ فخلع عليهم وفرق فيهم فخص شيخ حرب بمفرده ثمانية عشر ألف فرانسة ثم رتب لهم علائف تصرف لهم في كل شهر لكل شخص خمسة فرانسة وغرارة بقسماط وغرارة عدس فعند ذلك ملكوهم الأرض والذي كان متأمرًا بالمدينة من جنسهم فاستمالوه أيضًا وسلم لهم المدينة وكل ذلك بمخامرة الشريف غالب أمير مكة وتدبيره وإشارته فلما تم ذلك أظهر الشريف غالب أمره وملكهم مكة والمدينة وكان ابن مسعود الوهابي حضر في الموسم وحج ثم ارتحل إلى الطائف وبعد رحيله فعل الشريف غالب فعله وسيلقي جزاءه ولما وصلت البشائر بذلك في يوم الثلاثاء سابعه ضربوا مدافع كثيرة ونودي في صبح ذلك بزينة المدينة ومصر وبولاق فزينوا خمسة أيام أولها الأربعاء وآخرها الأحد وقاسى الناس في ليالي هذه الأيام العذاب الأليم من شدة البرد والصقيع وسهر الليل الطويل وكان ذلك في قوة فصل الشتاء وكل صاحب حانوت جالس فيها وبين يديه مجمرة نار يتدفأ ويصطلي بحرارتها وهو ملتف بالعباءة والأكسية الصوف أو اللحاف وخرج الباشا من ليلة الأربعاء المذكور ونصبت الخيام وخرجت الجمال المحملة باللوازم من الفرش والأواني وأزيار الماء والبارود لعمل الشنائك والحرائق وفي كل يوم يعمل مرماح وشنك عظيم مهول بالمدافع وبنادق الرصاص المتواصلة من غير فاصل مثل الرعود والطبول من طلوع الشمس إلى قريب الظهر وفي أول يوم من أيام الرمي أصيب إبراهيم بك ابن الباشا برصاصة في كتفه أصابت شخصًا من السواس ونفذت منه إليه وهي باردة فتعلل بسببها وخرج بعد يومين في عربة إلى العرضي ثم رجع ولما كان يوم الأحد وقت الزوال ركب الباشا وطلع إلى القلعة وقلعوا خيام الشنك وحملوا الجمال ودخلت طوائف العسكر وأذن للناس بقلع الزينة ونزول التعاليق وكان الناس قد عمروا القناديل وأشاعوا أنها سبعة أيام فلما حصل الإذن بالرفع فكأنما نشطوا من عقال وخلصوا من السجون لما قاسوه من البرد والسهر وتعطيل الأشغال وكساد الصنائع والتكليف بما لا طاقة لهم به وفيهم من لا يملك قوت عياله أو تعمير سراجه فيكلف مع ذلك هذه التكاليف وكتب الباشا بالبشائر إلى دار السلطنة وأرسلها صحبة أمين جاويش وكذلك إلى جميع النواحي وأنعم بالمناصب على خواصه‏.‏

وفي هذا الشهر وردت أخبار بوقوع أمطار وثلوج كثيرة بناحية بحري وبالإسكندرية ورشيد بحدود الغربية والمنوفية والبحيرة وشدة برد ومات من ذلك أناس وبهائم والزروع البدرية وطف على وجه الماء أسماك موتى كثيرة فكان موج البحر يلقيه على الشطوط وغرق كثير من السفن من الرياح العواصف التي هبت في أول الشهر‏.‏

وفي سابعه يوم وصول البشارة أحضر الباشا حسين أفندي الروزنامجي وخلع عليه خلعة الإبقاء على منصبه في الروزنامة وقرر عليه ألفين وخمسمائة كيس وذلك أنهم لما رافعوه في الحساب على الطريقة المذكورة وأرسل إليه الباشا بطلب خمسمائة كيس من أصل الحساب فضاق خناقه ولم يجد له شافعًا ولا ذا مرحمة فأرسل ولده إلى محمود بك الدويدار يستجير فيه وليكون واسطة بينه وبين الباشا وهو رجل ظاهره خلاف باطنه فذهب معه إلى الباشا فبش في وجهه ورحب به وأجلسه محمود بك في ناحية من المجلس وتناجى هو مع الباشا ورجع إليه يقول له أنه يقول أن الحساب لم يتم إلى هذا الحين وأنه ظهر على أبيك تاريخ أمس خمسة آلاف كيس وزيادة وأنا تكلمت معه وتشفعت عنده في ترك باقي الحساب والمسامحة في نصف المبلغ والكسور فيكون الباقي ألفين وخمسمائة كيس تقومون بدفعها فقال ومن أين لنا هذا القدر العظيم وقد عزلنا من المنصب أيضًا حتى كنا نتداين ولا يأمننا الناس إذا كان القدر دون هذا فرجع إلى الباشا وعاد إليه يقول له لم يمكني تضعيف القدر سوى ما سامح فيه وأما المنصب فهو عليكم وفي غد يطلع والدك ويتجدد عليه الإبقاء وينكمد الخصم وعلى الله السداد ونهض وقبل يده وتوجه فنزل إلى دارهم وأخبر والده بما حصل فزاد كربه ولم يسعه إلا التسليم وركب في صبحها وطلع إلى الباشا فخلع عليه ونزل إلى داره بقهره وشرع في بيع تعلقاته وما يتحصل لديه‏.‏
وفي يوم الاثنين 13 شهر صفر سنة 1228 هـ - 15 فبراير 1813 م خلع الباشا على مصطفى أفندي ونزل إلى داره وأتاه الناس يهنؤنه بالمنصب‏.‏
وفي يوم الأربعاء 23 شهر صفر سنة 1228 هـ - 24 فبراير 1813 م وردت بشائر بتملكهم الطائف وهروب المضايفي منها فعملوا شنكًا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها ثلاثة أيام في كل وقت أذان وشرع الباشا في تشهيل ولده إسمعيل باشا بالبشارة ليسافر إلى إسلامبول وتاريخ تملكها في سادس عشرين المحرم‏.‏
