Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة أربع وستين وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة334
سنة335 وسنة336
سنة 337 وسنة338
سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة
سنة340 وسنة341
سنة342 وسنة343 وسنة344 وسنة345
سنة346 وسنة347
سنة348 وسنة349 وسنة350
سنة351
سنة352 وسنة353 وسنة354
سنة355
سنة356 وسنة357
سشنة358
سنة259
سنة360 وسنة361
سنة363
سنة364
سنة365
سنة366 وسنة367
سنة367 وسنة368
سنة369
سنة370 وسنة371
سنة372
سنة373
سنة364 وسنة375
سنة476 وسنة377
سنة378 وسنة379
سنة380 وسنة381

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة أربع وستين وثلاثمائة
ذكر استيلاء عضد الدولة على العراق وقبض بختيار

في هذه السنة وصل عضد الدولة واستولى على العراق، وقبض بختيار ثم عاد فأخرجه. (4/63)
وسبب ذلك أن بختيار لما تابع كتبه إلى عضد الدولة يستنجده، ويستعين به على الأتراك، سار إليه في عساكر فارس، واجتمع به أبو الفتح بن العميد، وزير أبيه ركن الدولة، في عساكر الري بالأهواز، وساروا إلى واسط. فلما سمع الفتكين بخبر وصولهم رجع إلى بغداد، وعزم على أن يجعلها وراء ظهره، ويقاتل على ديالى.
ووصل عضد الدولة، فاجتمع به بختيار، وسار عضد الدولة إلى بغداد في الجانب الشرقي، وأمر بختيار أن يسير في الجانب الغربي.
ولما بلغ الخبر إلى أبي تغلب بقرب الفتكين منه عاد عن بغداد إلى الموصل لأن أصحابه شغبوا عليه، فلم يمكنه المقام، ووصل الفتكين إلى بغداد، فحصل محصوراً من جميع جهاته، وذلك أن بختيار كتب إلى ضبة بن محمد الأسدي، وهو من أهل عين التمر، وهو الذي هجاه المتنبي، فأمره بالإغارة على أطراف بغداد، وبقطع الميرة عنها، وكتب بمثل ذلك إلى بني شيبان.
وكان أبو تغلب بن حمدان من ناحية الموصل يمنع الميرة وينفذ سراياه، فغلا السعر ببغداد، وثار العيارون والمفسدون فنهبوا الناس ببغداد، وامتنع الناس من المعاش لخوف الفتنة، وعدم الطعام والقوت بها، وكبس الفتكين المنازل في طلب الطعام.
وسار عضد الدولة نحو بغداد، فلقيه الفتكين والأتراك بين ديالى والمدائن، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وانهزم الأتراك فقتل منهم خلق كثير، ووصلوا إلى ديالى فعبروا على جسور كانوا عملوها عليه، فغرق منهم أكثرهم من الزحمة، وكذلك قتل وغرق من العيارين الذين أعانوهم من بغداد، واستباحوا عسكرهم، وكانت الوقعة رابع عشر جمادى الأولى.
وسار الأتراك إلى تكريت، وسار عضد الدولة فنزل بظاهر بغداد، فلما علم وصول الأتراك إلى تكريت دخل بغداد ونزل بدار المملكة، وكان الأتراك قد أخذوا الخليفة معهم كارهاً، فسعى عضد الدولة حتى رده إلى بغداد، فوصلها ثامن رجب في الماء، وخرج عضد الدولة فلقيه في الماء أيضاً، وامتلأت دجلة بالسيمريات والزبازب، ولم يبق ببغداد أحد، ولو أراد إنسان أن يعبر دجلة على السميريات من واحدة إلى أخرى لأمكنه ذلك لكثرتها؛ وسار عضد الدولة مع الخليفة وأنزله بدار الخلافة.
وكان عضد الدولة قد طمع في العراق، واستضعف بختيار، وإنما خاف أباه ركن الدولة، فوضع جند بختيار على أن يثوروا به ويشغبوا عليه، ويطالبوه بأموالهم والإحسان لأجل صبرهم مقابل الأتراك، ففعلوا ذلك، وبالغوا. وكان بختيار لا يملك قليلاً ولا كثيراً، وقد نهب البعض، وأخرج هو الباقي، والبلاد خراب، فلا تصل يده إلى أخذ شيء منها.
