Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ثلاث وستين وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة334
سنة335 وسنة336
سنة 337 وسنة338
سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة
سنة340 وسنة341
سنة342 وسنة343 وسنة344 وسنة345
سنة346 وسنة347
سنة348 وسنة349 وسنة350
سنة351
سنة352 وسنة353 وسنة354
سنة355
سنة356 وسنة357
سشنة358
سنة259
سنة360 وسنة361
سنة363
سنة364
سنة365
سنة366 وسنة367
سنة367 وسنة368
سنة369
سنة370 وسنة371
سنة372
سنة373
سنة364 وسنة375
سنة476 وسنة377
سنة378 وسنة379
سنة380 وسنة381

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ثلاث وستين وثلاثمائة
ذكر استيلاء بختيار على الموصل وما كان من ذلك

في هذه السنة، في ربيع الآخر، سار بختيار إلى الموصل ليستولي عليها وعلى أعمالها وما بيد أبي تغلب بن حمدان وكان سبب ذلك ما ذكرناه من مسير حمدان بن ناصر الدولة بن حمدان وأخيه إبراهيم إلى بختيار، واستجارتهما به، وشكواهما إليه من أخيهما أبي تغلب، فوعدهما أن ينصرهما ويخلص أعمالهما وأموالهما منه، وينتقم لهما، واشتغل عن ذلك بما كان منه في البطيحة وغيرها، فلما فرغ من جميع أشغاله عاود حمدان وإبراهيم الحديث معه، وبذل له حمدان مالاً جزيلاً، وصغر عنده أمر أخيه أبي تغلب، وطلب أن يضمنه بلاده ليكون في طاعته، ويحمل إليه الأموال ويقيم له الخطبة.
ثم إن الوزير أبا الفضل حسن ذلك، وأشار به ظناً منه أن الأموال تكثر عليه فتمشي الأمور بين يديه، ثم إن إبراهيم بن ناصر الدولة هرب من عند بختيار، وعاد إلى أخيه أبي تغلب، فقوي عزم بختيار على قصد الموصل أيضاً، ثم عزل أبا الفضل الوزير واستوزر ابن بقية، فكاتبه أبو تغلب، فقصر في خطابه، فأغرى به بختيار، وحمله على قصده، فسار عن بغداد، ووصل إلى الموصل تاسع عشر ربيع الآخر ونزل بالدير الأعلى. (4/58)
وكان أبو تغلب بن حمدان قد سار عن الموصل لما قرب منه بختيار، وقصد سنجار، وكسر العروب، وأخلى الموصل من كل ميرة، وكاتب الديوان، ثم سار من سنجار يطلب بغداد، ولم يعرض إلى أحد من سوادها بل كان هو وأصحابه يشترون الأشياء بأوفى الأثمان. فلما سمع بختيار بذلك أعاد وزيره ابن بقية، والحاجب سبكتكين إلى بغداد، فأما ابن بقية فدخل إلى بغداد، وأما سبكتكين فأقام بحربى، وكان أبو تغلب قد قارب بغداد، فثار العيارون بها، وأهل الشر بالجانب الغربي، ووقعت فتنة عظيمة بين السنة والشيعة، وحمل أهل سوق الطعام، وهم من السنة، امرأة على جمل وسموها عائشة، وسمى بعضهم نفسه طلحة، وبعضهم الزبير، وقاتلوا الفرقة الأخرى، وجعلوا يقولون: نقاتل أصحاب علي بن أبي طالب، وأمثال هذا من الشر.
وكان الجانب الشرقي آمناً، والجانب الغربي مفتوناً، فأخذ جماعة من رؤساء العيارين وقتلوا، فسكن الناس بعض السكون. وأما أبو تغلب فإنه لما بلغه دخول ابن بقية بغداد، ونزول سبكتكين الحاجب بحربى، عاد عن بغداد، ونزل بالقرب منه، وجرى بينهما مطاردة يسيرة، ثم اتفقا في السر على أن يظهرا الاختلاف إلى أن يتمكنا من القبض على الخليفة والوزير ووالدة بختيار وأهله، فإذا فعلوا ذلك انتقل سبكتكين إلى بغداد، وعاد أبو تغلب إلى الموصل، فيبلغ من بختيار ما أراد، ويملك دولته.
