Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

سلطنة الملك الظاهر أبي سعيد جقمق على مصر 204/ 14 م.ج

هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وتبلغ حوالى 30000موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على صفحة الفهرس http://www.coptichistory.org/new_page_598.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر

Home
Up
برقوق بن آنص191/ 1م.ج
حاجى 192/ 2 م.ج
برقوق بن آنص193/ 3م.ج
فرج194/ 4 م.ج
عبد العزيز195/ 5/ م.ج
فرج 196/ 6 م.ج
سلطان وخليفة 197/ 7م.ج
شيخ198/ 8 م.ج
أحمد 199/ 9 م.ج
ططر 200/ 10 م.ج
محمد ططر201/ 11 م.ج
برسباى 202/ 12 م.ج
يوسف203/ 13 م.ح
جقمق204/ 14 م.ج
عثمان 205/ 15 م.ج
إينال 206/ 16 م.ج
أحمد
خشقدم
يلباى
تمبرغا
قايتباى
الغورى

Hit Counter

 

****************************************************************************************

 الجزء التالى عن المماليك الذين حكموا مصر وهم تحت إستعمار الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

****************************************************************************************

 

سلطنة الملك الظاهر أبي سعيد جقمق على مصر سنة 842 هـ .

سلطنة الظاهر أبي سعيد جقمق السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد جقمق العلائي الظاهري الجركسي وهو الرابع والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية والعاشر من الجراكسة وأولادهم‏.‏
تسلطن بعد خلع الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباي باتفاق الأمراء وأعيان المملكة على سلطنته‏.‏
ولما تم أمره استدعي الخليفة المعتضد بالله داؤد والقضاة الأربعة والأمير قرقماس أمير سلاح وسائر الأمراء وجميع أعيان الدولة إلى الحراقة بباب السلسلة من الإسطبل السلطاني وجلس كل واحد في مجلسه‏.‏ فافتتح الأمير قرقماس بالكلام مع الخليفة والقضاة بأن قال‏:‏ ‏"‏ السلطان صغير والأحوال ضائعة لعدم اجتماع الكلمة في واحد بعينه‏.‏
ولابد من سلطان ينظر في مصالح المسلمين وينفرد بالكلمة ولم يكن يصلح لهذا الأمر سوى الأمير الكبير جقمق هذا ‏"‏‏.‏ فقال جقمق‏:‏ ‏"‏ هذا لا يتم إلا برضا الأمراء والجماعة ‏"‏‏.‏ فصاح الجميع‏:‏ ‏"‏ نحن راضون بالأمير الكبير ‏"‏‏.‏ فعند ذلك مد الخليفة يده وبايعه بالسلطنة ثم بايعه القضاة والأمراء على العادة‏.‏ ثم قام من فوره إلى مبيت الحراقة ولبس الخلعة الخليفتية السوداء وتقلد بالسيف وخرج ركب فرسا أعد له بأبهة السلطنة وشعار الملك وحملت على رأسه القبة والطير حملها الأمير قرقماس أمير سلاح والأمراء مشاة بين يديه وسار إلى أن طلع إلى القصر السلطاني بقلعة الجبل وجلس على تخت الملك وقبل الأمراء الأرض بين يديه على العادة‏.‏
وكان جلوسه على تخت الملك في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة على مضي سبع عشرة درجة من النهار المذكور والطالع برج الميزان بعشر درجات وخمس وعشرين دقيقة وكانت الشمس في السادس والعشرين من السنبلة والقمر في العاشر من الجوزاء وزحل في الثاني والعشرين من الحمل والمشتري في السابع عشر من القوس والمريخ في الخامس من الميزان والزهرة في الحادي عشر من الأسد وعطارد في الرابع عشر من السنبلة والرأس في الثاني من الميزان‏.‏
أصل الملك الظاهر جقمق وقدومه إلى مصر ونسبته بالعلائي ثم بالظاهري فنقول‏:‏ كان جاركسي الجنس وأخذ من بلاده صغيرًا فاشتراه خواجا كزلك وكزلك بفتح الكاف وسكون الزاي وفتح اللام وكسرها وسكون الكاف الثانية‏.‏ وجلبه خواجا كزلك المذكور إلى الديار المصرية فابتاعه منه الأتابك إينال اليوسفي وقيل ولده أمير علي بن إينال المذكور وهو الأصح ورباه عنده وأرسله مع والدته إلى الحج‏.‏
ثم عاد جقمق إلى القاهرة في خدمة والدة أمير علي المذكور وكانت والدة أمير علي متزوجة بشخص من الأجناد من أمير آخورية السلطان يسمى نغتاي‏.‏ ونغتاي بفتح النون والغين المعجمة وبعدهما تاء مفتوحة وألف وياء ساكنة‏.‏
ولما قدم جقمق إلى القاهرة أقام بها مدة يسيرة وتعارف مع أخيه جاركس القاسمي المصارع وكان جاركس يوم ذاك من أعيان خاصكية أستاذه الملك الظاهر برقوق فكلم جاركس الملك الظاهر برقوقًا في أخذ جقمق هذا من أستاذه أمير علي بن إينال فطلبه الملك الظاهر منه في سرحة سرياقوس وأخذه وأعطاه لأخيه جاركس إنيًا بطبقة الزمام من قلعة الجبل‏.‏
وقد اختلفت الأقوال في أمر عتقه‏:‏ فمن الناس من قال إن أمير علي كان أعتقه قبل أن يطلبه الملك الظاهر منه فلما طلبه الملك الظاهر سكت أمير علي عن عتقه لتنال جقمق السعادة بأن يكون من جملة مشتروات الملك الظاهر وكان كذلك‏.‏ وهذا القول هو الأقوى والمتواتر بين الناس ولما يأتي بيانه‏.‏
ومن الناس من قال إنه كان في الرق وقدمه أمير علي إلى الملك الظاهر لما طلبه منه ولو كان حرًا يوم ذاك لاعتذر بعتقه‏.‏ وهذا أيضًا مقبول غير أن الذي يقوي القول الأول يحتج بأن الملك الظاهر جقمق هذا لما كان أمير طبلخاناه وخازندارًا في الدولة المؤيدية شيخ أخذ الشهابي أحمد بن أمير علي بن إينال اليوسفي وهو صغير ووقف به إلى السلطان الملك المؤيد وسأل السلطان فيه ليكون من جملة المماليك السلطانية فسأل المؤيد عن أحمد المذكور فقال جقمق‏:‏ ‏"‏ يا خوند هذا ابن استاذي أمير علي ‏"‏ فقال المؤيد‏:‏ ‏"‏ ومن أين يكون هذا ابن استاذك الملك الظاهر أعتقك بحضرتنا الجميع وأخرج لك خيلًا على العادة ‏"‏‏.‏
فقال جقمق‏:‏ ‏"‏ نعم هو كما قال السلطان غير أن أمير علي كان أعتقني قبل ذلك وسكت عن عتقي لما طلبني الملك الظاهر منه ‏"‏‏.‏ فغضب الملك المؤيد من ذلك ووبخه كونه أنكر عتاقة الملك الظاهر له واعترف بعتاقة أمير علي ولم ينزل لذلك أحمد المذكور في جملة المماليك السلطانية فأخذه جقمق عنده وتولى تربيته‏.‏ قلت‏:‏ وعندي اعتراض آخر وهو أنه يمكن أن الملك الظاهر كان هو الذي أعتقه وإنما أراد الملك الظاهر جقمق بقوله إن أمير علي أعتقه ليعظم الأمر على الملك المؤيد لينزل أحمد المذكور في جملة المماليك السلطانية لكثرة حنوه على أحمد المذكور ولم يدر أن الملك المؤيد يغضبه ذلك فإنه يقال في الأمثال‏:‏ ‏"‏ صاحب الحاجة أعمى لا يريد إلا قضاءها ‏"‏‏.‏ وكان الملك الظاهر جقمق في طبعه الرأفة والشفقة على أيتام الأجانب فكيف الأقارب ولا أستبعد ذلك - انتهى‏.‏
فنقول‏:‏ واستمر جقمق هذا عند أخيه بطبقة الزمام مدة يسيرة وأعتقه الملك الظاهر برقوق وأخرج له خيلًا وقماشًا على العادة بمفرده وهو أن بعض المماليك السلطانية من طبقة الزمام المذكورة توفي فقام جاركس في مساعدة أخيه جقمق هذا حتى أخذ له جامكيته وخيله‏.‏ وأعتقه الملك الظاهر ثم جعله بعد قليل خاصكيًا كل ذلك بسفارة أخيه جاركس المذكور‏.‏
واستمر جقمق خاصكيًا إلى مات الظاهر برقوق وصار ساقيًا في سلطنة الملك الناصر فرج ثم تأمر عشرة إلى أن خرج أخوه جاركس عن طاعة الملك الناصر فرج فأمسك السلطان جقمق هذا وحبسه بواسطة عصيان أخيه فدام في السجن إلى أن شفع فيه الوالد وجمال الدين يوسف الأستادار وأطلق من السجن‏.‏
ثم قتل جاركس فانكف جقمق هذا عن الدولة بتلطف إلى أن قتل الملك الناصر وملك شيخ المحمودي الديار المصرية فأنعم عليه بإمرة عشرة ثم نقله بعد سلطنته بمدة إلى إمرة طبلخاناه جعله خازندارًا كبيرًا بعد انتقال الأمير يونس الركني إلى نيابة غزة‏.‏ ثم نقل إلى إمرة مائة وتقدمة ألف في دولة المظفر أحمد ابن الملك المؤيد شيخ‏.‏
ثم صار حاجب الحجاب بعد الأمير طرباي في أواخر الدولة الصالحية محمد أو في أوائل الدولة الأشرفية برسباي‏.‏ ثم نقل إلى الأمير آخورية الكبرى عوضًا عن الأمير قصروه من تمراز بحكم انتقال قصروه إلى نيابة طرابلس في أوائل صفر من سنة ست وعشرين وثمانمائة وتولى الحجوبية من بعده الأمير جرباش الكريمي المعروف بقاشق‏.‏
ثم نقل من الأمير آخورية إلى إمرة سلاح بعد إينال الجكمي واستقر عوضه في الأمير آخورية الأمير حسين بن أحمد البهسني التركماني المدعو تغري برمش‏.‏ ودام على ذلك سنين إلى أن نقل إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية‏.‏ عوضًا عن إينال الجكمي أيضًا بحكم انتقال الجكمي إلى نيابة حلب بعد عزل قرقماس الشعباني وقدومه على إقطاع إينال الجكمي مقدم ألف بالقاهرة‏.‏ فاستمر أتابكًا إلى أن مات الملك الأشرف برسباي في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة بعد أن أوصى جقمق على ولده وجعله مدبر مملكته إلى أن صار من أمره ما رقاه إلى السلطنة‏.‏ انتهى‏.‏

 ولما جلس الملك الظاهر جقمق على تخت الملك وتم أمره وخلع على الخليفة وعلى الأمير قرقماس وقيد لهما فرسين بقماش ذهب ولقب بالملك الظاهر أبي سعيد جقمق‏.‏ ثم نودي في الحال بالقاهرة ومصر بسلطنته والدعاء له وأن النفقة لكل ملوك من المماليك السلطانية مائة دينار فابتهج الناس بسلطنته‏.‏
ثم أمر السلطان فقبض على الطواشي صفي الدين جوهر الجلباني الحبشي لالا الملك العزيز وهو يومئذ زمام الدار السلطاني وخلع على الزيني فيروز ثم أصبح في يوم الخميس العشرين من شهر ربيع الأول المذكور خلع على الأمير قرقماس الشعباني الناصري - أمير سلاح المعروف بأهرام ضاغ - باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضًا عن نفسه وخلع على الأمير آقبغا التمرازي أمير مجلس باستقراره أمير سلاح عوضًا عن قرقماس المذكورة وخلع على الأمير يشبك السودوني حاجب الحجاب باستقراره أمير مجلس عوضًا عن آقبغا التمرازي‏.‏
وكان السلطان خير تمراز القرمشي رأس نوبة النوب في وظيفة أمير مجلس أو الأمير آخورية الكبرى فمال إلى الأمير آخورية الكبرى فخلع عليه بها عوضًا عن الأمير جانم الأشرفي بحكم حبسه بثغر الإسكندرية‏.‏ وخلع على أركماس الظاهري الدوادار الكبير باستمراره على وظيفة الدوادارية وعلى الأمير قراخجا الحسني الظاهري باستقراره رأس نوبة النوب عوضًا عن تمراز القرمشي وعلى الأمير تغري بردي البكلمشي المؤذي باستقراره حاجب الحجاب عوضًا عن يشبك السودوني وعلى الأمير تنبك البردكي أحد أمراء الألوف باستقراره في نيابة قلعة الجبل ثاني مرة عوضًا عن تنبك النوروزي الجقمقي وخلع على الأمير قراجا الأشرفي فوقانيًا وهو آخر من بقي من مقدمي الألوف‏.‏
وباقي الإقطاعات شاغرة إلى الآن عن أصحابها‏.‏ وكتب بحضور الأمير جرباش الكريمي قاشق من ثغر دمياط وكان له به سنين كثيرة بطالًا‏.‏ ثم خلع السلطان على دولات باي المحمودي الساقي المؤيدي - أحد أمراء العشرات ورأس نوبة - باستقراره أمير آخور ثانيًا عوضًا عن يخشباي المقبوض عليه قبل تاريخه وعلى الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي - أحد أمراء العشرات ورأس نوبة - باستقراره محتسب القاهرة عوضًا عن الإمام نور الدين السويفي وعلى قاني باي الجاركسي - الذي تأمر قبل تاريخه بمدة يسيرة - باستقراره شاد الشراب خاناه عوضًا عن علي باي الأشرفي بحكم القبض عليه واستمر على إمرة عشرة وعلى الأمير قاني باي الأبوبكري الأشرفي الساقي باستقراره خازندارًا عوضًا عن جكم خال العزيز بحكم القبض عليه أيضًا‏.‏
ثم أنعم السلطان على جماعة كثيرة جدًا باستقرارهم أمراء عشرات يطول الشرح في ذكرهم لأنها دولة أقيمت بعد ذهاب دولة وتغير جميع من كان من أرباب الوظائف الذين كانوا في الدولة الأشرفية من الخاصكية وغيرهم واستقر جماعة كبيرة رؤوس نوب منهم من خلع عليه قبل أن يلبس فوقاني الإمرة وهو إلى الآن بحياصة ذهب‏.‏ ونالت السعادة جميع المماليك المؤيدية الأصاغر بحيث إن بعضهم كان فقيرًا يعيش بالتكدي فأخذ إقطاعًا هائلًا واستقر بوابًا دفعة واحدة وأشياء كثيرة من هذا ذكرناها في غير هذا المحل‏.‏
ثم في يوم الاثنين رابع عشرين شهر ربيع الأول المذكور جلس السلطان الملك الظاهر جقمق بالمقعد المطل على الحوش تجاه باب الحوش المذكور وابتدأ فيه بنفقة المماليك السلطانية لكل ثم في يوم الثلاثاء خامس عشرينه وصل الأمير جرباش قاشق من ثغر دمياط فأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالقاهرة‏.‏
ثم في يوم الخميس سابع عشرينه عمل السلطان المولد النبوي بالحوش على العادة وزاد فيه زيادات حسنة من كثرة الأسمطة والحلاوات وانفض الجميع بعد صلاة المغرب‏.‏ ثم في يوم السبت تاسع عشرينه تجمع تحت القلعة نحو ألف مملوك من مماليك الأمراء يريدون النفقة كما نفق على المماليك السلطانية فأمر لهم السلطان بنفقة فنفقت فيهم ولم يكن لذلك عادة قبل تاريخه‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر قبض السلطان تاج الدين عبد الوهاب الأسلمي - المدعو بالخطير - ناظر الإسطبل السلطاني وعلى ولديه والثلاثة أشكال عجيبة‏.‏ وفيه كانت مبادئ وقعة قرقماس مع الملك الظاهر جقمق‏.‏ وخبره أنه لما كان يوم الثلاثاء المذكور ثار جماعة كبيرة من المماليك القرانيص ممن كان قام مع الملك الظاهر جقمق على المماليك الأشرفية وطلبوا زيادة جوامكهم ورواتب لحمهم ووقفوا تحت القلعة فأرسل إليهم السلطان يعدهم بعمل المصلحة فلم يرضوا بذلك‏.‏
وأصبحوا من الغد في يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر على مواقفهم‏.‏ وركب السلطان ولعب الكرة بالحوش السلطاني مع الأتابك قرقماس الشعباني وغيره من الأمراء إلى أن انتهى لعبهم فأسر بعض من تأمر من المماليك المؤيدية إلى السلطان بأن الأتابك قرقماس يريد الركوب على السلطان فنهره السلطان واستبعد وقوع ذلك من قرقماس لا سيما في هذا اليوم‏.‏
هذا وقد كثر جمع المماليك السلطانية من الأشرفية وغيرهم ووقفوا تحت القلعة كما كانوا في أمسه ثم وقفوا عند باب المدرج أحد أبواب القلعة وصاروا كلما نزل أمير من الخدمة السلطانية اجتمعوا به وكلموه في عمل مصالحهم‏.‏ ووقع لهم ذلك مع جماعة كبيرة من الأمراء إلى أن نزل الأتابك قرقماس فأحاطوا به وحدثوه في ذلك وأغلظوا في حق السلطان فوعدهم قرقماس بأنه يتحدث بسببهم مع السلطان وبش لهم وألان معهم في الكلام فطمعوا فيه وأبوا أن يمكنوه من الرجوع إلى السلطان وكلموه في الركوب على السلطان وهم يوافقوه على ذلك فأخذ يمتنع تمنعًا ليس بذاك‏.‏
وظهر من كلامه في القرائن أنه يريد كثرة من يكون معه وأن ذلك لا يكون في هذا اليوم‏.‏ فلما فهموا منه ذلك تحركت كوامن المماليك الأشرفية من الملك الظاهر جقمق وانتهزوا الفرصة وقصدوا الركوب ووقوع الحرب في الحال بجهل وعدم دربة بالوقائع والحروب وأخذوه ومضوا وهم في خدمته إلى بيته وكار سكنه بملكه بالقرب من المدابغ خارج باب زويلة‏.‏
وتلاحق بهم جماعة كثيرة من أعيان المماليك السلطانية وبعض الأمراء وعليهم السلاح وراودوه على الركوب فلم يعجبه ذلك وقال لهم ما معناه أن له أصحابًا وخجداشية كثيرة وجماعة من أكابر الأمراء لهم معه ميل وغرض ‏"‏ فاصبروا إلى باكر النهار من الغد لنتشاور معهم في أمرنا هذا وفيما نفعله ‏"‏ فامتنعوا من ذلك وأظهروا له إن لم يركب في هذا اليوم لم يوافقوه بعد ذلك‏.‏ وكان جمعهم قد كثر إلى الغاية ولكن غالبهم المماليك الأشرفية‏.‏
وكان الذي قال له ذلك الأمير مغلباي الجقمقي أستادار الصحبة على لسان بعض أصحابه وقيل إن قرقماس أراد بهذا الكلام توقفهم حتى يتفرقوا عنه ثم يصعد هو إلى القلعة ويعلم السلطان بذلك‏.‏ وعندي أن الصحيح أنه لم يرد بقوله هذا إلا تحكيم أمره حتى يأتوه من الغد بجموعهم ويأخذوه غصبًا كما فعل القوم بالملك الظاهر جقمق ويجتمع عليه حواشيه وأصحابه - وأنا أعرف بحاله من غيري‏.‏ فأبو عليه وألحوا في ركوبه في الوقت وخوفوه تفرق من اجتمع عليه في هذا اليوم وكانوا خلائق كثيرة إلى الغاية‏.‏ فنظر عند ذلك في أمره فلم يجد بدًا من موافقتهم وركوبه معهم في هذا اليوم لما في نفسه من الوثوب على السلطنة والاستبداد بالأمر وكان فيه طيش وخفة في صفة عقل ورزانة لا يفهم منه ذلك إلا من له ذوق ومعرفة بنقد الرجال‏.‏
وخاف قرقماس إن لم يركب في هذا اليوم وأراد الركوب بعد ذلك لا يوافقه أحد من هؤلاء فينحل بذلك برمه ويطول عليه الأمر لعظم صفة مظلوم مبتلى غير مرحوم ‏"‏‏.‏ وأحسن من هذا قول القائل وهو لسان حال الملك الظاهر جقمق‏:‏ الطويل وكل أداريه على حسب حاله سوى حاسدي فهي التي لا أنالها وكيف يداري المرء حاسد نعمة إذا كان لا يرضيه إلا زوالها فعند ذلك قام ولبس آلة الحرب هو ومماليكه وركب من وقته قريب الظهر من يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر المذكور وخرج من بيته بعساكر عظيمة ومعه أمراء العشرات‏:‏ الأمير أزبك السيفي قاني باي نائب الشام المعروف بأزبك جحا والأمير جانم الأشرفي المعروف برأس نوبة سيدي وكلاهما أمير عشرة‏.‏
وقد وافقه غيرهما مثل الأمير قراجا الأشرفي أحد مقدمي الألوف والأمير مغلباي الجقمقي أستادار الصحبة ووعداه أنهما يوافياه بمماليكهما بالرملة‏.‏ وخرج الأمير قرقماس من بيته بمجموعه فوافيته خارج باب زويلة من غير ميعاد وسرت معه وصحبته عساكر كثيرة من الأشرفية وغيرهم وأنا بجانبه‏.‏ فتأملت في أمره فلم يعجبني حاله لاضطراب عساكره ولعدم من يرأسهم من أعيان الأمراء ممن مرت بهم التجارب وأيضًا لكثرة قلقه في مسيره وعدم ثباته في كلامه‏.‏
وظهر لي منه أيضًا أنه لم يعجبه ما هو فيه من اختلاف كلمة من هو معه من المماليك السلطانية وآرائهم المفلوكة وكثرة هرجهم ثم صار يقول في مسيره‏:‏ ‏"‏ الله ينصر الحق ‏"‏ فيقول آخر‏:‏ ‏"‏ الله ينصر الملك العزيز يوسف ‏"‏ ويقول آخر‏:‏ ‏"‏ الله ينصر الأمير قرقماس ‏"‏ ومنهم من قال‏:‏ ‏"‏ الله ينصر السلطان ‏"‏ ولم أدر أي سلطان قصد كل ذلك في تلك المسافة القريبة من بيته إلى الرملة‏.‏ ثم كشف قرقماس رأسه وصاح‏:‏ ‏"‏ الله ينصر الحق ‏"‏ غير مرة فتعجبت أنا من دعائه لأي حق يريد فلما أن كشف رأسه تفاءل الناس بخذلانه وظهر لي منه أيضًا أنه كان يتخوف من المماليك الأشرفية لما بلغني بعد ذلك أنه بلغه في اليوم المذكور أنهم إذا انتصروا على الملك الظاهر جقمق وملكوا القلعة ضربوا رقبة قرقماس فنفر خاطره من ذلك‏.‏
وكأنه بلغه ذلك بعد ركوبه وشروعه فيما هو فيه فبقي لا يمكنه إلا الإتمام لأن الشروع ملزم والمقصود أنه سار إلى أن وصل قريبًا من جامع السلطان حسن فوافاه الأمير قراجا بطلبه ومماليكه وعليهم السلاح والأمير مغلباي الجقمقي وسارا معه من تحت مدرسة السلطان حسن إلى بيت قوصون تجاه باب السلسلة وكان يسكنه يوم ذاك الأمير أركماس الظاهري الدوادار الكبير وقد أغلقه مماليك أركماس المذكور فقصد قرقماس المذكور عبور البيت المذكور فوجده مغلقًا‏.‏ ثم دخله بعد أمور فإذا بأركماس الظاهري قد خرج من باب سر البيت المذكور ومضى إلى حال سبيله محمولًا لعجزه عن الحركة لوجع كان يعتريه برجليه وأيضًا لم يكن من هذا القبيل‏.‏
وملك قرقماس البيت ودخله وأخذ فيما يفعله مع عساكر السلطان من القتال وغيره فلم ينتظم له أمر ولا رتب له طلب من كثرة الغوغاء والهرج حتى إن باب السلسلة كان مفتوحًا منذ قدم قرقماس إلى الرملة وأخذ بيت أركماس الظاهري والأمير تمراز القرمشي الأمير آخور الكبير لم يلتفت إلى غلقه ولا تحرك من مجلسه ولا ألبس أحدًا من مماليكه السلاح ومن عظم تراخيه في ذلك نسبوه للممالأة مع قرقماس - ولا يبعد ذلك‏.‏
ومع هذا كله لم يلتفت أحد من أصحاب قرقماس إلى أخذ باب السلسلة ولا سار أحد إلى جهته جملة كافية لعظم اضطرابهم وقلة سعدهم‏.‏
كل ذلك والسلطان الملك الظاهر إلى الآن بالقلعة في أناس قليلة من خواصه وهو لا يصدق ما قيل له في حق قرقماس إلى أن حضر قرقماس إلى الرملة وملك بيت قوصون فعند ذلك ركب السلطان من الحوش السلطاني ونزل في أمرائه الصغار وخاصكيته إلى باب السلسلة وجلس بالمقعد المطل على الرميلة وقد صحب معه فرسًا عليه قماش ذهب يوهم به أنه لأجل قرقماس إذا طلع إليه طائعًا وأن قرقماس أرسل يقول له إنه يريد أن يفر من المماليك الأشرفية ويطلع إلى القلعة مسك بهذه الحركة جماعة كبيرة عن التوجه إلى قرقماس من خجداشيته وأصحابه‏.‏
كان هذا الذي فعله الملك الظاهر من أكبر المصالح فإن كان على حقيقته فقد نفع وإن كان حيلة من الملك الظاهر جقمق فكانت في غاية الحسن ومن أجود الحيل‏.‏ ولما جلس الملك الظاهر بالمقعد من الإسطبل السلطاني المطل على الرميلة نزلت جماعة من خاصكيته مشاة وعليهم السلاح وناوشوا القرقماسية بالقتال قليلًا‏.‏

ثم مر السلطان فنودي‏:‏ ‏"‏ من كان من حزب السلطان فليتوجه إلى بيت الأمير آقبغا لتمرازي أمير سلاح ‏"‏ وكان سكن آقبغا المذكور بقصر بكتمر الساقي بالقرب من الكبش تجاه مدرسة سنجر الجاولي ‏"‏‏.‏
فلما سمع الأمراء والمماليك المناداة ذهبوا إلى بيت الأمير آقبغا التمرازي فاجتمع عنده خلائق وجماعة كبيرة من الأمراء‏.‏ فممن اجتمع عنده من مقدمي الألوف‏:‏ الأمير قراخجا الحسني رأس نوبة النوب وحاجب الحجاب تغري بردي البكلمشي المؤذي ومن الطبلخاناه وغيرهم‏:‏ الأمير أسنبغا الطياري وعدة كبيرة‏.‏
ثم أرسل آقبغا التمرازي رأس نوبته لكشف خبر قرقماس ومن وافقه من الأمراء فتوجه المذكور وعاد إليه بالخبر أنه ليس معه من الأمراء إلا قراجا وأزبك جحا ومغلباي الجقمقي وجانم الأشرفي‏.‏ فقال آقبغا‏:‏ ‏"‏ إذن فلا شيء ‏"‏‏.‏ وركب فرسه وركب الأمراء معه بمن انضم عليهم من المماليك السلطانية وساروا إلى أن وصلوا إلى صليبة أحمد بن طولون عند الخانقاه الشيخونية ووقفوا هناك وتشاوروا في مرورهم إلى باب السلسلة وقد ملأت عساكر قرقماس الرميلة فمن الناس من قال‏:‏ ‏"‏ نتوجه من على المشهد النفيسي إلى باب القرافة ثم نطلع إلى القلعة ‏"‏ ومنهم من قال غير ذلك‏.‏
وبينا هم في ذلك ورد عليهم الخبر أن الأمير قراجا ومغلباي الجقمقي خرجا من عسكر قرقماس ولحقا بالسلطان فعند ذلك قوي عزم الأمراء على الطلوع إلى القلعة من سويقة منعم فساروا بمن معهم إلى أن صاروا بآخر سويقة منعم فحركوا خيولهم يدًا واحدة إلى أن وصلوا إلى القلعة بعد أن كبا بآقبغا التمرازي فرسه ثم قام به ولم يفارق السرج‏.‏
وطلعوا الجميع إلى القلعة وقبلوا الأرض بين يدي السلطان فأكرمهم السلطان غاية الإكرام وندبهم لقتال قرقماس‏.‏ فنزلوا من وقتهم بأطلابهم ومماليكهم وقد انضم معهم جميع أمراء الألوف ومخيرها‏.‏ وصف آقبغا عساكره والأطلاب الذين معه وقبل أن يعبي عساكر السلطان صدمته القرقماسية من غير تعبية ولا مصاففة لأن قرقماس لما وقف تجاه باب السلسلة لم يقدر على تعبية عساكره لكثرة المماليك وقلة من معه من الأمراء ووقف هو بينهم في الوسط ولم يكن لمعسكره قلب ولا ميمنة ولا ميسرة وذلك لقلة معرفة أصحابه بممارسة الحروب وتعبية العساكر‏.‏
وكان ذلك من أكبر الأسباب في هزيمة قرقماس فإنه تعب في موقفه ذلك اليوم غاية التعب فصار تارة يكر في الميمنة وتارة في الميسرة وتارة يقاتل بنفسه حتى أثخن جراحه وتارة يعود إلى سنجقه‏.‏ ولم يقع ذلك لعساكر السلطان فإن غالبهم كانوا أمراء ألوف وطبلخانات وعشرات فأما مقدمو الألوف فوقفت أطلابهم تحت القلعة تجاه قرقماس كل طلب على حدته فصاروا كالتعبية‏.‏ وبرزت الأمراء والخاصكية لقتال قرقماس طائفة بعد أخرى هذا مع معرفتهم بمكائد الحروب وأحوال الوقائع وآقبغا التمرازي في اجتهاد يعبي العساكر السلطانية ميمنة وميسرة وقلبًا وجناحين‏.‏
وكان قصده تعبية المجنح فلم يمهله القرقماسية وبادروه بالقتال والنزال من غير إذن قرقماس فتصادم الفريقان غير مرة والهزيمة فيها على السلطانية وتداول ذلك بينهم مرارًا كثيرة واشتد القتال وفشت الجراحات في الطائفتين وقتل الأمير جكم النوروزي أحد أمراء العشرات بوسط الرملة وهو من حزب السلطان‏.‏ كل ذلك ومنادي قرقماس ينادي في الناس‏:‏ ‏"‏ من يأتي قرقماس من المماليك السلطانية فله مائتا دينار ومن يأتيه من الزعر فله عشرون دينار ‏"‏ فكثر جمعه من الزعر والعامة‏.‏
فأخذ الملك الظاهر جقمق ينثر الذهب على الزعر فمالوا إليه بأجمعهم وقال لسان حالهم‏:‏ ‏"‏ درة معجلة ولا درة مؤجلة ‏"‏‏.‏ ثم أمر السلطان بمناد فنادى من أعلى سور القلعة‏:‏ ‏"‏ من كان في طاعة السلطان فليحضر وله الأمان كائن من كان وله كذا وكذا ‏"‏ وأوعد بأشياء كثيرة‏.‏ كل ذلك والقتال في أشد ما يكون‏.‏ ولم يكن غير ساعة جيدة إلا وأخذ عسكر قرقماس في تقهقر وتوجهت الناس إلى السلطان شيئًا بعد شيء‏.‏
وكان جماعة من أصحابنا من الناصرية وقفوا عند الصوة من تحت الطبلخاناه السلطانية حتى يروا ما يكون من أمر خشداشهم الأتابك قرقماس وهواهم وميلهم إليه فإنه قيل في الأعصار الخالية‏:‏ ‏"‏ لا أفلح من هجيت قبيلته ‏"‏ فلما رأوا أمر قرقماس في إدبار وأخذ أصحابه في التفرق عنه انحازوا بأجمعهم إلى جهة باب السلسلة وأظهر كل واحد منهم أنه كان ممن قاتل قرقماس‏.‏ ولم يخف ذلك على الملك الظاهر لكنه لم يسعه يوم ذاك إلا السكات وبالله لقد رأيت الأمير آقبغا التركماني الناصري وهو يحق بزخمته على طلبه ويندب الناس لأخذ قرقماس بعد أن أشرف على الهزيمة وعبرته قد خنقته حتى إنه لا يستطيع الكلام من ذلك‏.‏
ولما كان بين الظهر والعصر أخذ قرقماس في إدبار واضمحلت عساكره وذهبت أصحابه وجرح هو في وجهه ويده وكل وتعب وانفلت عنه جموعه وصار الرجل من أصحابه يغير لبسه ثم يطلع في الحال إلى القلعة حتى ينظره السلطان هذا والرمي عليه من أعلى القلعة مترادف بالسهام والنفوط‏.‏ وكان أصحاب قرقماس في أول حضوره إلى الرميلة اقتحموا باب مدرسة السلطان حسن فلم يقدروا على فتحه فأحرقوه ودخلوا المدرسة وصعدوا على سطحها وأرموا على السلطان بالنشاب والكفيات إلى أن أبادوا القلعيين ومع هذا كله وأمر قرقماس في إدبار‏.‏
وقبل أن تقع الهزيمة على عساكر قرقماس من الذين ثبتوا معه فر العاجل فانهزم عند ذلك عسكره بعد أن ثبتوا بعد ذهابه ساعة ثم انقلبوا الأدبار‏.‏ فما أذن العصر إلا وقد تمت الهزيمة بعد أن جرح خلائق من الطائفتين‏.‏ فكان ممن جرح من أعيان السلطانية‏:‏ الأمير آقبغا التمرازي أمير سلاح والأمير بردي المؤذي حاجب الحجاب برمح أخرق شدقه لزم منه الفراش مدة وأشرف على الموت والأمير أسنبغا الطياري أيضًا من طعنة رمح أصابه في ضلعه وجماعة كثيرة من الخاصكية والمماليك يطول الشرح في تسميتهم‏.‏
وعندما انهزمت عساكر قرقماس أخذوا سنجقه وطلعوا به إلى السلطان قرقماس فلم يعرف أين ذهب فتوهم السلطان أنه توجه إلى جهة الشام فندب آقبغا التمرازي في جماعة إلى جهة الخانقاه فسار إلى أن قارب المرج والزيات فلم يجد في طريقه أثر أحد من العساكر فعلم أن قرقماس اختفى بالقاهرة فعاد‏.‏ وأما الزعر فإنهم لما رأوا الهزيمة على القرقماسية أخذوا في نهبهم توجهوا إلى داره فنهبوها وأخذوا جميع ما فيها‏.‏ وفي الحال سكنت الفتنة وفتحت الدكاكين ونودي بالأمان والبيع والشراء‏.‏ وأخذ أهل الحرس في تتبع قرقماس وحواشيه وندب السلطان أيضًا جماعة من خواصه في الفحص عن أمره‏.‏
وما أمسى الليل حتى ذهب أثر الفتنة كأنها لم تكن وبات الناس في أمن وسلام‏.‏ وأما السلطان فإنه لما تحقق هزيمة قرقماس قام من مجلسه بمقعد الإسطبل وطلع إلى القلعة مؤيدًا منصورًا كأول يوم تسلطن فإنه كان في بحران كبير من قرقماس وشدة بأسه وعظم شوكته وجلالته في النفوس‏.‏
وقد كان الملك الظاهر يتحقق أن قرقماس لا بد له من الركوب عليه لحبه للرئاسة وتشعب رأسه بالسلطنة ولا يمكنه القبض عليع لاضطراب أمره كما هي أوائل الدول فكان السلطان يريد مطاولته من يوم إلى يوم إلى أن يتمكن منه بأمر من الأمور فعجل الله له أمره بعد شدة هالته عقبها فرج وأمن‏.‏

