Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

 سنة أربعين وثلاثمائة سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة334
سنة335 وسنة336
سنة 337 وسنة338
سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة
سنة340 وسنة341
سنة342 وسنة343 وسنة344 وسنة345
سنة346 وسنة347
سنة348 وسنة349 وسنة350
سنة351
سنة352 وسنة353 وسنة354
سنة355
سنة356 وسنة357
سشنة358
سنة259
سنة360 وسنة361
سنة363
سنة364
سنة365
سنة366 وسنة367
سنة367 وسنة368
سنة369
سنة370 وسنة371
سنة372
سنة373
سنة364 وسنة375
سنة476 وسنة377
سنة378 وسنة379
سنة380 وسنة381

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة أربعين وثلاثمائة
ذكر وفاة منصور بن قراتكين وأبي المظفر بن محتاج

في هذه السنة مات منصور بن قراتكين، صاحب الجيوش الخراسانية، في شهر ربيع الأول، بعد عوده من أصبهان إلى الري، فذكر العراقيون أنه أدمن الشرب عدة أيام بلياليها، فمات فجأةً، وقال الخراسانيون إنه مرض ومات، والله أعلم.
ولما مات رجعت العساكر الخراسانية إلى نيسابور، وحمل تابوت منصور، ودفن إلى جانب والده باسبيجاب.
ومن عجيب ما يحكى أن منصوراً لما سار من نيسابور إلى الري سير غلاماً له إلى اسبيجاب ليقيم في رباط والده قراتكين الذي فيه قبره، فلما ودعه قال. كأنك بي قد حملت في تابوت إلى تلك البرية؛ فكان كما قال بعد قليل، مات وحمل تابوته إلى ذلك الرباط، ودفن عند قبر والده.
وفيها توفي أبو المظفر بن أبي علي بن محتاج ببخارى، كان قد ركب دابة أنفذها إليه أبوه، فألقته وسقطت عليه فهشمته، ومات من يومه، وذلك في ربيع الأول، وعظم موته على الناس كافة، وشق موته على الأمير نوح، وحمل إلى الصغانيان إلى والده أبي علي وكان مقيماً بها.
ذكر عود أبي علي إلى خراسان
وفي هذه السنة أعيد أبو علي بن محتاج إلى قيادة الجيوش بخراسان، وأمر بالعود إلى نيسابور. (4/19)
وكان سبب ذلك أن منصور بن قراتكين كان قد تأذى بالجند، واستصعب إيالتهم، وكانوا قد استبدوا بالأمور دونه، وعاثوا في نواحي نيسابور، فتواترت كتبه إلى الأمير نوح بالاستعفاء من ولايتهم، ويطلب أن يقتصر به على هراة، ويولى ما بيده من أراد نوح، فكان نوح يرسل إلى أبي علي يعده بإعادته إلى مرتبته، فلما توفي منصور أرسل الأمير نوح إلى أبي علي الخلع واللواء وأمره بالمسير إلى نيسابور، وأقطعه الري وأمره بالمسير إليها، فسار عن الصغانيان في شهر رمضان، واستخلف مكانه ابنه أبا منصور، ووصل إلى مرو وأقام بها إلى أن أصلح أمر خوارزم، وكانت شاغرة، وسار إلى نيسابور، فوردها في ذي الحجة فأقام بها.
ذكر الحرب بصقلية بين المسلمين والروم
كان المنصور العلوي، صاحب إفريقية، قد استعمل على صقلية، سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، الحسن بن علي بن أبي الحسين الكلبي، فدخلها واستقر بها كما ذكرناه، وغزا الروم الذين بها عدة غزوات، فاستمدوا ملك قسطنطينية فسير إليهم جيشاً كثيراً، فنزلوا أذرنت، فأرسل الحسن بن علي إلى المنصور يعرفه الحال، فسير إليه جيشاً كثيفاً مع خادمه فرح، فجمع الحسن جنده مع الواصلين وسار إلى ريو، وبث السرايا في أرض قلورية، وحاصر الحسن جراجة أشد حصار، فأشرف أهلها على الهلاك من شدة العطش، ولم يبق إلا أخذها، فأتاه الخبر أن عسكر الروم واصل إليه، فهادن أهل جراجة على مال يؤدونه، وسار إلى الروم، فلما سمعوا بقربه منهم انهزموا بغير قتال، وتركوا أذرنت.
