Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ست وخمسين وثلاثمائة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة334
سنة335 وسنة336
سنة 337 وسنة338
سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة
سنة340 وسنة341
سنة342 وسنة343 وسنة344 وسنة345
سنة346 وسنة347
سنة348 وسنة349 وسنة350
سنة351
سنة352 وسنة353 وسنة354
سنة355
سنة356 وسنة357
سشنة358
سنة259
سنة360 وسنة361
سنة363
سنة364
سنة365
سنة366 وسنة367
سنة367 وسنة368
سنة369
سنة370 وسنة371
سنة372
سنة373
سنة364 وسنة375
سنة476 وسنة377
سنة378 وسنة379
سنة380 وسنة381

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ست وخمسين وثلاثمائة
ذكر موت معز الدولة وولاية ابنه بختيار

في هذه السنة، ثالث عشر ربيع الآخر، توفي معز الدولة بعلة الذرب وكان بواسط، وقد جهز الجيوش لمحاربة عمران بن شاهين، فابتدأ به الإسهال، وقوي عليه، فسار نحو بغداد، وخلف أصحابه، ووعدهم أنه يعود إليهم لأنه رجا العافية، فلما وصل إلى بغداد اشتد مرضه، وصار لا يثبت في معدته شيء، فلما أحس بالموت عهد إلى ابنه عز الدولة بختيار، وأظهر التوبة، وتصدق بأكثر ماله، وأعتق مماليكه، ورد شيئاً كثيراً على أصحابه، وتوفي ودفن بباب التبن في مقابر قريش، فكانت إمارته إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهراً ويومين.
وكان حليماً كريماً عاقلاً، ولما مات معز الدولة وجلس ابنه عز الدولة في الإمارة مطر الناس ثلاثة أيام بلياليها مطراً دائماً منع الناس من الحركة، فأرسل إلى القواد فأرضاهم، فانجلت السماء، وقد رضوا فسكنوا ولم يتحرك أحد.
وكتب عز الدولة إلى العسكر بمصالحة عمران بن شاهين، ففعلوا وعادوا.
وكانت إحدى يدي معز الدولة مقطوعة، واختلف في سببها قطعها، فقيل قطعت بكرمان لما سار إلى قتال من بها، وقد ذكرناه، وقيل غير ذلك، وهو الذي أحدث أمر السعاة، وأعطاهم عليه الجرايات الكثيرة، لأنه أراد أن يصل خبره إلى أخيه ركن الدولة سريعاً، فنشأ في أيامه فضل ومرعوش، وفاقا جميع السعاة، وكان كل واحد منهما يسير في اليوم نيفاً وأربعين فرسخاً، وتعصب لهما الناس، وكان أحدهما ساعي السنة، والأخر ساعي الشيعة.
ذكر سوء سيرة بختيار وفساد حاله
لما حضرت معز الدولة الوفاة وصى ولده بختيار بطاعة عمه ركن الدولة، واستشارته في كل ما يفعله، وبطاعة عضد الدولة ابن عمه لأنه أكبر منه سناً، وأقوم بالسياسة، ووصاه بتقرير كاتبيه أبي الفضل العباس بن الحسين، وأبي الفرج محمد بن العباس لكفايتهما وأمانتهما، ووصاه بالديلم والأتراك وبالحاجب سبكتكين، فخالف هذه الوصايا جميعها، واشتغل باللهو واللعب، وعشرة النساء، والمساخر، والمغنين، وشرع في إيحاش كاتبيه وسبكتكين، فاستوحشوا، وانقطع سبكتكين عنه فلم يحضر داره. (4/42)
ونفى كبار الديلم عن مملكته شرهاً إلى إقطاعتهم وأموالهم وأموال المتصلين بهم، فاتفق أصاغرهم عليه، وطلبوا الزيادات، واضطر إلى مرضاتهم، واقتدى بهم الأتراك فعملوا مثل ذلك، ولم يتم له على سبكتكين ما يريد لاحتياطه، واتفق الأتراك معه، وخرج الديلم إلى الصحراء، وطالعوا بختيار بإعادة من أسقط منهم، فاحتاج أن يجيبهم لتغير سبكتكين عليه، وفعل الأتراك أيضاً مثل فعلهم.