ولما أصبح يوم الخميس خامس شهر ربيع الأخر عملت الخدمة السلطانية بالقصر السلطاني وطلع القضاة والأعيان وهنؤوه بالنصر والظفر وقد وقف على باب القصر جماعة من أمراء المؤيدية الرؤوس نوب مثل جانبك المحمودي وعلي باي العجمي وأمثالهما ومنعوا المماليك الأشرفية من الدخول إلى الخدمة السلطانية وصار كل واحد منهم يضرب المملوك من الأشرفية على رأسه وأكتافه بالعصي حتى يمنعه من الدخول هذا بعد أن يوسعه سبًا وتوبيخًا وقطع رواتب جماعة كثيرة منهم‏.‏
ثم أمر السلطان القضاة فجلسوا بجامع القلعة بسبب قطع سلالم مآذن مدرسة السلطان حسن فحكم قاضي القضاة شمس الدين محمد بن البساطي المالكي بقطعها وألزم الناظر على المدرسة بقطعه السلالم المذكورة فقطعت في الحال‏.‏ ثم أمر السلطان بالفحص عن قرقماس ونودي عليه بشوارع القاهرة وهدد من أخفاه فظفر به من الغد في يوم الجمعة سادس شهر ربيع الآخر‏.‏ وكان من خبره أنه لما انهزم سار وحده إلى جهة الرصد وقيل معه واحد من حواشيه فأقام به نهاره ثم عاد من ليلته - وهي ليلة الخميس - إلى جهة الجزيرة ثم مضى منها إلى بستانه بالقرب من موردة الجبس وقد ضاقت عليه الدنيا بأسرها وكاد يهلك من الجوع والعطش‏.‏ لما رأى ما حل به بعث إلى الزيني عبد الباسط يعرفه بمكانه ويأخذ له أمانًا من السلطان‏.‏
فركب عبد الباسط في الحال وطلع إلى السلطان في بكرة يوم الجمعة المذكور وعرفه بأمر قرقماس فندب السلطان ولده المقام الناصري محمدًا للنزول إليه فركب وسار في خدمته عبد الباسط حتى أتوا إلى موضع كان فيه قرقماس‏.‏
حدثني المقام الناصري محمد المذكور قال‏:‏ لما دخلت على قرقماس قام إلي وانحط يقبل قدمي فمنعته من ذلك فغلبني وقبل قدمي ثم يدي ثم شرع يتخضع إلي ويتضرع وقد علاه الذل والصغار ولم أر في عمري رجلًا ذل كذلته ولا جزع جزعه‏.‏
وأخذت أسكن روعه وجعلت في عنقه منديل الأمان الذي أرسله والدي إليه‏.‏ فقبل يدي ثانيًا ثم أراد الدخول تحت ذيلي فلم أمكنه من ذلك إجلالًا له‏.‏ ثم خرجنا من ذلك المجلس وركبنا وأركبناه فرسًا من جنائبي ومضينا به إلى القلعة وهو في طول طريقه يبكي ويتضرع إلي بحيث إنه رق عليه قلبي‏.‏ وكلما مررنا به على أحد من العامة شتمه ووبخه وأسمعه من المكروه ما لا مزيد عليه حتى لو مكنهم رجمه لرجموه‏.‏ هذا ما حكاه المقام الناصري‏.‏
ولما أن وصل قرقماس إلى القلعة وبلغ السلطان وصوله جلس على عادته‏.‏ فحال ما مثل بين يديه خر على وجهه يقبل الأرض‏.‏ ثم قام ومشى قليلًا ثم خر وقبل الأرض ثانيًا‏.‏ هذا ووجهه كلون الزعفران من الصغار وشدة الخوف‏.‏ فلما قرب من السلطان أراد أن يقبل رجله فمنعوه أرباب الوظائف من ذلك‏.‏ ثم أخذ يتضرع فلم يطل السلطان وقوفه ووعده بخير على هينته‏.‏ ثم أمر به فأخذ وأدخل إلى مكان بالحوش فقيد في الحال وهو يشكو الجوع وذكر أنه من يوم الوقعة ما استطعتم بطعام فأتي له بطعام فأكله وقد زال عنه تلك الأبهة والحشمة من عظم ما داخله من الخوف والذل ولهجت العامة تقول في الطرقات‏:‏ ‏"‏ الفقر والإفلاس ولا ذلتك يا قرقماس ‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وما أبلغ قول القائل في معناه‏:‏ الوافر أرى الدنيا تقول بملء فيها حذار حذار توبيخي وفتكي ولا يغرركم مني ابتسام فقولي مضحك والفعل مبكي وأبلغ من هذا قول أبي نواس‏:‏ الطويل إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق ولما أمسك قرقماس المذكور تم سرور السلطان وهدأ سره وأخذ في مسك جماعة من أعيان الأشرفية فأمسك في يوم واحد أزيد من ستين خاصكيًا من أعيان المماليك الأشرفية وحبس الجميع بالبرج من قلعة الجبل‏.‏
ثم في يوم السبت سابع ربيع الآخر خلع السلطان على الأمير آقبغا التمرازي أمير سلاح باستقراره أتابك العساكر عوضًا عن قرقماس المقدم ذكره‏.‏ وخلع على يشبك السودوني أمير مجلس باستقراره أمير سلاح عوضًا عن آقبغا التمرازي وعلى الأمير جرباش قاشق باستقراره أمير مجلس عوضًا عن يشبك المذكور‏.‏
وفي هذا اليوم أيضًا انزل بالأمير قرقماس الشعباني المقدم ذكره مقيدًا من القلعة على بغل على العادة إلى الإسكندرية بعد أن سمع من العامة مكروهًا كثيرًا إلى الغاية كل ذلك لأنه كان لما ولي الحجوبية بالديار المصرية شدد على الناس وعاقب على المسكرات العقوبات الخارجة عن الحد فإنه كان في ظلم وجبروت فلما أن وقع له ما وقع صار من كان في نفسه شيء انتقم منه في هذا اليوم ويوم طلوعه فنعوذ بالله من زوال النعم‏.‏
ثم في يوم الاثنين تاسعه قرىء عهد السلطان الملك الظاهر جقمق بالقصر السلطاني من قلعة الجبل وقد حضر الخليفة أمير المؤمنين أبو الفتح داؤد والقضاة الأربعة وتولى قراءته كاتب السر الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله وكان من إنشاء القاضي شرف الدين الأشقر نائب كاتب السر‏.‏
ولما انتهى كاتب السر من قراءة العهد خلع السلطان على الخليفة والقضاة وعلى كاتب السر ونائبه شرف الدين المذكور وانفض الموكب‏.‏ ثم في يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على الأمير الأشرفي أحد مقدمي الألوف بإقطاع الأتابك آقبغا التمرازي بحكم انتقال على إقطاع الأتابك قرقماس الذي هو برسم من يكون أتابك العساكر وكان السلطان زاد قرقماس تقدمة أخرى زيادة على إقطاع الأتابكية يترضاه بذلك فلم السلطان بالزيادة على آقبغا بل أنعم بها على بعض الأمراء‏.‏
وأنعم السلطان بتقدمة قراجا على الأمير ألطنبغا المرقبي المؤيدي الذي كان ولي حجوبية الحجاب الدولة المؤيدية وكان له مدة طويلة بطالًا ثم صار أمير عشرة‏.‏ وأنعم السلطان مائة وتقدمة ألف على الأمير إينال الأبو بكري الأشرفي عوضًا عن قرقماس التقدمة التي كانت مع قرقماس زيادة على إقطاع الأتابكية المقدم ذكرها‏.‏ بإقطاع إينال ووظيفته الدوادارية الثانية على الأمير أسنبغا الطياري الحاجب الثاني‏.‏ وفيه حضر المقر الكمالي محمد بن البارزي من دمشق بطلب بعد أن تلقاه جميع أعيان الديار المصرية‏.‏
وأصبح من الغد في يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع المذكور خلع السلطان عليه باستقراره في كتابة السر الشريف بالديار المصرية عوضًا عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله بحكم عزله وهذه ولاية كمال الدين المذكور لوظيفة كتابة السر ثالث مرة وهي أعظم ولاياته لأنه صار صهر السلطان وكاتب سره‏.‏ وفي يوم الثلاثاء هذا خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطياري بالدوادارية الثانية وخلع على الأمير يلبغا البهائي الظاهري أحد أمراء العشرات باستقراره حاجبًا ثانيًا عوضًا عن أسنبغا الطياري‏.‏
ثم في يوم الخميس تاسع عشره خلع السلطان على الأمير إينال الأبوبكري الأشرفي باستقراره أمير حاج المحمل وأنعم عليه بعشرة آلاف دينار‏.‏ هذا والقبض على المماليك الأشرفية مستمر في كل يوم وكل من قبض عليه منهم أخرج إقطاعه ووظيفته وحبس بالبرج من القلعة وقد عين السلطان جماعة منهم للنفي إلى الواحات‏.‏
ثم في يوم الأربعاء خامس عشرينه أخرج السلطان جماعة كبيرة من المماليك الأشرفية من برج القلعة وأمر بنفيهم إلى الواحات فخرجوا من القاهرة من يومهم وكانوا عدة كبيرة‏.‏ ثم في يوم السبت خامس جمادى الأولى رسم السلطان بالإفراج عن الأمير خشقدم الطواشي اليشبكي مقدم المماليك كان ونائبه فيروز الركني من سجن الإسكندرية ورسم لها بالتوجه إلى دمياط على حمل خمسة عشر ألف دينار‏.‏
وفيه ورد كتاب الأمير حسين بن أحمد المدعو تغري برمش نائب حلب على السلطان يتضمن أنه مقيم على طاعة السلطان وأنه لبس التشريف المجهز له وقبل الأرض فلم يكترث الملك الظاهر بذلك وكتب ملطفات إلى أمراء حلب بالقبض عليه إن أمكنهم ذلك‏.‏ ثم في ثامن جمادى الأولى استقر الشريف صخرة بن مقبل بن نخبار في إمرة الينبع عوضًا عن الشريف عقيل بن زبير بن نخبار‏.‏ ثم في يوم الخميس عاشره استقر زين الدين يحيى ابن كاتب حلوان الأشقر المعروف بقريب ابن أبي الفرج ناظر الإسطبل السلطاني على مال بذله في ذلك بعد سعي كبير وخلع السلطان أيضًا على محمد الصغير معلم النشاب أحد ندماء السلطان باستقراره في نيابة دمياط بعد عزل الأمير أسنباي الزردكاش الظاهري‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء خامس عشر جمادى الأولى المذكور طلب السلطان الشيخ حسن العجمي أحد ندماء الملك الأشرف برسباي فلما مثل بين يديه تقدم الشيخ حسن ليقبل يد السلطان فضربه السلطان بيده على خده لطشة كاد أن يسقط منها إلى الأرض ثم أمر به فعري وضرب بالمقارع ضربًا مبرحًا وشهر بالقاهرة ثم سجن ببعض الحبوس وذلك لسوء سيرة حسن المذكور وقلة أدبه مع الأمراء في أيام الملك الأشرف برسباي‏.‏ وكان أصل هذا حسن من أوباش الأعاجم المولدة من الجغتاي واتصل بالملك الأشرف بعد سلطنته بسنين ونادمه واختص به فنالته السعادة وعمر له الملك الأشرف زاوية بالصحراء بالقرب من تربة الملك الظاهر برقوق وأوقف عليها وقفًا جيدًا‏.‏
وكان حسن المذكور في أيام أستاذه الملك الأشرف يدخل إلى أكابر الأمراء ويكلفهم ويأخذ منهم ما أراد من غير تحشم وعدم اكتراث بهم فكأنه طرق الملك الظاهر جقمق وفعل معه ذلك فأسرها الملك الظاهر له إلى وقتها مع ذنوب أخر حتى فعل معه ما فعل ثم نفاه إلى قوص فدام به إلى أن مات فيما أظن‏.‏ ثم جهز السلطان الأمير سودون المحمدي وخلع عليه بنظر مكة المشرفة وندبه أيضًا لقتال عرب بلي وصحبته جماعة من المماليك السلطانية وعرب بلي هؤلاء هم الذين فعلوا بالحجاج ما فعلوه في موسم السنة الخالية‏.‏
وندب بعده أيضًا الشهابي أحمد بن إينال اليوسفي أحد أمراء العشرات لإصلاح مناهل الحجاز وتقوية لسودون المحمدي‏.‏ ثم خلع السلطان على الأمير أقبغا من مامش التركماني الناصري أحد أمراء العشرات ورأس نوبة باستقراره في نيابة الكرك بعد عزل الصاحب خليل بن شاهين الشيخي وانتقاله إلى أتابكية صفد‏.‏
ثم في يوم الخميس أول شهر رجب أنفق السلطان في المماليك السلطانية نفقة الكسوة وكانت عادتهم أن يدفع لكل واحد منهم خمسمائة درهم من الفلوس فلما قرب أوان تفرقة الكسوة وقفوا في يوم الاثنين ثامن عشرين جمادى الآخرة وطلبوا أن ينفق فيهم عن ثمن الكسوة عشرة دنانير لكل واحد فما زالوا به حتى أنفق فيهم ألف درهم الواحد ولكل خاصكي ألفًا وخمسمائة‏.‏
وفيه رسم السلطان بأن يكون نواب القاضي الشافعي خمسة عشر ونواب الحنفي عشرة ونواب المالكي والحنبلي أربعة أربعة ووقع ذلك أيامًا ثم عادوا إلى ما كانوا عليه‏.‏ قتل قرقماس الشعباني الناصري المقدم ذكره ولما كان يوم الخميس ثامن شهر رجب جمع السلطان القضاة بالقصر بعد الخدمة السلطانية وادعى القاضي علاء الدين علي بن أقبرس أحد نواب الحكم لشافعية عند القاضي المالكي شمس الدين البساطي على الأمير قرقماس المذكور بأنه خرج عن الطاعة وحارب الله ورسوله وأن بقاءه بالسجن مفسدة وإثارة فتنة وأن في قتله مصلحة وشهد بخروجه عن الطاعة ومحاربته جماعة من أكابر الأمراء فحكم البساطي بموجب ذلك فقيل له‏:‏ ‏"‏ ما موجبه ‏"‏ فقال‏:‏ ‏"‏ القتل ‏"‏ انفض المجلس‏.‏
فندب السلطان طوغان السيفي آقبردي المنقار أحد الخاصكية لقتله فسافر طوغان إلى الإسكندرية ودفع لنائبها ما على يده من المحضر المكتتب على قرقماس وحكم القاضي المالكي بقتله فأخرجه النائب من السجن فقرىء عليه حكم حدثني طوغان المذكور بعد عوده من الإسكندرية قال‏:‏ لما وصلت إلى إسكندرية ودفعت إلى الأمير تمربابي التمربغاوي نائب الإسكندرية ما كان على يدي من المراسيم السلطانية وغيرها بقتل قرقماس فأمر به تمرباي فأخرج من سجنه بقيده يده إلى بين يدي النائب‏.‏ فقام النائب وأجلسه مكانه وسأله في الأعذار فأعذر وقد امتلأ المجلس بالناس وصار النائب يستحي أن يأمره بالقيام حتى تكلم بعض من حضر بانفضاض المجلس وقد حضر المشاعلي والوالي وأقيم قرقماس وأخذ لتضرب رقبته فجزع جزعًا عظيمًا وشرع يقول لي‏:‏ ‏"‏ يا أخي يا طوغان تضرب رقبتي في هذا الملأ ‏"‏ وكرر ذلك غير مرة‏.‏
فقلت له‏:‏ ‏"‏ يا خوند أنا عبد مأمور والشرع حكم بذلك ‏"‏‏.‏ فقدم واجلس على ركبتيه وأخرج المشاعلي سيفًا من غير قراب بل كان ملفوفًا بحاشية من حواشي الجوخ التي لا ينتفع بها فلما رأيت ذلك قلت للمشاعلي‏:‏ ‏"‏ إيش هذا السيف الوحش ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ لا بل هو سيف جيد ‏"‏‏.‏ ثم أخذ المشاعلي السيف المذكور وضرب به رقبة قرقماس فقطعت من رقبته مقدار نصف قيراط لا غير وعند وقوع الضربة في رقبة قرقماس صاح صيحة واحدة مات فيها من عظم الوهم‏.‏ ثم ضربه المشاعلي أخرى ثم ثالثة وفي الثالثة حزها حزًا حتى تخلصت‏.‏ كل ذلك وقرقماس لا يتكلم ولا يتحرك سوى الصيحة الأولى فعلمت بذلك أنه مات في الضربة الأولى من عظم ما داخله من الوهم وكان ذلك في يوم الاثنين ثاني عشر شهر رجب من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة‏.‏ ومات قرقماس وسنه نيف على الخمسين سنة تخمينًا ويأتي بقية أحواله عند ذكر الوفيات من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏
تم في يوم الاثنين ثاني عشر شهر رجب خلع السلطان على الأمير يلبغا البهائي الظاهري برقوق أحد أمراء الطبلخانات وثاني حاجب باستقراره في نيابة الإسكندرية عوضًا عن الأمير تمرباي التمربغاوي بحكم عزله‏.‏ ثم ندب السلطان الأمير يشبك السودوني الأمير سلاح لسفر الصعيد وعين معه عدة كبيرة من المماليك الأشرفية نجدة لمن تقدم قبله لقتال عرب الصعيد وخرج في يوم الاثنين ثاني شهر رمضان بمن معه من المماليك الأشرفية‏.‏
ثم في يوم الاثنين تاسع شهر رمضان قدم الأمير الطواشي خشقدم اليشبكي ونائبه فيروز الركني الرومي من ثغر دمياط وأمرهما السلطان بالتوجه إلى المدينة النبوية صحبة ركب الحاج ليقيما بها‏.‏ ثم في يوم الأربعاء حادي عشر شهر رمضان المذكور ورد على السلطان كتاب الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حماة يتضمن ورود الأمير بردبك العجمي الجكمي حاجب الحجاب بحلب عليه وصحبته من أمراء حلب أميران بعد هزيمتهم من الأمير تغري برمش نائب حلب بعد خروجه عن طاعة السلطان وعصيانه‏.‏
وكان أشيع خبر عصيانه إشاعات فلما ورد هذا الخبر تحقق كل أحد صحة ما أشيع‏.‏ وكان من خبر عصيانه أن تغري برمش المذكور كان له من يوم مات الملك الأشرف برسباي أخذ في أسباب الخروج واحترز على نفسه في عوده صحبة العساكر إلى حلب غاية الاحتراز حتى إنه لم يدخل حلب إلا بعد خروج العساكر المصرية منها بعد أيام‏.‏
ولما دخل حلب شرع في تدبير أمره والنظر في ما يفعله لنفسه‏.‏ ولم يكن له غرض في طلب الملك لمعرفته أن القوم لا يرضونه لذلك غير أنه يعلم أنهم لا يدعونه في نيابة حلب إن أمكنهم ذلك لكونه تركمانيًا غير الجنس‏.‏
وتحقق هذا فأخذ في عمل مصلحة نفسه واستدعى أمراء التركمان للقيام معه فأجابه جماعة كبيرة وانضم عليه خلائق‏.‏ وكان تغري برمش من رجال الدهر عارفًا بتدبير أموره جيد التصرف وعنده عقل ومكر وحدس صائب وتدبير جيد وهمة عالية على أنه كان لا يعرف المسألة الواحدة في دين الله مع جمودة في مجالسته وخشونة ألفاظ تظهر منه كما هي عادة أوباش التركمان وجميع جهده ومعرفته كانت في أمور دنياه لا غير مع جبن وبخل إلا في مستحقه‏.‏
فلما استفحل أمره بمن وافقه من أمراء التركمان في الباطن وبكثرة مماليكه وخدمه مع ما كان حصله من الأموال وبلغه مع ذلك أن الملطفات السلطانية وردت على أمراء حلب في القبض عليه رأى أنه يظهر ما استكتمه من الخروج عن الطاعة ويملك حلب وأعمالها طول عمره لما دبره أنه إذا غلب عليها وكثرت عساكره بها يحصنها ويقيم بها فإن جاءه عسكر هو قبيله قاتله وإن كانت الأخرى انهزم أمامه بعد تحصين قلعتها وتوجه إلى جهة بلاد التركمان إلى أن يعود عنها من أتاها من العساكر ولم يبق بها إلا من استنيب بها وقدمها تغري برمش وملكها منه كما كان يفعله شيخ ونوروز مع الملك الناصر فرج بن برقوق مع أن تغري برمش هذا كان أرسخ منهما قدمًا بتلك البلاد لكونه كان تركمانيًا وله أموال جمة وأكثر دهاء ومكرًا وإن كان شيخ ونوروز أعظم في النفوس وأشجع فليس هذا محل شجاعة وعظمة وإنما هو محل تشويش وتنكيد‏.‏
وتأييد ما قلته أن الملك الظاهر جقمق قلق لعصيان تغري برمش هذا أكثر من عصيان الأمير إينال الجكمي نائب الشام الآتي ذكره‏.‏ وأرسل الملك الظاهر خلفي وكلمني في المحضر المكتتب في حق تغري برمش هذا قديمًا من قتله لبعض مماليك الوالد لما كان تغري برمش المذكور بخدمة الوالد على ما سيأتي بيانه في ذكر وفيات هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وكلمني الملك الظاهر في أمر تغري برمش بسبب المحضر وغيره فلحظت منه ما ذكرته من تخوفه من طول أمر تغري برمش المذكور معه - انتهى‏.‏
وكان أول ما بدأ به تغري برمش أنه أخذ يستميل الأمير حطط نائب قلعة حلب فلم يتم له ذلك‏.‏ فأخذ يدبر على أخذ القلعة بالحيل فأحس حطط وكلم أمراء حلب بسببه واتفقوا على قتاله وبادروه وركبوا عليه بعد أمور وقعت يطول شرحها‏.‏ ورمى عليه حطط من أعلى قلعة حلب وركب الأمير بردبك العجمي الجكمي حاجب حلب والأمير قطج من تمراز أتابك حلب وجماعة أمراء حلب وعساكرها وواقعوه فصدمهم بمماليكه صدمة بدد شملهم فيها وانهزموا وتشتتوا‏.‏
فتوجه قطج إلى جهة البيرة فيما أظن وتوجه بردبك العجمي ومعه أيضًا جماعة إلى حماة وكانت الوقعة في ليلة الجمعة ثامن عشرين شعبان ودخل بردبك حماة في آخر يوم السبت سلخ شعبان‏.‏ هذا ما كان من أمر تغري برمش ويأتي بيان أمر هذه الوقعة في كتاب تغري برمش المذكور إلى السلطان فيما بعد‏.‏
وأما ما كان من أمر السلطان فإنه لما بلغه خبر عصيانه طلب الأمراء وعمل معهم مشورة بسببه فوقع الاتفاق بعزله عن نيابة حلب وتولية غيره ثم ينتظر السلطان بعد ذلك ما يرد عليه من الأخبار من البلاد الشامية لما كان أشيع بالقاهرة أن الأمير إينال الجكمي هو الذي أشار لتغري برمش المذكور بالخروج عن الطاعة وأنه موافقه في الباطن فلذلك لم يعين السلطان أحدًا من العساكر المصرية ولا نواب البلاد الشامية لقتال تغري برمش‏.‏
فلما كان يوم الخميس ثاني عشر شهر رمضان المذكور كتب السلطان بنقل الأمير جلبان أمير آخور نائب طرابلس إلى نيابة حلب عوضًا عن تغري برمش المذكور وأن يستقر الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حماة المقدم ذكره في نيابة طرابلس عوضًا عن جلبان وأن يستقر بردبك العجمي الجكمي حاجب حجاب حلب المقدم ذكره في نيابة حماة عوضًا عن قاني باي الحمزاوي‏.‏
وتوجه الأمير علي باي العجمي المؤيدي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بتقليد جلبان وتشريفه بنيابة حلب وتقليد بردبك العجمي بنيابة حماة وبردبك المذكور هو خال علي باي المتوجه وجالبه وبه يعرف بالعجمي على شهرة خاله المذكور‏.‏ وتوجه الأمير جانبك المحمودي المؤيدي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بتقليد الأمير قاني باي الحمزاوي وتشريفه بنيابة طرابلس وعلي باي وجانبك هما يوم ذاك عقد المملكة وحلها‏.‏
وبقي السلطان في قلق بسبب إينال الجكمي نائب الشام لكونه أشيع أن سودون أخا إينال الجكمي منذ قدم من عند إينال إلى القاهرة يستميل الناس إليه‏.‏ وكان السلطان لما تسلطن أرسل سودون المذكور إلى جميع نواب البلاد الشامية - وكانت العادة جرت أنه يتوجه لكل نائب أمير يبشره بجلوس السلطان على تخت الملك - كل ذلك مراعاة لخاطر أخيه إينال الجكمي‏.‏ وكان السلطان أيضًا أرسل إلى إينال المذكور بخلعة ثانية مع الأمير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك باستمراره على نيابة دمشق‏.‏
فلما كان يوم الاثنين سادس عشر شهر رمضان ورد الخبر على السلطان من الأمير طوخ مازي الناصري نائب غزة بأن الأمير ناصر الدين محمد بن منجك المقدم ذكره لما وصل من عند السلطان بما على يده من الخلعة إلى جسر يعقوب بعث إليه إينال الجكمي ساعيًا يستحثه على سرعة القدوم إلى دمشق ثم أردفه بآخر حتى قدم ابن منجك إلى دمشق في يوم السبت سابع شهر رمضان المذكور وخرج إينال إلى لقائه ولبس التشريف السلطاني المجهز إليه على يد ابن منجك وقبل الأرض وركب الفرس المحضر معه أيضًا ودخل إلى دمشق في موكب جليل ونزل بدار السعادة فاطمأن أهل دمشق بذلك فإنه كان قد أشيع أيضًا بدمشق بعصيان نائبها المذكور‏.‏
فلما كان يوم الاثنين تاسعه ركب الأمير إينال الجكمي الموكب على العادة ودخل إلى دار السعادة وجميع أمراء دمشق وسائر المباشرين بين يديه وقد اطمأن كل أحد بأن ملك الأمراء مستمر على الطاعة‏.‏ فما هو إلا أن استقر في مجلسه أشار بالقبض على أعيان أمراء دمشق فأغلق الباب وقبض على جميع الأمراء والمباشرين وكان القائم في قبض الأمراء الأمير قاني باي الأبوبكري الناصري أتابك دمشق وقانصوه النوروزي أحد مقدمي دمشق‏.‏ والمقبوض عليهم أجلهم‏:‏ الأمير برسباي الحاجب وعدة كبيرة أخر يأتي ذكرهم‏.‏ قال‏:‏ وإن علي باي العجمي وجانبك المحمودي المتوجهين بتقليد نائب حلب وطرابلس وصلا إلى غزة وأقاما بها‏.‏ فلما سمع السلطان هذا الخبر اضطرب وتشوش غاية التشويش لأنه كان عليه أدهى وأمر‏.‏
وجمع الأمراء واستشارهم في أمر إينال وتغري برمش فأشاروا الجميع بسفره‏.‏ وتذكر السلطان قول آقبغا التمرازي لما أشار عليه قبل سلطنته أن يتوجه إلى البلاد الشامية ثم يتسلطن فلم تفده التذكرة الآن‏.‏ وانفض الموكب على أن السلطان يسافر لقتال المذكورين‏.‏ ثم في يوم الأربعاء ورد الخبر على السلطان أن الأمير قطج أتابك حلب وصل أيضًا إلى حماة وأن تغري برمش أخذ مدينة عين تاب وقلعتها وأن عدة من قبض عليه الأمير إينال الجكمي من أمراء دمشق تسعة عشر أميرًا وأنه قبض أيضًا على جمال الدين يوسف بن الصفي الكركي ناظر جيش دمشق وعلى القاضي بهاء الدين محمد بن حجي كاتب سر دمشق وأن علي باي وجانبك المحمودي توجها من غزة إلى الأمير إينال الناصري العلائي نائب صفد‏.‏
ثم في يوم الخميس عشرينه ورد على السلطان كتاب الأمير تغري برمش نائب حلب مؤرخًا بثاني شهر رمضان يتضمن أنه في يوم الثالث والعشرين من شعبان لبس الأمير حطط نائب القلعة ومن معه بالقلعة السلاح وقاموا على سور القلعة ونصبوا المكاحل وغيرها وأمروا من تحت القلعة من أرباب المعايش وسكان الحوانيت بالنقلة من هناك وأنه لما رأى ذلك بعث يسأل حطط عن سبب هذا فلم يجبه‏.‏ إلى أن كان ليلة التاسع والعشرين منه ركب الأمير قطج أتابك العساكر والأمير بردبك الحاجب في عدة أمراء لابسين السلاح ووقفوا تحت القلعة فبعث إليهم جماعة من عسكره فكانت بين الفريقين وقعة هائلة انهزم فيها قطج وأنه باق على طاعة السلطان وأنه بعث يسأل حطط ثانيًا عن سبب هذه الحركة فأجاب بأن الأمير بردبك الحاجب ورد عليه مرسوم السلطان بالركوب عليك وأخذك‏.‏
وجهز تغري برمش أيضًا محضرًا ثانيًا على قضاة حلب بمعنى ما ذكره وأنه باق على طاعة السلطان وأنه لم يتعرض إلى القلعة فلم يعول السلطان على كتابه ولا على ما ذكره لما سبق عنده من خروجه عن الطاعة - انتهى ما تضمنه كتاب تغري برمش‏.‏ ثم ورد على السلطان كتاب الأمير فارس نائب قلعة دمشق بأن الأمير إينال الجكمي أمر فنودي بدمشق بالأمان والاطمئنان والدعاء للسلطان الملك العزيز يوسف وأن القاضي تقي الدين بن قاضي شهبة قاضي قضاة دمشق دعا للملك العزيز على منبر جامع بني أمية في يوم الجمعة وأن الخطبة بقلعة دمشق باقية باسم السلطان الملك الظاهر جقمق كل ذلك والسلطان قد اتفق ثم في يوم السبت حادي عشرين شهر رمضان استقر القاضي بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة ناصر الدين أحمد التنسي أحد خلفاء الحكم المالكية قاصي قضاة الديار المصرية بعد موت العلامة شمس الدين محمد بن أحمد البساطي‏.‏
ثم أصبح السلطان من الغد في يوم الأحد ابتدأ بعرض المماليك السلطانية وعين من الخاصكية ثلاثمائة وعشرين خاصكيًا لسفر الشام مع من يأتي ذكره من أمراء الألوف وغيرهم‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثالث عشرينه خلع السلطان على الأمير الكبير آقبغا التمرازي باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن إينال الجكمي بحكم عصيانه على كره منه وتمنع كبير‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء أيضًا عرض السلطان الخاصكية وعين منهم للسفر ثلاثمائة وثلاثين خاصكيًا لتتمة ستمائة وستين خاصكيًا ثم نقص منهم خمسة بعد أيام‏.‏ ثم في يوم الأربعاء خامس عشرينه عين السلطان للسفر من أمراء الألوف‏:‏ قراخجا الحسني رأس نوبة النوب وتمرباي السيفي تفربغا المشطوب ومن أمراء الطبلخانات‏:‏ الأمير طوخ من تمراز الناصري رأس نوبة ثاني وهو مسفر الأتابك آقبغا التمرازي ومن أمراء العشرات عشرة وهم‏:‏ أقطوه الموساوي وقد صار أمير طبلخاناه وتنم من عبد الرازق المؤيدي محتسب القاهرة ورأس نوبة ثم أعفي بعد ذلك ويشبك من أزوباي الناصري رأس نوبة وبايزير من صفر خجا الأشرفي رأس نوبة وآقبردي الأشرفي أمير آخور ثالث وقيز طوغان العلائي وسودون الإينالي المؤيدي المعروف بقراقاس رأس نوبة وسودون العجمي النوروزي رأس نوبة وسودون النوروزي السلاح دار رأس نوبة وجانبك النوروزي رأس نوبة وخشكلدي الناصري البهلوان‏.‏
ثم ورد الخبر على السلطان من الأمير طوغان العثماني نائب القدس بأن إينال الجكمي أطلق الأمراء الذين قبض عليهم قبل تاريخه وحلفهم للملك العزيز يوسف وذلك بشفاعة قاني باي الناصري البهلوان أتابك دمشق‏.‏ فحزر أهل المعرفة أن أمر إينال الجكمي لا يتم لتضييعه الحزم فيما فعل من الإفراج عن الأمراء بعد أن تأكدت الوحشة بينهم ومع ما كان بينه وبين الأمير برسباي الحاجب من حضوض الأنفس قديمًا‏.‏ ونفرت القلوب بذلك عن إينال الجكمي وأول من نفر عنه تغري برمش نائب حلب وقال في نفسه عن إينال المذكور‏:‏ ‏"‏ هذا في الحقيقة ليس بخارج عن الطاعة وإنما قصد بالإشاعة عنه أنه عاص حتى أقدم عليه ويقبض علي تقربًا لخاطر السلطان ‏"‏‏.‏
وهو معذور في ذلك فإن مثل هؤلاء ما كان يفرج عنهم بشفاعة ولا لشفقة عليهم وقد قصد ما قصد ولله در المتنبي في قوله‏:‏ الكامل لا يخدعنك من عدوك دمعه وارحم شبابك من عدو ترحم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم ومن يومئذ أخذ أمر إينال الجكمي في الاضمحلال قليلًا واستخف كل أحد عقله وتعجب من سوء تدبيره وكاد أخوه سودون العجمي أن يموت قهرًا لما بلغه عن أخيه إينال ذلك وهو يوم ذاك من جملة أمراء العشرات بالديار المصرية‏.‏
ثم ورد الخبر على السلطان بأن الأمير إينال العلائي الناصري نائب صفد خرج منها وسار حتى نزل بالرملة في سابع عشر شهر رمضان بعدما أرسل إليه إينال الجكمي يدعوه لموافقته وأعلمه أيضًا أنه ما قام في هذا الأمر إلا وقد وافقه نواب المماليك وأركان الدولة وعظماء أمراء مصر فلم يلتفت إينال العلائي لكلامه ثم خشي أن يكبس بصفد فخرج منها بعد أن جعل حريمه بقلعة صفد وسار حتى نزل الرملة فسر السلطان بذلك وكتب إليه بالثناء والشكر ثم في يوم الخميس سابع عشرين شهر رمضان المذكور أنفق السلطان في العسكر المجرد إلى الشأم - وعدتهم ما بين خاصكي ومملوك‏:‏ ستمائة واثنان وخمسون نفرًا - كل واحد ثمانين دينارًا‏.‏
ثم قدم الخبر بأن الأمير جلبان المستقر في نيابة حلب وصل إلى الرملة في يوم الاثنين ثالث عشرين شهر رمضان فارًا من تغري برمش نائب حلب‏.‏ وكان من خبر تغري برمش نائب حلب أنه لما قوي أمره وبلغه عصيان إينال الجكمي أيضًا عظم أمره واستدعى التركمان إلى حلب فقدم عليه منهم جماعة كبيرة إلى الغاية ثم عمل مكحلة عظيمة من نحاس ليرمي بها على قلعة حلب‏.‏ وأخذ مع هذا كله يستميل جماعة من أهل قلعة حلب فمالوا له في الباطن وواعدوه على تسليم القلعة له وهو مع ذلك مستمر في حصار القلعة المذكورة والنقب في جدر القلعة عمال والقتال بينه وبينهم في كل يوم يزداد إلى أن بلغ الأمير حطط نائب قلعة حلب عمن وافق تغري برمش المذكور من أهل القلعة فقبض على الجميع وأخذ بعضهم وجعله في المنجنيق ورمى به على تغري برمش ثم قتل جماعة منهم وجعل رؤوسهم على سور قلعة حلب‏.‏
فلم يكترث تغري برمش بذلك واستمر على ما هو عليه من حصار القلعة حتى أشرف على أخذها فخوفه بعض أصحابه من وثوب أهل مدينة حلب عليه وأشاروا عليه بأن ينادي لهم بالأمان فأمر بذلك‏.‏
وبلغ أهل حلب أن تغري برمش يريد أن يأمر التركمان بنهب حلب فلما نودي بالأمان تحققوا ما كان قيل من نهب حلب وألقى الله في نفوسهم أن يركبوا عليه ويقاتلوه قبل أن يأمر بنهبهم‏.‏ فثارت العامة وأهل حلب بأجمعهم بقسيهم وسلاحهم على حين غفلة وساروا يدًا واحدة واحتاطوا بدار السعادة وبه النائب تغري برمش وقد تقدم أن تغري برمش المذكور كان جبانًا غير ثابت في الحروب ضعيف القلب عند ملاقاة العدو وليس فيه سوى جودة التدبير وحسن السياسة بحسب الحال‏.‏ وبالنسبة لأمثاله من الجهلة فعندما بلغه وثوب أهل حلب عليه لم يثبت وذهب فارًا يريد الخروج من المدينة وسار حتى وقف خارج السور في نحو الأربعين فارسًا تخمينًا وقد نهبت العامة جميع ما كان له بدار السعادة من الخيول والأموال والسلاح وامتدت أيديهم إلى مماليك تغري برمش وأتباعه يقتلونهم وينهبونهم‏.‏
وكان له المماليك الكثيرة المتجملة في لبسهم وسلاحهم غير أنهم كانوا على مذهب أستاذهم في الجبن والخور وعدم الثبات في القتال ولم يظهر لأحد منهم نتيجة في هذا اليوم ولا في يوم مصاففته للعسكر المصري بل هرب غالبهم وجاء إلى العساكر المصرية قبل وقوع القتال وتركوا أستاذهم في مثل ذلك اليوم مع عظم إحسانه لهم وتخولهم في النعم‏.‏ وكانت هذه الوقعة في يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان بعدما كان تغري برمش حاصر القلعة ثلاثة عشر يومًا‏.‏
وتلاحق عدة من أصحاب تغري برمش ومماليكه به ولم يجد له قوة للعود إلى حلب لقتال أهلها فسار بمن معه يريد طرابلس وانضم إليه الأمير طرعلي بن صقل سيز التركماني بأصحابه‏.‏ فلما قارب طرابلس لم يثبت الأمير جلبان وانهزم من طرابلس في العاجل إلى نحو الرملة حتى قدمها وانضم على من كان بالرملة من النواب وغيرهم‏.‏ وكان جلبان أيضًا من مقولة تغري برمش في القتال غير أن أمره كان في ستر لأمور لا تخفى على أحد‏.‏ فدقت البشائر لذلك وسر السلطان بهذا الخبر وتعجب الناس من نكبة تغري برمش المذكور مع قوة أمره وكثرة جموعه‏.‏ ولما وصل جلبان إلى الرملة واجتمع بالأمير إينال العلائي نائب صفد والأمير طوخ مازي نائب غزة والأمير طوغان العثماني نائب القدس اتفقوا على مكاتبة السلطان فكتبوا له يستدعونه للسير بنفسه بعد تجهيز العساكر بين يديه سريعًا‏.‏
وكان قدم بهذا الخبر صرغتمش السيفي تغري بردي أحد مماليك الوالد وهو يوم ذاك دوادار الأمير جلبان فخلع عليه السلطان في يوم الأحد تاسع عشرينه باستقراره دوادار السلطان بحلب عوضًا عن سودون النوروزي بحكم انتقاله إلى حجوبية حلب بعد بردبك العجمي المنتقل إلى نيابة حماة‏.‏
ثم في هذا اليوم قدم الأمير جانبك المحمودي المتوجه بتقليد قاني باي الحمزاوي بنيابة طرابلس بعد أن وصل إلى الرملة ولم يتمكن من التوجه إلى حماة خوفًا من إينال الجكمي فأثار عند قدومه إلى القاهرة شرورًا كبيرة فإنه زعم أنه ظفر بكتب جماعة من الأمراء وغيرهم إلى العصاة ببلاد الشام أوقف عليها السلطان فتعجب السلطان من ذلك غاية العجب فإنه كان من يوم جلس على تخت الملك ويده ممدودة بالإحسان لكل أحد حتى إنه ترقى في أيامه إلى الوظائف السنية والإقطاعات الهائلة جماعة من الأوباش لم يكن لهم ذكر بين الناس قبل ذلك وفيهم من لم أره قبل تاريخه ولا أعرف شكله جملة كافية وصار منهم السقاة ورؤوس نوب الجمدارية وبجمقدارية وسلاح دارية وغير ذلك وأثرى منهم جماعة ممن كان غالب معيشته بالشحاذة والتكدي لكثرة ما أغدق عليهم الملك الظاهر جقمق بالعطاء وصار ينعم عليهم بالأقمشة الفاخرة حتى إنه رهب لبعضهم الكوامل المخمل المنقوشة بأطواق السمور وبالطرز الزركش العريضة وهو مستمر على ما هو عليه ليوم تاريخه فلما وقف على الكتب قال‏:‏ هذه مفتعلة ولم ينتقم على أحد وأخذ فيما هو فيه من تجهيز العساكر‏.‏
فرار الملك العزيز
فرار الملك العزيز ثم أصبح من الغد في يوم الاثنين سلخه عملت الخدمة بالقصر على العادة وبينما هو في ذلك بلغه من الأمير قراخجا الحسني رأس نوبة النوب فرار الملك العزيز يوسف من محبسه بدور قلعة الجبل - أعني سكنه فإنه كان سكن بقاعة البربرية من الحريم السلطاني - فاستبعد السلطان ذلك وندب بعض خواصه أن يتوجه إلى الأمير فيروز الزمام ويسأله عن صحة هذا الخبر‏.‏ فمضى المذكور لفيروز وسأله عن لسان السلطان فأنكر فيروز ذلك ودخل من وقته فلم يجد العزيز في مكانه ووجد نقبًا بقاعة البربرية يتوصل منه إلى المطبخ السلطاني فعاد القاصد بصحة الخبر على السلطان‏.‏
فلما تحقق السلطان ذهاب الملك العزيز كادت روحه أن تزهق وعظم عليه الخبر ونسي ما كان فيه من أمر إينال الجكمي وتغري برمش‏.‏ وعرف السلطان الأمراء وأكابر الدولة بذلك فما منهم إلا من ظهر عليه الخوف والفزع‏.‏ وماجت المملكة وكثر الكلام واختلفت الأقاويل في أمر الملك العزيز وفراره وفي أين توجه‏.‏
وكان من خبر العزيز - على اختلاف النقول - أن الملك العزيز لما حبس بقاعة البربرية من الدور السلطانية أقر الملك الظاهر عنده دادته سر النديم الحبشية ومعها عدة جوار أخر سراري الملك العزيز ومرضعته أيضًا ورسم لمرضعته أنها تخرج إلى حيث شاءت وجعل القائم في خدمة الملك العزيز لقضاء حوائجه طواشيًا هنديًا من عتقاء أمه خوند جلبان يسمى صندلًا وسنه دون العشرين سنة‏.‏ فصار صندل المذكور يتقاضى حوائج العزيز ويقبض له ما رتب له من النفقة من أوقاف أبيه فاحتوى صندل على جميع أمور الملك العزيز وعرف جميع أحواله‏.‏ وكان عند الطواشي يقظة ومعرفة وبقي كلما بلغه عن الملك العزيز شيء يبلغه له‏.‏
فأشيع بالقاهرة أن السلطان يريد يرسل الملك العزيز إلى سجن الإسكندرية ثم أشيع أنه يريد أن يكحله فبلغه صندل المذكور جميع ذلك فخاف العزيز خوفًا عظيمًا‏.‏ ثم بلغه أن بعض علماء العصر أفتى بقتل العزيز صيانة دماء المسلمين من كونه مخلوعًا عن الملك وله شوكة والملك الظاهر متول ولم يكن له شوكة فإن أبقي على العزيز ربما تثور شوكته ويقاتل السلطان فيقع بذلك الفساد وتسفك دماء كثيرة من المسلمين‏.‏
فلما بلغ العزيز ذلك - على ما قيل - حار في أمره فحسن له صندل المذكور الفرار فاستبعد العزيز وقوع ذلك ثم وافقه‏.‏ وكان للملك العزيز طباخ يسمى إبراهيم من أيام والده فداخله صندل في الكلام بفرار العزيز فأجابه إبراهيم المذكور أنه ينهض بذلك ويقدر على خروجه من القلعة بحيلة يدبرها‏.‏ ثم أمر إبراهيم الطباخ صندلًا أن ينقب من داخل القلعة نقبًا يصل إلى المطبخ المذكور وأن إبراهيم ينقب من خارج المطبخ مقابله‏.‏
فأمر العزيز جواريه بالنقب من داخل القلعة مساعدة للطباخ حتى تهيأ ذلك‏.‏ وتم هذا وصندل يتحدث مع جماعة من المماليك الأشرفية في مساعدة الملك العزيز إذا خرج ونزل من القلعة فمال إلى ذلك جماعة‏:‏ منهم طوغان الزردكاش وأزدمر مشد الملك العزيز أيام أبيه في آخرين من المماليك الأشرفية وبذلوا لصندل الطاعة في ذلك ورغبوه في نزول الملك العزيز إليهم واستحثوه على ذلك‏.‏
وتكلم طوغان الزردكاش مع جماعة أخر من الأشرفية فمال الجميع إلى نزوله إليهم مع عدم الاتفاق مع أكابر الأشرفية ولا تشاوروا في ذلك بل صاروا يحرضون صندلًا على نزوله ولم يعينوا له مكانًا يجلس فيه إلى أن يفعلوا له ما هو قصدهم فلم يعرف صندل العزيز ذلك بل صار يمليه بخلاف الواقع إلى أن انتهى النقب المذكور‏.‏
فلما كان الإفطار من ليلة الاثنين سلخ شهر رمضان من سنة اثنتين وأربعين والناس في شغل بالصلاة والفطر أخرج الطباخ الملك العزيز من النقب عريانًا مكشوف الرأس فألبسه الطباخ من ثيابه ثوبًا مملوءًا بسواد القدور والأوساخ وحمله قدرًا فيه طعام وقيل صحنًا فيه منفوع الطباخين من الطعام يوهم الطباخ بذلك أنه صبيه ثم جعل على يده خافقية فيها طعام وغير وجه الملك العزيز ويديه بالزفر وسواد القدور‏.‏
وخرجا جميعًا من غير هرج ولا اضطراب ولا خوف حتى وصلا إلى باب القلعة فوافاهم الأمراء والخاصكية وقد خرجوا بعد إفطارهم من عند السلطان‏.‏ فلما رأى إبراهيم الطباخ الأمراء والخاصكية خاف أن يفطن به أحد لجمال وجهه وحسن سمته ولما عليه من الرونق فضربه ضربة بيده وسبه يريد بذلك أنه صبيه ويستحثه على سرعة الحركة والمشي ليرد الوهم عنه بذلك‏.‏ فأسرع الملك العزيز في المشي وسارا حتى نزلا من قلعة الجبل فإذا صندل وطوغان الزردكاش وأزدمر مشد العزيز في آخرين واقفين في انتظاره‏.‏ فحال ما رأوه قبلوا يده وأخذوه إلى دار بعضهم فأنكر العزيز ذلك منهم ونهر صندلًا الطواشي وقال‏:‏ ‏"‏ ما على هذا أنزلت ‏"‏ وكان في ظن العزيز أنه ساعة ما ينزل إليهم يأخذوه ويركبون به إلى جهة قبة النصر أو غيرها بمجموعهم ويقاتلون السلطان الملك الظاهر حتى يملكوا منه القلعة على ما كان صندل يقول له مثل ذلك‏.‏ وأراد العزيز العود إلى مكانه بالقلعة فلم يمكنه ذلك‏.‏
وقام طوغان في منعه ووعده بقيام جميع خشداشيته من الأشرفية بنصرته وأنهم اتفقوا على ذلك وأنهم إلى الآن لم يصدقوا بنزول الملك العزيز فإذا علموا ذلك اجتمع الكل في القيام بنصرة الملك العزيز فإن لم يفعلوا ذلك أخذه هو وسار به إلى بلاد الصعيد عند الأمير يشبك السودوني أمير سلاح المجرد قبل تاريخه لقتال عرب الصعيد وكان صحبة يشبك جماعة كبيرة من المماليك الأشرفية نحو سبعمائة مملوك مع ميل يشبك إلى الأشرفية في الباطن لكونه كان ممن أنشأه الملك الأشرف برسباي ثم افترقوا واختفى الملك العزيز ومعه صندل وأزدمر وإبراهيم الطباخ في مكان ليلته ثم تنقل في عدة أماكن أخر‏.‏
وأخذ طوغان في الكلام مع خجداشيته الأشرفية في القيام بنصرة ابن أستاذهم الملك العزيز فاعتلوا بأن غالبهم قد توجه إلى بلاد الصعيد ولم يجيبوا له دعوة‏.‏ فلما علم منهم ذلك ركب هجنًا وسار إلى بلاد الصعيد لإعلام الأمير يشبك والمماليك الأشرفية بنزول الملك العزيز إليه‏.‏
ودخل جماعة كبيرة منهم إلى الأمير إينال الأبوبكري الأشرفي وكلموه في القيام بنصرة ابن أستاذه فخاف العواقب ولم يوافقهم وتسحب من داره على بغل ثم نزل ماشيًا واختفهذا ما بلغنا من أفواه الناس فإني لم أجتمع مع إينال المذكور بعد ذلك هذا والسلطان وحاشيته قد عظم قلقهم وصار السلطان لا يعلم أين ذهب الملك العزيز ولم يشك هو وغيره أن الأمير إينال الأبوبكري أخذ العزيز على هجنه المجهزة لسفر الحجاز فإنه كان ولي إمرة الحاج وسار إلى الأمير إينال الجكمي‏.‏
قلت‏:‏ ولو فعل إينال ذلك لكان تم له ما قصد لكثرة هجنه ورواحله وعظم حواشيه من خجداشية وغيرهم وكان ذلك هو الرأي فحسن الله له غير ذلك حتى يصل كل موعود إلى ما وعد‏.‏ كل ذلك في يوم سلخ رمضان‏.‏
فلما كان الليل وهي ليلة عيد الفطر التي تسحب فيها إينال المذكور تفرقت المماليك المؤيدية وغيرهم إلى طرقات القاهرة ودار منهم طائفة كبيرة حول القلعة وبالقرب من بيت إينال المذكور مخافة أن يخرج إينال في الليل بالملك العزيز‏.‏ وكثر هرج الناس في تلك الليلة وتخوفوا من وقوع فتنة من الغد‏.‏ ومضت تلك الليلة على أبشع وجه من اضطراب الناس‏.‏ وتخوفهم وأصبح السلطان صلى صلاة العيد بجامع القلعة وهو على تخوف وقد وقف جماعة بالسلاح مصلتًا رأسه حتى قضى صلاته‏.‏
وخطب قاضي القضاة شهاب الدين بن حجر وأوجز في خطبته كما أسرع في صلاته‏.‏ وعندما فرغ من الخطبة وصل الخبر للسلطان إن الأمير إينال تسحب في الليل فعظم الخطب‏.‏ فلما علم السلطان بتسحب إينال أمر فنودي بالقاهرة أن لا يتخلف أحد من المماليك عن الخدمة وهدد من تخلف بالقتل‏.‏ فلما طلعوا قبض على جماعة من المماليك الأشرفية‏.‏ ثم نودي أيضًا في الناس بإصلاح الدروب وغلقهم أبواب دورهم وأن لا يخرج أحد من بيته بعد عشاء الآخرة وصارت أبواب القاهرة تغلق قبل عادة إغلاقها من الليل فكانت ليلة هذا العيد ويومه وثانيه من الأيام النكدة البشعة‏.‏
ثم في يوم الخميس ثالث شوال خلع السلطان على الأمير تنبك البردبكي أحد مقدمي الألوف باستقراره أمير حاج المحل عوضًا عن إينال المذكور بحكم تسحبه وخلع على قراجا الناصري الخاصكي البواب باستقراره والي القاهرة بعد عزل علاء الدين علي بن الطبلاوي وخلع على الأمير ممجق النوروزي أحد أمراء العشرات باستقراره في نيابة قلعة الجبل عوضًا عن تنبك المستقر في إمرة حاج المحمل‏.‏
وفيه أيضًا أمسك السلطان جماعة كبيرة من المماليك الأشرفية‏.‏ ثم في يوم الجمعة رابع شوال سار عسكر من الخاصكية إلى جهة الغربية تزيد عدتهم على سبعين فارسًا لمسك الأمير قراجا الأشرفي أحد مقدمي الألوف وكان ولي كشف الجسور الغربية‏.‏ فسار العسكر المذكور إلى جهة المحلة وبلغ قراجا ذلك فخرج إليهم وسلم نفسه فأخذ وقيد وحمل إلى الإسكندرية فسجن بها‏.‏ وأما السلطان فإنه أصبح في يوم السبت خامس شوال عزل الأمير أركماس الظاهري عن الدوادارية الكبرى وأخذت خيوله وخيول الأمير قراجا المقدم ذكره‏.‏
ثم في يوم الاثنين سابع شوال نودي بأن من وجد أحدًا من غرماء السلطان وطلع به فله خمسمائة دينار وإقطاع ومن غمز عليه أنه أخفى أحدًا منهم حل ماله ودمه هذا والمؤيدية قد تجردت للفحص عن الملك العزيز وعن المماليك الأشرفية في جميع الأماكن وقبضوا على جماعة من غلمانهم حتى دلوهم على أماكن بعضهم وصاروا يكبسون الدور والترب وديارات النصارى والبساتين وضواحي القاهرة ومصر ويمرون في الليل في الأزقة متنكرين فإنهم صاروا هم أكثر تخوفًا من السلطان على نفوسهم‏.‏
وسبب ذلك أن طائفة المماليك المؤيدية كانوا قاموا مع السلطان الملك الظاهر في أمر سلطنته أتم قيام مع من ساعدهم من جميع الطوائف غير أنهم كانوا هم أشد بأسًا في ذلك فلما تسلطن الملك الظاهر عرف لهم ذلك ورقاهم وقربهم حتى صاروا هم عقد المملكة وحلها وتحكموا في الدولة وأخرجوا المماليك الأشرفية من الديار المصرية إلى السجون وإلى الثغور وإلى البلاد وأهانوهم بعد عزهم واتضع جانبهم بعد رفعتهم‏.‏ فلما وقع لهم ذلك جدوا في الإغراء بالملك العزيز وقتله خوف العواقب فلم يسمع لهم السلطان‏.‏ فحسنوا له أن يكحله فلم يوافق أيضًا على ذلك‏.‏
فلما ثار الأمير إينال الجكمي نائب الشأم ودعا للملك العزيز وكان تغري برمش نائب حلب أيضًا أعظم ميلًا للملك العزيز لكونه نشء والده الملك الأشرف برسباي تحققت المؤيدية أنهم مقتولون أشر قتلة إن ملك العزيز ثانيًا وصار لشوكته دولة‏.‏
فحرضوا عند ذلك السلطان على قتله واستفتوا العلماء في ذلك فكتب بعضهم على قدر ما أنهى له في الفتوى وامتنع البعض‏.‏
ثم اشتهر بالقاهرة أنه إذا فرغ شهر رمضان يفعل بالعزيز ما هو القصد وتكلم الناس بذلك‏.‏ واتفق فرار العزيز إما لما بلغه هذا الخبر أو لمعنى آخر وأكثر قول الناس إنه لم يفر إلا لما خامر قلبه من الخوف والله أعلم‏.‏
ثم لما بلغ إينال الأشرفي خبر العزيز وتسحبه واستدعته خجداشيته بالقيام في نصرة ابن أستاذه فلم يوافق وخاف إن طلع القلعة من الغد يمسك اختفى‏.‏ فلما أصبح النهار وبلغ السلطان والناس فرار العزيز وتسحب إينال لم يشك الناس في أن إينال أخذ العزيز ومضى إلى إينال الجكمي‏.‏
ثم اختلفت الأقوال فعند ذلك علموا المؤيدية أنهم أشرفوا على الهلاك وأنهم ركبوا الأخطار فيما فعلوه في أمر الملك العزيز فحينئذ جدوا في الفحص عن أمره لبقاء مهجتهم لا لنصرة الملك الظاهر جقمق‏.‏ وصار الملك الظاهر يأخذ النار بيد غيره وهو فيما هو فيه من تجهيز العساكر لقتال الجكمي وتغري برمش‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء ثامن شوال أنعم السلطان بإقطاع الأمير قراجا الأشرفي على ولده المقام الناصري محمد وصار محمد المذكور من جملة أمراء الألوف واجلس تحت الأمير جرباش الكريمي أمير مجلس وهذا بخلاف العادة فإن العادة جرت من دولة الملك الظاهر برقوق إلى يومنا هذا أن ابن السلطان لا يجلس إلا رأس الميسرة فوق أمير سلاح فكلمه الأمراء في ذلك فلم يرض‏.‏ وما فعل الملأ الظاهر هذا الأمر وأمثاله إلا لعدم ثبات ملكه ولاضطراب دولته بسبب خروج النواب عن الطاعة وأيضًا تسحب العزيز - انتهى‏.‏
ثم أنعم السلطان بإقطاع إينال الأشرفي الأبوبكري على الأمير جرباش الكريمي قاشق وأنعم بإقطاع جرباش على الأمير شادبك الجكمي المعزول عن نيابة الرها وهو يوم ذاك أحد أمراء الطبلخاناة وإقطاع جرباش والذي أخذه كلاهما تقدمة ألف غير أن الخراج يتفاوت بينهما‏.‏
وأنعم السلطان بإقطاع أركماس الظاهري على الأمير أسنبغا الطياري الدوادار الثاني وأنعم بإقطاع شادبك على الأمير جرباش المحمدي الناظري المعروف بكرد وأنعم بإقطاع الأمير أسنبغا الطياري على الأمير دولات باي المؤيدي الأمير آخور الثاني وكلاهما طبلخاناة‏.‏ كل ذلك والقبض على الأشرفية مستمر مع الكتابة إلى الأعمال بأخذ الطرقات عليهم برًا وبحرًا والسلطان يستحث آقبغا التمرازي نائب الشام على السفر في كل قليل‏.‏
فلما كان يوم الخميس عاشر شوال برز آقبغا التمرازي بمن معه من القاهرة إلى الريدانية بعد أن خلع عليه السلطان خلعة السفر‏.‏ فلما لبسها وجاء إلى السلطان ليقبل يده قام له السلطان واعتنقه فمسك آقبغا يده وقال له‏:‏ ‏"‏ يا خوند لا تغير نيتك ‏"‏ فقال السلطان‏:‏ ‏"‏ لا والله ‏"‏‏.‏ ثم تأخر بخلعته ووقف على ميمنة السلطان لأن السلطان كان شرط له أن لا يخرج عنه إقطاع الأتابكية ووظيفتها إلى أن ينظر في أمر الجكمي ما سيكون فلهذا المقتضى وقف آقبغا في منزلة الأتابكية على ميمنة السلطان وكان حقه الوقوف على الميسرة كما هي عادة منازل نواب دمشق مع أن الأمير يشبك السودوني أمير سلاح ترشح للأتابكية وهو مجرد ببلاد الصعيد وأخرجت وظيفة إمرة سلاح عنه في هذا اليوم ولكن بغياب يشبك فالأتابكية شاغرة‏.‏
ثم خلع السلطان بحضرة آقبغا المذكور على الأمير تمراز القرمشي الأمير آخور الكبير باستقراره أمير سلاح عوضًا عن يشبك السودوني وقد رشح يشبك للأتابكية عوضًا عن آقبغا التمرازي المذكور‏.‏ وخلع على الأمير قراخجا الحسني رأس نوبة النوب باستقراره أمير آخور كبيرًا عوضًا عن تمراز القرمشي وهو يوم ذاك مقدم العساكر وأمر السلطان ولده المقام الناصري محمدًا بسكنى الحراقة من باب السلسلة إلى أن يعود الأمير قراخجا الحسني من سفره بالبلاد الشامية ونزل تمراز القرمشي من باب السلسلة في يومه‏.‏
وخلع السلطان على الأمير تغري بردي البكلمشي المعروف بالمؤذي حاجب الحجاب باستقراره دوادارًا كبيرًا عوضًا عن أركماس الظاهري‏.‏ واستقر الأمير تنبك البردبكي أمير حاج المحمل حاجب الحجاب غير أنه لم يلبس خلعة الحجوبية في هذا اليوم‏.‏
ثم خلع السلطان على الأمير تمرباي التمربغاوي المعزول عن نيابة الإسكندرية باستقراره رأس نوبة النوب عوضًا عن قراخجا الحسني بحكم انتقاله أمير آخور وتمرباي هذا أيضًا ممن عين لسفر التجريدة‏.‏ ثم خلع السلطان على دولات باي المحمودي الساقي المؤيدي الأمير آخور الثاني باستقراره دوادارًا ثانيًا عوضًا عن أسنبغا الطياري وخلع السلطان على الأمير جرباش المحمدي كرد باستقراره أمير آخور ثانيًا بعد دولات باي المؤيدي فامتنع جرباش المذكور من قبول ذلك لكونه يدي الأمير آخورية الثانية عن دولات باي وهو أقل منة رتبة حتى استعطفه السلطان وقرره على رتبته‏.‏
ونزل آقبغا وقراخجا وتمرباي - الجميع بخلعهم - إلى مخيمهم بالريدانية حسبما تقدم ذكره ثم تبعتهم العساكر المجردة من المماليك السلطانية وأمراء الطبلخانات والعشرات وغيرهم‏.‏ وفي هذا اليوم قدم الأمير يونس الركني الأعور أحد مقدمي الألوف بدمشق فارًا من إينال الجكمي فأكرمه السلطان وأنعم عليه بزيادة جيدة على إقطاعه وتقدمته بدمشق‏.‏ وأقام آقبغا التمرازي بالريدانية إلى يوم السبت ثاني عشر شوال فرحل منها واستقل بالمسير إلى الشام‏.‏ وفي يوم السبت هذا نفى السلطان إمام الملك الأشرف نور الدين عليًا السويفي إلى دمياط‏.‏
ثم في يوم الاثنين رابع عشر شوال رحل الأمير قراخجا الحسني الأمير آخور الكبير والأمير تمرباي التمربغاوي رأس نوبة النوب بمن معهما من الأمراء والمماليك السلطانية من الريدانية إلى جهة الشام‏.‏ وفيه ورد الخبر على السلطان بأن إينال الجكمي برز بمخيمه من مدينة دمشق إلى ظاهرها‏.‏ فلما كان يوم الخميس ثالث شوال المذكور عزم هو على الخروج من المدينة بنفسه إلى مخيمه ليسير بمن معه إلى نحو الديار المصرية‏.‏ فبينما هو في ذلك ركب عليه الأمير قاني باي الأبوبكري الناصري البهلوان أتابك دمشق وكان ممن وافق الجكمي على العصيان وحسن له ذلك ثم تركه ومال إلى جهة السلطان وركب معه الأمير برسباي الناصري حاجب الحجاب بدمشق وجميع أمراء دمشق وعساكرها ولم يبق مع إينال من أعيان أمراء دمشق إلا جماعة يسيرة مثل الأمير قنصوه النوروزي أحد مقدمي الألوف بدمشق والأمير تنم العلائي المؤيدي الدوادار أحد أمراء الطبلخانات بدمشق والأمير بيرم صوفي أحد الطبلخاناة بدمشق أيضًا والأمير مسروق أخو الملك الظاهر ططر وجماعة أخر يسيرة جدًا أعيانهم من ذكرناه‏.‏
فلما بلغ إينال الجكمي ركوب هؤلاء عليه مال عليهم وقاتلهم فلم يثبتوا له وانهزموا أقبح هزيمة‏.‏ ثم تراجعوا فحمل عليهم فانكسروا وتمزقوا شذر مذر‏.‏ وطلع قاني باي البهلوان إلى قلعة دمشق في جماعة كبيرة من الأمراء وتوجه غيرهم إلى عدة أماكن‏.‏