ثم إن سبكتكين خاف سوء الأحدوثة، فتوقف وسار الوزير ابن بقية إلى سبكتكين، فاجتمع به، وانفسخ ما كان بينهما، وتراسلوا في الصلح على أن أبا تغلب يضمن البلاد على ما كانت معه، وعلى أن يطلق لبختيار ثلاثة آلاف كر غلة عوضاً عن مؤونة سفره، وعلى أن يرد على أخيه حمدان أملاكه وإقطاعه، إلا ماردين.
ولما اصطلحوا أرسلوا إلى بختيار بذلك ليرحل عن الموصل، وعاد أبو تغلب إليها، ودخل سبكتكين بغداد، وأسلم بختيار. فلما سمع بختيار بقرب أبي تغلب منه خافه لأن عسكره كان قد عاد أكثره مع سبكتكين، وطلب الوزير ابن بقية من سبكتكين أن يسير نحو بختيار، فتثاقل، ثم فكر في العواقب، فسار على مضض، وكان أظهر للناس ما كان هم به.
وأما بختيار فإنه جمع أصحابه وهو بالدير الأعلى؛ ونزل أبو تغلب بالحصباء، تحت الموصل، وبينهما عرض البلد، وتعصب أهل الموصل لأبي تغلب، وأظهروا محبته لما نالهم من بختيار من المصادرات وأخذ الأموال، ودخل الناس بينهما في الصلح، فطلب أبو تغلب من بختيار أن يلقب لقباً سلطانياً، وأن يسلم إليه زوجته ابنة بختيار، وأن يحط عنه من ذلك القرار. فأجابه بختيار خوفاً منه، وتحالفا، وسار بختيار عن الموصل عائداً إلى بغداد، فأظهر أهل الموصل السرور برحيله، لأنه كان قد أساء معهم السيرة وظلمهم.
فلما وصل بختيار إلى الكحيل بلغه أن أبا تغلب قد قتل قوماً كانوا من أصحابه، وقد استأمنوا إلى بختيار، فعادوا إلى الموصل ليأخذوا ما لهم بها من أهل وما فقتلهم. فلما بلغه ذلك اشتد عليه، وأقام بمكانه، وأرسل إلى الوزير أبي طاهر بن بقية والحاجب سبكتكين يأمرهما بالإصعاد إليه، وكان قد أرسل إليهما يأمرهما بالتوقف، ويقول لهما إن الصلح قد استقر، فلما أرسل إليهما يطلبهما أصعدا إليه في العساكر، فعادوا جميعهم إلى الموصل، ونزلوا بالدير الأعلى أواخر جمادى الآخرة، وفارقها أبو تغلب إلى تل يعفر، وعزم عز الدولة على قصده وطلبه أين سلك، فأرسل أبو تغلب كاتبه وصاحبه أبا الحسن علي بن أبي عمرو إلى عز الدولة فاعتقله، واعتقل معه أبا الحسن ابن عرس، وأبا أحمد بن حوقل.
وما زالت المراسلات بينهما، وحلف أبو تغلب أنه لم يعلم بقتل أولئك، فعاد الصلح واستقر، وحمل إليه ما استقر من المال. فأرسل عز الدولة الشريف أبا أحمد الموسوي، والقاضي أبا بكر محمد بن عبد الرحمن، فحلفا أبا تغلب، وتجدد الصلح، وانحدر عز الدولة عن الموصل سابع عشر رجب، وعاد أبو تغلب إلى بلده.
ولما عاد بختيار عن الموصل جهز ابنته وسيرها إلى أبي تغلب، وبقيت معه إلى أن أخذت منه، ولم يعرف لها بعد ذلك خبر.
ذكر الفتنة بين بختيار وأصحابه
في هذه السنة ابتدأت الفتنة بين الأتراك والديلم بالأهواز، فعمت العراق جميعه، واشتدت. (4/59)
وكان سبب ذلك أن عز الدولة بختيار قلت عنده الأموال، وكثر إدلال جنده عليه، واطراحهم لجانبه، وشغبهم عليه، فتعذر عليه القرار، ولم يجد ديوانه ووزيره جهة يحتال منها بشيء، وتوجهوا إلى الموصل لهذا السبب، فلم ينفتح عليهم، فرأوا أن يتوجهوا إلى الأهواز، ويتعرضوا لبختكين آزادرويه، وكان متوليها، ويعملوا له حجة يأخذون منه مالاً ومن غيره، فسار بختيار وعسكره، وتخلف عنه سبكتكين التركي، فلما وصلوا إلى الأهواز خدم بختيار وحمل له أموالاً جليلة المقدار، وبذل له من نفسه الطاعة، وبختيار يفكر في طريق يأخذه به.
