Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ست وتسعين وخمسمائة سنة سبع وتسعين وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة575 وسنة576
سنة577 وسنة578
سنة579
سنة580 وسنة581
سنة582 وسنة583
سنة584
سنة585
سنة586
سنة587
سنة588
سنة589
سنة590 وسنة591
سنة592 وسنة593
سنة594
سنة595
سنة596 وسنة597
سنة598 وسنة599
سنة600
سنة601 وسنة602
سنة603
سنة604
سنة605 وسنة606
سنة607 وسنة608 وسنة609
سنة610 وسنة611 وسنة612
سنة613 وسنة614
سنة615
سنة616 وسنة617
سنة618 وسنة619
سنة620 وسنة621
سنة621

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ست وتسعين وخمسمائة
ذكر ملك العادل الديار المصرية

قد ذكرنا سنة خمس وتسعين حصر الأفضل والظاهر ولدي صلاح الدين دمشق، ورحيلها إلى رأس الماء، على عزم المقام بحوران إلى أن يخرج الشتاء، فلما أقاموا برأس الماء وجد العسكر برداً شديداً، لأن البرد في ذلك المكان في الصيف موجود، فكيف في الشتاء، فتغير العزم عن المقام، واتفقوا على أن يعود كل إنسان منهم إلى بلده، ويعودوا إلى الاجتماع، فتفرقوا تاسع ربيع الأول، فعاد الظاهر وصاحب حمص إلى بلادهما، وسار الأفضل إلى مصر، فوصل بلبيس، فأقام بها، ووصلته الأخبار بأن عمه الملك العادل قد سار من دمشق قاصداً مصر ومعه المماليك الناصرية، وقد حلفوه على أن يكون ولد الملك العزيز هو صاحب البلاد، وهو المدبر للملك، إلى أن يكبر، فساروا على هذا.
وكان عسكره بمصر قد تفرق عن الأفضل من الخشبي، فسار كل منهم إلى إقطاعه ليربعوا دوابهم، فرام الأفضل جمعهم من أطراف البلاد، فأعجله الأمر عن ذلك، ولم يجتمع منهم إلا طائفة يسيرة ممن قرب إقطاعه، ووصل العادل، فأشار بعض الناس على الأفضل أن يخرب سور بلبيس ويقيم بالقاهرة، وأشار غيرهم بالتقدم إلى أطراف البلاد، ففعل ذلك، فسار عن بلبيس، ونزل موضعاً يقال له السائح إلى طرف البلاد، ولقاء العادل قبل دخول البلاد سابع ربيع الآخر، فانهزم الأفضل، ودخل القاهرة ليلاً.
وفي تلك الليلة توفي القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني كاتب الإنشاء لصلاح الدين ووزيره، فحضر الأفضل الصلاة عليه، وسار العادل فنزل على القاهرة وحصرها، فجمع الأفضل من عنده من الأمراء واستشارهم، فرأى منهم تخاذلاً، فأرسل رسولاً إلى عمه في الصلح وتسليم البلاد إليه، وأخذ العوض عنها، وطلب دمشق، فلم يجبه العادل، فنزل عنها إلى حران والرها فمل يجبه، فنزل إلى ميافارقين وحاني وجبل جور، فأجابه إلى ذلك، وتحالفوا عليه، وخرج الأفضل من مصر ليلة السبت ثامن عشر ربيع الآخر، واجتمع بالعادل، وسار إلى صرخد، ودخل العادل إلى القاهرة يوم السبت ثامن عشر ربيع الآخر.
ولما وصل الأفضل إلى صرخد أرسل من تسلم ميافارقين وحاني وجبل جور، فامتنع نجم الدين أيوب ابن الملك العادل من تسليم ميافارقين، وسلم ما عداها، فترددت الرسل بين الأفضل والعادل في ذلك، والعادل يزعم أن ابنه عصاه، فأمسك عن المراسلة في ذلك لعلمه أن هذا فعل بأمر العادل.