واتصل خبر موت معز الدولة بكاتبه أبي الفرج محمد بن العباس وهو متولي أمر عمان، فسلمها إلى نواب عضد الدولة وسار نحو بغداد.
وكان سبب تسليمها إلى عضد الدولة أن بختيار لما ملك بعد موت أبيه تفرد أبو الفضل بالنظر في الأمور، فخاف أبو الفرج أن يستمر انفراده عنه، فسلم عمان إلى عضد الدولة لئلا يؤمر بالمقام فيها لحفظها وإصلاحها، وسار إلى بغداد، فلم يتمكن من الذي أراد، وتفرد أبو الفضل بالوزارة.
ذكر خروج عساكر خراسان وموت وشمكير
وفي هذه السنة جهز الأمير منصور بن نوح صاحب خراسان وما وراء النهر الجيوش إلى الري.
وكان سبب ذلك أن أبا علي بن إلياس سار من كرمان إلى بخارى ملتجئاً إلى الأمير منصور، على ما نذكره، إن شاء الله تعالى، فلما ورد عليه أكرمه وعظمه، فأطمعه في ممالك بني بويه، وحسن له قصدها، وعرفه أن نوابه لا يناصحونه، وأنهم يأخذون الرشي من الديلم، فوافق ذلك ما كان يذكره له وشمكير، فكاتب الأمير منصور وشمكير، والحسن بن الفيرزان، يعرفهما ما عزم عليه من قصد الري، ويأمرهما بالتجهز لذلك ليسيرا مع عسكره.
ثم إنه جهز العساكر وسيرها مع صاحب جيوش خراسان، وهو أبو الحسن محمد بن إبراهيم سيمجور الدواتي، وأمره بطاعة وشمكير، والانقياد له، والتصرف بأمره، وجعله مقدم الجيوش جميعها.
فلما بلغ الخبر إلى ركن الدولة أتاه ما لم يكن في حسابه، وأخذه المقيم المقعد. وعلم أن الأمر قد بلغ الغاية، فسير أولاده وأهله إلى أصبهان، وكاتب ولده عضد الدولة يستمده، وكاتب ابن أخيه عز الدولة بختيار يستنجده أيضاً.
فأما عضد الدولة فإنه جهز العساكر وسيرهم إلى طريق خراسان، وأظهر أنه يريد قصد خراسان لخلوها من العساكر، فبلغ الخبر أهل خراسان فأحجموا قليلاً، ثم ساروا حتى بلغوا الدامغان، وبرز ركن الدولة في عساكره من الري نحوهم، فاتفق موت وشمكير، فكان سبب موته أنه وصله من صاحب خراسان هدايا من جملتها خيل، فاستعرض الخيل، واختار أحدها وركبه للصيد، فعارضه خنزير قد رمي بحربة، وهي ثابتة فيه، فحمل الخنزير على وشمكير، وهو غافل، فضرب الفرس، فشب تحته، فألقاه إلى الأرض وخرج الدم من أذنيه وأنفه، فحمل ميتاً، وذلك في المحرم من سنة سبع وخمسين، وانتقض جميع ما كانوا فيه وكفى الله ركن الدولة شرهم.
ولما مات وشمكير قام ابنه بيستون مقامه، وراسل ركن الدولة وصالحه، فأمده ركن الدولة بالمال والرجال.