فاتفق أنه جرى فتنة بين الأتراك والديلم، وكان سببها أن بعض الديلم نزل داراً بالأهواز، ونزل قريباً منه بعض الأتراك، وكان هناك لبن موضوع، فأراد غلام الديلمي أن يبني منه معلفاً للدواب، فمنعه غلام التركي، فتضاربا، وخرج كل واحد من التركي والديلمي إلى نصرة غلامه، فضعف التركي عنه، فركب واستنصر بالأتراك، فركبوا وركب الديلم، وأخذوا السلاح، فقتل بينهم بعض قواد الأتراك، وطلب الأتراك بثأر صاحبهم، وقتلوا به من الديلم قائداً أيضاً، وخرجوا إلى ظاهر البلد.
واجتهد بختيار في تسكين الفتنة، فلم يمكنه ذلك، فاستشار الديلم فيما يفعله، وكان أذناً يتبع كل قائل، فأشاروا عليه بقبض رؤساء الأتراك لتصفو له البلاد، فأحضروا آزادرويه وكاتبه سهل بن بشر، وسباشى الخوارزمي بكتيجور، وكان حماً لسبكتكين، فحضروا، فاعتقلهم وقيدهم، وأطلق الديلم في الأتراك، فنهبوا أموالهم ودوابهم وقتل بينهم قتلى، وهرب الأتراك، واستولى بختيار على إقطاع سبكتكين فأخذه، وأمر فنودي بالبصرة بإباحة دم الأتراك.
ذكر حيلة لبختيار عادت عليه
كان بختيار قد واطأ والدته وإخوته أنه إذا كتب إليهم بالقبض على الأتراك يظهرون أن بختيار قد مات، ويجلسون للعزاء، فإذا حضر سبكتكين عندهم قبضوا عليه، فلما قبض بختيار على الأتراك كتب إليهم على أجنحة الطيور يعرفهم ذلك، فلما وقفوا على الكتب وقع الصراخ في داره، وأشاعوا موته، ظناً منهم أن سبكتكين يحضر عندهم ساعة يبلغه الخبر، فلما سمع الصراخ أرسل يسأل عن الخبر، فأعلموه، فأرسل يسأل عن الذي أخبرهم، وكيف أتاهم الخبر، فلم يجد نقلاً يثق القلب به، فارتاب بذلك.
ثم وصله رسله الأتراك بما جرى، فعلم أن ذلك كان مكيدة عليه، ودعاه الأتراك إلى أن يتأمر عليهم، فتوقف، وأرسل إلى أبي إسحاق بن معز الدولة يعلمه أن الحال قد انفسد بينه وبين أخيه، فلا يرجى صلاحه، وأنه لا يرى العدول عن طاعة مواليه وإن أساءوا إليه، ويدعوه إلى أن يعقد الأمر له. فعرض قوله على والدته، فمنعته.
فلما رأى سبكتكين ذلك ركب في الأتراك، وحصر دار بختيار يومين، ثم أحرقها ودخلها، وأخذ أبا إسحاق وأبا طاهر ابني معز الدولة ووالدتهما ومن كان معهما، فسألوه أن يمكنهم من الانحدار إلى واسط، ففعل، وانحدروا، وانحدر معهم المطيع لله في الماء، فأنفذ سبكتكين فأعاد ورده إلى داره، وذلك تاسع ذي القعدة، واستولى على ما كان لبختيار جميعه ببغداد، ونزل الأتراك في دور الديلم وتتبعوا أموالهم وأخذوها، وثارت العامة من أهل السنة ينصرون سبكتكين لأنه كان يتسنن، فخلع عليهم، وجعل لهم العرفاء والقواد، فثاروا بالشيعة وحاربوهم وسفكت بينهم الدماء، وأحرقت الكرخ حريقاً ثانياً، وظهرت السنة عليهم.


