Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ستين وثلاثمائة سنة إحدى وستين وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة334
سنة335 وسنة336
سنة 337 وسنة338
سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة
سنة340 وسنة341
سنة342 وسنة343 وسنة344 وسنة345
سنة346 وسنة347
سنة348 وسنة349 وسنة350
سنة351
سنة352 وسنة353 وسنة354
سنة355
سنة356 وسنة357
سشنة358
سنة259
سنة360 وسنة361
سنة363
سنة364
سنة365
سنة366 وسنة367
سنة367 وسنة368
سنة369
سنة370 وسنة371
سنة372
سنة373
سنة364 وسنة375
سنة476 وسنة377
سنة378 وسنة379
سنة380 وسنة381

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ستين وثلاثمائة
ذكر عصيان أهل كرمان على عضد الدولة

لما ملك عضد الدولة كرمان، كما ذكرناه، اجتمع القفص والبلوص، وفيهم أبو سعيد البلوصي وأولاده، على كلمة واحدة في الخلاف، وتحالفوا على الثبات والاجتهاد، فضم عضد الدولة إلى كوركير بن جستان عابد ابن علي فسارا إلى جيرفت فيمن معهما من العساكر، فالتقوا عاشر صفر، فاقتتلوا، وصبر الفريقان ثم انهزم القفص ومن معهم، فقتل منهم خمسة آلاف من شجعانهم ووجوههم، وقتل ابنان لأبي سعيد.
ثم سار عابد بن علي يقص آثارهم ليستأصلهم، فأوقع بهم عدة وقائع، وأثخن فيهم، وانتهى إلى هرموز فملكها، واستولى على بلاد التيز ومكران، وأسر ألفي أسير، وطلب الباقون الأمان، وبذلوا تسليم معاقلهم وجبالهم، على أن يدخلوا في السلم، وينزعوا شعار الحرب، ويقيموا حدود الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم.
ثم سار عابد إلى طوائف أخر يعرفون بالحرومية والحاسكية يخيفون السبيل في البحر والبر، وكانوا قد أعانوا سليمان بن أبي علي بن إلياس، وقد تقدم ذكرهم، فأوقع بهم، وقتل كثيراً منهم، وأنفذهم إلى عضد الدولة، فاستقامت تلك الأرض مدة من الزمان.
ثم لم يلبث البلوص أن عادوا إلى ما كانوا عليه من سفك الدم وقطع الطريق، فلما فعلوا ذلك تجهز عضد الدولة وسار إلى كرمان في ذي القعدة، فلما وصل إلى السيرجان رأى فسادهم وما فعلوه من قطع الطريق بكرمان وسجستان وخراسان، فجرد عابد بن علي في عسكر كثيف، وأمره باتباعهم، فلما أحسوا به وأوغلوا في الهرب إلى مضايق ظنوا أن العسكر لا يتوغلها، فأقاموا آمنين. (4/53)
فسار في آثارهم، فلم يشعروا إلا وقد أطل عليهم، فلم يمكنهم الهرب، فصبروا يومهم، وهو تاسع عشر ربيع الأول من سنة إحدى وستين وثلاثمائة، ثم انهزموا آخر النهار، وقتل أكثر رجالهم المقاتلة، وسبى الذراري والنساء، وبقي القليل، وطلبوا الأمان فأجيبوا إليه، ونقلوا عن تلك الجبال، وأسكن عضد الدولة مكانهم الأكرة والزراعين، حتى طبقوا تلك الأرض بالعمل وتتبع عابد تلك الطوائف براً وبحراً حتى أتى عليهم وبدد شملهم.
ذكر ملك القرامطة دمشق
في هذه السنة، في ذي القعدة، وصل القرامطة إلى دمشق فملكوها، وقتلوا جعفر بن فلاح.