وأشار عضد الدولة على بختيار بترك الالتفات إليهم، والغلظة لهم وعيهم، وأن لا يعدهم بما لا يقدر عليه، وأن يعرفهم أنه لا يريد الإمارة والرئاسة عليهم، ووعده أنه إذا فعل ذلك توسط الحال بينهم على ما يريده. فظن بختيار أنه ناصح له، مشفق عليه، ففعل ذلك، واستعفى من الإمارة، وأغلق باب داره، وصرف كتابه وحجابه، فراسله عضد الدولة ظاهراً بمحضر من مقدمي الجند يشير عليه بمقاربتهم، وتطييب قلوبهم، وكان أوصاه سراً أن لا يقبل منه ذلك. فعمل بختيار بما أوصاه، وقال: لست أميراً لهم، ولا بيني وبينهم معاملة، وقد برئت منهم. فترددت الرسل بينهم ثلاثة أيام، وعضد الدولة يغريهم به، والشغب يزيد، وأرسل بختيار إليه يطلب نجاز ما وعده به، ففرق الجند على عدة جميلة، واستدعى بختيار وإخوته إليه، فقبض عليهم، ووكل بهم، وجمع الناس وأعلمهم استعفاء بختيار عن الإمارة عجزاً عنها، ووعدهم الإحسان والنظر في أمورهم، فسكنوا إلى قوله. وكان قبضه على بختيار في السادس والعشرين من جمادى الآخرة.
وكان الخليفة الطائع لله نافراً عن بختيار لأنه كان مع الأتراك في حروبهم، فلما بلغه قبضه سره ذلك، وعاد إلى عضد الدولة، فأظهر عضد الدولة من تعظيم الخلافة ما كان قد نسي وترك، وأمر بعمارة الدار، والإكثار من الآلات، وعمارة ما يتعلق بالخليفة، وحماية إقطاعه؛ ولما دخل الخليفة إلى بغداد ودخل دار الخلافة أنفذ إليه عضد الدولة مالاً كثيراً، وغيره من الأمتعة والفرش وغير ذلك.
ذكر عود بختيار إلى ملكه (4/64)
لما قبض بختيار كان ولده المرزبان بالبصرة متولياً لها، فلما بلغه قبض والده امتنع فيها على عضد الدولة، وكتب إلى ركن الدولة يشكو ما جرى على والده وعميه من عضد الدولة ومن أبي الفتح بن العميد، ويذكر له الحيلة التي تمت عليه، فلما سمع ركن الدولة ذلك ألقى نفسه عن سريره إلى الأرض وتمرغ عليها، وامتنع من الأكل والشرب عدة أيام، ومرض مرضاً لم يستقل منه باقي حياته.
وكان محمد بن بقية، بعد بختيار، قد خدم عضد الدولة، وضمن منه مدينة واسط وأعمالها، فلما صار إليها خلع طاعة عضد الدولة، وخالف عليه، وأظهر الامتعاض لقبض بختيار، وكاتب عمران بن شاهين، وطلب مساعدته، وحذره مكر عضد الدولة، فأجابه عمران إلى ما التمس.
وكان عضد الدولة قد ضمن سهل بن بشر، وزير الفتكين، بلد الأهواز، وأخرجه من حبس بختيار، فكاتبه محمد بن بقية واستماله، فأجابه، فلما عصى ابن بقية أنفذ إليه عضد الدولة جيشاً قوياً، فخرج إليهم ابن بقية في الماء ومعه عسكر قد سيره إليه عمران، فانهزم أصحاب عضد الدولة أقبح هزيمة، وكاتب ركن الدولة بحاله وحال بختيار، فكتب ركن الدولة إليه وإلى المرزبان وغيرهما ممن احتمى لبختيار، يأمرهم بالثبات والصبر، ويعرفهم أنه على المسير إلى العراق لإخراج عضد الدولة وإعادة بختيار.
