Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

سلطنة المؤيد أبي الفتح أحمد بن إينال

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس  هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
برقوق بن آنص191/ 1م.ج
حاجى 192/ 2 م.ج
برقوق بن آنص193/ 3م.ج
فرج194/ 4 م.ج
عبد العزيز195/ 5/ م.ج
فرج 196/ 6 م.ج
سلطان وخليفة 197/ 7م.ج
شيخ198/ 8 م.ج
أحمد 199/ 9 م.ج
ططر 200/ 10 م.ج
محمد ططر201/ 11 م.ج
برسباى 202/ 12 م.ج
يوسف203/ 13 م.ح
جقمق204/ 14 م.ج
عثمان 205/ 15 م.ج
إينال 206/ 16 م.ج
أحمد
خشقدم
يلباى
تمبرغا
قايتباى
الغورى

Hit Counter

 

****************************************************************************************

 الجزء التالى عن المماليك الذين حكموا مصر وهم تحت إستعمار الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

****************************************************************************************

 

سلطنة المؤيد أبي الفتح أحمد بن إينال سنة 865 هـ .

سلطنة المؤيد أبي الفتح أحمد بن إينال هو السلطان السابع والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية والثالث عشر من الجراكسة وأولادهم‏.‏
تسلطن في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى من سنة خمس وستين وثمانمائة الموافق لأول برمهات‏.‏
فلما كان ضحوة النهار المذكور نزل الزيني خشقدم إلاحمدي الطواشي الساقي الظاهري بطلب القضاة الأربعة إلى القلعة ونزل غيره إلى الخليفة المستنجد بالله يوسف فبادر كل منهم بالطلوع إلى القلعة حتى تكامل طلوع الجميع وجلس الكل بقاعة دهليز الدهيشة من قلعة الجبل وجلس الخليفة والمقام الأتابكي أحمد المذكور في صدر المجلس وجلس كل من القضاة في مراتبهم ودار الكلام بينهم في سلطنة الملك المؤيد هذا لكون أن والده الملك الأشرف إينال ما كان عهد إليه قبل ذلك بالسلطنة‏.‏
فتكلم القاضي كاتب السر محب الدين ابن الشحنة في أن تكون ولايته في السلطنة نيابة عن والده مدة حياته ثم استقلإلا بعد وفاته أو معناه فلم يحسن ذلك ببال من حضر‏.‏
وقام الجميع ودخلوا إلى قاعة الدهيشة وبها الملك الأشرف إينال مستلق على خطة ليسمعوا كلامه بالعهد لولده أحمد هذا فكلمه الأمير يونس الدوادار غير مرة في معنى العهد وهو لا يستطيع الرد وطال وقوف الجميع عنده وهو لا يتكلم فخرجوا إلى ولده المؤيد هذا وهو جالس بدهليز الدهيشة عند الشباك وعرفوه الحال ثم رجعوا إلى الملك الأشرف ثانيًا وكرروا عليه السؤال وهو ساكت إلى أن تكلم بعد حين وقال باللغة التركية‏:‏ ‏"‏ أغلم أغلم ‏"‏ يعني‏:‏ ‏"‏ ابني ابني ‏"‏ فقال من حضر‏:‏ ‏"‏ هذا إشارة بالعهد لولده فإنه لا يستطيع من الكلام أكثر من هذا ‏"‏ وخرجوا من وقتهم إلى الدهيشة‏.‏
وانتدب كاتب السر لتحليف الأمراء فحلف من حضر من الأمراء إلايمان المؤكدة ولم ينهض أحد منهم أن يوري في يمينه ولا يدلس لأنهم أجانب من معرفة ذلك وأيضًا المحلف له فطن وكاتب سره رجل عالم وكان من جملة اليمين‏:‏ المشي إلى الحاج كذا كذا مرة والطلاق والعتق وغير ذلك‏.‏
فلما انقضى التحليف وتمت البيعة قام كل أحد من الأمراء والخاصكية والأعيان وبادر إلى لبس الكلفتاة والتتري الأبيض كما هي العادة وأحضرت خلعة السلطنة الخليفتية السوداء ولفت له عمامة سوداء حرير‏.‏
وقام المقام الشهابي المذكور ولبس الخلعة والعمامة على الفور وركب من باب الدهيشة فرس النوبة بسرج ذهب وكنبوش زركش ومشت الأمراء والأعيان بين يديه من باب الحوش إلى أن اجتاز بباب الدور السلطانية فتلقته الجاووشية والزردكاش ومعه القبة والطير وأبهة السلطنة فتناول الأمير خشقدم الناصري المؤيدي أمير سلاح القبة والطير بإذن السلطان وحملها على رأسه وهو ماش وسار في موكب الملك بعظمة زائدة خارجة عن الحد وصار جميع الأمراء والقضاة مشاة بين يديه إلا الخليفة المستنجد بالله فإنه ركب فرسًا من خيل السلطان ومشى بها خطوات ثم نزل عنها لقوتها عليها‏.‏
ولازال السلطان على تلك الهيئة حتى نزل على باب القصر السلطاني من قلعة الجبل ودخل وجلس على سرير الملك فلم تر العيون فيما رأت أحسن ولا أجمل منه في الخلعة السوداء لأنه كان أبيض اللون والخلعة سوداء مع حسن سمته وطول قامته حتى إنه لعله لم يكن أحد فى العسكر يوم ذاك يدانيه في طول القامة‏.‏
ولما جلس على تخت الملك قبلت الأمراء الأرض بين يديه ودقت الكوسات ونودي في الحال بالدعاء للملك المؤيد أبي الفتح أحمد بشوارع القاهرة‏.‏ ثم في الوقت خلع على الخليفة فوقاني حرير بوجين أبيض وأخضر بطرز زركش وأنعم عليه بفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش وأنعم عليه بقرية منبابة بالجيزة‏.‏ ثم خلع على الأمير خشقدم أمير سلاح أطلسين متمرًا وفوقانيًا بطرز زركش بسرج ذهب وكنبوش زركش‏.‏ وأقام الملك المؤيد يومه وليلته بالقصر وأصبح حضر الخدمة حسبما يأتي ذكره بعد أن نذكر وقت سلطنته‏.‏
وكان الطالع وقت مبايعته ولبسه خلعة السلطنة وجلوسه على سرير الملك السرطان وصاحب الطالع بالسنبلة وهو القمر قطع اثنتين وعشرين درجة و خمسين دقيقة والرأس بالسرطان أيضًا ست عشرة درجة وثلاثين دقيقة راجعًا والمشتري بالقوس صفرًا وسبعًا وعشرين دقيقة وزحل بالجدي أيضًا ثمانيًا وعشرين درجة وستًا وأربعين دقيقة والذنب بالجدي أيضًا ست عشرة درجة وثلاثين دقيقة والزهرة في الدلو ثلاث درجات وتسع عشرة دقيقة والليلة بالدلو أيضًا ثماني درج و ثمانيًا وخمسين دقيقة وعطارد أيضًا بالدلو اثنتين وعشرين درجة وخمسين دقيقة والشمس في الحوت خمس عشرة درجة وأربعًا وخمسين دقيقة والساعة السادسة وهي للزهرة انتهى‏.‏