وسبب ذلك أنهم لما بلغهم استيلاء جعفر بن فلاح على الشام أهمهم وأزعجهم وقلقوا لأنه قد تقرر بينهم وبين ابن طغج أن يحمل إليهم كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، فلما ملها جعفر علموا أن المال يفوتهم، فعزموا على قصد الشام، وصاحبهم حينئذ الحسين بن أحمد بن بهرام القرمطي، فأرسل إلى عز الدولة بختيار يطلب منه المساعدة بالسلاح والمال، فأجابه إلى ذلك، واستقر الحال أنهم إذا وصلوا إلى الكوفة سائرين إلى الشام حمل الذي استقر، فلما وصلوا إلى الكوفة أوصل إليهم ذلك، وساروا إلى دمشق.
وبلغ خبرهم إلى جعفر بن فلاح، فاستهان بهم ولم يحترز منهم، فلم يشعر بهم حتى كبسوه بظاهر دمشق وقتلوه وأخذوا ماله وسلاحه ودوابه، وملكوا دمشق، وأمنوا أهلها، وساروا إلى الرملة، واستولوا على جميع ما بينهما.
فلما سمع من بها من المغاربة خبرهم ساروا عنها إلى يافا فتحصنوا بها، وملك القرامطة الرملة، وساروا إلى مصر، وتركوا على يافا من يحصرها، فلما وصلوا إلى مصر اجتمع معهم خلق كثير من العرب والجند والإخشيدية والكافورية، فاجتمعوا بعين شمس عند مصر، واجتمع عساكر جوهر وخرجوا إليهم، فاقتتلوا غير مرة، الظفر في جميع تلك الأيام للقرامطة، وحصروا المغاربة حصراً شديداً، ثم إن المغاربة خرجوا في بعض الأيام من مصر، وحملوا على ميمنة القرامطة، فانهزم من بها من العرب وغيرهم، وقصدوا سواد القرامطة فنهبوه، فاضطروا إلى الرحيل، فعادوا إلى الشام، فنزلوا الرملة.
ثم حصروا يافا حصراً شديداً، وضيقوا على من بها، فسير جوهر من مصر نجدة إلى أصحابه المحصورين بيافا، ومعهم ميرة في خمسة عشر مركباً، فأرسل القرامطة مراكبهم إليها، فأخذوا مراكب جوهر، ولم ينج منها غير مركبين، فغنمهما مراكب الروم.
وللحسين بن بهرام مقدم القرامطة شعر، فمنه في المغاربة أصحاب المعز لدين الله:
زعمت رجال الغرب أنّي هبتها ... فدمي إذاً ما بينهم مطلول
يا مصر إن لم أسق أرضك من دم ... يروي ثراك فلا سقاني النّيل
ذكر قتل محمد بن الحسين الزناتّي
في هذه السنة قتل يوسف بلكين بن زيري محمد بن الحسين بن خزر الزناتي وجماعةً من أهله وبني عمه، وكان قد عصى على المعز لدين الله بإفريقية، وكثر جمعه من زناتة والبربر، فأهم المعز أمره لأنه أراد الخروج إلى مصر، فخاف أن يخلف محمداً في البلاد عاصياً، وكان جباراً عاتياً طاغياً.
وأما كيفية قتله فإنه كان يشرب هو وجماعة من أهله وأصحابه، فعلم يوسف به، فسار إليه جريدة متخفياً، فلم يشعر به محمد حتى دخل عليه، فلما رآه محمد قتل نفسه بسيفه، وقتل يوسف الباقين وأسر منهم، فحل ذلك عند المعز محلاً عظيماً، وقعد للهناء به ثلاثة أيام.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة قبض عضد الدولة على كوركير بن جستان قبضاً فيه إبقاء وموضع للصلح.
وفيها تزوج أبو تغلب بن حمدان ابنة عز الدولة بختيار، وعمرها ثلاث سنين، على صداق مائة ألف دينار؛ وكان الوكيل في قبول العقد أبا الحسن علي بن عمرو بن ميمون صاحب أبي تغلب بن حمدان، ووقع العقد في صفر.