وفي هذه الأيام ابتدعوا تحرير الموازين وعملوا لذلك ديوانًا بالقلعة وأمروا بإبطال موازين الباعة وإحضار ما عندهم من الصنج فيزنون الصنجة فإن كانت زائدة أو ناقصة أخذوها وأبقوها عندهم وإن كانت محررة الوزن ختموها بختم وأخذوا على كل ختم صنجة ثلاثة أنصاف فضة وهي النصف أوقية والأوقية إلى الرطل الذي يكون وزنه غير محور يعطونه رطلًا من حديد ويدفع ثمنه مائة نصف فضة والنصف رطل خمسون وهكذا وهو باب ينجمع منه أكياس كثيرة‏.‏
وفيه أيضًا طلب الباشا من عرب الفوائد غرامة سبعين ألف فرانسة فعصوا ورمحوا بإقليم الجيزة وأخذوا المواشي وشلحوا من صادفوه ورمح كاشف الجيزة عليهم فصادف منهم أباعر محملة أمتعة لهم وصحبتهم نساء وأولاد فأخذهم ورجع بهم‏.‏
وفيه سافر إبراهيم بك ابن الباشا إلى ناحية قبلي ووصلت الأخبار بوقوع الطاعون بالإسكندرية فاشتد خوف الباشا والعسكر مع قساوتهم وعسفهم وعدم مرحمتهم‏.‏
واستهل شهر ربيع الأول بيوم الخميس شهر صفر سنة 1228 هـ - 4 مارس 1813 م فيه قلدوا شخصًا يسمى حسين البرلي وهو الكتخدا عند كتخدا بك وجعلوه في منصب بيت المال وعزلوا رجب آغا وكان إنسانًا سهلًا لا بأس به فلما تولى هذا أرسل لجميع مشايخ الخطط والحارات وقيد عليهم بأنهم يخبرونه بكل من مات من ذكر أو أنثى ولو كان ذا أولاد وورثة أو غير ذلك وكذلك على حوانيت الأموات وأرسل فرمانات إلى بلاد الأرياف والبنادر بمعنى ذلك‏.‏
وفي يوم الأحد 4 شهر ربيع الأول سنة 1228 هـ - 7 مارس 1813 م  طلب الباشا حسن أفندي الروزنامجي وطلب منه ما قرره عليه وكان قد باع حصصه وأملاكه وأدر مسكنه فلم يوف إلا خمسمائة كيس فقال له مالك لك توف القدر المطلوب وما هذا التأخير وأنا محتاج إلى المال فقال لم يبق عندي شيء وقد بعت التزامي وأملاكي وبيتي وتداينت من الربويين حتى وفيت خمسمائة كيس وها أنا بين يديك فقال له هذا كلام لا يروج علي ولا ينفعك بل أخرج المال المدفون فقال لم يكن عندي مال مدفون وأما الذي أخبرك عنه فيذهب فيخرجه من محله فحنق منه وسبه وقبض على لحيته ولطمه على وجهه وجرد السيف ليضربه فترجى فيه الكتخدا والحاضرون فأمر به فبطحوه وأمر القواسة الأتراك بضربه فضربوه بالعصي المفضضة التي بأيديهم بعد أن ضربه هو بيده عدة عصي وشج جبهته حتى أتوا عليه ثم أقاموه وألبسوه فروته وحملوه وهو مغشى عليه وأركبوه حمارًا وأحاط به خدمه وأتباعه حتى أوصلوه إلى منزله وأرسل معه جماعة من العسكر يلازمونه ولا يدعونه يدخل إلى حريمه ولا يصل إليهم منه أحد وركب في أثره محمود بك الدويدار بأمر الباشا وعبر داره ودار أخيه عثمان أفندي المذكور وأخذه صحبته إلى القلعة وسجنوه وأما ولده وأخواه فإنهم تغيبوا من وقت الطلب واختفوا ونزل في اليوم الثاني إبراهيم آغا أغات الباب يطالبه بغلاق ثمانمائة كيس وقتئذ فقال له وكيف أحصل شيئًا وأنا رجل ضعيف وأخي عثمان عندكم في الترسيم وهو الذي يعينني ويقضي أشغالي وأخذتم دفاتري المختصة بأحوالي مع ما أخذتموه من الدفاتر فأقام عنده إبراهيم آغا برهة ثم ركب إلى الباشا وكلمه في ذلك فأطلقه له أخاه ليسعى في التحصيل‏.‏ وفي
يوم الأحد 11 شهر ربيع الأول سنة 1228 هـ - 14 مارس 1813 م عدى الباشا إلى بر الجيزة بقصد السفر إلى بلاد الفيوم
وأخذ صحبته كتبة مباشرين مسلمين ونصارى وأشاع أن سفره إلى الصعيد ليكشف على الأراضي وروكها وارتحل في ليلة الثلاثاء ثالث عشره بعد أن وجه ابنه إسمعيل إلى الديار الرومية في تلك الليلة بالبشارة‏.‏
وفي يوم ألحد 25  شهر ربيع الأول سنة 1228 هـ - 28 مارس 1813 م حضر لطيف آغا راجعًا من إسلامبول وكان قد توجه ببشارة فتح الحرمين وأخبروا أنه لما وصل إلى قرب دار السلطنة خرج لملاقاته الأعيان وعند دخوله إلى البلدة عملوا له موكبًا عظيمًا مشى فيه أعيان الدولة وأكابرهم وصحبته عدة مفاتيح زعموا أنها مفاتيح مكة وجدة والمدينة وضعوها على صفائح الذهب والفضة والعطر والطيب وخلفهم الطبول والزمور وعملوا لذلك شنكًا ومدافع وأنعم عليه السلطان وأعطاه خلعًا وهدايا وكذلك أكابر الدولة وأنعم عليه الخنكار بطوخين وصار يقال له لطيف باشا‏.‏
وفيه وردت الأخبار بقدوم قهوجي باشا ومعه خلع وأطواخ للباشا وعدة أطواخ بولايات لمن يختار تقليده فاحتفل الباشا به عندما وصلته أخباره وأرسل إلى أمراء الثغور بالإسكندرية ودمياط بالاعتناء بملاقاته عند وروده على ثغر منها‏.‏