ولما كان صبيحة نهار الخميس المقدم ذكره وهو ثاني يوم من يوم سلطنته وهو عشر جمادى الأولى وقد عمل السلطان فيه الخدمة السلطانية وخلع على جماعة كثيرة من الأمراء بعدة وظائف فاستقر بالأمير خشقدم أمير سلاح أتابك العساكر عوضًا عن نفسه ولكن لم يجد له في ذلك اليوم خلعة الأتابكية لكونه كان لبسها في أمسه لما حمل القبة والطير على رأس السلطان فجددت له أخرى لم يفرغ عملها في هذا اليوم‏.‏
ثم أنعم السلطان على الأمير خشقدم المذكور بإقطاع نفسه وهو إقطاع الأتابكية‏.‏ ثم خلع على الأمير جرباش المحمدي أمير مجلسه باستقراره في إمرة سلاح عوضًا عن الأمير خشقدم بحكم استقراره أتابك العساكر‏.‏
واستقر الأمير قرقماس الأشرفي رأس نوبة النوب أمير مجلس عوضًا عن جرباش المقدم ذكره‏.‏ واستقر الأمير قانم من صفرخجا المؤيدي التاجر رأس نوبة النوب عوضًا عن قرقماس المذكور‏.‏
وأنعم السلطان بإقطاع الأتابك خشقدم على الأمير بيبرس الأشرفي خال الملك العزيز يوسف حاجب الحجاب لكون متحصل هذا إلاقطاع يزيد عن متحصل إلاقطاع الذي كان بيده أولًا وطلب الأمير جانبك من أمير الأشرفي الخازندار إقطاع بيبرس فتوقف السلطان فيه ووقع بسبب توقف السلطان في الآنعام على جانبك به بين جانبك المذكور وبين الأمير يونس الدوادار الكبير كلام فافحش الدوادار في الرد على جانبك ودام إلاقطاعموقوفًا لم ينعم به على أحد وانفض الموكب‏.‏
وقام السلطان الملك المؤيد أحمد من القصر وتوجه إلى الدهيشة وجلس بالشباك المطل على الحوش وأمر المنادي فنادى بين يديه بالحوش بأن النفقة في المماليك السلطانية تكون لكل واحد مائة دينار وتكون أول التفرقة يوم الثلاثاء عشرين الشهر فضج الناس له بالدعاء‏.‏ ثم قام ودخل إلى عند أبيه وهو في السياق فمات في اليوم وهو يوم الخميس المقدم ذكره بين الظهر والعصر فجهز من وقته وصلى عليه بباب القلة من قلعة الجبل ثم حمل حتى دفن من يومه بتربته التي أنشأها بالصحراء خارج القاهرة حسبما تقدم ذكر ذلك كله في ترجمته‏.‏
ثم أصبح الملك المؤيد يوم الجمعة صلى الجمعة بجامع الناصري بالقلعة مع الأمراء على العادة وخلع بعد انقضاء الصلاة على الأمير خشقدم الناصري المؤيدي خلعة الأتابكية على العادة‏.‏
واستمر السلطان إلى يوم الأحد ثامن عشره أعني جمادى الأولى فأنفق على الأمراء نفقة السلطنة فحمل إلى الأمير الكبير أربعة إلاف دينار تفصيلها‏:‏ ألف دينار بسبب حملة القبة والطير على رأس السلطان يوم سلطنته والبقية نفقة السلطنة وحمل إلى أمير سلاح جرباش وغيره من أمراء الألوف من أصحاب الوظائف لكل واحد ألفين وخمسمائة دينار وإلى غير أرباب الوظائف من مقدمي الألوف لكل ألفي دينار فقط وحمل لكل أمير من أمراء الطبلخانات خمسمائة دينار ولكل أمير من أمراء العشرات مائتي دينار‏.‏ ثم في يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الأولى خلع السلطان على الأتابك خشقدم وعلى قانم رأس نوبة النوب خلع الآنظار المتعلقة بوظائفهما على العادة‏.‏
وأنعم السلطان على الأمير يشبك البجاسي الأشرفي إينال أحد مقدمي الألوف بحلب بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية وهو إقطاع بيبرس الذي وقع بين يونس الدوادار وبين جانبك الظريف الخازندار بسببه وأنعم بتقدمة يشبك المذكور التي بحلب على الأمير تمراز الأشرفي الدوادار كان وأنعم بإقطاع تمراز وهو إمرة طبلخاناه بطرابلس على الأمير لاجين الظاهري ويشبك هذا المنعم عليه بالتقدمة كان أصله من مماليك الأمير تنبك البجاسي نائب الشام و ملكه بعد موت تنبك الأشرف إينال وهو من جملة الأمراء وأعتقه ورقاه حتى صار دواداره ثم أخذ له من الملك الظاهر جقمق إمرة بصفد فلما تسلطن رفع قدره إلى أن صار من جملة أمراء الألوف بحلب واتفق مجيئه إلى مصر لينظر أستاذه فاتفق في مجيئه ضعف أستاذه ثم موته‏.‏
وفيه أيضًا خلع السلطان على جماعة من الأمراء والخاصكية لتوجههم بحمل تقاليد نواب البلاد الشامية‏:‏ فكان الأمير مغلباي إلابو بكري المؤيدي المعروف بطاز أحد أمراء العشرات ورأس نوبة يتوجه إلى نائب الشام الأمير جانم الأشرفي‏.‏
والأمير بيبرس الأشرفي الأشقر أحد أمراء العشرات ورأس نوبة يتوجه إلى الأمير حاج إينال اليشبكي نائب حلب‏.‏ والسيفي برقوق الناصري الظاهري الساقي يتوجه إلى إياس المحمدي الناصري نائب طرابلس‏.‏ والسيفي آقبردي الساقي الأشرفي يتوجه لجانبك التاجي المؤيدي نائب حماة‏.‏ وتنم الفقيه إلابو بكري المؤيدي يتوجه لخيربك النوروزي نائب صفد ولبردبك العبد الرحماني نائب غزة معًا‏.‏ وخلع على جماعة أخر من الخاصكية بتوجههم إلى جماعة أخر إلى البلاد الشامية والجميع خاصكية ما عدا مغلباي طاز وبيبرس الأشقر‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى المذكورة ابتدأ السلطان بالنفقة في المماليك السلطانية من غير تسوية فأعلى من أخذ مائة دينار وأدنى من أخذ ثلاثين دينارًا وأعطى لكل مملوك من الكتابية عشرة دنانير فاستمرت النفقة على المماليك السلطانية في كل يوم سبت وثلاثاء إلى ما يأتي ذكره‏.‏
ثم بعد أيام وصل القاهرة كتاب جانبك الأبلق الظاهري من قبرس أنه هو ومن معه من المماليك السلطانية وغيرهم من الفرنج واقعوا أهل شرينة في عاشر شهر ربيع الآخر وحصروا قلعتها وقتلوا من الفرنج بشرينة ثمانية نفر وأسروا مثلهم‏.‏ ثم ذكر أيضًا أنه واقع ثانيًا أهل شرينة وقتل صاحب الشرطة بقلعتها وآخر من عظمائها أرمى نفسه إلى البحر فغرق‏.‏ قلت‏:‏ ‏"‏ مما خطاياهم أغرقوا فأدخلوا نارًا ‏"‏‏.‏ ثم ذكر جانبك أيضًا أنه قبض على خمسة منهم وأن الملكة صاحبة شرينة أخت جاكم صاحب قبرس قد توجهت من شرينة إلى رودس تستنجد بهم‏.‏
