Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة334
سنة335 وسنة336
سنة 337 وسنة338
سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة
سنة340 وسنة341
سنة342 وسنة343 وسنة344 وسنة345
سنة346 وسنة347
سنة348 وسنة349 وسنة350
سنة351
سنة352 وسنة353 وسنة354
سنة355
سنة356 وسنة357
سشنة358
سنة259
سنة360 وسنة361
سنة363
سنة364
سنة365
سنة366 وسنة367
سنة367 وسنة368
سنة369
سنة370 وسنة371
سنة372
سنة373
سنة364 وسنة375
سنة476 وسنة377
سنة378 وسنة379
سنة380 وسنة381

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة
ذكر عصيان أهل حران

في هذه السنة، في صفر، امتنع أهل حران على صاحبها هبة الله بن ناصر الدولة بن حمدان، وعصوا عليه.
وسبب ذلك أنه كان متقلداً لها ولغيرها من ديار مضر من قبل عمه سيف الدولة، فعسفهم نوابه وظلموهم، وطرحوا الأمتعة على التجار من أهل حران، وبالغوا في ظلمهم.
وكان هبة الله عند عمه سيف الدولة بحلب، فثار أهلها على نوابه وطردوهم، فسمع هبة الله بالخبر، فسار إليهم وحاربهم، وحصرهم، فقاتلهم وقاتلوه أكثر من شهرين، فقتل منهم خلق كثير، فلما رأى سيف الدولة شدة الأمر واتصال الشر قرب منهم وراسلهم، وأجابهم إلى ما يريدون، فاصطلحوا وفتحوا أبواب البلد، وهرب منه العيارون خوفاً من هبة الله.
ذكر وفاة الوزير أبي محمد المهلبي
في هذه السنة سار الوزير أبو محمد المهلبي، وزير معز الدولة، في جمادى الآخرة، في جيش كثيف إلى عمان ليفتحها، فلما بلغ البحر اعتل، واشتدت علته، فأعيد إلى بغداد، فمات في الطريق في شعبان، وحمل تابوته إلى بغداد فدفن بها، وقبض معز الدولة أمواله وذخائره وكل ما كان له، وأخذ أهله وأصحابه وحواشيه، حتى ملاحه، ومن خدمه يوماً واحداً، فقبض عليهم وحبسهم، فاستعظم الناس ذلك واستقبحوه.
وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، وكان كريماً فاضلاً ذا عقل ومروة، فمات بموته الكرم.
ونظر في الأمور بعده أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي، وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس من غير تسمية لأحدهما بوزارة.
ذكر غزوة إلى الروم وعصيان حران
في هذه السنة، في شوال، دخل أهل طرسوس بلاد الروم غازين، ودخلها أيضاً نجا غلام سيف الدولة بن حمدان من درب آخر، ولم يكن سيف الدولة معهم لمرضه، فإنه كان قد لحقه، قبل ذلك بسنتين، فالج، فأقام على رأس دربٍ من تلك الدروب، فأوغل أهل طرسوس في غزوتهم حتى وصلوا إلى قونية، وعادوا، فرجع سيف الدولة إلى حلب، فلحقه في الطريق غشية أرجف عليه الناس بالموت، فوثب هبة الله ابن أخيه ناصر الدولة بن حمدان بابن دنجا النصراني فقتله، وكان خصيصاً بسيف الدولة، وإنما قتله لأنه كان يتعرض لغلام له، فغار لذلك.