ولما ثبتت قدم العادل بمصر قطع خطبة الملك المنصور ابن الملك العزيز في شوال من السنة وخطب لنفسه، وحاقق الجند في إقطاعاتهم، واعتراضهم في أصحابهم ومن عليهم من العسكر المقرر، فتغيرت لذلك نياتهم، فكان ما نذكره سنة سبع وتسعين إن شاء الله.(5/235)
ذكر وفاة خوارزم شاه
في هذه السنة، في العشرين من رمضان، توفي خوارزم شاه تكش بن ألب أرسلان، صاحب خوارزم وبعض خراسان والري وغيرها من البلاد الجبالية، بشهرستانة بين نيسابور وخوارزم. وكان قد سار من خوارزم إلى خراسان، وكان به خوانيق، فأشار عليه الأطباء بترك الحركة، فامتنع، وسار، فلما قارب شهرستانة اشتد مرضه ومات، ولما اشتد مرضه أرسلوا إلى ابنه قطب الدين محمد يستدعونه، ويعرفونه شدة مرض أبيه، فسار إليهم وقد مات أبوه، فولي الملك بعده، ولقب علاء الدين، لقب أبيه، وكان لقبه قطب الدين، وأمر فحمل أبوه ودفن بخوارزم في تربة عملها في مدرسة بناها كبيرة عظيمة، وكان عادلاً حسن السيرة، له معرفة حسنة وعلم، يعرف الفقه على مذهب أبي حنيفة، ويعرف الأصول.
وكان ولده علي شاه بأصفهان، فأرسل إليه أخوه خوارزم شاه محمد يستدعيه، فسار إليه، فنهب أهل أصفهان خزانته ورحله، فلما وصل إلى أخيه ولاه حرب أهل خراسان، والتقدم على جندها، وسلم إليه نيسابور، وكان هندوخان بن ملكشاه بن خوارزم شاه تكش يخاف عمه محمداً، فهرب منه، ونهب كثيراً من خزائن جده تكش لما مات، وكان معه، وسار إلى مرو.
ولما سمع غياث الدين ملك غزنة بوفاة خوارزم شاه أمر أن لا تضرب نوبته ثلاثة أيام، وجلس للعزاء على ما بينهما من العداوة والمحاربة، فعل ذلك عقلاً منه ومروءة، ثم إن هندوخان جمع جمعاً كثيراً يخرسان، فسير إليه عمه خوارزم شاه محمد جيشاً مقدمهم جقر التركي، فلما سمع هندوخان بمسيرهم هرب عن خراسان وسار إلى غياث الدين يستنجده على عمه، فأكرم لقاءه وإنزاله، وأقطعه، ووعده النصرة، فأقام عنده، ودخل جقر مدينة مرو، وبها والدة هندوخان وأولاده، فاستظهر عليهم، وأعلم صاحبه، فأمره بإرسالهم إلى خوارزم مكرمين؛ فلما سمع غياث الدين ذلك أرسل إلى محمد بن جربك، صاحب الطالقان، يأمره أن يرسل إلى جقر يتهدده، ففعل ذلك وسار من الطالقان، فأخذ مرو الروذ، والخمس قرى وتسمى بالفارسية بنج ده، وأرسل إلى جقر يأمره بإقامة الخطبة بمرو لغياث الدين، أو يفارق البلد، فأعاد الجواب يتهدد ابن جربك ويتوعده، وكتب إليه سراً يسأله أن يأخذ له أماناً من غياث الدين ليحضر خدمته، فكتب إلى غياث الدين بذلك، فلما قرأ كتابه علم أن خوارزم شاه ليس له قوة، فلهذا طلب جقر الانحياز إليه، فقوي طمعه في البلاد، وكتب إلى أخيه شهاب الدين يأمره بالخوارج إلى خراسان، ليتفقا على أخذ بلاد خوارزم شاه محمد.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في جمادى الآخرة، وثب الملاحدة الإسماعيلية على نظام الملك مسعود بن علي، وزير خوارزم شاه تكش، فقتلوه، وكان صالحاً كثير الخير، حسن السيرة، شافعي المذهب، بنى للشافعية بمرو جامعاً مشرفاً على جامع الحنفية، فتعصب شيخ الإسلام وهو مقدم الحنابلة بها، قديم الرياسة، وجمع الأوباش، فأحرقه. فأنفذ خوارزم شاه فأحضر شيخ الإسلام وجماعة ممن سعى في ذلك، فأغرمهم مالاً كثيراً.