ثم ذكر أيضًا أنه ظفر بعدة مراكب ممن كان قدم من الفرنج نجدة للملكة المذكورة وأنه أسر منهم خلائق تزيد عدتهم على مائة نفر وأنه أخذ بالحصار عدة أبراج من أبراج قلعة باف بعد أن قاسوا منه شدائد وأنه يستحث السلطان في إرسال عسكر بسرعة قبل مجيء نجدة لهم من الفرنج أهل الماغوصة الجنوية وإلى أهل شرينة من غير الجنوية انتهى‏.‏
وفي يوم الأربعاء ثامن عشرينه استقر عميرة بن جميل بن يوسف شيخ عربان السخاوة بالغربية بعد موت أبيه‏.‏ قلت‏:‏ والشيء بالشيء يذكر وقد أذكرني ولاية عميرة هذا حال أرياف الديار المصرية الآن فإنه من يوم تسلطن الملك المؤيد أحمد هذا حصل الأمن في جميع الأعمال برًا وبحرًا شرقًا وغربًا من غير أمر يوجب ذلك ووقع رعب السلطان في قلوب المفسدين حتى صار أحدهم لا يستطيع أن يخرج من داره فكيف يقطع الطريق فانطلقت الألسن بالدعاء للملك المؤيد هذا وتبارك كل أحد بقدومه واستيلائه على الأمر ومالت النفوس إلى محبته ميلًا زائدًا خارجًا عن الحد فإنه أول ما تسلطن قمع مماليك أبيه الأجلاب عن تلك إلافعال التي كانوا يفعلونها أيام أبيه وهددهم بأنواع النكال إن لم يرجعوا فرجع الغالب منهم عن أشياء كثيرة مما تقدم ذكرها وعلم الناس من السلطان ذلك فطمع كل أحد في الأجلاب فانحط قدرهم حتى صار أحدهم لا يستطيع أن يزجر غلامه ولا خدمه فزاد حب الناس للملك المزيد لذلك فكل من أحبه فهو معذور لما قاست الناس منهم أيام أبيه من تلك إلافعال القبيحة‏.‏
على أن الملك المؤيد أيضًا كان له في أيام والده مساوىء كثيرة من جهة حماياته البلاد والمراكب بساحل النيل وأشياء أخر غير ذلك فقاست الناس من حماياته أهوإلا فلما تسلطن ترك ذلك كله كأنه لم يكن وأقبل على العدل وإرداع المفسدين فبدل في أيامه الجور بالعدل والخوف بالأمن والراحة بعد التعب ولله الحمد‏.‏ وفيه عزل السلطان الصاحب شمس الدين منصورًا عن الأستادارية وخلع من الغد على مجد الدين أبي الفضل البقري كاملية بمقلب سمور باستقراره في الأستادارية عوضًا عن الشمسي منصور ووعد بأنه يلبس خلعة وظيفة الأستادارية في يوم السبت أول جمادى الآخرة فوقع ذلك‏.‏
ثم في يوم الخميس سادس جمادى الآخرة خلع السلطان على الصفوي جوهر النوروزي الطواشي الحبشي بإعادته إلى تقدمة المماليك السلطانية بعد موت الطواشي مرجان الحصني الحبشي‏.‏ وفي هذه الأيام أشيع بين الناس بركوب المماليك السلطانية على السلطان بعد النفقة ولم يعلم أحد من هو القائم بالفتنة فلم يلتفت السلطان لهذا الكلام‏.‏ ثم في يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة قرىء تقليد السلطان الملك المؤيد بين يديه بالقصر الأبلق تولى قراءته القاضي محب الدين ابن الشحنة كاتب السر وهو من إنشائه وحضر الخليفة المستنجد القراءة والقضاة الأربعة وغالب أركان الدولة وأمرائها فلما تمت القراءة خلع السلطان على الخليفة فوقاني حرير بوجهين أخضر وأبيض بطرز زركش وقيد له فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش ثم خلع على القضاة كوامل بمقالب سمور وانفض الموكب‏.‏
وفي يوم السبت خامس عشر وصل إلى القاهرة قاصد الأمير جانم الأشرفي نائب الشام وعلى يده كتاب مرسله يتضمن أنه حصل له سرور زائد بسلطنة الملك المؤيد وأنه مستمر على طاعته ممتثل أوامره‏.وفيه أيضًا ورد الخبز بأن عرب لبيد العصاة نزلوا البحيرة ونهبوا إلاموال وشنوا الغارات فعين السلطان تجريدة من الأمراء وأمرهم بالتجهيز والسفر إلى البحيرة‏.‏
ثم في يوم الأربعاء رابع شهر رجب وصل الأمير تمراز الإينالي الأشرفي الدوادار كان من طرابلس إلى الديار المصرية بغير إذن السلطان ولم يجتز بمدينة قطيا ونزل عند الأتابك خشقدم وأرسل دواداره إلى الملك المؤيد أعلمه بمجيء تمراز المذكور فقامت قيامة السلطان لمجيئه على هذه الصورة وغضب غضبًا شديدًا ورسم بإخراجه من القاهرة لوقته فأخذ تمراز في أسباب الردود والخروج إلي خانقاه سرياقوس فشفعت الأمراء فيه في عصر يومه بالقصر فقبل السلطان شفاعتهم على أنه يقيم بالقاهرة ثلاثة أيام لعمل مصالحه ثم يسافر إلى حيث جاء منه فعاد تمراز من جهة الخانقاه إلى القاهرة‏.‏
فترقب كل أحد وقوع فتنة لأن تمراز هذا شر مكانًا ودأبه الفتنة وإثارة الفتن وهو من أوخاش بني آدم‏.‏ فأقام تمراز إلى يوم الجمعة سادسه فطلع إلى القلعة وقبل الأرض بين يدي السلطان وأخذ في إلاعتذار الزائد لمجيئه بغير إذن فقبل السلطان عذره وخلع عليه كاملية بمقلب سمور وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق ورسم له أن يقيم بالقاهرة ثلاثة أيام من يومه هذا ويسافر فنزل إلى داره والناس على ما هم عليه من أن تمراز هذا لا بد له من إثارة فتنة وتحريك ساكن‏.‏
هذا والأمراء تكرر الشفاعة فيه ليقيم بالديار المصرية وخجداشيته الأشرفية في غاية ما يكون من إلاجتهاد في ذلك والسلطان مصمم على سفره إلى أن سافر حسبما يأتي ذكره‏.‏ وفي يوم الجمعة هذا الموافق لثاني عشرين برمودة لبس السلطان القماش الأبيض البعلبكي المعد للبس الصيف كما هي العادة‏.‏ وفي يوم الثلاثاء عاشر شهر رجب المذكور خلع السلطان الملك المؤيد على تمراز المذكور خلعة السفر وسافر من يومه إلى دمشق بعد أن أنعم السلطان عليه بخمسمائة دينار وعدة خيول وبغال وتوجه تمراز ولم يتحرك ساكن‏.‏
وفي يوم الخميس ثاني عشره استقر القاضي شرف الدين الآنصاري ناظر الجوالي بعد عزل ناصر الدين محمد بن أحمد بن أصيل‏.‏ وفيه وصل الأمير مغلباي طاز الأبوبكري المؤيدي بعد أن بشر الأمير جانم نائب الشام بسلطنة المؤيد وعاد‏.‏ وفيه وصل السيفي شاهين الطواشي الساقي الظاهري المتوجه قبل تاريخه لإحضار تركة زوجة الأمير قاني باي الحمزاوي من دمشق وأحضر شيئًا كثيرًا جدًا من الجواهر واللآلىء وإلاقمشة وغير ذلك حتى إنه أبيع في أيام كثيرة‏.‏