ونزل الحسن على قلعة قسانة، وبث سراياه تنهب، فصالحه أهل قسانة على مالٍ، ولم يزل كذلك إلى شهر ذي الحجة، وكان المصاف بين المسلمين وعسكر قسطنطينية ومن معه من الروم الذين بصقلية، ليلة الأضحى، واقتتلوا، واشتد القتال، فانهزم الروم، وركبهم المسلمون يقتلون ويأسرون إلى الليل، وغنموا جميع أثقالهم، وسلاحهم، ودوابهم، وسير الرؤوس إلى مدائن صقلية، وإفريقية، وحصر الحسن جراجة، فصالحوه على مال يحملونه، ورجع عنهم، وسير سرية إلى مدينة بطرقوقة، ففتحوها، وغنموا ما فيها، ولم يزل الحسن بجزيرة صقلية إلى سنة إحدى وأربعين، فمات المنصور، فسار عنها إلى إفريقية، واتصل بالمعز بن المنصور، واستخلف على صقلية ابنه أبا الحسين أحمد.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة رفع إلى المهلبي أن رجلاً يعرف بالبصري مات ببغداد، وهم مقدم القراقرية، يدعي أن روح أبي جعفر محمد بن علي بن أبي القراقر قد حلت فيه، وأنه خلف مالاً كثيراً كان يجيبه من هذه الطائفة، وأن له أصحاباً يعتقدون ربوبيته، وأن أرواح الأنبياء والصديقين حلت فيهم، فأمر بالختم على التركة، والقبض على أصحابه، والذي قام بأمرهم بعده، فلم يجد إلا مالاً يسيراً، ورأى دفاتر فيها أشياء من مذاهبهم.
وكان فيهم غلام شاب يدعي أن روح علي بن أبي طالب حلت فيه، وامرأة يقال لها فاطمة تدعي أن روح فاطمة حلت فيها، وخادم لبني بسطام يدعي أنه ميكائيل، فأمر بهم المهلبي فضربوا ونالهم مكروه، ثم إنهم توصلوا بمن ألقى إلى معز الدولة أنهم من شيعة علي بن أبي طالب، فأمر بإطلاقهم، وخاف المهلبي أن يقيم على تشدده في أمرهم فينسب إلى ترك التشيع، فسكت عنهم.
وفي هذه السنة توفي عبدالله بن الحسين بن لال أبو الحسن الكرخي الفقيه الحنفي المشهور، في شعبان، ومولده سنة ستين ومائتين، وكان عابداً معتزلياً.
وفيها توفي أبو جعفر الفقيه ببخارى.


ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة
ذكر حصار البصرة

في هذه السنة سار يوسف بن وجيه، صاحب عمان، في البحر والبر إلى البصرة فحصرها.
وكان سبب ذلك أن معز الدولة لما سلك البرية إلى البصرة، وأرسل القرامطة ينكرون عليه ذلك، وأجابهم بما ذكرناه، علم يوسف بن وجيه استيحاشهم من معز الدولة، فكتب إليهم يطمعهم في البصرة، وطلب منهم أن يمدوه من ناحية البر، فأمدوه بجمع كثير منهم، وسار يوسف في البحر، فبلغ الخبر إلى الوزير المهلبي وقد فرغ من الأهواز والنظر فيها، فسار مجداً في العساكر إلى البصرة، فدخلها قبل وصول يوسف إليها، وشحنها بالرجال، وأمده معز الدولة بالعساكر وما يحتاج إليه، وتحارب هو وابن وجيه أياماً، ثم انهزم ابن وجيه، وظفر المهلبي بمراكبه وما معه من سلاح وغيره.
ذكر وفاة المنصور العلوي (4/20)

*******
وملك ولده المعز
في هذه السنة توفي المنصور بالله أبو الطاهر إسماعيل بن القائم أبي القاسم محمد بن عبيدالله المهدي، سلخ شوال، وكانت خلافته سبع سنين وستة عشر يوماً وكان عمره تسعاً وثلاثين سنة، وكان خطيباً بليغاً، يخترع الخطبة لوقته، وأحواله مع أبي يزيد الخارجي وغيره تدل على شجاعة وعقل.
