Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ثماني عشرة وستمائة سنة تسع عشرة وستمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة575 وسنة576
سنة577 وسنة578
سنة579
سنة580 وسنة581
سنة582 وسنة583
سنة584
سنة585
سنة586
سنة587
سنة588
سنة589
سنة590 وسنة591
سنة592 وسنة593
سنة594
سنة595
سنة596 وسنة597
سنة598 وسنة599
سنة600
سنة601 وسنة602
سنة603
سنة604
سنة605 وسنة606
سنة607 وسنة608 وسنة609
سنة610 وسنة611 وسنة612
سنة613 وسنة614
سنة615
سنة616 وسنة617
سنة618 وسنة619
سنة620 وسنة621
سنة621

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ثماني عشرة وستمائة
ذكر وفاة قتادة أمير مكة وملك ابنه الحسن وقتل أمير الحاج

في هذه السنة، في جمادى الآخرة، توفي قتادة بن إدريس العلوي، ثم الحسني، أمير مكة، حرسها الله، بها، وكان عمره نحو تسعين سنة، وكانت ولايته قد اتسعت من حدود اليمن إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وله قلعة ينبع بنواحي المدينة، وكثر عسكره، واستكثر من المماليك، وخافه العرب في تلك البلاد خوفاً عظيماً.
وكان، في أول ملكه، لما ملك مكة، حرسها الله، حسن السيرة أزال عنها العبيد المفسدين، وحمى البلاد، وأحسن إلى الحجاج، وأكرمهم، وبقي كذلك مدة، ثم إنه بعد ذلك أساء السيرة، وجدد المكوس بمكة، وفعل أفعالاً شنيعة، ونهب الحاج في بعض السنين كما ذكرناه.
ولما مات ملك بعده ابنه الحسن، وكان له ابن آخر اسمه راجح، مقيم في العرب بظاهر مكة، يفسد، وينازع أخاه في ملك مكة، فلما سار حاج العراق كان الأمير عليهم مملوكاً من مماليك الخليفة الناصر لدين الله اسمه أقباش، وكان حسن السيرة مع الحاج في الطريق، كثير الحماية، فقصده راجح ابن قتادة، وبذل له وللخليفة مالاً ليساعده على ملك مكة، فأجابه إلى ذلك، ووصولا إلى مكة، ونزلوا بالزاهر، وتقدم إلى مكة مقاتلاً لصاحبها حسن.
وكان حسن قد جمع جموعاً كثيرة من العرب وغيرها، فخرج إليه من مكة وقاتله، وتقدم أمير الحاج من بين يدي عسكره منفرداً، وصعد الجبل إدلالاً بنفسه، وأنه لا يقدم أحد عليه، فأحاط به أصحاب حسن، وقتلوه، وعلقوا رأسه، فانهزم عسكر أمير المؤمنين، وأحاط أصحاب حسن بالحاج لينهبوهم، فأرسل إليهم حسن عمامته أماناً للحجاج، فعاد أصحابه ولم ينهبوا منهم شيئاً وسكن الناس، وأذن لهم حسن في دخول مكة وفعل ما يريدونه من الحج والبيع وغير ذلك، وأقاموا بمكة عشرة أيام، وعادوا، فوصلوا إلى العراق سالمين، وعظم الأمر على الخليفة، فوصلت رسل حسن يعتذرون، ويطلبون العفو عنه، فأجيب إلى ذلك.
وقيل في موت قتادة: إن ابنه حسناً خنقه فمات؛ وسبب ذلك أن قتادة جمع جموعاً كثيرة وسار عن مكة يريد المدينة، فنزل بوادي الفرع وهو مريض، وسير أخاه على الجيش ومعه ابنه الحسن بن قتادة، فلما أبعدوا بلغ الحسن أن عمه قال لبعض الجند: إن أخي مريض، وهو ميت لا محالة؛ وطلب منهم أن يحلفوا له ليكون هو الأمير بعد أخيه قتادة، فحضر الحسن عند عمه، واجتمع إليه كثير من الأجناد والمماليك الذي لأبيه، فقال الحسن لعمه: قد فعلت كذا وكذا، فقال: لم أفعل؛ فأمر حسن الحاضرين بقتله، فلم يفعلوا، وقالوا: أنت أمير وهذا أمير، ولا نمد أيدينا إلى أحدكما. فقال له غلامان لقتادة: نحن عبيدك، فمرنا بما شئت؛ فأمرهم أن يجعلا عمامة عمه في عنقه، ففعلا، ثم قتله.
