Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة سبع وسبعين وخمسمائة سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة575 وسنة576
سنة577 وسنة578
سنة579
سنة580 وسنة581
سنة582 وسنة583
سنة584
سنة585
سنة586
سنة587
سنة588
سنة589
سنة590 وسنة591
سنة592 وسنة593
سنة594
سنة595
سنة596 وسنة597
سنة598 وسنة599
سنة600
سنة601 وسنة602
سنة603
سنة604
سنة605 وسنة606
سنة607 وسنة608 وسنة609
سنة610 وسنة611 وسنة612
سنة613 وسنة614
سنة615
سنة616 وسنة617
سنة618 وسنة619
سنة620 وسنة621
سنة621

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة سبع وسبعين وخمسمائة
ذكر غزاة إلى بلد الكرك من الشام

في هذه السنة سار فرخشاه نائب صلاح الدين بدمشق إلى أعمال الكرك ونهبها.
وسبب ذلك أن البرنسن صاحب الكر، كان من شياطين الفرنج ومردتهم، وأشدهم عداوة للمسلمين، فتجهز ، وجمع عسكره ومن أمكنه الجمع، وعزم على المسير في البر إلى تيماء، ومنها إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، للاستيلاء على تلك النواحي الشريفة، فسمع عز الدين فرخشاه ذلك، فجمع العساكر الدمشقية وسار إلى بلده ونهبه وخربه، وعاد إلى طرف بلادهم، وأقام ليمنع البرنس من بلاد الإسلام، فامتنع بسببه عن مقصده، فلما طال مقام كل واحد منهم في مقابلة الآخر علم البرنس أن المسلمين لا يعودون حتى يفرق جمعه، ففرقهم وانقطع طمعه من الحركة، فعاد فرخشاه إلى دمشق، وكفى الله المؤمنين شر الكفار.
ذكر تلبيس ينبغي أن يحتاط من مثله (5/149)
كان سيف الدولة مبارك بن كامل بن منقذ الكناني ينوب عن شمس الدولة أخي صلاح الدين باليمن وتحكم في الأموال والبلاد بعد أن فارقها شمس الدولة،كما ذكرنا، وكان هواه بالشام لأنه وطنه، فأرسل إلى شمس الدولة يطلب الإذن له المجيء إليه، فأذن له في المجيء، فاستناب بزبيد أخاه حطان ابن كامل بن منقذ الكناني، وعاد إلى شمس الدولة، وكان معه بمصر. فمات شمس الدولة، وبقي مع صلاح الدين فقيل عنه: إنه أخذ أموال اليمن وادخرها، وسعى به أعداؤه، فلم يعارضه صلاح الدين.
فلما كان هذه السنة وصلاح الدين بمصر اصطنع سيف الدولة طعاماً وعمل دعوة كبيرة، ودعا إليها أعيان الدولة الصلاحية بقرية تسمى العدوية. وأرسل أصحابه يتجهزون من البلد، ويشترون ما يحتاجون إليه من الأطعمة وغيرها، فقيل لصلاح الدين أن ابن منقذ يريد الهرب، وأصحابه يتزودون له، ومتى دخل اليمن أخرجه عن طاعتك؛ فأرسل صلاح الدين فأخذه والناس عنده وحبسه، فلما سمع صلاح الدين جلية الحال علم أن الحيلة تمت لأعدائه في قبضه، فخفف ما كان عنده عليه، وسهل أمره وصانعه على ثمانين ألف دينار مصرية، سوى ما لحقها من الحمل لأخوة صلاح الدين وأصحابه وأطلقه وأعاده إلى منزلته، وكان أديباً شاعراً.
ذكر إرسال صلاح الدين العساكر إلى اليمن
في هذه السنة سير صلاح الدين جماعة من أمرائه منهم صارم الدين قتلغ أبه، والي مصر، إلى اليمن، للاختلاف الواقع بها بين نواب أخيه شمس الدولة، وهم عز الدين عثمان بن الزنجيلي، والي عدن، وحطان بن منقذ والي زبيد وغيرهما، فإنهم لما بلغهم وفاة صاحبهم اختلفوا وجرت بين عز الدين عثمان وبين حطان حرب، وكل واحد منهما يروم أن يغلب الآخر على ما بيده، واشتد الأمر، فخاف صلاح الدين أن يطمع أهل البلاد فيها بسبب الاختلاف بين أصحابه وأن يخرجوهم من البلاد، فأرسل هؤلاء الأمراء إليها. واستولى قتلغ أبه على زيبد وأزال حطان عنها.
ثم مات قتلغ أبه، فعاد حطان إلى إمارة زبيد، وأطاعه الناس لجوده وشجاعته.