ومن أعجب ما يحكى مما يرغب في حسن النية وكرم المقدرة أن وشمكير لما اجتمعت معه عساكر خراسان وسار كتب إلى ركن الدولة يتهدده بضروب من الوعيد والتهديد، ويقول: والله لئن ظفرت بك لأفعلن بك ولأصنعن، بألفاظ قبيحة، فلم يتجاسر الكاتب أن يقرأه، فأخذه ركن الدولة فقرأه وقال للكاتب: اكتب إليه: أما جمعك وأحشادك فما كنت قط أهون منك علي الآن؛ وأما تهديدك وإيعادك فوالله لئن ظفرت بك لأعاملنك بضده، ولأحسنن إليك ولأكرمنك؛ فلقي وشمكير سوء نيته، ولقي ركن الدولة حسن نيته.
وكان بطبرستان عدو لركن الدولة يقال له نوح بن نصر، شديد العداوة له، لا يزال يجمع له ويقصد أطراف بلاده، فمات الآن، وعصى عليه بهمذان إنسان يقال له أحمد بن هارون الهمذاني لما رأى خروج عساكر خراسان، وأظهر العصيان، فلما أتاه خبر موت وشمكير مات لوقته، وكفى الله ركن الدولة هم الجميع.
ذكر القبض على ناصر الدولة بن حمدان
في هذه السنة قبض أبو تغلب بن ناصر الدولة على أبيه، وحبسه في القلعة، ليلة الست لست بقين من جمادى الأولى.
وكان سبب قبضه أنه كان قد كبر وساءت أخلاقه، وضيق على أولاده وأصحابه، وخالفهم في أغراضهم للمصلحة، فضجروا منه. (4/43)
وكان فيما خالفهم فيه أنه لما مات معز الدولة عزم أولاده على قصد العراق وأخذه من بختيار، فنهاهم وقال لهم: إن معز الدولة قد خلف مالاً يستظهر به ابنه عليكم، فاصبروا حتى يفرق ما عنده من المال ثم اقصدوه وفرقوا الأموال، فإنكم تظفرون به لا محالة؛ فوثب عليه أبو تغلب، فقبضه، ورفعه إلى القلعة، ووكل به من يخدمه ويقوم بحاجاته وما يحتاج إليه.
فلما فعل ذلك خالفه بعض إخوته، وانتشر أمرهم الذي كان يجمعهم، وصار قصاراهم حفظ ما في أيديهم، واحتاج أبو تغلب إلى مداراة عز الدولة بختيار، وتجديد عقد الضمان ليحتج بذلك على إخوته، ومن خالفه، فضمنه البلاد بألف ألف مائتي ألف درهم كل سنة.
ذكر من مات من الملوك
مات فيها وشمكير بن زيار، كما ذكرناه؛ ومعز الدولة، وقد ذكرناه؛ والحسن بن الفيرزان، وكافور الإخشيدي، ونقفور ملك الروم، وأبو علي محمد بن إلياس صاحب كرمان، وسيف الدولة بن حمدان.
فأما سيف الدولة أبو الحسن علي بن أبي الهيجاء عبدالله بن حمدان بن حمدون التغلبي فإنه مات بحلب في صفر، وحمل تابوته إلى ميافارقين فدفن بها، وكانت علته الفالج، وقيل عسر البول، وكان مولده في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثمائة، وكان جواداً، كريماً، شجاعاً، وأخباره مشهورة في ذلك، وكان يقول الشعر، فمن شعره في أخيه ناصر الدولة:
وهبت لك العليا وقد كنت أهلها ... وقلت لهم بيني وبين أخي فرق
وما كان بي عنها نكولٌ وإنما ... تجاوزت عن حقّي فتمّ لك الحقّ
أما كنت ترضى أن أكون مصلّياً ... إذا كنت أرضى أن يكون لك السّبق
وله أيضاً
قد جرى في دمعه دمه ... فإلى كم أنت تظلمه
ردّ عنه الطّرف منك فقد ... جرحته منك أسهمه
كيف يستطيع التجلّد من ... خطرات الوهم تؤلمه
ولما توفي سيف الدولة ملك بلاده بعده ابنه أبو المعالي شريف.