ثلوج فى حجم البيضة تسقط على مصر
ثم فييوم الجمعة العشرين من شهر رجب المذكور نزل السلطان الملك المؤيد أحمد من قلعة الجبل إلى جهة العارض بالقرافة الصغرى خلف القلعة وعاد بسرعة إلى القلعة وهذا أول نزوله من يوم تسلطن‏.‏ قلت‏:‏ وآخر نزوله فإنه لم ينزل بعدها إلا بعد خلعه إلى الإسكندرية‏.‏ وفيه أمطرت السماء بردًا كل واحد مقدار بيضة الحمام فأتلفت غالب الزرع وأهلكت كثيرًا من ذوات الجناح وكان معظم هذا المطر بقرى الشرقية من أعمال القاهرة وببعض بلاد من المنوفية والغربية وقليلًا بإقليم البحيرة‏.‏
وفي يوم الخميس سادس عشرينه رسم السلطان بنفي سنطباي قرا الظاهري إلى البلاد الشامية وسببه أن سنطباي هذا كان من المنفيين إلى طرابلس في دولة الملك الأشرف إينال فلما سمع بموت الأشرف قدم القاهرة بغير إذن واختفى بها نحو الشهر عند بعض خجداشيته ففطن السلطان به فرسم بنفيه فاجتهدت خجداشيته الظاهرية في إقامته فلم تقبل فيه شفاعة فخرج من يومه وعظم ذلك على خجداشيته الظاهرية في الباطن‏.‏
قلت‏:‏ ولا بأس بما فعله السلطان في إخراج سنطباي المذكور على هذه الهيئة فإنه أخرج قبله تمراز من الأشرفية ثم أخرج هذا من الظاهرية فكأنه ساوى بين الطائفتين‏.‏ هذا والناس في رجيف من كثرة الإشاعة بوقوع فتنة‏.‏ ثم فى يوم الاثنين سابع شعبان استقر شاد بك الصارمي أحد أمراء الألوف بدمشق أتابكًا بحلب على مال بذله في ذلك نحو العشرة إلاف دينار‏.‏ وفيه وصلت رسل السلطان إبراهيم بن قرمان إلى القاهرة بهدية إلى السلطان وقبل هدية مرسلهم ورحب بهم‏.‏
ثم في يوم الخميس سابع عشر شعبان وصل إلى القاهرة الشرفي يحيى ابن الأمير جانم نائب الشام وطلع إلى السلطان من الغد وقبل الأرض نيابة عن أبيه وسأل سلطان في إطلاق الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي أمير سلاح كان والأمير قاني باي الجاركسي الأمير آخور كان من سجن الإسكندرية فلم يقبل السلطان شفاعته وسوف به إلى وقت غير معلوم‏.‏
وعلم السلطان أن مجىء ابن جانم هذا ليس هو بصدد الشفاعة فقط وإنما هو لتجسس الأخبار وعمل مصلحة والده مع خجداشيته الأشرفية وغيرهم من الظاهرية والمؤيدية‏.‏ وكذا كان ولم يظهر الملك المؤيد لأحد وإنما أخذ في حساب جانم نائب الشام في الباطن والتدبير عليه بكل ما تصل القدرة إليه ولم يسعه يوم ذلك إلا أن تجاهل عليهم‏.‏
هذا الأمر أحد أسباب حضور جانم إلى الديار المصرية حسبما يأتي ذكره مفصلًا إن شاء الله تعالى في ترجدة الملك الظاهر خشقدم لأن يحيى ولد جانم لما حضر هذه الأيام إلى الديار المصرية اتفق مع أعيان المماليك الظاهرية بعد أن اصطلحوا مع المماليك الأشرفية على عداوة كانت بينهم قديمًا وحديثًا ورضوا الظاهرية بسلطنة جانم عليهم وهم أكره البرية فيه حيث لم يجدوا بدًا من ذلك وما ذاك إلا خوفًا من الملك المؤيد هذا فكان أمرهم في هذا كقول القائل‏:‏ الوافر وما من حبه أحنو عليه ولكن بغض قوم آخرين وسافر الشرفي يحيى من مصر إلى جهة أبيه في يوم الجمعة خامس عشرين شعبان بعد أن خلع عليه السلطان وأنعم عليه بخمسمائة دينار وقد مهد لأبيه الأمور بالديار المصرية مع الظاهرية‏.‏
الأشرفية خجداشيته فهم من باب أولى لا يختلف على جانم منهم اثنان وما كان قصد جانم إلا رضاء الظاهرية وقد رضوا‏.‏ وسار يحيى وهو يظن أن أمر أبيه قد تم في سلطنة مصر ولم يفطن إلى تقلبات الدهر‏.‏
فلما أن وصل يحيى إلى والده حدثه بما وقع له بمصر مع زيد و عمرو وكان عند جانم رحمه الله تعالى خفة لما كان أوحى إليه الكذابون من أقوال الفقراء ورؤية المنامات وعبارات المنجمين فتحقق المسكين أنه لا بد له من السلطنة ووافق ذلك صغر ويا دارها بالخيف إن مزارها قريب دون دون ذلك أهوال وقوى أمر جيى وخفة جانم اجتماع تمراز الأشرفي الدوادار المقدم ذكره بجانم في دمشق وقد صدق هذا الخبر لما في نفسه من الملك المؤيد هذا ومن أبيه الأشرف إينال لما عزله من الدوادارية الثانية وأخرجه من مصر بطالًا إلى القدس ثم وقع له معه ما حكيناه هذا مع كثرة فتن تمراز وقلة عقله وسوء خلقه وشؤم طلعته فوافق تمراز يحيى وتسلطا معًا على جانم ولا زإلا به حتى وافقهما فى الباطن وأخذ في أسباب ذلك فلم يمض إلا القليل ووقع لجانم ما سنذكره مع عوام دمشق من النهب والفتك به وإخراجه من دمشق على أقبح وجه حسبما هو مقول في ترجدة الملك الظاهر خشقدم بعد خلع المؤيد‏.‏
وأما أمر الملك المؤبد هذا فإنه بعد خروج يحيى بن جانم أخذ يوسع الحيلة والتدبير في أخذ جانم بكل طريق فلم ير أحسن من أن يرسل يكاتب أعيان دمشق بالقبض على جانم المذكور إن أمكن وهذا القول لم أذكره يقينًا ولكن على قول من قال عنه ذلك وليس هو ببعيد لأن أهل دمشق وحكامها ما في قدرتهم القيام على نائب الشام إلا بدسيسة من السلطان والله أعلم بحقيقة الأمر‏.‏
واستمر الملك المؤيد على ما هو عليه بالديار المصرية وأمره في انحطاط من عدم تدبيره في أواخر أمره وأيضًا من قلة المساعدة بالقول والفعل وإلا فتدبيره هو كان في غاية الحسن في أوائل أمره غير أنه كان لا يعرف مداخلة إلاتراك ولا رأى تقلب الدول ولا حوله من رأي لأنه أبعد الناس عنه قاطبة وقرب الأمير بردبك الدوادار الثاني لكونه صهره زوج أخته مملوك أبيه بل قيل إن تقريبه لبردبك أيضًا ما كان على أليته فعلى هذا ضعف الأمر من كل جهة‏.‏
ونفرض أن أمر بردبك كان على حقيقة فما عساه كان يفعل وهو أيضًا أجنبي عن معرفة ما قلناه فإنه ما ربي إلا عند أستاذه الأشرف إينال وهو أمير فلا يعرف أحوال المملكة إلا بعد سلطنة أستاذه أيام الأمن والسعادة انتهى‏.‏
وفي يوم الخميس تاسع شهر رمضان خلع السلطان الملك المؤيد على شرف الدين البقري باستقراره ناظر الإصطبلات السلطانية بعد عزل محمود بن الديري‏.‏ وفي يوم الجمعة عاشره أخذ قاع النيل فجاءت القاعدة أعني الماء القديم ستة أذرع ونصفًا‏.‏ وفي ليلة الثلاثاء رابع عشر شهر رمضان المذكور خسف جميع جرم القمر وغاب في الخسف تسعين درجة وصارت النجوم في السماء كليلة تسع وعشرين الشهر ولعل ذلك يكون نادرًا جدًا فإني لم أر في عمري مثل هذا الخسف‏.‏
هذا وأمر الملك المؤيد آخذ في اضطراب من يوم عين تجريدة إلى البحيرة‏.‏
ولم تخرج التجريدة وخالفه من كتب إليها من المماليك السلطانية فإنه لما عين التجريدة إلى البحيرة لم يعين من المماليك السلطانية أحدًا من مماليك أبيه الأجلاب فعظم ذلك على من عين من غيرهم وعلى من لم يعين أيضًا لمعرفتهم أنه كلموه في أمر مماليك أبيه واستمالوه لهم فإنه استفتح سلطنته بإبعادهم ومقتهم وإرداعهم فأحبه كل أحد فلما فطنوا الآن بميله إليهم نفرت القلوب منه وخافوا من أفعال الأجلاب القبيحة التي فعلوها في أيام أبيه أن تعود فصممت المماليك المعينة إلى البحيرة في عدم الخروج إلا إن عين معهم جماعة من أجلاب أبيه وساعدهم في ذلك المماليك السلطانية من كل طائفة مخافة من تقريب الأجلاب‏.‏
فأساء المؤيد التدبير من أنه لم يبت أمرًا لا بقوة ولا بلين بل سكت وسمع قول من أملاه المفسود من قوله‏:‏ إذا أرسلت مماليك أبيك من يبقى حولك وإذا أبعدت مماليك والدك فمن تقرب فكأنه مال لهذا القول الواهي واستحسنه وهذا نوع مما كنا فيه أولًا من أنه ما كان عنده من يرشده إلى الطريق‏.‏
ثم كلم الملك المؤيد المماليك أيضًا في السفر فاعتلوا بطلب الجمال فأراد تفرقة الجمال فلم يأخذوها‏.‏ واستمروا على ذلك وسكنت حركة السفر بسكات السلطان وبذلك فشا انحطاط قدره وتلاشى أمره بعد أن كان له حرمة عظيمة ورعب في القلوب‏.‏