ثم أفاق سيف الدولة، فلما علم هبة الله أن عمه لم يمت هرب إلى حران، فلما دخلها أظهر لأهلها أن عمه مات، وطلب منهم اليمين على أن يكونوا سلماً لمن سالمه، وحرباً لن حاربه، فحلفوا له، واستثنوا عمه في اليمن، فأرسل سيف الدولة غلامه نجا إلى حران في طلب هبة الله، فلما قاربها هرب هبة الله إلى أبيه بالموصل، فنزل نجا على حران في السابع والعشرين من شوال، فخرج أهلها إليه من الغد، فقبض عليهم، وصادرهم على ألف ألف درهم، ووكل بهم حتى أدوها في خمسة أيام، بعد الضرب الوجيع بحضرة عيالاتهم وأهليهم، فأخرجوا أمتعتهم فباعوا كل ما يساوي ديناراً بدرهم، لأن أهل البلد كلهم كانوا يبيعون ليس فيهم من يشتري لأنهم مصادرون، فاشترى ذلك أصحاب نجا بما أرادوا، وافتقر أهل البلد، وسار نجا إلى ميافارقين، وترك حران شاغرة بغير والٍ، فتسلط العيارون على أهلها، وكان من أمر نجا ما نذكره سنة ثلاث وخمسين.
ذكر عدة حوادث (4/34)
في هذه السنة عاشر المحرم أمر معز الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم، ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء، وأن يظهروا النياحة، ويلبسوا قباباً عملوها بالمسوح، وأن يخرج النساء منشرات الشعور، مسودات الوجوه، قد شققن ثيابهن، يدرن في البلد بالنوائح، ويلطمن وجوههن على الحسين بن علي، رضي الله عنهما، ففعل الناس ذلك، ولم يكن للسنة قدرة على المنع منه لكثرة الشيعة، ولأن السلطان معهم.
وفيها، في ربيع الأول، اجتمع من رجالة الأرمن جماعة كثيرة، وقصدوا الرها فأغاروا عليها، فغنموا، وأسروا، وعادوا موفورين.
وفيها عزل ابن أبي الشوارب عن قضاء بغداد، وتقلد مكانه أبو بشر عمرو ابن أكثم، وعفي عما كان يحمله ابن أبي الشوارب من الضمان عن القضاء، وأمر بإبطال أحكامه وسجلاته.
وفيها، في شعبان، ثار الروم بملكهم فقتلوه وملكوا غيره، وصار ابن شمشقيق دمستقاً، وهو الذي يقوله العامة ابن الشمشكي.
وفيها، في ثامن عشر ذي الحجة، أمر معز الدولة بإظهار الزينة في البلد، وأشعلت النيران بمجلس الشرطة، وأظهر الفرح، وفتحت الأسواق بالليل، كما يفعل ليالي الأعياد، فعل ذلك فرحاً بعيد الغدير، يعني غدير خم، وضربت الدبادب والبوقات، وكان يوماً مشهوداً.
وفيها، في ذي الحجة الواقع في كانون الثاني، خرج الناس في العراق للاستسقاء لعدم المطر.


ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة
ذكر عصيان نجا وقتله
وملك سيف الدولة بعض أرمينية

قد ذكرنا سنة اثنتين وخمسين ما فعله نجا غلام سيف الدولة بن حمدان بأهل حران، وما أخذه من أموالهم، فلما اجتمعت عنده تلك الأموال قوي بها وبطر، ولم يشكر ولي نعمته بل كفره، وسار إلى ميافارقين، وقصد بلاد أرمينية، وكان قد استولى على كثير منها رجل من العرب يعرف بأبي الورد، فقاتله نجا، فقتل أبو الورد وأخذ نجا قلاعه وبلاده: خلاط وملازكرد وموش وغيرها، وحصل له من أموال أبي الورد شيء كثير، فأظهر العصيان على سيف الدولة.
فاتفق أن معز الدولة بن بويه سار من بغداد إلى الموصل، ونصيبين، واستولى عليها، وطرد عنها ناصر الدولة على ما ذكرناه آنفاً، فكاتبه نجا وراسله، وهو بنصيبين، يعده المعاضدة والمساعدة على مواليه بني حمدان، فلما عاد معز الدولة إلى بغداد واصطلح هو وناصر الدولة سيف الدولة إلى نجا ليقاتله على عصيانه عليه، وخروجه عن طاعته، فلما وصل إلى ميافارقين هرب نجا من بين يديه، فملك سيف الدولة بلاده وقلاعه التي أخذها من أبي الورد، واستأمن إليه جماعة من أصحاب نجا فقتلهم، واستأمن إليه أخو نجا، فأحسن إليه وأكرمه، وأرسل إلى نجا يرغبه ويرهبه إلى أن حضر عنده، فأحسن إليه وأعاده إلى مرتبته.