وبنى الوزير أيضاَ مدرسة عظيمة بخوارزم وجامعاً وجعل فيها خزانة كتب، وله آثار حسنة بخراسان باقية، لوما مات خلف ولداً صغيراً، فاستوزره خوارزم شاه رعاية لحق أبيه، فأشير عليه أن يصلح له إلى أن أكبر، فإن كنت أصلح فأنا المملوك؛ فقال خوارزم شاه: لست أعفيك، وأنا وزيرك، فكن مراجعي في الأمور، فإنه لا يقف منها شيء. فاستحسن الناس هذا، ثم إن الصبي لم تطل أيامه، فتوقبل خوارزم شاه بيسير.
وفي هذه السنة، في ربيع الأول، توفي شيخنا أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد بن صدقة بن الخضر بن كليب الحراني المقيم ببغداد وله ست وتسعون سنة وشهران، وكان عالي الإسناد في الحديث، وكان ثقة صحيح السماع.
وفي ربيع الآخر منها توفي القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني الكاتب المشهور، لم يكن في زمانه أحسن كتابة منه، ودفن بظاهر مصر بالقرافة، وكان ديناً كثير الصدقة والعبادة، وله وقوف كثيرة على الصدقة وفك الأسارى، وكان يكثر الحج والمجاورة مع اشتغاله بخدمة السلطان، وكان السلطان صلاح الدين يعظمه ويحترمه ويكرمه، ويرجع إلى قوله، رحمهما الله.


ثم دخلت سنة سبع وتسعين وخمسمائة
ذكر ملك الملك الظاهر صاحب حلب منبج

وغيرها من الشام وحصره هو وأخوه الأفضل مدينة دمشق وعودهما عنها(5/236)
قد ذكرنا قبل ملك العادل ديار مصر، وقطعه خطبة الملك المنصور ولد الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأنه لما فعل ذلك لم يرضه الأمراء المصريون، وخبثت نياتهم في طاعته، فراسلوا أخويه: الظاهر بحلب، والأفضل بصرخد، وتكررت المكاتبات والمراسلات بينهم، يدعونهم إلى قصد دمشق وحصرها ليخرج الملك العادل إليهم، فإذا خرج إليهم من مصر أسلموه، وصاروا معهما، فيملكان البلاد.
وكثر ذلك، حتى فشا الخبر واتصل بالملك العادل، وانضاف إلى ذلك أن النيل لم يزد بمصر الزيادة التي تركب الأرض ليزرع الناس، فكثر الغلاء فضعفت قوة الجند، وكان فخر الدين جركس قد فارق مصر إلى الشامخ هو وجماعة من المماليك الناصرية لحصار بانياس ليأخذها لنفسه بأمر العادل، وكانت لأمير كبير تركي اسمه بشارة، قد اتهمنه العادل، فأمر جركس بذلك.
وكان أمير من أمراء العادل يعرف بأسامة قد حج هذه السنة، فلما عاد من الحج، وقارب صرخد، نزل الملك الأفضل، فلقيه وأكرمه، ودعاه إلى نفسه، فأجابه وحلف له، وعرفه الأفضل جلية الحال، وكان أسامة من بطانة العادل، وإنما حلف لينكشف له الأمر، فلما فارق الأفضل أرسل إلى العادل، وهو بمصر، يعرفه الخبر جميعه، فأرسل إلى ولده الذي بدمشق يأمره بحصر الأفضل بصرخد، وكتب إلى إياس جركس وميمون القصري، صاحب بلبيس، وغيرهما من الناصرية، يأمرهم الاجتماع مع ولده على حصر الأفضل.
وسمع الأفضل الخبر، فسار إلى أخيه الظاهر بحلب مستهل جمادى الأولى من السنة، ووصل إلى حلب عاشر الشهر، وكان الظاهر قد أرسل أميراً كبيراً من أمرائه إلى عمه العادل، فمنعه العادل من الوصول إليه، وأمره بأن يكتب رسالته، فلم يفعل وعاد لوقته، فتحرك الظاهر لذلك وجمع عسكره وقصد منبج فملكها للسادس والعشرين من رجب، وسار إلى قلعة نجم وحصرها، فتسلمها سلخ رجب.