فلقد رأيت في تلك الأيام شخصًا من أوباش المماليك الظاهرية يكلم الأمير بردبك الدوادار الثاني بكلام لو كلمه لمن يكون فيه شهامة لحمل السلطان على شنقه في الحال وكان ذلك هو الحزم على قول بعض النهابة‏:‏ ‏"‏ إما إكديش أو نشابة للريش ‏"‏ وتلافي الأمور إما يكون بها أو عليها والحزم إنما هو الشد على من عين وتسفيرهم غضبًا فإن تم ذلك فقد هابه كل أحد وقد قيل‏:‏ ‏"‏ من هاب خاف ‏"‏ أو اللين والتلطف بمن كتب والاعتذار لهم عن عدم كتابته لمماليك أبيه الأجلاب بقوله‏:‏ ‏"‏ ما منعني أن أكتب هؤلاء معكم إلا أنهم ليسوا بأهل لمرافقتكم فحيثما أحببتمو ذلك فأنا أكتب منهم جماعة ‏"‏ ثم يكتب منهم عدة فإن تم ذلك ومشى فالأمر إليك بعد سفرهم دبر ما شئت وإن لم يتم فبادر للفعل الأول بكل ما تصر قدرتك إليه واستعمل قول المتنبي في قوله من قصيدته المشهورة‏:‏ الكامل لايخدعنك من عدوك دمعه وارحم شبابك من عدو ترحم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم فلم يقع منه ذلك ولا ما يشبهه ولا أشار عليه أحد من أصدقائه بشيء يكون فيه مصلحة لثبات ملكه بل سكت كل أحد عنه وصار كالمتفرج إما لبغض فيه أولقلة معرفة بالأمور‏.‏
نكبة الملك المؤيد أحمد ابن إينال وخلعه من الملك لما كان آخر يوم الجمعة سابع عشر شهر رمضان من سنة خمس وستين المذكورة رسم السلطان الملك المؤيد أحمد لنقيب الجيش الأمير ناصر الدين محمد بن أبي الفرج أن يدور على الأمراء مقدمي الألوف ويعلمهم أن السلطان رسم بطلوعهم من الغد في يوم السبت إلى الحوش السلطاني من قلعة الجبل بغير قماش الموكب ولم يعلمهم لأي معنى يكون طلوعهم واجتماعهم في هذا اليوم بالقلعة وهو غير العادة فدار دوادار نقيب الجيش على الأمراء وأعلمهم بما رسم به السلطان من طلوعهم إلى القلعة‏.‏
وأخذ الأمراء من هذا الأمر أمر مريج وخلا كل واحد بمن يثق به وعرفه الخبر وهو لا يشك أن السلطان يريد القبض عليه من الغد‏.‏ وماجت الناس وكثر الكلام بسبب ذلك وركبت الأعيان بعضها على بعض‏.‏
وأما الأمراء فكل منهم تحقق أنه مقبوض عليه من الغد ووجد لذلك من كان عنده كمين من الملك المؤيد أو يريد إثارة فتنة فرصة وحرض بعضهم بعضًا إلى أن ثارت المماليك الظاهرية في تلك الليلة وداروا على رفقتهم وإخوانهم وعلى من له غرض في القيام على الملك المؤيد وداموا على ذلك ليلتهم كلها‏.‏
فلما كان صبح نهار السبت تفرقوا على أكابر الدولة والأمراء في بيت الأتابك خشقدم لعمل المصلحة فداروا على الأمراء وأمسكوا منهم جماعة كبيرة وأحضروهم إلى بيت الأتابك خشقدم على كره من خشقدم وسارت فرقة في باكر النهار إلى بيت الأمير بردبك الأشرفي الدوادار الثاني الملاصق لمدرسة السلطان حسن وأحضروه إلى بيت الأمير الكبير خشقدم بعد أن أخرقوا به‏.‏
هذا وقد اجتمعت طوائف المماليك مثل الناصرية فرج والمؤيدية شيخ والأشرفية برسباي والظاهرية جقمق والسيفية والجميع في بيت الأمير الكبير ولم يطلع إلى القلعة في هذا اليوم أحد من الأمراء والأعيان إلا جماعة يسيرة جدًا‏.‏
فلما تكامل جمعهم في بيت الأمير الكبير وأكثر الطوائف يوم ذاك الأشرفية والظاهرية وكبير الأشرفية الأمير قرقماس أمير مجلس ولا كلام له بل الكلام لجانبك القجماسي الأشرفي المشد ولجانبك من أمير الخازندار والظاهرية كبيرهم جانبك نائب جدة أحد مقدمي الألوف وقد صارت خجداشيته يوم ذاك في طوع يده وتحت أوامره لحسن سياسته وجودة تدبيره فانضمت كلمة الظاهرية به حتى صارت كلمة واحدة وهم حس وهو المعنى وهذا بخلاف الأشرفية فإنهم وإن كانوا هم أيضًا متفقين فالاختلاف بين أكابرهم موجود بالنسبة إلى هؤلاء وعدم اكتراثهم بهذا الأمر المهم ولتطلعهم على مجيء خجداشهم الأمير جانم نائب الشام ولو أن أمر المؤيد طرقهم على بغتة ما طاوعوا على الركوب في مثل هذا اليوم قبل مجيء خجداشهم فأخذ الأمير جانبك نائب جدة المذكور في تأليف الأشرفية على الظاهرية بحسن تدبير حتى تم له ذلك وصاروا على كلمة واحدة‏.‏
ثم شرعوا في الكلام بحضرة الأمراء في الاجتماع بسببه فتكلم بعض من حضر من الأمراء بأن قال‏:‏ ‏"‏ أيش المقصود بهذا الجمع ‏"‏ أو معنى هذا الكلام فأجاب الجميع بلسان واحد‏:‏ ‏"‏ نريد خلع الملك المؤيد أحمد من السلطنة وسلطنة غيره ‏"‏‏.‏
وكان الباعث لهذه الفتنة ما قدمناه وأيضًا الظاهرية فإن الملك المؤيد لما تسلطن لم يحرك ساكنًا ولم يتغير أحد مما كان عليه فشق ذلك على الظاهرية وقال كل منهم في نفسه‏:‏ كأن الملك الأشرف إينال ما مات فإن الغالب منهم كان أخذ ما بيده من الإقطاعات وحبس ونفي في أول سلطنة الأشرف إينال كما هي عادة أوائل الدول وبقي منهم جماعة كثيرة بلا رزق ولا إمرة ولم يجدوا عندهم قوة ليخلعوا الملك المؤيد هذا ويسلطنوا غيره وحدهم فكلموا الأشرفية في هذا المعنى غير مرة وترفقوا لهم فلم يقبلوا منهم ذلك لنفرة كانت بين الطائفتين قديمًا وحديثًا وأيضًا فلسان حال الأشرفية يقول عندما سألوهم الظاهرية‏:‏ نحن الآن في كفاية من الأرزاق والوظائف فعلام نحرك ساكنًا ونخاطر بأنفسنا فغجزوا فيهم الظاهرية وقد ثقل عليهم الملك المؤيد وكثر خوفهم منه فإنه أول ما تسلطن أبرق وأرعد فانخزى كل أحد وحسبوا أن في السويداء رجالًا ولهذا قلت فيما تقدم‏:‏ لو فعل ما فعل لمشى له ذلك لمعرفتي بحال القوم وشجاعتهم‏.‏
وكان دخول المؤيد السلطنة بحرمة وافرة لأن سنه كان نحو الثلاثين سنة يوم تسلطن وكان ولي الأتابكية في أيام أبيه وأخذ وأعطى وسافر أمير حاج المحمل وحج قبل ذلك أيضًا وسافر البلاد ومارس الأمور في حياة والده‏.‏
وهذا كله بخلاف من تقدمه من سلاطين أولاد الملوك فإن الغالب منهم حدث السن يريد له من يدبره فإنه ما يعرف ما يراد منه فيصير في حكم غيره من الأمراء فتتعلق الآمال بذلك الأمير وتتردد الناس إليه إلى أن يدبر في سلطنة نفسه بخلاف المؤيد هذا فإنه ولي السلطنة وهو يقول في نفسه إنه يدبر مع مملكة مصر ممالك العجم زيادة على تدبير مصر‏.‏
قلت‏:‏ وكان كما زعم فإنه تقدم أنه كان عارفًا عاقلًا مباشرًا حسن التدبير عظيم التنفيذ شهمًا وكان هو المتصرف في الأمور أيام أبيه في غالب الولايات والعزل وأمور المملكة فلما تسلطن ظن كل أحد أن لا سبيل في دخول المكيدة على مثل هذا لمعرفة الناس بحذقه وفطنته‏.‏
وكان مع هذه الأوصاف مليح الشكل وعنده تؤدة في كلامه وعقل وسكوت خارج عن الحد يؤديه ذلك إلى التكبر وهذا كان أعظم الأسباب لنفور خواطر الناس عنه فإنه كان في أيام سلطنته لا يتكلم مع أحد حتى ولا أكابر الأمراء إلا نادرًا ولأمر من الأمور الضروريات وفعل ذلك مع الكبير والصغير وما كفى هذا حتى صار يبلغ الأمراء أنه في خلوته يسامر الأطراف الأوباش الذين يستحى من تسميتهم فعظم ذلك على الناس فلو كان علم الكلام مع الناس قاطبة لهان على من صعب سكاته عليه من كون الرفيع يكون مبعدًا والوضيع مقربًا فهذا أمر عظيم لا تحمله النفوس إلا غصبًا فلما وقع ذلك وجد من عنده عقد فرصة وأشاع عنه هذا المعنى وأمثاله وبشع في العبارة وشنع وقال هذا وغيره‏:‏ إنه لا يلتفت إلى المماليك ويزدريهم وهو مستعز بمماليك أبيه الأجلاب وأصهاره وحواشيه وخجداشية أبيه وبالمال الذيى خلفه أبوه ومنهم من قال أيضًا‏:‏ إنما هو مستعز بحسن تدبيره فإنه قد عبأ لكل سؤال جوابًا ولكل حرب ضربًا‏.‏
وكان مع هذا قد قمع مباشري الدولة وأبادهم وضيق عليهم ودقق في حسابهم كما هو في الخاطر وزيادة فما أحسن هذا لو كان دام واستمر‏!‏‏!‏ فنفرت قلوب المباشرين أيضًا منه وحق لهم ذلك واستمرت هذه الحرمة من يوم تسلطن إلى مجيء يحيى بن جانم نائب الشام إلى القاهرة ثم إلى أن عين التجريدة إلى البحيرة فأخذ أمره في إدبار لعدم مثابرته على سير طريقه الأول من سلطنته فلو جسر لكسر لكنه هاب فخاب ولكل أجل كتاب ولنعد إلى ذكر ما كنا بصدده‏:‏ فلما تكامل الجمع في بيت الأمير الكبير خشقدم الناصري المؤيدي ومتكلم الأشرفية جانبك المشد وجانبك الظريف الخازندار ومن معهم من خجداشيتهم الأعيان ومتكلم الظاهرية الأمير جانبك نائب جدة أحد مقدمي الألوف وأعيان خجداشيته مثل‏:‏ الأمير أزبك من ططخ الظاهري والأمير بردبك البجمقدار ثاني رأس نوبة جدة وقد وافقه الأشرفية وهم يظنون أن الجمع ما هو إلا لسلطنة الأمير جانم الشام لأنهم كانوا اتفقوا على ذلك حسبما تقدم ذكره وهو أن الظاهرية كانوا إذا شرعوا في الكلام مع الأشرفية في معنى الركوب يقولون‏:‏ ‏"‏ بشرط أن لا يكون السلطان منا ولا منكم ‏"‏ وإنما يكون من غير الطائفتين فيقع بذلك الخلف بينهم ويتفرقون بغير طائل إلى أن استرابت الظاهرية من الملك المؤيد أحمد هذا وعظم تخوفهم منه فوافقوهم على سلطنة جانم لما جاء ولده يحيى كما تقدم ذكره‏.‏