ذكر وفاة الملك الصالح وملك ابن عمه عز الدين مسعود مدينة حلب
في هذه السنة، في رجب، توفي الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود صاحب حلب بها، وعمره نحو تسع عشرة سنة، ولما اشتد مرضه وصف له الأطباء شرب الخمر للتداوي، فقال: لا أفعل حتى أستفتي الفقهاء؛ فاستفتى، فأفتاه فقيه من مدرسي الحنفية بجواز ذلك، فقال له: أرأيت إن قدر الله تعالى بقرب الأجل أيؤخره شرب الخمر؟ فقال له الفقيه: لا فقال: والله لا لقيت الله سبحانه وقد استعملت ما حرمه علي؛ ولم يشربها.
فلما أيس من نفسه، أحضر الأمراء، وسائر الأجناد، ووصاهم بتسليم البلد إلى ابن عمه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي، واستحلفهم على ذلك، فقال له بعضهم: إن عماد الدين ابن عمك أيضاً، وهو زوج أختك، وكان والدك يحبه ويؤثره، وهو تولى تربيته، وليس له غير سنجار، فلو أعطيته البلد لكان أصلحن وعز الدين له من البلاد من نهر الفرات إلى همذان، ولا حاجة به إلى بلدك، فقال له: إن هذا لم يغب عني، ولكن قد علمتم أن صلاح الدين قد تغلب على عامة بلاد الشام سوى ما بيدي، ومتى سلمت حلب إلى عماد الدين يعجز عن حفظها وإن ملكها صلاح الدين لم يبق لأهانا معه مقام، وإن سلمتها إلى عز الدين أمكنه حفظها بكثرة عساكره وبلاده.
فاستحسنوا قوله وعجبوا من جودة فطنته مع شدة مرضه وصغر سنه.
ثم مات، وكان حليماً كريماً عفيف اليد والفرج واللسان، ملازماً للدين، لا يعرف له شيء مما يتعاطاه الملوك والشباب من شرب خمر أو غيره، حسن السيرة في رعيته عادلاً فيهم. (5/150)
ولما قضى نحبه أرسل الأمراء إلى أتابك عز الدين يستدعونه إلى حلب، فسار هو ومجاهد الدين قايماز إلى الفرات، وأرسل فأحضر الأمراء عنده من حلب،فحضروا، وساروا جميعاً إلى حلب، ودخلها في العشرين من شعبان، وكان صلاح الدين حينئذ بمصر، ولولا ذلك لزاحمهم عليها وقاتلهم، فلما اجتاز طريقه إلى الفرات كان تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين بمدينة منبج، فسار عنها هارباً إلى حماة، وثار أهل حماة، ونادوا بشعار عز الدين، فأشار عسكر حلب على عز الدين بقصد دمشق، وأطمعوه فيها وفي غيرها من بلاد الشام، وأعلموه محبة أهلها له ولأهل بيته، فلم يفعل، وقال:بيننا يمين فلا نغدر به؛ وأقام بحلب عدة شهور، ثم سار عنها إلى الرقة.
ذكر تسليم حلب إلى عماد الدين وأخذ سنجار عوضاً عنها
لما وصل عز الدين إلى الرقة جاءته رسل أخيه عماد الدين، صاحب سنجار، يطلب أن يسلم إليه حلب ويأخذ عنها مدينة سنجار، فلم يجبه إلى ذلك، ولج عماد الدين، وقال: إن سلمتم إلي حلب، وإلا سلمت أنا سنجار إلى صلاح الدين ، فأشار حينئذ جماعة من الأمراء بتسليمها إليه، وكان أشدهم في ذلك مجاهد الدين قايماز، فلم يمكن عز الدين مخالفته لتمكنه في الدولة، وكثرة عساكره وبلاده، وإنما حمل مجاهد الدين على ذلك خوفه من عز الدين، لأنه عظم في نفسه، وكثر معه العسكر.
وكان الأمراء الحلبيون لا يلتفتون إلى مجاهد الدين، ولا يسلكون معه من الأدب ما يفعله عساكر الموصل، فاستقر الأمر على تسليم حلب إلى عماد الدين واخذ سنجار بدلاً عنها، فسار عماد الدين فتسلمها، وسلم سنجار إلى أخيه، وعاد إلى الموصل.
وكان صلاح الدين بحلب قد وصله خبر ملك عز الدين حلب، فعظم عليه الأمر، وخاف أن يسير منها إلى دمشق وغيرها، ويملك الجميع، وأيس من حلب، فلما بلغه خبر ملك عماد الدين لها برز من يومه وسار إلى الشام، وكان من الوهن على دولة عز الدين ما نذكره إن شاء الله.
ذكر حصر صاحب ماردين قلعة البيرة ومصير صاحبها مع صلاح الدين
كانت قلعة البيرة، وهي مطلة على الفرات من أرض الجزيرة، لشهاب الدين الآرتقي، وهو أبن عم قطب الدين إيلغازي بن ألبي بن تورتاش بن إيلغازي بن ارتق صاحب ماردين، وكان في طاعة نور الدين محمود بن زنكي، صاحب الشام، فمات شهاب الدين وملك القلعة بعده ولده وصار في طاعة عز الدين مسعود صاحب الموصل.