وأما ابن العادل المقيم بدمشق فإنه سار إلى بصرى، وأرسل إلى جركس ومن معه، وهم على بانياس يحصرونها، يدعوهم إليه، فلم يجيبوه إلى ذلك بل غالطوه، فلما طال مقامه على بصرى عاد إلى دمشق، وأرسل الأمير أسامة إليهم يدعوهم إلى مساعدته، فاتفق أنه جرى بينه وبين البكى الفارس، بعض المماليك الكبار الناصرية، منافرة فأغلظ له البكى القول، وتعدى إلى الفعل باليد، وثار العسكر جميعه على أسامة، فاستذم بميمون، فأمنه وأعاده إلى دمشق، واجتمعوا كلهم عند الملك الظافر خضر بن صلاح الدين، وأنزلوه من صرخد، وأرسلوا إلى الملك الظاهر والأفضل يحثونهما على الوصول إليهم، والملك الظاهر يتربص ويتعوق، فوصل من منبج إلى حماة في عشرين يوماً، وأقام على حماة يحصرها وبها صاحبها ناصر الدين محمد بن تقي الدين إلى تاسع عشر شهر رمضان، فاصطلحا وحمل له ابن تقي الدين ثلاثين ألف دينار صورية، وساروا منها إلى حمص، ثم سارا منها إلى دمشق على طريق بعلبك، فنزلوا عليها عند مسجد القدم، فلما نزلوا على دمشق أتاهم المماليك الناصرية مع الملك الظافر خضر بن صلاح الدين، وكانت القاعدة استقرت بني الظاهر وأخيه الأفضل أنهم إذا ملكوا دمشق تكون بيد الأفضل، وكانت القاعدة استقرت بني الظاهر وأخيه الأفضل أنهم إذا ملكوا دمشق تكون بيد الأفضل، ويسيرون إلى مصر، فإذا ملكوها تسلم الظاهر دمشق، فيبقى الشام جميعه له، وتبقى مصر للأفضل، وسلم الأفضل صرخد إلى زين الدين قراجة مملوك والده ليحضر في خدمته، وأنزل والدته وأهله منها وسيرهم إلى حمص، فأقاموا عند أسد الدين شيركوه صاحبها.(5/237)
وكان الملك العادل قد سار من مصر إلى الشام، فنزل على مدينة نابلس وسير جمعاً من العسكر إلى دمشق ليحفظها، فوصلوا قبل وصول الظاهر والأفضل، وحضر فخر الدين جركس وغيره من الناصرية عند الظاهر، وزحفوا إلى دمشق وقاتلوها رابع عشر ذي القعدة، واشتد القتال عليها، فالتصق الرجل بالسور، فأدركهم الليل، فعادوا وقد قوي الطمع في أخذها، ثم زحفوا إليها مرة ثانية وثالثة، فلم يبق إلا ملكها، لأن العسكر صعد إلى سطح خان ابن المقدم، وهو ملاصق السور، فلو لم يدركهم الليل لملكوا البلد؛ فلما أدركهم الليل، وهم عازمون على الزحف بكرة، وليس لهم عن البلد مانع، حسد الظاهر أخاه الأفضل، فأرسل إليه يقول له تكون دمشق له وبيده ويسير العساكر معه إلى مصر. فقال له الأفضل، قد علمت أن والدتي وأهلي، وهم أهلك أيضاً، على الأرض، ليس لهم موضع يأوون إليه، فاحسب أن هذا البلد لك تعيرناه ليسكنه أهلي هذه المدة إلى أن يملك مصر.
فلم يجبه الظاهر إلى ذلك، ولج، فلما رأى الأفضل ذلك الحال قال للناصرية وكل من جاء إليهم من الجند: إن كنتم جئتم إلي فقد أذنت لكم في العود إلى العادل، وإن كنتم جئتم إلى أخي الظاهر فأنتم وهو أخبر، وكان الناس كلهم يريدون الأفضل، فقالوا: ما نريد سواك، والعادل أحب إلينا من أخيك؛ فأذن لهم في العود، فهرب فخر الدين جركس وزين الدين قراجة الذي أعطاه الأفضل صرخد، فمنهم من دخل دمشق، ومنهم من عاد إلى إقطاعه، فلما انفسخ الأمر عليهم عادوا إلى تجديد الصلح مع العادل، فترددت الرسل بينهم واستقر الصلح على أن يكون للظاهر منبج، وأفامية وكفر طاب، وقرى معينة من المعرة، ويكون للأفضل سميساط، وسروج، ورأس عين، وحملين، ورحلوا عن دمشق أول المحرم سنة ثمان وتسعين، فقصد الأفضل حمص فأقام بها، وسار الظاهر إلى حلب، ووصل العادل إلى دمشق تاسع المحرم، وسار الأفضل إليه من حمص، فاجتمع به بظاهر دمشق، وعاد من عنده إلى حمص، وسار منها ليتسلم سميساط، فتسلمها، وتسلم باقي ما استقر له: رأس عين وسروج وغيرهما.