فسمع قتادة الخبر، فبلغ منه الغيظ كل مبلغ، وحلف ليقتلن ابنه، وكان على ما ذكرناه من المرض، فكتب بعض أصحابه إلى الحسن يعرفه الحال، ويقول له: ابدأ به قبل أن يقتلك؛ فعاد الحسن إلى مكة، فلما وصلها قصد دار أبيه في نفر يسير فوجد على باب الدار جمعاً كثيراً، فأمرهم بالانصراف إلى منازلهم، ففارقوا الدار وعادوا إلى مساكنهم، ودخل الحسن إلى أبيه، فلما رآه أبوه شمته، وبالغ في ذمه وتهديده، فوثب إليه الحسن فخنقه لوقته، وخرج إلى الحرم الشريف، وأحضر الأشراف، وقال: إن أبي قد اشتد مرضه، وقد أمركم أن تحلفوا لي أن أكون أنا أميركم؛ فحلفوا له، ثم إنه أظهر تابوتاً ودفنه ليظن الناس أنه مات، وكان قد دفنه سراً.
فلما استقرت الإمارة بمكة له أرسل إلى أخيه الذي بقلعة الينبع على لسان أبيه يستدعيه، وكتم موت أبيه عنه، فلما حضر أخوه قتله أيضاً، واستقر أمره، وثبت قدمه، وفعل بأمير الحاج ما تقدم ذكره، فارتكب عظيماً: قتل أباه وعمه وأخاه في أيام يسيرة، لا جرم لم يمهله الله، سبحانه وتعالى، نزع ملكه، وجعله طريداً شريداً خائفاً يترقب. (5/320)
وقيل إن قتادة كان يقول شعراً، فمن ذلك أنه طلب ليحضر عند أمير الحاج، كما جرت عادة أمراء مكة، فامتنع، فعوتب من بغداد، فأجاب بأبيات شعر منها:
ولي كف ضرغام أدل ببطشها ... وأشري بها بين الورى وأبيع
تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها ... وفي وسطها للمجدبين ربيع
أأجعلها تحت الرحا ثم أبتغي ... خلاصاً لها؟ إني إذاً لرقيع!
وما أنا إلا المسك في كل بلدة ... يضوع، وأما عندكم فيضيع
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة استعاد المسلمون مدينة دمياط بالديار المصرية من الفرنج، وقد تقدم ذكرها مشروحاً مفصلاً.
وفيها، في صفر، ملك التتر مراغة وخربوها وأحرقوها وقتلوا أكثر أهلها ونهبوا أموالهم وسبوا حريمهم.
وسار التتر منها إلى همذان وحصروها، فقاتلهم أهلها وظفر بهم التتر منهم ما لا يحصى، ونهبوا البلد.
وساروا إلى أذربيجان فاعادوا النهب، ونهبوا ما بقي من البلاد، ولم ينهبوه أولاً.
ووصلوا إلى بيلقان من بلاد أران، فحصروها وملكوها وقتلوا أهلها حتى كادوا يفنونهم ونهبوا أموالهم، وساروا إلى بلاد الكرج من أذربيجان وأران، فلقيهم خلق كثير من الكرج فقاتلوهم وانهزم الكرج وكثر القتل فيهم ونهب أكثر بلادهم وقتل أهلها، وساروا من هناك إلى دربند شروان، فحصروا مدينة شماخي وملكوها، وقتلوا كثيراً من أهلها.
وساروا إلى بلد اللان واللكز ومن عندهم من الأمم، فأوقعوا، ورحلوا عن فقجاق، وأجلوهم عنها، واستولوا عليها، وساحوا في تلك الأرض حتى وصولا إلى بلاد الروس، وقد تقدم ذكر جميعه مستقصى، وإنما أوردناه هاهنا جملة ليعلم الذي كان في هذه السنة من حوادثهم.
وفيها توفي صديقنا أمين الدين ياقوت الكاتب الموصلي، ولم يكن في زمانه من يكتب ما يقاربه، ولا من يؤدي طريقة ابن البواب مثله؛ وكان ذا فضائل جمة من علم الأدب وغيره، وكان كثير الخير، نعم الرجل، مشهوراً في الدنيا، والناس متفقون على الثناء الجميل عليه والمدح له، ولهم فيه أقوال كثيرة نظماً ونثراً، فمن ذلك ما قاله نجيب الدين الحسين بن علي الواسطي من قصيدة يمدحه بها:
جامع شارد العلوم ولولا ... ه لكانت أم الفضائل ثكلى
ذو يراع تخاف سطوته الأس ... د وتعنو له الكتائب ذلاً
وإذا افتر ثغره عن سواد ... في بياض فالبيض والسمر خجلى
أنت بدر والكاتب ابن هلال ... كأبيه لا فخر فيمن تولى
ومنها:
إن يكن أولاً، فإنك بالتف ... ضيل أولى، لقد سبقت وصلى
وهي طويلة، والكاتب ابن هلال هو ابن البواب الذي هو أشهر من أن يعرف.