فلما كان هذه السنة أرسل صاحب ماردين إلى عز الدين يطلب منه أن يأذن له في حصر البيرة وأخذها، فأذن له في ذلك، فسار في عسكره إلى قلعة سميساط، وهي له، ونزل بها وسير العسكر إلى البيرة، فحصرها، فلم يظفر منها بطائل، إلا أنهم لازموا الحصار، فأرسل صاحبها إلى صلاح الدين وقد خرج من ديار مصر، على ما نذكره، يطلب منه أن ينجده ويرحل العسكر المارديني عنه، ويكون هو في خدمته، كما كان أبوه في خدمة نور الدين، فأجابه إلى ذلك، وأرسل رسولاً إلى صاحب ماردين يشفع فيه، ويطلب أن يرحل عسكره عنه، فلم يقبل شفاعته.
واشتغل صلاح الدين بما نذكره من الفرنج، فلما رأى صاحب ماردين طول مقام عسكره على البيرة، ولم يبلغوا منها غرضاً، أمرهم بالرحيل عنها، وعاد إلى ماردين، فسار صاحبها إلى صلاح الدين، وكان معه حتى عبر معه الفرات، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة كثرت المنكرات ببغداد، فأقام حاجب الباب جماعة لإراقة الخمور، وأخذ المفسدات، فبينما امرأة منهم في موضع، علمت بمجيء أصحاب حاجب الباب، فاضطجعت،وأظهرت أنها مريضة، وارتفع أنينها، فرأوها على تلك الحال، فتركوها وانصرفوا، فاجتهدت بعدهم أن تقوم، فلم تقدر، وجعلت تصيح: الكرب الكرب، إلى أن ماتت. وهذا من أعجب ما يحكى.
وفيها، عاشر ذي الحجة، توفي الأمير همام الدين تتر، صاحب قلعة تكريت بالمزدلفة، كان قد استخلف الأمير عيسى ابن أخي مودود وحج، فتوفي، ودفن بالمعلى مقبرة مكة.
وفيها، في شعبان، توفي عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي سعيد أبو البركات النحوي المعروف بابن الأنباري ببغداد، وله تصانيف حسنة في النحو، وكان فقيهاً صالحاً.
وفيها توفي إبراهيم بن مهران الفقيه الشافعي بجزيرة ابن عمر، وكان فاضلاً كثير الورع.


ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وخمسمائة
ذكر مسير صلاح الدين إلى الشام وإغارته على الفرنج
(5/151)
في هذه السنة، خامس المحرم، سار صلاح الدين عن مصر إلى الشام، ومن عجيب ما يحكى من التطير أنه لما برز من القاهرة أقام بخيمته حتى تجتمع العساكر والناس عنده، وأعيان دولته والعلماء وأرباب الآداب، فمن بين مدع له وسائر معه، وكل منهم يقول شيئاً في الوداع والفراق، وما هم بصدده من السفر، وفي الحاضرين معلم لبعض أولاده، فاخرج رأسه من بين الحاضرين وانشد:
تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار
فانقبض صلاح الدين من بعد انبساطه وتطير، وتنكد المجلس على الحاضرين، فلم يعد إليها إلى أن مات بعد طول المدة.
ثم سار عن مصر وتبعه من التجار وأهل البلاد، ومن كان قصد مصر من الشام بسبب الغلاء بالشام وغيره، عالم كثير، فلما سار جعل طريقه على أيلة، فسمع أن الفرنج قد جمعوا له ليحاربوه ويصدوه عن المسير، فلما قارب بلادهم سير الضعفاء والأثقال مع أخيه تاج الملوك بوري إلى دمشق، وبقي هو في العساكر المقاتلة لا غير، فشن الغارات بأطراف بلادهم، وأكثر ذلك ببلد الكرك والشوبك، فلم يخرج إليه منهم أحد، ولا أقدم على الدنو منه، ثم سار فأتى دمشق، فوصلها حادي عشر صفر من السنة.
ذكر ملك المسلمين شقيفاً من الفرنج
في هذه السنة أيضاً، في صفر، فتح المسلمون بالشام شقيفاً من الفرنج، يعرف بحبس جلدك، وهو من أعمال طبرية، مطل على السواد.
وسبب فتحه أن الفرنج لما سمعوا بمسير صلاح الدين من مصر إلى الشام جمعوا له، وحشدوا الفارس والراجل، واجتمعوا بالكرك بالقرب من الطريق، لعلهم ينتهزون فرصة، أو يظفرون بنصرة، وربما عاقوا المسلمين عن المسير بأن يقفوا على بعض المضايق، فلما فعلوا ذلك خلت بلادهم من ناحية الشام، فسمع فرخشاه الخبر، فجمع من عنده من عساكر الشام، ثم قصد بلاد الفرنج وأغار عليها، ونهب دبورية وما يجاورها من القرى، واسر الرجال وقتل فيهم واكثر وسبى النساء، وغنم الأموال وفتح منهم الشقيف، وكان على المسلمين منه أذى شديد، ففرح المسلمون بفتحه فرحاً عظيماً، وأرسل إلى صلاح الدين بالبشارة، فلقيه في الطريق، ففت ذلك في عضد الفرنج، وانكسرت شوكتهم.