وكان سبب وفاته أنه خرج إلى سفاقس وتونس ثم إلى قابس، وأرسل إلى أهل جزيرة جربة يدعوهم إلى طاعته، فأجابوه إلى ذلك، وأخذ منهم رجالاً معه وعاد، وكانت سفرته شهراً، وعهد إلى ابنه معد بولاية العهد، فلما كان رمضان خرج متنزهاً أيضاً إلى مدينة جلولاء، وهو موضع كثير الثمار، وفيه من الأترج ما لا يرى مثله في عظمه، يكون شيء يحمل الجمل منه أربع أترجات، فحمل منه إلى قصره.
وكان للمنصور جارية حظية عنده، فلما رأته استحسنته، وسألت المنصور أن تراه في أغصانه، فأجابها إلى ذلك ورحل إليها في خاصته، وأقام بها أياماً، ثم عاد إلى المنصورية، فأصابه في الطريق ريح شديدة وبرد ومطر، ودام عليه فصبر وتجلد، وكثر الثلج، فمات جماعة من الذين معه، واعتل المنصور علة شديدة، لأنه لما وصل إلى المنصورية أراد دخول الحمام، فنهاه طبيبه إسحاق بن سليمان الإسرائيلي عن ذلك، فلم يقبل منه، ودخل الحمام، ففنيت الحرارة الغريزية منه، ولازمه السهر، فأقبل إسحاق يعالج المرض، والسهر باقٍ بحاله، فاشتد ذلك على المنصور، فقال لبعض الخدم: أما في القيروان طبيب غير إسحاق يخلصني من هذا الأمر ؟ قال: ها هنا شاب قد نشأ الآن اسمه إبراهيم؛ فأمر بإحضاره، وشكا إليه ما يجده من السهر، فجمع له أشياء منومة، وجعلت في قنينة على النار، وكلفه شمها، فلما أدمن شمها نام.
وخرج إبراهيم وهو مسرور بما فعل، وبقي المنصور نائماً، فجاء إسحاق فطلب الدخول عليه، فقيل: هو نائم؛ فقال: إن كان صنع له شيء ينام منه فقد مات؛ فدخلوا عليه فوجدوه ميتاً، فدفن في قصره، وأرادوا قتل إبراهيم، فقال إسحاق: ما له ذنب، إنما داواه بما ذكره الأطباء، غير أنه جهل أصل المرض، وما عرفتموه، وذلك أنني كنت في معالجته أنظر في تقوية الحرارة الغريزية، وبها يكون النوم، فلما عولج بالأشياء المطفئة لها علمت أنه قد مات.
ولما مات ولي الأمر بعده ابنه معد، وهو المعز لدين الله، وأقام في تدبير الأمور إلى سابع ذي الحجة، فأذن للناس فدخلوا عليه، وجلس لهم، فسلموا عليه بالخلافة، وكان عمره أربعاً وعشرين سنة.
فلما دخلت سنة ست وأربعين صعد جبل أوراس، وجال فيه عسكره، وهو ملجأ كل منافق على الملوك، وكان فيه بنو كملان، ومليلة، وقبيلتان من هوارة، لم يدخلوا في طاعة من تقدمه، فأطاعوا المعز، ودخلوا معه البلاد، وأمر نوابه بالإحسان إلى البربر، فلم يبق منهم أحد إلا أتاه، وأحسن إليهم المعز، وعظم أمره، ومن جملة من استأمن إليه محمد بن خزر الزناتي، أخو معبد، فأمنه المعز وأحسن إليه.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في ربيع الأول، ضرب معز الدولة وزيره أبا محمد المهلبي بالمقارع مائة وخمسين مقرعة، ووكل به في داره، ولم يعزله من وزارته، وكان نقم عليه أموراً ضربه بسببها.
وفيها، في ربيع الآخر، وقع حريق عظيم ببغداد في سوق الثلاثاء، فاحترق فيه للناس ما لا يحصى.
وفي هذه السنة ملك الروم مدينة سروج، وسبوا أهلها، وغنموا أموالهم وأخربوا المساجد.
وفيها سار ركن الدولة من الري إلى طبرستان وجرجان، فسار عنها إلى ناحية نسا، وأقام بها، واستولى ركن الدولة على تلك البلاد، وعاد عنها إلى الري، واستخلف بجرجان الحسن بن فيرزان وعلي بن كامة، فلما رجع ركن الدولة عنها قصدها وشمكير، فانهزموا منه، واستردها وشمكير.
