تفسير (مرقس 10: 2) 2 فتقدم الفريسيون وسالوه.هل يحل للرجل ان يطلق امراته.ليجربوه.
ثانيا : التفسير الحرفى والتاريخى والجغرافى - إعداد المؤرخ / عزت اندراوس
«٢ فَتَقَدَّمَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ وَسَأَلُوهُ: هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ ٱمْرَأَتَهُ؟ لِيُجَرِّبُوهُ.
مرّ شرح سؤال الفريسيين ليسوع في شأن الطلاق وجوابه لهم عليه في شرح وتفسير (متّى ١٩: ٣ - ١٢).
" الفِرِّيسيِّينَ " (من الآرامية הַפְּרוּשִׁים ومعناها المنعزل) الى إحدى قيادات اليهود الدينية : الفريسيين والصدوقيين والأسينيين والهيرودسيين والكتية .. ألخ ، وكانت فئة الفريسيين أكثرهم إنتشارا وسلطة ولكنهم أضيقهم رأياً وتعليماً (اعمال الرسل 26: 5). فقد حصر الفريسيُّون الصلاح في طاعة الناموس فجاءت ديانتهم ظاهرية وليست قلبية داخلية. وقالوا بوجود تقليد سماعي عن موسى تناقله الخلف عن السلف. وزعموا أنه معادل لشريعته المكتوبة سلطة أو أهمّ منها. فجاء تصريح المسيح بأن الإنسان ليس ملزماً بهذا التقليد (متى 15: 2 و3 و6).
وَسَأَلُوهُ: هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ ٱمْرَأَتَهُ؟ لِيُجَرِّبُوهُ. إنجيل متى يضيف إليها إضافة جديدة (مت 19: 3) : " أن يطلق إمرأته لكل سبب" وهذه الإضافة لها معننى فى موضوع الطلاق لأن الناموس فى (تث 14: 1) يعطى الحل للطلاق من أجل الزنى فأصبح سؤال الفريسيين محرج (لكى يحرجوا المسيح ويجربوه) بأن يكون : " الطلاق لكل سبب" !!!
ومن المعروف أن الرابى هلليل صرح بالطلاق لأتفه الأمور (إذا كانت لا تعرف أن تطبخ) إذن فالكلام عن الطلاق شائك من كل جانب .. جانب علماء اليهود .. وجانب جانب هيرودس إذا فقد حضروا له سؤالا خطرا محبوكا مسبقا إحراجة ووضعه فى موقف عدائى مع هيرودس ويظهروا المسيح للشعب على أنه لا يعرف ما شرعة موسى ولا فتاوى وتحليل الراباى هلليل ويضاف
الطلاق مشكلة المشاكل فى جميع العصور التى تواجهها المجتمعات فالزواج هو لتكاثر الجنس البشريى وتكوين أسرة التى هى نواة المجتمع لتربية أجيال جديدة أما الطلاق فعو تفكيك هذه النواة وتشتيت للأسرة والأولاد الناتجين من الزواج والإقدام على الطلاق فى المسيحية يحدث لعدة أسباب منها ضعف الخدمة الكنسية فى مدايرس الأحد والتربية فى البيت وهشاشة البناء الأخلاقى والنفسى لإنسان هذا الزمان بالإضافة لعامل الإضهاد الإسلامى الذى يقتنص المسيحييات لتدمير المسيحية ، أما الزنا فهو مشكلة الإنسان منذ البدء وقد وضعت العديد من الوصايا والقوانين للطلاق والزنا وكسرت الوصايا من أجل الطلاق والزنا
لم يكن سؤال الفريسيين عن نية حسنة. ما كانوا يبحثون عن تعليم يتعلق بهذه المسألة، بل فرصة ليتهموه رسمياً. ولو أمكنهم لكانوا يودون أن يُظهروه كمعلّم خطر غير موثوق وهرطوقي منشق يعطي تعاليم مخالفة لناموس موسى.
وضمن متّى في جواب المسيح للفريسيين ما ذكره مرقس في (مر 10: 11 و 12) من أنه قاله للتلاميذ خاصة.
ورد فى أنجيل مرقس (مرقس 10: 2- 12) ومتى (مت 19: 1-9) مجموعة من المجادلات مع الكتبة والفريسيين حول الزواج والطلاق وكان الفريسيون ينظرون الى الزواج في إطار شريعة ضيّقة محدودة، وجه يسوع نظرهم إلى المعنى العميق للزواج إلى أن الزواج هو عهد حب لا طلاق فيه ولا رجعة وضعه الرب منذ خلقه لآدم وحواء ويدوم حتى الموت.
هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ ٱمْرَأَتَهُ؟ أمَّا عبارة "هَل يحِلُّ لِلزَّوجِ أَن يُطَلِّقَ امَرأَتَه" فتشير الى سؤال في موضوع الطلاق حول مشكلة تطبيق القاعدة المنصوصة عليها في سفر تثنية الاشتراع "إِذا اتَخَذَ رَجُلٌ اَمرَأَةً وتَزَوَّجَها، ثُمَّ لم تَنَلْ حُظْوَةً في عَينَيه، لأَمرٍ غَيرِ لائِق وجَدَه فيها، فلْيَكتبْ لَها كِتابَ طَلاقٍ وُيسَلِّمْها إِيّاه ويصرِفْها مِن بَيته" (تثنية الاشتراع 24: 1).1 اذا اخذ رجل امراة وتزوج بها فان لم تجد نعمة في عينيه لانه وجد فيها عيب شيء وكتب لها كتاب طلاق ودفعه الى يدها واطلقها من بيته 2 ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل اخر "
لاحظوا أن سؤال الفريسيين هو عن الطلاق، وليس عن الزواج مجددا َوأيضا لاحظوا أن يسوع يجيب على السؤال المحدد. يسوع لا يناقش هذا الموضوع في بيئة محايدة. ان الشريعة سمحت بالطلاق. ولكن ما هي الحالات التي يُسمح بها بالطلاق؟ ينص التشريع الموسوي على انه يجوز للزوج ان يعطي زوجته كتاب طلاق إذا ما وجد فيها شيئا لا يليق، ولكن السؤال ما هو هذا الشيء الي لا يليق. فقد كانت هناك مدرستان رئيسيتان لهما آراء متعارضة في قضية الطلاق: مدرسة الرابي هليّل سمحت بالطلاق "لأَيَّةِ عِلَّةٍ كانت" (متى 19: 3).3 وجاء اليه الفريسيون ليجربوه قائلين له: «هل يحل للرجل ان يطلق امراته لكل سبب؟» أمَّا مدرسة الرابي شمَّاي، فهي متشددة فكانت لا تسمح بالطلاق إلا في حالة الخيانة الزوجية فقط. فأين يقف يسوع؟ فالطلاق موجود في شريعة العالم اليهودي. لكن الى اي حدٍ يُسمح به؟ أمَّا عبارة " يُطَلِّقَ امَرأَتَه" فتشير الى الانحلال من قيد الزواج وفك الروابط الزوجية.
هؤلاء الفريسيون يحاولون أن يوقعوه المسيح شرك لكي يُعزل عن (1) أتباع هلليل، الذين كان لديهم موقف متحرر من الطلاق. تتوسع في السؤال ليشمل سبب الطلاق أو (2) ألن هيرودس أنتيباس قد تطلق هذا السؤال جاء بعد أن قطع هيرودس رأس يوحنا المعمدان لأنه كان يوبخة من أجل أنه طلق إمرأته (بنت الحارث العربى) وتزوج هيروديا روجة أخية هيرودس فيلبس فهذا السؤال إذا يضع المسيح فى موقف عداء مع هيرودس هيرودس أنتيباس أى لكى يصطادوا المسيح بكلمة (مر 6: 17- 20)17 لان هيرودس نفسه كان قد ارسل وامسك يوحنا واوثقه في السجن من اجل هيروديا امراة فيلبس اخيه اذ كان قد تزوج بها. 18 لان يوحنا كان يقول لهيرودس: «لا يحل ان تكون لك امراة اخيك!» 19 فحنقت هيروديا عليه وارادت ان تقتله ولم تقدر 20 لان هيرودس كان يهاب يوحنا عالما انه رجل بار وقديس وكان يحفظه. واذ سمعه فعل كثيرا وسمعه بسرور. (3) موقف المسيح أمام تشريع موصى (4) وبهذا يظهر أمام الجموع عدم معرفته بالشريعة ولا بتعاليم الراباى هليل هذا السؤال الخطير يصنف مع سؤالهم السابق عندما قدموا له دينار وقالواله هل نعطى جزية لقيصر أم لا ... حتى يوقعوه بكلمة ويشتكوه ويتهموه أنه متمرد ضد حكم الإمبراطورة الرومانية
الكلمة "شرعا " (ليست موجودة في الترجمة العربية) تشير إلى أن الناموس الموسوي أو التقاليد الرابية (التلمود). في إجابته يقتبس يسوع مقطعا من التثنية
لِيُجَرِّبُوهُ هذه الكلمة periazō لها دلالة الإختبار مع نزعة إلى التدمير (مر 8: 11) (مر 10: 2) ( مر 12: 15)؛ راجع (مر 1: 13) . هذا السؤال قُصد به أن (1) أن يستقطب كلا من الشعب والرابيين إلى أفكار المدرستين الرابيتين اللتين هما شماي (المحافظة) وهلليل (الليبرالية) و(2) أن يثير غضب هيرودس أنتيباس
أمَّا عبارة ليجربوة أى "لِيُحرِجوه" باليونانية ἐπηρώτων αὐτὸν (معناها ليمتحنوه بسوء نيَّة لِيُحرِجوه) فتشير الى الفريسيين الذين يريدون ان ينصبوا فخا ليسوع (مرقس 8: 11). وسؤال الفريسيين للمسيح موجّه ضد هيرودس انتيباس وهيروديا. فهيرودس كان قد طلق امرأته بنت الحارث ليتزوج بامرأة أخيه فيلبس (مرقس 6: 17-28). فلو منع المسيح الطلاق لاشتكوه لهيرودس فيقتله كما قتل المعمدان. ولو سمح المسيح بالطلاق لكان أقل من يوحنا المعمدان جرأة في الشهادة للحق. ولكن يسوع استخدم هذه الفرصة ليُبيِّن قصد الله في الزواج. استفاد يسوع من اسئلتهم المغلَّفة ليقدِّم تعليما لتلاميذه.