إنقلاب وتمـــــــرد
ثم وقع هذا الأمر بغتة وعلم جانبك نائب جدة أن الأمر خرج عن جانم لغيابه ولابد من سلطنة غيره لأن الأمير ما فيه مهلة فلم يبد للأشرفية شيئًا من ذلك وأخذ فيما هو بصدده إلى أن يتم الأمر لغير جانم ثم يفعل له ما بدا له وكذا وقع حسبما يأتي ذكره في مجيء جانم وفي سلطنة الملك الظاهر خشقدم‏.‏
هذا وقد جلس جميع الأمراء بمقعد الأمير الكبير خشقدم‏.‏ فعندما تكامل جلوسهم قام الأمير جانبك نائب جدة إلى مكان بالبيت المذكور ومعه الأمير جانبك الأشرفي المشد والأمير جانبك الأشرفي الظريف الخازندار والأمير أزبك من ططخ الظاهري والأمير بردبك البجمقدار الظاهري وجماعة أخر من أعيان الطائفتين وتكلموا فيمن يولونه السلطنة وغرض جانبك نائب جدة في سلطنة الأتابك خشقدم لا في سلطنة جانم نائب الشام غير أنه لا يسعه الآن إظهار ما ضميره خوفًا من نفرة الأشرفية وقال لهم ما معناه‏:‏ ‏"‏ نحن قد كتبنا للأمير جانم بالحضور وبايعناه بالسلطنة وأنتم تعلمون ذلك عن يقين وقد دهمنا هذا الأمرعلى حين غفلة فما تكون الحيلة في ذلك ولابد من قتال الملك المؤيد في يومنا والسلطان ما يقاتل إلا بسلطان مثله ومتى تهاونا في ذلك ذهبت أرواحنا ‏"‏‏.‏
فعلم كل أحد ممن حضر أن كلام جانبك نائب جدة صواب وطاوعه كل من حضر على مقالته هذه فلما وقع ذلك أجمع رأي الجميع على سلطنة أحد من أعيان الأمراء‏.‏
ثم تكلموا فيمن يكون هذا السلطان فدار الكلام بينهم في هذا المعنى إلى أن قال بعضهم‏:‏ ‏"‏ سلطنوا الأمير جرباش المحمدي الناصري أمير سلاح ‏"‏ فلم تحسن هذه المقالة ببال الأمير جانبك ولم يقدر على منعه تصريحًا وقال‏:‏ ‏"‏ جرباش أهل لذلك بلا مدافعة غير أنه متى تسلطن لا يمكنكم صرفه من السلطنة بغيره يعني بالأمير جانم تلويحًا لأنه رجل عظيم ومن الجنس وصهر خجداشنا بردبك البجمقدار وصهر خجداشكم خير بك البهلوان الأشرفي وغيره وقد قارب مجيء الأمير جانم من الشام والأمر إليكم ما شئتم افعلوا ‏"‏‏.‏
فكان هذا كله إبعادًا لجرباش المذكور وأخذًا بخواطر الأشرفيةفمال كل أحد إلى كلامه ثم قال جانبك‏:‏ ‏"‏ الرأي عندي سلطنة الأمير الكبير خشقدم المؤيدي فإنه من غير الجنس يعني كونه رومي الجنس وأيضًا إنه رجل غريب ليس له شوكة ومتى أردتم خلعه أمكنكم ذلك وحصل لكم ما تقصدونه من غير تعب ‏"‏‏.‏
فأعجب الجميع هذا الكلام وهم لا يعلمون مقصوده ولا غرضه فإن جل قصد جانبك كان سلطنة خشقدم فإنه مؤيدي وخجداشيته جماعة يسيرة وأيضًا يستريح من جانم نائب الشام وتحكم أعدائه الأشرفية فيه وفي خجداشيته الظاهرية ويعلم أيضًا أنه متى تم سلطنة الأتابك خشقدم وأقام أيامًا عسر خلعه وبعدت السلطنة عن جانم وغيره فدبر هذه المكيدة على الأشرفية فمشت عليهم أولًا إلى أن ملكوا القلعة وخلع الملك المؤيد بسرعة فتنبهوا لها‏.‏
وكانت الأشرفية لما سمعوا كلام جانبك وقالوا‏:‏ ‏"‏ نعم نرضى بالأمير الكبير ‏"‏ كان في ظنهم أن قتالهم يطول مع الملك المؤيد أيامًا كثيرة كما وقع في نوبة المنصور عثمان ويأتيهم جانم وهم في أشد القتال فلا يعدلون عنه لخشقدم فيتم لهم ما قصدوه فاتفقت كل طائفة مع الآخرى في الظاهر وباطن كل طائفة لواحد فساعد الدهر الظاهرية وانهزم الملك المؤيد في يوم واحد حسبما نذكره الآن‏.‏
فلما وقع هذا الكلام جاءت الطائفتان الأشرفية والظاهرية إلى الأمراء وهم جلوس بمقعد الأمير الكبير خشقدم والجميع جلوس بين يدي خشقدم فافتتح الأمير جانبك نائب جدة الكلام وقال‏:‏ ‏"‏ نحن يعني الظاهرية والأشرفية نريد رجلًا نسلطنه يكون لا يميز طائفة على أخرى بل تكون جميع الطوائف عنده سواء في الأخذ والعطاء والولاية والعزل وأن يطلق الأمراء المحبوسين من سائر الطوائف ويرسم فى سلطنته بمجيء المنفيين من البلاد الشامية وغيرها إلى البلاد المصرية ويطلق الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباي والملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق من برجي الإسكندرية ويسكنا الإسكندرية في أي دار شاءا ويأذن لهما في الركوب إلى الجامع وغيره بثغر الإسكندرية من غير تحفظ بهما ‏"‏‏.‏
وكان كلام الأمير جانبك لجميع الأمراء لم يخص أحدًا منهم بكلام دون غيره فبادر الأتابك خشقدم بالكلام وقال‏:‏ ‏"‏ نعم ‏"‏ ثم التفت جانبك إلى الجميع وقال‏:‏ ‏"‏ فمن يكون السلطان على هذا الحكم ‏"‏ فبدأ سنقر قرق شبق الأشرفي الزردكاش وقال ما معناه‏:‏ ‏"‏ ما نرضى إلا بالأمير جانم نائب الشام أنتم كتبتم له بالحضور وأذعنتم بسلطنته فكيف تسلطنوا غيره فنهره الأمير خيربك من جديد الأشرفي لنفس كان بينهما قديمًا وقال‏:‏ ‏"‏ لست بأهل الكلام في مثل هذا المجلس ‏"‏‏.‏
فعند ذلك قال الأمير قانم التاجر المؤيدي أحد مقدمي الألوف ما معناه‏:‏ ‏"‏ يا جماعة إن كنتم كاتبتم الأمير جانم نائب الشام فلا تسلطنوا غيره إلى أن يحضر وسلطنوه فإنه لا يسعكم من الله أن تسلطنوا غيره الآن ثم تخلعوه عند حضور جانم فهذا شيء لا يكون ‏"‏ فلم يسمعوا كلامه وسمع في الغوغاء قول قائل لا يعرف‏:‏ ‏"‏ سلطنوا الأمير جرباش‏!‏ ‏"‏‏.‏
فامتنع جرباش من ذلك وقال ما معناه‏:‏ ‏"‏ إن هذا شيء راجع إلى الأمير الكبير ‏"‏ وقبل الأرض من وقته‏.‏ فقام الأمير جانبك الأشرفي الظريف الخازندار وبادر بأن قال‏:‏ ‏"‏ السلطان الأمير الكبير ‏"‏ وقبل الأرض‏.‏
ثم فعل ذلك جميع من حضر من الأمراء ونودي بالحال بسلطنته بشوارع القاهرة ثم شرعوا بعد ذلك في قتال الملك المؤيد أحمد هذا‏.‏ كل ذلك والملك المؤيد في القلعة في أناس قليلة من مماليكه ومماليك أبيه الأجلاب ولم يكن عنده من الأمراء أحد غير مملوك والده قراجا الطويل الأعرج أحد أمراء العشرات وهو كلا شيء والأمير آخور الكبير برسباي البجاسي وليته لا كان عنده خيربك القصروي نائب قلعة الجبل وكان أضر عليه من كل أحد حسبما يأتي ذكر فعله‏.‏
كل ذلك والملك المؤيد لا يعلم حقيقة ما العزم فيه غير أنه يعلم باجتماع المماليك والأمراء في بيت الأمير الكبير خشقدم وأنهم في أمر مريج غير أنه لا يعرف نص ما هم فيه‏.‏ وصار الملك المؤيد يسأل عن أحوالهم وينتظر مجيء أحد من مماليك أبيه إليه فلم يطلع إليه أحد منهم بل العجب أن غالبهم كان مع القوم عند الأمير الكبير مساعدة علي ابن أستاذهم وليتهم كانوا من المقبولين وإنما كانوا من المذبذبين لا غير‏.‏
على أن الملك الظاهر خشقدم لما تسلطن أبادهم وشوش عليهم بالمسك وإخراج أرزاقهم أكثر مما عمله مع الذين كانوا عند المؤيد فلا شلت يداه‏.‏ وبقي الملك المؤيد كلما فحص عن أمر الفتنة لا يأتيه أحد بخببر شاف بل صارت الأخبار عنده مضطربة وآراؤه مفلوكة وهو في عدم حركة ويظهر عدم الاكتراث بأمر هذا الجمع إلى أن تزايد الأمر وخرج عن الحد وصار اللعب جدًا فعند ذلك تأهب من كان عنده من المماليك وقام الملك المؤيد من قاعة الدهيشة ومضى إلى القصر السلطاني المطل على الرميلة ثم نزل بمن معه إلى باب السلسلة وقبل أن يصل إلى الإسطبل جاءه الخبر بأن القوم أخذوا باب السلسلة وملكوا الإسطبل السلطاني وأخذوا الأمير برسباي البجاسي الأمير آخور الكبير أسيرًا إلى الأمير الكبير خشقدم وكان أخذ باب السلسلة مكيدة من برسباي المذكور‏.‏