فاضطربت النواحي على عضد الدولة، وتجاسر عليه الأعداء حيث علموا إنكار أبيه عليه، وانقطعت عنه مواد فارس والبحر، ولم يبق بيده إلا قصبة بغداد، وطمع فيه العامة، وأشرف على ما يكره، فرأى إنفاذ أبي الفتح بن العميد برسالة إلى أبيه يعرفه ما جرى له وما فرق من الأموال، وضعف بختيار عن حفظ البلاد، وإن أعيد إلى حاله خرجت المملكة والخلافة عنهم، وكان بوارهم، ويسأله ترك نصرة بختيار. وقال لأبي الفتح: فإن أجاب إلى ما تريد منه، وإلا فقل له: إنني أضمن منك أعمال العراق، وأحمل إليك منها كل سنة ثلاثين ألف ألف درهم، وأبعث بختيار وأخويه إليك لتجعلهم بالخيار، فإن اختاروا أقاموا عندك، وإن اختاروا بعض بلاد فارس سلمته إليهم، ووسعت عليهم، وإن أحببت أنت أن تحضر في العراق لتلي تدبير الخلافة، وتنفذ بختيار إلى الري وأعود أنا إلى فارس فالأمر إليك.
وقال لابن العميد: فإن أجاب إلى ما ذكرت له، وإلا فقل له: أيها السيد الوالد، أنت مقبول الحكم والقول، ولكن لا سبيل إلى إطلاق هؤلاء القوم بعد مكاشفتهم، وإظهار العداوة، وسيقاتلونني بغاية ما يقدرون عليه، فتنتشر الكلمة، ويختلف أهل هذا البيت أبداً، فإن قبلت ما ذكرته فأنا العبد الطائع، وإن أبيت، وحكمت بانصرافي، فإني سأقتل بختيار وأخويه، وأقبض على كل من أتهمه بالميل إليهم، وأخرج عن العراق، وأترك البلاد سائبة ليدبرها من اتفقت له.
فخاف ابن العميد أن يسير بهذه الرسالة، وأشار أن يسير بها غيره، ويسير هو بعد ذلك، ويكون كالمشير على ركن الدولة بإجابته إلى ما طلب، فأرسل عضد الدولة رسولاً بهذه الرسالة، وسير بعده ابن العميد على الجمازات، فلما حضر الرسول عند ركن الدولة، وذكر بعض الرسالة، وثب إليه ليقتله، فهرب من بين يديه، ثم رده بعد أن سكن غضبه، وقال: قل لفلان، يعني عضد الدولة، وسماه بغير اسمه، وشتمه، خرجت إلى نصرة ابن أخي وللطمع في مملكته، أما عرفت أني نصرت الحسن بن الفيرزان، وهو غريب مني، مراراً كثيرة أخاطر فيها بملكي ونفسي، فإذا ظفرت أعدت له بلاده، ولم أقبل منه ما قيمته درهم واحد. ثم نصرت إبراهيم بن المرزبان، وأعدته إلى أذربيجان، وأنفذت وزيري وعساكري في نصرته، ولم آخذ منه درهماً واحداً، كل ذلك طلباً لحسن الذكر، ومحافظة على الفتوة، تريد أن تمن أنت علي بدرهمين أنفقتهما أنت علي وعلى أولاد أخي، ثم تطمع في ممالكهم وتهددني بقتلهم ! فعاد الرسول ووصل ابن العميد، فحجبه عنه، ولم يسمع حديثه، وتهدده بالهلاك، وأنفذ إليه يقول له: لأتركنك وذلك الفاعل، يعني عضد الدولة، تجتهدان جهدكما، ثم لا أخرج إليكما إلا في ثلاثمائة جمازة وعليها الرجال، ثم اثبتوا إن شئتم، فوالله لا قاتلتكما إلا بأقرب الناس إليكما.