ثم إن غلمان سيف الدولة وثبوا على نجا في دار سيف الدولة بميافارقين، في ربيع الأول سنة أربع وخمسين، فقتلوه بين يديه، فغشي على سيف الدولة، وأخرج نجا فألقي في مجرى الماء والأقذار، وبقي إلى الغد ثم أخرج ودفن.
ذكر حصر الروم المصيصة ووصول الغزاة من خراسان
في هذه السنة حصر الروم مع الدمستق المصيصة، وقاتلوا أهلها، ونقبوا سورها، واشتد قتال أهلها على النقب حتى دفعهم عنه بعد قتال عظيم، وأحرق الروم رستاقها ورستاق أذنه وطرسوس لمساعدتهم أهلها، فقتل من المسلمين خمسة عشر ألف رجل، وأقام الروم في بلاد الإسلام خمسة عشر يوماً لم يقصدهم من يقاتلهم، فعادوا لغلاء الأسعار وقلة الأقوات.
ثم إن إنساناً وصل إلى الشام من خراسان يريد الغزاة ومعه نحو خمسة آلاف رجل، وكان طريقهم على أرمينية وميارفارقين، فلما وصلوا إلى سيف الدولة في صفر أخذهم سيف الدولة وسار بهم نحو بلاد الروم لدفعهم عن المسلمين، فوجدوا الروم قد عادوا، فتفرق الغزاة الخراسانية في الثغور لشدة الغلاء، وعاد أكثرهم إلى بغداد ومنها إلى خراسان.
ولما أراد الدمستق العود إلى بلاد الروم أرسل إلى أهل المصيصة وأذنه وطرسوس: إني منصرف عنكم لا لعجز، ولكن لضيق العلوفة وشدة الغلاء، وأنا عائد إليكم، فمن انتقل منكم فقد نجا، ومن وجدته بعد عودي قتله.
ذكر ملك معز الدولة الموصل
وعوده عنها
في هذه السنة، في رجب، سار معز الدولة من بغداد إلى الموصل وملكها.(4/35)
وسبب ذلك أن ناصر الدولة كان قد استقر الصلح بينه وبين معز الدولة على ألف ألف درهم يحملها ناصر الدولة كل سنة، فلما حصلت الإجابة من معز الدولة بذل زيادة ليكون اليمين أيضاً لولده أبي تغلب فضل الله الغضنفر معه، وأن يحلف معز الدولة لهما، فلم يجب إلى ذلك، وتجهز معز الدولة وسار إلى الموصل في جمادى الآخرة، فلما قاربها سار ناصر الدولة إلى نصيبين، ووصل معز الدولة إلى الموصل وملكها في رجب، وسار يطلب ناصر الدولة حادي عشر شعبان، واستخلف على الموصل أبا العلاء صاعد بن ثابت ليحمل الغلات ويجبي الخراج، وخلف بكتوزون وسبكتكين العجمي في جيش ليحفظ البلد.
فلما قارب معز الدولة نصيبين فارقها ناصر الدولة، وملك معز الدولة نصيبين، ولم يعلم أي جهة قصد ناصر الدولة، فخاف أن يخالفه إلى الموصل، فعاد عن نصيبين نحو الموصل، وترك بها من يحفظها، وكان أبو تغلب بن ناصر الدولة قد قصد الموصل، وحارب من بها من أصحاب معز الدولة، وكانت الدائرة عليه، فانصرف بعد أن أحرق السفن التي لمعز الدولة وأصحابه.
ولما انتهى الخبر إلى معز الدولة بظفر أصحابه سكنت نفسه، وأقام ببرقعيد يتوقع أخبار ناصر الدولة، فبلغه أنه نزل بجزيرة ابن عمر، فرحل عن برقعيد إليها، فوصلها سادس شهر رمضان، فلم يجد بها ناصر الدولة، فملكها، وسأل عن ناصر الدولة فقيل: إنه بالحسنية، ولم يكن كذلك، وإنما كان قد اجتمع هو وأولاده وعساكره وسار نحو الموصل، فأوقع بمن فيها من أصحاب معز الدولة، فقتل كثيراً منهم، وأسر كثيراً، وفي الأسرى أبو العلاء، وسبكتكين، وبكتوزون، وملك جميع ما خلفه معز الدولة من مال وسلاح وغير ذلك، وحمل جميعه مع الأسرى إلى قلعة كواشى.