فلما سمعت الأجلاب أخذ باب السلسلة نزل طائفة منهم وصدموا من بها من عساكر الأتابك خشقدم صدمة هزموهم فيها واستولوا على باب السلسلة ثانيًا وهو بلا أمير آخور‏.‏
وجلس السلطان الملك المؤيد بمقعد الإسطبل المطل على الرميلة وكان عدم نزول المؤيد إلى الإسطبل بسرعة له أسباب منها‏:‏ أنه كان مطمئن الخاطر على باب السلسلة لكون الأمير آخور برسباي ليس هو من غرض أحد من الطائفتين وأيضًا كونه صهره زوج بنت أخته من الأمير بردبك الدوادار الثاني وقد صار بردبك من الممسوكين عند الأتابك خشقدم وأيضًا أن والده إينال هو الذي رقاه وخوله في النعم فلم يلتفت برسباي لشيء من ذلك وأنشد قول من قال‏:‏ الوافر لعمرك و الأمور لها دواع لقد أبعدت يا عتب الفرارا ومنها‏:‏ أنه صار ينتظر من يأتيه من أصحابه وحواشيه وخجداشية أبيه و مماليكه فلم يأته أحد منهم‏.‏
فلما يئس منهم قام من الدهيشة بعد أن جاءه الخبر بأخذ باب السلسلة واسترجاعها بيد مماليك أبيه الأجلاب‏.‏ ولما جلس بالمقعد و رأى القوم قد تكاثف جمعهم وكثر عددهم وهو فيما هو فيه من قلة العساكر و المقاتلة لم يكترث بذلك وأخذ في الدفع عن نفسه بمن عنده‏.‏
غير أن الكثرة غلبت الشجاعة وما ثم شجاعة ولا دربة بمقاومة الحروب وصار كذلك خذلانًا من الله تعالى‏:‏ فإنه لم يطلع إليه في هذا اليوم واحد من مماليك أبيه القديمة ولا خجداشيته وما كان عنده من الأمراء غير قراجا المقدم ذكره ومن أعيان الخاصكية فارس البكتمري أحد الدوادارية الأجناد ومقبل دواداره قديمًا قبل سلطنته وهؤلاء الثلاثه كلا شيء ولولا ذكر أسماء من كان عنده علم خبر ما ذكرت مثل هؤلاء الأصاغر‏.‏
وكان عنده مع هؤلاء أجلاب أبيه الذين بالأطباق وهم عدة كبيرة نحو الألف أو دونها بيسير أو أكثر منها بقليل وهم الذين اشتراهم والده الأشرف بعد سلطنته من التجار وأما الذين اشتراهم من تركة الظاهر جقمق و من مماليك ولده الملك المنصور عثمان وعدتهم تزيد على المائتين وهم أعيان مماليك الأشراف إينال وأصحاب الوظائف والإقطاعات فقد استمالهم الأمير جانبك نائب جدة قبل ذلك وقال لهم‏:‏ ‏"‏ أنتم ظاهرية وشراء الأشرف لكم غير صحيح ‏"‏ فمالوا إلى كلامه وإحسانه وعطاياه الخارجة عن الحد في الكرم وصاروا من حزب الظاهرية‏.‏
و ركبت الجميع معه في هذا اليوم وقاتلوا ابن أستاذهم أشد قتال وصاروا هم يوم ذلك أعيان العسكر بالشبيبة والإمكان والكثرة هذا مع من كان الأتابك خشقدم من الناصرية والمؤيدية والظاهرية والسيفية‏.‏ فلما رأى الملك المؤيد كثرة هذه العساكر وميل مماليك والده معهم تعجب غاية العجب وعلم أن ذلك أمر رباني ليس فيه حيلة وما هو إلا بذنب سلف دعوة مظلوم غفلوا عنها لم يغفل الله عنها أو للمجازاة لأن الجزاء من جنس العمل وقد ركب أبوه الملك الأشرف إينال على الملك المنصور عثمان بعا أن تخول في نعم الظاهر جقمق فإنه هو الذي رقاه وولاه الأتابكية فغدر به وخلعه من الملك وتسلطن مكانه وحبسه إلى أن مات‏.‏
وأغرب من هذا كله أن الملك المؤيد هذا كان له أيام والده جماعة كبيرة من أعيان الظاهرية والأشرفية والسيفية يصحبونه ويمشون في خدمته ويتوجهون معه في الرمايات والأسفار وإحسانه متصل إليهم من الآنعام والمساعدة في الأرزاق والوظائف فلم يطلع إليه واحد منهم وأيضًا فاؤوا الجميع للأتابك خشقدم ومن معه قبل أن يستفحل أمر خشقدم ويضعف أمر المؤيد فما ذاك إلا عدم موافاة لا غير‏.‏
وأعجب من هذا أن أصحاب المؤيد ومماليك أبيه الذين تقدم ذكرهم ممن انضاف مع الأتابك خشقدم كانوا يوم الواقعة من الممقوتين لا من المتأهلين وذل الإبعاد لائح عليهم وكان يمكنهم تلافي الأمر والطلوع إلى الملك المؤيد ومساعدته فلم يقع ذلك فهذا هو السبب لقولي‏:‏ إن هذا كله مجازاة لفعل والده السابق وقد ورد في الإسرائيليات‏:‏ ‏"‏ يقول الرب‏:‏ يا داود أنا الرب الودود أعامل الأبناء بما فعل الجدود ‏"‏‏.‏
ثم التحم القتال بين الطائفتين مناوشة لا مصاففة غير أن كلا من الطائفتين مصر على قتال الطائفة الآخرى والملك المؤيد في قلة عظيمة من المقاتلة ممن يعرف مواقع الحرب وليس معه إلا أجلاب وهذا شيء لم يقع لأحد غيره من السلاطين أولاد السلاطين فإن الناس لم تزل أغراضًا ووقع ذلك للعزيز مع الملك الظاهر جقمق فكان عند العزيز جماعة كثيرة من الأمراء والأعيان لا تدخل تحت حصر وكذلك للمنصور عثمان مع الملك الأشرف إينال وكان عنده خلائق من أعيان الأمراء مثل الأمير تنم المؤيدي أمير سلاح ومثل الأمير قاني باي الجاركسي الأمير آخور الكبير وغيرهما من أعيان أمراء أبيه ولا زالت الدنيا بالغرض فقوم مع هذا وقوم مع هذا‏.‏
غير أن الملك المؤيد هذا لم يكن عنده أحد البتة فانقلب الموضوع في شأنه فإنه كان يمكن الذي وقع له يكون للعزيز والمنصور فإنهما كانا حديثي سن والذي وقع لهما أعني العزيز والمنصور كان يكون للمؤيد لأنه كبير سن وصاحب عقل وتدبير فسبحان الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد‏.‏
قلت‏:‏ ولهذا لم تطل وقعة المؤيد هذا فإنه علم بذلك زوال ملكه وتركه برسباي البجاسي الأمير آخور وخيربك القصروي نائب قلعة الجبل ونزلا إلى الأتابك خشقدم فإن العادة في الحروب إذا كان كل من الطائفتين يقابل الآخرى في القوة والكثرة يقع القتال بين الطائفتين وكل من الطائفتين يترجى النصرة إلى أن يؤول النصر لإحدى الطائفتين وتذهب الآخرى إلا هذه الوقعة لم يكن عند اامؤيد إلا من ذكرناه‏.‏
وأما عساكر الأتابك خشقدم فانتشرت على مفارق الطرق فوقف الأمير جانبك الظاهري نائب جدة بجماعة كثيرة من خجداشيته ومماليكه برأس سويقة منعم وتلقى قتال الملك المؤيد بنفسه وبحواشيه المذكورين وعظم أمر الأمير الكبير خشقدم به حتى تجاوز الحد واجتهد جانبك المذكور في حرب المؤيد حتى أباده‏.‏
وكان الملك المؤيد أولًا يقرب جانبك هذا في ابتداء سلطنته تقريبًا هينًا مع عدم التفات إليه ولا إلى غيره لأنه كان يقول في نفسه‏:‏ إن ابتداءه كانتهاء أبيه في العظمة ولما تسلطن أخذ في الأمر والنهي أولًا بغير حساب عواقب استعزازًا بكثرة ماله وبحواشيه ومماليك أبيه فسار في الناس بعدم استمالة خواطرهم وسار على ذلك مدة أيام وجعل جانبك هذا في أسوة من سلك معهم هذه الفعلة فاستشارني جانبك في أن يداخله لعله يرقع عليه أمره فإنه ما كان حمولًا للذل وإنما كان طبعه أن يبذل المال الجزيل في القدر اليسير في قيام الحرمة فأشرت عليه بالمداخلة فداخله‏.‏
وكنت أنا قبل ذلك داخلته أيامًا فإذا به جامد نفور بعيد الاستمالة إلا لمن ألفه وحدثته بما رأيته منه قبل أن أشير عليه بصحبته فقال ما معناه‏:‏ إني أنا آخذ الشيء بعزة وتمهل وهو يدور مع الدهر كيفما دار‏.‏
ثم اجتمع بي بعد مدة أيام في يوم الجمعة بعد أن صلى معه الجمعة وقلع ما عليه من قماش الموكب ودخل إليه في الخلوة بقاعة الدهيشة ثم خرج من عنده وهو غير منشرح الصدر وقال لي‏:‏ ‏"‏ القول ما قلته ‏"‏‏.‏ ثم شرعنا فيما نحن في ذكره مجلسًا طويلًا وقمناعلى غير رضاء من الملك المؤيد‏.‏