وكان ركن الدولة يقول: إنني أرى أخي معز الدولة كل ليلة في المنام يعض على أنامله ويقول: يا أخي هكذا ضمنت لي أن تخلفني في ولدي. وكان ركن الدولة يحب أخاه محبة شديدة لأنه رباه، فكان عنده بمنزلة الولد. (4/65)
ثم إن الناس سعوا لابن العميد، وتوسطوا الحال بينه وبين ركن الدولة، وقالوا: إنما تحمل ابن العميد هذه الرسالة ليجعلها طريقاً للخلاص من عضد الدولة، والوصول إليك لتأمر بما تراه. فأذن له في الحضور عنده، فاجتمع به، وضمن له إعادة عضد الدولة إلى فارس، وتقرير بختيار بالعراق، فرده إلى عضد الدولة، وعرفه جلية الحال.
فلما رأى عضد الدولة انحراف الأمور عليه من كل ناحية أجاب إلى المسير إلى فارس وإعادة بختيار، فأخرجه من محبسه، وخلع عليه، وشرط عليه أن يكون نائباً عنه بالعراق، ويخطب له، ويجعل أخاه أبا إسحاق أمير الجيش لضعف بختيار، ورد عليهم عضد الدولة جميع ما كان لهم، وسار إلى فارس في شوال من هذه السنة، وأمر أبا الفتح بن العميد، وزير أبيه، أن يلحقه بعد ثلاثة أيام.
فلما سار عضد الدولة أقام ابن العميد عند بختيار متشاغلاً باللذات، وبما هو بختيار مغرى به من اللعب، واتفقا باطناً على أنه إذا مات ركن الدولة سار إليه ووزر له. واتصل ذلك بعضد الدولة، فكان سبب هلاك ابن العميد، على ما نذكره.
واستقر بختيار ببغداد، ولم يقف لعضد الدولة على العهود. فلما ثبت أمر بختيار أنفذ ابن بقية من خلفه له، وحضر عنده، وأكد الوحشة بين بختيار وعضد الدولة، وثارت الفتنة بعد مسير عضد الدولة، واستمال ابن بقية الأجناد، وجبى كثيراً من الأموال إلى خزانته، وكان إذا طالبه بختيار بالمال وضع الجند على مطالبته، فثقل على بختيار، فاستشار في مكروه يوقعه به، فبلغ ذلك ابن بقية، فعاتب بختيار عليه، فأنكره وحلف له، فاحترز ابن بقية منه.
ذكر اضطراب كرمان على عضد الدولة وعودها له
في هذه السنة خالف أهل كرمان على عضد الدولة.
وسبب ذلك أن رجلاً من الجرومية، وهي البلاد الحارة، يقال له طاهر ابن الصمة، ضمن من عضد الدولة ضمانات، فاجتمع عليه أموال كثيرة، فطمع فيها، وكان عضد الدولة قد سار إلى العراق، وسير وزيره المطهر بن عبدالله إلى عمان ليستولي عليها، فخلت كرمان من العساكر، فجمع طاهر الرجال الجرومية وغيرهم، فاجتمع له خلق كثير.
واتفق أن بعض الأتراك السامانية، اسمه يوزتمر، كان قد استوحش من أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سيمجور، صاحب جيش خراسان للسامانية، فكاتبه طاهر، وأطعمه في أعمال كرمان، فسار إليه، واتفقا، وكان يوزتمر هو الأمير، فاتفق أن الرجال الجرومية شغبوا على يوزتمر، فظن أن طاهراً وضعهم، فاختلفا واقتتلا، فظفر يوزتمر بطاهر وأسره، وظفر بأصحابه.
وبلغ الخبر إلى الحسين بن أبي علي بن إلياس، وهو بخراسان، فطمع في البلاد، فجمع جمعاً وسار إليها، فاجتمع عليه بها جموع كثيرة. ثم إن المطهر بن عبدالله استولى على عمان وجبالها، وأوقع بالشراة فيها وعاد، فوصله كتاب عضد الدولة من بغداد يأمره بالمسير إلى كرمان، فسار إليها مجداً، وأوقع في طريقه بأهل العيث والفساد، وقتلهم، وصلبهم، ومثل بهم، ووصل إلى يوزتمر على حين غفلة منه، فاقتتلوا بنواحي مدينة بم، فانهزم يوزتمر ودخل المدينة، وحصره المطهر في حصن في وسط المدينة، فطلب الأمان فأمنه، فخرج إليه ومعه طاهر، فأمر المطهر بطاهر فشهر، ثم ضرب عنقه.