وفيه حضر خليل بك حاكم الإسكندرية إلى مصر فرارًا من الطاعون لأنه قد فشا بها ومات أكثر عسكره وأتباعه‏.‏
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الأحد سنة 1228

في 8 شهر ربيع الثاني سنة 1228 هـ - 10 أبريل 1813 م حضر الباشا على حين غفلة من الفيوم إلى الجيزة وأخبروا أنه لما وصل إلى ناحية بني سويف ركب بغلة سريعة العدو ومعه بعض خواصه على الهجن والبغال فوصل إلى الفيوم في أربع ساعات وانقطع أكثر المرافقين له ومات منهم سبعة عشر هجينًا‏.‏
وفي يوم الثلاثاء 10 شهر ربيع الثاني سنة 1228 هـ - 12 أبريل 1813 م عملوا مولد المشهد الحسيني المعتاد وتقيد لتنظيمه السيد المحروقي الذي تولى النظارة عليه وجلس ببيت السادات المجاور للمشهد بعد أن أخلوه له وفي ذلك اليوم أمر الباشا بعمل كورنتينه بالجيزة ونوه بإقامته بها وزاد به الخوف والوهم من الطاعون لحصول القليل منه بمصر وهلك الحكيم الفرنساوي وبعض نصارى أروام وهم يعتقدون صحة الكورنتينة وأنها تمنع الطاعون وقاضي الشريعة الذي هو قاضي العسكر يحقق قولهم ويمشي على مذهبهم ولرغبة الباشا في الحياة الدنيا وكذلك أهل دائرته وخوفهم من الموت يصدقون قولهم حتى أنه اتفق أنه مات بالمحكمة عند القاضي شخص من أتباعه فأمر بحرق ثيابه وغسل المحل الذي مات فيه وتبخيره بالبخورات وكذلك غسل الأواني التي كان يمسها وبخروها وأمروا أصحاب الشرطة أنهم يأمرون الناس وأصحاب الأسواق بالكنس والرش والتنظيف في كل وقت ونشر الثياب وإذا ورد عليهم مكاتبات خرقوها بالسكاكين ودخنوها بالبخور قبل ورودها ولما عزم الباشا على كورنتينة الجيزة أرسل في ذلك اليوم بأن ينادوا بها على سكانها بأن من كان يملك قوته وقوت عياله ستين يومًا وأحب الإقامة فليمكث بالبلدة وإلا فليخرج منها ويذهب ويسكن حيث أراد في غيرها ولهم مهلة أربع ساعات فانزعج سكان الجيزة وخرج من خرج وأقام من أقام وكان ذلك وقت الحصاد ولهم مزارع وأسباب مع مجاوريهم من أهل القرى ولا يخفى احتياجات الشخص لنفسه وعياله وبهائمه فمنعوا جميع ذلك حتى سدوا خروق السور والأبواب ومنعوا المعادي مطلقًا وأقام الباشا ببيت الأزبكية لا يجتمع بأحد من الناس إلى يوم الجمعة فعدى في ذلك اليوم وقت الفجر وطلع إلى قصر الجيزة وأوقف مركبين الأولى ببر الجيزة والأخرى في مقابلتها ببر مصر القديمة فإذا أرسل الكتخدا أو المعلم غالي إليه مراسلة ناولها المرسل للمقيد بذلك في طرف مزراق بعد تبخير الورقة بالشيح واللبان والكبريت ويتناولها منه الآخر بمزراق آخر على بعد منهما وعاد راجعًا فإذا قرب من البر تناولها المنتظر له أيضًا بمزراق وغمسها في الخل وبخرها بالبخور المذكور ثم يوصلها لحضرة المشار إليه بكيفية أخرى فأقام أيامًا وسافر إلى الفيوم ورجع كما ذكر وأرسل مماليكه ومن يعز عليه ويخاف عليه من الموت إلى أسيوط‏.‏
وفي يوم السبت 7 شهر جمادى الأول سنة 1228 هـ - 8 مايو 1813 م نودي بالأسواق بأن السيد محمد المحروقي في شاه بندر التجار بمصر وله الحكم على جميع التجار وأهل الحرف والمتسببين في قضاياهم وقوانينهم وله الأمر والنهي فيهم‏.‏
وفيه وصل إلى مصر عدة كبيرة من العساكر الرومية على طريق دمياط ونصبوا لهم وطافا خارج باب النصر وحضر فيهم نحو الخمسمائة نفر أرباب صنائع بنائين ونجارين وخراطين فأنزلوهم بوكالة بخط الخليفة‏.‏
وفي يوم الأحد 8 شهر ربيع الثاني سنة 1228 هـ - 9 مايو 1813 م تقلد الحسبة الخواجا محمود حسن ولبس الخلعة وركب وشق المدينة وأماه الميزان فرسم برد الموازين إلى الأرطال الزياتي التي عبره الرطل منها أربع عشرة وقية في جميع الأدهان والخضراوات على العادة القديمة ونقص من أسعار اللحم وغيره ففرح الناس بذلك ولكن لم يستمر ذلك‏.‏
وفي يوم الأربعاء 11 شهر ربيع الثاني سنة 1228 هـ - 12 مايو 1813 م بين الظهر والعصر كانت السماء مصحبة والشمس مضيئة صافية فما هو إلا والسماء والجو طلع به غيم وقتام ورياح نكباء غربية جنوبية وأظلم ضوء الشمس وأرعدت رعدتين الثانية أعظم من الأولى وبرق ظهر ضوءه وأمطرت مطرًا متوسطًا ثم سكن الريح وانجلت السماء وقت العصر وكان ذلك سابع بشنس القبطي وآخر يوم من نيسان الرومي فسبحان الملك الفعال مغير الشؤون والأحوال وحصل في تاليه يوم الجمعة مثل ذلك الوقت أيضًا غيوم ورعود كثيرة ومطر أزيد من اليوم الأول‏.‏
واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1228

في يوم السبت 12 شهر جمادى الثانية سنة 1228 هـ - 12 يونية 1813 م وصل في النيل على طريق دمياط آغا من طرف الدولة يقال له قهوجي باشا السلطان فاعتنى الباشا بشأنه وحضر إلى قصره بشبرا وأمر بإحضار عدة من المدافع وآلات الشنك وعملوا أمام القصر بساحل النيل تعاليق وقناديل وقدات ونبه على الطوائف بالاجتماع بملابسهم وزينتهم ووصل الآغا المذكور يوم الأحد فخرج الأغوات والسفاشية والصقلية وهم لابسون القواويق وجميع العساكر الخيالة ليلًا فما طلعت الشمس حتى اجتمعوا بأسرهم جهة شبرا وانتظموا في موكب ودخلوا من باب النصر ويقدمهم طوائف الدلاة وأكابرهم ويتلوهم أرباب المناصب مثل الآغا والوالي والمحتسب وبواقي وجاقات المصرية ثم موكب كتخدا بك وبعده موكب الآغا الواصل وفي أثره ما وصل معه من الخلع وهي أربع بقج وخنجران مجوهران وسيف وثلاث شلنجات عليها ريش مجوهر وخلف ذلك العساكر الخيالة والتفكجية وخلفهم النوبة التركية فكان مدة مرورهم نحو ساعتين وربع وليس فيهم رجالة مشاة سوى الخدم وقليل عسكر مشاة وأما بقية العسكر فهم متفرقون بالأسواق والأزقة كالجراد المنتشر خلاف من يرد منهم في كل وقت من الأجناس المختلفة برًا وبحرًا فمن الخلع الواردة ما هو مختص بالباشا وهو فروة وخنجر وريشة بشلنج وأطواخ ولابنه إبراهيم بك مثل ذلك وأسكنوا ذلك الآغا ورفيقه وأتباعهما بمنزل إبراهيم بك ابن الباشا بالأزبكية بقنطرة الدكة وأرسل بإحضار ولده من ناحية قبلي فحضر على الهجن ولبس الخلعة بولايته على الصعيد فنزل بالجيزة وعدى إلى بر مصر عند أبيه بقصر شبرا ولبس الخلعة وأقام عند أبيه ثلاث ليال ثم عدى إلى بر الجيزة وعندما وصل إلى البر أمر بتغريق السفينة بما فيها من الفرش ثم أخرجوها وكذلك أمر من معه من الرجال وفي يوم الجمعة 25 شهر جمادى الثانية سنة 1228 هـ - 25 يونية 1813 م سافر إبراهيم بك راجعًا إلى الصعيد‏.‏
وفيه حضر عرضي الباشا الذي كان سافر في ربيع الأول إلى الجهة القبلية ومعه الكتبة أيضًا المسلمون لتحرير حساب الأقباط ومساحة الأراضي‏.‏
وفي أواخره شهر جمادى الثانية سنة 1228 هـ - 12 يولية 1813 م نودي على أهل الجيزة باستمرار الكورنتينة شهري رجب وشعبان وأن يعطوا لهم فسحة للمتسببين والباعة ثلاثة أيام وكذلك لمن يخرج أو إذا دخل لا يخرج إذا كلن عنده ما يكفيه ويكفي عياله في مدة الشهرين والثلاثة أيام المفسح لهم فيها ليقضوا أشغالهم واحتياجاتهم فخرج أهل البلدة بأسرهم ولم يبق منهم إلا القليل النادر القادر وأيضًا تفرقوا في البلاد وبقي الكثير منهم حول البلدة وفي الغيطان حول بيادرهم وأجرانهم وعملوا لهم أعشاشًا تظلهم من حر الشمس ووهج الهجير وينادي المقيم بالبلدة بحاجته من أعلى السور لرفيقه أو صاحبه الذي هو خارج البلدة فيجيبه ويرد جوابه من مكان بعيد ولا يمكنونهم من تناول الأشياء وأما العسكر فإنهم يدخلون ويخرجون ويقضون حوائجهم ويشترون الخضراوات والبطيخ وغيره ويبيعونه على المقيمين بالبلدة بأغلى الأثمان وإذا أراد أحد من أهل البلدة الخروج منعوه من أخذ شيء من متاعه أو بهيمته أو شاته أو حماره ولا يخرج إلا مجرد بطوله‏.‏
وفي أواخره وصل من الديار الرومية واصل وعلى يده مرسوم فقرأ بالمحكمة في يوم الأحد ثامن عشرينه بحضرة كتخدا بك والقاضي والمشايخ وأكبر الدولة والجم الغفير من الناس ومضمونه الأمر للخطباء في المساجد يوم الجمعة على المنابر بأن يقولوا عند الدعاء للسلطان فيقولوا السلطان بن السلطان بتكرير لفظ السلطان ثلاث مرات محمود خان بن السلطان عبد الحميد خان بن السلطان أحمد خان مغازي خادم الحرمين الشريفين لأنه استحق أن ينعت بهذه النعوت لكون عساكره افتتحت بلاد الحرمين وغزت الخوارج وأخرجتهم منها لأن المفتي أفناهم بأنهم كفار لتفكيرهم المسلمين ويجعلونهم مشركين ولخروجهم على السلطان وقتلهم الأنفس وأن من قاتلهم يكون مغازيًا ومجاهدًا وشهيدًا إذا قتل ولما انقضى المجلس ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وبولاق والجيزة وعملوا شنكًا واستمر ضربهم المدافع عند كل أذان عشرة أيام وذلك ونحوه من الخور‏.‏
واستهل شهر رجب سنة 1228 هـ - 14 يولية 1813 م في منتصفه حضر بونابارته الخازندار من الديار الحجازية على طريق القصير‏.‏