سبب مخالفة قاني باي وغيره
لإينال الجكمي بعد موافقتهم له أن السلطان أرسل ملطفات إلى قاني باي المذكور وغيره من أمراء دمشق يستميلهم إليه ووعدهم بأشياء كثيرة فلما سمعوا ذلك مالوا إليه وتركوا ما كان بينهم وبين إينال الجكمي من العهود والمواثيق ولم يستعبوا ذلك لكون أن هذا الغدر صار عادة لمن تقدمهم‏.‏
ولما كتب السلطان الملطفات المذكورة أرسلها إلى الأمير خشكلدي السيفي يشبك بن أزدمر وهو يوم ذاك نائب قلعة صفد فبعث بها خشكلدي المذكور على يد نصراني إلى بهاء الدين محمد بن حجي كاتب سر دمشق ففرقها بهاء الدين على أربابها‏.‏
فحال ما وقفوا عليها مالوا بأجمعهم إلا من ذكرناه ممن ثبت مع إينال وقالوا‏:‏ نحن وافقناه فلا نبرح عنه إلى الممات أو يقضي الله أمرًا كان مفعولًا‏.‏ وكان أكثر من وعد من أمراء دمشق الأمير سودون أخو مامش المؤيدي والأمير تنم العلائي المؤيدي من خجداشيهما المؤيدية فلم يلتفتوا إلى كتبهم واستقبحوا الغدر والخيانة فلله درهما‏.‏ وأنا أقول‏:‏ أما طاعة السلطان فهي واجبة على كل أحد والعصيان ومخالفة السلطان لا يجوز ولا يستحسن‏.‏
لكن أيضًا يقبح بالرجل أن يدخل إلى ملك ويحسن له العصيان والثوران ولا يزال به حتى يقع في ذلك بعد أن يعطيه العهود والمواثيق على موافقته والقيام بنصرته ثم يتركه بعد تورطه ودخوله في ذلك لأجل النزر اليسير من حطام أو لتناوله ولاية من الولايات وعندي أن هذا لا يقع إلا من نذل ساقط الهمة والمروءة لا نخوة له والأنفس الكريمة تأبى ذلك ولو مسهم الضر والرجل الفحل هو الثابت على قوله والمقر على طاعة سلطانه حفظًا لدينه ودنياه فإن لم يكن ذلك وأطاع شيطانه وركب هواه فليتم على ما قصده من ركوب الأهوال واقتحام الخطوب وهجوم الحروب فإما وإما وما أحسن قول عنترة في ذلك حيث يقول‏:‏ الوافر أروم من المعالي منتهاها ولا أرضى بمنزلة دنيه فإما أن أشال على العوالي وإما أن توسدني المنيه فلما وصل هذا الخبر إلى السلطان سر بذلك ودقت البشائر بالديار المصرية‏.‏
ثم ورد الخبر على السلطان من بلاد الصعيد أن الأمير يشبك أمير سلاح انتهى بمن معه من العساكر السلطانية في طلب عرب هوارة إلى مدينة إسنا فلم يقع بهم وأنه رجع بالعساكر إلى مدينة هو فقدم عليه بها من المشايخ الصلحاء جماعة ومعهم طائفة من مشايخ هوارة راغبين في دخول الطاعة للسلطان وحلفوا على ذلك وأنه قدم عليهم بعد ذلك في يوم الأحد سادس شوال طوغان الأشرفي الزردكاش أحد الدوادارية الصغار ودعا العسكر إلى طاعة الملك العزيز والقيام بنصرته وذكر لهم أنه خرج من محبسه بقلعة الجبل ونزل إلى القاهرة واجتمع عليه جماعة من مماليك أبيه وأنه رآه بعينه ووعده بالوثوب معه هو وخجداشيته الأشرفية وأنه أمره أن يختفي فاختفى حتى ينتظم أمره بعود مماليك أبيه من بلاد الصعيد‏.‏
ثم حرضهم طوغان على ذلك فمال منهم طائفة وتخوفت طائفة‏.‏ واضطرب العسكر قليلًا إلى أن اجتمع الجميع على طاعة السلطان بعد أمور صدرت وحلفوا أنهم مقيمون على الطاعة‏.‏ فدقت البشائر لذلك وخلع على الواصل بهذا الخبر وأجيب الأمير يشبك بالشكر وبحمل طوغان المذكور في الحديد‏.‏ وكان علم السلطان قبل ذلك بتوجه طوغان المذكور إلى بلاد الصعيد وكتب إلى الأمير يشبك وإلى حكام الصعيد بحمله في الحديد‏.‏ ثم ورد الخبر بعد ذلك من الأمير يشبك بأنه نازل على مدينة سيوط وأن يونس الخاصكي ورد عليه بمرسوم شريف يتضمن القبض على طوغان المذكور وأن المماليك الأشرفية لم يمكنوه من ذلك فكثر قلق السلطان والدولة لورود هذا الخبر وخشوا وقوع فتنة ظنًا من المماليك الأشرفية أنهم من هذا القبيل ورسم السلطان في هذا اليوم بخروج الأمير أركماس - المعزول عن الدوادارية قبل تاريخه - إلى ثغر دمياط بطالًا‏.‏
ثم أخذ السلطان وحواشيه في الفحص عن الملك العزيز وكبست عدة أماكن وقبض على جماعة من المماليك الأشرفية‏.‏ وتزايد تحريض السلطان في طلب العزيز وقاسى الناس بسبب ذلك شدائد‏.‏ وكثرت الأراجيف بخروج الأمير يشبك أمير سلاح ومن معه من المماليك الأشرفية عن طاعة السلطان وأنهم عادوا يريدون القاهرة فمنعت المراكب من التعدية في النيل بكثير من الناس المتهمة بالخروج على السلطان هذا مع عظم التفتيش على العزيز والكبس على البيوت والبساتين والترب‏.‏
وغلقت بعض أبواب القاهرة نهارًا وأخذ أهل الدولة في الاستعداد للحرب‏.‏ هذا مع ما بالبلاد الشامية من الفتنة العظيمة من خروج نائب الشام ونائب حلب‏.‏ وصار السلطان في هذه الأيام في أشد ما يكون من القلق والتخوف وتكلم الناس بزوال ملكه‏.‏
فلما كان يوم السبت تاسع عشره برز أمير حاج المحمل الأمير تنبك بالمحمل وبعد خروجه من القاهرة قدم الخبر بالقبض على طوغان الزردكاش وحمله في الحديد ووصل طوغان المذكور في آخر النهار المذكور وكان أشيع الخبر بمسكه قبل ذلك فلم يصدقه أحد استبعادًا من تسليم خجداشيته له مع كثرتهم وشدة بأسهم‏.‏
وكان من خبر طوغان أنه لما نزل الملك العزيز من قلعة الجبل واجتمع به ووعده بالقيام معه توجه إلى الأمير إينال الأبوبكري الأشرفي فلم يحصل منه على طائل‏.‏ فمضى هو وجماعة إلى خجداشيتهم الأشرفية ووعدهم بالوثوب على الملك الظاهر والقيام بنصرة ابن أستاذهم فأجاب منهم طائفة كبيرة غير أنهم اعتذروا بغياب أعيانهم ببلاد الصعيد في التجريدة صحبة الأمير يشبك وأنهم في قلة لأن معظمهم بالصعيد وطلبوا منه أن يرسل يعلم خجداشيتهم بذلك فلم يجد لأحد منهم قوة للتوجه فقام هو بذلك بعد أن تحقق منهم الوثوب وخرج من القاهرة على الهجن‏.‏
وبلغ السلطان خبره فكتب بالقبض عليه في الطريق فلم يدركه أحد‏.‏ وسار حتى وصل إلى خجداشيته واجتمع بهم حسبما تقدم ذكره‏.‏ غير أنه أراد قضاء حاجته فأملى لخجداشيته أخبارًا في حق العزيز غير صحيحة يريد بذلك تمييز أمره فمالوا إلى كلامه‏.‏ فورد عليهم بعد ذلك الأخبار من المسافرين وغيرهم بهروب إينال واختفاء الملك العزيز على غير ما قاله له طوغان وأن الفحص على الملك العزيز في كل يوم مستمر فعند ذلك اختلفت كلمتهم على القيام بأمر العزيز وعلموا أن غالب كلام طوغان غير صحيح‏.‏
هذا والأمير يشبك يستميلهم إلى طاعة السلطان ويخوفهم عاقبة مخالف السلطان حتى أفضى به وبهم أن جمع عليه الكاشف بالوجه القبلي وعدة كبيرة مم عربان الطاعة وهم بمحاربتهم فلم يكن لهم طاقة بمحاربته مع ما تبين لهم من فساد أمرهم واختلاف كلام طوغان فأسلموه بعد أن كانوا انقلبوا جميعهم للخروج معه وهو أن طوغان لما جد في مسيره حتى وصل إليهم أعلمهم بأن الملك العزيز خرج من سجنه ونزل من القلعة واجتمع عليه خلائق من الأشرفية وغيرهم وأنه محاصر للملك الظاهر جقمق بقلعة الجبل فهيج هذا الكلام خواطرهم وتحركت كوامنهم وأجمعوا على القيام بنصرة ابن أستاذهم ومال إليهم كل أحد حتى الأمير يشبك في الباطن‏.‏
وكادت الفتنة تقوم ويظهر كل أحد الميل للملك العزيز فترادفت كف السلطان والقصاد بغير ما قاله طوغان فتوقفوا عما كانوا عزموا عليه‏.‏
ولا زال أمر الملك العزيز يتضح لهم حتى أسفرت القضية على أنه مختف وأن إينال تسحب فعند ذلك رجع كل أحد عما كان في ضميره وأظهر طاعة السلطان وأسلموا طوغان فقيد وحمل إلى القاهرة‏.‏ ولما طلع طوغان إلى القلعة حبس بها وأجري عليه أنواع العقوبة والعذاب المتلف وكسروا غالب أعضائه بالمعاصير وعوقب معه ثلاثة نفر من الخاصكية فلم يقر أحد منهم على غير ما قاله طوغان أن العزيز لما نزل من القلعة و إبراهيم الطباخ وقف بمكان بالمصنع بالقرب من قلعة الجبل واجتمع عدة من المماليك الأشرفية - وسماهم فكان غالبهم ممن لا يعرف - فأجمع رأيهم بأن يسيروا إلى الشام بالعزيز ثم انصرفوا عن هذا الرأي عجزًا وتوجه طوغان ليأتي بالمماليك الأشرفية من بلاد الصعيد‏.‏
فلما تحقق السلطان ذلك كف عن عقوبة طوغان بعد أن تلف وأخرجه في يوم الثلاثاء ثاني عشرين شوال محمولًا لعجزه عن الحركة من شدة العقوبة ومعه خير بك الأشرفي وقد عوقب أيضًا وحملا إلى الرميلة عند باب الميدان من تحت القلعة ووسط وكان أمر طوغان هذا من أعجب العجب فإنه كان في دولة أستاذه الأشرف زردكاشًا فلما مات الأشرف خالف خجداشيته وانتمى إلى الملك الظاهر جقمق قبل سلطنته مع الأمير إينال الأشرفي وصار خصيصًا عند الملك الظاهر وولاه دوادارًا وصار مقربًا عنده‏.‏ ثم استحال عن السلطان ودبر عليه وأخرج الملك العزيز وقام في أمره من غير موافقة أحد من أعيان خجداشيته ولا مشاورة أحد من أرباب العقول‏.‏
ولم يكن هو من هذا القبيل من سائر الوجوه فكان من فعله وتدبيره ما ساقه إلى حتفه وتدبيره‏.‏ وكان طوغان المذكور طوالًا غير لائق في طوله وعنده طيش وخفة مع جهل وعدم تثبت في أموره‏.‏ ولم يكن من أعيان الأشرفية ولا ممن يلتفت إليه في الدولة - انتهى‏.‏
ثم في يوم الأربعاء ثالث عشرين شوال قبض على سر النديم الحبشية دادة الملك العزيز بعدما كبس عليها بعدة أماكن وعوقب بسببها خلائق فلم يعترضها السلطان بسوء بل قررها على الملك العزيز فأعلمته أنه مختف بالقاهرة‏.‏ ثم قبض على صندل الطواشي وقرره السلطان أيضًا فقال كما قالت الدادة فتحقق السلطان منهما أن الملك العزيز وإينال لم يخرجا من القاهرة وأن الذي أشيع من خروجهما غير صحيح وأن الملك العزيز لم يجتمع مع إينال البتة وأنه كان هو وصندل هذا وطباخة إبراهيم ومشده أزدمر من غير زيادة على ذلك والملك العزيز ينتقل بهم من مكان إلى مكان وأن صندلًا فارقه من منذ أربعة أيام وقد طرده أزدمر المذكور لأمر وقع بينهما‏.‏
فلما قصد صندل مفارقتهم دفع له العزيز خمسين دينارًا ففارقهم صندل وصار يتردد إلى بيوت أصحابه في زي امرأة حتى دخل على بعض أصحابه من النسوة في الليل فآوته حتى أصبح فدل عليه زوجها حتى أمسك وعوقب حتى أقر على جميع ما ذكرناه وأنه الآن لا يعرف مكان العزيز‏.‏ فسجنه السلطان وهم بعقوبة الدادة فشفعت فيها خوند مغل بنت البارزي زوجة السلطان وتسلمتها من السلطان من غير عقوبة وتمت عندها‏.‏
فخف عن السلطان ما كان به قليلًا من أمر الملك العزيز فإنه كان ظن كل الظن أن إينال أخذه وتوجه إلى إينال الجكمي بدمشق ثم قبض على مرضعة الملك العزيز وزوجها وعلى جماعة أخر من الرجال والنساء ممن كان من جواري الأشرف ومعارفهن وممن اتهم بأنه معرفة أزدمر وإبراهيم الطباخ‏.‏ ثم في يوم الخميس رابع عشرين شوال

