Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة575 وسنة576
سنة577 وسنة578
سنة579
سنة580 وسنة581
سنة582 وسنة583
سنة584
سنة585
سنة586
سنة587
سنة588
سنة589
سنة590 وسنة591
سنة592 وسنة593
سنة594
سنة595
سنة596 وسنة597
سنة598 وسنة599
سنة600
سنة601 وسنة602
سنة603
سنة604
سنة605 وسنة606
سنة607 وسنة608 وسنة609
سنة610 وسنة611 وسنة612
سنة613 وسنة614
سنة615
سنة616 وسنة617
سنة618 وسنة619
سنة620 وسنة621
سنة621

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة
ذكر نقل العادل من حلب والملك العزيز إلى مصر وإخراج الأفضل من مصر إلى دمشق وإقطاعه إياها

في هذه السنة أخرج صلاح الدين ولده الأفضل علياً من مصر إلى دمشق، وأقطعها له، وأخذ حلب من أخيه العادل، وسيره مع ولده العزيز عثمان إلى مصر، وجعل نائباً عنه، واستدعي تقي الدين منها. (5/167)
وسبب ذلك أنه كان قد استناب تقي الدين بمصر، كما ذكرناه، وجعل معه ولده الأكبر الأفضل علياً، فأرسل تقي الدين يشكو من الأفضل، ويذكر أنه قد عجز عن جباية الخراج معه لأنه كان حليماً كريماً إذا أراد تقي الدين معاقبة أحد منعه؛ فأحضر ولده الأفضل، وقال لتقي الدين: لا تحتج في الخراج وغيره بحجة؛ وتغير عليه بذلك، وظن أنه يريد إخراج ولده الأفضل لينفرد بمصر حتى يملكها إذا مات صلاح الدين، فلما قوي هذا الخاطر عنده أحضر أخاه العادل من حلب وسيره إلى مصر ومعه ولده العزيز عثمان، واستدعى تقي الدين إلى الشام، فامتنع من الحضور، وجمع الأجناد والعساكر ليسير إلى المغرب، إلى مملوكه قراقوش، وكان قد استولى على جبال نفوسة وبرقة وغيرها، وقد كتب إليه يرغبه في تلك البلاد، فتجهز للمسير إليه، واستصحب معه أنجاد العسكر وأكثر منهم.
فلم سمع ذلك صلاح الدين ساءه، وعلم أنه إن أرسل إليه يمنعه لم يجبه، فأرسل إليه يقول له: أريد أن تحضر عندي لأودعك، وأوصيك بما تفعله؛ فلما حضر عنده منعه، وزاد في إقطاعه، فصار إقطاعه عندي لأودعك، وأوصيك بما تفعله؛ فلما حضر عنده منعه، وزاد في إقطاعه، فصار إقطاعه حماة، ومنبج، والمعزة، وكفر طاب، وميافارقين، وجبل جور، بجميع أعمالها، وكان تقي الدين قد سير في مقدمته مملوكه بوزابة، فاتصل بقراقوش، وكان منهم ما ذكرناه سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.
وقد بلغني من خبير بأحوال صلاح الدين أنه إنما حمله على أخذ حلب من العادل وإعادة تقي الدين إلى الشام، أن صلاح الدين لما مرض بحران، على ما ذكرناه، أرجف بمصر أنه قد مات، فجرى من تقي الدين حركات من يريد أن يستبد بالملك، فلما عوفي صلاح الدين بلغه ذلك، فأرسل الفقيه عيس الهكاري، وكان كبير القدر عنده، مطاعاً في الجند، إلى مصر، وأمره بإخراج تقي الدين والمقام بمصر؛ فسار مجداً، فلم يشعر تقي الدين إلا وقد دخل الفقيه عيس إلى داره بالقاهرة، وأرسل إليه يأمره بالخروج منا، فطلب أن يمهل إلى أن يتجهز، فلم يفعلن وقال: تقيم خارج المدينة وتتجهز. فخرج وأظهر أنه يريد الدخول إلى الغرب، فقال له: اذهب حيث شئت؛ فلما سمع صلاح الدين الخبر أرسل إليه يطلبه، فسار إلى الشام، فأحسن إليه ولم يظهر له شيئاً مما كان لأنه كان حليماً، كريماً، صبوراً، رحمه الله.
وأما أخذ حلب من العادل، فإن السبب فيه أنه كان من جملة جندها أمير كبير اسمه سليمان بن جندر، بينه وبين صلاح الدين صحبة قدية، قبل الملك، وكان صلاح الدين يعتمد عليه، وكان عاقلاً ذا مكر ودهاء، فاتفق أن الملك العادل لما كان بحلب مل يفعل معه ما كان يظنه، وقدم غيره عليه، فتأثر بذلك.
فلما مرض صلاح الدين، وعوفي، سار إلى الشام، فسايره يوماً سليمان ابن جندر، فجرى حديث مرضه، فقال له سليمان: بأي رأي كنت تظن أنك تمضي إلى الصيد فلا يخالفونك؟ بالله ما تستحي يكون الطائر أهدى منك إلى المصلحة؟ قال: وكيف ذلك؟ وهو بضحك، قال: إذا أراد الطائر أن يعمل عشاً لفراخه قصد أعالي الشجر ليحمي فراخه، وأنت، سلمت الحصون إلى أهلك، وجعلت أولادك على الأرض. هذه حلب بيد أخيك، وحماه بيد تقي الدين، وحصن بيد ابن شيركوه، وابنك العزيز مع تقي الدين بمصر يخرجه أي وقت أراد، وهذا ابنك الآخر مع أخيك في خيمه يفعل به ما أراد. فقال له: صدقت، واكتم هذا الأمر؛ ثم أخذ حلب من أخيه، وأخرج تقي الدين من مصر، ثم أعطى أخاه العادل حران والرها وميافارقين ليخرجه من الشام ومصر، لتبقى لأولاده، فلم ينفعه ما فعل لما أراد الله تعالى نقل الملك عن أولاده على ما نذكر.
ذكر وفاة البهلوان وملك أخيه قزل
في هذه السنة، في أولها، توفي البهلوان محمد بن إيلدكز، صاحب بلد الجبل والري وأصفهان وأذربيجان وأرانية وغيرها من البلاد، وكان عادلاً، حسن السيرة، عاقلاً، حليماً، ذا سياسة حسنة للملك، وكانت تلك البلاد في أيامه آمنة والرعايا مطمئنة، فلما مات جرى بأصفهان بين الشافعية والحنفية من الحروب والقتل والإحراق والنهب ما يجل عن الوصف، وكان قاضي البلد رأس الحنفية، وابن الخجندي رأس الشافعية، وكان بمدينة الري أيضاً فتنة عظيمة بني السنة والشيعة، وتفرق أهلها وقتل منهم، وخربت المدينة وغيرها من البلاد. (5/168)
ولما مات البهلوان ملك أخوه قزل أرسلان واسمه عثمان، وكان السلطان طغرل بن أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملكشاه مع البهلوان، والخطبة له في البلاد بالسلطنة، وليس له من الأمر شيء، وإنما البلاد والأمراء والأموال بحكم البهلوان، فلما مات البهلوان خرج طغرل عن حكم قزل، ولحق به جماعة من الأمراء والجند، فاستولى على بعض البلاد، وجرت بينه وبين قزل حروب نذكرها إن شاء الله تعالى.
ذكر اختلاف الفرنج بالشام وإنحياز القمص صاحب طرابلس إلى صلاح
كان القمص، صاحب طرابلس، واسمه ريمند بن ريمند الصنجيلي، قد تزوج بالقومصة، صاحبة طبرية، وانتقل إليها، وأقام عندها بطبرية، ومات ملك الفرنج بالشام، وكان مجذوماً، وأوصى بالملك إلى ابن أخت له، وكان صغيراً، فكفه القمص، وقام بسياسة الملك وتدبيره لأنه لم يكن للفرنج ذلك الوقت أكبر من شأناً، ولا أشجع ولا أجود رأياً منه، فطمع في الملك بسبب هذا الصغير؛ فاتفق أن الصغير توفي، فانتقل الملك إلى أمه، فبطل ما كان القمص يحدث نفسه به.
ثم إن هذه الملكة هويت رجلاً من الفرنج الذين قدموا الشام من الغرب اسمه كي، فتزوجته، ونقلت الملك إليه، وجعلت التاج على رأسه، وأحضرت البطريك والقسوس والرهبان والإسبتارية والدواية والبارونية، وأعلمتهم أنها قد ردت الملك إليه، وأشهدتهم عليها بذلك، فأطاعوه، ودانوا له، فعظم ذلك على القمص، وسقط في يديه، طولب بحساب ما جبى من الأموال مدة ولاية ذلك الصبي، فأدعى أنه أنفقه عليه، وزاده ذلك نفوراً، وجاهر بالمشاقة والمباينة، وراسل صلاح الدين، وانتمى إليه، واعتضد به، وطلب منه المساعدة على بلوغ غرضه من الفرنج، ففرح صلاح الدين والمسلمون بذلك، ووعده النصرة، والسعي له في كل ما يريده، وضمن له أنه يجعله ملكاً مستقلاً للفرنج قاطبة، وكان عنده جماعة من فرسان القمص أسرى فأطلقهم، فحل ذلك عنده أعظم محل، وأظهر طاعة صلاح الدين، ووافقه على ما فعل جماعة من الفرنج، فاختلفت كلمتهم وتفرق شملهم، وكان ذلك من أعظم الأسباب الموجبة لفتح بلادهم، واستنفاذ البيت المقدس منهم، على ما نذكره إن شاء الله.