ذكر خلع المطيع وخلافة الطائع لله
وفي هذه السنة، منتصف ذي القعدة، خلع المطيع لله، وكان به مرض الفالج، وقد ثقل لسانه، وتذرت الحركة عليه، وهو يستر ذلك، فانكشف حاله لسبكتكين هذه الدفعة، فدعاه إلى أن يخلع نفسه من الخلافة ويسلمها إلى ولده الطائع لله، واسمه أبو الفضل عبد الكريم، ففعل ذلك، وأشهد على نفسه بالخلع ثالث عشر ذي القعدة. وكانت مدة خلافته تسعاً وعشرين سنة وخمسة أشهر غير أيام، وبويع للطائع لله بالخلافة، واستقر أمره.
ذكر الحرب بين المعز لدين الله العلوي والقرامطة
في هذه السنة سار القرامطة، ومقدمهم الحسن بن أحمد، من الأحساء إلى ديار مصر فحصرها، ولما سمع المعز لدين الله صاحب مصر بأنه يريد قصد مصر كتب إليه كتاباً يذكر فيه فضل نفسه وأهل بيته وأن الدعوة واحدة، وأن القرامطة إنما كانت دعوتهم إليه، وإلى آبائه من قبله، ووعظه وبالغ، وتهدده، وسير الكتاب إليه. (4/60)
فكتب جوابه: وصل كتابك الذي قل تحصيله وكثر تفضيله، ونحن سائرون إليك على أثره، والسلام.
وسار حتى وصل إلى مصر، فنزل على عين شمس بعسكره، وأنشب القتال، وبث السرايا في البلاد ينهبونها، فكثرت جموعه، وأتاه من العرب خلق كثير، وكان ممن أتاه حسان بن الجراح الطائي، أمير العرب بالشام، ومعه جمع عظيم.
فلما رأى المعز كثرة جموعه استعظم ذلك وأهمه، وتحير في أمره، ولم يقدم على إخراج عسكره لقتاله، فاستشار أهل الرأي من نصائحه، فقالوا: ليس حيلة غير السعي في تفريق كلمتهم، وإلقاء الخلف بينهم، ولا يتم ذلك إلا بابن الجراح؛ فراسله المعز واستماله، وبذل له مائة ألف دينار إن هو خالف على القرمطي، فأجابه ابن الجراح إلى ما طلب منه، فاستحلفوه، فحلف أنه إذا وصل إليه المال المقرر انهزم بالناس.
فاحضروا المال، فلما رأوه استكثروه، فضربوا أكثرها دنانير من صفر، وألبسوها الذهب، وجعلوها في أسافل الأكياس، وجعلوا الذهب الخالص على رؤوسها، وحمل إليه، فأرسل إلى المعز أن يخرج في عسكره يوم كذا ويقاتلوه وهو في الجهة الفلانية فإنه ينهزم، المعز ذلك فانهزم وتبعه العرب كافة، فلما رآه الحسن القرمطي منهزماً تحير في أمره، وثبت، وقاتل بعسكره، إلا أن عسكر المعز طمعوا فيه وتابعوا الحملات عليه من كل جانب، فأرهقوه، فولى منهزماً، واتبعوا أثره، وظفروا بمعسكره فأخذوا من فيه أسرى، وكانوا نحو ألف وخمسمائة أسير، فضربت أعناقهم، ونهب ما في المعسكر.
وجرد المعز القائد أبا محمد بن إبراهيم بن جعفر في عشرة آلاف رجل، وأمره باتباع القرامطة والإيقاع بهم، فاتبعهم، وتثاقل في سيره خوفاً أن ترجع القرامطة إليه؛ وأما هم فإنهم ساروا حتى نزلوا أذرعات، وساروا منها إلى بلدهم الأحساء، ويظهرون أنهم يعودون.
ذكر ملك المعز دمشق وما كان فيها من الفتن
لما بلغ المعز انهزام القرمطي من الشام، وعوده إلى بلاده، أرسل القائد ظالم بن موهوب العقيلي والياً على دمشق، فدخلها، وعظم حاله، وكثرت جموعه وأمواله وعدته، لأن أبا المنجى وابنه صاحبي القرمطي كانا بدمشق، ومعهما جماعة من القرامطة، فأخذهم ظالم وحبسهم، وأخذ أموالهم وجميع ما يملكونه.