 السلطان يعزل الطواشي فيروز الجاركسي

عن الزمامية لكونه تهاون في أمر الملك العزيز حتى تسحب من الدور السلطانية وعين السلطان عوضه زمامًا الطواشي جوهرًا القنقبائي الخازندار مضافًا إلى الخازندارية‏.‏
وفي ليلة الجمعة ويوم الجمعة كبست المؤيدية على مواضع كثيرة بالقاهرة وظواهرها ومضوا إلى دور الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم وكبسوا عليه وعلى جيرانه في طلب الأمير إينال الأشرفي والملك العزيز فلم يجدوا أحدًا‏.‏ وهرب الصاحب أمين الدين ثم ظهر وخلع عليه بعد ذلك‏.‏ واشتد طلب السلطان على الملك العزيز وهدد من أخفاه بأنواع العذاب والنكال فشمل الخوف غالب الناس‏.‏
ثم في يوم السبت سادس عشرين شوال خلع السلطان على جوهر الخازندار باستقراره زمامًا عوضًا عن فيروز الجاركسي بحكم عزله مضافًا للخازندارية والفحص على الملك العزيز مستمر في كل يوم وليلة وقد دخل الناس من الرعب والخوف ما لا مزيد عليه بسببه إلى أن كشف الله هذا البلاء عن الناس وقبض على الملك العزيز يوسف في ليلة الأحد سابع عشرين شوال واطمأن كل أحد على نفسه وماله بظهور الملك العزيز والقبض عليه‏.‏

خبر للملك عبد العزيز في فراره وكان من خبر الملك العزيز أنه لما اشتد الطلب عليه ضاقت عليه الأرض وكان له من يوم فر من القلعة وهو ينتقل من مكان إلى مكان لا سيما لما كثر الفحص عنه تخوف غاية الخوف حتى ألجأه ذلك إلى الانفراد مع أزدمر لا غير ليخف بذلك أمرهما على من أخفاهما ومع هذا تغلبا أين يذهبان‏.‏
واحتاج الملك العزيز أن أرسل إلى خاله الأمير بيبرس الأشرفي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بأنه يريد المجيء إليه في اللياق ويختفي عنده على ما قيل فواعده بيرس على أن يأتيه ليلًا‏.‏ ثم خاف بيبرس عاقبة أمره فإنه كان الملك الظاهر جقمق اختص به وأمره دون إخوته وأكرمه غاية الإكرام‏.‏ ورأى بيبرس أنه لا يحسن به أن يقبض عليه ويطلع به إلى السلطان فأعلم جاره يلباي الإينالي المؤيدي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بمجيء الملك العزيز إليه في الليلة المذكورة وأعلمه أيضًا أنه يمر من موضع كذا وكذا‏.‏
فخرج يلباي في الليل متنكرًا ومعه اثنان من خجداشيته المؤيدية وترصد للعزيز بخط زقاق حلب بعد عشاء الآخرة وبينما هم في ذلك إذ مر بهم العزيز ومعه أزدمر مشده وهما في هيئة مغربيين فوثب يلباي بأزدمر ليقبض عليه فامتنع منه ودفع عن نفسه فضربه يلباي أدمى وجهه وأعانه عليه رفقته حتى قبض عليه وعلى الملك العزيز وكان على الملك العزيز جبة صوف من لبس المغاربة‏.‏ وطلعوا بهما في الحال إلى باب السلسلة ثم إلى السلطان والملك العزيز حاف بغير نعل في رجليه وقد أخذه بعض المؤيدية بأطواقه يسحبه على ما قيل فإني لم أحضر المجلس تلك الساعة‏.‏
فلما مثل العزيز بين يدي السلطان أوقف ساعة ثم أمر به السلطان فأخذ إلى مكان في القلعة وسجن به إلى أن أصبح‏.‏ وطلع الأمراء وأرباب الدولة إلى الخدمة على العادة ودقت البشائر لقبض الملك العزيز وسر السلطان بذلك سرورًا عظيمًا وخف عنه الأمر كثيرًا بالنسبة إلى ما كان فيه‏.‏ ثم أخذ السلطان الملك العزيز إلى زوجته خوند البارزية بقاعة العواميد وأسلمها العزيز وأمرها أن تجعله في المخدع المعد لمبيت السلطان بالقاعة المذكورة وأن تتولى أمر أكله وشربه وحاجاته بنفسها‏.‏
فأقام العزيز على ذلك مدة إلى أن نقله السلطان في ليلة الأربعاء ثامن ذي القعدة إلى مكان بالحوش وضيق عليه ومنع من جميع خدمه ثم سيره إلى سجن الإسكندرية حسبما يأتي ذكره‏.‏ وأمر السلطان بأزدمر فسجن بالبرج من قلعة الجبل مع جماعة من خجداشيته الأشرفية ووجد مع الملك العزيز من الذهب ثمانمائة دينار أعطى السلطان منها إلى يلباي خمسمائة دينار وإلى رفيقيه مائة دينار ثم فرق الباقي من ذلك على من حضر‏.‏
ثم أنعم السلطان على يلباي المذكور بقرية سرياقوس زيادة على ما بيده وصار من جملة أمراء الطبلخانات‏.‏ وهدأ سر السلطان من جهة الملك العزيز والتفت إلى أخبار إينال الجكمي وتغري برمش‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء تاسع عشرينه ظهر الأمير إينال الأبو بكري الأشرفي من اختفائه‏.‏ وكان من خبره أنه من يوم تسحب الملك العزيز خاف القبض عليه فاختفى إلى أن ظهر الملك العزيز فخف عنه ما داخله من الوهم بسبب الملك العزيز وقد علم أن السلطان ظهر له أنه لم يجتمع مع الملك العزيز ولا قام بنصرته وأن اختفاءه كان نوعًا من مهابة السلطان‏.‏
فلما كان ليلة الثلاثاء المذكورة توجه إلى الأمير جرباش الكريمي المعروف بقاشق أمير مجلس وترامى عليه واستجار به وهو يظن أن في السويداء رجالًا فأجاره وهو يظن أن السلطان يقبل شفاعته‏.‏ وكان معظم ظهور إينال المذكور لما بلغه من اختفائه عن السلطان من الثناء عليه وبسط عذره في اختفائه وأنه باختفائه سكنت الفتنة فغره هذا الكلام وأيضًا أنه استند للأمير جرباش أمير مجلس وخجداش السلطان فأخذه الأمير جرباش من الغد في يوم الثلاثاء المذكور وطلع إلى القلعة‏.‏
وقد بلغ السلطان خبر إينال وظهوره ثم طلوعه مع جرباش فحال ما وقع بصر السلطان على إينال أمر به فقبض عليه وقيد وسجن بمكان بالقلعة حتى يحمل إلى الإسكندرية هذا والأمير جرباش يكرر تقبيل يد السلطان ورجله في أن يشفعه فيه ويدعه بطالًا ببعض الثغور فلم يلتفت السلطان إلى شفاعته ونزل جرباش إلى داره خجلًا مفضوحًا من حاشيته وأصحابه ومن يومئذ انحط قدره إلى أن مات‏.‏
على أنه صاهر السلطان بعد ذلك وصار حماه ومع هذا كله لم يكن له صولة في الدولة‏.‏ وأخرج السلطان إينال من يومه إلى سجن الإسكندرية وبها أعداؤه من خجداشيته فكان شماتتهم به أعظم عليه من حبسه‏.‏ وأخذ السلطان بعد ذلك يتشوف إلى أخبار عسكره المجرد إلى قتال إينال الجكمي وغيره‏.‏ فلما كان يوم الأربعاء ثامن ذي القعدة ورد على السلطان كتاب الأمير آلابغا حاجب غزة يتضمن قتال عسكر السلطان مع إينال الجكمي نائب الشام في يوم الأربعاء مستهل ذي القعدة وانهزام إينال الجكمي فأخذت الناس في هذا الخبر وأعطوا غير أنه دقت البشائر وسر السلطان بذلك‏.‏
ثم أصبح من الغد في يوم الخميس ورد الخبر بمسك إينال الجكمي فدقت البشائر أيضًا‏.‏ غير أن السلطان في انتظار كتاب آقبغا التمرازي فورد عليه كتابه في يوم الجمعة عاشر ذي القعدة وذكر واقعة العسكر مع إينال الجكمي وملخصها أن العساكر السلطانية المتوجهة من الديار المصرية والمتجمعة بالرملة من النواب والعساكر ساروا جميعًا من الرملة أمام الأمير قراخجا الحسني ومن معه من الأمراء والمماليك السلطانية كالجاليش لكن بالقرب منهم حتى نزلوا بمنزلة الخربة في يوم الأربعاء مستهل ذي القعدة وقد قدموا بين أيديهم كشافة على عادة العساكر فعادت الكشافة وأخبروا بقرب إينال الجكمي منهم‏.‏
فركبوا في الحال بعد أن عبوا أطلابهم وهم ستة نواب‏:‏ آقبغا التمرازي نائب الشام وجلبان الذي استقر نائب حلب وإينال العلائي نائب صفد - أعني الملك الأشرف - وطوخ مازي نائب غزة وطوغان العثماني نائب القدس وخليل بن شاهين وقد استقر نائب ملطية‏.‏ وساروا بمن اجتمع عليهم من العشير والعربان جاليشًا حتى وصلوا إلى مضيق قرب الحرة وإذا بجاليش إينال الجكمي فيه الأمير قانصوه النوروزي أحد مقدمي الألوف بدمشق ونائب بعلبك وكاشف حوران ومحمد الأسود بن القاق شيخ العشير ويرعلي الذكري أمير التركمان وطرعلي بن سقل سيز التركماني وكثير من العربان والعشير والجميع دون الألف فارس‏.‏
وصدموا النواب المذكورة فكانت بينهم وقعة كبيرة انهزم فيها الأطلاب الستة بعد أن أردفهم إينال الجكمي بنفسه وركب أقفية القوم وكان من الشجعان المشهورة إلى أن أوصلهم إلى السنجق السلطاني وتحته الأمير قراخجا الحسني الأمير آخور والأمير تمرباي رأس نوبة النوب بمن معهما من الأمراء والعساكر المصرية والسنجق بيد الأمير سودون العجمي النوروزي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة وقد تخلت عن إينال أصحابه ومدوا أيديهم إلى النهب في أطلاب النواب لما انهزموا أمام العسكر الشامي‏.‏ وبقي إينال في أناس قليلة فحط بهم على العسكر المصري فثبتوا له وقاتلوه ساعة وقد تفرقت عنه أصحابه بسبب النهب فلم يجد مساعدًا فانهزم بعد أن قتل من الفريقين جماعة كبيرة جدًا ولم يقتل من الأعيان غير الأمير صرغتمش أحد مماليك الوالد الذي كان دوادار الأمير جلبان ثم استقر دوادار السلطان بحلب وخرح خلق كثير‏.‏
وقبض في الوقعة على الأمير تنم العلائي المؤيدي وعلى الأمير بيرم صوفي التركماني وعلى الأمير خير بك القوامي ومحمد بن قانصوه النوروزي وجماعة أخر‏.‏ وحال بينهم الليل‏.‏ فلما أصبح العسكر يوم الخميس ثاني في القعدة ورد الخبر عليهم من دمشق بالقبض على إينال الجكمي من قرية حرستا من عمل دمشق فدقت البشائر لذلك وتفرقت أخصاء السلطان للأعيان بالبشارة وزال ثلثا ما كان بالسلطان من أمر الملك العزيز وإينال وبقي تغري برمش‏.‏
وكان من خبر مسك إينال الجكمي أنه لما انكسر من العسكر المصري ساق في نفر يسير إلى أن وصل حرستا وقد تلفت خيوله لبعد المسافة ونزل بها وقد جهده التعب والجوع واختفى بها في مزرعة‏.‏ وأرسل بعض خدمه ليأتيه بطعام ففطن به رجل وعرف شيخ البلد فأرسل شيخ البلد إلى نائب قلعة دمشق بالخبر‏.‏
فخرج من دمشق في طلبه جانبك دوارار برسباي حاجب حجاب دمشق ومعه جماعة أخر وطرقوه بالقرية على حين غفلة فقام ودفع عن نفسه بكل ما تصل قدرته إليه فتكاثروا عليه وطعنه بعضهم في جنبه ورماه آخر أصاب وجهه ثم مسكوه وجيء به إلى دمشق على فرسه وقد وقف الفرس من العي فلم يصل إلى قلعة دمشق إلا بعد العصر والناس في جموع كثيرة لرؤيته ما بين باك وحزين وسجن بقلعة دمشق مقيدًا‏.وأصبح دخل آقبغا التمرازي إلى دمشق في باكر نهار الجمعة ثالث ذي القعدة ومعه العساكر بسلاحهم ونزل بدار السعادة ولم يبتهج أهل دمشق بقدومه لعظم ميلهم لإينال الجكمي وإن كان آقبغا المذكور صهري فالواقع ما ذكرناه‏.‏
ومع هذا وقع يوم دخوله إلى دمشق حادثة غريبة وهي أن بلبان شيخ كرك نوح واسمه محمد وولده محمد أيضًا قدما إلى دمشق بجموعهما من العشير نصرة لعساكر السلطان - وبلبان المذكور فلاح الأمير برسباي الحاجب - كأكابر المدركين فلم يصل بلبان المذكور حتى انقضت الوقعة فتأسف على ذلك لما كان بينه وبين إينال الجكمي من المباينة مراعاة لأستاذه برسباي المذكور فعاد إلى دمشق في خدمة آقبغا التمرازي إلى أن دخل التمرازي إلى دار السعادة وذهب كل أمير إلى حال سبيله‏.‏ فعاد بلبان المذكور فيمن عاد حتى كان عند المصلى والعامة قد ملأت الطرقات وهم في كآبة لفقد إينال الجكمي ولما وقع له فصاح شخص من العامة بواحد من العشير من أعوان بلبان يقول‏:‏ ‏"‏ أبا بكر‏!‏ أبا بكر‏!‏ ‏"‏ وتبعه غيره يكررون ذلك مرارًا عديدة يريدون نكاية بلبان فإنهم يرمون بالرفض‏.‏
فلما كثر ذلك من العامة ضرب بعض العشير واحدًا من العامة فعند ذلك تجمعوا عليه وأرموه عن فرسه ليقتلوه فاجتمع أصحابه ليخلصوه من العامة وقبل أن يخلصوه بادره العامة وذبحوه وتناولوا الحجارة يرمون بها بلبان وأعوانه وكانوا في كثرة نحو الخمسمائة نفر وأكثر فتوغل بلبان بين أصحابه ولم يقدر أن يفوز بنفسه فتكاثروا عليه وألقوه إلى الأرض عن فرسه وذبحوه ثم أخذوا ابنه محمدًا أيضًا وذبحوه ووضعوا أيديهم في أصحاب بلبان إلى أن أسرفوا في القتل‏.‏
ولم يكن لذلك سبب ولا دسيسة من أحد ولا أمر من السلطان فوقع هذا الأمر ولم يقدر أحد على القيام بأخذ ثأره لاضطراب المملكة وراحت على من راحت إلى يومنا هذا‏.‏ قلت‏:‏ لا جرم إنما وقع له ببركة الشيخين فقوصص بذلك في الدنيا وله في الأخرى أعظم قصاص نكالًا من الله على رفضه وقبح سريرته‏.‏ ثم في يوم الأحد ثاني عشر ذي القعدة كتب بقتل إينال الجكمي بسجنه بقلعة دمشق بعد تقريره على أمواله وذخائره وبقتل جماعة من أصحابه ممن قبض عليه في الوقعة‏.‏
وفي هذه الأيام رسم السلطان بعقوبة جكم خال الملك العزيز بسجنه بالإسكندرية حتى يعترف بمتحصل الملك العزيز في أيام أبيه من إقطاعه وحماياته ومستأجراته فأجابهم عن ذلك كله وكان السلطان استولى على جميع ما للعزيز عند جذته لأمه من المال والقماش والفصوص وكان شيئًا كثيرًا‏.‏ وأمر السلطان أيضًا بعقوبة يخشباي الأمير آخور الثاني بسجن الإسكندرية أيضًا بعد أن أراد السلطان قتله بحكم الشرع من كونه سب شريفًا ببلاد الصعيد في أيام أستاذه الملك الأشرف فبادر يخشباي حتى حكم قاض شافعي بحقن دمه ووقع بسبب ذلك أمور وعقد مجلس بالقضاة والفقهاء ذكر ذلك كله في الحوادث‏.‏
ولما وقع اليأس من قتله رسم بعقوبته حتى يعترف بما له من الأموال فعوقب أشد عقوبة بحيث إنه لم يبق إلا موته‏.‏ ثم قدم الخبر على السلطان بأن العساكر توجهت من دمشق في حادي عشر ذي القعدة إلى حلب بعد أن عاد طوغان نائب القدس إلى القدس وتأخر آقبغا التمرازي نائب الشام به‏.‏ وكان الذي توجه من النواب إلى حلب صحبة العساكر المصرية‏:‏ جلبان نائب حلب وقاني باي الحمزاوي نائب طرابلس وهو إلى الآن بحماة غير أنه تهيأ للاجتماع بالعساكر المصرية وعنده أيضًا الأمير بردبك العجمي الذي استقر في نيابة حماة وقد قدمه إلى حلب وسار من النواب أيضًا الأمير إينال العلائي الناصري نائب صفد والأمير طوخ مازي نائب غزة‏.‏
وقدم الخبر أيضًا أنه قبض بدمشق على يرعلي الدكوي وشنق وأن تغري برمش نائب حلب كان نزل على حلب وصحبته الأمير طرعلي بن سقل سيز والأمير علي باي بار بن إينال بجمائعهما من التركمان والأمير غادر بن نعير بعربه من آل مهنا والأمير فرج وإبراهيم ولدا صوجي والأمير محمود ابن الدكري أيضًا بجمائعهم من التركمان وعدة الجميع نحو ثلاثة آلاف فارس وأن تغري برمش خيم بالجوهري وبعث بعدة كبيرة إلى خارج باب المقام فخرج إليه الأمير بردبك العجمي الذي ولي نيابة حماة وقد قدم حلب من أيام ومعه جماعة من أمراء حلب ومن تركمان الطاعة ومن العامة فكانت بينهم وقعة هائلة قتل فيها وجرح جماعة كثيرة من الفريقين وعاد كل منهما إلى مكانه‏.‏
ثم التقى الجمعان ثانيًا في يوم الجمعة خامس عشرين شوال على باب النيرب واقتتلوا يومًا وليلة قتالًا شديدًا قتل فيه عدة كبيرة من الناس وجرح نائب حماة وطائفة من أمراء حلب ثم رجع كل فريق إلى موضعه‏.‏ ورحل تغري برمش من موضعه في يوم الأحد سابع عشرينه ونزل بالميدان والحرب مستمر والعامة تبذل جهدها في قتاله إلى أن كان يوم الخميس ثاني ذي القعدة أحضر تغري برمش آلات الحصار من مكاحل النفط والسلالم والجنويات إلى باب الفرج ونصب صيوانه تجاه سور حلب وجد في قتال الحلبيين‏.‏ هذا وأهل حلب يد واحدة على قتاله طول النهار مع ليلة الجمعة بطولها وأهل حلب يتضرعون ويدعون الله تعالى‏.‏
فلما أصبح نهار الجمعة رحل تغري برمش عن مكانه وعاد إلى الميدان بعد أن كانت القضاة وشيوخ العلم والصلاح وقفوا بالمصاحف والربعات على رؤوسهم وهم ينادون من فوق الأسوار‏:‏ ‏"‏ الغزاة معاشر الناس في العدو فإنه من قتل منكم كان في الجنة ومن قتل من العدو صار إلى النار ‏"‏ في كلام كثير يحرضون بذلك العامة على القتال ويقوون عزائمهم على الثبات إلى أن رحل تغري برمش بمن معه من الميدان إلى الجهة الشمالية في يوم الأحد خامس ذي القعدة بعد ما رعت مواشيهم زروع الناس وبساتينهم وكرومهم وقطعوها ونهبوا القرى التي حول المدينة وأخربوا غالب العمارات التي كانت خارج سور حلب وقطعوا القناة التي تدخل إلى مدينة حلب من ثلاثة أماكن‏.‏ وكان أشد الناس في قتال تغري برمش أهل بانقوسا‏.‏
هذا بعد أن ظفر تغري برمش بجماعة من الحلبيين في بعض قتاله فقطع أيدي الجميع وبالغ في الإضرار بالناس‏.‏ وأنا أقول‏:‏ لو كان لتغري برمش على أهل حلب دولة لفعل فيهم أعظم من فعل تيمورلنك لقلة دينه وجبروته ولحنقه من أهل حلب وأنا أعرف بحاله من غيري لكونه طالت أيامه في خدمة الوالد سنين ثم قتل أغاته من مماليك الوالد وفر كما سنحكيه في وفاته من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏
ولما بلغ هذا الخبر الملك الظاهر قلق قلقًا عظيمًا لما وقع لرعيته من أهل حلب‏.‏ فلم يكن إلا أيامًا قليلة وقدم الخبر في يوم السبت خامس عشرين ذي القعدة بكسرة تغري برمش المذكور فدقت البشائر لذلك وعظم سرور السلطان غير أنه تشوش لعدم مسكه وخاف عاقبة أمره‏.‏ وكان من خبره أن العسكر المصري بمن معه من العسكر الشامي لما ساروا من دمشق إلى جهة حلب وافاهم الأمير قاني باي محمزاوي وغيره وصاروا جمعًا واحدًا فلقيهم تغري برمش المذكور بجموعه التي كانت معه قريبًا من حماة في يوم الجمعة سابع عشر ذي القعدة وقد صف عساكره من التركمان وغيرهم حتى ملؤوا الفضاء‏.‏
فحال ما وقع بصر عسكره على العساكر السلطانية أخذوا في الانهزام من غير مصاففة بل بعض تناوش من صغائر الطائفتين وولوا الأدبار ومدت العساكر السلطانية أيديها إلى عساكر تغري برمش فغنموا منهم غنائم لا تحصى كثرة منها نحو المائتي ألف رأس من الغنم سوى ما تمزق ونهب جميع وطاق تغري برمش وماله وانهزم هو في جماعة يسيرة من خواصه إلى جهة التركمان الصوجية على ما نذكره من قصته في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏ ثم في يوم الاثنين سابع عشرين ذي القعدة قدم النجاب برأس الأمير إينال الجكمي وكان قتله بقلعة دمشق في ليلة الاثنين عشرين ذي القعدة فشهرت الرأس على رمح ونودي عليه‏:‏ ‏"‏ هذا جزاء من حارب الله ورسوله ‏"‏ ثم علقت على باب زويلة‏.‏
وقتل معه الأمير تنم العلائي المؤيدي وكان تنم المذكور أدوبًا حشمًا وقورًا وأما إينال الجكمي فيأتي التعريف بحاله في الوفيات على العادة‏.‏ وفي هذه الأيام حكم بقتل الأمير يخشباي الأشرفي الأمير آخور الثاني وقد تقدم أنه ادعي عليه أنه سب شريفًا ولعن والديه وأن بعض نواب الشافعي حكم بحقن دمه وسكن الحال مدة أشهر ثم طلب السلطان من القاضي المالكي قتله فاحتج بحكم الشافعي بحقن دمه فعورض بأن المطلوب الآن من الدعوى عليه غير المحكوم فيه بحقن الدم فصمم المالكي بأنهما قضية واحدة ووافقه غير واحد من المالكية ووقع أمور حكاها غير واحد من المؤرخين إلى أن قتل يخشباي المذكور حسبما يأتي ذكره‏.‏
ثم ورد على السلطان في يوم الأحد ثالث ذي الحجة مطالعة الأمير جلبان نائب حلب وقرينها مطالعات بقية الأمراء والنواب تتضمن أن تغري برمش لما انهزم على حماة مضى نحو الجبل الأقرع وقد فارقه الغادر بن نعير فقبض عليه أحمد وقاسم ولدا صوجي وقبض معه على دواداره كمشبغا وخازنداره يونس وعلى الأمير طرعلي بن سقل سيز والأمير صارم الدين إبراهيم بن الهذباني نائب قلعة صهيون وكتبوا بذلك إلى نائب حلب فورد الخبر بذلك على العسكر وهم على خان طومان في يوم الاثنين العشرين من ذي القعدة‏.‏
فجهز الأمير جلبان عند ذلك الأمير برد بك العجمي نائب حماة والأمير إينال العلائي نائب صفد والأمير طوخ مازي نائب غزة والأمير قطج أتابك حلب والأمير سودون النوروزي حاجب حجاب حلب لإحضار المذكورين‏.‏ ورحل جلبان بمن بقي معه يريد حلب فدخلها في يوم الثلاثاء حادي عشرين ذي القعدة المذكورة‏.‏ وسار بردبك العجمي نائب حماة بمن معه إلى أن تسلم تغري برمش ومن ذكرنا ممن قبض عليه من أصحابه وأتوا بهم‏.‏ فسمر طرعلي بن سقل سيز تسمير سلامة وسمر لهذباني ورفقته تسمير عطب‏.‏ وساروا بهم وتغري برمش راكب على فرس بقيد حديد حتى دخلوا به مدينة حلب وهو ينادي عليهم في يوم الخميس ثالث عشرينه وقد اجتمع من أعدائه الحلبيين خلائق لا يعلم عدتها إلا الله وهم من التخليق بالزعفران والتهانىء في أمر كبير‏.‏
وصاروا يسمعون تغري برمش المذكور من المكروه والسب والتوبيخ وإظهار الشماتة به أمورًا كثيرة حتى أوقفوهم تحت قلعة حلب ووسط الهذباني ورفيقه وتسلم تغري برمش وطرعلي الأمير حطط نائب قلعة حلب‏.‏ فانظر إلى هذا القصاص وهو أن تغري برمش لم يكن له في الدنيا عدو أعظم من بردبك العجمي وحطط ثم عامة حلب وقد تمكن الثلاثة منه فأما بردبك فإنه تسلمه وتحكم فيه من وقت أخذه من أولاد صوجي إلى أن أوصله إلى قلعة حلب وأما حطط فإنه تحكم فيه من وقت تسلمه من بردبك العجمي إلى أن قتل بين يديه وأما عامة أهل حلب فإنهم بلغوا منه مرادهم من إسماعه المكروه والشماتة به والتفرج عليه يوم قتله فنعوذ بالله من زوال النعم وشماتة الأعداء‏.‏
وأما السلطان الملك الظاهر فإنه لما بلغه القبض على تغري برمش كاد أن يطير فرحًا وعلم أنه الآن بقي في السلطنة بغير نكد ولا تشويش‏.‏ ودقت البشائر لذلك ثلاثة أيام‏.‏ وكتب بقتل تغري برمش بعد عقوبته ليقر على أمواله فعوقب فأقر على شيء من ماله نحو الخمسين ألف دينار ثم انزل ونودي عليه إلى تحت قلعة حلب وضربت عنقه‏.‏ وقتل معه أيضًا طرعلي بن سقل سيز‏.‏
وصفا الوقت للملك الظاهر وخلا له الجو من غير منازع والتفت الآن إلى من له عنده رأس قديمة يكافئه عليها من خير وشر‏.‏ فأول ما بدأ به في يوم الخميس ثامن عشرين ذي الحجة أن قبض على زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقي ناظر الجيش وعلى مملوكه جانبك الأستادار وعلى عدة كبيرة من حواشيه وأحيط بدور الجميع وكتب بإيقاع الحوطة على جميع ماله بالشام والحجاز والإسكندرية فزال بمسكه غمة كبيرة عن الناس فإنه كان غير محبب للناس حتى ولا إلى أصحابه لبادرة كانت فيه وسوء خلق وبطش مع سفه وبذاءة لسان‏.‏
ثم في يوم السبت سلخ ذي الحجة من سنة اثنتين وأربعين خلع السلطان على القاضي محب الدين بن الأشقر باستقراره في وظيفه نظر الجيش عوضًا عن عبد الباسط وخلع على الناصري محمد بن عبد الرزاق بن أبى الفرج نقيب الجيش باستقراره أستادارًا عوضًا عن جانبك الزيني عبد الباسط‏.‏ وابن الأشقر المذكور وابن أبي الفرج كل منهما كان من أصحاب عبد الباسط‏.‏
قلت‏:‏ عود وانعطاف على ما ذكرناه أنه كان يكرهه حتى أعز أصحابه ولولا ذاك ما وليا عنه هؤلاء وظائفه في حياته وإن كانا تمنعا عند الولاية فهذا باب تجمل ليس على حقيقته ولا يخفى ذلك على من له ذوق سليم فإننا لا نعرف أحدًا ولي وظيفة غصبًا كائنًا من كان‏.‏ وفي يوم السبت المذكور قدم رأس تغري برمش فطيف بها ثم علقت على باب زويلة أيامًا‏.‏
وفرغت هذه السنة أعني سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بعد أن كان فيها حوادث كثيرة وعدة وقائع حسبما ذكرناه‏.‏