فلما سمع معز الدولة بما فعله ناصر الدولة سار يقصده، فرحل ناصر الدولة إلى سنجار، فلما وصل معز الدولة بلغه مسير ناصر الدولة إلى سنجار، فعاد إلى نصيبين، فسار أبو تغلب بن ناصر الدولة إلى الموصل، فنزل بظاهرها عند الدير الأعلى، ولم يتعرض إلى أحد ممن بها من أصحاب معز الدولة، فلما سمع معز الدولة بنزول أبي تغلب بالموصل سار إليها، ففارقها أبو تغلب وقصد الزاب فأقام عنده، وراسل معز الدولة في الصلح، فأجابه لأنه علم أنه متى فارق الموصل عادوا وملكوها، ومتى أقام بها لا يزال متردداً وهم يغيرون على النواحي، فأجابه إلى ما التمسه، وعقد عليه ضمان الموصل وديار ربيعة والرحبة وما كان في يد أبيه بمال قرره، وأن يطلق من عندهم من الأسرى، فاستقرت القواعد على ذلك، ورحل معز الدولة إلى بغداد، وكان معه في سفرته هذه ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة.
ذكر حال الداعي العلوي
كان قد هرب أبو عبدالله محمد بن الحسين المعروف بابن الداعي من بغداد، وهو حسني من أولاد الحسن بن علي، رضي الله عنهما، وسار نحو بلاد الديلم، وترك أهله وعياله ببغداد، فلما وصل إلى بلاد الديلم اجتمع عليه عشرة آلاف رجل، فهرب ابن الناصر العلوي من بين يديه، وتلقب ابن الداعي بالمهدي لدين الله، وعظم شأنه، وأوقع بقائد كبير من قواد وشمكير فهزمه.
ذكر حصر الروم طرسوس والمصيصة
وفي هذه السنة أيضاً نزل ملك الروم على طرسوس وحصرها، وجرى بينهم وبين أهلها حروب كثيرة سقط في بعضها الدمستق بن الشمشقيق إلى الأرض، وكاد يؤسر، فقاتل عليه الروم وخلصوه، وأسر أهل طرسوس بطريقاً كبيراً من بطارقة الروم، ورحل الروم عنهم، وتركوا عسكراً على المصيصة مع الدمستق، فحصرها ثلاثة أشهر لم يمنعهم منها أحد، فاشتد الغلاء على الروم، وكان شديداً قبل نزولهم، فلهذا طمعوا في البلاد لعدم الأقوات عندهم، فلما نزل الروم زاد شدةً، وكثر الوباء أيضاً، فمات من الروم كثير فاضطروا إلى الرحيل.
ذكر فتح رمطة والحرب بين المسلمين والروم بصقلية
قد ذكرنا سنة إحدى وخمسين فتح طرمين وحصر رمطة والروم فيها، فلما رأى الروم ذلك خافوا وأرسلوا إلى ملك القسطنطينية يعلمونه الحال، ويطلبون منه أن ينجدهم بالعساكر، فجهز إليهم عسكراً عظيماً يزيدون على أربعين ألف مقاتل، وسيردهم في البحر، فوصلت الأخبار إلى الأمير أحمد أمير صقلية، فأرسل إلى المعز بإفريقية يعرفه ذلك ويستمده، ويسأل إرسال العساكر إليه سريعاً، وشرع هو في إصلاح الأسطول، والزيادة فيه، وجمع الرجال المقاتلة في البر والبحر.(4/36)
وأما المعز فإنه جمع الرجال، وحشد، وفرق فيهم الأموال الجليلة، وسيرهم مع الحسن بن علي، والد أحمد، فوصلوا إلى صقلية في رمضان، وسار بعضهم إلى الذين يحاصرون رمطة، فكانوا معهم على حصارهم.