وفي أواخر شهر رجب سنة 1228 هـ - 14 يولية 1813 م سافر قهوجي باشا الذي تقدم ذكر حضوره بالخلع والشلنجات والخناجر بعدما أعطى خدمته مبلغًا من الأكياس وأصحب معه الباشا هدية عظيمة لصاحب الدولة وأكابرهم وقدره من الذهب العين أربعين ألف دينار ومن النصفيات يعني نصف الدينار ستون ألفًا ومن فروق البن خمسمائة فرق ومن السكر المكرر مرتين مائة قنطار ومن المكرر مرة واحدة مائتي قنطار ومائتا قدر صيني الذي يقال له أسكي معدن مملوءة بالمربيات وأنواع الشربات الممسك المطيب المختلف الأنواع ومن الخيول خمسون جوادًا مرختة بالجوهر والنمدكش‏.‏
واللؤلؤ والمرجان وخمسون حصانًا من غير رخوت وأقمشة هندية كشميري ومقصبات وشاهي ومهترخان في عدة تعابي بقج وبخور عود وعنبر وأشياء أخرى‏.‏
وفيه أيضًا حضر آغا يقال له جانم أفندي وصحبته مرسوم قرئ بالديوان في يوم الاثنين مضمونه البشارة بمولود ولد للسلطان وسموه عثمان واجتمع لسماع ذلك المشايخ والأعيان وضربوا بعد قراءته شنكًا ومدافع واستمر ذلك سبعة أيام في كل وقت من الأوقات الخمسة‏.‏
وفي يوم الثلاثاء 20 شعبان سنة 1228 هـ - 19 أغسطس 1813 م الموافق 13 مسرى القبطي سنة 1529 ش وافى النيل المبارك أذرعه ونودي بذلك في الأسواق على العادة وكثر اجتماع غوغاء الناس للخروج إلى الروضة وناحية السد والولائم في البيوت المطلة على الخليج وما يحصل من اجتماع الأخلاط أما جري الماء كما هو المعتاد في كل سنة وأنه إذا نودي بالوفاء حصل ذلك الاجتماع في تلك الليلة وكسورا السد في صبحها عادة لا تتخلف فيما نعلم فلما كان آخر النهار ورد الخبر بأن الباشا أمر بتأخير فتح الخليج إلى يوم الخميس ثانية فكان كذلك وخرج الباشا في صبح يوم الخميس وكسر السد وجرى

واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة سنة 1228

وفي يوم الثلاثاء 5 شهر رمضان سنة 1228 هـ - 1 سبتمبر 1813 م حضر ابن الباشا المسمى بإسمعيل من الديار الرومية ووصل إلى ساحل النيل بشبرا وضربوا لوصوله مدافع من القلعة وبولاق وشبرا والجيزة وتقدم أنه توجه ببشارة الحرمين وأكرمته الدولة وأعطوه أطواخًا‏.‏
وفي 10 شهر رمضان سنة 1228 هـ - 6 سبتمبر 1813 م حضر قاصد من الديار الرومية ووصل إلى ساحل النيل وصحبته بشارة بمولودة ولدت لحضرة السلطان فعملوا الديوان في القلعة واجتمع له المشايخ والأعيان وأكابر الدولة وقرئ الفرمان الواصل ف شأن ذلك وفي مضمونه الأمر للكافة بالفرح والسرور وعمل الشنك وبعد الفراغ من ذلك ضربت المدافع من أبراج القلعة واستمر ضربها في كل وقت أذان خمسة أيام وهذا لم يعهد في الدولة الماضية إلا للأولاد الذكور وأما الإناث فليس لهن ذكر‏.‏
وفي ليلة الأربعاء 27 شهر رمضان سنة 1228 هـ - 23 سبتمبر 1813 م عمل الباشا جمعية ببيت الأزبكية وحضر الأعيان والمشايخ والقضاة الثلاثة وهم بهجت أفندي المنفصل عن قضاء مصر وصديق أفندي المتوجه إلى قضاء مكة المنفصل عن قضاء مصر العام الذي قبله والقاضي المتوجه إلى المدينة فعقدوا عقد ابنه إسمعيل باشا على ابنة عارف بك التي حضرت بصحبته من الديار الرومية وعقدوا عقد أخته ابنة الباشا على محمد أفندي الذي تقلد الدفتردارية ولما تم ذلك قدموا لهم تعابي بقج في كل واحدة أربع قطع من الأقمشة الهندية وهي شال كشميري وطاقة قطني هندي وطاقة شاهي وفرقوا على الدون من الناس الحاضرين محارم ثم أن الباشا شرع في الاهتمام إلى سفر الحجاز وتشهيل المطاليب واللوازم فمن جملة ذلك أربعون صندوقًا من الصفيح المشمع داخلها بالشمع والمصطكي وبالخشب من خارج وفوق الخشب جلود البقر المدبوغ ليودع بها ماء النيل المغلي لشربه وشرب خاصته ومثلها في كل شهر يتقيد بعمل ذلك وغيره السيد المحروقي ويرسله في كل شهر‏.‏
واستهل شهر شوال بيوم الأحد سنة 1228

في يوم السبت 7 شهر شوال سنة 1228 هـ - 2 أكتوبر 1813 م أداروا كسوة الكعبة وكانت مصنوعة من نحو خمس سنوات ومودعة في مكان بالمشهد الحسيني فأخرجوها في مستهل الشهر وقد توسخت لطول المدة فحلوها ومسحوها وكان عليها اسم السلطان مصطفى فغيروه وكتبوا اسم السلطان محمود فاجتمع الناس للفرجة عليها وكان المباشر لها الريس حسن المحروقي فركب في موكبها‏.‏