وسير صلاح الدين السرايا من ناحية طبرية، فشنت الغارات على بلاد الفرنج، وخرجت سالمة غانمة، فوهن الفرنج بذلك، وضعفوا وتجرأ المسلمون عليهم وطمعوا فيهم.
ذكر غدر البرنس أرناط
كان البرنس أرناط، صاحب الكرك، من أعظم الفرنج وأخبثهم، وأشدهم عداوة للمسلمين، وأعظمهم ضرراً عليهم، فلما رأى صلاح الدين ذلك منه قصد بالحصر مرة بعد مرة، وبالغارة على بلاده كرة بعد أخرى، فذل، وخضع، وطلب الصلح من صلاح الدين، فأجابه إلى ذلك، وهادنه وتحالفا، وترددت القوافل من الشام إلى مصر، ومن مصر إلى الشام.
فلا كان هذه السنة اجتاز به قافلة عظيمة غزيرة الأموال، كثيرة الرجال، ومعها جماعة صالحة من الأجناد، فغدر اللعين بهم، وأخذهم عن آخرهم، وغنم أموالهم ودوابهم وسلاحهم، وأودع السجون من أسره منهم؛ فأرسل إليه صلاح الدين يلومه، ويقبح فعله وغدره، ويتهدده إن لم يطلب الأسى والأموال، فلم يجب إلى ذلك، وأصر على الامتناع، فنذر صلاح الدين نذراً أن يقتله إن ظفر به، فكان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر عدة حوادث
كان المنجون قديماً وحديثاً قد حكموا أن هذه السنة التاسع والعشرين من جمادى الآخرة تجتمع الكواكب الخمسة في برج الميزان، ويحدث باقترانها رياح شديدة، وتراب يهلك العباد ويخرب البلاد، فلما دخلت هذه السنة لم يكن لذلك صحة، ولم يهب من الرياح شيء البتة، حتى إن غلال الحنطة والشعير تأخر نجازها لعدم الهواء الذي يذري به الفلاحون، فأكذب الله أحدوثة المنجمين وأخزاهم.
وفيها توفي عبد الله بن بري بن عبد الجبار بن بري النحوي المصري، وكان إماماً في النحو، رحمه الله تعالى.


ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة
اتفق أول هذه السنة يوم السبت، وهو يوم النوروز السلطاني، ورابع عشر آذار سنة ألف وأربع مائة وثمان وتسعين إسكندرية؛ وكان القمر والشمس في الحمل، واتفق أول سنة العرب، وأول سنة الفرس التي جددوها أخيراً، وأول سنة الروم، والشمس والقمر في أول البروج، وهذا يبعد وقوع مثله.
ذكر حصر صلاح الدين الكرك (5/169)
في هذه السنة كتب صلاح الدين إلى جميع البلاد يستنفر الناس للجهاد، وكتب إلى الموصل وديار الجزيرة وإربل وغيرها من بلاد الشرق، وإلى مصر وسائر بلاد الشام، يدعوهم إلى الجهاد، ويحثهم عليه، ويأمرهم بالتجهز له بغاية الإمكان. ثم خرج من دمشق، أواخر المحرم، في عسكرها الخاص فسار إلى رأس الماء، وتلاحقت به العساكر الشامية، فلما اجتمعوا جعل عليهم ولده الملك الأفضل علياً ليجتمع إليه من يرد إليه منها، وسار هو إلى بصرى، جريدة.
وكان سبب مسيره وقصده إليها أنه أتته الأخبار أن البرنس أرناط، صاحب الكرك، يريد أن يقصد الحجاج ليأخذهم من طريقهم، وأظهر أنه إذا فرغ من أخذ الحجاج يرجع إلى طريق العسكر المصري يصدهم عن الوصول إلى صلاح الدين، فسار إلى بصرى ليمنع البرنس أرناط من طلب الحجاج، ويلزم بلده خوفاً عليه.
وكان من الحجاج جماعة من أقاربه منهم محمد بن لاجين، وهو ابن أخت صلاح الدين، وغيره، فلما سمع أرناط بقرب صلاح الدين من بلده لم يفارقه، وانقطع عما طمع فيه، فوصل الحجاج سالمين؛ فلما وصلوا وفرغ سره من جهتهم سار إلى الكرك فحصره وضيق عليه الكرك والشوبك وغيرهما، فنهبوا وخربوا وأحرقوا، والبرنس محصور لا يقدر على المنع عن بلده، وسائر الفرنج قد لزموا طرف بلادهم، خوفاً من العسكر الذي مع ولده الأفضل، فتمكن من الحصر والنهب والتحريق والتخريب، هذا فعل صلاح الدين.
ذكر الغارة على بلد عكا
أرسل صلاح الدين إلى ولده الأفضل يأمره أن يرسل قطعة صالحة من الجيش إلى بلد عكا ينهبونه ويخربونه، فسير مظفر الدين كوكبري بن زين، وهو صاحب حران والرها، وأضاف إليه قايماز النجمي ودلدرم اليارقي، وهما من أكابر الأمراء، وغيرهما، فساروا ليلاً، وصبحوا صفورية أواخر صفر، فخرج إليهم الفرنج في جمع من الدواية والاسبتارية وغيرهما، فالتقوا هناك، وجرت بينهم حرب تشيب لها المفارق السود.
ثم أنزل الله تعالى نصره على المسلمين، فانهزم الفرنج، وقتل منهم جماعة، وأسر الباقون، وفيمن قتل مقدم الاسبتارية، وكان من فرسان الفرنج المشهورين، وله النكايات العظيمة في المسلمين، ونهب المسلمون ما جاورهم من البلاد، وغنموا وسبوا، وعادوا سالمين، وكان عودهم على طبرية، وبها القمص، فلم ينكر ذلك، فكان فتحاً كثيراً، فإن الداوية والاسبتارية هم جمرة الفرنج، وسيرت البشائر إلى البلاد بذلك.
ذكر عود صلاح الدين إلى عسكره ودخوله إلى الفرنج
لما أتت صلاح الدين البشارة بهزيمة الاسبتارية والدواية، وقتل من قتل منهم، وأسر من أسر، عاد عن الكرك إلى العسكر الذي مع ولده الملك الأفضل، وقد تلاحقت سائر الأمداد والعساكر، واجتمع بهم، وساروا جميعاً، وعرض العسكر، فبلغت عدتهم اثني عشر ألف فارس ممن له الأقطاع والجامكية، وسوى المتطوعة، فعبا عسكره قلباً وجناحين، وميمنة وميسرة، وجالشية وساقة، وعرف كل منهم موضعه وموقفه، وأمره بملازمته، وسار على تعبئة، فنزل بالأقحوانة بقرب طبرية، وكان القمص قد انتمى إلى صلاح الدين، كما ذكرنا، وكبه متصلة إليه يعده النصرة، ويمنيه المعاضدة، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.
فلما رأى الفرنج اجتماع العساكر الإسلامية، وتصميم العزم على قصد بلادهم، أرسلوا إلى القمص البطرك والقوس والرهبان، وكثيراً من الفرسان، فأنكروا عليه انتماءه إلى صلاح الدين، و قالوا له: لا شك أنك أسلمت، و إلا لم تصبر على ما فعل المسلمون أمس بالفرنج، يقتلون الداوية والاسبتارية، ويأسرونهم، ويجتازون بهم عليك، وأنت لا تنكر ذلك ولا تمنع عنه؛ ووافقهم على ذلك من عنده من عسكر طبرية وطرابلس، وتهدده البطرك أنه يحرمه، ويفسخ نكاح زوجته، إلى غير ذلك من التهديد؛ فلما رأى القمص شدة الأمر عليه خاف، فاعتذر وتنصل وتاب، فقبلوا عذره، وغفروا زلته، وطلبوا منه الموافقة على المسلمين، والمؤازرة على حفظ بلادهم، فأجابهم إلى المصالحة والانضمام إليهم، والاجتماع معهم، وسار معهم إلى ملك الفرنج، واجتمعت كلمتهم بعد فرقتهم، ولم تغن عنهم من الله شيئاً، وجمعوا فارسهم وراجلهم، ثم ساروا من عكا إلى صفورية، وهم يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى، قد ملئت قلوبهم رعباً.
ذكر فتح صلاح الدين طبرية (5/170)
لما اجتمع الفرنج وساروا إلى صفورية، جمع صلاح الدين أمراءه ووزراءه واستشارهم، فأشار أكثرهم عليه بترك اللقاء، وأن يضعف الفرنج بشن الغارات، وإخراب الولايات ومرة بعد مرة، فقال له بعض أمرائه: الرأي عندي أننا نجوس بلادهم، وننهب، ونخرب، ونحرق، ونسبي، فإن وقف أحد من عسكر الفرنج بن أيدينا لقيناه، فإن الناس بالمشرق يلعنوننا ويقولون ترك قتال الكفار، وأقبل يريد قتال المسلمين؛ والرأي أن نفعل فعلاً نعذر فيه ونكف الألسنة عنا؛ فقال صلاح الدين: الرأي عندي أن نلقي بجمع المسلمين جمع الكفار، فإن الأمور لا تجري بحكم الإنسان، ولا نعلم قدر الباقي من أعمارنا، ولا ينبغي أن نفرق هذا الجمع إلا بعد الجد بالجهاد.