ذكر ملك غياث الدين وأخيه ما كان لخوارزم شاه بخراسان
قد ذكرنا مسير محمد بن خرميل من الطلقان. واستيلاء على مرو الروذ وسؤال جقر اتركي نائب علاء الدين محمد خوارزم شاه بمرو أن يكون في جملة عسكر غياث الدين، ولما وصل كتاب ابن خرميل إلى غياث الدين في معنى جقر، علم أن هذا إنما دعاه إلى الانتماء إليهم ضعف صاحبه، فأرسل إلى أخيه شهاب الدين يستدعيه إلى خراسان، فسار من غزنة في عساكره وجنوده وعدته وما يحتاج إليه.
وكان بهراة الأمير عمر بن محمد المرغني نائباً عن غياث الدين، وكان يكره خروج غياث الدين إلى خراسان، فأحضره غياث الدين واستشاره، فأشار بالكف عن قصدها، وترك المسير إليها، فأنكر عليه ذلك، و أراد إبعاده عنه، ثم تركه، ووصل شهاب الدين في عساكره وعساكر سجستان وغيرها في جمادى الأولى من هذه السنة، فلما وصلوا إلى ميمنة، وهي قرية بين الطالقان وكرزيان، وصل إلى شهاب الدين كتاب جقر مستحفظ مرو، يطلبه ليسلمها إليه، فاستأذن أخاه غياث الدين، فأذن له، فسار إليها، فخرج أهلها مع العسكر الخوارزمي وقاتلوه، فأمر أصحابه بالحملة عليهم والجد في قتالهم، فحملوا عليهم، فأدخلوهم البلد، وزحفوا بالفيلة إلى أن قاربوا السور، فطلب أهل البلد الأمان، فأمنهم وكف الناس عن التعرض إليهم، وخرج جقر إلى شهاب الدين فوعده الجميل.
ثم حضر غياث الدين إلى مرو بعد فتحها، فأخذ جقر وسيره إلى هراة مكرماً، وسلم مرو إلى هندوخان بن ملكشاه بن خوارزم شاه تكش، وقد ذكرنا هربه من عمه خوارزم شاه محمد بن تكش إلى غياث الدين، ووصاه بالإحسان إلى أهلها.(5/238)
ثم سار غياث الدين إلى مدينة سرخس، فأخذها صلحاً، وسلمها إلى الأمير زنكي بن مسعود، وهو من أولاد عمه، وأقطعه معها نسا وأبيورد؛ ثم سار بالعساكر إلى طوس، فأراد الأمير الذي بها أن يمتنع فيها ولا يسلمها، فأغلق باب البلد ثلاثة أيام، فبلغ الخبز ثلاثة أمناء بدينار ركني، فضج أهل البلد عليه، فأرسل إلى غياث الدين يطلب الأمان، فأمنه، فخرج إليه، فخلع عليه وسيره إلى هراة؛ ولما ملكها أرسل إلى علي شاه بن خوارزم شاه تكش، وهو نائب أخيه علاء الدين. وكان مع علي شاه عسكر من خوارزم شاه، فاتفقوا على الامتناع من تسليم البلد، وحصنوه، وخربوا ما بظاهره من العمارة، وقطعوا الأشجار. وسار غياث الدين إلى نيسابور، فوصل إليها أوائل رجب، وتقدم عسكر أخيه شهاب الدين إلى القتال؛ فلما رأي غياث الدين ذلك قال لولده محمود: قد سبقنا عسكر غزنة بفتح مرو، ومن يريدون أن يفتحوا نيسابور، فيحصلون بالاسم، فاحمل إلى البلد، ولا ترجع حتى تصل إلى السور، فحمل، وحمل معه وجوه الغورية، فلم يردهم أحد من السور، حتى اصعدوا علم غياث الدين إليه، فلما رأى شهاب الدين علم أخيه على السور قال لأصحابه: اقصدوا بنا هذه الناحية، واصعدوا السور من هاهنا؛ وأشار إلى مكان فيه، فسقط السور منهدماً، فضج الناس بالتكبير، وذهل الخوارزميون وأهل البلد، ودخل الغورية البلد، وملكوه عنوة، ونهبوه ساعة من نهار، فبلغ الخبر إلى غياث الدين فأمر بالنداء: من نهب مالاً أو أذى أحداً فدمه حلال؛ فأعاد الناس ما نهبوه عن آخره.