ثم إن القائد أبا محمود الذي سيره المعز يتبع القرامطة وصل إلى دمشق بعد وصول ظالم إليها بأيام قليلة، فخرج ظالم متلقياً له مسروراً بقدومه، لأنه كان مستشعراً من عود القرمطي إليه، فطلب منه أن ينزل بعسكره بظاهر دمشق، ففعل، وسلم إليه أبا المنجى وابنه ورجلاً آخر يعرف بالنابلسي، وكان هرب من الرملة، وتقرب إلى القرمطي، فأسر بدمشق أيضاً، فحملهم أبو محمد إلى مصر، فسجن أبو المنجى وابنه، وقيل للنابلسي: أنت الذي قلت لو أن معي عشرة أسهم لرميت تسعة في المغاربة وواحداً في الروم ؟ فاعترف، فسلخ جلده وحشي تبناً وصلب.
ولما نزل أبو محمود بظاهر دمشق امتدت أيدي أصحابه بالعيث والفساد، وقطع الطريق، فاضطرب الناس وخافوا، ثم إن صاحب الشرطة أخذ إنساناً من أهل البلد فقتله، فثار به الغوغاء والأحداث، وقتلوا أصحابه، وأقام ظالم بين الرعية يداريهم، وانتزح أهل القرى منها لشدة نهب المغاربة أموالهم، وظلمهم لهم، ودخلوا البلد، فلما كان نصف شوال من السنة وقعت فتنة عظيمة بين عسكر أبي محمود وبين العامة، وجرى بين الطائفتين قتال شديد، وظالم مع العامة يظهر أنه يريد الإصلاح، ولم يكاشف أبا محمود، وانفصلوا.
ثم إن أصحاب أبي محمود أخذوا من الغوطة قفلاً من حوران، وقتلوا منه ثلاثة نفر، فأخذهم أهلوهم وألقوهم في الجامع، فأغلقت الأسواق، وخاف الناس، وأرادوا القتال، فسكنهم عقلاؤهم.
ثم إن المغاربة أرادوا نهب قينية واللؤلؤة، فوقع الصائح في أهل البلد، فنفروا، وقاتلوا المغاربة في السابع عشر ذي القعدة، وركب أبو محمود في جموعه وزحف الناس بعضهم إلى بعض، فقوي المغاربة، وانهزم العامة إلى سور البلد، فصبروا عنده، وخرج إليهم من تخلف عنهم، وكثر النشاب على المغاربة فأثخن فيهم، فعادوا، فتبعهم العامة، فاضطروهم إلى العود، فعادوا، وحملوا على العامة فانهزموا، وتبعوهم إلى البلد، وخرج ظالم من دار الإمارة. (4/61)
وألقى المغاربة النار في البلد من ناحية باب الفراديس، وأحرقوا تلك الناحية فأخذت النار إلى القبلة فأحرقت من البلد كثيراً، وهلك فيه جماعة من الناس، وما لا يحد من الأثاث والرحال والأموال، وبات الناس على أقبح صورة، ثم إنهم اصطلحوا هم وأبو محمود، ثم انتقضوا، ولم يزالوا كذلك إلى ربيع الآخر سنة أربع وستين وثلاثمائة.
ذكر ولاية جيش بن الصمصامة دمشق
ثم عادت الفتنة في ربيع الآخر سنة أربع وستين وثلاثمائة، وترددوا في الصلح، فاستقر الأمر بين القائد أبي محمود والدمشقيين على إخراج ظالم من البلد، وأن يليه جيش بن الصمصامة، وهو ابن أخت أبي محمود، واتفقوا على ذلك، وخرج ظالم من البلد، ووليه جيش بن الصمصامة، وسكنت الفتنة واطمأن الناس.
ثم إن المغاربة بعد أيام عاثوا وأفسدوا باب الفراديس، فثار الناس عليهم وقاتلوهم، وقتلوا من لحقوه، وصاروا إلى القصر الذي فيه جيش، فهرب منه هو ومن معه من الجند المغاربة، ولحق بالعسكر، فلما كان من الغد، وهو أول جمادى الأولى من السنة، زحف جيش في العسكر إلى البلد، وقاتله أهله، فظفر بهم وهزمهم، وأحرق من البلد ما كان سلم، ودام القتال بينهم أياماً كثيرة، فاضطرب الناس وخافوا، وخربت المنازل وانقطعت المواد، وانسدت المسالك، وبطل البيع والشراء، وقطع الماء عن البلد، فبطلت القنوات والحمامات، ومات كثير من الفقراء على الطرقات من الجوع والبرد، فأتاهم الفرج بعزل أبي محمود.