وفيها توفي جلال الدين الحسن، وهو من أولاد الحسن بن الصباح، الذي تقدم ذكره، صاحب الموت وكردكوه، وهو مقدم الإسماعيلية؛ وقد ذكرنا أنه كان قد أظهر شريعة الإسلام من الأذان والصلاة، وولي بعد ابنه علاء الدين محمد.


ثم دخلت سنة تسع عشرة وستمائة
ذكر خروج طائفة من قفجاق إلى أذربيخان وما فعلوه بالكرج وما كان منهم

في هذه السنة اجتمع طائفة كثيرة من القفجاق وفارقوا بلادهم لما استولى عليها التتر، وساروا إلى دربند شروان، وأرسلوا إلى صاحبه، واسمه رشيد، وقالوا له: إن التتر قد ملكوا بلادنا، ونهبوا أموالنا، وقد قصدناك لنقيم في بلادك، ونحن مماليك لك، ونفتح البلاد لك، وأنت سطاننا؛ فمنعهم من ذلك وخافهم، فأعادوا الرسالة إليه: إننا نحن نرهن عندك أولادنا ونساءنا على الطاعة والخدمة لك، والانقياد لحكمك؛ فلم يجبهم إلى ما طلبوا، فسألوه أن يمكنهم ليتزودوا من بلده، تدخل عشرة عشرة، فإذا اشتروا ما يحتاجون إليه فارقوا بلاده، فأجابهم إلى ذلك، فصاروا يدخلون متفرقين، ويشترون ما يريدون، ويخرجون. (5/321)
ثم إن بعض كبرائهم والمقدمين منهم جاء إلى رشيد وقال: إنني كنت في خدمة السلطان خوارزم شاه، وأنا مسلم، والدين يحملني على نصحك؛ اعلم أن قفجاق أعداؤك، ويريدون الغدر بك، فلا تمكنهم من المقام ببلادك، فأعطني عسكراً حتى أقاتلهم وأخرجهم من البلاد. ففعل ذلك، وسلم إليه طائفة من عسكره، وأعطاهم ما يحتاجون إليه من سلاح وغيره، فساروا معه، فأوقعوا بطائفة من قفجاق، فقتل منهم جماعة ونهب منهم، فلم يتحرك قفجاق لقتال بل قالوا: نحن مماليك الملك شروان شاه رشيد، ولولا ذلك لقاتلنا عسكره؛ فلما عاد ذلك المقدم القفجاقي ومعه عسكر رشيد سالمين، فرح بهم.
ثم إن قفجاق فارقوا موضعهم، فساروا ثلاثة أيام فقال ذلك القفجاقي لرشيد: أريد عسكراً أتبعهم؛ فأمر له من العسكر بما أراد، فسار يقفو أثر القفجاق، فأوقع بأواخرهم، وغنم منهم.
وقصده جمع كثير من قفجاق من الرجال والنساء يبكون، وقد جزوا شعورهم، ومعهم تابوت، وهم محيطون به يبكون حلوه، وقالوا له: إن صديقك فلاناً مات، وقد أوصى أن نحمله إليك فتدفنه في أي موضع شئت، ونكون نحن عندك؛ فحمله معه والذين يبكون عليه أيضاً، وعاد إلى شروان شاه رشيد، وأعلمه أن الميت صديق له، وقد حمله معه، وقد طلب أهله أن يكونوا عنده في خدمته، فأمر أن يدخلوا البلد، وأنزلهم فيه.