ولقد حدثني بعض أصدقائنا من التجار، وكان بنيسابور في هذه الحادثة: نهب من متاعي شيء من جملته سكر، فلما سمع العسكر النداء ردوا جميع ما أخذوا مني، وبقي لي بساط وشيء من السكر، فرأيت السكر مع جماعة، فطلبته منهم، فقالوا: أما السكر فأكلناه، فنسألك ألا يسمع أحد، وإن أردت ثمنه أعطيناك؛ فقلت: أنتم في حل منه؛ ولم يكن البساط مع أولئك، قال: فمشيت إلى باب البلد مع النظارة، فرأيت البساط الذي لي قد ألقي عند باب البلد لم يجسر أحد على أن يأخذه، فأخذته وقلت: هذا لي؛ فطلبوا مني من يشهد به، فأحضرت من شهد لي وأخذته.
ثم إن الخوارزميين تحصنوا بالجامع، فأخرجهم أهل البلد، فأخذهم الغورية ونهبوا ما لهم، وأخذ علي شاه بن خوارزم شاه وأحضر عند غياث الدين رجلاً، فأنكر ذلك على من أحضره، وعظم الأمر فيه، وحضرت داية كانت لعلي شاه، وقالت لغياث الدين: أهكذا يفعل بأولاد الملوك؟ فقال: لا! بل هكذا، وأخذ بيده، وأقعده معه على السرير، وطيب نفسه، وسير جماعة الأمراء الخوارزمية إلى هراة تحت الاستظهار، وأحضر غياث الدين ابن عمه، وصهره على ابنته، ضياء الدين محمد بن أبي علي الغوري، وولاه حرب خراسان وخراجها، ولقبه علاء الدين، وجعل معه وجوه الغورية، ورحل إلى هراة، وسلم علي شاه إلى أخيه شهاب الدين، وأحسن إلى أهل نيسابور وفرق فيهم مالاً كثيراً.
ثم رحل بعده شهاب الدين إلى ناحية قهستان، فوصل إلى قرية، فذكر له أن أهلها إسماعيلية، فأمر بقتل المقاتلة، ونهب الأموال، وسبي الذراري، وخرب القرية فجعلها خاوية على عروشها، ثم سار إلى كناباد وهي من المدن التي جميع أهلها إسماعيلية، فنزل عليها وحصرها، فأرسل صاب قهستان إلى غياث الدين يشكو أخاه شهاب الدين، ويقول: بيننا عهد، فما الذي بدا منا حتى تحاصر بلدي؟ واشتد خوف الإسماعيلية الذين بالمدينة من شهاب الدين، فطلبوا الأمان ليخرجوا منها، فأمنهم، وأخرجهم وملك المدينة وسلمها إلى بعض الغورية، فأقام بها الصلاة، وشعار الإسلام، ورحل شهاب الدين فنزل على حصن آخر للإسماعيلية، فوصل إليه رسول أخيه غياث الدين، فقال الرسول: معي تقدم من السلطان، فلا يجري حرد إن فعلته؟ فقال: لا فقال: إنه يقول لك ما لك ولرعيتي، ارحل، قال: لا أرحل! قال: إذن أفعل ما أمرني. قال: افعل؛ فسل سيفه وقطع أطناب سرادق شهاب الدين، وقال: ارحل بتقدم السلطان، فرحل شهاب الدين والعسكر وهو كاره، وسار إلى بلد الهند، ولم يقم بغزنة غضباً لما فعله أخوه معه.