فأما الروم فإنهم وصلوا أيضاً إلى صقلية، ونزلوا عند مدينة مسيني في شوال، وزحفوا منها بجموعهم التي لم يدخل صقلية مثلها إلى رمطة، فلما سمع الحسن بن عمار مقدم الجيش الذين يحاصرون رمطة ذلك، جعل عليها طائفة من عسكره يمنعون من يخرج منها، وبرز بالعساكر للقاء الروم وقد عزموا على الموت، ووصل الروم وأحاطوا بالمسلمين.
ونزل أهل رمطة إلى من يليهم ليأتوا المسلمين من ظهورهم، فقاتلهم الذين جعلوا هناك لمنعهم، وصدوهم عما أرادوا، وتقدم الروم إلى القتال، وهم مدلون بكثرتهم وبما معهم من العدد وغيرها، والتحم القتال وعظم الأمر على المسلمين، وألحقهم العدو بخيامهم، وأيقن الروم بالظفر، فلما رأى المسلمون عظم ما نزل بهم اختاروا الموت، ورأوا أنه أسلم لهم وأخذوا بقول الشاعر:
تأخّرت أستبقي الحياة، فلم أجد ... لنفسي حياةً مثل أن أتقدّما
فحمل بهم الحسن بن عمار أميرهم، وحمي الوطيس حينئذ، وحرضهم على قتال الكفار، وكذلك فعل بطارقة الروم، حملوا، وحرضوا عساكرهم.
وحمل منويل مقدم الروم، فقتل في المسلمين، فطعنه المسلمون، فلم يؤثر فيه لكثرة ما عليه من اللباس، فرمى بعضهم فرسه فقتله، واشتد القتال عليه، فقتل هو وجماعة من بطارقته، فلما قتل انهزم الروم أقبح هزيمة، وأكثر المسلمون فيهم القتل، ووصل المنهزمون إلى جرف خندق عظيم كالحفرة، فسقطوا فيها من خوف السيف، فقتل بعضهم بعضاً حتى امتلأت، وكانت الحرب من بكرة إلى العصر، وبات المسلمون يقاتلونهم في كل ناحية، وغنموا من السلاح والخيل، وصنوف الأموال، ما لا يحد.
وكان في جملة الغنيمة سيف هندي عليه مكتوب: هذا سيف هندي وزنه مائة وسبعون مثقالاً طالما ضرب به بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم ؛ فأرسل إلى المعز مع الأسرى والرؤوس، وسار من سلم من الروم إلى ريو.
وأما أهل رمطة فإنهم ضعفت نفوسهم، وكانت الأقوات قد قلت عندهم، فأخرجوا من فيها من الضعفاء، وبقي المقاتلة، فزحف إليهم المسلمون وقاتلوهم إلى الليل، ولزموا القتال في الليل أيضاً، وتقدموا بالسلاليم فملكوها عنوة، وقتلوا من فيها، وسبوا الحرم والصغار، وغنموا ما فيها، وكان شيئاً كثيراً عظيماً، ورتب فيها من المسلمين من يعمرها ويقيم فيها.
ثم إن الروم تجمع من سلم منهم، وأخذوا معهم من في صقلية وجزيرة ريو منهم، وركبوا مراكبهم يحفظون نفوسهم، فركب الأمير أحمد في عساكره وأصحابه في المراكب أيضاً، وزحف إليهم في الماء وقاتلهم، واشتد القتال بينهم، وألقى جماعة من المسلمين نفوسهم في الماء، وخرقوا كثيراً من المراكب التي للروم، فغرقت، وكثر القتل في الروم، فانهزموا لا يلوي أحد على أحد، وسارت سرايا المسلمين في مدائن الروم، فغنموا منها، فبذل أهلها لهم من الأموال، وهادنوهم، وكان ذلك سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، وهذه الوقعة الأخيرة هي المعروفة بوقعة المجاز.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، عاشر المحرم، أغلقت الأسواق ببغداد، يوم عاشوراء، وفعل الناس ما تقدم ذكره، فثارت فتنة عظيمة بين الشيعة والسنة جرح فيها كثير، ونهبت الأموال.