وفي ليلة السبت 14 شهر شوال سنة 1228 هـ - 10 أكتوبر 1813 م خرج محمد علي باشا مسافرًا إلى الحجاز وكان خروجه وقت طلوع الفجر من يوم السبت المذكور إلى بركة الحاج وخرج الأعيان والمشايخ لوداعه بعد طلوع النهار فأخذوا خاطره ورجعوا آخر النهار وركب هو متوجهًا إلى السويس بعد مضي ثمان ساعات وربع من النهار وبرزتن الخيالة والسفاشية إلى خارج باب النصر ليذهبوا على طريق البر وقبل خروج الباشا بيومين قدمت هجانة مبشرون بالقبض على عثمان المضايفي بناحية الطائف وكان قد جرد على الطائف فبرز إليه الشريف غالب وصحبته عساكر الأتراك والعربان فحاربوه وحاربهم فأصيب جواده فنزل إلى الأرض واختلط بالعسكر فلم يعرفوه فخرج من بينهم ومشى وتباعد عنهم نحو أربع ساعات فصادفه جماعة من جند الشريف فقبضوا عليه وأصابته جراحة وعندما سقط من بين قومه ارتفع الحرب فيما بين الفريقين أخريات النهار ولما أحضروه إلى الشريف غالب جعل في رقبته الجنزير والمضايفي هذا زوج أخت الشريف وخرج عنه وانضم إلى الوهابيين فكان أعظم أعوانهم وهو الذي كان يحارب لهم ويقاتل ويجمع قبائل العربان ويدعوهم عدة سنين ويوجه السرايا على المخالفين ونما أمره واشتهر لذلك ذكره في الأقطار وهو الذي كان افتتح الطائف وحاربها وحاصرها وسبى النساء وهدم قبة ابن عباس الغريبة الشكل والوصف وكان هو المحارب للعسكر مع عربان حرب في العام الماضي بناحية الصفراء والجديدة وهزمهم وشتت شملهم ولما قبضوا عليه أحضروه إلى جدة واستمر في الترسيم عند الشريف ليأخذ بذلك وجاهة عند الأتراك الذي هو على ملتهم ويتحقق لديهم نصحه لهم ومسالمته إياهم وسيلقى قريبًا منهم جزاء فعله ووبال أمره كما سيتلى عليك بعضه بعد قليل‏.‏
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الثلاثاء سنة 1228 وفي أوائله وردت أخبار من الجهة الرومية بأن عساكر العثمانيين استولوا على بلاد بلغارد من أيدي طائفة الصرب وكانوا استولوا عليها نيفًا وأربعين سنة والله أعلم بصحة ذلك‏.‏
وفيه عزل محمود حسن من الحسبة وتقلدها عثمان آغا المعروف بالورداني‏.‏
وفي يوم الثلاثاء  15 ذو القعدة سنة 1228 هـ - أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر 1813 م وصل عثمان المضايفي صحبة المتسفرين معه إلى الريدانية آخر الليل وأشيع ذلك فلما طلعت الشمس ضربوا مدافع من القلعة إعلامًا وسرورًا بوصوله أسيرًا وركب صالح بك السلحدار في عدة كبيرة وخرجوا لملاقاته وإحضاره فلما واجه صالح بك نزع من عنقه الحديد وأركبه هجينًا ودخل به إلى المدينة وأماه الجاويشية والقواسة الأتراك وبأيديهم العصي المفضضة وخلفه صالح بك وطوائفه وطلعوا به إلى القلعة وأدخله إلى مجلس كتخدا بك وصحبته حسن باشا وطاهر باشا وباقي أعيانهم ونجيب أفندي قبي كتخدا الباشا ووكيله بباب الدولة وكان متأخرًا عن السفر ينتظر قدوم المضايفي ليأخذه بصحبته إلى دار السلطنة فلما دخل عليهم أجلسوه معهم فحدثوه ساعة وهو يجيبهم من جنس كلامهم بأحسن خطاب وأفصح جواب وفيه سكون وتؤدة في الخطاب وظاهر عليه آثار الإمارة والحشمة والنجابة ومعرفة مواقع الكلام حتى قال الجماعة لبعضهم البعض يا أسفا على مثل هذا إذا ذهب إلى إسلامبول يقتلونه ولم يزل يتحدث معهم حصة ثم أحضروا الطعام فواكلهم ثم أخذه كتخدا بك إلى منزله فأقام عنده مكرمًا ثلاثًا حتى تمم نجيب أفندي أشغاله فأركبوه وتوجهوا به إلى بولاق وأنزلوه في السفينة مع نجيب أفندي ووضعوا في عنقه الجنزير وانحدروا طالبين الديار الرومية وذلك يوم الاثنين حادي عشرينه‏.‏
وفي أواخر ذو القعدة سنة 1228 هـ - النصف الثانى من نوفمبر 1813 م  وصلت أخبار بأن مسعود الوهابي أرسل قصادًا من طرفه إلى ناحية جدة فقابلوا طوسون باشا والشريف غالب خلع عليهم وأخذهم إلى أبيه فخاطبهم وسألهم عما جاؤوا فيه فقالوا الأمير مسعود الوهابي يطلب الإفراج عن المضايفي ويفتديه بمائة ألف فرانسة وكذلك يريد إجراء الصلح بينه وبينكم وكف القتال فقال لهم فإنه سافر إلى الدولة وأما الصلح فلا ناباه بشروط وهو أن يدفع لنا كل ما صرفناه على العساكر من أول ابتداء الحرب إلى وقت تاريخه وان يأتي بكل ما أخذه واستلمه من الجواهر والذخائر التي كانت بالحجرة الشريفة وكذلك ثمن ما استهلك منها وأن يأتي بعد ذلك ويتلاقى معي وأتعاهد معه ويتم صلحنا بعد ذلك وإن أبى ذلك فنحن ذاهبون إليه فقالوا له اكتب له جوابًا فقال لا أكتب جوابًا لأنه لم يرسل معكم جوابًا ولا كتابًا وكما أرسلكم بمجرد الكلام فعودوا إليه كذلك فلما أصبح الصباح وقت انصرافهم أمر باجتماع العساكر فاجتمعوا ونصبوا ميدان الحروب والرمي المتتابع من البنادق والمدافع ليشاهد الرسل ذلك ويروه ويخبروا عنه مرسلهم‏.‏