ذكر إرسال سيف الإسلام إلى اليمن وتغلبه عليه
في هذه السنة سير صلاح الدين أخاه سيف الإسلام طغدكين إلى بلاد اليمن وأمره بتملكها وقطع الفتن بها، وفوض إليه أمرها، وكان بها حطان بن منقذ، كما ذكرناه قبل، وكتب عز الدين عثمان الزنجيلي متولي عدن إلى صلاح الدين يعرفه باختلال البلاد، ويشير بإرسال بعض أهله إليها لأن حطان كان قوي عليه، فخافه عثمان، فجهز صلاح الدين أخاه سيف الإسلام وسيره إلى أهل اليمن، فوصل إلى زبيد، فخافه حطان ابن منقذ واستشعر منه، وتحصن في بعض القلاع، فلم يزل به سيف الإسلام يؤمنه ويهدي إليه ويتلطفه حتى نزل إليه، فأحسن صحبته، واعتمد معه ما لم يكن يتوقعه من الإحسان؛ فلم يثق حطان به، وطلب نه دستوراً ليقصد الشام، فامتنع في إجابته إظهاراً للرغبة في كونه عنده، فلم يزل حطان يراجعه حتى أذن له، فأخرج أثقاله، وأمواله، وأهله، وأصحابه وكل ما له، وسير الجميع بين يديه.
فلما كان الغد دخل على سيف الإسلام ليودعه، قبض عليه واسترجع جميع ماله فأخذه عن أخره لم يسلم منه قليل ولا كثير، ثم سجنه في بعض القلاع، وكان أخر العهد به، فقيل أنه قتله، وكان في جملة ما اخذ منه الأموال والذهب والعين في سبعين غلافاً زردية مملوءة عيناً. وأما عز الدين عثمان الزنجيلي فإنه لما سمع ما جرى على حطان خاف فسار نحو الشام خائفاً يترقب، وسير معظم أمواله في البحر، فصادفهم مراكب فيها أصحاب سيف الإسلام، فخذوا كل ما لعز الدين، ولم يبق إلا ما صحبه في الطريق، وصفت زبيد وعدن وما معهما من البلاد لسيف الإسلام.
ذكر إغارة صلاح الدين على الغور وغيره من بلاد الفرنج (5/152)
لما وصل صلاح الدين إلى دمشق، كما ذكرناه، أقام أياماً يريح ويستريح هو وجنده، ثم سار إلى بلاد الفرنج في ربيع الأول، فقصد طبرية، فنزل بالقرب منها، وخيم في الأقحوانة من الأردن، وجاءت الفرنج بجموعها فنزلت في طبرية، فسير صلاح الدين ابن أخيه فرخشاه إلى بيسان، فدخلها قهراً ، وغنم ما فيها، وقتل وسبى، وجحف الغور غارة شعواء، فعم أهله قتلاً وأسراً، وجاءت العرب فأغارت على جنين واللجون وتلك الولاية، حتى قاربوا مرج عكا.
وسار الفرنج من طبرية، فنزلوا تحت جبل كوكب، فتقدم صلاح الدين إليهم، وأرسل العساكر عليهم يرمونهم بالنشاب، فلم يبرحوا، ولم يتحركوا للقتال، فأمر أبني أخيه تقي الدين عمر وعز الدين فرخشاه، فحملا على الفرنج فيمن معهما، فقاتلوا قتالاً شديداً، ثم إن الفرنج انحازوا على حاميتهم، فنزلوا غفربلا، فلما رأى صلاح الدين ما قد أثخن فيهم وفي بلادهم عاد عنهم إلى دمشق.
ذكر حصر بيروت
ثم إنه سار عن دمشق إلى بيروت، فنهب بلدها، وكان قد أمر الأسطول المصري بالمجيء في البحر إليها، فساروا ونازلوها، وأغاروا عليها وعلى بلدها، وسار صلاح الدين فوافاهم ونهب ما لم يصل الأسطول إليه، وحصرها عدة أيام. وكان عازماً على ملازمتها إلى أن يفتحها، فأتاه الخبر وهو عليها أن البحر قد ألقى بطسة للفرنج فيها جمع عظيم منهم إلى دمياط، وكانوا قد خرجوا لزيارة البيت المقدس، فأسروا من بها إلى أن غرق منهم الكثير فكان عدة الأسرى ألفاً وستمائة وستة وسبعين أسيراً، فضربت بذلك البشائر.