فكان أولئك الجماعة يسيرون مع ذلك المقدم، ويركبون بركوبه، ويصعدون معه إلى القلعة التي لرشيد، ويقعدون عنده، ويشربون معه هم ونساؤهم، فأحب رشيد امرأة ذلك الرجل الذي قيل له: إنه ميت، ولم يكن مات، وإنما فعلوا هكذا مكيدة حتى دخلوا البلد والذي أظهروا موته معهم في المجلس، ولا يعرفه رشيد، وهو من أكبر مقدمي قفجاق، فبقوا كذلك عدة أيام، فكل يوم يجيء جماعة من قفجاق متفرقين، فاجتمع بالقلعة منهم جماعة، وأرادوا قبض رشيد وملك بلاده، ففطن لذلك، فخرج عن القلعة من باب السر، وهرب ومضى إلى شروان. وملك قفجاق القلعة، وقالوا لأهل البلد: نحن خير لكم من رشيد؛ وأعادوا باقي أصحابهم إليهم، وأخذوا السلاح الذي في البلد جميعه، واستولوا على الأموال التي كانت لرشيد في القلعة، ورحلوا عن القلعة، وقصدوا قبلة، وهي للكرج، فنزلوا عليها وحصروها.
فلما سمع رشيد بمفارقتهم القلعة رجع إليها وملكها، وقتل من بها من قفجاق، ولم يشعر القفجاق الذين عند قبلة بذلك، فأرسلوا طائفة منهم إلى القلعة، فقتلهم رشيد أيضاً، فبلغ الخبر إلى القفجاق، فعادوا إلى دربند، فلم يكن لهم في القلعة طمع.
وكان صاحب قبلة، لما كانوا يحصرونه، قد أرسل إليهم، وقال لهم: أنا أرسل إلى ملك الكرج حتى يرسل إليكم الخلع والأموال، ونجتمع نحن وأنتم ونملك البلاد، فكفوا عن نهب ولايته أياماً، ثم إنهم مدوا أيديهم بالنهب والفساد، ونهبوا بلاد قبلة جميعها، وساروا إلى قرب كنجة من بلاد أران، وهي للمسلمين، فنزلوا هناك، فأرسل إليهم الأمير بكنجة، وهو مملوك لأوزبك صاحب أذربيجان اسمه كوشخرة، عسكراً فمنعهم من الوصول إلى بلاده، وسير رسولاً إليهم يقول لهم: غدرتم بصاحب شروان، وأخذتم قلعته، وغدرتم بصاحب قبلة، ونهبتم بلاده، فما يثق بكم أحد؛ فأجابوا: إننا ما جئنا إلا قصداً لخدمة سلطانكم، فمنعنا شروان شاه عنكم، فلهذا قصدنا بلاده، وأخذنا قلعته، ثم تركناها من غير خوف؛ وأما صاحب قبلة فهو عدوكم وعدونا، ولو أردنا أن نكون عند الكرج لما كنا جعلنا طريقنا على دربند شروان، فإنه أصعب وأشق وأبعد، وكنا جئنا إلى بلادهم على عادتنا ونحن نوجه الرهائن إليكم.
فلما سمع كوشخرة هذا سار إليهم، فسمع به قفجاق، فركب أميران منهم، هما مقدماهم، في نفر يسير، وجاءوا إليه ولقوه وخدموه، وقالوا له: قد أتيناك جريدة في قلة من العدد لتعلم أننا ما قصدنا إلا الوفاء والخدمة لسلطانكم، فأمرهم كوشخرة بالرحيل والنزول عند كنجة، وتزوج ابنه أحدهم، وأرسل إلى صاحبه وأزبك يعرفه حالهم، فأمر لهم بالخلع النزول بجبل كيلكون، ففعلوا ذلك. (5/322)
وخافهم الكرج، فجمعوا لهم ليكبسوهم، فوصل الخبر بذلك إلى كوشخرة أمير كنجة، فأخبر قفجاق، وأمرهم بالعود والنزول عند كنجة، فعادوا ونزلوا عندها، وسار أمير من أمراء قفجاق في جمع منهم إلى الكرج، فكبسهم، وقتل كثيراً منهم، وهزمهم، وغنم ما معهم، وأكثر القتل فيهم والأسر منهم، وتمت الهزيمة عليهم، ورجع قفجاق إلى جبل كيلكون، فنزلوا فيه كما كانوا.
فلما نزلوا أراد الأمير الآخر من أمراء قفجاق أن يؤثر في الكرج مثل ما فعل صاحبه، فسمع كوشخرة، فأرسل إليه ينهاه عن الحركة إلى أن يكشف له خبر الكرج، فلم يقف، فسار إلى بلادهم في طائفته، ونهب وخرب وأخذ الغنائم، فسار الكرج في طريق يعرفونها وسبقوه، فلما وصل إليهم قاتلوه، وحملوا عليه وعلى من معه على غرة وغفلة، فوضعوا السيف فيهم، وأكثروا القتل فيهم، واستنقذوا الغنائم منه، فعاد هو ومن معه على أقبح حالة، وقصدوا برذعة.