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الأربعاء سنة 1228

وفي ليلة الأحد 19 شهر ذي الحجة سنة 1228 هـ - 13 ديسمبر 1813 م وقعت كائنة لطيف باشا وذلك أن المذكور مملوك الباشا أهداه له عارف بك وهو عارف أفندي بن خليل باشا المنفصل عن قضاء مصر نحو خمس سنوات واختص به الباشا وأحبه ورقاه في الخدم والمناصب إلى أن جعله أنختار أغاسي أي صاحب المفتاح وصار له حرمة زائدة وكلمة في باب الباشا وشهرة فلما حصلت النصرة للعسكر واستولوا على المدينة وأتوا بمفاتيح زعموا أنها مفاتيح المدينة كان هو المتعين بها للسفر للديار الرومية بالبشارة للدولة وأرسلوا صحبته مضيان الذي كان متأمرًا بالمدينة ولما وصل إلى دار السلطنة ووصلت أخباره احتفل أهل الدولة بشأنه احتفالًا زائدًا ونزلوا لملاقاته في المراكب في مسافة بعيدة ودخلوا إلى إسلامبول في موكب جليل وأبهة عظيمة إلى الغاية وسعت أعيان الدولة وعظماؤها بين يديه مشاة وركبانًا وكان يوم دخوله يومًا مشهودًا وقتلوا مضيان المذكور في ذلك اليوم وعلقوه أعلى باب السراية وعملوا شنانك ومدافع وأفراحًا وولائم وأنعم السلطان على لطيف المذكور وأعطاه أطواخًا وأرسل إليه أعيان الدولة الهدايا والتحف ورجع إلى مصر في أبهة زائدة وداخله الغرور وتعاظم في نفسه ولم يحتفل الباشا بأمره وكذلك أهل دولته لكونه من جنس المماليك وأيضًا قد تأسست عداوتهم في نفوسهم وكراهتهم له أشد من كراهتهم لأبنائنا وخصوصًا كتخدا بك فإنه أشد الناس عداوة وبغضًا في جنس المماليك وطفق يلقي لمخدومه ما يغير خاطره عليه ومنها أنه يضم إليه أجناسه من المماليك البطالين ليكونوا عزوته ويغترون به بحيث أن الباشا فوض إليه الأمر إن ظهر منه شيء في غيابه وسافر الباشا في أثر ذلك واستمر لطيف باشا مع الجماعة في صلف وهم يحدقون عليه ويرصدون حركاته ويتوقعون ما يوجب الإيقاع به وهو في غفلة وتيه لا يظن بهم سوا فطلب من الكتخدا الزيادة في رواتبه وعلائفه لسعة دائرته وكثرة حواشيه ومصاريفه فقال له الكتخدا أنا لست صاحب الأمر وقد كان هنا ولم يزدك شيئًا فراسله وكاتبه فإن أمر بشيء فأنا لا أخالف مأمورياته وتزايد هو والحاضرون في الكلام والمفاقمة ففارقهم على غير حالة ونزل إلى داره وأرسل في العشية إلى مماليك الباشا ليحضروا إليه في الصباح ليعمل معهم ميدان رماحة على العادة وأسر إليهم أن يصبحوا ما خف من متاعهم وأسلحتهم فلما أصبحوا استعدوا كما أشار إليهم وشدوا خيولهم ووصل خبرهم إلى الكتخدا فطلب كبيرهم وسأله فأخبره أن لطيف باشا طلبهم ليعمل معهم رماحة فقال أن هذا اليوم ليس هو موعد الرماحة ومنعهم من الركوب وفي الحال أحضر حسن باشا وأحمد آغا المسمى بونابارته الخازندار وصالح بك السلحدار وإبراهيم آغا أغات الباب ومحو بك وخلافهم ودبوس أوغلي وإسمعيل باشا بن الباشا ومحمود بك الدويدار وتوافق الجميع على الإيقاع به وأصبحوا يوم السبت مجتمعين وقد بلغه الخبر وأخذوا عليه الطرق وأرسلوا يطلبونه للحضور في مجلسهم فامتنع وقال ما المراد من حضوري فنزل إليه دبوس أوغلي وخدعه فلم يقبل فركب وعاد إليه ثانيًا يأمره بالخروج من مصر إن لم يحضر مجلسهم فقال أما الحضور فلا يكون وأما الخروج فلا أخالف فيه بشرط أن يكون بكفالة حسن باشا أو طاهر باشا فإني لا آمن أن يتبعوني ويقتلوني وخصوصًا وقد أوقفوا بجميع الطرق ففارقه دبوس أوغلي فتحير في أمره وأمر بشد الخيول وأراد الركوب فلم يتسع له ذلك ولم يزل في نقض وإبرام إلى الليل فشركوا الجهات وأبواب المدينة أيضًا بالعساكر وكثر جمعهم بالقلعة وأبوابها وفي تاسع ساعة من الليل نزل حسن باشا ونحو بك في نحو الألفين من العسكر واحتاطوا بداره في سويقة العزى وقد أغلق داره فصاروا يضربون عليه بالبنادق والقرابين إلى آخر الليل فلما أعياهم ذلك هجموا على دور الناس التي حوله وتسلقوا عليه من الأسطحة ونزلوا إلى سطح داره وقتلوا من صادفوه من عسكره وأتباعه واختفى هو في مخبأة أسفل الدار مع ستة أشخاص من الجواري ومملوك واحد وعلم بمكانهم أغات الحريم فداروا في الدار يفتشون عليه فلم يجدوه فنهبوا جميع ما في الدار ولم يتركوا بها شيئًا وسبوا الحريم والجواري والمماليك والعبيد وكذلك ما حوله وما جاوره من دور الناس ودور حواشيه وهم نيف وعشرون دارًا حتى حوانيت الباعة وغيرهم