واستهلت سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة والسلطان مصمم على أنه لا يقنع منه بأقل من ألف ألف دينار ويهدده بالعقوبة ويعدد له ذنوبه حتى قال في بعض مجالسه بحضرتي‏:‏ ‏"‏ والله أشنكله بشنكال مثلما كانت تعمل الجغتية‏.‏ هذا أخرب مملكة مصر‏.‏ كان إذا كلمه أحد من أعيان الأمراء صفر له بفمه في وجهه ‏"‏ وأشياء كثيرة من ذلك‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثاني محرم سنة ثلاث وأربعين خلع السلطان على القاضي ولي الدين محمد السفطي مفتي دار العدل وأحد ندماء السلطان وخواصه باستقراره في نظر الكسوة مضافًا لما بيده من وكالة بيت المال - فإن شرط الواقف أن يكون وكيل بيت المال ناظر الكسوة - عوضًا ثم خلع السلطان على فتح الدين محمد بن المحرقي باستقراره ناظر الجوالي عوضًا عن عبد الباسط وكان فتح الدين المذكور من حواشي الملك الظاهر أيضًا‏.‏
ثم في يوم الأربعاء حادي عشر المحرم أفرج عن جانبك الزيني عبد الباسط بعد أن حوسب في بيت تغري بردي المؤذي الدوادار الكبير وقد شطب عليه بمبلغ ألف ألف وثلاثماثة ألف درهم وجبت عليه للديوان وذلك سوى العشرة آلاف دينار التي ألزم بها‏.‏ ثم في سلخ المحرم قدم الأمير يشبك السودوني أمير سلاح من بلاد الصعيد بمن معه من المماليك الأشرفية وغيرهم فخلع السلطان عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضًا عن آقبغا التمرازي بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق‏.‏
وكان يشبك أنعم عليه بالإقطاع والوظيفة من يوم ذاك غير أنه كان غائبًا ببلاد الصعيد هذه المدة الطويلة فلما حضر خلع عليه بالأتابكية‏.‏ ثم في يوم الاثنين أول صفر قدم الأمير قاني باي الأبو بكري الناصري المعروف بالبهلوان أتابك دمشق إلى القاهرة وخلع السلطان عليه باستقراره في تيابة صفد عوضًا عن الأمير إينال العلائي الناصري بحكم عزل إينال المذكور واستقراره من جملة مقدمي الألوف بديار مصر ورسم باستقرار الأمير إينال الششماني الناصري أحد مقدمي الألوف بدمشق في الأتابكية عوضًا عن قاني باي البهلوان‏.‏
ثم في يوم السبت سادس صفر قدم إلى القاهرة الأمراء المجردون إلى الشام بمن معهم من المماليك السلطانية فخلع السلطان على الأمير قراخجا الحسني الأمير آخور وعلى الأمير تمرباي التمربغاوي رأس نوبة النوب وعلى جميع من بقي من رفقتهما من أمراء الطبلخانات والعشرات وسكن قراخجا بباب السلسلة‏.‏
وفي هذه الأيام غضب السلطان على عبد الباسط ونقله في يوم الخميس حادي عشر صفر من المقعد الذي على باب الهجرة المطل على الحوش من قلعة الجبل إلى البرج عند باب القلعة‏.‏ وكان سبب ذلك أنه من يوم حبسه السلطان لم يهنه بضرب ولا بعقوبة والناس تتردد إليه وهو مطالبه بألف ألف دينار‏.‏
وقد تكلم بينه وبين السلطان المقر الكمالي محمد بن البارزي صهر السلطان وكاتب سره وراجع السلطان في أمره مرارًا عديدة وعبد الباسط يورد للسلطان من أثمان ما يباع له حتى وقف طلب السلطان بعد عناية ابن البارزي به على أربعمائة ألف دينار وأبى السلطان أن يضع عنه منها شيئًا وعبد الباسط يريد أن يحط عنه من ذلك شيئًا آخر‏.‏
وترامى على ابن البارزي المذكور واعترف بالتقصير في حقه في الدولة الأشرفية فلم يحوجه ابن البارزي لذلك بل شمر ساعدًا طويلًا لمساعدته حتى صار أمره إلى هنا بغير عقوبة ولا إهانة‏.‏ فلما كان يوم الخميس المذكور تكلم مع السلطان ابن البارزي وجماعة كبيرة من أعيان الدولة في أمر عبد الباسط وسألوه الحطيطة من الأربعمائة ألف دينار فغضب السلطان من ذلك وأمر به فأخرج إلى البرج على حالة غير مرضية ومضى من المقعد ماشيًا إلى البرج المذكور وسجنوه به‏.‏
ورسم السلطان له أن يدفع للمرسمين عليه لما كان بالمقعد وهم ثمانية من الخاضكية مبلغ ألفي دينار ومائتي دينار ودفعها لهم‏.‏ وبينما هو في ذلك دخل عليه الوالي وأمره أن يقلع جميع ما عليه من الثياب فإنه نقل للسلطان أن معه الاسم الأعظم أو أنه يسحر السلطان فإنه كان كلما أراد عقوبته صرفه الله عنه فخلع جميع ما كان عليه من الثياب والعمامة ومضى بها الوالي وبما في أصابع يديه من الخواتم فوجد في عمامته قطعة أديم ذكر أنها من نعل النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدت في عمامته أوراق فيها أدعية ونحوها وأخذ المقر الكمالي في القيام معه حتى كان من أمره ما سنذكره‏.‏
ثم في يوم السبت ثالث عشر صفر قدم الأمير إينال العلائي الناصري المعزول عن نيابة صفد وقد استقر من جملة مقدمي الألوف بالديار المصرية وقدم معه الأمير طوغان العثماني نائب القدس والأمير طوخ الأبو بكري المؤيدي أتابك غزة - وقد صار من جملة مقدمي الألوف بدمشق على إقطاع مغلباي الجقمقي بعد القبض عليه - وخلع السلطان على الجميع واركبوا ثم في رابع عشر صفر رسم السلطان بإحضار الأمراء المسجونين وغيرهم بثغر الإسكندرية إلى مدينة بلبيس ليحملوا إلى الحبوس بالبلاد الشامية وندب الأمير أسنبغا الطياري أحد أمراء الألوف بالديار المصرية لإحضارهم وهم‏:‏ الأمير جانم أخو الأشرف الأمير آخور وإينال الأبو بكري الأشرفي وعلى باي شاد الشراب خاناه الأشرفي وأزبك السيفي قاني باي رأس نوبة المعروف بجحا وجكم الخازندار خال العزيز وجرباش وجانبك قلق سيز‏.‏
ومن الخاصكية‏:‏ تنم الساقي وبيبرس الساقي ويشبك الدوادار وأزبك البواب وبايزير خال العزيز وجميع هؤلاء أشرفية وتنبك الإينالي المؤيدي الفيسي وبيرم خجا الناصري أمير مشوي وجماعة أخر لم يحضرني الآن أسماؤهم ولم يبق بسجن الإسكندرية سوى الأمير قراجا الأشرفي أحد مقدمي الألوف كان وخرج الأمير أسنبغا من يومه‏.‏
وفي هذا اليوم سافر الأمير قاني باي البهلوان نائب صفد إلى محل كفالته بها بعدما أنعم السلطان عليه بمال جزيل‏.‏ وسافر الطياري إلى الإسكندرية وأخذ المذكورين وعاد بهم إلى بلبيس في ثاني عشرين صفر والجميع بالحديد‏.‏
غير أن الأمير أسنبغا تلطف بهم وأحسن في خطابهم ومسيرهم إلى الغاية بخلاف من تولى تسفيرهم من بلييس إلى محل سجنهم فأفرج السلطان منهم عن بيرم خجا أمير مشوي ونفي إلى طرابلس وأخرج السلطان من البرج بقلعة الجبل اثنين أضافهما إلى هؤلاء ورسم أن يتوجه منهم سبعة نفر إلى قلعة صفد ليسجنوا بها وهم إينال الأشرفي أحد مقدمي الألوف وعلي باي المشد الأشرفي وأزبك خحا وجرباش مشد سيدي وتنبك الفيسي وحزمان وقاني باي اليوسفي ومسفر هؤلاء الأمير سمام الحسني الناصري أحد أمراء العشرات وأن يتوجه ثلاثة منهم إلى قلعة الصبيبة ليسجنوا بها وهم‏:‏ الأمير جانم أمير آخور وبايزير خال العزيز ويشبك بشق ومسفرهم هم ومن يمضي إلى حبس المرقب الآتي ذكرهم‏:‏ إينال أخو قشتم المؤيدي أحد أمراء العشرات‏.‏
والمتوجهون إلى حبس المرقب خمسة وهم‏:‏ جانبك قلق سيز وتنم الساقي وجكم خال العزيز ويشبك الفقيه وأزبك البواب والجميع أشرفية وساروا بهم في حالة غير مرضية‏.‏ ثم في سابع عشرين صفر قدم الأمير طوخ مازي نائب غزة فخلع السلطان عليه باستمراره وأكرمه‏.‏
وفي تاسع عشرينه نقل زين الدين عبد الباسط من محبسه بالبرج إلى موضع يشرف على باب القلعة بسفارة ابن البارزي وأخته خوند زوجة السلطان ووعده السلطان بخير بعدما كان وعده بالعقوبة‏.‏ ثم في يوم الاثنين سادس شهر ربيع الأول خلع السلطان على الأمير طوخ مازي نائب غزة خلعة

ثم في ليلة السبت حادي عشرة أخرج الملك العزيز يوسف من محبسه بالقلعة وأركب فرسًا ومعه جماعة كبيرة ومضوا به حتى أنزل في الحراقة وساروا به حتى حبس بثغر الإسكندرية إلى يومنا هذا‏.‏ ومسفره جانبك القرماني أحد أمراء العشرات‏.‏ ورسم أن يصرف له من مال أوقاف العزيز ألف دينار‏.‏
حمل مع الملك العزيز ثلاث جوار لخدمته ورتب له في كل يوم ألف درهم من أوقاف أبيه‏.‏ وكان لخروجه يوم مهول من بكاء جواري أبيه وأمه وتجمعن بعد خروجه بالصحراء في تربة أمه خوند جلبان وعملن عزاء كيوم مات الأشرف وبكين وأبكين‏.‏

حملة بحرية للدفاع عن رشيد ضد الفرنجة
ثم في حادي عشر شهر ربيع الأول المذكور استقر شمس الدين أبو النصر نصر الله المعروف بالوزة ناظر الإسطبل السلطاني بعد عزل زين الدين يحيى الأشقر قريب ابن أبي الفرج‏.‏ قلت‏:‏ وأي فخر أو سابق رئاسة لمن يعزل بهذا الوزة عن وظيفته‏!‏‏.‏ ثم في يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الأول سارت تجريدة في النيل ثغر رشيد‏.‏
وقد ورد الخبر بأن أربعة شوان للفرنج قاربت رشيد وأخذت أبقارًا وغيرها فأخرج السلطان لذلك الأمير أسنبغا الطياري والأمير شادبك الجكمي وهما من أمراء الألوف بالديار المصرية وحمل السلطان لكل منهما خمسمائة دينار‏.‏
وعندما نزلًا إلى المركب في بحر النيل احترقت مركب الطيارة مدفع نفط رموا به فعاد عليهم ناره وأحرق شيئًا مما كان معهم وأصاب بعضهم وفي أواخر شهر ربيع الأول هذا رسم السلطان بتوجه زين الدين عبد الباسط إلى الحجاز بأهله وعياله وسافر في يوم الثلاثاء ثاني عشر شهر ربيع الآخر بعد خلع السلطان عليه في يوم سفره وعلى معتقه جانبك الأستادار ونزل من القلعة مخيمه بالريدانية بعد أن حمل إلى الخزانة السلطانية مائتي ألف دينار وخمسين دينار ذهبًا عينًا سوى ما أخذ له من الخيول والجمال وسور تحف جليلة قدمها للسلطان وغيره ثم رحل عبد الباسط من الريدانية يريد الحجاز في خامس عشره ونزل ببركة الحاج وأقام بها أيضًا إلى ليلة ثامن عشره‏.‏
ثم في خامس عشرين شهر ربيع الآخر قدم الأمير تمراز المؤيدي أحد حجاب دمشق بسيف الأمير آقبغا التمرازي وقد مات فجاءة في يوم السبت سادس عشره‏.‏
فرسم السلطان للأمير جلبان نائب حلب باستقراره في نيابة دمشق وأن ينتقل الأمير قاني باي الحمزاوي نائب طرابلس إلى نيابة حلب وأن ينتقل الأمير برسباي الناصري حاجب حجاب دمشق إلى نيابة طرابلس ويستقر عوضه في حجوبية دمشق سودون النوروزي حاجب حجاب حلب وينتقل حاجب حماة الأمير سودون المؤيدي إلى حجوبية حجاب حلب وأن يستقر الأمير جمال الدين يوسف بن قلدر نائب خرت برت في نيابة ملطية بعد عزل الأمير خليل بن شاهين الشيخي عنها ويستقر خليل أحد أمراء الألوف بدمشق عوضًا عن الأمير ألطنبغا الشريفي ويستقر الشريفي أتابك حلب عوضًا عن قطج من تمراز وأن يحضر قطج المذكور إلى القاهرة إلى أن ينحل له إقطاع وجهزت تقاليد الجميع ومناشيرهم في سابع عشرينه ورسم للأمير دولات باي المحمودي الساقي المؤيدي الدوادار الثاني أن يكون مسفر جلبان نائب الشام وأن يكون الأمير أرنبغا اليونسي الناصري مسفرقاني باي الحمزاوي نائب حلب وأن يكون سودون المحمودي المؤيدي المعروف بأتمكجي مسفر برسباي نائب طرابلس وخلع على الجميع في يوم تاسع عشرين شهر ربيع الآخر‏.‏
ثم في يوم السبت خامس عشر جمادى الأولى استقر الأمير مازي الظاهري برقوق أحد أمراء دمشق في نيابة الكرك عوضًا عن آقبغا التركماني الناصري بحكم مسك آقبغا المذكور وحبسه بسجن الكرك‏.‏ وفي عشرينه خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطياري أحد مقدمي الألوف باستقراره في نيابة الإسكندرية عوضًا عن يلبغا البهائي الظاهري برقوق بحكم وفاته زيادة على ما بيده من تقدمة ألف بمصر‏.‏ وطلب السلطان الأمير قراجا الأشرفي من سجن الإسكندرية فحضر في يوم الاثنين ثاني جمادى الآخرة فخلع عليه السلطان باستقراره أتابك حلب وبطل أمر الشريفي واستمر على إقطاعه بدمشق‏.‏
ثم في يوم الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة عمل السلطان الموكب بالقصر وأحضر رسول القان معين الدين شاه رخ بن تيمورلنك فحضر الرسول وناول الكتاب الذي على يده وإذا فيه أنه بلغه موت الملك الأشرف وجلوس السلطان على تخت الملك فأراد أن يتحقق علم ذلك فأرسل هذا الكتاب فخلع السلطان عليه وأكرمه وأنزله بمكانه الذي كان أنزل فيه فإنه كان وصل في أول يوم من جمادى الأولى ورسم السلطان بكتابة جوابه‏.‏
ثم في يوم الاثنين رابع شهر رجب أدير المحمل على العادة وزاد السلطان في عدة الصبيان الذين يلعبون بالرمح الصغار عدة كبيرة ولم يقع في أياه المحمل بحمد الله ما ينكرمن الشناعات التي كانت تقع من المماليك الأشرفية‏.‏ وفي هذا اليوم أيضًا خلع السلطان على الأمير طوخ الأبو بكري المؤيدي أحد أمراء الألوف بدمشق وكان قبل أتابك غزة باستقراره في نيابة غزة بعد موت الأمير طوخ مازي الناصري فولي طوخ عوضًا عن طوخ وأنعم بتقدمة طوخ بدمشق على الأمير تمراز المؤيدي الحاجب الثاني بدمشق‏.‏
ثم في يوم السبت حادي عشر شعبان استقر القاضي بهاء الدين محمد بن حجي في نظر جيش دمشق عوضًا عن سراج الدين عمر بن السفاح ورسم لابن السفاح بنظر جيش حلب‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء ثامن عشر شوال خرج أمير حاج المحمل الأمير شادبك الجكمي أحد مقدمي ثم في يوم الثلاثاء خامس عشرين شوال قدم الأمير ناصر الدين بك واسمه محمد بن دلغادر نائب أبلستين إلى الديار المصرية بعدما تلقاه المطبخ السلطاني وجهزت له الإقامات في طول طريقه ثم سارت عدة من أعيان الدولة إلى لقائه ومعهم الخيول والخلع وله ولأعيان من معه من أولاده وأصحابه‏.‏
فلما دخل إلى القاهرة وطلع إلى القلعة ومثل بين يدي السلطان وقبل الأرض خلع عليه السلطان خلعة باستمراره على نيابة أبلستين على عادته وانزل في بيت بالقرب من القلعة وبالغ السلطان في الاحتفال بأمره والاعتناء به وشمله بالإنعامات الكثيرة‏.‏ وكان ناصر الدين بك المذكور له سنين كثيرة لم يدخل تحت طاعة سلطان وإن دخل فلم يطأ بساطه فلما سمع بسلطنة الملك الظاهر هذا وبحسن سيرته قدم وأقدم معه ابنته التي كانت تحت جانبك الصوفي وعدة من نسائه فعقد السلطان عقده على ابنته المذكورة التي كانت تحت جانبك الصوفي ولها من جانبك المذكور بنت لها من العمر نحو ثلاث سنين بعد أن حمل إليها المهر ألف دينار وعدة كثيرة من الشقق الحرير وغيرها‏.‏
وفي هذا الشهر أراد السلطان أن تكون تصرفاته في أمر جدة على مقتضى فتاوى أهل العلم لعلمه أن شاه رخ بن تيمور كان يعيب على الملك الأشرف برسباي لأخذه بجدة من التجار عشور أموالهم وأن ذلك من المكس المحرم فكتب بعض الفقهاء سؤالًا على غرض السلطان يتضمن أن التجار المذكورين كانوا يردون إلى بندر عدن من بلاد اليمن فيظلمون بأخذ أكثر أموالهم وأنهم رغبوا في القدوم إلى بندر جحة ليحتموا بالسلطان وسألوا أن يدفعوا عشر أموالهم فهل يجوز أخذ ذلك منهم فإن السلطان يحتاج إلى صرف مال كثير في عسكر يبعثه إلى مكة في كل سنة‏.‏
فكتب قضاة القضاة الأربعة بجواز أخذه وصرفه في المصالح‏.‏ فأنكر الشيخ تقي الدين على القضاة في كتابتهم على الفتاوى المذكورة وإنطلق لسانه بما شاء الله أن يقوله في حقهم - انتهى‏.‏
ثم في يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة قدم الأمير إينال الششماني الناصري أتابك دمشق والأمير ألطنبغا الشريفي الناصري أحد مقدمي الألوف بدمشق وطلعا إلى القلعة وخلع السلطان عليهما وأكرمهما‏.وفيها أيضًا خلع السلطان على الأمير ناصر الدين بك بن دلغادر خلعة السفر وسافر يوم الاثنين تاسع عشرين ذي القعدة بعد أن بلغت النفقة عليه من الإنعامات ثلاثين ألف دينار‏.‏
ثم في يوم الأربعاء سابع ذي الحجة نودي بمنع المعاملة بالدراهم الأشرفية من الفضة وأن تكون المعاملة بالدراهم الظاهرية الجقمقية وهدد من خالف ذلك فاضطرب الناس لتوقف أحوالهم‏.‏ فنودي في آخر النهار بأن الفضة الأشرفية تدفع للصيارف بسعرها وهو كل درهم بعشرين درهمًا من الفلوس وأن تكون الدراهم الظاهرية كل درهم بأربعة وعشرين درهمًا وجعلت عددًا لا وزنًا‏.‏ فمنها ما هو نصف درهم عنه اثنا عشر درهمًا ومنها ما هو ربع درهم فيصرف بستة دراهم على أن كل دينار من الأشرفية بمائتين وخمسة وثمانين درهمًا من الفلوس‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء خلع السلطان على غرس الدين خليل بن أحمد بن علي السخاوي أحد حواشي السلطان أيام إمرته باستقراره في نظر القدس والخليل والسخاوي هذا أصله من عوام القدس السوقة وقدم القاهرة وخدم بعض التجار وترقى وركب الحمار ثم ركب بعد مدة طويلة بغلة بنصف رحل على عادة العوام ورأيته أنا على تلك الهيئة ثم انتهى إلى خدمة السلطان وهو يوم ذاك أحد مقدمي الألوف واختص به حتى تحدث في إقطاعه ودام في خدمته إلى أن تسلطن وعظم أمره عند من هو دونه إلى أن ولي في هذا اليوم نظر القدس والخليل‏.‏
ثم في يوم الخميس ثامن المحرم من سنة أربع وأربعين خلع السلطان على الأمير قيز طوغان العلائي أحد أمراء العشرات وأمير آخور ثاني باستقراره أستادارًا عوضًا عن محمد بن أبي الفرج بحكم عزله والقبض عليه وحبسه بالقلعة إلى يوم الأحد حادي عشره فتسلمه الوزير كريم الدين ابن كاتب المناخ‏.‏
ثم في يوم السبت رابع عشرين المحرم خلع السلطان على زين الدين يحيى الأشقر قريب ابن أبي الفرج باستقراره في نظر ديوان المفرد عوضًا عن عبد العظيم بن صدقة بحكم مسكه ونقل ابن أبي الفرج من تسليم الوزير وسلم هو وعبد العظيم للأمير قيز طوغان الأستادار فأغرى زين الدين قيز طوغان بابن أبي الفرج وعبد العظيم حتى أخذ ابن أبي الفرج وعاقبه وأفحش في عقوبته في الملأ من الناس من غير احتشام ولا تجمل بل طرحه على الأرض وضربه ضربًا مبرحًا ووقع له معه أمور إلى أن أطلق وأعيد إلى نقابة الجيش بعد أن نفي ثم أعيد ومن يومئذ ظهر اسم زين الدين وعرف في الدولة وكان هذا مبدأ ترقيه حسبما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏
وفي هذه الأيام وقع الاهتمام بتجهيز تجريدة في البحر لغزو الفرنج وكتب السلطان عدة من المماليك السلطانية وعليهم الأمير تغري برمش الزردكاش والسيفي يونس الأمير آخور وسافروا من ساحل بولاق في يوم الاثنين تاسع شهر ربيع الأول‏.‏
وكان جملة ما انحدر من ساحل بولاق خمسة عشر غرابًا فيها المماليك السلطانية والمطوعة‏.‏ وسبب هذه التجريدة كثرة عيث الفرنج في البحر وأخذها مراكب التجار وهذه أول بعثة بعثها الملك الظاهر من الغزاة‏.‏
ثم في يوم السبت سادس عشرين شهر ربيع الآخر قدم إلى القاهرة رسل القان معين الدين شاه رخ بن تيمورلنك ملك الشرق وقد زينت القاهرة لقدومهم وخرج المقام الناصري محمد ابن السلطان إلى لقائهم واجتمع الناس لرؤيتهم فكان لدخولهم يوم مشهود لم يعهد بمثله لقدوم رسل في الدول المتقدمة وأنزلوا بدار أعدت لهم إلى يوم الاثنين ثامن عشرينه فتوجهوا من الدار المذكورة إلى القلعة بعد أن شقوا القاهرة وهي مزينة بأحسن زينة والشموع وغيرها تشعل وقد اجتمع عالم عظيم لرؤيتهم وأوقفت العساكر من تحت القلعة إلى باب القصر في وقت الخدمة من باكر النهار المذكور‏.‏
فلما مثل الرسل بين يدي السلطان قرىء كتاب شاه رخ فكان يتضمن السلام والتهنئة بجلوس السلطان على تخت الملك ثم قدمت هديته وهي‏:‏ مائة فص فيروز وإحدى وثمانون قطعة من حرير وعدة ثياب وفرو ومسك وثلاثون بختيًا من الجمال وغير ذلك مما يبلغ قيمته خمسة آلاف دينار‏.‏ وأعيد الرسل إلى منازلهم وأجري عليهم الرواتب الهائلة في كل يوم‏.‏
ثم قلعت الزينة في يوم الثلاثاء سلخه‏.‏ وكان الناس تفننوا في زينة القاهرة ونصبوا بها القلاع وفي ظنهم أنها تتمادى أيامًا فانقضى أمرها بسرعة‏.‏ ثم في يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى ورد الخبر على السلطان بنصرة الغزاة المجردين إلى قتال الفرنج‏.‏
ثم في يوم الاثنين عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على القاضي بدر الدين أبي المحاسن محمد بن ناصر الدين محمد ابن الشيخ شرف الدين عبد المنعم البغدادي أحد نواب الحكم الحنابلة باستقراره قاضي قضاة الحنابلة بالديار المصرية بعد موت شيخ الإسلام محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء حادي عشرين جمادى الأولى المذكور قدم الغزاة‏.‏ وكان من خبرهم أنهم انحدروا في النيل إلى دمياط ثم ركبوا منه البحر وساروا إلى جزيرة قبرس فقام لهم متملكها بالإقامات وساروا إلى العلايا فأمدهم صاحبها بغرابين فيهما المقاتلة ومضوا إلى رودس وقد استعد أهلها لقتالهم فكانت بينهم محاربة طول يومهم لم ينتصف المسلمون فيها وقتل منهم اثنا عشر من المماليك وجرح كثير وقتل من الفرنج أيضًا جماعة كثيرة‏.‏
فلما خلص المسلمون من قتالهم بعد جهد مروا بقرية من قرى رودس فقتلوا وأسروا ونهبوا ما فيها وعادوا إلى دمياط وأعلموا السلطان بأنه لم يكن لهم طاقة بأهل رودس‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الأولى المذكور خلع على خواجا كلال رسول شاه رخ خلعة السفر وقد اعتني بها عناية لم يتقدم بمثلها لرسول في زماننا هذا وهي حرير مخمل بوجهين‏:‏ أحمد وأخضر وطرز زركش فيه خمسمائة مثقال من ذهب وأركب فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش في كل منهما خمسمائة دينار وجهزت صحبته هدية ما بين ثياب حرير سكندري وسرج وكنبوش ذهب وسيوف مسقطة بذهب وغير ذلك مما تبلغ قيمته سبعة آلاف دينار هذا بعد أن بلغت النفقة من السلطان على الرسول المذكور ورفقته نحو خمسة عشر ألف دينار سوى الهدية المذكورة‏.‏
ثم في يوم السبت ثاني جمادى الآخرة وقع بين القاضي حميد الدين الحنفي وبين شهاب الدين أحمد بن إسماعيل بن عثمان الكوراني الشافعي مخاصمة وآل أمرهما إلى الوقوف بين يدي السلطان فغضب السلطان لحميد الدين وضرب الشهاب الكوراني وأهانه ورسم بنفيه إلى دمشق ثم إلى البلاد المشرقية فخرج على أقبح وجه‏.‏ وكان هذا الكوراني قدم القاهرة قبيل سنة أربعين وثمانمائة في فاقة عظيمة من الفقر والإفلاس واتصل بباب المقر الكمالي ابن البارزي فوالاه بالإحسان على عادة ترفقه بأهل العلم ونوه بذكره حتى عرفه الناس وتردد إلى الأكابر وصار له وظائف ومرتبات فلم يحفظ لسانه لطيش كان فيه حتى وقع له ما حكيناه‏.‏
ثم في يوم الخميس رابع عشر جمادى الآخرة قدم الأمير جلبان نائب الشأم إلى القاهرة ونزل السلطان إلى لقائه بمطعم الطير خارج القاهرة وهو أول ركبة ركبها بعد سلطنته بالموكب وخلع السلطان على جلبان المذكور خلعة الاستمرار وعاد السلطان إلى القلعة وهو في خدمته‏.‏ ثم في يوم الاثنين عاشر شهر رجب أنعم السلطان بإقطاع الأمير ألطنبغا المرقبي المؤيدي‏.‏
وتقدمته على الأمير طوخ من تمراز الناصري الرأس نوبة الثاني بعد موته وأنعم بإقطاع طوخ وهو إمرة أربعين على قاني باي الجاركسي شاد الشراب خاناه‏.‏ ثم في يوم الاثنين أول شعبان أضيف نظر دار الضرب للمقر الجمالي ناظر الخواص الشريف كما كانت العادة القديمة وذلك بعد موت جوهر القنقبائي الزمام والخازندار‏.‏ ثم في يوم السبت سادسه خلع السلطان علي الطواشي هلال الرومي الظاهري برقوق شاد الحوش السلطاني باستقراره زمامًا عوضًا عن جوهر المقدم ذكره على مال كثير بذله في ذلك‏.‏
ثم في يوم الأحد سابعه خلع علي الزيني عبد الرحمن بن علم الدين داؤد بن الكويز باستقراره أستادار الذخيرة وخلع علي الطواشي الحبشي جوهر التمرازي الجمدار باستقراره خازندارًا كلاهما عوضًا عن جوهر المذكور‏.ثم في يوم السبت عشرين شعبان ركب السلطان من قلعة الجبل بغير قماش الموكب لكن بجميع أمرائه وخاصكيته ونزل في أبهة عظيمة وسار على خليج الزعفران خارج القاهرة ونزل هناك بمخيمه ومدت له أسمطة جليلة وأنواع كثيرة من الحلوى والفواكه‏.‏
ثم ركب بعد صلاة الظهر وعاد إلى القلعة بعد أن دخل من باب النصر وشق القاهرة وابتهج الناس به كثيرًا‏.‏ وهذه أول مرة شق فيها القاهرة بعد سلطنته‏.‏ وكان هذا الموكب جميعه بغير قماش الموكب ولم يكن ذلك في سالف الأعصار وأول من فعل ذلك وترخص في النزول من القلعة بغير كلفتاه ولا قماش الملك الناصر فرج ثم اقتدى به الملك المؤيد شيخ ثم من جاء بعدهما‏.‏