كان موضوع الطلاق في أيام المسيح موضوع جدال وحوار حول نص التشريع الموسوي "إِذا اتَخَذَ رَجُلٌ اَمرَأَةً وتَزَوَّجَها، ثُمَّ لم تَنَلْ حُظْوَةً في عَينَيه، لأَمرٍ غَيرِ لائِق وجَدَه فيها، فلْيَكتبْ لَها كِتابَ طَلاقٍ وُيسَلِّمْها إِيّاه ويَصرِفْها مِن بَيته"(تثنية الاشتراع 24: 1-4). نظمت الشريعة ممارسة الطلاق لكنها لم تحدد أي "عيب" يسمح للرجل بطلاق امراته. فالنص يجيز للزوج ان يعطي زوجته كتاب طلاق إذا ما وجد فيها شيئا لا يليق. ولكن السؤال: ما هو هذا الشيء الذي لا يليق؟ فسأل الفريسيون المسيح في الطلاق لأنهم منقسمون فيه بين تيارين او مدرستين من مدارس الربانيين: هليل وشمّاي. فمدرسة هليل سمحت بالطلاق لأجل كل علة. وأمَّا مدرسة شمّاي فلا تسمح بالطلاق إلا في حالة خيانة زوجية.
أوضح يسوع لتلاميذه على انفراد ان الرجل والمرأة في موضوع الزواج متساويان. إذ قال "مَن طَلَّقَ امرَأَتَه وتَزَوَّجَ غَيرَها فقَد زَنى علَيها وإِنْ طَلَّقَتِ المَرأَةُ زَوجَها وتَزَوَّجَت غَيرَهُ فقَد زَنَت" (مرقس 10: 11-12). إن المرأة تبدو كشيءً خاصٍ بالرجل (خروجٍ 20: 17) فتكون هي وهو واحداً في أمانة متبادلة (تكوين 2: 23 24). ويكشف يسوع هنا عن كل أبعاد الأمانة الزوجية (متى 5: 27-28) بحيث تُلزم الرجل إلزامها للمرأة (مرقس 10: 11)، وتربط الزوجين برباط غير قابل للانفصام (متى 19: 6).
ويُقدِّم الأنبياء العهد الذي يجمع بين الإنسان والله برباط حب أمين، تحت رمز زواج غير قابل للفسخ (هوشع 2:4). فلا يجوز للرجل ان يطلق امرأته كما كانت العادة المتبعة في العالم اليهودي. "مَن طَلَّقَ امرَأَتَه وتَزَوَّجَ غَيرَها فقَد زَنى علَيها" (مرقس 10: 11)؛ كذلك لا يجوز للمرأة ان تطلق زوجها كما كانت العادة في بعض الأوساط غير اليهودية "إِنْ طَلَّقَتِ المَرأَةُ زَوجَها وتَزَوَّجَت غَيرَهُ فقَد زَنَت" (مرقس 10: 12) كما فعلت هيروديا ابنة ارسطوبوليس، حفيدة هيرودس الكبير. اذ تزوجت هيرودس فيلبس (متى 14: 3) لكنها طلقته وتزوجت اخاه هيرودس انتيباس (متى 14: 3-10). وبعبارة أخرى، يحض يسوع الزوجين على المعاملة بالمثل. لان الرجل والمرأة يتمتعان بنفس الحقوق والواجبات، وأكد بولس الرسول انّ تعاليم يسوع تنص على وحدة الزواج وعدم الطلاق بقوله "وأَمَّا المُتزَوِّجونَ فأُوصيهم، ولَستُ أَنا المُوصي، بلِ الرَّبّ، بِأَن لا تُفارِقَ المَرأَةُ زَوجَها، وإِن فارَقَتْه فلْتَبقَ غَيرَ مُتَزَوِّجة أَو فلْتُصالِحْ زَوجَها وبِأَلاَّ يَتَخَلَّى الزَّوجُ عنِ امرَأَتِه " (1 كور 7: 10-16).