وأما يوزتمر فإنه رفعه إلى بعض القلاع، فكان آخر العهد به، وسار المطهر إلى الحسين بن إلياس، فرأى كثرة من معه، فخاف جانبهم، ولم يجد من اللقاء بداً، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم الحسين على باب جيرفت، وانهزم عسكره فمنعهم سور المدينة من الهرب، فكثر فيهم القتل، وأخذ الحسين أسيراً، وأحضر عند المطهر، فلم يعرف له بعد خبر، وصلحت كرمان لعضد الدولة.
ذكر ولاية الفتكين دمشق وما كان منه إلى أن مات
قد ذكرنا ما كان من انهزام الفتكين التركي، مولى معز الدولة بن بويه، من مولاه بختيار بن معز الدولة، ومن عضد الدولة في فتنة الأتراك بالعراق، فلما انهزم منهم سار في طائفة صالحة من الجند الترك، فوصل إلى حمص، فنزل بالقرب منها، فقصده ظالم بن موهوب العقيلي الذي كان أمير دمشق للمعز لدين الله ليأخذه، فلم يتمكن من أخذه، فعاد عنه وسار الفتكين إلى دمشق فنزل بظاهرها. (4/66)
وكان أميرها حينئذ ريان الخادم للمعز، وكان الأحداث قد غلبوا عليها، وليس للأعيان معهم حكم، ولا للسلطنة عليهم طاعة، فلما نزل خرج أشرافها شيوخها إليه، وأظهروا له السرور بقدومه، وسألوه أن يقيم عندهم، ويملك بلدهم، ويزيل عنهم سمة المصريين، فإنهم يكرهونها بمخالفة الاعتقاد، ولظلم عمالهم، ويكف عنهم شر الأحداث. فأجابهم إلى ذلك؛ واستحلفهم على الطاعة والمساعدة، وحلف لهم على الحماية وكف الأذى عنهم منه ومن غيره، ودخل البلد، وأخرج عنه ريان الخادم، وقطع خطبة المعز، وخطب للطائع لله في شعبان، وقمع أهل العيث والفساد، وهابه الناس كافة، وأصلح كثيراً من أمورهم.
فكانت العرب قد استولت على سواد البلد وما يتصل به، فقصدهم وأوقع بهم، وقتل كثيراً منهم، وأبان عن شجاعة، وقوة نفس، وحسن تدبير، فأذعنوا له، وأقطع البلاد، وكثر جمعه، وتوفرت أمواله، وثبت قدمه.
وكاتب المعز بمصر يداريه، ويظهر له الانقياد، فشكره، وطلب منه أن يحضر عنده ليخلع عليه، ويعيده والياً من جانبه، فلم يثق به، وامتنع من المسير، فتجهز المعز، وجمع العساكر لقصده، فمرض ومات، على ما نذكره سنة خمس وستين وثلاثمائة، وولي بعده ابنه العزيز بالله، فأمن الفتكين بموته جهة مصر، فقصد بلاد العزيز التي بساحل الشام، فعمد إلى صيدا فحصرها وبها ابن الشيخ، ومعه رؤوس المغاربة، ومعهم ظالم بن موهوب العقيلي، فقاتلهم وكانوا في كثرة، فطمعوا فيه وخرجوا إليه فاستجرهم حتى أبعدوا، ثم عاد عليهم فقتل منهم نحو أربعة آلاف قتيل.
وطمع في أخذ عكا، فتوجه إليها، وقصد طبرية، ففعل فيها من القتل والنهب مثل صيدا، وعاد إلى دمشق.
فلما سمع العزيز بذلك استشار وزيره يعقوب بن كلس فيما يفعل، فأشار بإرسال جوهر في العساكر إلى الشام فجهزه وسيره. فلما سمع الفتكين بمسيره جمع أهل دمشق وقال: قد علمتم أنني ما وليت أمركم إلا عن رضىً منكم، وطلب من كبيركم وصغيركم لي، وإنما كنت مجتازاً وقد أظلكم هذا الأمر، وأنا سائر عنكم لئلا ينالكم أذىً بسببي. فقالوا: لا نمكنك من فراقنا، ونحن نبذل الأنفس والأموال في هواك، وننصرك، ونقو معك؛ فاستحلفهم على ذلك، فحلفوا له، فأقام عندهم. فوصل جوهر إلى البلد في ذي القعدة من سنة خمس وستين وثلاثمائة، فحصره، فرأى من قتال الفتكين ومن معه ما استعظمه، ودامت الحرب شهرين، قتل فيها عدد كثير من الطائفتين.