ذكر ولاية ريان الخادم دمشق
لما كان بدمشق ما ذكرناه من القتال، والتحريق، والتخريب، وصل الخبر بذلك إلى المعز صاحب مصر، فأنكر ذلك واستبشعه واستعظمه، فأرسل إلى القائد ريان الخادم، والي طرابلس، يأمره بالمسير إلى دمشق لمشاهدة حالها وكشف أمور أهلها، وتعريفه حقيقة الأمر، وأن يصرف القائد أبا محمود عنها، فامتثل ريان ذلك، سار إلى دمشق، وكشف الأمر فيها وكتب به إلى المعز، وتقدم إلى القائد أبي محمود بالانصراف عنها، فسار في جماعة قليلة من العسكر إلى الرملة، وبقي الأكثر منهم مع ريان. وبقي الأمر كذلك إلى أن ولي الفتكين، على ما نذكره.
ذكر حال بختيار بعد قبض الأتراك
لما فعل بختيار ما ذكرناه من قبض الأتراك ظفر بذخيرة لآزادرويه بجنديسابور، فأخذها، ثم رأى ما فعله الأتراك مع سبكتكين، وأن بعضهم بسواد الأهواز قد عصوا عليه، واضطر عليه غلمانه الذين في داره، وأتاه مشايخ الأتراك من البصرة، فعاتبوه على ما فعل بهم، وقال له عقلاء الديلم: لا بد لنا في الحرب من الأتراك يدفعون عنا بالنشاب؛ فاضطرب رأي بختيار، ثم أطلق آزادرويه، وجعله صاحب الجيش موضع سبكتكين، وظن أن الأتراك يأنسون به، وأطلق المعتقلين وسار إلى والدته وإخوته بواسط، وكتب إلى عمه ركن الدولة وإلى ابن عمه عضد الدولة يسألهما أن ينجداه، ويكشفا ما نزل به، وكتب إلى أبي تغلب بن حمدان يطلب منه أن يساعده بنفسه، وأنه إذا فعل ذلك أسقط عنه المال الذي عليه، وأرسل إلى عمران بن شاهين بالبطيحة خلعاً، وأسقط عنه باقي المال الذي اصطلحا عليه، وخطب إليه إحدى بناته، وطلب منه أن يسير إليه عسكراً.
فأما ركن الدولة عمه فإنه جهز عسكراً مع وزيره أبي الفتح بن العميد، وكتب إلى ابنه عضد الدولة يأمره بالمسير إلى ابن عمه والاجتماع مع ابن العميد.
وأما عضد الدولة فإنه وعد بالمسير، وانتظر ببختيار الدوائر طمعاً في ملك العراق.
وأما عمران بن شاهين فإنه قال: أما إسقاط المال فنحن نعلم أنه لا أصل له، وقد قبلته، وأما الوصلة فإنني لا أتزوج أحداً إلا أن يكون الذكر من عندي، وقد خطب إلي العلويون، وهم موالينا، فما أجبتهم إلى ذلك، وأما الخلع والفرس فإنني لست ممن يلبس ملبوسكم، وقد قبلها ابني، وأما إنفاذ عسكر فإن رجالي لا يسكنون إليكم لكثرة ما قتلوا منكم.
ثم ذكر ما عامله به هو وأبوه مرة بعد أخرى، وقال: ومع هذا فلا بد أن يحتاج إلى أن يدخل بيتي مستجيراً بي، والله لأعمالنه بضد ما عاملني به هو وأبوه؛ فكان كذلك. (4/62)
وأما أبو تغلب بن حمدان فإنه أجاب إلى المسارعة، وأنفذ أخاه أبا عبدالله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدان إلى تكريت في عسكر، وانتظر انحدار الأتراك عن بغداد، فإن ظفروا ببختيار دخل بغداد مالكاً لها، فلما انحدر الأتراك عن بغداد سار أبو تغلب إليها ليوجب على بختيار الحجة في إسقاط المال الذي عليه، ووصل إلى بغداد والناس في بلاء عظيم مع العيارين، فحمى البلد، وكف أهل الفساد.
وأما الأتراك فإنهم انحدروا مع سبكتكين إلى واسط، وأخذوا معهم الخليفة الطائع لله، والمطيع أيضاً وهو مخلوع، فلما وصلوا إلى دير العاقول توفي بها المطيع، ومرض سبكتكين فمات بها أيضاً، فحملا إلى بغداد، وقدم الأتراك عليهم الفتكين، وهو من أكابر قوادهم وموالي معز الدولة، وفرح بختيار بموت سبكتكين، وظن أن أمر الأتراك ينحل وينتشر بموته، فلما رأى انتظام أمورهم ساءه ذلك.