ثم رحل من الأقحوانة، اليوم الخامس من نزوله بها، وهو يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر، فسار حتى خلف طبرية وراء ظهره، وصعد جبلها، وتقدم حتى قارب الفرنج، فلم ير الفرنج من يمنعهم من القتال، ونزل جريدة إلى طبرية وقاتلهم، ونقب بعض أبراجها، وأخذ المدينة عنوة في ليلة، ولجأ من بها إلى القلعة التي لها، فامتنعوا بها، وفيها صاحبتها، ومعها أولادها، فنهب المدينة وأحرقها.
فلما سمع الفرنج نزول صلاح الدين إلى طبرية وملكه المدينة، وأخذ ما فيها، وإحراقها، وإحراق ما تخلف مما لا يحمل، اجتمعوا للمشورة، فأشار بعضهم بالتقدم إلى المسلمين وقتالهم، ومنعهم عن طبرية، فقال القمص: إن طبرية لي ولزوجتي، وقد فعل صلاح الدين بالمدينة ما فعل، وبقي القلعة، وفيها زوجتي، وقد رضيت أن يأخذ القلعة وزوجتي وما لنا بها ويعود، فوالله لقد رأيت عساكر الإسلام قديماً وحديثاً ما رأيت مثل هذا العسكر الذي مع صلاح الدين كثرة وقوة، وإذا أخذ طبرية لا يمكنه المقام بها، فمتى فارقها وعاد عنها أخذناها، وإن أقام بها لا يقدر على المقام بها إلا بجميع عساكره، ولا يقدرون على الصبر طول الزمان عن أوطانهم وأهليهم، فيضطر إلى تركها، ونفتك من أسر منا.
فقال له برنس أرناط، صاحب الكرك: قد أطلت في التخويف من المسلمين، ولا شك أنك تريدهم، وتميل إليهم، وإلا ما كنت تقول هذا، وأما قولك: إنهم كثيرون، فإن النار لا يضرها كثرة الحطب.
فقال: أنا واحد منكم إن تقدمتم تقدمت، وإن تأخرتم تأخرت، وسترون ما يكون.
فقوي عزمهم على التقدم إلى المسلمين وقتالهم، فرحلوا من معسكرهم الذي لزموه، وقربوا من عساكر الإسلام؛ فلما سمع صلاح الدين بذلك عاد عن طبرية إلى عسكره، وكان قريباً منه، وإنما كان قصده بمحاصرة طبرية أن يفارق الفرنج مكانهم لتمكن من قتالهم. وكان المسلمون قد نزلوا على الماء، والزمان قيظ شديد الحر، فوجد الفرنج العطش، ولم يتمكنوا من الوصول إلى ذلك الماء من المسلمين، وكانوا قد أفنوا ما هناك من ماء الصهاريج ولم يتمكنوا من الرجوع خوفاً من المسلمين، فبقوا على حالهم إلى الغد، وهو يوم السبت، وقد أخذ العطش منهم.
وأما المسلمون فإنهم طمعوا فيهم، وكانوا من قبل يخافونهم، فباتوا يحرض بعضهم بعضاً، وقد وجدوا ريح النصر والظفر، وكلما رأوا حال الفرنج خلاف عادتهم مما ركبهم من الخذلان، زاد طمعهم وجرأتهم، فأكثروا التكبير والتهليل طول ليلتهم، ورتب السلطان تلك الليلة الجاليشية، وفرق فيهم النشاب.
ذكر انهزام الفرنج بحطين
أصبح صلاح الدين والمسلمون يوم السبت لخمس بقين من ربيع الآخر، فركبوا وتقدموا إلى الفرنج، فركب الفرنج، ودنا بعضهم من بعض، إلا أن الفرنج قد اشتد بهم العطش وانخذلوا، فاقتتلوا، واشتد القتال، وصبر الفريقان، ورمى جاليشية المسلمين من النشاب ما كان كالجراد المنتشر، فقتلوا من خيول الفرنج كثيراً. هذا القتال بينهم، والفرنج قد جمعوا نفوسهم براجلهم وهم يقاتلون سائرين نحو طبرية، لعلهم يردون الماء. (5/171)
فلما علم صلاح الدين مقصدهم صدهم عن مرادهم، ووقف بالعسكر في وجوههم، وطاف بنفسه على المسلمين يحرضهم، ويأمرهم بما يصلحهم، وينهاهم عما يضرهم، والناس يأتمرون لقوله، ويقفون عند نهيه، فحمل مملوك من مماليكه الصبيان حملة منكرة على صف الفرنج، فقاتل قتالاً عجب منه الناس، ثم تكاثر الفرنج عليه فقتلوه، فحين قتل حمل المسلمون حملة منكرة فضعضعوا الكفار وقتلوا منهم كثيراً. فلما رأى القمص شدة الأمر علم أنهم لا طاقة لهم بالمسلمين، فاتفق هو وجماعته وحملوا على من يليهم وكان المقدم من المسلمين، في تلك الناحية، تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين، فلما رأى حملة الفرنج حملة مكروب، علم أنه لا سبيل إلى الوقوف في وجوههم، فأمر أصحابه أن يفتحوا لهم طريقاً يخرجون منه، ففعلوا، فخرج القمص وأصحابه ثم التأم الصف.
وكان بعض المتطوعة من المسلمين قد ألقى في تلك الأرض ناراً، وكان الحشيش كثيراً فاحترق، وكانت الريح على الفرنج، فحملت حر النار والدخان إليهم، فاجتمع عليهم العطش وحر الزمان وحر النار، والدخان، وحر القتال، فلما انهزم القمص سقط في أيديهم وكادوا يستسلمون، ثم علموا أنهم لا ينجيهم من الموت إلا الإقدام عليه، فحملوا حملات متداركة كادوا يزيلون بها المسلمين، على كثرتهم، عن مواقفهم لولا لطف الله بهم، إلا أن الفرنج لا يحملون حملة فيرجعون إلا وقد قتل منهم، فوهنوا لذلك وهناً عظيماً، فأحاط بهم المسلمون إحاطة الدائرة بقطرها، فارتفع من بقي من الفرنج إلى تل بناحية حطين، وأرادوا أن ينصبوا خيامهم، ويجموا نفوسهم به، فاشتد القتال لعيهم من سائر الجهات، ومنعوهم عما أرادوا، ولم يتمكنوا من نصب خيمة غير خيمة ملكهم، وأخذ المسلمون صليبهم الأعظم الذي يسمونه صليب الصلبوت، ويذكرون أن فيه قطعة من الخشبة التي صلب عليها المسيح، عليه السلام، بزعمهم، فكان أخذه عندهم من أعظم المصائب عليهم، وأيقنوا بعده بالقتل والهلاك، هذا والقتل والأسر يعملان في فرسانهم ورجالتهم، فبقي الملك على التل في مقدار مائة وخمسين فارساً من الفرسان المشهورين والشجعان المذكورين.
فحكي لي عن الملك الأفضل، ولد صلاح الدين، قال: كنت إلى جانب أبي في ذلك الصاف، وهو أول مصاف شاهدته، فلما صار ملك الفرنج على التل في تلك الجماعة حملوا حملة منكرة على من بإزائهم من المسلمين حتى ألحقوهم بوالدي. قال: فنظرت إليه، وقد علته كآبة، وأربد لونه، وأمسك بلحيته، وتقدم، وهو يصيح: كذب الشيطان. قال: فعاد المسلمون على الفرنج، فرجعوا فصعدوا إلى التل، فلما رأيت الفرنج قد عادوا، والمسلمون يتبعونهم، صحت من فرحي: هزمناهم! فعاد الفرنج فحملوا حملة ثانية مثل الأولى حتى ألحقوا المسلمين بوالدي، وفعل مثل ما فعل أولاً، وعطف المسلمون عليهم فألحقوهم بالتل، فصحت أنا أيضاً: هزمناهم! لالتفت والدي إلي وقال: اسكت! ما نهزمهم حتى تسقط تلك الخيمة، قال: فهو يقول لي، وإذا الخيمة قد سقطت، فنزل السلطان وسجد شكراً لله تعالى، وبكى من فرحه.
وكان سبب سقوطها أن الفرنج لما حملوا تلك الحملات ازدادوا عطشاً، وقد كانوا يرجون الخلاص في بعض تلك الحملات مما هم فيه، فلما لم يجدوا إلى الخلاص طريقاً، نزلوا عن دوابهم وجلسوا على الأرض، فصعد المسلمون إليهم، فألقوا خيمة الملك، وأسروهم على بكرة أبيهم، وفيهم الملك وأخوه والبرنس أرناط، صاحب الكرك، ولم يكن للفرنج أسد منه عداوة للمسلمين، وأسروا أيضاً صاحب جبيل، وابن هنفري، ومقدم الداوية، وكان من أعظم الفرنج شأناً، وأسروا أيضاً جماعة من الداوية، وجماعة من الاسبتارية، وكثر القتل والأسر فيهم، فكان من يرى القتلى لا يظن أنهم أسروا واحداً، ومن يرى الأسرى لا يظن أنهم قتلوا أحداً، وما أصيب الفرنج، منذ خرجوا إلى الساحل، وهو سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى الآن، بمثل هذه الوقعة. (5/172)
فلما فرغ المسلمون منهم نزل صلاح الدين في خيمته، وأحضر ملك الفرنج عنده، وبرنس صاحب الكرك، وأجلس الملك إلى جانبه وقد أهلكه العطش، فسقاه ماء مثلوجاً، فشرب، وأعطى فضله برنس صاحب الكرك، فشرب، فقال صلاح الدين: إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فينال أماني؛ ثم كلم البرنس، وقرعه بذنوبه، وعدد عليه غدارته، وقام إليه بنفسه فضرب رقبته وقال: كنت نذرت دفعتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والثانية لما أخذ القفل غدراً؛ فلما قتله وسحب وأخرج ارتعدت فرائض الملك، فسكن جأشه وأمنه.