فلما رأى أهل دمشق طول مقام المغاربة عليهم أشاروا على الفتكين بمكاتبة الحسن بن أحمد القرمطي، واستنجاده، ففعل ذلك، فسار القرمطي إليه من الأحساء، فلما قرب منه رحل جوهر عن دمشق، خوفاً أن يبقى بين عدوين، وكان مقامه عليها سبعة أشهر، ووصل القرمطي واجتمع هو والفتكين، وسارا في أثر جوهر، فأدركاه وقد نزل بظاهر الرملة، وسير أثقاله إلى عسقلان، فاقتتلوا، فكان جمع الفتكين والقرمطي كثيراً من رجال الشام والعرب وغيرهم، فكانوا نحو خميسن ألف فارس وراجل، فنزلوا على نهر الطواحين، على ثلاثة فراسخ من البلد، ومنه ماء أهل البلد، فقطعوه عنهم، فاحتج جوهر ومن معه إلى ماء المطر في الصهاريج، وهو قليل لا يقوم بهم، فرحل إلى عسقلان، وتبعه الفتكين والقرمطي فحصراه بها، وطال الحصار، فقلت الميرة، وعدمت الأقوات، وكان الزمان شتاء، فلم يمكن حمل الذخائر في البحر من مصر وغيرها، فاضطروا إلى أكل الميتة، وبلغ الخبز كل خمسة أرطال، بالشامي، بدينار مصري.
وكان جوهر يراسل الفتكين، ويدعوه إلى الموافقة والطاعة، ويبذل له البذول الكثيرة، فيهم أن يفعل، فيمنعه القرمطي ويخوفه منه، فزادت الشدة على جوهر ومن معه، فعاينوا الهلاك، فأرسل إلى الفتكين يطلب منه أن يجتمع به، فتقدم إليه واجتمعا راكبين. فقال له جوهر: قد عرفت ما يجمعنا من عصمة الإسلام وحرمة الدين، وقد طالت هذه الفتنة، وأريقت فيها الدماء، ونهبت الأموال، ونحو المؤاخذون بها عند الله تعالى، وقد دعوتك إلى الصلح والطاعة والموافقة، وبذلت لك الرغائب، فأبيت إلا القبول ممن يشب نار الفتنة، فراقب الله تعالى، وراجع نفسك، وغلب رأيك على هوى غيرك.
فقال الفتكين: أنا والله واثق بك في صحة الرأي والمشورة منك، لكنني غير متمكن مما تدعوني إليه بسبب القرمطي الذي أحوجتني أنت إلى مداراته والقبول منه. (4/67)
فقال جوهر: إذا كان الأمر على ما ذكرت فإنني أصدقك الحال تعويلاً على أمانتك، وما أجده من الفتوة عندك؛ وقد ضاق الأمر بنا، وأريد أن تمن علي بنفسي وبمن معي من المسلمين، وتذم لنا، وأعود إلى صاحبي شاكراً لك، وتكون قد جمعت بين حقن الدماء واصطناع المعروف.
فأجابه إلى ذلك، وحلف له على الوفاء به، وعاد واجتمع بالقرمطي وعرفه الحال فقال: لقد أخطأت، فإن جوهراً له رأي وحزم ومكيدة، وسيرجع إلى صاحبه فيحمله على قصدنا بما لا طاقة لنا به، والصواب أن ترجع عن ذلك ليموتوا جوعاً، ونأخذهم بالسيف؛ فامتنع الفتكين من ذلك وقال: لا أغدر به؛ وأذن لجوهر ولمن معه بالمسير إلى مصر، فسار إليه، واجتمع بالعزيز، وشرح له الحال وقال: إن كنت تريدهم فاخرج إليهم بنفسك، وإلا فهم واصلون على أثري؛ فبرز العزيز، وفرق الأموال، وجمع الرجال، وسار وجوهر على مقدمته.