وفيها ولد أبو الحسن علي بن ركن الدولة بن بويه، وهو فخر الدولة.
وفيها توفي أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار النحوي المحدث، وهو من أصحاب المبرد، وكان مولده سنة سبع وأربعين ومائتين، وكان مكثراً من الحديث.


ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة
ذكر هرب ديسم عن أذربيجان

في هذه السنة هرب ديسم بن إبراهيم أبو سالم عن أذربيجان، وكنا قد ذكرنا استيلاءه عليها. (4/21)
وأما سبب هربه عنها فإنه كان ركن الدولة بن بويه قد قبض على بعض قواده، واسمه علي بن ميسكي، فأفلت من الحبس وقصد الجبل، وجمع جمعاً وسار إلى وهسوذان أخي المرزبان، فاتفق معه وتساعدا على ديسم.
ثم إن المرزبان استولى على قلعة سميرم على ما نذكره، ووصلت كتبه إلى أخيه وعلي بن ميسكي بخلاصه، وكاتب الديلم واستمالهم، ولم يعلم ديسم بخلاصه، إنما كان يظن أن وهسوذان وعلي بن ميسكي يقاتلانه.
وكان له وزير يعرف بأبي عبدالله النعيمي، فشره إلى ماله وقبض عليه، واستكتب إنساناً كان يكتب للنعيمي، فاحتال النعيمي بأن أجابه إلى كل ما التمس منه، وضمن منه ذلك الكاتب بمال، فأطلقه ديسم، وسلم إليه كاتبه وأعاده إلى حاله.
ثم سار ديسم وخلفه بأردبيل ليحصل المال الذي بذله، فقتل النعيمي ذلك الكاتب وهرب بما معه من المال إلى علي بن ميسكي، فبلغ الخبر ديسم بقرب زنجان، فعاد إلى أردبيل، فشغب الديلم عليه، ففرق فيهم ما كان له من مال، وأتاه الخبر بمسير علي بن ميسكي إلى أردبيل في عدة يسيرة، فسار نحوه، والتقيا واقتتلا، فانحاز الديلم إلى علي، وانهزم ديسم إلى أرمينية في نفر من الأكراد، فحمل إليه ملوكها ما تماسك به.
وورد عليه الخبر بمسير المرزبان عن قلعة سميرم إلى أردبيل، واستيلاء على أذربيجان، وإنفاذه جيشاً نحوه، فلم يمكنه المقام، فهرب عن أرمينية إلى بغداد، فكان وصوله هذه السنة، فلقيه معز الدولة، وأكرمه، وأحسن إليه، فأقام عنده في أرغد عيش.
ثم كاتبه أهله وأصحابه بأذربيجان يستدعونه، فرحل عن بغداد سنة ثلاث وأربعين وطلب من معز الدولة أن ينجده بعسكر، فلم يفعل لأن المرزبان كان قد صالح ركن الدولة وصاهره، فلم يمكن معز الدولة مخالفة ركن الدولة، فسار ديسم إلى ناصر الدولة بن حمدان بالموصل يستنجده، فلم ينجده، فسار إلى سيف الدولة بالشام، وأقام عنده إلى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
واتفق أن المرزبان خرج عليه جمع بباب الأبواب، فسار إليهم، فأرسل مقدم من أكراد أذربيجان إلى ديسم يستدعيه إلى أذربيجان ليعاضده على ملكها، فسار إليها، وملك مدينة سلماس، فأرسل إليه المرزبان قائداً من قواده، فقاتله، فاستأمن أصحاب القائد إلى ديسم، فعاد القائد منهزماً، وبقي ديسم بسلماس.
فلما فرغ المرزبان من أمر الخوارج عليه عاد إلى أذربيجان، فلما قرب من ديسم فارق سلماس وسار إلى أرمينية وقصد ابن الديراني وابن حاجيق لثقته بهما، فكتب المرزبان إلى ابن الديراني يأمره بالقبض على ديسم، فدافعه، ثم قبض عليه خوفاً من المرزبان، فلما قبض عليه أمره المرزبان بأن يحمله إليه، فدافعه ثم اضطر إلى تسليمه، فلما تسلمه المرزبان سلمه وأعماه، ثم حبسه، فلما توفي المرزبان قتل ديسم بعض أصحاب المرزبان خوفاً من عائلته.