وأرسلوا إلى كوشخرة يطلبون أن يحضر عندهم هو بنفسه وعسكره ليقصدوا الكرج فيأخذوا بثأرهم منهم، فلم يفعل، وأخافهم، وقال: أنتم خالفتموني، وعملتم برأيكم، فلا أنجدكم بفارس واحد؛ فأرسلوا يطلبون الرهائن الذين لهم، فلم يعطهم، فاجتمعوا وأخذوا كثيراً من المسلمين عوضاً من الرهائن، فثأر بهم المسلمون من أهل البلاد، وقاتلوهم، فقتلوا منهم جماعة كثيرة، فخافوا، وساروا نحو شروان، وجازوا إلى بلد اللكز، فطمع الناس فيهم، المسلمون والكرج واللكز وغيرهم، فأفنوهم قتلاً ونهباً وأسراً وسبياً بحيث إن المملوك منهم كان يباع في دربند شروان بالثمن البخس.
ذكر نهب الكرج بيلقان
في هذه السنة، في شهر رمضان، سار الكرج من بلادهم إلى بلاد أران وقصدوا مدينة بيلقان، وكان التتر قد خربوها، ونهبوها كما ذكرناه قبل، فلما سرا التتر إلى بلاد قفجاق عاد من سلم من أهلها إليها، وعمروا ما أمكنهم عمارته من سورها.
فبينما هم كذلك إذ أتاهم الكرج ودخلوا البلد وملكوه. وكان المسلمون في تلك البلاد ألفوا من الكرج أنهم إذا ظفروا ببلد صانعوه بشيء من المال فيعودون عنهم، فكانوا أحسن الأعداء مقدرة؛ فلما كانت هذه الدفعة ظن المسلمون أنهم يفعلون مثل ما تقدم، فلم يبالغوا في الامتناع منهم، ولا هربوا من بين أيديهم، فلما ملك الكرج المدينة وضعوا السيف في أهلها، وفعلوا من القتل والنهب أكثر مما فعل بهم التتر.
هذا جميعه يجري، وصاحب بلاد أذربيجان أوزبك بن البهلوان بمدينة تبريز، ولا يتحرك في صلاح، ولا يتجه لخير بل قد قنع بالأكل وإدمان الشرب والفساد، فقبحه الله، ويسر للمسلمين من يقوم بنصرهم وحفظ بلادهم بمحمد وآله.
ذكر ملك بدر الدين قلعة شوش
في هذه السنة ملك بدر الدين، صاحب الموصل، قلعة شوش من أعمال الحميدية، وبينها وبين الموصل اثنا عشر فرسخاً.
وسبب ذلك أنها كانت هي وقلعة العقر متجاورتين لعماد الدين زنكي ابن أرسلان شاه، وكان بينهما من الخلف ما تقدم ذكره.
فلما كان هذه السنة سار زنكي إلى أذربيجان ليخدم صاحبها أوزبك ابن البهلوان، فاتصل به، وصار معه، وأقطعه إقطاعات، وأقام عنده، فسار بدر الدين إلى قلعة شوش فحاصرها، وضيق عليها، وهي على راس جبل عال فطال مقامه عليها لحصانتها، فعاد إلى الموصل، وترك عسكره محاصراً لها، فلما طال الأمر على من بها، ولم يروا من يرحله عنهم، ولا من ينجدهم، سلموها على قاعدة استقرت بينهم، من أقطاع وخلع وغير ذلك، فتسلمها نوابه في التاريخ، ورتبوا أمورها وعادوا إلى الموصل.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في العشرين من شعبان، ظهر كوكب في السماء في الشرق، كبير له ذؤابة طويلة غليظة، وكان طلوعه وقت السحر، فبقي كذلك عشرة أيام، ثم إنه ظهر أول الليل في الغرب مما يلي الشمال، فكان كل ليلة يتقدم إلى جهة الجنوب نحو عشرة أذرع في رأي العين، فلم يزل يقرب من الجنوب حتى صار غرباً محضاً، ثم صار غرباً مائلاً إلى الجنوب، بعد أن كان غرباً مما يلي الشمال، فبقي كذلك إلى آخر شهر رمضان من السنة ثم غاب.
وفيها توفي ناصر الدين محمود بن محمد قرا أرسلان، صاحب حصن كيفا وآمد، وكان ظالماً قبيح السيرة في ريعته. قيل: إنه كان يتظاهر بمذهب الفلاسفة في أن الأجساد لا تحشر؛ كذبوا لعنهم الله. ولما مات ملك ابنه الملك المسعود.

This site was last updated 07/28/11