ذكر عبور صلاح الدين الفرات وملكه ديار الجزيرة
في هذه السنة عبر صلاح الدين الفرات إلى الديار الجزرية وملكها.
وسبب ذلك أن مظفر الدين كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين، وهو مقطع حران كان قد أقطعه إياها عز الدين أتابك، المدينة والقلعة، ثقة به واعتماداً عليه، أرسل إلى صلاح الدين هو يحاصر بيروت يعلمه بها أنه معه محب لدولته، ووعده النصرة له إن عبر الفرات، ويطمعه في البلاد ويحثه على الوصول إليها، فسار صلاح الدين عن بيروت، ورسل مظفر الدين تترى إليه يحثه على المجيء، فجد صلاح الدين السير مظهراً أنه يريد حصر حلب ستراً للحال.
فلما قارب الفرات سار إليه مظفر الدين فعبر الفرات واجمع به وعاد معه فقصد البيرة، وهي قلعة منيعة على الفرات، من الجانب الجزري، وكان صاحبها قد سار مع صلاح الدين، وفي طاعته، وقد ذكرنا سبب ذلك قبل، فعبر هو وعسكره الفرات على الجسر الذي عند البيرة.
وكان عز الدين صاحب الموصل ومجاهد الدين لما بلغهما وصول صلاح الدين إلى الشام قد جمعا العسكر وسارا إلى نصيبين، ليكونا على أهبة واجتماع لئلا يتعرض صلاح الدين إلى حلب، ثم تقدما إلى دارا، فنزلا عندها، فجاءهما أمر لم يكن في الحساب، فلما بلغهما عبور صلاح الدين الفرات، عادا إلى الموصل وأرسلا إلى الرها عسكراً يحميها ويمنعها، فلما سمع صلاح الدين ذلك قوي طمعه في البلاد، ولما عبر صلاح الدين الفرات، كاتب الملوك أصحاب الأطراف ووعدهم، وبذل لهم البذول على نصرته، فأجابه نور الدين محمد بن قراآرسلان، صاحب الحصن، إلى ما طلب منه، لقاعدة كانت قد استقرت بينهما لما كان نور الدين عنده بالشام، فإنه استقر الحال أن صلاح الدين يحصر آمد ويملكها، ويسلمها إليه، وسار صلاح الدين إلى مدينة الرها، فحصرها في جمادى الأولى، وقاتلها أشد قتال. فحدثني بعض من كان بها من الجند انه عد في غلاف رمح أربعة عشر خرقاً وقد خرقته السهام.
ووالى الزحف عليها، وكان بها حينئذ مقطعها، وهو الأمير فخر الدين مسعود بن الزعفراني، فحيث رأى شدة القتال أذعن إلى التسليم، وطلب الأمان وسلم البلد، وصار في خدمة صلاح الدين، فلما ملك المدينة زحف إلى القلعة، فسلمها إليه الدزدار الذي بها على مال أخذه، فلما ملكها سلمها إلى مظفر الدين مع حران، ثم سار عنها، على حران، إلى الرقة، فلما وصل إليها كان بها مقطعها قطب الدين ينال بن حسان المنبجي، فسار عنها إلى عز الدين أتابك، وملكها صلاح الدين، وسار إلى الخابور، قرقيسيا، وماكسين وعابان، فملك جميع ذلك. (5/153)
فلما استولى على الخابور جميعه سار إلى نصيبين، فملك المدينة لوقتها، وبقيت القلعة، فحصرها عدة أيام، فملكها أيضاً، وأقام بها ليصلح شانها، ثم أقطعها أميراً كان معه يقال له أبو الهيجاء السمين، وسار عنه ومعه نور الدين صاحب الحصن.
وأتاه الخبر أن الفرنج قصدوا دمشق، ونهبوا القرى، ووصلوا إلى داريا، وأرادوا تخريب جامعها، فأرسل النائب بدمشق إليهم جماعة من النصارى يقولون لهم: إذا خربتم الجامع جددنا عمارته، وخربنا كل بيعة لكم في بلادنا، ولا نمكن أحداً من عمارتها، فتركوه، ولما وصل الخبر إلى صلاح الدين بذلك أشار عليه من يتعصب لعز الدين بالعود، فقال: يخربون قرى ونملك عوضها بلاداً، ونعود نعمرها، ونقوى على قصد بلادهم؛ ولم يرجع، فكان كما قال.
ذكر حصر صلاح الدين الموصل
لما ملك صلاح الدين نصيبين، جمع أمراءه وأرباب المشورة عنده، واستشارهم بأي البلاد يبدأ، وأيها يقصد، بالموصل أم بسنجار أم بجزيرة ابن عمر، فاختلفت آراؤهم، فقال له مظفر الدين كوكبري بن زين الدين: لا ينبغي أن يبدأ بغير الموصل، فإنها في أيدينا لا مانع لها، فإن عز الدين ومجاهد الدين متى سمعا بمسيرنا إليها تركاها وسارا عنها إلى بعض القلاع الجبلية.