وفيها قتل رجلان بمسجد دير مار ميخائيل بظاهر الموصل، فصادر أبو تغلب جماعة من النصارى.
وفيها استوزر مؤيد الدولة بن ركن الدولة الصاحب أبا القاسم بن عباد، وأصلح أموره كلها.
وفيها مات أبو القاسم سليمان بن أيوب الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة بأصبهان وكان عمره مائة سنة، وأبو بكر محمد بن الحسين الآجري بمكة، وهما من حفاظ المحدثين.
وفيها توفي السري بن أحمد بن السري أبو الحسن الكندي الرفا، الشاعر الموصلي، ببغداد.


ثم دخلت سنة إحدى وستين وثلاثمائة (4/54)
ذكر ما فعله الروم بالجزيرة
في هذه السنة، في المحرم، أغار ملك الروم على الرها ونواحيها، وسار في ديار الجزيرة حتى بلغوا نصيبين، فغنموا، وسبوا، وأحرقوا وخربوا البلاد، وفعلوا مثل ذلك بديار بكر، ولم يكن من أبي تغلب بن حمدان في ذلك حركة، ولا سعي في دفعه، لكنه حمل إليه مالاً كفه به عن نفسه.
فسار جماعة من أهل تلك البلاد إلى بغداد مستنفرين، وقاموا في الجوامع والمشاهد، واستنفروا المسلمين، وذكروا ما فعله الروم من النهب، والقتل، والأسر، والسبي، فاستعظمه الناس، وخوفهم أهل الجزيرة من انفتاح الطريق وطمع الروم، وأنهم لا مانع لهم عندهم، فاجتمع معهم أهل بغداد، وقصدوا دار الخليفة الطائع لله، وأرادوا الهجوم عليه، فمنعوا من ذلك، وأغلقت الأبواب، فأسمعوا ما يقبح ذكره.
وكان بختيار حينئذ يتصيد بنواحي الكوفة، فخرج إليه وجوه أهل بغداد مستغيثين، منكرين عليه اشتغاله بالصيد، وقتال عمران بن شاهين وهو مسلم، وترك جهاد الروم، ومنعهم عن بلاد الإسلام حتى توغلوها، فوعدهم التجهز للغزاة، وأرسل إلى الحاجب سبكتكين يأمره بالتجهز للغزو وأن يستنفر العامة، ففعل سبكتكين ذلك، فاجتمع من العامة عدد كثير لا يحصون كثرة، وكتب بختيار إلى أبي تغلب بن حمدان، صاحب الموصل، يأمره بإعداد الميرة والعلوفات، ويعرفه عزمه على الغزاة، فأجابه بإظهار الفرح، وإعداد ما طلب منه.
ذكر الفتنة ببغداد
في هذه السنة وقعت ببغداد فتنة عظيمة، وأظهروا العصبية الزائدة، وتحزب الناس، وظهر العيارون وأظهروا الفساد، وأخذوا أموال الناس.
وكان سبب ذلك ما ذكرناه من استنفار العامة للغزاة، فاجتمعوا وكثروا فتولد بينهم من أصناف البنوية، والفتيان، والسنة، والشيعة، والعيارين، فنهبت الأموال، وقتل الرجال، وأحرقت الدور، وفي جملة ما احترق محلة الكرخ، وكانت معدن التجار والشيعة، وجرى بسبب ذلك فتنة بين النقيب أبي أحمد الموسوي والوزير أبي الفضل الشيرازي وعداوة.
ثم إن بختيار أنفذ إلى المطيع لله يطلب منه مالاً يخرجه في الغزاة، فقال المطيع: إن الغزاة والنفقة عليها، وغيرها من مصالح المسلمين، تلزمني إذا كانت الدنيا في يدي وتجبي إلي الأموال، وأما إذا كانت حالي هذه فلا يلزمني شيء من ذلك، وإنما يلزم من البلاد في يده، وليس لي إلا الخطبة، فإن شئتم أن أعتزل فعلت.