التي بالخطة ودار علي كتخدا صالح الفلاح هذا ما جرى بتلك الناحية وباقي نواحي المدينة لا يدورون بشيء من ذلك إلا أنهم لما طلع نهار يوم الأحد وخرج الناس إلى الأسواق والشوارع وجدوا العساكر مائجة وأبواب البلد مغلقة وحولها العساكر مجتمعة ومنهم من يعدو ومعه شيء من المنهوبات فامتنع الناس من فتح الحوانيت والقهاوي التي من عادتهم التبكير بفتحها وظنوا ظنًا واستمر لطيف باشا بالمخبأة إلى الليل واشتد به الخوف وتيقن أن العبد الطواشي سينم عليه ويعرفهم بمكانه فلما أظلم الليل وفرغوا من النهب والتفتيش وخلا المكان خرج من المخبأة بمفرده ونط من الأسطحة حتى خلص إلى دار خازنداره وصحبته كبير عسكره وآخر يسمى يوسف كاشف دياب من بقايا الأجناد المصرية وباتوا بقية تلك الليلة ويوم الاثنين والكتخدا وأهل دولته يدأبون في الفحص والتفتيش عليه ويتهمون كثيرًا من الناس بمعرفة مكانه ومحمود بك داره بالقرب من داره أوقف أشخاصًا من عسكره على الأسطحة ليلًا ونهارًا لرصده وكان المذكور له اعتقادًا في شخص يسمى حسن أفندي اللبلبي ولبلب لفظ تركي علم على الحمص المجوهر أي المقلي ومن شأن حسن أفندي هذا أنه رجل درويش يدخل بيوت الأعيان والأكابر من الناس الأتراك وغيرهم وفي جيوبه من ذلك الحمص فيفرق على أهل المجلس منه ويلاطفهم ويضاحكهم ويمزح معهم ويعرف باللغة التركية ويجانس الفريقين فمن أعطاه شيئًا أخذه ومن لم يعطه لم يطلب منه شيئًا وبعضهم يقول له انظر ضميري أو فالي فيعد على سبحته أزواجًا وأفرادًا ثم يقول ضميرك كذا وكذا فيضحكون منه فوشى بحسن أفندي هذا إلى كتخدا بك وباقي الجماعة بأنه كان يقول لطيف باشا أنه سيلي سيادة مصر وأحكامها ويقول له هذا وقت انتهاز الفرصة في غيبة الباشا ونحو ذلك وجسموا الدعوى وأنه كان يعتقد صحة كلامه ويزوره في داره ورتب له ترتيبًا وأشاعوا أنه أراد أن يضم إليه أجناس المماليك والخاملين من العساكر وغيرهم ويعطيهم نفقات ويريد إثارة فتنة ويعتال الكتخدا بك وحسن باشا وأمثالهما على حين غفلة ويتملك القلعة والبلد وأن اللبلبي يغريه على ذلك وكل وقت يقول له جار وقتك ونحو ذلك من الكلام الذي المولى جل جلاله أعلم بصحبته فأرسل كتخدا بك إلى اللبلبي فحضر بين يديه في يوم الاثنين فسأله عنه فقال لا أدري فقال انظر في حسابك هل نجده أم لا فأمسك سبحته وعدها كعادته وقال إنكم تجدونه وتقتلونه ثم إن الكتخدا أشار إلى أعوانه فأخذوه ونزلوا به وأركبوه على حماره وذهبوا به إلى بولاق فأنزلوه في مركب وانحدروا به إلى شلقان وشلحوه من ثيابه وأغرقوه في البحر‏.‏
وفي ذلك اليوم عرفهم أغات حريم لطيف باشا بعد أن هددوه وقرروه عن محل أستاذه وأخبرهم أنه في المخبأة وأراهم المكان ففتحوه فوجدوا به الجواري الستة والمملوك ولم يجدوه معهم فسألوهم عنه فقالوا أنه كان معنا وخرج ليلة أمس ولم نعلم أين ذهب فأخرجوهم وأخذوا ما وجدوه في المخبأة من متاع وسروج ومصاغ ونفوذ وغير ذلك فلما كان بعد الغروب من ليلة الثلاثاء اشتد بلطيف باشا الخوف والقلق فأراد أن ينتقل من بيت الخازندار إلى مكان آخر فطلع إلى السطح وصعد على حائط يريد النزول منها هو ورفيقه البيوكباشي ليخلص إلى حوش مجاور لتلك الدار فنظرهما شخص من العسكر المرصد بأعلى سطح دار محمود بك الدويدار فصاح على القريبين منه لينتبهوا له فعندما صاح ضربه لطيف باشا رصاصة فأصابته وتنبهت المرصدون بالنواحي عند سماع الصيحة وبندقة الرصاصة وتسارعوا إليه من كل ناحية وقبضوا عليه وعلى ورفيقه وأتوا بهما إلى محمود بك فبات عنده ورمحت المبشرون إلى بيوت الأعيان يبشرونهم بالقبض عليه ويأخذون على ذلك البقاشيش فلما طلع نهار يوم الثلاثاء طلع به محمود بك إلى القلعة وقد اجتمع أكابرهم بديوان الكتخدا واتفقوا على قتله ووافقهم على ذلك إسمعيل ابن الباشا بما نمقوه عليه لأنه في الأصل مملوك صهره عارف بك فعندما وصل إلى الدرج قبض عليه الأعوان وهو بجانب محمود بك فقبض بيده على علاقة سيفه وهو يقول بالتركي عرظندايم يعني أنا في عرضك وماتت يده على قيطان السيف فأخرج بعضهم سكينًا وقطع القيطان وجذبوه إلى أسفل سلم الركوبة وأخذوا عمامته وضربه المشاعلي بالسيف ضربات ووقع إلى الأرض ولم ينقطع عنقه فكملوا ذبحه مثل الشاة وقطعوا رأسه وفعلوا برفيقه كذلك وعلقوا رؤوسهما تجاه باب زويلة طول النهار‏.‏ وفي
ج3/116

This site was last updated 10/21/08