وأما القمص، صاحب طرابلس، فإنه لما نجا من المعركة، كما ذكرناه، وصل إلى صور، ثم قصد طرابلس، ولم يلبث إلا أياماً قلائل حتى مات غيظاً وحنقاً مما جرى على الفرنج خاصة، وعلى دين النصرانية عامة.
ذكر عود صلاح الدين إلى طبرية وملك قلعتها مع المدينة
لما فرغ صلاح الدين من هزيمة الفرنج أقام بموضعه باقي يومه، وأصبح يوم الأحد، فعاد إلى طبرية ونازلها، فأرسلت صاحبتها تطلب الأمان لها ولأولادها وأصحابها ومالها، فأجابها إلى ذلك، فخرجت بالجميع، فوفى لها، فسارت آمنة، ثم أمر بالملك وجماعة من أعيان الأسرى فأرسلوا إلى دمشق، وأمر بمن أسر من الداوية والاسبتارية أن يجمعوا ليقتلهم.
ثم علم أن من عنده أسير لا يسمح به لما يرجوا من فدائه، فبذل في كل أسير من هذين الصنفين خمسين ديناراً مصرية، فأحضر عنده في الحال مائتا أسير منهم، فأمر بهم فضربت أعناقهم، وإنما خص هؤلاء بالقتل لأنهم أشد شوكة من جميع الفرنج، فأراح الناس من شرهم؛ وكتب إلى نائبه خص هؤلاء بالقتل لأنهم أشد شوكة من جميع الفرنج، فأراح الناس من شرهم؛ وكتب إلى نائبه بدمشق ليقتل من دخل البلد منهم سواء كان له أو لغيره، ففعل ذلك، ولقد اجتزت بموضع الوقعة بعدها بنحو سنة، فرأيت الأرض ملأى من عظامهم تبين على البعد، منها المجتمع بعضه على بعض، ومنها المفترق، هذا سوى ما جحفته السيول، وأخذته السباع في تلك الأكام والوهاد.
ذكر فتح مدينة عكا
لما فرغ صلاح الدين من طبرية سار عنها يوم الثلاثاء ووصل إلى عكا يوم الأربعاء، وقد صعد أهلها على سورها يظهرون الامتناع والحفظ، فعجب هو والناس من ذلك لأنهم علموا أن عساكرهم من فارس وراجل بين قتيل وأسير، وأنهم لم يسلم منهم إلا القليل، إلا أنه نزل يومه، وركب يوم الخميس، وقد صمم على الزحف إلى البلد وقتاله، فبينما هو ينظر من أين يزحف ويقاتل إذ خرج كثير من ألها يضرعون، ويطلبون الأمان، فأجابهم إلى ذلك، وأمنهم على أنفسهم وأموالهم، وخيرهم بين الإقامة والظعن، فاختاروا الرحيل خوفاً من المسلمين، وساروا عنها متفرقين، وحملوا ما أمكنهم حمله من أموالهم، وتركوا الباقي على حاله.
ودخل المسلمون إليها يوم الجمعة مستهل جمادى الأولى، وصلوا بها الجمعة في جامع كان للمسلمين قديماً، ثم جعله الفرنج ببيعة، ثم جعله صلاح الدين جامعاً، وهذه الجمعة أول جمعة أقيمت بالساحل الشامي بعد أن ملكه الفرنج. وسلم البلد إلى ولده الأفضل، وأعطى جميع ما كان فيه للداوية من أقطاع وضياع وغير ذلك للفقيه عيسى، وغنم المسلمون ما بقي مما لم يطق الفرنج حمله، وكان من كمثرته يعجز الإحصاء عنه، فرأوا فيها من الذهب والجوهر والسقلاط، والبندقي، والشكر، والسلاح، وغير ذلك من أنواع الأمتعة كثيراً، فإنها كانت مقصداً للتجار الفرنج والروم وغيرهم، من أقصى البلاد وأدناها، وكان كثير منها قد خزنه التجار، وسافروا عنه لكساده، فلم يكن له من ينقله، ففرق صلاح الدين وابنه الأفضل ذلك جميعه على أصحابهما، وأكثر ذلك فعله الأفضل لأنه كان مقيماً بالبلد، وأنت شيمته في الكرم معروفة. و أقام صلاح الدين بعكا عدة أيام لإصلاح حالها. وتقرير قواعدها.
ذكر فتح مجدليابة
لما هزم صلاح الدين الفرنج أرسل إلى أخيه العادي بمصر يبشره بذلك، ويأمره بالمسير إلى بلاد الفرنج من جهة مصر بمن بقي عنده من العسكر، ومحاصرة ما يليه منها، فسارع إلى ذلك، وسار عن مصر فنازل حصن مجليابة وحصره وغنم ما فيه. وورد كتابه بذلك إلى صلاح الدين، وكانت بشارة كبيرة.
ذكر فتح عدة حصون (5/173)
في مدة مقام صلاح الدين بعكا تفرق عسكره إلى الناصرة، وقيسارية، وحيفا، وصفورية، ومعليا، والشقيف، والفولة، وغيرها من البلاد المجاورة لعكا، فملكوها ونهبوها وأسروا رجالها، وسبوا نساءها وأطفالها، وقدموا من ذلك بما سد القضاء، وسير تقي الدين فنزل على تبنين ليقطع المرة عنها وعن صور، وسير حسام الدين عمر بن لاجين في عسكره إلى نابلس فدخلها وحصر قلعتها واستنزل من فيها بالأمان، وتسلم القلعة، وأقام أهل البلد به، وأقرهم على أملاكهم وأموالهم.
ذكر فتح يافا
لما خرج العادل من مصر، وفتح مجدليابة، كما ذكرنا، سار إلى مدينة يافا، وهي على الساحل، فحصرها وملكها عنوة، ونهبها، وأسر الرجال، وسبى الحريم، وجرى على أهلها ما لم يجر على أحد من أهل تلك البلاد.
وكان عندي جارية من أهلها، وأنا بحلب، ومعها طفل عمره نحو سنة، فسقط من يدها فانسلخ وجهه، فبكت عليه كثيراً، فسكنتها وأعلمتها أنه ليس بولدها ما يوجب البكاء؛ فقالت: ما له أبكي، إنما أبكي لما جرى علينا. كان لي ستة أخوة هلكوا جميعهم، وزوج أختان لا أعلم ما كان منهم.
هذا من امرأة واحدة والباقي بالنسبة، ورأيت بحلب امرأة فرنجية قد جاءت مع سيدها إلى باب، فطرقه سيدها، فخرج صاحب البيت فكلمهما، ثم أخرج امرأة فرنجية، فحين رأتها الأخرى صاحتا واعتنقتا، وهما تصرخان وتبكيان، وسقطتا إلى الأرض، ثم قعدتا تتحدثان، وإذا هما أختان؛ وكان لهما عدة من الأهل ليس لهما علم بأحد منهم.
ذكر فتح تبنين وصيدا وجبيل وبيروت
فأما تبنين، فقد ذكرنا إنفاذ صلاح الدين تقي الدين ابن أخيه إلى تبنين، فلما وصلها نازلها، وأقام عليها، فرأى حصرها لا يتم إلا بوصول عمه صلاح الدين إليه، فأرسل إليه يعلمه الحال ويحثه على الوصول إليه، فرحل ثامن جمادى الأولى، ونزل عليه في الحادي عشر منه، فحصرها، وضايقها، وقاتلها بالزحف، وهي من القلاع المنيعة على جبل، فلما ضاق عليهم الأمر واشتد الحصر أطلقوا من عندهم من أسرى المسلمين، وهم يزيدون على مائة رجل، فلما دخلوا العسكر أحضرهم صلاح الدين وكساهم، وأعطاهم نفقة، وسيرهم إلى أهليهم.
وبقي الفرنج كذلك خمسة أيام ثم أرسلوا يطلبون الأمان، فأمنهم على أنفسهم فسلموها إليه، ووفى لهم وسيرهم إلى مأمنهم.