وترددت الرسائل بينهما، حتى بلغوا إلى التهديد، فبذل المطيع لله أربعمائة ألف درهم، فاحتاج إلى بيع ثيابه، وأنقاض داره، وغير ذلك، وشاع بين الناس من العراقيين وحجاج خراسان وغيرهم أن الخليفة قد صودر. فلما قبض بختيار المال صرفه في مصالحه، وبطل حديث الغزاة.
ذكر مسير المعز لدين الله العلوي من الغرب إلى مصر
في هذه السنة سار المعز لدين الله العلوي من إفريقية يريد الديار المصرية، وكان أول مسيره أواخر شوال من سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وكان أول رحيله من المنصورية، فأقام بسردانية، وهي قرية قريبة من القيروان، ولحقه بها رجاله، وعماله، وأهل بيته، وجميع ما كان له في قصره من أموال وأمتعة وغير ذلك، حتى إن الدنانير سبكت وجعلت كهيئة الطواحين وحمل كل طاحونتين على جمل.
وسار عنها واستعمل على بلاد إفريقية يوسف بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي الحميري، إلا أنه لم يجعل له حكماً على جزيرة صقلية، ولا على مدينة طرابلس الغرب، ولا على أجدابية، وسرت، وجعل على صقلية حسن بن علي بن أبي الحسين، على ما قدمنا ذكره، وجعل على طرابلس عبدالله بن يخلف الكتامي، وكان أثيراً عنده، وجعل على جباية أموال إفريقية زيادة الله بن القديم، وعلى الخراج عبد الجبار الخراساني، وحسين بن خلف الموصدي، وأمرهم بالانقياد ليوسف بن زيري.
فأقام بسردانية أربعة أشهر حتى فرغ من جميع ما يريد، ثم رحل عنها، ومعه يوسف بلكين وهو يوصيه بما يفعله، ونحن نذكر من سلف يوسف بلكين وأهله ما تمس الحاجة إليه، ورد يوسف إلى أعماله، وسار إلى طرابلس ومعه جيوشه وحواشيه، فهرب منه بها جمع من عسكره إلى جبال نفوسة فطلبهم فلم يقدر عليهم. (4/55)
ثم سار إلى مصر، فلما وصل إلى برقة ومعه محمد بن هانئ الشاعر الأندلسي، قتل غيلة، فرؤي ملقىً على جانب البحر قتيلاً لا يدرى من قتله، وكان قتله أواخر رجب من سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وكان من الشعراء المجيدين إلا أنه غالى في مدح المعز حتى كفره العلماء، فمن ذلك قوله:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار ... فاحكم فأنت الواحد القهّار
وقوله:
ولطال ما ... زاحمت حول ركابه جبريلا
ومن ذلك ينسب إليه ولم أجدها في ديوانه قوله:
حلّ برقّادة المسيح ... حلّ بها آدمٌ ونوح
حلّ بها الله ذو المعالي ... فكلّ شيء سواه ريح
ورقادة اسم مدينة بالقرب من القيروان، إلى غير ذلك، وقد تأوّل ذلك من يتعصّب له، والله أعلم، وبالجملة فقد جاز حد المديح.
ثم سار المعز حتى وصل إلى الإسكندرية أواخر شعبان من السنة، وأتاه أهل مصر وأعيانها، فلقيهم، وأكرمهم، وأحسن إليهم، وسار فدخل القاهرة خامس شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وأنزل عساكره مصر والقاهرة في الديار، وبقي كثير منهم في الخيام.