ذكر استيلاء المرزبان على سميرم
قد ذكرنا أسر المرزبان وحبسه بسميرم؛ وأما سبب خلاصه فإن والدته، وهي ابنة جستان بن وهسوذان الملك، وضعت جماعة للسعي في خلاصه، فقصدوا سميرم، وأظهروا أنهم تجار، وأن المرزبان قد أخذ منهم أمتعة نفيسة ولم يوصل ثمنها إليهم، واجتمعوا بمتولي سميرم، ويعرف ببشير أسفار، وعرفوه ما ظلمهم به المرزبان، وسألوه أن يجمع بينهم ليحاسبوه وليأخذوا خطه إلى والدته بإيصال مالهم إليهم، فرق لهم بشير أسفار، وجمع بينهم، فطالبوه بمالهم، فأنكر المرزبان ذلك، فغمزه أحدهم، ففطن لهم واعترف لهم، وقال: حتى أتذكر مالكم، فإنني لا أعرف مقداره؛ فأقاموا هناك، وبذلوا الأموال لبشير أسفار والأجناد، وضمنوا لهم الأموال الجليلة إذا خلص مالهم عند المرزبان، فصاروا لذلك يدخلون الحصن بغير إذن، وكثر اجتماعهم بالمرزبان وأوصلوا إليه أموالاً من عند والته، وأخذوا منه ما عنده من الأموال.
وكان لبشير أسفار غلام أمرد، جميل الوجه، يحمل ترسه وزوبينه، فأظهر المرزبان لذلك الغلام محبة شديدة وعشقاً، وأعطاه مالاً كثيراً مما جاءه من والدته، فواطأه على ما يريد، وأوصل إليه درعاً ومبارد، فبرد قيده، واتفق المرزبان وذلك الغلام والذين جاؤوا لتخليص المرزبان على أن يقتلوا بشير أسفار في يوم ذكروه. (4/22)
وكان بشير أسفار يقصد المرزبان كل أسبوع ذلك اليوم يفتقده وقيوده ويصبره ويعود، فلما كان يوم الموعد دخل أحد أولئك التجار، فقعد عند المرزبان، وجلس آخر عند البواب، وأقام الباقون عند باب الحصن ينتظرون الصوت، ودخل بشير أسفار إلى المرزبان، فتلطف به المرزبان، وسأله أن يطلقه، وبذل له أموالاً جليلة وإقطاعاً كثيراً، فامتنع عليه وقال: لا أخون ركن الدولة أبداً ؟؟! فنهض المرزبان وقد أخرج رجله من قيده وتقدم إلى الباب، فأخذ الترس والزوبين من ذلك الغلام، وعاد إلى بشير أسفار فقتله هو وذلك التاجر الذي عنده، وثار الرجل الذي عند البواب به فقتله ودخل من كان عند باب الحصن إلى المرزبان.
وكان أجناد القلعة متفرقين، فلما وقع الصوت اجتمعوا فرأوا صاحبهم قتيلاً، فسألوا الأمان، فأمنهم المرزبان، وأخرجهم من القلعة، واجتمع إليه أصحابه وغيرهم، وكثر جمعه، وخرج فلحق بأمه وأخيه، واستولى على البلاد، على ما ذكرناه قبل.
ذكر مسير أبي علي إلى الري
لما كان من أمر وشمكير وركن الدولة ما ذكرناه، كتب وشمكير إلى الأمير نوح يستمده، فكتب نوح إلى أبي علي بن محتاج يأمره بالمسير في يجوش خراسان إلى الري وقتال ركن الدولة، فسار أبو علي في جيوش كثيرة، واجتمع معه وشمكير، فسارا إلى الري في شهر ربيع الأول من هذه السنة.