وأما صيدا فإن صلاح الدين لما فرغ من تبنين رحل عنها إلى صيدا، فاجتاز في طريقه بصرفند فأخذها صفواً عفواً بغير قتال، وسار عنها إلى صيدا، وهي من مدن الساحل المعروفة، فلما سمع صاحبها بمسيره نحوه سار عنها وتركها فارغة من مانع ومدافع. فلما وصلها صلاح الدين تسلمها ساعة وصوله وكان ملكها حادي عشر جمادى الأولى. وأما بيروت فهي من أحصن مدن الساحل وأنزهها أطيبها. فلما فتح صلاح الدين صيدا سار عنها من يومه نحو بيروت ووصل إليها من الغد فرأى أهلها قد صعدوا عل سورها وأظهروا القوة والجلد والعدة وقاتلوا على سورها عدة أيام قتالاً شديداً واغتروا بحصانة البلد، وظنوا أنهم قادرون على حفظه، وزحف المسلمون إليهم مرة بعد مرة، فبينما الفرنج على السور يقاتلون إذ سمعوا من البلد جلبة عظيمة وغلبة زائدة، فأتاهم من أخبرهم أن البلد قد دخله المسلمون من الناحية الأخرى قهراً وغلبة، فأرسلوا ينظرون ما الخبر وإذا ليس له صحة، فأرادوا تسكين من به فلم يمكنهم ذلك لكثرة ما اجتمع فيه من السواد، فلما خافوا على أنفسهم من الاختلاف الواقع أرسلوا يطلبون الأمان، فأمنهم على أنفسهم وأموالهم وتسلمها في التاسع والعشرين من جمادى الأولى من السنة فكان مدة حصرها ثمانية أيام.
وأما جبيل فإن صاحبها كان من جملة الأسى الذين سيروا إلى دمشق مع ملكهم فتحدث مع نائب صلاح الدين بدمشق في تسليم جبيل على شرط إطلاقه، فعرف صلاح الدين بذلك، فأحضره مقيداً عنده تحت الاستظهار والاحتياط، وكان العسكر حينئذ على بيروت، فسلم حصنه وأطلق أسرى المسلمين الذين به، وأطلقه صلاح الدين كما شرط له، وكان صاحب جبيل هذا من أعيان الفرنج وأصحاب الرأي والمكر والشر به يضرب المثل بينهم، وكان للمسلمين منه عدو أزرق، وكان إطلاقه من الأسباب الموهنة للمسلمين على ما يأتي بيانه.
ذكر خروج المركيش إلى صور (5/174)
لما انهزم القمص صاحب طرابلس من حطين إلى مدينة صور أقام بها، وهي أعظم بلاد الساحل حصانة وأشدها امتناعاً على من رامها، فلما رأى السلطان قد ملك تبنين وصيدا وبيوت، خاف أن يقصد صلاح الدين صور وهي فارغة ممن يقاتل فيها ويحميها ويمنعها فلا يقوى على حفظها، وتركها وسار إلى مدينة طرابلس فبقيت صور شاغرة لا مانع لها ولا عاصم من المسلمين، فلو بدأ بها صلاح الدين قبل تبنين وغيرها لأخذها بغير مشقة، لكنه استعظمها لحصانتها فأراد أن يفرغ باله مما يجاورها من نواحيها ليسهر أخذها، فكان ذلك سبب حفظها وكان أمر الله قدراً مقدوراً، واتفق أن إنساناً من الفرنج الذين داخل البحر يقال له المركيش، لعنه الله، خرج في البحر بمال كثير للزيارة والتجارة، ولم يشعر بما كان من الفرنج فأرسى بعكا، وقد رابه ما رأى من ترك عوائد الفرنج عند وصول المراكب من الفرنج وضرب الأجراس وغير ذلك، وما رأى أيضاً من زي أهل البلد، فوقف ولم يدر ما الخبر، وكانت الريح قد ركدت، فأرسل الملك الأفضل إليه بعض أصحابه في سفينة يبصر من هو وما يريد، فأتاه القاصد فسأله المركيش عن الأخبار لما أنكره فأخبره بكسرة الفرنج وأخذ عكا وغيرها، وأعلمه أن صور بيد الفرنج وعسقيلان وغيرها، وحكى الأمر له على وجهه فلم يمكنه الحركة لعدم الريح، فرد الرسول يطلب الأمان ليدخل البلد بما معه من متاع ومال، فأجيب إلى ذلك فردده مراراً كل مرة يطلب شيئاً لم يطلبه في المرة الأولى، وهو يفعل ذلك انتظاراً لهبوب الهواء ليسير به، فبينما هو في مراجعاته إذ هبت الريح فسار نحو صور، وسير الملك الأفضل الشواني في طلبه فلم يدركوه، فأتى صور وقد اجتمع بها من الفرنج خلق كثير لأن صلاح الدين كان كلما فتح مدينة من عكا وبيوت وغيرهما ما ذكرنا أعطى أهلها الأمان، فساروا كلهم إلى صور وكثر الجمع بها إلا أنهم ليس لهم رأس يجمعهم، ولا مقدم يقاتل بهم، وليسوا أهل حرب، وهم عازمون على مراسلة صلاح الدين وطلب الأمان وتسليم البلد إليه، فأتاهم المركيش وهم على ذلك العزم، فردهم عنه وقوى نفوسهم وضمن لهم حفظ المدينة وبذل ما معه من الأموال وشرط عليهم أن تكون المدينة وأعمالها له دون غيره، فأجابوه إلى ذلك، فأخذ أيمانهم عليه وأقام عندهم ودبر أحوالهم، وكان من شياطين الإنس حسن التدبير والحفظ، وله شجاعة عظيمة، وشرع في تحصينها فجدد حفر خنادقها وعمل أسوارها، وزاد في حصانتها واتفق من بها على الحفظ والقتال دونها.
ذكر فتح عسقلان وما يجاورها
لما ملك صلاح الدين بيروت وجبيل وغيرهما، كان أمر عسقلان والقدس أهم عنده من غيرهما لأسباب منها أنهما على طريق مصر، يقطع بينهما وبين الشام. وكان يختار أن تتصل الولايات له ليسهل خروج العسكر منها ودخولهم إليها، ولما في فتح القدس من الذكر الجميل والصيت العظيم، إلى غير ذلك من الأغراض، فسار عن بيروت نحو عسقلان، واجتمع بأخيه العادل ومن معه من عساكر مصر، ونازلوها يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة، وكان صلاح الدين قد أحضر ملك الفرنج ومقدم الداوية إليه من دمشق، وقال لهما: إن سلمتما البلاد إلي فلكما الأمان؛ فأرسلا إلى من بعسقلان من الفرنج يأمرانهم بتسليم البلد، فلم يسمعوا أمرهما وردوا عليهما أقبح رد وجبهوهما بما يسوءهما.
فلما رأى السلطان ذلك جد في قتال المدينة ونصب المجانيق عليها، وزحف مرة بعد أخرى، وتقدم النقابون إلى السور، فنالوا من باشورته شيئاً. هذا وملكهم يكرر المراسلات إليهم بالتسليم، ويشير عليهم، ويعدهم أنه إذا أطلق من الأسر أضرم البلاد على المسلمين ناراً، واستنجد الفرنج من البحر، و أجلب الخيل والرجل إليهم من أقاصي بلاد الفرنج وأدانيها، وهم لا يجيبون إلى ما يقول ولا يسمعون ما يشير به. (5/175)
ولما رأوا أنهم كل يوم يزدادون ضعفاً ووهناً، وإذا قتل منهم الرجل لا يجدون له عوضاً، ولا لهم نجدة ينتظرونها، راسلوا ملكهم المأسور في تسليم البلد على شروط اقترحوها، فأجابهم صلاح الدين إليها، وكانوا قتلوا في الحصار أميراً كبيراً من المهرانية، فخافوا عند مفارقة البلد أن عشيرته يقتلون منهم بثأره، فاحتاطوا فيما اشترطوا لأنفسهم، فأجيبوا إلى ذلك جميعه، وسلموا المدينة سلخ جمادى الآخرة من السنة، وكانت مدة الحصار أربعة عشر يوماً، وسيرهم صلاح الدين ونساءهم وأموالهم وأولادهم إلى بيت القدس، ووفي لهم بالأمان.
ذكر فتح البلاد والحصون المجاورة لعسقلان.
لما فتح صلاح الدين عسقلان أقام بظاهرها، وبث السرايا في أطراف البلاد المجاورة لها، ففتحوا الرملة، والداروم، وغزة، ومشهد إبراهيم الخليل، عليه السلام، ويبنى، وبيت لحم، وبيت جبريل، والنظرون، وكل ما كان للداوية.
ذكر فتح البيت المقدس
لما فرغ صلاح الدين من أمر عسقلان وما يجاورها من البلاد، على ما تقدم، وكان قد أرسل إلى مصر أخرج الأسطول الذي بها في جمع من المقاتلة، ومقدمهم حسام الدين لؤلؤ الحاجب، وهو معروف بالشجاعة، والشهامة، ويمن النقيبة، فأقاموا في البحر يقطعون الطريق على الفرنج، كلما رأوا لهم مركباً غنموه، وشانياً أخذوه، فحين وصل الأسطول وخلا سره من تلك الناحية سار عن عسقلان إلى البيت المقدس، وكان به البطرك المعظم عندهم، وهو أعظم شأناً من ملكهم، وبه أيضاً باليان بن بيرزان، صاحب الرملة، وكانت مرتبته عندهم تقارب مرتبة الملك، وبه أيضاً من خلص من فرسانهم من حطين، وقد جمعوا وحشدوا، واجتمع أهل تلك النواحي، عسقلان وغيرها، فاجتمع به كثير من الخلق، كلهم يرى الموت أيسر عليه من أن يملك المسلمون البيت المقدس ويأخذوه منهم، ويرى أن بذل نفسه وماله وأولاده بعض ما يجب عليه من حفظه، وحصنوه تلك الأيام بما وجدوا إليه سبيلاً، وصعدوا على سوره بحدهم وحديدهم، مجمعين على حفظه والذب عنه بجهدهم وطاقتهم، مظهرين العزم على المناضلة دونه بحسب استطاعتهم، ونصبوا المجانيق على أسواره ليمنعوا من يريد الدنو منه والنزول عليه.