وأما أبو علي بن إلياس فسيرد ذكر موته سنة سبع وخمسين.
وأما كافور فإنه كان صاحب مصر، وكان من موالي الإخشيد محمد ابن طغج، واستولى على مصر ودمشق بعد موت الإخشيد لصغر أولاده، وكان خصياً أسود، وللمتنبي فيه مديح وهجو، وكان قصده إلى مصر، وخبره معه مشهور، ولما دفن كتب على قبره:
انظر إلى غير الأيّام ما صنعت ... أفنت أناساً بها كانوا وقد فنيت
دنياهم ضحكت أيّام دولتهم ... حتّى إذا انقرضوا ناحت لهم وبكت
وفيها توفي أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن أحمد الأصبهاني الأموي، وهو من ولد محمد بن مروان بن الحكم الأموي، وكان شيعياً، وهذا من العجب، وهو صاحب كتاب الأغاني وغيره.
وفيها توفي يوسف بن عمر بن أبي عمر القاضي، وكان مولده سنة خمس وثلاثمائة، وولي قضاء بغداد في حياة أبيه وبعده.
وفيه توفي أبو الحسن أحمد بن محمد بن سالم صاحب سهل التستري رضي الله عنه


ثم دخلت سنة سبع وخمسين وثلاثمائة
ذكر عصيان حبشي
ابن معز الدولة على بختيار بالبصرة وأخذه قهراً
في هذه السنة عصى حبشي بن معز الدولة على أخيه بختيار، وكان بالبصرة لما مات والده، فحسن له من عنده من أصحابه الاستبداد بالبصرة، وذكروا له أن أخاه بختيار لا يقدر على قصده، فشرع في ذلك، فانتهى الخبر إلى أخيه، فسير وزيره أبا الفضل العباس بن الحسين إليه، وأمره بأخذه كيف أمكن، فأظهر الوزير أنه يريد الانحدار إلى الأهواز.
ولما بلغ واسط أقام بها ليصلح أمرها، وكتب إلى حبشي يعده أنه يسلم إليه البصرة سلماً، ويصالحها عليها، ويقول له: إنني قد لزمني مال على الوزارة، ولا بد من مساعدتي، فأنفذ إليه حبشي مائتي ألف درهم، وتيقن حصول البصرة له، فوصلها هو وعسكر الأهواز لميعادهم، فلم يتمكن حبشي من إصلاح شأنه وما يحتاج إليه، فظفروا به وأخذوه أسيراً وحبسوه برامهرمز، فأرسل عمه ركن الدولة وخلصه فسار إلى عضد الدولة، فأقطعه إقطاعاً وافراً، وأقام عنده إلى أن مات في آخر سنة تسع وستين وثلاثمائة، وأخذ الوزير من أمواله بالبصرة شيئاً كثيراً، ومن جملة ما أخذ له خمسة عشر ألف مجلد سوى الأجزاء والمسرس وما ليس له جلد.

********
ذكر البيعة لمحمد بن المستكفي (4/44)
في هذه السنة ظهر ببغداد، بين الخاص والعام، دعوة إلى رجل من أهل البيت، اسمه محمد بن عبدالله، وقيل إنه الدجال الذي وعد به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويجدد ما عفا من أمور الدين، فمن كان من أهل السنة قيل له: إنه عباسي، ومن كان أهل الشيعة قيل له: إنه علوي، فكثرت الدعاة إليه، والبيعة له.
وكان الرجل بمصر، وقد أكرمه كافور الإخشيدي وأحسن إليه، وكان في جملة من بايع له سبكتكين العجمي، وهو من أكابر قواد معز الدولة، وكان يتشيع، فظنه علوياً، وكتب إليه يستدعيه من مصر، فسار إلى الأنبار، وخرج سبكتكين إلى طريق الفرات، وكان يتولى حمايته، فلقي ابن المستكفي، وترجل له وخدمه، وأخذه وعاد إلى بغداد، وهو لا يشك في حصول الأمر له.