وأما يوسف بلكين فإنه لما عاد من وداع المعز أقام بالمنصورية يعقد الولايات للعمال على البلاد، ثم سار في البلاد، وباشر الأعمال، وطيب قلوب الناس، فوثب أهل باغاية على عامله فقاتلوه فهزموه، فسير إليهم يوسف جيشاً فقاتلهم فلم يقدر عليهم، فأرسل إلى يوسف يعرفه الحال، فتأهب يوسف، وجمع العساكر ليسير إليهم، فبينما هو في التجهز أتاه الخبر عن تاهرت أن أهلها قد عصوا، وخالفوا، وأخرجوا عامله، فرحل إلى تاهرت فقاتلها، فظفر بأهلها، وخرها، فأتاه الخبر بها أن زناتة قد نزلوا على تلمسان، فرحل إليهم، فهربوا منه، وأقام على تلمسان فحصرها مدة ثم نزلوا على حكمه فعفا عنهم، إلا أنه نقلهم إلى مدينة أشير، فبنوا عندها مدينة سموها تلمسان.
ثم إن زيادة الله بن القديم جرى بينه وبين عامل آخر كان معه، اسمه عبد الله بن محمد الكاتب، منافسة صارت إلى محاربة، واجتمع مع كل واحد منهما جماعة، وكان بينهما حروب عدة دفعات، وكان يوسف بلكين مائلاً مع عبدالله لصحبة قديمة بينهما، ثم إن أبا عبدالله قبض على ابن القديم وسجنه واستبد بالأمور بعده، وبقي ابن القديم محبوساً حتى توفي المعز بمصر، وقوي أمر يوسف بلكين.
وفي سنة أربع وستين طلع خلف بن حسين إلى قلعة منيعة، فاجتمع إليه خلق كثير من البربر وغيرهم، وكان من أصحاب ابن القديم المساعدين له، فسمع يوسف بذلك، فسار إليه ونازل القلعة وحاربه، فقتل بينهما عدة قتلى، وافتتحها، وهرب خلف بن حين، وقتل ممن كان بها خلق كثير، وبعث إلى القيروان من رؤوسهم سبعة آلاف رأس، ثم أخذ خلف وأمر به فطيف به على جمل، ثم صلب، وسير رأسه إلى مصر، فلما سمع أهل باغاية بذلك خافوا، فصالحوا يوسف ونزلوا على حكمه، فأخرجهم من باغاية وخرب سورها.

ذكر خبر يوسف بلكين بن زيري بن مناد وأهل بيته
هو يوسف بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي الحميري، اجتمعت صنهاجة ومن والاها بالمغرب على طاعته، قبل أن يقدمه المنصور، وكان أبوه مناد كبيراً في قومه، كثير المال والولد، حسن الضيافة لمن يمر به، ويقدم ابنه زيري في أيامه، وقاد كثيراً من صنهاجة، وأغار بهم، وسبى، فحسدته زناتة، وجمعت له لتسير إليه وتحاربه، فسار إليهم مجداً، فكبسهم ليلاً وهم غارون بأرض مغيلة، فقتل منهم كثيراً، وغنم ما معهم، فكثر تبعه، فضاقت بهم أرضهم، فقالوا له: لو اتخذت لنا بلداً غير هذا؛ فسار بهم إلى موضع مدينة أشير، فرأى ما فيه من العيون، فاستحسنه، وبنى فيه مدينة أشير، وسكنها هو وأصحابه، وكان ذلك سنة أربع وستين وثلاثمائة.
وكانت زناتة تفسد في البلاد، فإذا طلبوا احتموا بالجبال والبراري، فلما بنيت أشير صارت صنهاجة بين البلاد وبين زناتة والبربر، فسر بذلك القائم.
وسمع زيري بغمارة وفسادهم، واستحلالهم المحرمات، وأنهم قد ظهر فيهم نبي، فسار إليهم، وغزاهم، وظفر بهم، وأخذ الذي كان يدعي النبوة أسيراً، وأحضر الفقهاء فقتله.