ولما قرب صلاح الدين منه تقدم أمير في جماعة من أصحابه، غير محتاط ولا حذرن فلقيه جمع من الفرنج قد خرجوا من القدس ليكونوا يزكاً، فقاتلوهم، فقتلوه وقتلوا جماعة ممن معه، فأهم المسلمين قتله، وفجعوا بفقده، وساروا حتى نزلوا على القدس منتصف رجب، فلما نزلوا عليه رأى المسلمون على سوره من الرجال ما هالهم، وسمعوا لأهله من الجلبة والضجيج من وسط المدينة ما استدلوا به على كثرة الجمع، و بقي صلاح الدين خمسة أيام يطوف حول المدينة لينظر من أين يقاتله، لأنه في غاية الحصانة والامتناع فلم يجد عليه موضع قتال إلا من جهة الشمال نحو باب عمودا، وكنيسة صهيون، فانتقل إلى هذه الناحية في العشرين من رجب ونزلها، ونصب تلك الليلة المجانيق، فأصبح من الغد وقد فرغ من نصبها، ورمى بها.
ونصب الفرنج على سور البلد مجانيق ورموا بها، وقوتلوا أشد قتال رآه أحد من الناس، كل واحد من الفريقين يرى ذلك ديناً، وحتماً واجباً، فلا يحتاج إلى باعث سلطاني بل كانوا يمنعون ولا يمتنعون ويزجرون ولا ينزجرون.
وكان خيالة الفرنج كل يوم يخرجون إلى ظاهر البلد يقاتلون ويبارزون، فيقتل من الفريقين؛ وممن استشهد من المسلمين الأمير عز الدين عيسى ابن مالك، وهو من أكابر الأمراء، وكان أبوه صاحب قلعة جعبر، وكان يصطلي القتال بنفسه كل يوم، فقتل إلى رحمة الله تعالى، وكان محبوباً إلى الخاص والعام، فلما رأى المسلمون مصرعه عظم عليهم ذلك، وأخذ من قلوبهم، فحملوا حملة رجل واحد، فأزالوا الفرنج عن مواقفهم، فأدخلوهم بلدهم، و وصل المسلمون إلى الخندق، فجاوزه والتصقوا إلى السور فنقبوه، وزحف الرماة يحمونهم، والمجانيق توالي الرمي لتكشف الفرنج عن الأسوار ليتمكن المسلمون من النقب، فلما نقبوه حشوه بما جرت به العادة. (5/176)
فلما رأى الفرنج شدة قتال المسلمين، وتحكم المجانيق بالرمي المتدارك، وتمكن النقابين من النقب، وأنهم قد أشرفوا على الهلاك، اجتمع مقدموهم يتشاورون فيما يأتون ويذرون، فاتفق رأيهم على طلب الأمان، وتسليم البيت المقدس إلى صلاح الدين، فأرسلوا جماعة من كبرائهم وأعيانهم في طلب الأمان، فلما ذكروا ذلك للسلطان امتنع من إجابتهم، وقال: لا أفعل بكم إلا كما فعلتم بأهله حين ملكتموه سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، من القتل والسبي وجزاء السيئة بمثلها. فلما رجع الرسل خائبين محرومين، أسل باليان بن بيرزان وطلب الأمان لنفسه ليحضر عند صلاح الدين في هذا الأمر وتحريره، فأجيب إلى ذلك، وحضر عنده، ورغب في الأمان، وسأل فيه، فلم يجبه إلى ذلك، واستعطفه فلم يعطف عليه، واسترحمه فلم يرحمه.
فلما أيس من ذلك قال له: أيها السلطان اعلم أننا في هذه المدينة في خلق كثير لا يعلمهم إلا الله تعالى، وإنما يفترون عن القتال رجاء الأمان، ظناً منهم أنك تجيبهم إليه كما أجبت غيرهم، وهم يكرهون الموت ويرغبون في الحياة، فإذا رأينا أن الموت لا بد منه، فوالله لنقتلن أبناءنا ونساءنا ونحرق أموالنا وأمتعتنا، ولا نترككم تغنمون منها ديناراً واحداً ولا درهماً، ولا تسبون وتأسرون رجلاً ولا امرأة، وإذا فرغنا من ذلك أخربنا الصخرة والمسجد الأقصى وغيرهما من المواضع، ثم نقتل من عندنا من أسارى المسلمين، وهم خمسة آلاف أسير، ولا نترك لنا دابة ولا حيواناً إلا قتلناه ثم خرجنا إليكم كلنا فقاتلناكم قتال من يريد أن يحمي دمه ونفسه، وحينئذ لا يقتل الرجل حتى يقتل أمثاله، ونموت أعزاء أو نظفر كراماً.
فاستشار صلاح الدين أصحابه، فأجمعوا على إجابتهم إلى الأمان، وأن لا يخرجوا ويحملوا على ركوب ما لا يدري عاقبة الأمر فيه عن أي شيء تنجلي، ونحسب أنهم أسارى بأيدينا، فنبيعهم نفوسهم بما يستقر بيننا وبينهم، فأجاب صلاح الدين حينئذ إلى بذل الأمان للفرنج، فاستقر أن يزن الرجل عشرة دنانير يستوي فيه الغني والفقير، ويزن الطفل من الذكور والبنات دينارين، وتزن المرأة خمسة دنانير، فمن أدى ذلك إلى أربعين يوماً فقد نجا، ومن انقضت الأربعون يوماً عنه ولم يؤد ما عليه فقد صار مملوكاً، فبذل باليان بن بيرزان عن الفقراء ثلاثين ألف دينار، فأجيب إلى ذلك.
وسلمت المدينة يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب، وكان يوماً مشهوداً، ورفت الأعلام الإسلامية على أسوارها، ورتب صلاح الدين على أبواب البلد، في كل باب، أميناً من الأمراء ليأخذوا من أهله ما استقر عليهم، فاستعملوا الخيانة، ولم يؤدوا فيه أمانة، واقتسم الأمناء الأموال، وتفرقت أيدي سبا، ولو أديت فيه الأمانة لملأ الخزائن، وعم الناس، إنه كان فيه على الضبط ستون ألف رجل ما بين فارس وراجل سوى من يتبعهم من النساء والولدان، ولا يعجب السامع من ذلك، فإن البلد كبير، واجتمع إليه من تلك النواحي من عسقلان وغيرها، والداروم، والرملة، وغزة، وغيرها من القرى، بحيث امتلأت الطرق والكنائس، وكان الإنسان لا يقدر أن يمشي.
ومن الدليل على كثرة الخلق أن أكثرهم وزن ما استقر من القطيعة، وأطلق باليان بن بيرزان ثمانية عشر ألف رجل وزن عنهم ثلاثين ألف دينار، وبقي بعد هذا جميعه من لم يكن معه ما يعطي، وأخذ أسيراً ستة عشر ألف آدمي ما بين رجل وامرأة وصبي، هذا بالضبط واليقين.
ثم إن جماعة من الأمراء ادعى كل واحد منهم أن جماعة من رعية إقطاعه مقيمون بالبيت المقدس، فيطلقهم ويأخذ هو قطيعتهم، وكان جماعة من الأمراء يلبسون الفرنج زي الجند المسلمين، ويخرجونهم، ويأخذون منهم قطيعة قرروها، واستوهب جماعة من صلاح الدين عدداً من الفرنج، فوهبهم لهم، فأخذوا قطيعتهم، وبالجملة فلم يصل إلى خزائنه إلا القليل.
وكان بالقدس بعض نساء الملوك من الروم قد ترهبت وأقامت به، ومعها من الحشم والعبيد والجواري خلق كثير، ولها من الأموال والجواهر النفيسة شيء عظيم، فطلب الأمان لنفسها ومن معها، فأمنها وسيرها.
وكذلك أيضاً أطلق ملكة القدس التي كان زوجها الذي أسره صلاح الدين قد ملك الفرنج بسببها، ونيابة عنها كان يقوم بالملك، وأطلق مالها وحشمها، واستأذنته في المصير إلى زوجها، وكان حينئذ محبوساً بقلعة نابلس، فأذن لها، فأتته وأقامت عنده. (5/177)
لما فتح صلاح الدين البيت المقدس أقام بظاهره إلى الخامس والعشرين من شعبان يرتب أمور البلد وأحواله، وتقدم بعمل الربط والمدارس، فجعل دار الاسبتار مدرسة للشافعية، وهي في غاية ما يكون من الحسن؛ فلما فرغ من أمر البلد سار إلى مدينة صور، وكانت قد اجتمع فيها من الفرنج عالم كثير، وقد صار المركيش صاحبها والحاكم فيها، وقد ساسهم أحسن سياسة، وبالغ في تحصين البلد، ووصل صلاح الدين إلى عكا، وأقام بها أياماً، فلما سمع المركيش بوصوله إليها جد في عمل سور صور وخنادقها وتعميقها، ووصلها من البحر إلى البحر من الجانب الآخر، فصارت المدينة كالجزيرة في وسط الماء لا يمكن الوصول إليها ولا الدنو منها.