ووافقه ناصر الدين محمد ابن عمه شيركوه، وكان قد بذل لصلاح الدين مالاً كثيراً ليقطعه الموصل إذا ملكها، وقد أجابه صلاح الدين إلى ذلك، فأشار بهذا الرأي لهواه، فسار صلاح الدين إلى الموصل، وكان عز الدين صاحبها ومجاهد الدين قد جمعا العساكر الكثيرة ما بين فارس وراجل، وأظهرا من السلاح وآلات الحصار ما حارت له الأبصار، وبذلا الأموال الكثيرة، واخرج مجاهد الدين من ماله كثيراً، واصطلى الأمور بنفسه، فأحسن تدبيرها، وشحنوا ما بقي بأيديهم من البلاد، كالجزيرة وسنجار وإربل وغيرها من البلاد، بالرجال والسلاح والأموال.
وسار صلاح الدين حتى قارب الموصل وترك عسكره، وانفرد هو ومظفر الدين وابن عمه ناصر الدين بن شيركوه، ومعهما نفر من أعيان دولته، وقربوا من البلد، فلما قربه رآه وحققه، فرأى ما هاله وملأ صدره وصدور أصحابه، فإنه رأى بلداً عظيماً كبيراً، ورأى السور والفصيل ملئا من الرجال، وليس فيه شرافة غلا وعليها رجل يقاتل سوى من عليه من عامة البلد المتفرجين، فلما رأى ذلك علم انه لا يقدر على أخذه، وانه يعود خائباً، فقال لناصر الدين ابن عمه: إذا رجعنا إلى المعسكر فاحمل ما بذلت من المال فنحن معك على القول. فقال ناصر الدين: قد رجعت عما بذلت من المال، فإن هذا البلد لا يرام. فقال له ولمظفر الدين: غررتماني وأطمعتماني في غير مطمع، ولو قصدت غيره قبله لكان أسهل أخذاً بالاسم والهيبة التي حصلت لنا، ومتى نازلناه، وعدنا منه، ينكسر ناموسنا ويفل حدنا وشوكتنا. (5/154)
ثم رجع إلى معسكره وصبح البلد، وكان نزوله عليه في رجب، فنازله وضايقه، ونزل محاذي باب كندة، وانزل صاحب الحصن بباب الجسر، وانزل أخاه تاج الملوك عند الباب العمادي، وانشب القتال، فلم يظفر، وخرج غليه يوماً بعض العامة، فنالوا منه، ولم يمكن عز الدين ومجاهد الدين أحداً من العسكر أن يخرجوا لقتال بل ألزموا الأسوار؛ ثم عن تقي الدين أشار على عمه صلاح الدين بنصب منجنيق، فقال: مثل هذا البلد لا ينصب عليه منجنيق، ومتى نصبناه أخذوه، ولو خربنا برجاً وبدنة من يقدر على الدخول للبلد وفيه هذا الخلق الكثير؟ فألح تقي الدين وقال: نجربهم به؛ فنصب منجنيقاً، فنصب عليه من البلد تسعة مجانيق، وخرج جماعة من العامة فأخذوه وجرى عنده قتال كثير، فأخذ بعض العامة لألكة من رجليه، فيها المسامير الكثيرة، ورمى بها أميراً يقال له جاولي الأسدي، مقدم الأسدية وكبيرهم، فأصاب صدره، فوجد لذلك ألماً شديداً، وأخذ اللاكة وعاد عن القتال إلى صلاح الدين وقال: قد قاتلنا أهل الموصل بحماقات ما رأينا بعد مثلها؛ وألقى اللاكة، وحلف أنه لا يعود يقاتل عليها أنفة حيث ضرب بهذه.ثم إن صلاح الدين رحل من قرب لبلد، ونزل متأخراً، خوفاً من البيات، فإنه لقربه كان لا يأمن ذلك، وكان سببه أيضاً أن مجاهد الدين اخرج في بعض الليالي جماعة من باب السر الذي للقلعة، ومعهم المشاعل، فكان أحدهم يخرج من الباب وينزل إلى دجلة، مما يلي عين الكبريت، ويطفئ المشعل، فرأى العسكر الناس يخرجون، فلو يشكوا في الكبسة، فحملهم ذلك على الرحيل والتأخر ليتعذر البيات على أهل الموصل.
وكان صدر الدين شيخ الشيوخ، رحمه الله، وقد وصل إليه، قبل نزوله على الموصل، ومعه بشير الخادم، وهم من خواص الخليفة الناصر لدين الله، في الصلح، فأقاما معه على الموصل، وترددت الرسل إلى عز الدين ومجاهد الدين في الصلح، فطلب عز الدين إعادة البلاد التي أخذت منهم، فأجاب صلاح الدين إلى ذلك بشرط أن تسلم إليه حلب، فامتنع عز الدين ومجاهد الدين، ثم نزل عن ذلك، وأجاب إلى تسليم البلاد بشرط أن يتركوا إنجاد صاحب حلب عليه، فلم يجيبوه إلى ذلك أيضاً، وقال عز الدين: هو أخي وله العهود والمواثيق ولا يسعني نكثها.