وفيها، في ذي الحجة، ظهر بالكوفة إنسان ادعى أنه علوي، وكان مبرقعاً، فوقع بينه وبينه أبي الحسن محمد بن عمر العلوي وقائع، فلما عاد معز الدولة من الموصل هرب المبرقع.


ثم دخلت سنة أربع وخمسين وثلاثمائة
ذكر استيلاء الروم على المصيصة وطرسوس

في هذه السنة فتح الروم المصيصة وطرسوس.
وكان سبب ذلك أن نقفور ملك الروم بنى بقيسارية مدينة ليقرب من بلاد الإسلام، وأقام بها، ونقل أهله إليها، فأرسل إليه أهل طرسوس والمصيصة يبذلون له إتاوة، ويطلبون منه أن ينفذ إليهم بعض أصحابه يقيم عندهم، فعزم على إجابتهم إلى ذلك.(4/37)
فأتاه الخبر بأنهم قد ضعفوا وعجزوا، وأنهم لا ناصر لهم، وأن الغلاء قد اشتد عليهم، وقد عجزوا عن القوت، وأكلوا الكلاب والميتة، وقد كثر فيهم الوباء، فيموت منهم في اليوم نحو ثلاثمائة نفس، فعاد نقفور عن إجابتهم، وأحضر الرسول وأحرق الكتاب على رأسه، واحترقت لحيته، وقال لهم أنتك كالحية، في الشتاء تخدر وتذبل حتى تكاد تموت، فإن أخذها إنسان، وأحسن إليها، وادفأها انتعشت ونهشته، وأنتم إنما أطعتم لضعفكم، وإن تركتكم حتى تستقيم أحوالكم تأذيت بكم.
وأعاد الرسول، وجمع جيوش الروم وسار إلى المصيصة بنفسه، فحاصرها وفتحها عنوة بالسيف يوم السبت ثالث عشر رجب، ووضع السيف فيهم، فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم رفع السيف ونقل كل من بها إلى بلد الروم، كانوا نحو مائتي ألف إنسان.
ثم سار طرسوس فحصرها، فأذعن أهلها بالطاعة، وطلبوا الأمان، فأجابهم إليه، وفتحوا البلد، فلقيهم بالجميل، وأمرهم أن يحملوا من سلاحهم وأموالهم ما يطيقون ويتركوا الباقي، ففعلوا ذلك، وساروا براً وبحراً، وسير معهم من يحميهم حتى بلغوا إنطاكية.
وجعل الملك المسجد الجامع إصطبلاً لدوابه، وأحرق المنبر، وعمر طرسوس وحصنها، وجلب الميرة إليها حتى رخصت الأسعار، وتراجع إليها كثير من أهلها، ودخلوا في طاعة الملك، وتنصر بعضهم.
وأراد المقام بها ليقرب من بلاد الإسلام، ثم عاد إلى القسطنطينية، وأراد الدمستق، وهو ابن الشمشقيق، أن يقصد ميافارقين، وبها سيف الدولة، فأمره الملك باتباعه إلى القسطنطينية، فمضى إليه.
ذكر مخالفة أهل إنطاكية على سيف الدولة
وفي هذه السنة عصى أهل إنطاكية على سيف الدولة بن حمدان.
وكان سبب ذلك أن إنساناً من أهل طرسوس كان مقدماً فيها، يسمى رشيقاً النسيمي، كان في جملة من سلمها إلى الروم وخرج إلى إنطاكية، فلما وصلها خدمه إنسان يعرف بابن الأهوازي كان يضمن الأرحاء بإنطاكية، فسلم إليه ما اجتمع عنده من حاصل الأرحاء، وحسن له العصيان، وأعلمه أن سيف الدولة بميافارقين قد عجز عن العود إلى الشام فعصى واستولى على إنطاكية، وسار إلى حلب، وجرى بينه وبين النائب عن سيف الدولة، وهو قرعويه، حروب كثيرة، وصعد قرعويه إلى قلعة حلب، فتحصن بها، وأنفذ سيف الدولة عسكراً مع خادمه بشارة نجدة لقرعويه، فلما علم بهم رشيق انهزم عن حلب، فسقط عن فرسه، فنزل إليه إنسان عربي فقتله، وأخذ رأسه وحمله إلى قرعويه وبشارة.