ثم رحل صلاح الدين من عكا، فوصل إلى صور تاسع شهر رمضان، فنزل على نهر قريب من البلد بحيث يراه، حتى اجتمع الناس وتلاحقوا، وسار في الثاني والعشرين من رمضان، فنزل على تل يقارب سور البلد، بحيث يرى القتال، وقسم القتال على العسكر كل جمع منهم له وقت معلوم يقاتلون فيه، بحيث يتصل القتال على أهل البلد لحفظه، وعليه الخنادق التي قد وصلت من البحر إلى البحر، فلا يكاد الطير يطير عليها، فإن المدينة كالكف في البحر، والساعد متصل بالبر والبحر من جانبي الساعد، والقتال إنما هو في الساعد، فزنف المسلمون مرة بالمجانيق، والعرادات، والجروخ، والدبابات، وكان أهل صلاح الدين يتناوبون القتال مثل: ولده الأفضل، وولده الظاهر غازي، وأخيه العادل بن أيوب، وابن أخيه تقي الدين، وكذلك سائر الأمراء.
وكان للفرنج شوان وحراقات يركبون فيها في البحر، ويقفون من جانبي الموضع الذي يقاتل المسلمون منه أهل البلد، فيرمون المسلمين من جانبهم بالجوخ، ويقاتلونهم. وكان ذلك يعظم عليهم، لأن أهل البلد يقاتلونهم من بين أيديهم، وأصحاب الشواني يقاتلونهم من جانبيهم، فكانت سهامهم تنفذ من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر لضيق الموضع، فكثرت الجراحات في المسلمين والقتل، ولم يتمكنوا من الدنو إلى البلد؛ فأرسل صلاح الدين إلى الشواني التي جاءت من مصر، وهي عشر قطع، وكانت بعكا، فأحضرها برجالها ومقاتلتها وعدتها، وكانت في البحر تمنع شواني أه صور من الخروج إلى قتال المسلمين، فتمكن المسلمون حينئذ من القرب من البلد، ومن قتالهن فقاتلوه براً وبحراً وضايقوه حتى كادوا يظفرون، فجاءت الأقدار بما لم يكن في الحساب، وذلك أن خمس قطع من شواني المسلمين باتت، في بعض تلك الليالي، مقابل ميناء صور ليمنعوا من الخروج منه والدخول إليه، فباتوا ليلتهم يحرسون، وكان مقدمهم عبد السلام المغربي الموصوف بالحذق في صناعته وشجاعته، فلما كان وقت السحر أمنوا فناموا، فما شعروا إلا بشواني الفرنج قد نازلتهم وضايقتهم، فأوقعت بهم، فقتلوا من أرادوا قتله، وأخذوا الباقين بمراكبهم، وأدخلوهم ميناء صور، والمسلمون في البر ينظرون إليهم، ورمى جماعة من المسلمين أنفسهم من الشواني في البحر، فمنهم من سبح فنجا، ومنهم من غريق.
وتقدم السلطان إلى الشواني الباقية بالمسير إلى بيروت لعدم انتفاعه بها لقلتها، فسارت، فتبعها شواين الفرنج، فحين رأى من في شواني المسلمين الفرنج مجدين في طلبهم ألقوا نفوسهم في شوانيهم إلى البر فنجوا وتركوها، فأخذها صلاح الدين، ونقضها وعاد إلى مقاتلة صور في البر، وكان ذلك قليل الجدوى لضيق المجال.
وفي بعض الأيام خرج الفرنج فقاتلوا المسلمين من وراء خنادقهم، فاشتد القتال بين الفريقين، ودام إلى آخر النهار؛ كان خروجهم قبل العصر، وأسر مهم فارس كبير مشهور، بعد أن كثر القتال والقتل عليه من الفريقين، لما سقط، فلما أسر قتل، وبقوا كذلك عدة أيام.
ذكر الرحيل عن صور إلى عكا وتفريق العساكر (5/179)
لما رأى صلاح الدين أن أمر صور يطول رحل عنها، وهذه كانت عادته، متى ثبت البلد بين يديه ضجر منه ومن حصاره فرحل عنه. وكان هذه السنة لم يطل مقامه على مدينة بل فتح الجميع في الأيام القريبة، كما ذكرناه، بغير تعب ولا مشقة. فلما رأى هو وأصحابه شدة أمر صور ملوها، وطلبوا الانتقال عنها، ولم يكن لأحد ذنب في أمرها غير صلاح الدين، فإنه هو جهز إليها جنود الفرنج، وأمدها بالرجال والأموال من أهل عكا وعسقلان والقدس وغير ذلك، كما سبق ذكره؛ كان يعطيهم الأمان ويرسلهم إلى صور، فصار فيها من سلم من فرسان الفرنج بالساحل، بأموالهم وأموال التجار وغيرهم، فحفظوا المدينة وراسلوا الفرنج داخل البحر يستمدونهم، فأجابوهم بالتلبية لدعوتهم، ووعدوهم بالنصرة، وأمروهم بحفظ صور لتكون دار هجرتهم يحتمون بها ويلجأون إليها، فزادهم ذلك حرصاً على حفظها والذب عنها.
وسنذكر إن شاء الله ما صار إليه الأمر بعد ذلك ليعلم أن الملك لا ينبغي أن يترك الحزم، وإن ساعدته الأقدار، فلأن يعجز حازماً خير له من أن يظفر مفرطاً، مضيعاً للحزم، وأعذر له عند الناس.
ولما أراد الرحيل استشار أمراءه، فاختلفوا، فجماعة يقولون: الرأي أن نرحل، فقد جرح الرجال، وقتلوا، وملوا، وفنيت النفقات، وهذا الشتاء قد حضر، والشوط بطين، فنريح ونستريح في هذا البرد، فإذا جاء الربيع اجتمعنا وعاودناها وغيرها. وكان هذا قول الأغنياء منهم، وكأنهم خافوا أن السلطان يقترض منهم ما ينفقه في العسكر إذا أقام لخلو الخزائن وبيوت الأموال من الدرهم والدينار، فإنه كان يخرج كل ما حمل إليه منها. وقالت الطائفة الأخرى: الرأي أن نصابر البلد ونضايقه، فهو الذي يعتمدون عليه من حصونهم، ومتى أخذناه منهم انقطع طمع من داخل البحر من هذا الجانب وأخذنا باقي البلاد صفواً عفواً.
فبقي صلاح الدين متردداً بين الرحيل والإقامة، فلما رأى من يرى الرحيل إقامته أخل بما رد إليه من المحاربة والرمي بالمنجنيق، واعتذروا بجراح رجالهم، وأنهم قد أرسلوا بعضهم ليحضروا نفقاتهم والعلوفات لدوابهم والأقوات لهم، إلى غير ذلك من الأعذار، فصاروا مقيمين بغير قتال، فاضطر إلى الرحيل، فرحل عنها آخر شوال، وكان أول كانون الأول، إلى عكا، فأذن للعساكر جميعها بالعود إلى أوطانهم والاستراحة في الشتاء، والعود في الربيع، فعادت عساكر الشرق والموصل وغيرها، وعساكر الشام، وعساكر مصرن وبقي حلقته الخاص مقيماً بعكا، فنزل بقلعتها، ورد أمر البلد إلى عز الدين جورديك، وهو من أكابر المماليك النورية، جمع الديانة والشجاعة وحسن السيرة.
ذكر فتح هونين
لما فتح صلاح الدين تبنين امتنع من بهونين من تسليمها، وهي من أحسن القلاع وأمنعها، فلم ير التعريج عليها ولا الاشتغال بمحاصرتها، بل سير إليها جماعة من العسكر والأمراء فحصروها، ومنعوا من حمل الميرة إليها؛ واشتغل بما تقدم ذكره من فتح عسقلان والبيت المقدس وغير ذلك، فلما كان يحاصر مدينة صور أرسل من فيها يطلبون الأمان، فأمنهم، فسلموا، ونزلوا منها فوفى لهم بأمانهم.
ذكر حصر صفد وكوكب والكرك
لما سار صلاح الدين إلى عسقلان جعل على قلعة كوكب، وهي مطلة على الأردن، من يحصرها، ويحفظ الطريق للمجتازين لئلا ينزل من به من الفرنج يقطعونه، وسير طائفة أخرى من العسكر أيضاً إلى قلعة صفد فحصروها، وهي مطلة على مدينة طبرية.
وكان حصن كوكب للإسبتار، وحصن صفد للداوية، وهما قريبان من حطين، موضع المصاف، فلجأ إليها جمع ممن سلم من الداوية والإسبتار فحموهما، فلما حصرهما المسلمون استراح الناس من شر من فيهما، واتصلت الطرق حتى كان يسير فيها المنفرد فلا يخاف. (5/180)
وكان مقدم الجماعة الذين يحصرون قلعة كوكب أميراً يقال له سيف الدين، وهو أخو جاولي الأسدي، وكان شهماً شجاعاً، يرجع إلى دين وعبادة، فأقام عليه إلى آخر شوال، وكان أصحابه يحرسون نوباً مرتبة، فلما كان آخر ليلة من شوال غفل الذي كانت نوبته في الحراسة، وكان قد صلى ورده من الليل إلى السحر، وكانت ليلة كثيرة الرعد والبرق، والريح والمطر، فلم يشعر المسلمون وهم نازلون إلا والفرنج قد خالطوهم بالسيوف، ووضعوا السلاح فيهم، فقتلوهم أجمعين، وأخذوا ما كان عندهم من طعام وسلاح وغيره وعادوا إلى قلعتهم، فقووا بذلك قوة عظيمة أمكنتهم أن يحفظوا قلعتهم إلى أن أخذت أواخر سنة أربع وثمانين، على ما سنذكره إن شاء الله.