ووصلت أيضاً رسل قزل أرسلان صاحب أذربيجان، ورسل شاه أرمن صاحب خلاط، في المعنى، فلم ينتظم أمر ولا تم صلح؛ فلما رأى صلاح الدين أنه لا ينال من الموصل غرضاً، ولا يحصل على غير العناء والتعب، وأن من بسنجار من العساكر الموصلية يقطعون طريق من يقصدونه من عساكره وأصحابه، سار من الموصل إليها.
ذكر ملكه مدينة سنجار
لما سار صلاح الدين عن الموصل إلى سنجار، سير مجاهد الدين إليها عسكراً قوة لها ونجدة، فسمع بهم صلاح الدين، فمنعهم من الوصول إليها، وأوقع بهم، وأخذ سلاحهم ودوابهم وسار إليها ونازلها، وكان بها شرف الدين أمير أميران هندوا أخو عز الدين، صاحب الموصل، في عسكر معه، فحصر البلد وضايقه، وألح في قتاله، فكاتبه بعض أمراء الأكراد الذين به من الزرزارية، وخامر معه، وأشار بقصده من الناحية التي هو بها ليسلم إليه البلد، فطرقه صلاح الدين ليلاً، فسلم إليه ناحيته، فملك الباشورة لا غير. فلما سمع شرف الدين الخبر استكان وخضع، و طلب الأمان، فأمن، ولو قاتل على تلك الناحية لأخرج العسكر الصلاحي عنها، ولو امتنع بالقلعة لحفظها ومنعها، ولكنه عجز، فلما طلب الأمان أجابه صلاح الدين إليه، فأمنه وملك البلد.
وسار شرف الدين ومن معه إلى الموصل، واستقر جميع ما ملكه صلاح الدين بملك سنجار، فإنه كان قصد أن يسترده المواصلة إذا فارقه، لأنه لم يكن فيه حصن غير الرُّها، فلما ملك سنجار صارت على الجميع كالسور، واستناب بها سعد الدين بن معين الدين أنز، وكان من أكابر الأمراء وأحسنهم صورة ومعنى.
ذكر عود صلاح الدين إلى حران
لما ملك صلاح الدين سنجار وقرر قواعدها سار إلى الصين، فلقيه أهلها شاكين من أبي الهيجاء السمين، باكين من ظلمه، متأسفين على دولة عز الدين وعدله فيهم، فلما سمع ذلك أنكر على أبي الهيجاء ظلمه، وعزله عنهم، وأخذه معه، وسار إلى حران، وفرق عساكره ليستريحوا، وبقي جريدة في خواصه وثقات أصحابه، وكان وصوله إليها أوائل ذي القعدة من السنة.
ذكر اجتماع عز الدين وشاه أرمن (5/155)
في هذه السنة، في ذي الحجة، اجتمع أتابك عز الدين، صاحب الموصل، وشاه أرمن صاحب خلاط، على قتال صلاح الدين.
وسبب ذلك أن رسل عز الدين ترددت إلى شاه أرمن يستنجده ويستنصره على صلاح الدين، فأرسل شاه أرمن إلى صلاح الدين عدة رسل في الشفاعة إليه بالكف عن الموصل وما يتعلق بعز الدين، فلم يجبه إلى ذلك، وغالطه، فأرسل إليه أخيراً مملوكه سيف الدين بكتمر الذي ملك خلاط بعد شاه أرمن، فأتاه وهو يحاصر سنجار يطلب إليه أن يتركها ويرحل عنها، وقال له: إن رحل عنها وإلا فتهدده بقصده ومحاربته؛ فأبلغه بكتمر الشفاعة، فسوّفه في الجواب رجاء أن يفتحها، فلما رأى بكتمر ذلك أبلغه الرسالة الثانية بالتهديد، وفارقه غضبان، ولم يقبل منه خلعة ولا صلة، وأخبر صاحبه الخبر، وخوفه عاقبة الإهمال والتواني عن صلاح الدين، فسار شاه أرمن من خلاط، وكان مخيماً بظاهرها، وسار إلى ماردين، وصاحبها حينئذ قطب الدين بن نجم الدين ألبي، وهو ابن أخت شاه أرمن، وابن خال عز الدين وحموه، لأن عز الدين كان قد زوج ابنته قطب الدين، وحضر مع شاه أرمن دولة شاه صاحب بدليس وأرزن، وسار أتابك عز الدين من الموصل في عسكره جريدة من الأثقال.