ووصل ابن الأهوازي إلى إنطاكية، فأظهر إنساناً من الديلم اسمه دزبر، وسماها الأمير، وتقوى بإنسان علوي ليقيم له الدعوة، وتسمى هو بالأستاذ، فظلم الناس، وجمع الأموال، وقصد قرعويه إلى إنطاكية، وجرت بينهما وقعة عظيمة فكانت على ابن الأهوازي أولاً، ثم عادت على قرعويه، فانهزم وعاد إلى حلب.
ثم إن سيف الدولة عاد عن ميافارقين عند فراغه من الغزاة إلى حلب، فأقام بها ليلة، وخرج من الغد، فواقع دزبر وابن الأهوازي، فقاتل من بها فانهزموا، وأسر دزبر وابن الأهوازي، فقتل دزبر، وسجن ابن الأهوازي مدة ثم قتله.
ذكر عصيان أهل سجستان
وفي هذه السنة عصى أهل سجستان على أميرهم خلف بن أحمد، وكان خلف هذا هو صاحب سجستان حينئذ، وكان عالماً محباً لأهل العلم، فاتفق أنه حج سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، واستخلف على أعماله إنساناً من أصحابه يسمى طاهر بن الحسين، فطمع في الملك، وعصى على خلف لما عاد من الحج، فسار خلف إلى بخارى، واستنصر بالأمير منصور بن نوح، وسأله معونته، ورده إلى ملكه، فأنجده وجهز معه العساكر، فسار بهم نحو سجستان، فلما أحس بهم طاهر فارق مدينة خلف وتوجه نحو اسفرار، وعاد خلف إلى قراره وملكه وفرق العساكر.
فلما علم طاهر بذلك عاد إليه، وغلب على سجستان، وفارقها خلف، وعاد إلى حضرة الأمير منصور أيضاً ببخارى، فأكرمه وأحسن إليه، وأنجده بالعساكر الكثيرة، ورده إلى سجستان، فوافق وصوله موت طاهر، وانتصاب ابنه الحسين مكانه، فحاصره خلف وضايقه، وكثر بينهم القتلى، واستظهر خلف عليه، فلما رأى ذلك كتب إلى بخارى يعتذر ويتنصل، ويظهر الطاعة، ويسأل الإقالة، فأجابه الأمير منصور إلى ما طلبه، وكتب في تمكينه من المسير إليه، فسار من سجستان إلى بخارى، فأحسن الأمير منصور إليه.(4/38)
واستقر خلف بن أحمد بسجستان، ودامت أيامه فيها، وكثرت أمواله ورجاله، فقطع ما كان يحمله إلى بخارى من الخلع والخدم والأموال التي استقرت القاعدة عليها، فجهزت العساكر إليه، وجعل مقدمها الحسين بن طاهر بن الحسين المذكور، فساروا إلى سجستان، وحصروا خلف بن أحمد بحصن أرك، وهو من أمنع الحصون وأعلاها محلاً وأعمقها خندقاً، فدام الحصار عليه سبع سنين.
وكان خلف يقاتلهم بأنواع السلاح، ويعمل بهم أنواع الحيل، حتى إنه كان يأمر بصيد الحيات ويجعلها في جراب ويقذفها في المنجنيق إليهم، فكانوا ينتقلون لذلك من مكان إلى مكان.