ثم ظهر لسبكتكين أن الرجل عباسيٌ، فعاد عن ذلك الرأي، ففطن ابن المستكفي وخاف هو وأصحابه، فهربوا وتفرقوا، فأخذ ابن المستكفي ومعه أخ له، وأحضر عند بختيار، فأعطاهما الأمان، ثم إن المطيع تسلمه من بختيار، فجدع أنفه، ثم خفي خبره.
ذكر استيلاء عضد الدولة على كرمان
في هذه السنة ملك عضد الدولة بلاد كرمان.
وكان سبب ذلك أن أبا علي بن إلياس كان صاحبها مدة طويلة، على ما ذكرناه، ثم إنه أصابه فالج خاف منه على نفسه، فجمع أكابر أولاده، وهم ثلاثة: إليسع وإلياس وسليمان، فاعتذر إلى إليسع من جفوة كانت منه له قديماً، وولاه الأمر، ثم بعده أخاه إلياس، وأمر سليمان بالعود إلى بلادهم، وهي بلاد الصغد، وأمره بأخذ أموال له هناك، وقصد إبعاده عن إليسع لعدواة كانت بينهما.
فسار من عند أبيه، واستولى على السيرجان، فلما بلغ أباه ذلك أنفذ إليه إليسع في جيش، وأمره بمحاربته وإجلائه عن البلاد، ولم يمكنه من قصد الصغد إن طلب ذلك، فسار إليه، وحصره، واستظهر عليه، فلما رأى سليمان ذلك جمع أمواله وسار نحو خراسان، واستقر أمر إليسع بالسيرجان وملكها وأمر بنهبها، فنهبت، فسأله القاضي وأعيان البلد العفو عنهم، فعفا.
ثم إن جماعة من أصحاب والده خافوه، فسعوا به إلى أبيه، فقبض عليه وسجنه في قلعة له، فمشت والدته إلى والدة أخيه إلياس وقالت لها: إن صاحبها قد فسخ ما كان عقده لولدي، وبعده يفعل بولدك مثله، ويخرج الملك عن آل إلياس، والرأي أن تساعديني على تخليص ولدي ليعود الأمر إلى ما كان عليه.
وكان والده أبو علي تأخذه غشية في بعض الأوقات، فيمكث زماناً طويلاً لا يعقل، فاتفقت المرأتان وجمعتا الجواري في وقت غشيته، وأخرجن إليسع من حبسه ودلينه من ظهر القلعة إلى الأرض، فكسر قيده، وقصد العسكر، فاستبشروا به وأطاعوه، وهرب منه من كان أفسد حاله مع أبيه، وأخذ بعضهم، ونجا بعضهم؛ وتقدم إلى القلعة ليحصرها.
فلما أفاق والده وعرف الصورة راسل ولده، وسأله أن يكف عنه ويؤمنه على ماله وأهله حتى يسلم إليه القلعة وجميع أعمال كرمان، ويرحل إلى خراسان، ويكون عوناً له هناك، فأجابه إلى ذلك، وسلم إليه القلعة وكثيراً من المال، وأخذ معه ما أراد، وسار إلى خراسان وقصد بخارى، فأكرمه الأمير منصور بن نوح، وأحسن إليه وقربه منه، فحمل منصوراً على تجهيز العساكر إلى الري وقصد بني بويه، على ما ذكرناه، وأقام عنده إلى أن توفي سنة ست وخمسين وثلاثمائة بعلة الفالج، على ما ذكرناه.
وكان ابنه سليمان ببخارى أيضاً، وأما إليسع فإنه صفت له كرمان، فحمله ترف الشباب وجهله على مغالبة عضد الدولة على بعض حدود عمله، وأتاه جماعة من أصحاب عضد الدولة وأحسن إليهم، ثم عاد بعضهم إلى عضد الدولة، فاتهم إليسع الباقين، فعاقبهم، ومثل بهم.