ووقع في أثناء ذلك ما ذكرناه من أمر الوقعة والفتنة ووقوف جانبك ومن معه برأس سويقة منعم هذا مع ما كان بلغ المؤيد في هذا اليوم وفي أمسه أن القائم بهذا الأمر كله جانبك نائب جدة وأنه هو أكبر الأسباب في زوال ملكه وفي اجتماع الناس على الأتابك خشقدم‏.‏
ثم رأى في هذا اليوم بعينه من قصر القلعة وقوف جانبك على تلك الهيئة فعلم أن كل ما قيل عنه في أمسه ويومه صحيح فأخذ عند ذلك يعتذر وكتب كتابًا للأمير جانبك بخطه يعده فيه بأمور منها‏:‏ أنه يجعله إن دخل في طاعته أتابك العساكر بالديار المصرية وأنه لا يخرج عن أوامره وأنه يكون هو صاحب عقده وحله ويترقق له وبسط الكلام في معنى ما ذكرناه أسطرًا كثيرة وهو يكرر السؤال فيه ويحلف له فيما وعده به ورأيت أنا الكتاب بعيني وفيه لحن كثير كأنه كان ما مارس العربية ولا له إلمام بالمكاتبات على أنه كان حاذقًا فطنًا غير أن الفضيلة نوع آخر كما كانت رتبة المقام الناصري محمد ابن الملك الظاهر جقمق رحمهما الله تعالى فلم يرث جانبك لما تضمن هذا الكتاب ودام على ما هو عليه ونهر قاصده الحامل لهذا الكتاب وقال له‏:‏ ‏"‏ إن عدت إلي مرة أخرى أرسلتك إلى الأمير الكبير ‏"‏‏.‏
واستمر على ما هو عليه من الاجتهاد في القتال وصار أمر الملك المؤيد في إدبار وعساكر الأتابك خشقدم في نمو وزيادة‏.‏
هذا والمناوشة بالقتال مستمرة بين الطائفتين وقد أفطر في هذا اليوم خلائق من شدة الحر وتعاطي القتال من الطائفتين وجرح جماعة كثيرة من الفريقين فلم ينقض النهار حتى آل أمر الملك إلى زوال وهو مع ذلك ينتظر من يجيء إليه لمساعدته وهو بين عسى ولعل وكاتب جماعة من أصحابه ممن كان عند الأتابك خشقدم فلم يلتفت إليه أحد لتحقق الناس زوال ملكه‏.‏
وبينما الناس في ذلك و إذا بخيربك القصروي نائب قلعة الجبل ترك باب المدرج ونزل إلى الأمير الكبير خشقدم وصار من حزبه فعلم كل أحد أنه قد ذهب أمر الملك المؤيد ولو كان فيه بقية ما نزل نائب القلعة منها وانضاف إلى جهة الأمير الكبير‏.‏
وبقي باب القلعة بغير ضابط فأرسل الملك المؤيد في الحال بعض أصحابه وجلس مكان خيربك هذا فلم يشكر أحد خيربك المذكور على فعلته هذه‏.‏
كل ذلك وأمر المؤيد في انحطاط فاحش وصارت العامة تسمعه المكروه من تحت القلعة لا سيما لما دخل الليل فإنه بات بالقصر في قلة من الناس إلى الغاية لأن غالب من كان عنده تركه ونزل إلى تحت وكانوا في الأصل جمعًا يسيرًا وبات من هو أسفل وقد استفحل أمرهم وتأهبوا للقتال في غد وهمتهم قد عظمت من كثرة عددهم وتكاثف عساكرهم من كل طائفة حتى من ليس له غرض عند أحد بعينه جاء إلى الأمير الكبير مخافة على رزقه ونفسه لما علم من قوة شوكة الأمير الكبير وما يؤول أمره إليه‏.‏
هذا مع حضور الخليفة والقضاة الأربعة عند الأمير الكبير وجميع عيان الدولة من المباشرين وأرباب الوظائف وغيرهم والملك المؤيد في أناس قليلة جدًا‏.‏ ومضت ليلة الأحد المذكور والملك المؤيد في أقبح حال‏.‏
هذا وقد علم ترجي من كان عنده بالقلعة من نصرته وتقاعد غالب من كان عنده عن القتال وهم الأجلاب من مماليك أبيه لا غير‏.‏ فلما أصبح نهار الأحد تاسع عشر شهر رمضان من سنة خمس وستين وثمانمائة ظهر ذلك عليهم وبردت همتهم وركضت ريح عزائمهم وأخذ كل احد من أصحابه في مصلحة نفسه إما بالإذعان للأمير الكبير خشقدم أو بالتجهز للهرب والاختفاء‏.‏ وظهر ذلك للملك المؤيد عيانًا فأراد أن يسلم نفسه ثم أمسك عن ذلك من وقته‏.‏
كل ذلك وأصحاب الأمير الكبير لا يعلمون بذلك فقد أصبحوا في أفحل أمر وأقوى شوكة وأكثر عدد وقد تهيؤوا في هذا اليوم للقتال ومحاصرة قلعة الجبل زيادة على ما كانوا عليه في أمسه وفي نفوسهم أن أمر القتال يطول بينهم أيامًا‏.‏ وبينا هم في ذلك ورد عليهم خبر الملك المؤيد مفصلًا وحكي لهم انحلال برمه وانفلاك أمره وما هو فيه من أنه أراد غير مرة تسليم نفسه وزاد الحاكي وأمعن لغرض ما فقوى بذلك قلوب من هو أسفل وتشجع كل جبان فطلب المبارزة كل مول وتقدم كل من كان خاف هذا من هؤلاء فكيف أنت بالشجاع المقدام‏!‏‏.‏
فعند ذلك اجتمعوا على القتال وزحفوا على القلعة بقلب رجل واحد فقاتلهم عساكر الملك المؤيد قتالًا ليس بذاك ساعة هينة‏.‏ فلما رأى الملك المؤيد أن ذلك لا يفيده إلا شدة وقسوة أمر عساكره ومقاتلته بالكف عن القتال وقام من وقته وطلع القلعة بخواصه وأمر أصحابه بالآنصراف إلى حيث شاؤوا‏.‏
ثم دخل هو إلى والدته خوند زينب بنت البدري حسن بن خاص بك وترك باب السلسلة لمن يأخذه بالتسليم وتمزقت عساكره في الحال كأنها لم تكن وزال ملكه في أقل ما يكون فسبحان من لا يزول ملكه وبقاؤه الدائم الأبدي‏.‏ فلما بلغ الأمير الكبير خشقدم الخبر قام من وقته بمن معه من أصحابه وعساكره وطلع إلى باب السلسلة واستولى على الإسطبل السلطاني وملك قلعة الجبل أيضًا في الحال من غير مقاتل ولا مدافع وأمر الأمير الكبير في الحال بقلع السلاح وآلة الحرب وسكن الأمر وخمدت الفتنة كأنها لم تكن‏.‏
ثم أرسل الأتابك خشقدم في الحال جماعة من أصحابه قبضوا على الملك المؤيد أحمد هذا من الدور السلطانية فأمسك من غير ممانعة وسلم نفسه وأخرج من الدور إلى البحرة من الحوش السلطاني وحبس هناك بعد أن قئد واحتفظ به‏.‏ وأمسك أخوه محمد أيضًا وحبس معه بالبحرة فخرجت والدتهما خوند زينب المقدم ذكرها معهما وأقامت عندهما بالبحرة المذكورة وقد علمت وعلم كل أحد أيضًا بأن الذي وقع لهم من زوال ملكهم في أسرع وقت إنما هو بدعوة مظلوم غفلوا عنها لم يغفل الله عنها ولله در القائل‏:‏ الوافر أرى الدنيا تقول بملء فيها حذار حذار توبيخي وفتكي قلت‏:‏ ‏"‏ على قدر الصعود يكون الهبوط وكما تدين تدان وما ربك بظلام للعبيد والجزاء من جنس العمل ‏"‏‏.‏
وكأن لسان حال إسكندرية قبل ذلك يقول‏:‏ ‏"‏ كل ثان لا بد له من ثالث ‏"‏‏.‏ فالأول ممن كان فيها من السلاطين أولاد الملوك‏:‏ الملك العزيز ابن الملك الأشرف برسباي وقد خلعه الملك الظاهر جقمق وتسلطن مكانه ثم الملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق خلعه الملك الأشرف إينال وتسلطن عوضه وهو الثاني فاحتاجت الإسكندرية إلى ثالت ليجازى كل على فعله فكان المؤيد هذا خلعه الملك الظاهر خشقدم وتسلطن مكانه واستولى على جميع حواصل الملك المؤيد وذخائره فلم يجدوا فيها ما كان في ظنهم فطلبوا منه المال فذكر أنه أصرف جميع ما كان في خزانة والده في نفقة المماليك السلطانيه لما تسلطن ولم يبق في الخزانة إلا دون المائة ألف دينار‏.‏ ثم تتبعوا حواصله وحواشيه بعد ذلك فأخذوا منهم زيادة على مائة ألف دينار وبعض متاع وصيني وقماش‏.‏ واستمر الملك المؤيد محتفظًا به بالبحرة



 

============================================================

 

 

 

 

 

Home | برقوق بن آنص191/ 1م.ج | حاجى 192/ 2 م.ج | برقوق بن آنص193/ 3م.ج | فرج194/ 4 م.ج | عبد العزيز195/ 5/ م.ج | فرج 196/ 6 م.ج | سلطان وخليفة 197/ 7م.ج | شيخ198/ 8 م.ج | أحمد 199/ 9 م.ج | ططر 200/ 10 م.ج | محمد ططر201/ 11 م.ج | برسباى 202/ 12 م.ج | يوسف203/ 13 م.ح | جقمق204/ 14 م.ج | عثمان 205/ 15 م.ج | إينال 206/ 16 م.ج | أحمد | خشقدم | يلباى | تمبرغا | قايتباى | الغورى

This site was last updated 07/01/09