فلما طال ذلك الحصار، وفنيت الأموال والآلات، كتب نوح بن منصور إلى أبي الحسن بن سيمجور الذي كان أمير جيوش خراسان، وكان حينئذ قد عزل عنها على ما سنذكره، يأمره بالمسير إلى خلف ومحاصرته، وكان بقوهستان، فسار منها إلى سجستان، وحصر خلفاً، وكان بينهما مودة، فأرسل إليه أبو الحسن يشير عليه بالنزول عن حصن أرك وتسليمه إلى الحسين بن طاهر، ليصير لمن قد حصره من العساكر طريق وحجة يعودون بها إلى بخارى، فإذا تفرقت العساكر عاود هو محاربة الحسين وبكر بن الحسين مفرداً من العساكر، فقبل خلف مشورته، وفارق حصن أرك إلى حصن الطارق، ودخل أبو الحسن السيمجوري إلى أرك، وأقام به الخطبة للأمير نوح، وانصرف عنه، وقرر الحسين بن طاهر فيه.
وسنورد ما يتجدد فيما بعد، وكان هذا أول وهن دخل على دولة السامانية، فطمع أصحاب الأطراف فيهم لسوء طاعة أصحابهم لهم، وقد كان ينبغي أن نورد كل حادثٍ من هذه الحوادث في سنته، لكننا جمعناه لقلته، فإنه كان ينسي أوله لبعد ما بينه وبين آخره.
ذكر طاعة أهل عمان معز الدولة وما كان منهم
وفيها سير معز الدولة عسكراً إلى عمان، فلقوا أميرها، وهو نافع مولى يوسف بن وجيه، وكان يوسف قد هلك، وملك نافع البلد بعده، وكان أسود، فدخل نافع في طاعة معز الدولة، وخطب له، وضرب له اسمه على الدينار والدرهم، فلما عاد العسكر عنه وثب به أهل عمان فأخرجوه عنهم، وأدخلوا القرامطة الهجريين إليهم وتسلموا البلد، فكانوا يقيمون فيه نهاراً ويخرجون ليلاً إلى معسكرهم، وكتبوا إلى أصحابهم بهجر يعرفونهم الخبر ليأمروهم بما يفعلون.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة ليلة السبت رابع عشر صفر انخسف القمر جميعه.
وفيها نزلت طائفة من الترك على بلاد الخزر، فانتصر بأهل خوارزم فلم ينجدوهم وقالوا: أنتم كفار، فإن أسلمتم نصرناكم؛ فأسلموا إلا ملكهم، فنصرهم أهل خوارزم، وأزالوا الترك عنهم، ثم أسلم ملكهم بعد ذلك.
وفيها، رابع جمادى الآخرة، تقلد الشريف أبو أحمد الحسين بن موسى والد الرضي والمرتضى نقابة العلويين، وإمارة الحاج، وكتب له منشور من ديوان الخليفة.
وفيها أنفذ القرامطة سرية إلى عمان، والشراة في جبالها كثير، فاجتمعوا، فأوقعوا بالقرامطة، فقتلوا كثيراً منهم، وعاد الباقون.
وفيها ثار إنسان من القرامطة الذين استأمنوا إلى سيف الدولة، واسمه مروان وكان يتقلد السواحل لسيف الدولة، فلما تمكن ثار بحمص فملكها، وملك غيرها، فخرج إليه غلام لقرعويه، حاجب سيف الدولة، اسمه بدر، وواقع القرمطي عدة وقعات، ففي بعضها رمى بدر مروان بنشابة مسمومة، واتفق أن أصحاب مروان أسروا بدراً، فقتله مروان، ثم عاش بعد قتله أياماً ومات.
وفيها قتل المتنبي الشاعر، واسمه أبو الطيب أحمد بن الحسين الكندي، قريباً من النعمانية، وقتل معه ابنه، وكان قد عاد من عند الدولة بفارس، فقتله الأعراب هناك وأخذوا ما معه.
وفيها توفي محمد بن حبان بن أحمد بن حبان أبو حاتم البستي، صاحب التصانيف المشهورة؛ وأبو بكر محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم المفسر النحوي المقرئ، وكان عالماً بنحو الكوفيين، وله تفسير كبير حسن؛ ومحمد بن عبدالله بن إبراهيم بن عبدويه أبو بكر الشافعي في ذي الحجة، وكان عالماً بالحديث عالي الإسناد.
حبان بكسر الحاء والباء الموحدة.

This site was last updated 07/25/11