ثم إن جماعة من أصحابه استأمنوا إلى عضد الدولة، فأحسن إليهم وأكرمهم ووصلهم، فلما رأى أصحابه تباعد ما بين الحالين تألبوا عليه، وفارقوه متسللين إلى عضد الدولة، وأتاه منهم في دفعة واحدة نحو ألف رجل من وجوه أصحابه، فبقي في خاصته، وفارقه معظم عسكره.(4/45)
فلما رأى ذلك أخذ أمواله وأهله وسار بهم نحو بخارى لا يلوي على شيء، وسار عضد الدولة إلى كرمان فاستولى عليها وملكها وأخذ ما بها من أموال آل إلياس، وكان ذلك في شهر رمضان، وأقطعها ولده أبا الفوارس، وهو الذي لقب بعد ذلك شرف الدولة، وملك العراق، واستخلف عليها كورتكين ابن جستان، وعاد إلى فارس وراسله صاحب سجستان، وخطب له بها، وكان هذا أيضاً من الوهن على بني سامان ومما طرق الطمع فيهم.
وأما إليسع فإنه لما وصل إلى بخارى أكرمه وأحسن إليه، وصار يذم أهل سامان في قعودهم عن نصره، وإعادته إلى ملكه، فنفي عن بخارى إلى خوارزم.
وبلغ أبا علي بن سيمجور خبره، فقصد ماله وأثقاله، وكان خلفها ببعض نواحي خراسان، فاستولى على ذلك جميعه، وأصاب إليسع رمد شديد بخوارزم، فأقلقه، فحمله الضجر وعدم السعادة إلى أن قلع عينه الرمدة بيده، وكان ذلك سبب هلاكه، ولم يعد لآل إلياس بكرمان دولة، وكان الذي أصابه لشؤم عصيان والده وثمرة عقوقه.
ذكر قتل أبي فراس بن حمدان
في هذه السنة، في ربيع الآخر، قتل أبو فراس بن أبي العلاء سعيد بن حمدان.
وسبب ذلك أنه كان مقيماً بحمص، فجرى بينه وبين أي المعالي بن سيف الدولة بن حمدان وحشة، فطلبه أبو المعالي، فانحاز أبو فراس إلى صدد، وهي قرية في طرف البرية عند حمص، فجمع أبو المعالي الأعراب من بني كلاب وغيرهم، وسيرهم في طلبه مع قرعويه، فأدركه بصدد، فكبسوه، فاستأمن أصحابه، واختلط هو بمن استأمن منهم، فقال قرعويه لغلام له: اقتله، فقتله وأخذ رأسه وتركت جثته في البرية، حتى دفنها بعض الأعراب.
وأبو فراس هو خال أبي المعالي بن سيف الدولة، ولقد صدق من قال: إن الملك عقيم.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، منتصف شعبان، مات المتقي لله إبراهيم بن المقتدر في داره، ودفن فيها.
وفيها، في ذي القعدة، وصلت سرية كثيرة من الروم إلى إنطاكية فقتلوا في سوادها وغنموا، وسبقوا اثني عشر ألفاً من المسلمين.
وفيها كان بين هبة الرفعاي وبني أسد بن وزير الغبري حرب، فاستمدت أسد خزر اليشكري الذي مع عمران بن شاهين، صاحب البطائح، وأوقع بهبة، وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة وهزمه، واستولى على جنبلا وقسين من أرض العراق، فسار سبكتكين العجمي إلى خزر، وضيق عليه، فمضى إلى البصرة واستأمن إلى الوزير أبي الفضل.
وفيها عمل أهل بغداد يوم عاشوراء وغدير خم، كما جرت به عادتهم من إظهار الحزن يوم عاشوراء، والسرور يوم الغدير؛ وتوفي علي بن بندار ابن الحسين أبو الحسن الصوفي المعروف بالصيرفي النيسابوري.

This site was last updated 07/25/11