ذكر قصد نور الدين بلاد العادل والصلح بينهما (5/239)
في هذه السنة أيضاً تجهز نور الدين أرسلان شاه، صاحب الموصل، وجمع عساكره وسار إلى بلاد الملك العادل بالجزيرة: حران والرها؛ وكان سبب حركته أن الملك العادل لما ملك مصر، على ما ذكرناه قبل، اتفق نور الدين والملك الظاهر، صاحب حلب وصاحب ماردين وغيرهما، على أن يكونوا يداً واحدة، متفقين على منع العادل عن قصد أحدهم، فلما تجددت حركة الأفضل والظاهر أرسلا إلى نور الدين ليقصد البلاد الجزرية، فسار عن الموصل في شعبان من هذه السنة، وسار معه ابن عمه قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي، صاحب سنجار ونصيبين، وصاحب ماردين، ووصل إلى رأس عين، وكان الزمان قيظاً، فكثرت الأمراض في عسكره.
وكان بحران ولد العادل يلقب بالملك الفائز ومعه عسكر يحفظ البلاد، فلما وصل نور الدين إلى رأس عين جاءته رسل الفائز ومن معه من أكابر الأمراء يطلبون الصلح ويرغبون فيه، وكان نور الدين قد سمع بأن الصلح بدأ يتم بين الملك العادل والملك الظاهر والأفضل، وانضاف إلى ذلك كثرة الأمراض في عسكره، فأجاب إليه، وحلف الملك لفائز ومن عنده من أكابر الأمراء عل القاعدة التي استقرت، وحلفوا له أنهم يحلفون الملك العادل له، فإن امتنع كانوا معه عليه، وحلف هو للملك العادل.
وسارت الرسل من عنده ومن عند ولده في طلب اليمين من العادل، فأجاب إلى ذلك، وحلف له، واستقرت القاعدة، وأمنت البلاد وعاد نور الدين إلى الموصل في ذي القعدة من السنة.
ذكر ملك شهاب الدين نهرواله
لما سار شهاب الدين من خراسان، على ما ذكرناه، لم يقم بغزنة، وقصد بلاد الهند، وأرسل مملوكه قطب الدين أيبك إلى نهرواله، فوصلها سنة ثمان وتسعين، فلقيه عسكر الهنود، فقاتلوه قتالاً شديداً، فهزمهم أيبك، واستباح معسكرهم، وما لهم فيه من الدواب وغيرها، وتقدم إلى نهرواله فملكها عنوة، وهرب ملكها، فجمع وحشد، فكثر جمعه.
وعلم شهاب الدين أنه لا يقدر على حفظها إلا بأن يقيم هو فيها ويخليها من أهلها، ويتعذر عليه ذلك، فإن البلد عظيم، هو أعظم بلاد الهند، وأكثرهم أهلاً، فصالح صاحبها على مال يؤديه إليه عاجلاً وآجلاً، وأعاد عساكره عنها وسلمها إلى صاحبها.
ذكر ملك ركن الدين ملطية من أخيه وأرزن الروم
في هذه السنة، في شهر رمضان، ملك ركن الدين سليمان بن قلج أرسلان مدينة ملطية، وكانت لأخيه معز الدين قيصر شاه، فسار إليه وحصره أياماً وملكها، وسار منها إلى أرزن الروم، وكانت لولد الملك ابن محمد بن صلتق، وهم بيت قديم قد ملكوا أرزن الروم هذه مدة طويلة، فلما سار إليها وقاربها خرج صاحبها إليه ثقة به ليقرر معه الصلح على قاعدة يؤثرها ركن الدين، فقبض عليه واعتقله عنده وأخذ البلد، وكان هذا آخر أهل بيته الذين ملكوا، فتبارك الله الحي القيوم الذي لا يزول ملكه أبداً سرمداً.