وكان صلاح الدين قد ملك سنجار، وسار عنها إلى حران، وفرق عساكره، فلما سمع باجتماعهم سير إلى تقي الدين ابن أخيه، وهو بحماة، يستدعيه، فوصل إليه مسرعاً، وأشار عليه بالرحيل وحذره منه آخرون وكان هوى صلاح الدين في الرحيل، فرحل إلى راس عين، فلما سمعوا برحيله تفرقوا، فعاد شاه أرمن إلا خلاط، واعتذر بأنني أجمع العساكر وأعود، ورجع عز الدين إلى الموصل، وأقام قطب الدين بماردين، وسار صلاح الدين فنزل بحرزم تحت ماردين عدة أيام.
ذكر الظفر بالفرنج في بحر عيذاب
في هذه السنة عمل البرنس صاحب الكرك أسطولاً، وفرغ منه بالكرك، ولم يبق إلا جمع قطعه بعضها إلى بعض، وحملها إلى بحر أيله، وجمعها في أسرع وقت.
وفرغ منها وشحنها بالمقاتلة وسيرها، فساروا في البحر، وافترقوا فرقتين: فرقة أقامت على حصن أيلة وهو للمسلمين يحصرونه، ويمنع أهله من ورود الماء، فنال أهله شدة شديدة وضيق عظيم؛ وأما الفرقة الثانية فإنهم ساروا نحو عيذاب، وأفسدوا في السواحل، ونهبوا، وأخذوا ما وجدوا من المراكب الإسلامية ومن فيها من التجار، وبتغوا الناس في بلادهم على حين غفلة منهم، فإنهم لم يعهدوا بهذا البحر فرنجياً قط لا تاجراً ولا محارباً.
وكان بمصر الملك العادل أبو بكر بن أيوب ينوب عن أخيه صلاح الدين، فعمر أسطولاً وسيره، وفيه جمع كثير من المسلمين، ومقدمهم حسام الدين لؤلؤ، وهو متولي الأسطول بديار مصر، وكان مظفراً فيه، شجاعاً، كريماً، فسار لؤلؤ مجداً في طلبهم، فأبتدأ بالذين على أيلة فانقض عليهم انقضاض العقاب على صيدها، فقاتلهم، فقتل بعضهم، وأسر الباقي؛ وسار من وقته بعد الظفر يقص أثر الذين قصدوا عيذاب، فلم يرهم، وكانوا قد أغاروا على ما وجدوه بها، وقتلوا من لقوه عندها، وساروا إلى غير ذلك المرسى ليفعلوا كما فعلوا فيه؛ وكانوا عازمين على الدخول إلى الحجاز مكة والمدينة، حرسهما الله تعالى، وأخذ الحاج ومنعهم عن البيت الحرام، والدخول بعد ذلك إلى اليمن.
فلما وصل لؤلؤ إلى عيذاب ولم يرهم سار يقفو أثرهم، فبلغ رابغ وساحل الجوزاء وغيرهما، فأدركهم بساحل الجوزاء، فأوقع بهم هناك، فلما رأوا العطب وشاهدوا الهلاك خرجوا إلى البر، واعتصموا ببعض تلك الشعاب، فنزل لؤلؤ من مراكبه إليهم، وقاتلهم أشد قتال، وأخذ خيلاً من الأعراب الذين هناك، فركبها، وقاتلهم فساناً ورجالة، فظفر بهم وقتل أكثرهم، وأخذ الباقين أسرى، وأرسل بعضهم إلى منى لينحروا بها عقوبة لمن رام إخافة حرم الله تعالى وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم، وعاد بالباقين إلى مصر، فقتلوا جميعهم.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في جمادى الأولى، توفي عز الدين فرخشاه ابن أخي صلاح الدين، وكان ينوب عنه بدمشق، وهو ثقته من أهله، وكان اعتماده عليه أكثر من جميع أهله وامرأته، وكان شجاعاً كريماً، فاضلاً، عالماً بالأدب وغيره، وله شعر جيد من بين أشعار الملوك. (5/156)
وكان ابتداء مرضه أنه خرج من دمشق إلى غزو الفرنج، فمرض، وعاد مريضاً، فمات، ووصل خبر موته إلى صلاح الدين، وقد عبر الفرات إلى الديار الجزرية، فأعاد شمس الدين محمد بن المقدم إلى دمشق ليكون مقدماً على عسكرها.
وفيها مات فخر الدولة أبو المظفر بن الحسن بن هبة الله بن المطلب. كان أبوه وزير الخليفة، وأخوه أستاذ الدار، فتصوف هو من زمن الصبا، وبنى مدرسة ورباطاً ببغداد عند عقد المصطنع، وبنى جامعاً بالجانب الغربي منها.
وفيها توفي الأمير أبو منصور هاشم ولد المستضيء بأمر الله ودفن عند أبيه.
وفيها توفي أبو العباس أحمد بن علي بن الرفيعي من سواد واسط، وكان صالحاً ذا قبول عظيم عند الناس، وله من التلامذة ما لا يحصى.

This site was last updated 07/28/11