وأتى الخبر إلى صلاح الدين بذلك، عند رحيله عن صور، فعظم ذلك عليه، مضافاً إلى ما ناله من أخذ شوانيه ومن فيها، ورحيله عن صور، ثم رتب على حصن كوكب الأمير قايماز النجمي في جماعة أخرى من الأجناد، فحصروها.
ذكر الفتنة بعرفات وقتل ابن المقدم
في هذه السنة، يوم عرفة، قتل شمس الدين محمد بن عبد الملك المعروف بابن المقدم بعرفات، وهو أكبر الأمراء الصلاحية، وقد تقدم من ذكره ما فيه كفاية.
وسبب قتله أنه لما فتح المسلمون البيت المقدس طلب إذناً من صلاح الدين ليحج ويحرم من القدس، ويجمع في سنة بين الجهاد والحج وزيارة الخليل، عليه السلام، وما بالشام من مشاهد الأنبياء، وبين زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، فأذن له. وكان قد اجتمع تلك السنة من الحجاج بالشام الخلق العظيم من البلاد: العراق، والموصل، وديار بكر، والجزيرة، وخلاط، وبلاد الروم ومصر وغيرها، ليجمعوا بين زيارة البيت المقدس ومكة، فجعل ابن المقدم أميراً عليهم فساروا حتى وصلوا إلى عرفات سالمين، ووقفوا في تلك المشاعر، وأدوا الواجب والسنة.
فلما كان عشية عرفة تجهز هو وأصحابه ليسيروا من عرفات، فأمر بضرب كوساته التي هي أمارة الرحيل، فضربها أصحابه، فأرسل إليه أمير الحاج العراقي، وهو مجبر الدين طاش تكين، ينهاه عن الإفاضة من عرفات قبله، ويأمره بكف أصحابه عن ضرب كوساته، فأرسل إليه : إني ليس لي معك تعلق، أنت أمير الحاج العراقي، وأنا أمير الحاج الشامي، وكل منا يفعل ما يراه ويختاره؛ وسار ولم يقف، ولم يسمع قوله، فلما رأى طاش تكين إصراره على مخالفته ركب في أصحابه وأجناده، وتبعه من غوغاء الحاج العراقي وبطاطيهم، وطاعتهم، والعالم الكثير، والجم الغفير، وقصدوا حاج الشام مهولين عليهم، فلما قربوا منهم خرج الأمر من الضبط، وعجزوا عن تلافيه، فهجم طماعة العراق على حاج الشام وفتكوا فيهم، وقتلوا جماعة ونهيت أموالهم وسبيت جماعة من نسائهم، إلا أنهن رددن عليهم، وجرح ابن المقدم عدة جراحات، وكان يكف أصحابه عن القتال، ولو أذن لهم لانتصف منهم وزاد، لكنه راقب الله تعالى، وحرمة المكان واليوم، فلما أثخن بالجراحات أخذه طاش تكين إلى خيمته، وأنزله عنده ليمرضه ويستدرك الفارط في حقه، وساروا تلك الليلة من عرفات، فلما كان الغد مات بمنى، ودفن بمقبرة المعلى، ورزق الشهادة بعد الجهاد، و شهود فتح البيت المقدس، رحمه الله تعالى.
ذكر قوة السلطان طغرل على قزل
في هذه السنة قوي أمر السلطان طغرل، وكثر جمعه، وملك كثيراً من البلاد، فأرسل قزل إلى الخليفة يستنجده، ويخوفه من طغرل، ويبذل من نفسه الطاعة والتصرف على ما يختارونه، وأرسل طغرل رسولاً إلى بغداد يقول: أريد أن يتقدم الديوان بعمارة دار السلطنة لأسكنها إذا وصلت؛ فأكرم رسول قزل ووعده بالنجدة، ورد رسول السلطان طغرل بغير جواب، وأمر الخليفة بنقض دار السلطنة، فهدمت إلى الأرض وعفي أثرها.
ذكر ملك شرستي من الهند وغيرها وانهزام المسلمين بعدها
في آخر هذه السنة سار شهاب الدين الغوري، ملك غزنة، إلى بلاد الهند، وقصد بلاد أجمير، وتعرف بولاية السوالك، واسم ملكهم كولة، وكان شجاعاً شهماً، فلما دخل المسلمون بلاده ملكوا مدينة تبرندة، وهي حصن منيع عامر، وملكوا شرستي، وملكوا كورام. (5/181)
فلما سمع ملكهم جمع العساكر فأكثر، وسار إلى المسلمين، فالتقوا، وقامت الحرب على ساق، وكان مع الهند أربعة عشر فيلاً، فلما اشتدت الحرب انهزمت ميمنة المسلمين وميسرتهم، فقال لشهاب الدين بعض خواصه: قد انكسرت الميمنة والميسرة، فانج بنفسك لا يهلك المسلمون؛ فأخذ شهاب الدين الرمح وحمل على الهنود، فوصل إلى الفيلة، فطعن فيلاً منها في كتفه، وجرح الفيل لا يندمل، فلما وصل شهاب الدين إلى الفيلة زرقه بعض الهنود بحربة، فوقعت الحربة في ساعده، فنفذت الحربة من الجانب الآخر، فوقع حينئذ إلى الأرض، فقاتل عليه أصحابه ليخلصوه، وحرصت الهنود على أخذه، وكان عنده حرب لم يسمع بمثلها، وأخذه أصحابه فركبوه فرسه وعادوا به منهزمين، فلم يتبعهم الهنود، فلما أبعدوا عن موضع الوقعة بمقدار فرسخ أغمي على شهاب الدين من كثرة خروج الدم، فحمله الرجال على أكتافهم في محفة اليد أربعة وعشرين فرسخاً، فلما وصل إلى لهاوور أخذ الأمراء الغورية، وهم الذين انهزموا ولم يثبتوا، وعلق على كل واحد منم عليق شعير؛ وقال: أنتم دواب ما أنتم أمراء! وسار إلى غزنة، وأمر بعضهم فمشى إليها ماشياً، فلما وصل إلى غزنة أقام بها ليستريح الناس، ونذكر ما فعله بملك الهند الذي هزمه سنة ثمان وثمانين إن شاء الله تعالى.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في ربيع الأول، قتل مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب، وهو أستاذ دار الخليفة، أمر الخليفة بقتله، وكان متحكماً في الدولة، ليس للخليفة معه حكم؛ وكان هو القيم بالبيعة له، وظهر له أموال عظيمة، أخذ جميعها، وان حسن السيرة عفيفاً عن الأموال، وكان الذي سعى به إنسان من أصحابه وصنائعه، يقال له عبيد الله بن يونس، فسعى به إلى الخليفة، وقبح آثاره، فقبض عليه وقتله.
وفيها، في ربيع الآخر، وقع حريق في الحظائر ببغداد، واحترقت أحطاب كثيرة، وسببه أن فقيهاً بالمدرسة النظامية كان يطبخ طعاماً يأكله، فغفل عن النار والطبيخ، فعلقت النار واتصلت إلى الحظائر، فاحترقت جميعها، واحترق درب السلسلة وغيره مما يجاوره.
وفيها، في شوال، استوزر الخليفة الناصر لدين الله أبا المظفر عبيد الله ابن يونس، ولقبه جلال الدين، ومشى أرباب الدولة في ركابه، حتى قضى القضاة، وكان ابن يونس من شهوده. وكان يمشي ويقول: لعن الله طول العمر.
وفيها، في المحرم، توفي عبد المغيث بن زهير الحري ببغداد، وكان من أعيان الحنابلة، قد سمع الحديث الكثير، وصنف كتاباً في فضائل يزيد ابن معاوية أتى فيه بالعجائب، وقد رد عليه أبو الفرج بن الجوزي، وكان بنيهما عداوة.
وفيها توفي قاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني، وولي قضاء القضاة للمقتفي بعد موت الزينبي، ثم للمستنجد بالله، ثم عزل، ثم أعيد إلى المستضيء بأمر الله.
وفيها توفي الوزير جلال الدين أبو الحسن علي بن جمال الدين أبي جعفر محمد بن أبي منصور وزير صاحب الموصل، وهو الجواد ابن الجواد، وقد ذكرنا من أخباره وأخبار أبيه ما يعلم به محلهما، وحمل إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فدفن بها عند أبيه علي بن خطاب بن ظفر الشيخ الصالح من جزيرة ابن عمر، وكان من الأولياء أرباب الكرامات، وصحبته أنا مدة، فلم أر مثله حسن خلق وسمت وكرم وعبادة، رحمه الله.
وفيها ولدت امرأة من سواد بغداد بنتاً لها أسنان.
وفيها توفي نصر بن فتيان بن مطر أبو الفتح بن المني الفقيه الحنبلي، لم يكن لهم مثله، رحمه الله.

This site was last updated 07/28/11