وفي هذا الشهر تكلم زين الدين يحيى الأشقر ناظر الديوان المفرد مع الأمير قيزطوغان العلائي الأستادار بأنه يكلم السلطان في إخراج جميع الرزق الأحباسية والجيشية التي بالجيزة وضواحي القاهرة وحسن له ذلك حتى تكلم قيزطوغان المذكور في ذلك مع السلطان وألح عليه‏.‏
مال السلطان لإخراج جميع الرزق المذكورة إلى أن كلمه في ذلك جماعة من الأعيان ورجعوه عن هذه الفعلة القبيحة فاستقر الحال على أنه يجبى من الرزق المذكورة في كل سنة عن كل فدان مائة درهم من الفلوس فجبيت‏.‏ واستمرت إلى يومنا هذا في صحيفة زين الدين المذكور لأنه هو الدال عليها والدال على الخير كفاعله وكذلك الشر‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء أول شهر رمضان ورد الخبر على السلطان بالقبض على الأمير قنصوه النوروزي وكان له من يوم وقعة الجكمي في اختفاء فرسم بسجنه بقلعة دمشق‏.‏
وقانصوه هذا من أعيان الأمراء المشهورين بالشجاعة وحسن الرمي بالنشاب غير أنه من كبار المخاميل الفلاسة المديونين‏.‏
ثم في يوم السبت ثاني عشر شهر رمضان خلع السلطان على القاضي معين الدين عبد اللطيف ابن القاضي شرف الدين أبي بكر سبط العجمي باستقراره في نيابة كتابة السر بعد وفاة أبيه‏.‏ ثم في يوم الاثنين تاسع عشر شوال برز أمير حاج المحمل الأمير تمرباي رأس نوبة النوب بالمحمل وأمير الركب الأول سودون الإينالي المؤيدي المعروف بقراقاس أمير عشرة‏.‏
وحج في هذه السنة ثلاثة من أمراء الألوف‏:‏ تمرباي المقدم ذكره والأمير تمراز القرمشي أمير سلاح والأمير طوخ من تمراز الناصري وسبعة أمراء أخر ما بين عشرات وطبلخانات‏.‏ وتوجه تمراز أمير سلاح بالجميع ركبًا وحده قبل الركب الأول كما سافر في السنة الماضية الأمير جرباش الكريمي قاشق أمير مجلس وصحبته ابنته زوجة السلطان الملك الظاهر‏.‏
ثم في يوم السبت سابع ذي القعدة قدم إلى القاهرة الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب باستدعاء فركب السلطان إلى ملاقاته بمطعم الطير وخلع عليه باستمراره على كفالته‏.‏ وفي أواخر هذا الشهر طرد السلطان أيتمش الخضري الظاهري أحد الأمراء البطالة من مجلسه ومنعه من الاجتماع به وهذه ثاني مرة أهانه السلطان وطرده‏.‏
وأما ما وقع لأيتمش المذكور قبل ذلك في دولة الأشرف برسباي من البهدلة والنفي فكثير وهو مع ذلك لا ينقطع عن الترداد للأمراء وأرباب الدولة بوجه أقوى من الحجر‏.‏ وفي هذه السنة أعني سنة أربع وأربعين وثمانمائة جدد بالقاهرة وظواهرها عدة جوامع منها جامع الصالح طلائع بن رزيك خارج باب زويلة قام بتجديده رجل من الباعة يقال له عبد الوهاب العيني ومنها مشهد السيدة رقية قريبًا من المشهد النفيسي جدده الشريف بدر الدين حسين بن أبي بكر الحسيني نقيب الأشراف وجدد أيضًا جامع الفاكهيين بالقاهرة وجامع الفخر بخط سويقة الموفق بالقرب من بولاق وجدد أيضًا جامع الصارم أيضًا بالقرب من بولاق وأنشأ أيضًا جوهر المنجكي نائب مقدم المماليك جامعًا بالرميلة تجاه مصلاة المؤمني وعمارته بالفقيري بحسب الحال وأنشأ تغري بردي المؤذي البكلمشي الدوادار جامعًا بخط الصليبية على الشارع الأعظم‏.‏
قلت‏:‏ الناس على دين مليكهم وهو أنه لما كانت الملوك السالفة تهوى النزه والطرب عمرت في أيامهم بولاق وبركة الرطلي وغيرهما من الأماكن وقدم إلى القاهرة كل أستاذ صاحب آلة من المطربين وأمثالهم من المغاني والملاهي إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق وسار في سلطنته على قدم هائل من العبادة والعفة عن المنكرات والفروج وأخذ في مقت من يتعاطى المسكرات من أمرائه وأرباب دولته فعند ذلك تاب أكثرهم وتصولح وتزهد وصار كل أحد منهم يتقرب إلى خاطره بنوع من أنواع المعروف فمنهم من صار يكثر من الحج ومنهم من تاب وأقلع عما كان فيه ومنهم من بنى المساجد والجوامع ولم يبق في دولته ممن استمر على ما كان عليه إلا جماعة يسيرة ومع هذا كان أحدهم إذا فعل شيئًا من ذلك فعله سرًا مع تخوف ورعب زائد يرجفه في تلك الحالة صفير الصافر وخفق الرياح فلله دره من ملك في عفته وعبادته وكرمه‏.‏
ثم في يوم السبت ثالث شهر ربيع الأول من سنة خمس وأربعين وثمانمائة خلع السلطان على يار علي بن نصر الله الخراساني العجمي الطويل باستقراره في حسبة القاهرة مضافًا لما بيديه من حسبة مصر القديمة عوضًا عن قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي بحكم عزله‏.‏ ثم في يوم الخميس ثامن شهر ربيع الأول المذكور كانت مبايعة الخليفة أمير المؤمنين سليمان ابن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد بالخلافة بعد وفاة أخيه المعتضد داؤد بعهد منه إليه ولقب بالمستكفي بالله أبي الربيع سليمان‏.‏
م في يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى خلع السلطان على الشريف علي بن حسن بن عجلان باستقراره في إمرة مكة عوضًا عن أخيه بركات بن‏.‏ حسن بحكم عزله لعدم حضوره إلى الديار المصرية وعين السلطان مع الشريف علي المذكور خمسين مملوكًا من المماليك السلطانية وعليهم الأمير يشبك الصوفي المؤيدي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة لمساعدة علي المذكور على قتال أخيه الشريف بركات وسافر الشريف علي من القاهرة في يوم ثم في يوم الاثنين سادس شهر رجب قدم إلى القاهرة الأمير برسباي نائب طرابلس ونزل السلطان إلى مطعم الطيور خارج القاهرة وتلقاه وخلع عليه على العادة‏.‏
ثم يوم الثلاثاء سابع شهر رجب أمسك السلطان الأمير قيز طوغان العلائي الأستادار وقبض معه على زين الدين يحيى ناظر ديوان المفرد وسلمهما للأمير دولات باي المحمودي المؤيدي الدوادار الثاني‏.‏ ثم خلع السلطان في يوم الخميس سادس عشره على الزيني عبد الرحمن بن الكويز باستقراره أستادارًا عوضًا عن قيز طوغان وخلع على زين الدين المذكور باستقراره على وظيفة نظر المفرد على عادته‏.‏
وأنعم السلطان على الأمير قيز طوغان بإمرة مائة وتقدمة ألف بحلب وخرج في يوم السبت خامس عشرينه‏.‏ ثم في يوم الاثنين سابع عشرينه خلع السلطان على الشهابي أحمد بن علي بن إينال اليوسفي أحد أمراء العشرات باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل الأمير أسنبغا الناصري الطياري عنها وقدومه إلى القاهرة على عادته أمير مائة ومقدم ألف‏.‏
ثم في يوم السبت أول شهر رمضان قدم الشيخ شمس الدين محمد الخافي الحنفي من مدينة سمرقند قاصدًا الحج - وهو أحد أعيان فقهاء القان شاه رخ بن تيمور وولده ألوغ بك ثم في يوم الخميس ثامن عشر شوال برز أمير حاج المحمل تغري برمش السيفي يشبك بن أزدمر الزردكاش بالمحمل إلى بركة الحاج دفعة واحدة - وكانت العادة أن أمير حاج المحمل يبرز من القاهرة إلى الريدانية ثم يتوجه في ثانيه إلى بركة الحاج - وأمير حاج الركب الأول الأمير يونس السيفي آقباي أحد أمراء العشرات المعروف بالبواب‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوال أمسك السلطان الأمير جانبك المحمودي المؤيدي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة وحبسه بالبرج من قلعة الجبل‏.‏ وكان السلطان قصد مسكه قبل ذلك فخشي عاقبة خجداشيته فلما زاد جانيك المذكور عن الحد في التكلم في الدولة ومداخلة السلطان في جميع أموره بعدم دربة وقلة لباقة مع حدة وطيش وخفة وسوء خلق أمسكه في هذا اليوم وقصد بذلك حركة ظهر من خجداشيته المؤيدية فلم يتحرك ساكن بل خاف أكثرهم وحسن حاله مع السلطان وانكف أكثرهم عن مداخلة السلطان وأنعم السلطان بإمرته على خجداشه خير بك الأشقر المؤيدي أحد الدوادارية الصغار ولم يكن خيربك المذكور ممن ترشح للإمرة‏.‏
ومن يومئذ عظم أمر السلطان في ملكه وهابته الناس وانقطع عن مداخلته جماعة كبيرة ثم حمل جانبك المذكور إلى سجن الإسكندرية فسجن به‏.‏ هذا والسلطان في اهتمام تجريدة لغزو رودس وعين عدة كبيرة من المماليك السلطانية والأمراء ومقدم الجميع اثنان من مقدمي الألوف‏:‏ الأمير إينال العلائي الناصري المعزول عن نيابة صفد والأمير تمرباي رأس نوبة النوب‏.‏

وسافروا الجميع من ساحل بولاق في محرم سنة ست وأربعين ومعهم عدة كبيرة من المطوعة بأبهج زي من العلا والسلاح وكان لسفرهم بساحل بولاق يوم مشهود إلا أنهم عادوا في أثناء السفر ولم ينالوا من رودس غرضًا بعد أن أخربوا قشتيل حسبما يأتي ذكره في الغزوة الثالثة الكبرى‏.‏ وبعد سفرهم وقع حادثة شنعة وهي أنه لما كان يوم الاثنين سادس عشر صفر وثب جماعة كبيرة من مماليك السلطان الأجلاب من مشترواته الذين بالأطباق من القلعة وطلعوا إلى أسطحة أطباقهم ومنعوا الأمراء وغيرهم من الأعيان من طلوع الخدمة وأفحشوا في ذلك إلى أن خرجوا عن الحد ونزلوا إلى الرحبة عند باب النحاس وكسروا باب الزردخاناه السلطانية وضربوا جماعة من أهل الزردخاناه وأخذوا منها سلاحًا كثيرًا ووقع منهم أمور قبيحة في حق أستاذهم الملك الظاهر ولهجوا بخلعه من الفلك‏.‏
وهم السلطان لقتالهم ثم فتر عزمه عن ذلك شفقة عليهم لا خوفًا منهم‏.‏ ثم سكنت الفتنة بعد أمور وقعت بين السلطان وبينهم‏.‏
ثم في يوم الخميس عاشر شهر ربيع الأول قدم الأمير مازي الظاهري برقوق نائب الكرك وطلع إلى القلعة وخلع عليه باستمراره‏.‏ ثم في يوم الاثنين حادي عشرين شهر ربيع الأول المذكور خلع السلطان على مملوكه قراجا الظاهري الخازندار باستقراره خازندارًا كبيرًا عوضًا عن الأمير قانبك الأبو بكري الأشرفي الساقي بحكم مرضه بداء الأسد نسأل الله العفو والعافية‏.‏ وفيه أيضًا استقر ابن الحاضري قاضي قضاة الحنفية بحلب بعد عزل محب الدين محمد بن الشحنة لسوء سيرته‏.‏
ثم في يوم الأحد ثاني عشر شهر ربيع الآخر قدم الأمير سودون المحمدي من مكة المشرفة إلى القاهرة وهو مجرح في مواضع من بدنه من قتال كان بين الشريف علي صاحب مكة وبين أخيه بركات انتصر فيه الشريف علي وانهزم بركات إلى القبر‏.‏ ثم في يوم الأحد سادس عشرين شهر ربيع الآخر المذكور أمسك السلطان الزيني عبد الرحمن بن الكويز وعزله عن الأستادارية‏.‏
ثم أصبح من الغد خلع على زين الدين يحيى ناظر الديوان المفرد باستقراره أستادارًا عوضًا عن ابن الكويز المذكور‏.‏ وكان من خبر زين الدين هذا أنه كان كثيرًا ما يلي الوظائف بالبذل ثم يعزل عنها بسرعة وقد تجمد عليه جمل من الديون وكان خصمه في وظيفة نظر الديوان المفرد عبد العظيم بن صدقة الأسلمي وغريمه في نظر الإسطبل شمس الدين الوزة‏.‏ ولا زال زين الدين المذكور في بحبوحة من الفقر والذل والإفلاس إلى أن ولي الأمير قيز طوغات الأستادارية فاختار زين الدين هذا لنظر الديوان المفرد وضرب عبد العظيم وأهانه كونه كان من جملة أصحاب محمد بن أبي الفرج وركن إلى زين الدين هذا وصار المعول عليه بديوان المفردة فاستفحل أمره وقضى ديونه‏.‏
فحدثته نفسه بالأستادارية لمصداق المثل السائر‏:‏ ‏"‏ لا تموت النفس الخبيثة حتى تسيء لمن أحسن إليها ‏"‏‏.‏ فأخذ زين الدين يدبر على الأمير طوغان في الباطن ويملي له المفسود بأن يحسن له الإقالة من الوظيفة حتى يعظم أمره من سؤال السلطان له باستقراره في الوظيفة ويظهر له بذلك النصح إلى أن انفعل له طوغان وسأل الإحالة فأقاله السلطان وخلع على الزيني عبد الرحمن بن الكويز بالأستاداريه‏.‏
واستمر زين الدين على وظيفة نظر ديوان المفرد وقد تفتحت له أبواب أخذ الأستادرية لسهولة ابن الكويز وخروج قيز طوغان من مصر فإنه كان لا يحسن به المرافعة في طوغان ولا السعي عليه بوجه من الوجوه فسلك في ذلك ما هو أقرب لبلوغ قصده بعزل طوغان وولاية ابن الكويز حتى تم له ذلك ولبس الأستادارية ونعت بالأمير لكنه لم يتزيا بزي الجند بل استمر على لبسه أولًا‏:‏ العمامة والفرجية فصار في الوظيفة غير لائق كونه أستادارًا وهو بزي الكتبة وأميرًا ولا يعرف باللغة التركية ورئيسًا وليس فيه شيم الرئاسة وكانت ولايته وسعادته غلطة خلت الرقاع من الرخاخ ففرزنت فيها البيادق وتصاهلت عرج الحمير فقلت‏:‏ من عدم السوابق وفيه خلع السلطان على الأمير أقبردي المظفري الظاهري برقوق أحد أمراء العشرات ورأس نوبة وندبه للتوجه إلى مكة المشرفة وصحبته من المماليك السلطانية خمسون مملوكًا ليستعين بهم الشريف علي صاحب مكة على من خالفه وسافر بعد أيام رجبية‏.‏
ثم في يوم الخميس أول جمادى الأولى أمسك السلطان الصفوي جوهرًا التمرازي الخازندار ورسم عليه عند تغري برمش الجلالي المؤيدي الفقيه نائب قلعة الجبل وطالبه السلطان بمال كبير‏.‏ وخلع السلطان على الطواشي فيروز الرومي النوروزي رأس نوبة الجمدارية باستقراره خازندارًا عوضًا عن جوهر المذكور وتأسف الناس كثيرًا على عزل جوهر التمرازي فإنه كان سار في الوظيفة أحسن سيرة وترقب الناس بولاية فيروز هذا أمورًا كثيرة‏.‏
ثم في يوم الاثنين سادس عشرينه استقر فيروز النوروزي المذكور زمامًا مضافًا للخازندارية بعد عزل هلال الطواشي عنها‏.‏
ثم في يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة

باستقراره دوادارًا كبيرًا بعد موت الأمير تغري بردي المؤذي البكلمشي وأنعم بتقدمة تغري بردي المذكور على الأمير قاني باي الجركسي واستمر على وظيفة شد الشراب خاناه مع تقدمة ألف وأنعم بطبلخاناه قاني باي على جانبك القرماني الظاهري برقوق رأس نوبة وأنعم بإقطاع جانبك على أيتمش بن عبد الله من أزوباي أستادار الصحبة وهي إمرة عشرة وأنعم بإقطاع أيتمش على سنجبغا وكلاهما إمرة عشرة والتفاوت في زيادة المغل‏.‏
ثم في يوم السبت خامس شعبان رسم السلطان بنفي الأمير سودون السودوني الظاهري الحاجب إلى قوص فشفع فيه فرسم بتوجهه إلى طرابلس ثم شفع فيه ثانيًا فرسم له بالإقامة بالقاهرة بطالًا‏.‏ ثم في الاثنين ثالث شوال خلع السلطان على الشريف أبي القاسم بن حسن بن عجلان باستقراره أمير مكة عوضًا عن أخيه علي بحكم القبض عليه وعلى أخيه إبراهيم بمكة المشرفة‏.‏ ثم في سابع عشره برز أمير حاج المحمل الأمير تنبك البردبكي حاجب الحجاب بالمحمل إلى بركة الحاج وهذه سفرته الثانية وأمير الركب الأول الأمير الطواشي عبد اللطيف المنجكي العثماني الرومي مقدم المماليك السلطانية‏.‏
ثم في يوم السبت تاسع عشرين شوال خلع السلطان على قاضي القضاة بدر الدين محمود ثم في يوم الاثنين أول ذي القعدة قدم الأمير أركماس الظاهري الدوادار الكبير - كان - من ثغر دمياط بطلب من السلطان وطلع إلى القلعة وخلع عليه السلطان كاملية مخمل بمقلب سمور ورسم له أن يقيم بالقاهرة بطالًا وأذن له بالركوب حيث شاء‏.‏
ثم في يوم الاثنين تاسع عشرين ذي القعدة المذكور خلع السلطان على القاضي بهاء الدين محمد ابن القاضي نجم الدين عمر بن حجي ناظر جيش دمشق باستقراره ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية مضافًا لما بيده من نظر جيش دمشق عوضًا عن القاضي محب الدين بن الأشقر بحكم عزله وغيابه في الحج وذلك بسفارة حميه القاضي كمال الدين بن البارزي كاتب السر الشريف‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر من سنة سبع وأربعين وثمانمائة أعيد يارعلي الخراساني إلى حسبة القاهرة وصرف العيني عن الحسبة‏.‏
ثم في يوم الأربعاء حادي عشر شهر ربيع الأول عمل السلطان المولد النبوي على العادة‏.‏ ثم في يوم الأربعاء ثامن جمادى الآخرة قدم الزيني عبد الباسط بن خليل وكان توجه من سنة أربع وأربعين من الححاز إلى دمشق بشفاعة الناصري محمد بن منجك له‏.‏ ولما وصل إلى القاهرة طلع إلى القلعة وقبل الأرض ومعه أولاده ثم تقدم وباس رجل السلطان فقال له السلطان‏:‏ ‏"‏ أهلا ‏"‏ بصوت خفي ولم يزده على ذلك‏.‏ ثم ألبسه كاملية سابوري أبيض بفرو سمور وألبس أولاده كل واحد كاملية سمور بطوق عجمي ثم نزل إلى داره‏.‏
وقدم تقدمته في يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة المذكورة وكانت تشتمل على شيء كثير من ذلك أربعة وأربعون قفصًا من أقفاص الحمالين مشحونة بالأقمشة من أنواع الفراء والصوف والمخمل والشقق الحرير والسلاح وطبول بأزات مذهبة وخيول نحو مائتي فرس وأربعين فرسًا منها أكاديش خاصة بسروج مذهبة وبدلات مينة عبي حرير عدة كبيرة ومنها عشرة خيول عليها بركستوانات ملونة وسروج مغرقة ومنها ثمانية سروج سذج برسم الكرة وبغال ثلاثة أقطار وجمال بخاتي قطار واحد فقبل السلطان ذلك كله‏.‏
وبعد هذا كله لم يتحرك حظ عبد الباسط عند السلطان ولا تجمل معه بوظيفة من الوظائف بل أمره بالسفر بعد أيام قليلة‏.‏ قلت‏:‏ ليس للطمع فائدة وأخذ ما يأخذ زمانه وزمان غيره وما أحسن قول من قال‏:‏ المتدارك وترى الدهر لعبًا لمعتبر والناس به دول دول كرة وضعت لصوالجة فتلقفها رجل رجل ثم في يوم الاثنين عشرينه قدم الأمير خليل بن شاهين الشيخي نائب ملطية وخلع عليه السلطان خلعة الاستمرار وقدم هديته‏.‏
وأقام بالقاهرة إلى يوم الاثنين رابع شهر رجب فخلع السلطان عليه باستقراره أتابك حلب عوضًا عن الأمير قيز طوغان العلائي المعزول عن الأستادارية بحكم استقرار قيز طوغان في نيابة ملطية عوضًا عن خليل المذكور‏.‏ ثم في يوم السبت ثامن عشر شوال برز أمير حاج المحمل الأمير شادبك الجكمي أحد مقدمي الألوف بالمحمل إلى بركة الحاج وأمير الركب الأول الأمير سونجبغا اليونسي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة‏.‏ ثم في يوم الأربعاء ثاني عشرين شوال أعيد القاضي محب الدين بن الأشقر إلى وظيفة نظر الجيش وصرف عنها القاضي بهاء الدين بن حجي واستمر على وظيفته نظر جيش دمشق على عادته أولًا وكانت بيده لم تخرج عنه‏.‏ ثم في يوم الخميس سلخ شوال قدم ابن حجي المذكور إلى السلطان تقدمة هائلة تشتمل على خمسة وأربعين قفصًا من أقفاص الحمالين ما بين ثياب بعلبكي وقسي وصوف وأنواع الفرو وغير ذلك‏.‏
ثم في يوم الاثنين رابع ذي القعدة خلع السلطان على بهاء الدين المذكور خلعة السفر وأضيف إليه نظر قلعة دمشق‏.‏ ثم في يوم الأحد رابع عشرينه ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل بخواصه إلى أن وصل إلى ساحل بولاق ثم عاد حتى علم الناس بعافيته لأنه كان توعك توعكًا هينًا فأرجف الناس ثم في يوم الاثنين ثاني ذي الحجة وصل الأمير جلبان نائب الشام إلى القاهرة ونزل السلطان إلى ملاقاته بمطعم الطيور بالريدانية خارج القاهرة وخلع عليه خلعة الاستمرار على نيابة دمشق وهذه قدمته الثانية في الدولة الظاهرية‏.‏
ثم قدم جلبان المذكور تقدمته إلى السلطان من الغد في يوم الثلاثاء وكانت تشتمل على عدة حمالين كثيرة منها سمور خمسة أبدان ووشق بدنان وقاقم خمسة أبدان وسنجاب خمسون بدنًا وقرضيات خمسون قرضية ومخمل ملون خاص أربعون ثوبًا ومخمل أحمر وأخضر وأزرق حلبي خمسون ثوبًا وصوف ملون مائة ثوب وثياب بعلبكي خمسمائة ثوب وثياب بطائن خمسمائة أيضًا وقسي حلقة ثلاثمائة قوس منها خمسون خاصًا وطبول بازات مذهبة عشرة وسيوف خمسون سيفًا وخيول مائتا رأس منها واحد بسرج ذهب وكنبوش زركش وبغال ثلاثة أقطار وجمال أربعة أقطار وعشرون ألف دينار على ما قيل‏.‏
وفي أواخر هذه السنة ظهر الطاعون بمصر وفشا في أول المحرم سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وقد أخذ السلطان في تجهيز تجريدة عظيمة لغزو رودس وأخذ الطاعون يتزايد في كل يوم حتى عظم في صفر وزاد عدة من يموت فيه على خمسمائة إنسان‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء حادي عشرين صفر نفى السلطان كسباي الششماني المؤيدي أحد الدوادارية الصغار وعد ذلك من الأشياء التي وضعها الملك الظاهر في محلها وقد استوعبنا أمر كسباي هذا والتعريف بأحواله في غير هذا المحل‏.‏
ثم في شهر ربيع الأول أخذ الطاعون يتناقص من القاهرة ويتزايد بضواحيها‏.‏ ثم في يوم السبت سادس عشر شهر ربيع الأول المذكور نفى السلطان سودون السودوني الحاجب إلى قوص وأنعم بإقطاعه على الأمير ألطنبغا المعلم الطاهري برقوق زيادة على ما بيده‏.‏ ثم في يوم السبت المذكور خرجت الغزاة من القاهرة فنزلت في المراكب من ساحل بولاق وقصدوا الإسكندرية ودمياط ليركبوا من هناك البحر المالح والجميع قصدهم غزو رودس‏.‏ وكانوا جمعًا موفورًا ما بين أمراء وخاصكية ومماليك سلطانية ومطوعة‏.‏
وكان مقدم الجميع في هذه السنة أيضًا الأمير إينال العلائي الدوادار الكبير كما كان في السنة الخالية‏.‏ وكان معه من الأمراء الطبلخانات الأمير يلخجا من مامش الساقي الناصري الرأس نوبة الثاني ومن العشرات جماعة كبيرة منهم‏:‏ تغري برمش الزردكاش وتغري برمش الفقيه نائب القلعة‏.‏
وهو مستمر على وظيفته - ورسم السلطان للأمير يونس العلائي الناصري أحد أمراء العشرات أن يسكن بباب المدرج إلى أن يعود تغري برمش المذكور من الجهاد - وسودون الإينالي المؤيدي قراقاس رأس نوبة وتمربغا الظاهري جقمق ونوكار الناصري وتمراز النوروزي رأس نوبة المعروف بتعريص ويشبك الفقيه المؤيدي وفيها تأمر بعد عوده - بعد موت تمراز النوروزي من جرح أصابه - وجماعة أخر من أعيان الخاصكية كل منهم مقدم على غراب أو زورق ومعه علة من المماليك السلطانية وغيرهم‏.‏
وكانت المماليك السلطانية في هذه الغزوة تزيد عدتهم على ألف مملوك هذا خارج عمن سافر من المطوعة‏.‏ وأضاف إليهم السلطان أيضًا جماعة كبيرة من أمراء البلاد الشامية كما فعل الملك الأشرف في غزوة قبرس المقدم ذكرها‏.‏ ورسم لهم السلطان أن يتوجه الجميع إلى طرابلس ليضاف إليهم العسكر الشامي ويسير الجميع عسكرًا واحدًا ففعلوا ذلك وسافر الجميع من ثغر دمياط وثغر الإسكندرية في يوم الخميس حادي عشر شهر ربيع الآخر وكان لخروجهم من ساحل بولاق يوم عظيم لم ير مثله إلا نادرًا‏.‏
وساروا من ثغر الإسكندرية ودمياط إلى طرابلس ثم من طرابلس إلى رودس حتى نزلوا على برها بالقرب من مدينتها في الخيم وقد استعد أهلها للقتال فأخذوا في حصار المدينة ونصبوا عليها المناجيق والمكاحل وأرموا على أبراجها بالمكاحل والمدافع واستمروا على قتال أهل رودس في كل يوم‏.‏
هذا ومنهم فرقة كبيرة قد تفرقت في قرى رودس وبساتينها ينهبون ويسبون‏.‏ واستمروا على ذلك أيامًا ومدينة رودس لا تزداد إلا قوة لشدة مقاتليها ولعظم عمارتها وقد تأهبوا للقتال وحصنوا رودس بالآلات والسلاح والمقاتلة وصار القتال مستمرًا بينهم في كل يوم وقتل من الطائفتين خلائق كثيرة‏.‏ هذا وقد استقر الأمير يلخجا الناصري في المراكب ومعه جماعة كبيرة من المماليك السلطانية وغيرهم لحفظ المراكب من طارق يطرقهم من الفرنج في البحر وكان في ذلك غاية المصلحة‏.وصار يلخجا مقدم العساكر في البحر كما كان إينال مقدم العساكر في البر‏.‏
وبينما يلخجا ورفقته ذات يوم إذ هجم عليهم الفرنج في عدة كبيرة من المراكب فبرز إليهم يلخجا ومن معه وقاتلوهم قتالًا عظيمًا حتى نصر الله المسلمين وانهزم الفرنج وغنم المسلمون منهم‏.‏ كل ذلك وقتال رودس مستمر في كل يوم والعساكر في غاية ما يكون من الاجتهاد في قتال رودس غير أن رودس لا يزداد أمرها إلا قوة لعظم استعداد أهلها للقتال‏.‏ ولما كان في بعض الأيام وقع للمسلمين محنة عظيمة قتل فيها جماعة كبيرة من أعيان الغزاة من الخاصكية وغيرهم وهو أن جماعة من المسلمين الأعيان نزلوا في كنيسة تجاه رودس وبينهم وبين العسكر الإسلامي رفقتهم مخاضة من البحر المالح وبينهم أيضًا وبين مدينة رودس طريق سالكة‏.‏
فاتفق أهل رودس على تبييت هؤلاء المسلمين الذين بالكنيسة المذكورة إلى أن أمكنهم ذلك فخرجوا إليهم على حين غفلة وطرقوهم بالسيوف والسلاح وكان المسلمون في أمن من جهتهم وغالبهم جالس بغير سلاح وهم أيضًا في قلة والفرنج في كثرة‏.‏ فلما هجموا على المسلمين ووقعت العين في العين قام المسلمون إلى سلاحهم فمنهم من وصل إلى أخذ سلاحه وقاتلهم حتى قتل ومنهم من قتل دون أخذ سلاحه ومنهم من ألقى بنفسه إلى الماء ونجا وهم القليل‏.‏ على أنه قتل من الفرنج جماعة كبيرة قتلتهم فرسان المسلمين قبل أن يقتلوا لما عاينوا الهلاك أثابهم الله الجنة‏.‏
ولما وقعت الهجة قام كل واحد من المسلمين إلى نجدة هؤلاء المذكورين فلم يصل إليهم أحد حتى فرغ القتال إلا أن بعض أعيان الخاصكية مع رفقته لحق جماعة من الفرنج قبل دخولهم إلى رودس ووضعوا فيهم السيف‏.‏ وقد استوعبنا واقعتهم بأطول من هذا في غير هذا الكتاب‏.‏ وكان عدة من قتل في هذه الكائنة نيفًا على عشرين نفسًا‏.‏ ودام القتال بعد ذلك في كل يوم بين عساكر الإسلام وبين فرنج رودس أيامًا كثيرة ومدينة رودس لا تزداد إلا قوة‏.‏ فعند ذلك أجمع المسلمون على العود وركبوا مراكبهم وعادوا إلى أن وصلوا إلى ثغر الإسكندرية ودمياط ثم قدموا إلى القاهرة‏.‏
فكانت غزوة العام الماضي أعني غزوة قشتيل التي أخربوها وسبوا أهلها أبهج من هذه الغزوة فلله الأمر من قبل ومن بعد‏.‏ وكان وصول الغزاة المذكورين إلى القاهرة في ثم في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر خلع السلطان على الأمير سودون المحمدي أحد أمراء العشرات باستقراره في نيابة قلعة دمشق بعد نقل الأمير جانبك الناصري دوادار برسباي الحاجب منها إلى حجوبية الحجاب بدمشق بعد موت الأمير سودون النوروزي‏.‏
وفيه استقر الأمير قنصوه النوروزي - الخارج على السلطان في نوبة الجكمي - في نيابة ملطية بعد عزل الأمير قيز طوغان العلائي وقدومه إلى حلب أتابكًا بها عوضًا عن الصاحب خليل بن شاهين بحكم عزله ونفيه‏.‏ ثم في يوم السبت رابع شهر رجب وصل إلى القاهرة الأمير بردبك العجمي الجكمي نائب حماة وطلع إلى القلعة وقبل الأرض فنهره السلطان وأمر بالقبض عليه فأمسك وحبس بالقلعة ثم سفر إلى ثغر الإسكندرية فسجن بها وسبب ذلك واقعة كانت بينه وبين أهل حماة قتل فيها جماعة كبيرة من الحمويين استوعبناها في ‏"‏ الحوادث ‏"‏ من غير هذا الكتاب‏.‏
ورسم السلطان للأمير قاني باي الأبو بكري البهلوان نائب صفد بنيابة حماة ونقل الأمير بيغوت المؤيدي الأعرج نائب حمص إلى نيابة صفد‏.‏ ثم في يوم الاثنين سادس عشر رجب المذكور خلع السلطان على الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي الذي كان ولي حسبة القاهرة باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل الأمير ألطنبغا المعلم اللفاف الظاهري برقوق وقدومه إلى القاهرة على إقطاعه وقد زاده السلطان عدة زيادات‏.‏
ثم في يوم الخميس خامس عشر شعبان قدم إلى القاهرة قاصد القان معين الدين شاه رخ بن تيمورلنك وفي خدمته نحو المائة نفر وأتباع كثيرة‏.‏ وكان معه أيضًا امرأة عجوز من نساء تيمورلنك قدمت برسم الحج إلى بيت الله الحرام أقامت بدمشق لتتوجه في الموسم صحبة الركب الشامي ومع القاصد المذكور كسوة الكعبة التي أرسلها شاه رخ‏.‏
وكان القاصد الذي قدم في العام الماضي استأذن السلطان في ذلك واعتذر أن شاه رخ نذر أن يكسو الكعبة - كما كان ذكر ذلك للملك الأشرف برسباي وكان ذلك سببًا لضرب الأشرف لقصاده والإخراق بهم‏.‏ فلما استأذن القاصد الملك الظاهر جقمق أذن له وعاد القاصد بالجواب إلى شاه رخ فأرسلها في هذه السنة صحبة هذا القاصد المذكور‏.‏
واعتذر الملك الظاهر بقوله‏:‏ ‏"‏ إن هذه قربة ويجوز أن يكسو الكعبة كائن من كان ‏"‏ وعظم ذلك على أمراء الدولة والمصريين إلى الغاية‏.‏ ونزل القاصد المذكو في بيت جمال الدين الأستادار بين القصرين‏.‏ لما كان يوم الاثنين حادي عشر شهر رمضان طلع قاصد شاه رخ المذكور ورفقته إلى القلعة وكان السلطان قد احتفل إلى طلوعهم ونادى أن أحدًا من أجناد الحلقة والمماليك السلطانية لا يتأخر عن طلوع القلعة في هذا اليوم‏.‏
وعمل السلطان الخدمة بالحوش من القلعة ولم تكن العادة بعمل الخدمة إلا في إيوان القلعة فأبطل السلطان ذلك وعملها في الحوش‏.‏ وطلعوا القصاد ومعهم التقدمة والكسوة فأمر السلطان بإدخال ما معهم إلى البحرة لئلا يفطن أحد بالكسوة المذكورة‏.‏
وترحب السلطان بالقصاد وأكرمهم وقرىء ما على يدهم من المكاتبة وعادوا إلى جهة منزلهم إلى أن وصلوا إلى بيت جمال الدين حيث سكنهم وقد أطلقت الألسن في حقهم بالوقيعة من العوام والرجم المتتابع إلى البيت المذكور‏.‏
وحال دخولهم إلى البيت نزل خلفهم في الوقت من المماليك السلطانية الذين بأطباق القلعة مقدار ثلاثمائة مملوك وانضاف إليهم جماعة كبيرة من المماليك البطالين والعوام وكبسوا على القصاد المذكورين ونهبوا جميع ما كان لهم وكان شيئًا كثيرًا إلى الغاية وأفحشوا في النهب حتى أخذوا خيولهم وكان قيمة ما نهب هم من الفصوص الفيروزج الكرماني والشقق الحرير والمخمل والمسك وأنواع الفرو وغير ذلك يربو على عشرين ألف دينار وأكثر‏.‏
ولولا أن الأمير يلخجا الرأس نوبة الثاني كان سكنه بالقرب منهم فركب في الحال بمماليكه ونجدهم ومنع الناس من نهبهم ثم وصل إليهم الأمير إينال العلائي الدوادار الكبير ثم الأمير تنبك حاجب الحجاب ولما بلغ السلطان الخبر غضب غضبًا شديدًا وأمسك جماعة من العامة ضربهم بالمقارع وأبدع فيهم وقطع أرزاق بعض المماليك السلطانية من الخدامة وأولاد الناس‏.‏ ثم أعطى السلطان القصاد شيئًا كثيرًا وطيب خواطرهم - انتهى‏.‏
ثم في أواخر شهر رمضان المذكور نفى السلطان الأمير أقطوه الموساوي ظاهري برقوق أحد أمراء الطبلخاناه إلى طرسوس ثم شفع فيه فتوجه إلى دمشق بطالًا‏.‏ ثم في شوال ورد الخبر على السلطان بنصرة مراد بك بن عثمان متملك بلاد الروم على بني الأصفر‏.‏ وفي هذه السنة أبطل السلطان الرماحة الذين يلعبون بالرمح يوم دوران المحمل في شهر رجب‏.‏
ثم يوم الاثنين استقر محب الدين محمد بن الشحنة الحنفي قاضي قضاة حلب وكاتب سرها وناظر الجيش بها بسفارة الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الخاص الشريف‏.‏
ثم في يوم الخميس خامس عشرين ذي القعدة قدم الزيني عبد الباسط من دمشق إلى القاهرة وهذه قدمته الثانية من يوم عزل وصودر وطلع إلى السلطان في يوم السبت سابع عشرينه وخلع عليه كاملية بفرو سمور‏.‏ ثم قدم هديته إلى السلطان في يوم الاثنين تاسع عشرينه وكانت تشتمل على شيء كثير مع مبلغ كبير من الذهب‏.‏ ثم في يوم الخميس سادس عشر ذي الحجة خرجت تجريدة إلى البحيرة ومقدم العسكر الأمير قراخجا الحسني الأمير آخور الكبير ومعه ستة من الأمراء‏.‏
ثم في يوم الخميس رابع عشر محرم سنة تسع وأربعين وثمانمائة استقر الشيخ شمس الدين محمد القاياتي قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية وصرف الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر ونزل القاياتي بغير خلعة تورعًا وعليه طيلسانه وبين يديه أعيان الدولة‏.‏ ولما نزل إلى الصالحية لم يسمع الدعوى التي يدعيها بعض الرسل وقال‏:‏ هذه حيلة ثم قام وتوجه إلى داره وفي ظن كل أحد أنه سيسير في القضاء على قاعدة السلف لما عهدوا من تقشفه وتعففه فوقع بخلاف ما كان في الظن ومال إلى المنصب وراعى الأكابر وأكثر من النواب وظهر منه الميل الكلي إلى الوظيفة حتى لعله لو عزل منها لمات أسفًا عليها‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثامن عشر المحرم المذكور خلع السلطان على الأمير يلخجا من مامش الساقي الناصري الرأس نوبة الثاني باستقراره في نيابة غزة بعد موت الأمير طوخ الأبوبكري المؤيدي قتيلًا بيد العشير‏.‏
ثم في يوم الاثنين العشرين من شهر ربيع الآخر خلع السلطان على الأمير شادبك الجكمي أحد مقدمي الألوف باستقراره في نيابة حماة عوضًا عن قاني باي البهلوان بحكم انتقاله إلى نيابة ثم في يوم الخميس خامس عشر جماد الأول من سنة تسع وأربعين المذكورة رسم السلطان بنفي الأمير علي باي العجمي المؤيدي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة إلى صفد ثم حول إلى دمشق بطالًا وأنعم بإمرته على الأمير جانبك اليشبكي الساقي والي القاهرة وأنعم بإقطاع جانبك المذكور على جماعة من الخاصكية الأشرفية ممن كان نفي في أول الدولة بدمشق وغيرها‏.‏
ثم في يوم الاثنين رابع عشرين جماد الآخر وصل الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب إلى القاهرة وقبل الأرض واستقر من جملة مقدمي الألوف بها وكان الكلام قد كثر في أمره وأشيع بعصيانه‏.‏ ندب السلطان مملوكه جانبك الظاهري الخاصكي إلى التكلم على بندر جدة وهذه أول سفرة سافرها جانبك المذكور ومبدأ أمره في التكلم على بند جدة إلى يومنا هذا‏.‏
وكان من خبر استمراره على التكلم في البندر المذكور أن السلطان كان في كل سنة يندب للتكلم على البندر أحدًا من الأمراء أو أعيان الخاصكية فيتوجه المذكور ثم يعود إلى القاهرة وقد تغير خاطر السلطان عليه لأمور شتى فيعزله السلطان على أقبح وجه ومنهم من يصادره ويأخذ منه الأموال الكثيرة ومنهم من ينفى ومنهم من يرسم عليه ويبهدل وقل من يسلم من فلما ولي جانبك هذا باشر البندر المذكور بمعرفة وحنق مع المهابة ووفور العقل والحرمة ونفوذ الكلمة ونهض بما لم ينهض به غيره ممن تقدمه‏.‏ وأنا أقول‏:‏ ولا ممن تأخر عنه إلى يوم القيامة على ما سيأتي بيان ذلك في مواطن كثيرة من هذه الترجمة وغيرها وقد استوعبنا حاله في تاريخنا ‏"‏ المنهل الصافي ‏"‏ بأوسع من هذا وأيضًا ذكرنا أموره مفضلًا في تاريخنا ‏"‏ الحوادث ‏"‏ عند ذهابه إلى جدة وإيابه وما يقع له بها في الغالب - انتهى‏.‏
ثم في يوم الخميس ثالث شعبان خلع السلطان على الأمير إينال العلائي الدوادار الكبير باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد موت الأمير الكبير يشبك السودوني المشد‏.‏ قلت‏:‏ وفي تولية إينال هذا للألابكية في يوم ثالث الشهر رد على من يتشاءم بالحركة في يوم ثالث الشهر فإنه نقل من هذه الوظيفة إلى السلطنة فأي شؤم وقع له في ولايته - انتهى‏.‏
ثم خلع السلطان على الأمير قاني باي الجاركسي شاد الشراب خاناه باستقراره دوادارًا كبيرًا عوضًا عن إينال المذكور وأنعم بإقطاع الأمير إينال المذكور على الشهابي أحمد بن علي بن إينال اليوسفي وصار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية‏.‏
وخلع السلطان على الأمير يونس السيفي آقباي باستقراره شاد الشراب خاناه عوضًا عن قاني باي الجاركسي واستمر على إقطاعه إمرة عشرة‏.‏ ووقع بسبب تولية الأمير إينال المذكور للأتابكية كلام كثير في الباطن لكون السلطان قدمه على الأمير تمراز القرمشي أمير سلاح وجرباش الكريمي أمير مجلس وقراخجا الحسني الأمير آخور الكبير وهؤلاء الثلاثة من أكابر المماليك البرقوقية ووظائفهم أيضًا تقتضي الانتقال منها إلى الأتابكية بخلاف وظيفة الدوادارية‏.‏ وبلغ السلطان ذلك أو فطن به فلما كان يوم السبت خامسه نزل من قلعة الجبل إلى خليج الزعفران وصحبته جميع الأمراء إلى مخيم ضرب له به وجلس فيه وأكل السماط ودام هناك إلى قريب الظهر ثم ركب وعاد إلى القلعة‏.‏ وكان قصد الملك الظاهر بالنزول إلى خليج الزعفران في هذا اليوم استخفافًا بالقوم لأنهم أشاعوا أن جماعة تريد الركوب فكأنه قال لهم بلسان حاله‏:‏ ‏"‏ ها قد نزلت من القلعة بخليج الزعفران من كان له غرض في شيء فليفعله ‏"‏ فلم يتحرك ساكن وانقمع كل أحد فكانت هذه الفعلة من أحسن أفعاله وأعظمها‏.‏
ثم في يوم الخميس سابع عشر شهر شعبان المذكور خلع السلطان على الأمير الكبير إينال المذكور خلعة نظر البيمارستان المنصوري وخلع على قاني باي الجاركسي خلعة الإنظار المتعلقة بالدوادارية‏.‏  في يوم السبت سابع عشر شوال برز أمير حلج المحمل الأمير دلاوت باي المحمودي المؤيدي ثم في يوم الخميس ثالث المحرم سنة خمسين وثمانمائة خلع السلطان على الصاحب خليل بن شاهين المعزول عن نيابة ملطية قبل تاريخه باستقراره في نيابة القدس عوضًا عن طوغان العثماني بحكم توجهه حاجب حجاب حلب بعد موت قاني باي الجكمي‏.‏
وفيه استقر القاضي برهان الدين إبراهيم بن الديري في نظر الجوالي مضافًا لما بيده من نظر الإسطبلات السلطانية عوضًا عن ابن المحرقي بعد عزله‏.‏ ثم في يوم الاثنين خامس صفر أعيد قاضي القضاة شهاب الدين بن حجر للقضاء بعد موت قاضي القضاة شمس الدين القاياتي‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء سادس صفر أيضًا استقر القاضي ولي الدين السفطي في تدريس المدرسة الصلاحية بقبة الشافعي عوضًا عن القاياتي‏.‏
ثم في يوم السبت ثامن شهر ربيع الأول من سنة خمسين المذكورة قدم إلى القاهرة الشريف محمد بن الشريف بركات بن حسن بن عجلان ومعه تقدمة من عند أبيه ما بين خيول وغيرها وأقام بالقاهرة إلى سلخ الشهر المذكور وعاد إلى مكة وقد أعطاه السلطان أمانًا لأبيه بركات ووعلى بكل خير من ولاية مكة وغير ذلك‏.‏
ثم في يوم الاثنين أول شهر ربيع الآخر خلع السلطان على ولي الدين السفطي باستقراره في نظر البيمارستان المنصوري عوضًا عن القاضي محب الدين بن الأشقر ناظر الجيش بحكم عزله عنها‏.‏ وسار السفطي في النظر المذكور سيرة سيئة وهو أنه صار يأخذ ما لا يستحقه ويدفعه لمن لا يستحقه وحسابه على الله‏.‏
وفيه استقر أسنبغا مملوك ابن كلبك شاد الشون السلطانية في نيابة بعلبك ولم يقع ذلك فيما تقدم‏.‏ والعادة أن نائب دمشق هو الذي يستقر بمن يختاره من مماليكه في نيابة بعلبك‏.‏ هذا في هذا الزمان وأما الوالد فإنه ولى في نيابته على دمشق نيابة القدس والرملة‏.‏ ثم في أواخر جمادى الأولى توغر خاطر السلطان على الأمير شاد بك الجكمي نائب حماة وعزله عن نيابة حماة وولى عوضه الأمير يشبك من جانبك المؤيدي الصوفي أحد أمراء الألوف بحلب - وكان السلطان نفى يشبك المذكور من مصر ثم أنعم عليه بإمرة بحلب وأنعم بإقطاع يشبك المذكور على خجداشه الأمير علي باي العجمي المنفي أيضًا قبل تاريخه إلى دمشق - ورسم لشاد بك المذكور أن يتوجه إلى القدس بطالًا وحمل تقليد يشبك المذكور بنيابة حماة وتشريفه الأمير تمربغا الظاهري أحد أمراء العشرات‏.‏
وفي هذا الشهر رسم السلطان بإطلاق جماعة من المماليك الأشرفية ممن كان حبسهم في أول دولته بالبلاد الشامية ورسم بقدومهم إلى القاهرة‏.‏ ثم في يوم الخميس سابع عشر شوال برز أمير حاج المحمل الأمير سونجبغا اليونسي الناصري أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بالمحمل إلى بركة الحاج وأمير الركب الأول الأمير سمام الحسني الظاهري برقوق أحد أمراء العشرات‏.‏ وسافرت في هذه السنة إلى الحجاز زوجة السلطان الملك الظاهر جقمق خوند مغل بنت البارزي ومعها أيضًا زوجة السلطان بنت ابن دلغادر‏.‏ وحج في هذه السنة أيضًا القاضي كمال الدين بن البارزي كاتب السر الشريف صحبة أخته خوند المذكورة في الركب الأول‏.‏
وسافر كمال الدين المذكور بتجمل كبير وفعل في سفرته من الخيرات والإحسان لأهل مكة ما سيذكر إلى الأبد‏.‏ ثم في يوم السبت أول محرم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة خلع السلطان على قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني باستقراره قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية بعد عزل قاضي القضاة شهاب الدين ابن حجر‏.‏ وفيه استقر السيفي آقبردي الساقي جقمق في نيابة قلعة حلب عوضًا عن تغري بردي الجاركسي بحكم عزله وتوجهه إلى دمشق‏.‏
وكان آقبردي المذكور توجه إلى حلب في أمر متعلق بالسلطان‏.‏ وفيه أنعم السلطان على خليل بن شاهين الشيخي بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق عوضًا عن قير طوغان بحكم القبض عليه وحبسه بقلعة دمشق بسبب ما وقع منه لما توجه أمير حاج الركب الشامي من إحراقه باب المدينة الشريفة لسبب من الأسباب‏.‏
وفيه أيضًا استقر الأمير يشبك الحمزاوي دوادار السلطان بحلب في نيابة غزة عوضًا عن حطط بحكم عزله وتوجهه إلى دمشق بطالًا وأنعم بإقطاع يشبك الحمزاوي وهو تقدمة ألف بحلب على الأمير سودون من سيدي بك الناصري المعروف بالقرماني‏.‏ وأنعم بإقطاع سودون القرماني وهو إمرة عشرة على الأمير علي باي الأشرفي شاد الشراب خاناة كان‏.‏ ثم في يوم الخميس رابع صفر من سنة إحدى وخمسين خلع السلطان علي مملوكه سنقر الظاهري باستقراره أستادار الصحبة بعد موت أيتمش من أزوباي المؤيدي‏.‏
ثم في يوم الخميس حادي عشر صفر المذكور رسم السلطان بنفي تغري برمش الجلالي الفقيه نائب قلعة الجبل إلى القدس بطالًا واستقر الأمير يونس العلائي الناصري أحد أمراء العشرات عوضه في نيابة قلعة الجبل وأنعم بإقطاع تغري برمش المذكور على شريكه الأمير جانبك النوروزي المعروف بنائب بعلبك زيادة على ما بيده ولبس المقدم ذكره خلعة نيابة القلعة في يوم الاثنين خامس عشر صفر‏.‏
ثم في يوم الخميس ثالث شهر ربيع الأول خلع السلطان على الأمير برسباي الساقي السيفي تنبك البجاسي باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل الأمير تنم من عبد الرازق المؤيدي عنها وذلك بسفارة عظيم الدولة الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الخاص الشريف‏.‏ وفيه خلع السلطان على الأمير جانبك النوروزي المقدم ذكره المعروف بنائب بعلبك باستقراره أمير المماليك السلطانية المجاورين بمكة المشرفة‏.‏ ثم في يوم الاثنين حادي عشرين شهر ربيع الأول المذكور رسم بنقل الأمير لرسباي الناصري من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب بعد موت الأمير قاني باي الأبوبكري الناصري البهلوان‏.‏
ورسم بنقل الأمير يشبك المؤيدي الصوفي من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس عوضًا عن برسباي المذكور‏.‏ وخلع السلطان على الأمير تنم بن عبد الرازق المؤيدي المعزول عن نيابة الإسكندرية باستقراره في نيابة حماة عوضًا عن يشبك الصوفي رشحه إلى ذلك المقر الجمالي ناظر الخواص‏.‏
وحمل إلى برسياي نائب حلب التقليد والتشريف الأمير جرباش المحمدي الناصري الأمير آخور الثاني المعروف بكرت‏.‏ وتوجه بتقليد يشبك بنيابة طرابلس الأمير قراجا الظاهري الخازندار الكبير‏.‏ واستقر مسفر تنم بنيابة حماة الأمير لاجين الظاهري الساقي فصالحه الأمير تنم على عدم سفره صحبته على ثلاثة آلاف دينار‏.‏ ثم في يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر استقر الأمير سودون السودوني الظاهري برقوق من جملة الحجاب وكان سودون المذكور قد ولي الحجوبية الثانية قبل ذلك قلت‏:‏ درجة إلى أسفل‏.‏
ثم في يوم الخميس خامس عشره خلع السلطان على القاضي ولي الدين السفطي باستقراره قاضي قضاة الديار المصرية بعد عزل قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني مضافًا لما بيده من تدريس قبة الشافعي ونظر البيمارستان ونظر الكسوة ووكالة بيت المال ومشيخة الجمالية ونظرها وغير ذلك من الوظائف ومع هذا كله والبلص عمال والشحاذة في كل يوم من الأمير الكبير إلى مقدم الجبلية‏.‏
وسار في القضاء أقبح سيرة وسلك مع الناس طريقًا غير محمودة من الحط على الفقهاء والترسيم عليهم والإفحاش في أمرهم لاسيما ما فعله مع مباشري الأوقاف‏.‏ وفي هذا الشهر خلع السلطان على شخص من الباعة يعرف بأبي الخير النحاس شهرة ومكسبًا باستقراره في وكالة بيت المال عوضًا عن السفطي‏.‏ وهذا أول خمول السفطي ومبدأ أمر أبي الخير النحاس وما سيأتي من أمرهما فأعجب‏.‏ ولا بد من التعريف بأصل أبي الخير المذكور وسبب ترقيه وإن كان في ذلك نوع إطالة فيحتمل ذلك لنوع من الأنواع فنقول‏:‏ اسمه محمد وكنيته أبو الخير وبكنيته أشهر ابن محمد بن أحمد بن محمد المصري الأصل والمولد الشافعي النحاس‏.‏ نشأ تحت كنف والده وحفظ القرآن وتعلم من والده وجده صناعة عمل النحاس ومهر فيه واتخذ له حانوتًا بسوق النحاس بخط الشوائين بالقرب من دكان أبيه‏.‏
وأخذ في حانوته وأعطى حتى صار بينه وبين الناس معاملات ومشاركات ألجأه ذلك لتحمل الديون إلى أن عامله الشيخ أبو العباس الوفائي وصار له عليه جمل مستكثرة من الديون‏.‏ وكان الستر مسبولًا بينهما أولًا ثم وقع بينهما وحشة وكان ذلك هو السبب بوصلة النحاس هذا بالملك الظاهر جقمق وهو أن أبا العباس لما ماطله أبو الخير المذكور أخذ في الإلحاح عليه في طلب حقه والدعوى عليه بمجالس الحكام والتجريء عليه والمبالغة في إنكائه بحيث إنه ادعى عليه مرة عند الأمير سودون السودوني الحاجب بعد أن أخرجه من السجن محتفظًا به فضربه سودون المذكور علقتين في يوم واحد ودام هذا الأمر بينهما أشهرًا بل وسنين‏.‏
وصار أبو العباس لا يرق لفقر أبي الخير وإفلاسه وعدم موجوده بل يلح في طلب حقه فعند ذلك أخذ أبو الخير النخاس في مرافعة أبي العباس المذكور بأن الذي بيده من المال إنما هو من جملة ذخائر الصفوي جوهر القنقبائي الخازندار وقد بقيت عند أبي العباس بعد موت جوهر‏.‏ ولا زال أبو الخير يجتهد في ذلك إلى أن توصل إلى السلطان وأنهى في حق أبي العباس ما تقدم ذكره وعليه محاققة ذلك وإظهار الحق في جهته فلما سمع السلطان كلامه مال إليه وقال له‏:‏ قد فنزل أبو الخير في الحال من بين يدي السلطان وقد صار مطالبًا بعدما كان مطلوبًا وادعى على أبي العباس المذكور بدعاو كثيرة يطول الشرح في ذكرها وخدمه السعد في إظهار بعض موجود جوهر من عند أبي العباس المذكور فحسن ذلك ببال السلطان ونبل أبو الخير في عين السلطان ووكله بعد مدة في جميع أموره كل ذلك في سنة ست وأربعين وثمانمائة‏.‏
وتردد أبو الخير النحاس إلى السلطان وحسن حاله من لبس القماش النظيف وركوب الحمار واكتسى كسوة جيدة‏.‏ كل ذلك وأبو الخير يلح في طلب المال من أبي العباس‏.‏
ثم التفت إلى غير ذلك مما يعود نفعه على السلطان وبقي بسبب ذلك يكثر الطلوع إلى القلعة وصار يتقرب إلى السلطان بهذه الأنواع فمشى أمره وظهر عند العامة اسمه واستمر على ذلك إلى سنة ثمان وأربعين فركب فرسًا من غير لبس خف ولا مهماز وصار يطلع إلى القلعة في كل يوم مرة بعد نزول أرباب الدولة من الخدمة ويتقاضى أشغال السلطنة‏.‏
كل ذلك وأعيان الدولة لا تلتفت إليه ولا يعاكسه أحد فيما يرومه لعدم اكتراثهم به وإهمالهم أمره لوضاعته لا لجلالته فاستفحل أمره بهذه الفعلة وطالت يده في الدولة‏.‏ فأول ما بدأ به أخذ في معارضة السفطي وساعده في ذلك سوء سيرة السفطي وملل السلطان منه فولي عنه وكالة بيت المال‏.‏ ثم أخذ أمره يتزايد بعد ذلك على ما سيأتي ذكره مفصلًا‏.‏ وقد استوعبنا حاله في تاريخنا ‏"‏ المنهل الصافي ‏"‏ بأطول من هذا إذ هو كتاب تراجم لا غير وأما أمره في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور ‏"‏ فهو مفضل باليوم والساعة من أول أمره إلى آخره - انتهى‏.‏
ثم في يوم السبت أول جمادى الأولى برز المرسوم الشريف باستقرار خير بك الأجرود المؤيدي أحد مقدمي الألوف بدمشق في أتابكية دمشق بعد موت الأمير إينال الششماني الناصري وأنعم السلطان بإقطاع خير بك المذكور على الأمير خشقدم الناصري المؤيدي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بالقاهرة‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثامن جمادى الآخرة خلع السلطان على الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم ناظر الدولة باستقراره في الوزارة عوضًا عن الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ بحكم طول مرضه وهذه ولاية الصاحب أمين الدين الثانية للوزر‏.‏
ثم في يوم الاثنين سابع عشرين شهر رجب برز المرسوم الشريف على يد الأمير إينال أخي قشتم المؤيدي باستقرار الأمير تنم من عبد الرازق المؤيدي نائب حماة في نيابة حلب عوضًا عن الأمير برسباي الناصري بحكم استعفائه عن نيابة جلب لطول لزومه الفراش ورسم أيضًا بنقل الأمير بيغوت من صفر خجا المؤيدي الأعرج نائب صفد إلى نيابة حماة عوضًا عن تنم المذكور وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يلبغا الجاركسي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة‏.‏ ورسم باستقرار الأمير يشبك الحمزاوي نائب غزة في نيابة صفد‏.‏
ورسم باستقرار طوغان العثماني حاجب الحجاب بحلب في نيابة غزة عوضًا عن يشبك الحمزاوي واستقر في حجوبية حلب الأمير جانبك المؤيدي المعروف بشيخ أحد أمراء طرابلس‏.‏ ثم في يوم الخميس أول شعبان قدم الشريف بركات بن حسن بن عجلان ونزل الملك الظاهر جقمق إلى لقائه بمطعم الطيور الريدانية خارج القاهرة‏.‏ وبالغ السلطان في إكرام بركات المذكور وقام إليه ومشى له خطوات وأجلسه بجانبه ثم خلع عليه وقيد له فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش وركب مع السلطان وسار إلى قريب قلعة الجبل فرسم له السلطان بالعود إلى محل أنزله به وهو مكان أخلاه له المقر الجمالي ناظر الخواص ورتب له الرواتب الهائلة‏.‏
وقام الجمالي المذكور بجميع ما يحتاج إليه بركات من الكلف والخدم السلطانية وغيرها وكان أيضًا هو القائم بأمره إلى أن أعاده إلى إمرة مكة والسفير بينهما الخواجا شرف الدين موسى التتائي الأنصاري التاجر‏.‏ ثم في يوم الخميس سابع شهر رمضان خلع السلطان على الأمير بيسق اليشبكي أحد أمراء العشرات باستقراره في نيابة دمياط بعد عزل الأمير بدخاص العثماني الظاهري برقوق‏.‏
ثم في يوم الخميس رابع عشره خلع السلطان على أبي الخير النخاس المقدم ذكره باستقراره في ثم في يوم الخميس خامس شوال خلع السلطان على الأمير تمراز من بكتمر المؤيدي المصارع أحد أمراء العشرات باستقراره في بابة القدس بعد عزل خشقدم السيفي سودون من عبد الرحمن‏.‏ ثم في يوم الاثنين أول ذي القعدة أنعم السلطان على أسنباي الجمالي الظاهري جقمق الساقي بإمرة عشرة بعد موت إينال أخي قشتم وأنعم بوظيفة أسنباي - السقاية - على جانم الظاهري جقمق‏.‏
ثم في يوم الأربعاء ثالثه برز الأمر الشريف بحبس الأبرين المقيمين بالقدس الشريف وهما‏:‏ شاد بك الجكمي المعزول عن نيابة حماة وإينال الأبو بكري الأشرفي فحبسا بقلعة صفد‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثامن ذي القعدة استقر شاهين الظاهري ساقيًا عوضًا عن جكم قلق سيز بحكم تغير خاطر السلطان عليه‏.‏
ثم في محرم سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة رسم السلطان للأمير يشبك طاز المؤيدي أحد أمراء دمشق بحجوبية طرابلس عوضًا عن يشك النوروزي‏.‏ ثم في يوم الأربعاء حادي عشرين المحرم وصل الركب الأول من الحاج صحبة الأمير الطواشي عبد اللطيف المنجكي ثم العثماني مقدم المماليك السلطانية‏.‏ وأصبح قدم من الغد أمير حاج ثم في يوم الجمعة ثالث عشرين المحرم المذكور رسم السلطان بنفي الأمير قراجا العمري الناصري أحد المقدمين بدمشق إلى سيس وأنعم بتقدمته على الأمير مازي الظاهري برقوق نائب الكرك كان‏.‏ ثم في يوم الخميس ثامن عشرين صفر رسم بإطلاق قيز طوغان من محبسه بقلعة دمشق بشفاعة الأمير جلبان نائب دمشق‏.‏
وفيه أيضًا رسم بمجيء كسباي الدوادار المؤيدي المجنون من طرابلس إلى القاهرة بشفاعة جرباش قاشق‏.‏ ثم في يوم الأحد أول شهر ربيع الأول رسم السلطان بتبقية الأمير قيز طوغان في الحبس وردت المراسيم التي كانت كتبت بإطلاقه بواسطة زين الدين يحيى الأشقر الأستادار‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثاني ربيع الأول عاد الأمير جلبان إلى محل كفالته بدمشق‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء ثالثه عزل السلطان الأمير عبد اللطيف زين الدين الطواشي العثماني عن تقدمة المماليك السلطانية وخلع على الطواشي جوهر النوروزي نائب مقدم المماليك باستقراره في تقدمة المماليك عوضًا عن عبد اللطيف المذكور‏.‏
ثم في يوم الخميس خامسه استقر عوضه نائب مقدم المماليك مرجان العادلي المحمودي‏.‏ ثم في يوم السبت حادي عشرينه استقر أبو الخير النحاس في نظر الكسوة عوضًا عن السفطي ثم في يوم الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر عزل السلطان السفطي عن قضاء الديار المصرية‏.‏ ثم في يوم الخميس رابعه استقر برهان الدين إبراهيم بن ظهير في نظر الإسطبل السلطاني عوضًا عن برهان الدين إبراهيم بن الديري‏.‏
وفيه ولي الشيخ أشرف الدين يحيى المناوي تدريس قبة الشافعي عوضًا عن السفطي‏.‏ وفي يوم السبت سادسه نكب شمس الدين محمد الكاتب وعزر وامتحن حسبما ذكرناه في الحوادث مفصلًا‏.‏ ثم في يوم الأحد سابع شهر ربيع الآخر أعيد قاضي القضاة شهاب الدين ابن حجر إلى القضاء بعد عزل السفطي واستقر أيضًا في مشيخة الخانقاه البيبرسية على عادته ولبس خلعتهما من الغد في يوم الاثنين‏.‏ ثم في يوم الخميس حادي عشره استقر أبو الخير النحاس ناظر البيمارستان المنصوري عوضًا عن السفطي‏.‏ ثم في يوم الاثنين لبس السفطي كاملية خضراء بسمور بعد أن حمل مبلغ خمسة آلاف دينار وخمسمائة دينار بسبب أنه ادعي عليه أنه تناولها من وقف الكسوة‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثاني عشرين ربيع الآخر المذكور عزل الأمير تمراز البكتمري المؤيدي المصارع وفي هذا الشهر طلق السلطان زوجته خوند الكبرى مغل بنت البارزي‏.‏ ثم في يوم الاثنين سابع عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على الأمير قاني باي الحمزاوي أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية باستقراره في نيابة حلب ثانيًا بعد عزل الأمير تنم المؤيدي عنها وقدومه إلى القاهرة على إقطاع قاني باي الحمزاوي المذكورة واستقر يونس العلائي الناصري نائب قلعة الجبل مسفر قاني باي فصالحه السلطان عنه بمبلغ كبير من الذهب لقلة موجود قاني باي المذكور‏.‏
وفيه استقر الأمير بيسق اليشبكي أحد أمراء العشرات بالقاهرة في نيابة قلعة دمشق بعد موت شاهين الطوغاني وفرق السلطان إقطاع بيسق على كسباي المجنون المؤيدي وغيره بواسطة المقر الجمالي ناظر الخواص الشريفة‏.‏ ثم في يوم الاثنين حادي عشره برز الأمير قاني باي الحمزاوي إلى محل كفالته بحلب‏.‏ ثم في يوم الأحد رابع عشرين جمادى الآخرة أمر السلطان بنفي الأمير تمراز المصارع المعزول عن نيابة القدس إلى دمشق ثم شفع فيه وأعيد بعد أيام بعد أن أخرج السلطان إقطاعه إلى أزبك من ططخ الساقي الظاهري والإقطاع إمرة عشرة واستقر خشقدم السيفي سودون من عبد الرحمن في نيابة القدس عوضًا عن تمراز المذكور واستقر إينال الظاهري الخاصكي ثم في يوم الاثنين خامس عشرين جمادى الآخرة المذكور عزل الحافظ شهاب الدين بن حجر نفسه عن قضاء الشافعية ولم يلها بعد ذلك إلى أن مات‏.‏
وخلع السلطان في يوم الثلاثاء سادس عشرينه على قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني وأعيد إلى قضاء الديار المصرية عوضًا عن ابن حجر المذكور‏.‏ ثم في يوم الأثنين ثالث شهر رجب رسم السلطان بإطلاق إينال الأبو بكري من حبس صفد وتوجهه إلى القدس بطالًا‏.‏ ثم في يوم الأربعاء خامس شهر رجب منع ولي الدين السفطي من طلوع القلعة والاجتماع بالسلطان ثم رسم بتوجهه إلى بيت قاضي القضاة الحنفي للدعوة عليه فتوجه وادعى عليه جماعة بحقوق كثيرة فحلف عن بعضها ثلاثة أيمان واعترف بالبعض ثم نقل إلى القاضي المالكي وادعي عليه أيضًا بدين فصالح المدعي على ثلاثمائة دينار‏.‏
ثم رسم السلطان بمنع اليهود والنصارى من طب أبدان المسلمين‏.‏
ثم عزل السفطي عن مشيخة المدرسة الجمالية ودرس التفسير بها‏.‏ ثم في يوم ثالث عشرينه رسم بمجيء السفطي إلى بيت قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني الشافعي ليدعي عليه الزيني قاسم المؤذي الكاشف بسبب حمامه التي بباب الخرق وكان السفطي اشتراها منه في أيام عزه‏.‏ فحضر السفطي إلى مجلس القاضي وادعى عليه قاسم بأنه كان أوقفها قبل بيعها وأن الشراء لم يصادف محلًا وأنه أكرهه على تعاطي البيع‏.‏ وخرج قاسم لإثبات ذلك‏.‏ ولما خرج السفطي من بيت القاضي عارضه شخص آخر وأمسكه من طوقه وعاد به إلى مجلس القاضي وادعى عليه أنه غصب منه خشبًا وغيره فأنكر السفطي فطلب تحليفه والتغليظ عليه فصالحه على شيء ومضى إلى داره وأخذ في السعي إلى أن أعاده السلطان إلى مشيخة الجمالية على عادته‏.‏
ثم في يوم الخميس سابع عشرين شهر رجب أمر السلطان ناصر الدين محمد بن أبي الفرج نقيب الجيش أن يأخذ السفطي ويمضي به إلى بيت قاضي القضاة الشافعي ثانيًا لسماع بينة الإكراه منه لقاسم الكاشف‏.‏ فتوجه السفطي وسمع ذلك وذكر أن له دافعًا وخرج ليبديه فبلغ بعض أعداء السفطي السلطان أنه يمتنع من التوجه إلى الشرع ووغر خاطر السلطان عليه فأمر السلطان قاني بك السيفي‏.‏ يشبك بن أزدمر أحد الدوادارية في يوم الأحد سلخ شهر رجب أن يتوجه إلى السفطي ويأخذه ويمضي به إلى حبس المقشرة ويحبسه به مع أرباب الجرائم‏.‏ فتوجه إليه قاني بك المذكور وحبسه بالمقشرة وقد انطلقت الألسن بالوقيعة في حقه ولولا رفق قاني بك به لقتلته العامة في الطريق‏.‏
ومن لطيف ما وقع للسفطي أنه لما حبس بسجن المقشرة دخل إليه بعض الناس وكلمه بسبب شيء من تعلقاته وخاطبه الرجل المذكور بيا مولانا قاضي القضاة فصاح السفطي بأعلى صوته‏:‏ ‏"‏ تقول لي قاضي القضاة‏!‏ أما تقول‏:‏ يا لص يا حرامي يا مقشراوي‏!‏ ‏"‏ فقال له لرجل‏:‏ ‏"‏ يا لص يا حرامي يا مقشراوي‏!‏ ‏"‏‏.‏ ثم في يوم الاثنين أول شعبان وصل الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي المعزول عن نيابة حلب وطلع إلى السلطان وقبل الأرض فأكرمه السلطان وخلع عليه وأجلسه تحت أمير مجلس جرباش الكريمي وأنعم عليه بإقطاع قاني باي حمزاوي وأركبه فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش كل ذلك بعناية عظيم الدولة صاحب جمال الدين ناظر الخاص لصحبة كانت بينهما‏.‏
وفي هذا اليوم أخرج ولي الدين السفطي من سجن المقشرة وذهب ماشيًا من السجن إلى بيت قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني ثم توجه منه راكبًا إلى المدرسة الصالحية وحضر قاضي القضاة أيضًا بالصالحية فلم ينفصل له أمر طلق من الغد من الترسيم‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثامن شعبان رسم السلطان لقاضي القضاة بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادي الحنبلي بطلب السفطي وسماع الدعوى عليه والترسيم عليه بسبب الحمامين والفرن والدكاكين بحارة زويلة فإنه ظهر أنهم كانوا في جملة وقف الطيبرسية فتجمل القاضي الحنبلي في حق السفطي فلم يعجب ذلك أعداءه وعرفوا السلطان بذلك فرسم في يوم السبت ثالث عشر شعبان بتوجهه إلى حبس المقشرة ثانيًا بسبب الدكاكين والحمامين التي بحارة زويلة ثم شفع فيه‏.‏
ثم في يوم السبت سابع عشرين شعبان ادعي على القاضي ولي الدين السفطي بمجلس القضاء ناصر الدين بن المخلطة المالكي بحضور قاضي القضاة بدر الدين الحنبلي بسبب الحمامين وما معهما وخرج على الأعذار‏.‏ ثم في يوم الأربعاء أول شهر رمضان حضر السفطي وغرماؤه والقاضي ناصر الدين بن المخلطة عند قاضي القضاة بدر الدين الحنبلي وانفصل المجلس أيضًا على غير طائل‏.‏ وادعى السفطي أن السلطان رسم بأن لا يدعى عليه عند ابن المخلطة وكان ذلك غير صحيح فلم يسمع له ذلك‏.‏ ولا زال الحنبلي يعتني به حتى صالح جهة وقف طيبرس بألف دينار‏.‏
ثم في يوم السبت خلع السلطان على السفطي كاملية بفرو سمور بعد أن حمل أربعة آلاف دينار‏.‏ ثم في يوم الجمعة ثالث شهر رمضان أنعم السلطان على مملوكه سنقر الخاصكي المعروف بالجعيدي بإمرة عشرة بعد موت الأمير صرغتمش القلمطاوي زيادة على ما بيده من حصة بشبين القصر‏.‏ ثم في يوم السبت سابع عشر شوال برز أمير حاج المحمل الأمير سونجبغا اليونسي بالمحمل وأمير الركب الأول الأمير قانم المؤيدي التاجر‏.‏ ثم في يوم الاثنين عشرين شهر رمضان خرج الأمير جانبك الظاهري المتكلم على بندر جدة إليها بمماليكه وحواشيه على عادته في كل سنة‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء ثامن عشر ذي القعدة استقر الأمير خيربك النوروزي حاجب صفد في نيابة غزة بعد عزل طوغان العثماني عنها وذلك بمال كبير بذله له في ذلك لوضاعة خيربك المذكور في الدولة‏.‏ وأستهل ذو الحجة أوله الأحد فيه ظهر الطاعون في الديار المصرية وأخذ في التزايد‏.‏ وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة استقر علاء الدين علي بن إسكندر ابن أخي زوجة كمشبغا الفيسي معلم السلطان على العمائر عوضًا عن الناصر محمد بن حسين بن الطولوني بحكم وفاته‏.‏
ثم في يوم السبت حادي عشرينه استقر الحكيم ابن العفيف الشهير بقوالح أحد مضحكي المقر الجمالي ناظر الخواص بسفارته في رئاسة الطب والكحل بمفرده‏.‏ ثم في يوم الأحد ثاني عشرين ذي الحجة المذكور استقر علاء الدين علي بن محمد بن آقبرس في حسبة القاهرة عوضًا عن يرعلي الخراساني بمال بذله في ذلك‏.‏ وكان أصل ابن آقبرس هذا عنبريًا بسوق العنبر في حانوت ثم اشتغل بالعلم وتردد للأكابر واتصل بالملك الظاهر جقمق في أيام إمرته وناب في الحكم عن القضاة الشافعية إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق فصار ابن آقبرس هذا من ندمائه وولي نظر الأوقاف وعدة وظائف أخر‏.‏
وكان أيضًا من جملة مبغضي السفطي وممن يعيب عليه أفعاله القبيحة من البلص والطلب من الناس وسماه ‏"‏ الهلب ‏"‏ على أن ابن آقبرس أيضًا كان من مقولة السفطي وزيادة‏.‏ ثم في يوم الخميس حادي عشر محرم سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة ضربت رقبة أسد الدين الكيماوي بمقتضى الشرع بعد أمور وقعت له ذكرناها مفصلًا في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ‏"‏‏.‏
وفي هذا الشهر تشاكى الأمير تمراز المؤيدي نائب القدس كان وناظر القدس عبد الرحمن بن الديري فمال السلطان على ابن الديري وبهدله وأمر به فجعل في عنقه جنزير إلى أن شفع فيه عظيم الدولة الجمالي ناظر الخواص الشريفة‏.‏ ثم في يوم السبت ثالث عشره توجه تمراز المذكور وعبد الرحمن بن الديري وأبو الخير النحاس إلى بيت ناظر الخاص المذكور وجلسوا بين يديه إلى أن أصلح بينهما وأنعم على كل منهما بفرس مسروج وأنعم على أبي الخير بشيء فقبل الثلاثة يده وخرجوا من عنده‏.‏
وأبو الخير يوم ذاك في تنبوك عزه وعظم تعاظمه على جميع أرباب الدولة إلا الصاحب جمال الدين هذا فإنه معه على هذا وقد فشا أمر الطاعون بالقاهرة وتزايد‏.‏ ثم أهل صفر من سنة ثلاث وخمسين يوم الأربعاء فيه عظم الطاعون ومات في هذا الشهر جماعة كبيرة ه الأمراء وأعيان الدولة على ما سيأتي ذكره في الوفيات من هذا الكتاب‏.‏
ثم في يوم الأحد ثاني عشر صفر أعيد القاضي برهان الدين إبراهيم بن الديري إلى نظر الإسطبل السلطاني بعد موت برهان الدين بن ظهير‏.‏ وفي يوم الاثنين ثالث عشره استقر الأمير جرباش الكريمي الظاهري أمير مجلس أمير سلاح بعد موت الأمير تمراز القرمشي الظاهري وفيه أيضًا استقر الأمير تنم المعزول عن نيابة حلب أمير مجلس عوضًا عن جرباش المذكور وفيه أنعم السلطان على الأمير دولات باي المحمودي المؤيدي الدوادار الثاني بإمرة مائة وتقدمة ألف بعد موت تمراز القرمشي وصار من جملة أمراء الألوف وأنعم بإقطاعه على الأمير يونس الأقبائي شاد الشراب خاناه والإقطاع إمرة طبلخاناه‏.‏
وأنعم بإقطاع يونس على السيفي جانبك رأس نوبة الجمدارية الظاهري جقمق وعلى مغلباي طاز الساقي الظاهري أيضًا لكل واحد منهما إمرة عشرة‏.‏ ثم في يوم الخميس سادس عشر صفر استقر الأمير تمربغا الظاهري جقمق دوادارًا ثانيًا عوضًا عن دولات باي المقدم ذكره على إمرة عشرة‏.‏ وفيه أيضًا أنعم السلطان على قاني باي المؤيدي