ذكر وفاة سقمان صاحب آمد وملك أخيه محمود
في هذه السنة توفي قطب الدين سقمان بن محمد بن قرا أرسلان بن داود بن سقمان، صاحب آمد وحصن كيفا، سقط من سطح جوسق كان له بظاهر حصن كيفا فمات، وكان شديد الكراهة لأخيه هذا، والنفور عنه، قد أبعده وأنزله حصن منصور في آخر بلادهم، واتخذ مملوكاً اسمه إياس، فزوجه أخته، وأحبه حباً شديداً، وجعله ولي عهده، فلما توفي ملك بعده عدة أيام، وتهدد وزيراً كان لقطب الدين، وغيره من أمراء الدولة، فأرسلوا إلى أخيه محمود سراً يستدعونه، فسار مجداً، فوصل إلى آمد وقد سبقه إليها إياس مملوك أخيه، فلم يقدم على الامتناع، فتسلم محمود البلاد جميعها وملكها، وحبس المملوك فبقي مدة محبوساً، ثم شفع له صاحب بلاد الروم، فأطلق من الحبس، وسار إلى الروم، فصار أميراً من أمراء الدولة.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة اشتد الغلاء بالبلاد المصرية لعدم زيادة النيل، وتعذرت الأقوات حتى أكل الناس الميتة، وأكل بعضهم بعضاً، ثم لحقهم عليه وباء وموت كثير أفنى الناس.
وفي شعبان منها تزلزلت الأرض بالموصل، وديار الجزيرة كلها، والشام، ومصر، وغيرها، فأثرت في الشام آثاراً قبيحة، وخربت كثيراً من الدور بدمشق، وحمص، وحماة، وانخسفت قرية من قرى بصرى، وأثرت في الساحل الشامي أثراً كثيراً، فاستولى الخراب على طرابلس، وصور، وعكا، ونابلس، وغيرها من القلاع، ووصلت الزلزلة إلى بلاد الروم، وكانت بالعراق يسيرة لم تهدم دوراً. (5/240)
وفيها ولد ببغداد طفل له رأسان، وذلك أن جبهته مفروقة بمقدار ما يدخل فيها ميل.
وفي هذه السنة، في شهر رمضان، توفي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي الحنبلي الواعظ ببغداد، وتصانيفه مشهورة، وكان كثير الوقيعة في الناس لا سيما في العلماء المخالفين لمذهبه والموافقين له، وكان مولده سنة عشر وخمسمائة.
وفيه أيضاً توفي عيسى بن نصير النميري الشاعر، وكان حسن الشعر، وله أدب وفضل، وكان موته ببغداد.
وفيها توفي العماد أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن أله، أوله باللام المشددة، وهو العماد الكاتب الأصفهاني، كتب لنور الدين محمود ابن زنكي ولصلاح الدين يوسف بن أيوب، رضي الله عنهما، وكان كاتباً مفلقاً، قادراً على القول.
وفيها جمع عبد الله بن حمزة العلوي المتغلب على جبال اليمن جموعاً كثيرة فيها اثنا عشر ألف فارس، ومن الرجالة ما لا يحصى كثرة، وكان قد انضاف إليه من جند المعز بن إسمعيل بن سيف الإسلام طغدكين بن أيوب، صاحب اليمن، خوفاً منه، وأيقنوا بملك البلاد، واقتسموها، وخافهم ابن سيف الإسلام خوفاً عظيماً، فاجتمع قواد عسكر ابن حمزة ليلاً ليتفقوا على رأي يكون العمل بمقتضاه، وكانوا اثني عشر قائداً فنزلت عليهم صاعقة أهلكتهم جميعهم، فأتى الخبر ابن سيف الإسلام في باقي الليلة بذلك، فسار إليهم مجداً فأوقع بالعسكر المجتمع، فلم يثبتوا له، وانهزموا بين يديه، ووضع السيف فيهم، فقتل منهم ستة آلاف قتيل أو أكثر من ذلك وثبت ملكه واستقر بتلك الأرض.
وفيها وقع في بني عنزة بأرض الشراة، بين الحجاز واليمن، وباء عظيم، وكانوا يسكنون في عشرين قرية، فوقع الوباء في ثماني عشرة قرية، فلم يبق منهم أحد. وكان الإنسان إذا قرب من تلك القرى يموت ساعة ما يقاربها، فتحاماها الناس، وبقيت إبلهم وأغنامهم لا مانع لها، وأما القريتان الأخريان فلم يمت فيهما أحد، ولا أحسوا بشيء مما كان فيه أولئك.

This site was last updated 07/28/11