وورد الخبر إلى الفتكين والقرمطي فعادا إلى الرملة، وجمعا العرب وغيرها، وحشدا، ووصل العزيز فنزل بظاهر الرملة، ونزلا بالقرب منه، ثم اصطفوا للحرب في المحرم سنة سبع وستين وثلاثمائة، فرأى العزيز من شجاعة الفتكين ما أعجبه، فأرسل إليه في تلك الحال يدعوه إلى طاعته، ويبذل له الرغائب والولايات، وأن يجعله مقدم عسكره، والمرجوع إليه في دولته، ويطلب أن يحضر عنده، ويسمع قوله، فترجل وقبل الأرض بين الصفين، وقال للرسول: قل لأمير المؤمنين: لو قدم هذا القول لسارعت وأطعت، وأما الآن فلا يمكن إلا ما ترى. وحمل على الميسرة فهزمها، وقتل كثيراً منها، فلما رأى العزيز ذلك حمل من القلب، وأمر الميمنة فحملت، فانهزم القرمطي والفتكين ومن معهما، ووضع المغاربة السيف، فأكثروا القتل، وقتلوا نحو عشرين ألفاً.
ونزل العزيز في خيامه، وجاءه الناس بالأسرى، فكل من أتاه بأسير خلع عليه، وبذل لمن أتاه بالفتكين أسيراً مائة ألف دينار، وكان الفتكين قد مضى منهزماً، فكظه العطش، فلقيه المفرج بن دغفل الطائي وكان بينهما أنس قديم، فطلب منه الفتكين ماء، فسقاه، وأخذه معه إلى بيته فأنزله وأكرمه، وسار إلى العزيز بالله فأعلمه بأسر الفتكين، وطلب منه المال، فأعطاه ما ضمنه، وسير معه من تسلم الفتكين منه، فلما وصل الفتكين إلى العزيز لم يشك أنه يقتله لوقته، فرأى من إكرام العزيز له والإحسان إليه ما أعجزه، وأمر له بالخيام فنصبت، وأعاد إليه جميع من كان يخدمه، فلم يفقد من حاله شيئاً، وحمل إليه من التحف والأموال ما لم ير مثله، وأخذه معه إلى مصر وجعله من أخص خدمه وحجابه.
وأما الحسن القرمطي فإنه وصل منهزماً إلى طبرية، فأدركه رسول العزيز يدعوه إلى العود إليه ليحسن إليه، ويفعل معه أكثر مما فعل مع الفتكين، فلم يرجع، فأرسل إليه العزيز عشرين ألف دينار، جعلها له كل سنة، فكان يرسلها إليه، وعاد إلى الأحساء.
ولما عاد العزيز إلى مصر أنزل الفتكين عند قصره، وزاد أمره، وتحكم، فتكبر على وزيره يعقوب بن كلس، وترك الركوب إليه، فصار بينهما عداوة متأكدة، فوضع عليه من سقاه سماً فمات، فحزن عليه العزيز واتهم الوزير فحبسه نيفاً وأربعين يوماً، وأخذ منه خمسمائة ألف دينار، ثم وقفت أمور دولة العزيز باعتزال الوزير، فخلع عليه، وأعاده إلى وزارته.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة سار الحجاج إلى سميراء فرأوا هلال ذي الحجة بها، والعادة جارية بأن يرى الهلال بأربعة أيام، وبلغهم أنهم لا يرون الماء إلى غمرة، وهو بها أيضاً قليل، وبينهما نحو عشرة أيام، فغدوا إلى المدينة فوقفوا بها وعادوا، فكانوا أول المحرم في الكوفة.
وفيها ظهر بإفريقية كوكب عظيم من جهة المشرق، وله ذؤابة وضوء عظيم، فبقي يطلع كذلك نحواً من شهر، ثم غاب فلم ير وفيها توفي أبو القاسم عبد السلام بن أبي موسى المخرمي الصوفي نزيل مكة، وكان قد صحب أبا علي الروذباري وطبقته وغيره.

This site was last updated 07/25/11