ثم كان له أثر حسن في حادثة أبي يزيد الخارجي، وحمل الميرة إلى القائم بالمهدية، فحسن موقعها منه. (4/56)
وسبب ذلك أن صاحب المعونة قتل عامياً، فثار به العامة والأتراك، فهرب ودخل دار بعض الأتراك، فأخرج من فيها، فركب الوزير أبو الفضل لأخذ الجناة، وأرسل حاجباً له يسمى صافياً في جمع لقتال العامة بالكرخ، وكان شديد العصبية للسنة، فألقى النار في عدة أماكن من الكرخ، فاحترق حريقاً عظيماً، وكان عدة من احترق فيه سبعة عشر ألف إنسان، وثلاثمائة دكان، وكثير من الدور، وثلاثة وثلاثين مسجداً، ومن الأموال ما لا يحصى.
ذكر عزل أبي الفضل من وزارة عز الدولة ووزارة ابن بقية
وفيها أيضاً عزل الوزير أبو الفضل العباس بن الحسين من وزارة عز الدولة بختيار في ذي الحجة، واستوزر محمد بن بقية، فعجب الناس لذلك لأنه كان وضيعاً في نفسه، من أهل أوانا، وكان أبوه أحد الزراعين، لكنه كان قريباً من بختيار، وكان يتولى له المطبخ، ويقدم إليه الطعام ومنديل الخوان على كتفه، إلى أن استوزر.
وحبس الوزير أبو الفضل، فمات عن قريب، فقيل إنه مات مسموماً، وكان في ولايته مضيعاً لجانب الله. فمن ذلك أنه أحرق الكرخ ببغداد، فهلك فيه من الناس والأموال ما لا يحصى؛ ومن ذلك أنه ظلم الرعية، وأخذ الأموال ليفرقها على الجند ليسلم، فما سلمه الله تعالى، ولا نفعه ذلك، وصدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: (من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس).
وكان ما فعله من ذلك أبلغ الطرق التي سلكها أعداؤه من الوقيعة فيه، والسعي به، وتمشى لهم ما أرادوا لما كان عليه من تفريطه في أمر دينه، وظلم رعيته، وعقب ذلك أن زوجته ماتت وهو محبوس وحاجبه وكاتبه، فخرجت داره، وعفي أثرها، نعوذ بالله من سوء الأقدار، ونسأله أن يختم بخير أعمالنا، فإن الدنيا إلى زوال ما هي.
وأما ابن بقية فإن استقامت أموره، ومشت الأحوال بين يديه بما أخذه من أموال أبي الفضل، وأموال أصحابه، فلما فني ذلك عاد إلى ظلم الرعية، فانتشرت الأمور على يده، وخربت النواحي، وظهر العيارون، وعملوا ما أرادوا، وزاد الاختلاف بين الأتراك وبين بختيار، فشرع ابن بقية في إصلاح الحال مع بختيار وسبكتكين، فاصطلحوا، وكانت هدنة على دخن وركب سبكتكين إلى بختيار ومعه الأتراك، فاجتمع به، ثم عاد الحال إلى ما كان عليه من الفساد.
وسبب ذلك أن ديلمياً اجتاز بدار سبكتكين وهو سكران، فرمى الروشن بزوبين في يده، فأثبته فيه، وأحس به سبكتكين، فصاح بغلمانه فأخذوه، وظن سبكتكين أنه قد وضع على قتله، فقرره فلم يعترف، وأنفذه إلى بختيار وعرفه الحال، فأمر به فقتل، فقوي ظن سبكتكين أنه كان وضعه عليه، وإنما قتله لئلا يفشي ذلك، وتحرك الديلم لقتله، وحملوا السلاح، ثم أرضاهم بختيار فرجعوا.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في ذي الحجة، أرسل عز الدولة بختيار الشريف أبا أحمد الموسوي، والد الرضي والمرتضى، في رسالة إلى أبي تغلب بن حمدان بالموصل، فمضى إليه، وعاد في المحرم سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
وفيها توفي أبو العباس محمد بن الحسن بن سعيد المخرمي الصوفي صاحب الشبلي بمكة.

This site was last updated 07/25/11