وبلغ الخبر إلى ركن الدولة، فعلم أنه لا طاقة له بمن قصده، فرأى أن يحفظ بلده، ويقاتل عدوه من وجه واحد، فحارب الخراسانيين بطبرك، وأقام عليه أبو علي عدة شهور يقاتله، فلم يظفر به، وهلكت دواب الخراسانية، وأتاهم الشتاء وملوا فلم يصبروا، فاضطر أبو علي إلى الصلح، فتراسلوا في ذلك، وكان الرسول أبا جعفر الخازن، صاحب كتاب زيج الصفائح، وكان عارفاً بعلوم الرياضة، وكان المشير به محمد بن عبد الرزاق المقدم ذكره، فتصالحا، وتقرر على ركن الدولة كل سنة مائتا ألف دينار، وعاد أبو علي إلى خراسان.
وكتب وشمكير إلى الأمير نوح يعرفه الحال، ويذكر له أن أبا علي لم يصدق في الحرب وأنه مالأ ركن الدولة، فاغتاظ نوح من أبي علي، وأما ركن الدولة فإنه لما عاد عنه أبو علي سار نحو وشمكير، فانهزم وشمكير من بين يديه إلى أسفرايين، واستولى ركن الدولة على طبرستان.
ذكر عزل أبي علي عن خراسان
لما اتصل خبر عود أبي علي عن الري إلى الأمير نوح ساءه ذلك، وكتب وشمكير إلى نوح يلزم الذنب فيه أبا علي، فكتب إلى أبي علي بعزله عن خراسان، وكتب إلى القواد يعرفهم أنه قد عزله عنهم، فاستعمل على الجيوش بعده أبا سعيد بكر بن مالك الفرغاني، فأنفذ أبو علي يعتذر، وراسل جماعةً من أعيان نيسابور يقيمون عذره، ويسألون أن لا يعزل عنهم، فلم يجابوا إلى ذلك، وعزل أبو علي عن خراسان، وأظهر الخلاف، وخطب لنفسه بنيسابور.
وكتب نوح إلى وشمكير والحسن بن فيرزان يأمرهما بالصلح، وأن يتساعدا على من يخالف الدولة، ففعلا ذلك، فلما علم أبو علي باتفاق الناس مع نوح عليه كاتب ركن الدولة في المصير إليه لأنه علم أنه لا يمكنه المقام بخراسان، ولا يقدر على العود إلى الصغانيان، فاضطر إلى مكاتبة ركن الدولة في المصير إليه، فأذن له في ذلك.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في الحادي والعشرين من شباط، ظهر بسواد العراق جراد كثير أقام أياماً، وأثر في الغلاء آثاراً قبيحة، وكذلك ظهر بالأهواز، وديار الموصل، والجزيرة والشام، وسائر النواحي، ففعل مثل ما فعله بالعراق.
وفيها عاد رسل كان الخليفة أرسلهم إلى خراسان للصلح بين ركن الدولة ونوح صاحب خراسان، فلما وصل إلى حلوان خرج عليهم ابن أبي الشوك في أكراده، فنهبهم، ونهب القافلة التي كانت معهم، وأسر الرسل، ثم أطلقهم، فسير معز الدولة عسكراً إلى حلوان، فأوقعوا بالأكراد، وأصلحوا البلاد هناك وعادوا.
وفيها سير الحجاج الشريفان أبو الحسن محمد بن عبدالله، وأبو عبدالله أحمد بن عمر بن يحيى العلويان، فجرى بينهما وبين عساكر المصريين من أصحاب ابن طغج حرب شديدة، وكان الظفر لهما، فخطب لمعز الدولة بمكة، فلما خرجا من مكة لحقهما عسكر مصر، فقاتلهما، فظفرا به أيضاً.
وفيها توفي علي بن أبي الفهم داود أبو القاسم جد القاضي علي بن الحسن ابن علي التنوخي في ربيع الأول، وكان عالماً بأصول المعتزلة والنجوم وله شعر.(4/23)
وفيها، في رمضان، مات الشريف أبو علي عمر بن علي العلوي الكوفي ببغداد بصرع لحقه.
وفيها، في شوال، مات أبو عبدالله محمد بن سليمان بن فهد الموصلي.
وفيها مات أبو الفضل العباس بن فسانجس بالبصرة من ذرب لحقه، وحمل إلى الكوفة، فدفن بمشهد أمير المؤمنين علي، وتقلد الديوان بعده ابنه أبو الفرج، وجرى على قاعدة أبيه.
وفيها في ذي القعدة ماتت بدعة المغنية المشهورة المعروفة ببدعة الحمدونية عن اثنتين وتسعين سنة.

This site was last updated 07/25/11