ثم إن الأتراك ساروا إليه، وهو بواسط، فنزلوا قريباً منه، وصاروا يقاتلونه نوائب نحو خمسين يوماً، ولم تزل الحرب بين الأتراك وبختيار متصلة، والظفر للأتراك في كل ذلك، وحصروا بختيار، واشتد عليه الحصار، وأحدقوا به، وصار خائفاً يترقب، وتابع إنفاذ الرسل إلى عضد الدولة بالحث والإسراع وكتب إليه:
فإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلي ... وإلاّ فأدركني ولّما أمزّق
فلما رأى عضد الدولة ذلك، وأن الأمر قد بلغ ببختيار ما كان يرجوه، سار نحو العراق نجدة له في الظاهر، وباطنه بضد ذلك.
ذكر ملك عضد الدولة عمان
في هذه السنة استولى الوزير أبو القاسم المطهر بن محمد وزير عضد الدولة على جبال عمان، ومن بها من الشراة، في ربيع الأول.
وسبب ذلك أن معز الدولة لما توفي، وبعمان أبو الفرج بن العباس، نائب معز الدولة، فارقها، فتولى أمرها عمر بن نهبان الطائي، وأقام الدعوة لعضد الدولة، ثم إن الزنج غلبت على البلد، ومعهم طوائف من الجند، وقتلوا ابن نهبان، وأمروا عليهم إنساناً يعرف بابن حلاج، فسير عضد الدولة جيشاً من كرمان، واستعمل عليهم أبا حرب طغان، فساروا في البحر إلى عمان، فخرج أبو حرب من المراكب إلى البر، وسارت المراكب في البحر من ذلك المكان، فتوافوا على صحار قصبة عمان فخرج إليهم الجند والزنج واقتتلوا قتالاً شديداً في البر والبحر، فظفر أبو حرب، واستولى على صحار، وانهزم أهلها، وكان ذلك سنة اثنتين وستين.
ثم إن الزنج اجتمعوا إلى بريم، وهو رستاق بينه وبين صحار مرحلتان، فسار إليهم أبو حرب، فأوقع بهم وقعة أتت عليهم قتلاً وأسراً، فاطمأنت البلاد.
ثم إن جبال عمان اجتمع بها خلق كثير من الشراة، وجعلوا لهم أميراً اسمه ورد بن زياد، وجعلوا لهم خليفة اسمه حفص بن راشد، فاشتدت شوكتهم، فسير عضد الدولة المطهر بن عبدالله في البحر أيضاً، فبلغ إلى نواحي حرفان من أعمال عمان، فأوقع بأهلها، وأثخن فيهم، وأسر، ثم سار إلى دما، وهي على أربعة أيام من صحار، فقاتل من بها، وأوقع بهم وقعة عظيمة قتل فيها وأسر كثيراً من رؤسائهم، وانهزم أميرهم ورد، وإمامهم حفص، واتبعهم المطهر إلى نزوى، وهي قصبة تلك الجبال، فانهزموا منه، فسير إليهم العساكر، فأوقعوا بهم وقعة أتت على باقيهم، وقتل ورد، وانهزم حفص إلى اليمن، فصار معلماً، وسار المطهر إلى مكان يعرف بالشرف به جمع كثير من العرب، نحو عشرة آلاف، فأوقع بهم، واستقامت البلاد، ودانت بالطاعة، ولم يبق فيها مخالف.
ذكر عدة حوادث
وفيها خطب للمعز لدين الله العلوي، صاحب مصر، بمكة والمدينة، في الموسم.
وفيها خرج بنو هلال وجمع من العرب على الحاج، فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وضاق الوقت، فبطل الحج، ولم يسلم إلا من مضى مع الشريف أبي أحمد الموسوي، والد الرضي، على طريق المدينة، فتم حجهم.
وفيها كانت بواسط زلزلة عظيمة في ذي الحجة.
وفيها توفي عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد الفقيه الحنبلي المعروف بغلام الخلال وعمره ثمان وسبعون سنة.
وإلى آخر هذه السنة انتهى تاريخ ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة، وأوله من خلافة المقتدر بالله سنة خمس وتسعين ومائتين.

This site was last updated 07/25/11