ثم في يوم الاثنين عشرين صفر ووافقه أول خمسين النصارى تناقص الطاعون‏.‏
ثم في يوم الخميس ثالث عشرينه أنعم السلطان على الأمير يشبك الفقيه المؤيدي بإقطاع الأمير بختك الناصري بعد موته وأنعم بإقطاع يشبك المذكور على الشهابي أحمد من الأمير الكبير إينال العلائي وكلاهما إمرة عشرة‏.‏ وفيه أيضًا أنعم السلطان على مغلباي الشهابي رأس نوبة الجمدارية بإمرة عشرة عوضًا عن مغلباي الساقي بعد موته وكان مغلباي أخذ الإمرة قبل موته بأيام يسيرة حسبما تقدم ذكره‏.‏
وفي يوم الخميس هذا أنعم السلطان بإقطاع الأمير قراخجا الحسنى الأمير آخور بعد موته على الأمير تنم أمير مجلس وأنعم بإقطاع تنم على الأمير جرباش المحمدي الناصري الأمير آخور الثاني المعروف بكرت وصار من جملة المقدمين وأنعم بإقطاع جرباش المذكور ووظيفته الأمير آخورية الثانية على الأمير سودون المحمدي المؤيدي المعروف بسودون أتمكجي وأنعم بإقطاع سودون أتمكجي المذكور على الأمير جانبك اليشبكي والي القاهرة بسفارة المقر الجمالي ناظر الخواص‏.‏
وفيه أيضًا استقر الأمير قاني باي الجاركسي الدوادار الكبير أمير آخور كبيرًا بعد موت الأمير قراخجا الحسني وكان السلطان رشح الأمير أسنبغا الطياري للأمير آخورية فألح قاني باي في سؤال السلطان على أن يليها اقتحامًا على الرئاسة ولا زال به حتى ولاه واستقر أيضًا دولات باي المحمودي المؤيدي دوادارًا كبيرًا عوضًا عن قاني باي الجاركسي بمال كبير بذله في ذلك‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء ثامن عشرين صفر خلع السلطان على القاضي ولي الدين محمد السنباطي باستقراره قاضي قضاة المالكية بالديار المصرية عوضًا عن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن التنسي بحكم وفاته وكان السنباطي هذا يلي قضاء الإسكندرية فلما مات ابن التنسي طلب وولي القضاء وجميع من ذكرنا وفاته هنا ماتوا بالطاعون‏.‏
ثم في يوم الخميس أول شهر ربيع الأول خلع السلطان على الطواشي فيروز النوروزي الزمام والخازندار باستقراره أمير حاج المحمل‏.‏ ثم في يوم الاثنين خامس شهر ربيع الأول خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطياري باستقراره رأس نوبة النوب بعد موت الأمير تمرباي التمربغاوي بالطاعون‏.‏ وفي أواخر هذا الشهر قل الطاعون بالقاهرة بعد أن مات بها خلائق كثيرة فكان من جملة من مات للسلطان فقط أربعة أولاد من صلبه حتى لم يبق له ولد ذكر غير المقام الفخري عثمان‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء سابع عشرين شهر ربيع الأول أخذ السلطان من السفطي ستة عشر ألف دينار وسبب ذلك أن قاضي القضاة بدر الدين الحنبلي كان وصيًا على تركة قاضي القضاة بدر الدين بن التنسي المالكي فلما عرض موجوده وجد في جملة أوراقه ورقة فيها ما يدل على أنه كان للسفطي عنده ستة عشر ألف دينار وديعة ثم وجد ورقة أخرى فيها ما يدل على أن السفطي أخذ وديعته وبلغ السلطان ذلك فرسم بأخذ المبلغ منه - قلت‏:‏ لا شلت يداه‏!‏ ‏"‏ والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا ‏"‏ - فحملت بتمامها إلى السلطان‏.‏
ولم يرض السلطان بذلك وهو في طلب شيء آخر فتح الله عليه وهو أن السلطان صار يطلب السفطي بما وقع منه من الأيمان أنه ما بقي يملك شيئًا من الذهب ثم وجد له هذا المبلغ فصار للسلطان مندوحة بذلك في أخذ ماله‏.‏ فلما استهل شهر ربيع الآخر يوم الجمعة وطلع القضاة للتهنئة بالشهر تكلم السلطان معهم في أمر السفطي وما وقع منه من الأيمان الحانثة واستفتاهم في أمره وحرض القضاة على مجازاته فنزلوا من عند السلطان على أن يفعلوا معه الشرع‏.‏
وبلغ السفطي ذلك فخاف وأخذ في السعي في رضى السلطان وخدم بجملة مستكثرة ورضي السلطان عنه‏.‏ ثم تغير عليه وأخذ منه في يوم الثلاثاء ثاني عشر شهر ربيع الآخر عشرة آلاف دينار كانت له وديعة عند بعض القضاة فأخذها السلطان وهو مطالب بغيرها‏.‏ ثم في يوم الخميس رابع عشره أفحش السلطان في الحط على السفطي وبالغ في ذلك بحيث إنه قال‏:‏ ‏"‏ هذا ليس له دين وهذا استحق القتل بما وقع منه في الأيمان الفاجرة بأن ليس له مال ثم ظهر له هذه الجمل الكثيرة وقد بلغني أن له عند شخص آخر وديعة مبلغ سبعة وعشرين ألف دينار ‏"‏ وظهر من كلام السلطان أنه يريد أخذها بل وأخذ روحه أيضًا كل ذلك مما يوغر أبو الخير النحاس خاطر السلطان عليه‏.‏
وبلغ السفطي جميع ما قاله السلطان فداخله لذلك من الرعب والخوف أمر عظيم ومع ذلك بلغني أن السفطي في تلك الليلة تزوج بكرًا ودخل بها واستبكرها فهذا دليل على عدم مروءته زيادة على ما كان عليه من البخل والطمع فإني لم أعلم أنه وقع لقاض من قضاة مصر ما وقع للسفطي من البهدلة والإخراق وأخذ ماله مع علمي بما وقع للهروي وغيره ومع هذا لم يحصل على أحد ما حصل على هذا المسكين فما هذا الزاوج في هذا الوقت‏!‏‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء سادس عشرين شهر ربيع الآخر المذكور رسم بنفي يرعلي العجمي الخراساني المعزول عن الحسبة ثم شفع فيه المقر الجمالي ناظر الخواص فرسم له السلطان بلزوم داره بخانقاه سرياقوس ويرعلي هذا أيضًا من أعداء النحاس‏.‏
ثم في يوم السبت سلخه أنعم السلطان على أسندمر الجقمقي السلاح دار بإمرة عشرة بعد موت الأمير أركماس الأشقر المؤيدي‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثاني جمادى الأولى خلع السلطان على مملوكه الأمير أزبك من ططخ الساقي باستقراره من جملة رؤوس النوب عوضًا عن أركماس الأشقر المقدم ذكره‏.‏ وفيه استقر الزيني عبد الرحمن بن الكويز أستادار السلطان بدمشق عوضًا عن محمد بن أرغون شاه النوروزي بحكم وفاته‏.‏
ثم في يوم الأربعاء رابع جمادى الأولى المذكور استقر علي بن إسكندر أحد أصحاب النحاس في حسبة القاهرة وعزل ابن أقبرس عنها لتزايد الأسعار في جميع المأكولات‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثالث عشرين جمادى الأولى المذكور خرجت تجريدة من القاهرة إلى البحيرة فيها نحو الأربعمائة مملوك وعدة أمراء ومقدم الجميع الأمير الكبير إينال العلائي الناصري وصحبته من الأمراء المقدمين تنم أمير مجلس وقاني باي الجاركسي أمير آخور وعدة أخر من الطبلخانات والعشرات‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثامن عشرينه عزل قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني الشافعي عن القضاء لسبب حكيناه في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور ‏"‏ إذ هو كتاب ضبط حوادث ووفيات لا غير‏.ثم أعيد قاضي القضاة علم الدين في يوم الثلاثاء أول جمادى الآخرة‏.‏ ثم في يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة سافر الأمير قانم من صفر خجا المؤيدي المعروف بالتاجر رسولًا إلى ابن عثمان متملك بلاد الروم صحبة قاصد ابن عثمان الواصل قبل تاريخه‏.‏
ثم في يوم السبت تاسع عشره رسم السلطان بنفي الأمير سودون السودوني الحاجب فشفع فيه فأمر السلطان بإقامته بالصحراء بطالًا‏.‏
سبب نفي السودوني
أنه كان له مغل فكلمه علي بن إسكندر المحتسب في بيع نصفه وتخلية نصفه لقلة وجود الغلال بالساحل فامتنع سودون السودوني من ذلك فشكاه أبو الخير النحاس للسلطان فأمر بنفيه‏.‏ وقد تقدم أن سودون السودوني هذا ضرب أبا الخير بالنحاس في يوم واحد علقتين ليخلص منه مال أبي العباس الوفائي‏.‏
ومن ظريف ما وقع لسودون السودوني هذا مع أبي الخير النحاس من قبل هذه الحادثة أو بعدها أنه لما صار من أمر أبي الخير ما صار خشيه سودون السودوني مما كان وقع منه في حقه قديمًا فأراد أن يزول ما عنده ليأمن شره فدخل إليه في بعض الأيام وقد جلس أبو الخير النحاس في دست رئاسته وبين به أصحابه وغالبهم لا يعرف ما وقع له مع سودون السودوني المذكور فلما استقر بسودون الجلوس أخذ في الاعتذار لأبي الخير فيما كان وقع منه بسلامة باطن على عادة مغفلي الأتراك وساق الحكاية في ذلك الملأ من الناس من أولها إلى آخرها وأبو الخير ينقله من ذلك الكلام إلى كلام غيره ويقصد كفه عن الكلام بكل ما تصل قدرته إليه وهو لا يرجع عما هو فيه إلى أن استتم الحكاية وكان من جملة اعتذاره إليه أن قال له ما معناه‏:‏ ‏"‏ والله يا سيدي القاضي أنا رأيتك شاب فقير من جملة الباعة وحرضوني عليك بأنك تأكل أموال الناس فما كنت أعرف أنك تصل إلى هذا الموصل في هذه المدة اليسيرة ووالله لو كنت أعرف أنك تبقى رئيس لكنت وزنت عنك المال ‏"‏‏.‏
وشرع في اعتذار آخر وقد ملأ النحاس مما سمع من التوبيخ فاستدرك فارطه بأن قام على قدميه واعتنق السودوني وأظهر له أنه زال ما عنده وأوهم أنه يريد الدخول إلى حريمه حتى مضى عنه إلى حال سبيله وتحاكى الناس ذلك المجلس أيامًا كثيرة‏.‏ هذا ما بلغنا من بعض أصحاب النحاس وقد حكى غير واحد هذه الحكاية على عدة وجوه وليس هذا الأمر من أخبار تحرر وما ذكرناه إلا على سبيل الاستطراد - انتهى‏.‏
وفي هذه الأيام توقف ماء النيل عن الزيادة بل تناقص نقصًا فاحشًا ثم أخذ في زيادة ما نقصه فاضطرب الناس لذلك وتزايدت الأسعار إلى أن أبيع الإردب القمح بأربعمائة درهم‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء تاسع عشرينه وصل الأمير جانبك الظاهري نائب جدة وخلع السلطان عليه خلعة هائلة ونزل إلى داره وبين يديه وجوه الناس على كره من أبي الخير النحاس‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثاني عشر شهر رجب خلع السلطان على الشيخ يحيى مناوي باستقراره قاضي قضاة الشافعية بعد عزل قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني‏.‏ ثم في يوم الخميس خامس عشره استقر الأمير برسباي الإينالي المؤيدي الأمير آخور الثالث أمير آخور ثانيًا بعد موت سودون أتمكجي وأنعم عليه بطبلخاناته واستقر الأمير سنقر الظاهري الجعيدي أمير آخور ثالثًا وهو في التجريدة بالبحيرة‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء عشرينه رسم السلطان بأن يكتب مرسوم شريف إلى دمشق بضرب الزيني عبد الرحمن بن الكويز وحبسه بقلعة دمشق وله سبب ذكرناه في ‏"‏ الحوادث ‏"‏‏.‏ ثم في يوم الاثنين سادس عشرين شهر رجب استقر علاء الدين بن آقبرس ناظر الأحباس بعد عزل قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني عنها لكبر سنه فلم يشكر ابن أقبرس على ما فعله لسعيه في ذلك سعيًا زائدًا وكان الأليق عدم ما فعله لأن مقام كل منهما معروف في العلم والقدر والرئاسة‏.‏
ثم في يوم الخميس تاسع عشرين شهر رجب المذكور جرت حادثة غريبة وهو أنه لما كان وقت الخدمة السلطانية أعني بعد طلوع الشمس بقدر عشرة درج وقفت العامة بشوارع القاهرة من داخل باب زويلة إلى تحت القلعة وهم يستغيثون ويصرخون بالسب واللعن ويهددون بالقتل ولا يدري أحد ما الخبر لعظم الغوغاء إلى أن اجتاز علي بن إسكندر محتسب القاهرة فلما رأوه أخذوا في زيادة ما هم فيه وحطوا أيديهم في الرجم فرجموه من باب زويلة إلى أن وصل باب القلعة أو غيرها بعد أن شبعوه سبًا وتوبيخًا بألفاظ يستحى من ذكرها‏.‏
فلما نجا علي منهم وطلع إلى القلعة استمروا على ما هم عليه بالشوارع وقد انضم عليهم جماعة كثيرة من المماليك السلطانية وهم على ما هم عليه غير أنهم صاروا يعرضون بذكر أبي الخير النحاس ووقفوا في انتظاره إلى أن يطلع إلى القلعة وكان عادته لا يطلع إليها إلا بعد نزول أعيان الدولة‏.‏
وكان أبو الخير قد ركب من داره على عادته فعرفه بعض أصحابه بالحكاية فخرج من داره وسار من ظاهر القاهرة ليطلع إلى القلعة إلى أن وصل بالقرب من باب الوزير بلغ المماليك الذين هم في انتظاره أنه قد فاتهم فأطلقوا رؤوس خيولهم غارة والعامة خلفهم حتى وافوه في أثناء طريقه فأكل ما قسم له من الضرب بالدبابيس وانهزم أمامهم وهم في أثره والضرب يتناوله وحواشيه وهو عائد إلى جهة القاهرة‏.‏
وترك طلوع القلعة لينجو بنفسه واستمر على ذلك إلى أن وصل إلى جامع أصلم بخط سوق الغنم فضربه شخص من العامة على رأسه فصرعه عن فرسه ثم قام من صرعته ورمى بنفسه إلى بيت أصلم الذي بالقرب من جامع أصلم وهو يوم ذاك سكن يشبك الخاصكي الظاهري جقمق من طبقة الزمام‏.‏
ومن غريب يشبك هذا صاحب الدار إلى السلطان وشوش عليه غاية التشويش حتى أخذه أغاته الأمير فيروز الزمام وبعثه إلى أبي الخير النحاس على هيئة غير مرضية فصفح عنه أبو الخير خوفًا من خجداشيته لا تكرمًا عليه والمقصود أن أبا الخير لما ضرب وطاح عن فرسه وكان الضارب له عبد أسود وأخذ عمامته من على رأسه فلما رأى أبو الخير نفسه في بيت يشبك المذكور هجمت العامة عليه ومعهم المماليك إلى بيت يشبك وكان غائبًا عن بيته وقبضوا عليه وأخذوا في ضربه والإخراق به وعروه جميع ما كان عليه حتى أخذوا أخفافه من رجليه‏.‏
واختلفت الأقوال في الإخراق به فمن الناس من قال‏:‏ أركبوه حمارًا عريانًا وأشهروه في البيت المذكور ومنهم من قال أعظم من ذلك ثم نجا منهم ببعض من ساعده منهم وألقى بنفسه من حائط إلى موضع آخر فتبعوه أيضًا وأوقعوا به وهو معهم عريان وانتهبوا جميع ما كان في بيت يشبك المذكور‏.‏
ووصل يشبك إلى داره فما أبقى ممكنا في مساعدة النحاس وما عسى يفعله مع السواد الأعظم وكان بلغ السلطان أمره فشق عليه ذلك إلى الغاية فأرسل إليه جانبك والي القاهرة نجدة فساق إليه حتى لحقه وقد أشرف على الهلاك وخلصه منهم وأراد أن يركبه فرسًا فما استطاع أبو الخير الركوب لعظم ما به من الضرب في رأسه ووجهه وسائر بدنه فأركبه عريانًا وعليه ما يستره على بغلة وأردفه بواحد من خلفه على البغلة المذكورة وتوجه به على تلك الهيئة إلى الأمير تمربغا الدوادار الثاني بالقرب من جامع سودون من زادة والعامة خلفه ينادونه بأنواع السب ويذكرون له فقره وإفلاسه وما قاساه من الذل والهوان أن وصل إلى بيت تمربغا المذكور بغير عمامة على رأسه فأجلسه تمربغا بمكان تحت مقعده واستمر به إلى الليل فقام وتوجه إلى داره مختفيًا خائفًا مرعوبًا‏.‏
وأنا أقول‏:‏ لو مات أحد من شدة الضرب لمات أبو الخير المذكور في هذا‏.‏ كل ذلك بغير رضى السلطان لأن المماليك والعامة اتفقوا على أبي الخير شر وعلى الفتك به وقل أن يتفقوا على أمر‏.‏ فكان هذا اليوم من الأيام المشهودة بالقاهرة لأني ما رأيت ولا سمعت بمثل هذه الواقعة‏.‏ وقد سبق كثير من إخراق المماليك لرؤساء الدولة ونهب بيوتهم وأخذ أموالهم ومع هذا كله لم يقع منهم بعض ما وقع لأبي الخير هذا فإن جميع الناس قاطبة كانت عليه وكل منهم لا يريد إلا قتله وإتلافه‏.‏
وأنا أقول إنهم معذورون فيما يفعلونه لأنه كان بالأمس في البهموت من والذل والإفلاس وصار اليوم في الأوج من الرئاسة والمال والتقرب من السلطان‏.‏ ومع هذا الانتقال العظيم صار عنده شمم وتكبر حتى على من كان لا يرضي أقل غلمانه أن يستخدمه في أقل حوائجه‏.‏ وأما على من كان من أمثاله وأرباب صنعته فإنه لم يتكبر عليهم بل أخذ في أذاهم والإخراق بهم حتى أبادهم شرًا‏.‏
وأنا أتعجب غاية العجب من وضيع يترأس ثم يأخذ في التكبر على أرباب البيوت وأصحاب الرئاسة الضخمة فما عساه يقول في نفسه‏!‏ والله العظيم إنني كنت إذا دخل علي الفقيه الذي أقرأني القرآن في صغري على أن بضاعته من العلوم كان مزجاة أستحي أن أتكلم بين يديه بفضيلة أو علم من العلوم لكونه كان يعرفني صغيرًا لا فقيرًا فكيف حال هؤلاء مع الناس كانوا يرتجون خدمة أصاغر خدمهم فليس هذا إلا عظم الوقاحة وغلبة الجنون لا غير - انتهى‏.‏
ثم في يوم السبت ثاني شعبان عزل السلطان علي بن إسكندر عن حسبة القاهرة ورسم لزين الدين يحيى الأستادار بالتكلم فيها فباشر زين الدين الحسبة من غير أن يلبس لها خلعة وكانت سيرة علي بن إسكندر ساءت في الحسبة إلى الغاية‏.‏ وأما أبو الخير النحاس فإنه استمر في داره إلى يوم الاثنين ثالث شعبان طلع إلى القلعة وخلع السلطان عليه كاملية مخمل أحمر بمقلب سمور‏.‏ نزل إلى داره وهو في وجل من شدة رعبه من المماليك والعامة لكنه شق القاهرة في نزوله ولم يسلم من الكلام وصار بعض العامة يقول‏:‏ ‏"‏ أيش هذه البرودة‏!‏ ‏"‏ فيقول الآخر‏:‏ ‏"‏ إذا اشتهيت أن تضحك على الأسمر لبسه أحمر‏!‏ ‏"‏‏.‏
هذا وأبو الخير يسلم في طريقه على الناس من العامة وغيرها فمنهم من يرد سلامه ومنهم من لا يرد سلامه ومنهم من يقول بعد أو يولي بأقوى صوته‏:‏ ‏"‏ خيرتك وإلا ينحسوها ‏"‏ أعني رقبته‏.‏ ولم ينزل معه أحد من أرباب الدولة إلا المقر الجمالي ناظر الخواص الشريفة قصد بنزوله معه أمورًا لا تخفى على أرباب الذوق السليم لأنه لم يؤهله قبل ذلك لأمر من الأمور فما نزوله الآن معه وقد وقع في حقه ما وقع‏.‏
ثم في يوم الاثنين حادي عشر شعبان قدم الأمراء من تجريدة البحيرة صحبة الأمير الكبير إينال العلائي وخلع السلطان على أعيانهم الثلاثة الأمير الكبير إينال وتنم المؤيدي أمير مجلس وقاني باي الجاركسي الأمير آخور‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثامن عشر شعبان برز الأمير جرباش الكريمي الظاهري برقوق أمير سلاح إلى بركة الحاج على هيئة الرجبية وصحبته قاضي القضاة بدر الدين بن عبد المنعم الحنبلي والزيني عبد الباسط بن خليل الدمشقي وجماعة كثيرة من الناس‏.‏
ثم في يوم السبت سابع شهر رمضان اختفى السفطي فلم يعرف له مكان بعد أمور وقعت له مع قاسم الكاشف فعمل السلطان في يوم الاثنين سادس عشره عقد مجلس بين يديه بالقضاة والعلماء بسبب حمام السفطي وظهر السفطي من اختفائه وحضر المجلس وانفصل عقد ثم في يوم الخميس سابع عشر شوال برز أمير حاج المحمل فيروز النوروزي الزمام الخازندار بالمحمل وأمير الركب الأول الأمير تمربغا الظاهري الدوادار الثاني‏.‏
وحج في هذه السنة من الأعيان الأمير طوخ من تمراز المعروف بيني بازق أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية ويني بازق باللغة التركية‏:‏ أي غليظ الرقبة‏.‏ وخرج تمراز البكتمري المؤيدي المصارع صحبة الحاج واستقر في مشدية بندر جدة عوضًا عن الأمير جانبك الظاهري حسبما نذكره من أمره فيما يأتي مفصلًا إن شاء الله تعالى‏.‏
ثم في يوم السبت تاسع عشره استقر القاضي ولي الدين الأسيوطي في مشيخة المدرسة الجمالية بعد تسحب ولي الدين السفطي واختفائه‏.‏ ثم في يوم الاثنين العشرين من ذي القعدة استقر الأمير جانبك اليشبكي والي القاهرة في حسبة القاهرة مضافًا لما معه من الولاية وشد الدواوين والحجوبية وجانبك هذا أحد من رقاه المقر الصاحبي ناظر الخاص المقدم ذكره‏.‏
ثم في يوم الخميس ثالث عشرين في القعدة أيضًا نودي بالقاهرة على ولي الدين السفطي بأن من أحضره إلى السلطان يكون له مائة دينار وهدد كل أخفاه بعد ذلك بالعقوبة والنكال‏.‏ ثم في يوم الخميس ثامن ذي الحجة وصل الأمير يشبك الصوفي المؤيدي نائب طرابلس إلى القاهرة وطلع إلى القلعة وقبل الأرض فحال وقوفه رسم السلطان بتوجهه إلى ثغر دمياط بطالًا وذلك لسوء سيرته في أهل طرابلس‏.‏
وفي عزل السلطان الأمير علان جلق المؤيدي عن حجوبية حلب لشكوى الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب عليه ثم انتقض ذلك واستمر علان على وظيفته‏.‏ ووقع في هذه السنة - أعني ثلاث وخمسين - غريبة وهي أنه مات فيها من ذوات الأربع مثل الأغنام والأبقار وغيرها شيء كثير من عدم العلوفة لغلو الأسعار والفناء فأيقن كل أحد بتزايد أثمان الأضحية فلما كان العشر الأول من ذي الحجة وصل إلى القاهرة من البقر والغنم شيء كثير حتى أبيعت بأبخسر الأثمان‏.‏
ثم في يوم تاسع عشر ذي الحجة المذكور سمر نجم الدين أيوب بن بشارة وطيف به ثم وسط من يومه ووسط معه شخص آخر من أصحابه‏.‏ وقد ذكرنا سبب القبض عليه وما وقع له من تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ‏"‏ إذ هو محله‏.‏ ثم في يوم السبت رابع عشرينه عزل السلطان الأمير علان المؤيدي عن حجوبية حجاب حلب لأمر وقع بينه وبين نائب حلب الأمير قاني باي الحمزاوي ورسم بتوجه علان المذكور إلى مدينة طرابلس بطالًا واستقر عوضه في حجوبية حلب قاسم بن جمعة القساسي وأنعم بإقطاع قاسم على الأمير جانبك المؤيدي المعروف بشيخ المعزول أيضًا عن حجوبية حلب قبل تاريخه والإقطاع إمرة خاناه بدمشق‏.‏
وفيه رسم السلطان لماماي السيفي بيبغا المظفري أحد الدودارية الصغار بالتوجه إلى ثغر دمياط وأخذ الأمير يشبك الصوفي منه وتحبسه بثغر الإسكندرية مقيدًا ووقع ذلك‏.‏ ثم في يوم الخميس خامس عشرين ذي الحجة رسم باستقرار الأمير يشبك النوروزي حاجب حجاب دمشق في نيابة طرابلس عوضًا عن يشبك الصوفي المقبوض عليه قبل تاريخه وولاية يشبك المذكور طرابلس على مال كبير بذله له وحمل إليه التقليد والتشريف بنيابة طرابلس الأمير أسنباي الجمالي الساقي الظاهري جقمق ورسم السلطان بإعادة الأمير جانبك الناصري إلى حجوبية دمشق عوضًا يشبك النوروزي‏.‏
وفرغت هذه السنة والديار المصرية في غاية ما يكون من غلو الأسعار‏.‏ وفي هذه السنة أيضًا ورد الخبر بوقوع خسف بين أرض سيس وطرسوس ولم أتحقق‏.‏ مقدار الأرض التي خسفت‏.‏ وفيها أيضًا كان فراغ مدرسة زين الدين الأستادار بخط بولاق على النيل ولم أدر المصروف على بنائه من أي وجه ومن كان له شيء فله أجره‏.‏
واستهلت سنة أربع وخمسين وثمانمائة الموافقة لحادي عشرين مسرى والناس في جهد وبلاء من غلو الأسعار وسعر القمح ثمانمائة درهم الإردب وقد ذكر سعر جميع المأكولات في ‏"‏ حوادث الدهور ‏"‏‏.‏ ولما كان يوم السبت أول محرم سنة أربع وخمسين المذكورة وصل الأمير بردبك العجمي الجكمي المعزول عن نيابة حماة من ثغر دمياط وطلع إلى القلعة وأنعم السلطان عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق‏.‏ وفي هذه الأيام وصلت إلى القاهرة رمة قاسم المؤذي الكاشف غريم السفطي ليدفن بالقاهرة‏.‏
ثم في يوم الخميس ثالث عشر المحرم وصل الأمير جرباش الكريمي أمير سلاح من الحجاز وتخلف قاضي القضاة بدر الدين الحنبلي عنه مع الركب الأول من الحاج‏.‏ وكان الزيني عبد الباسط بن خليل سبق الأمير جرباش من العقبة ودخل القاهرة قبل تاريخه وخلع السلطان على جرباش المذكور كاملية بمقلب سمور وخرج من عند السلطان ودخل إلى ابنته زوجة السلطان وهي يوم ذلك صاحبة القاعة الكبرى بالدور السلطانية وسلم عليها ثم نزل إلى داره المعروفة بالبيت الكبير تجاه القلعة‏.‏
ثم في يوم الجمعة ثامن عشرينه عقد السلطان عقد مملوكه الأمير أزبك من ططخ على ابنته من مطلقته خوند مغل بنت البارزي وكان العقد بقلعة الدهيشة بحضرة السلطان بعد نزول ثم في يوم الخميس رابع شهر صفر استقر أبو الفتح الطيبي أحد أصحاب أبي الخير النحاس في نظر جوالي دمشق ووكالة بيت المال بها على أنه يقوم في السنة للخزانة الشريفة بخمسين ألف دينار على ما قيل وما سيأتي من خبر أبي الفتح فأعجب‏.‏
وفي هذه الأيام ظهر رجل من عبيد قاسم الكاشف وشهر بالصلاح وتردد الناس لزيارته حتى جاوز أمره الحد وخشي على الناس من إتلاف عقائدهم فأمر السلطان الأمير تنبك حاجب الحجاب أن يتوجه إليه ويضربه ويحبسه وصحبته جانبك الساقي والي القاهرة‏.‏
فلما دخلا عليه تهاون الأمير تنبك في ضربه خشية من صلاحه‏.‏ وبلغ السلطان ذلك فرسم بنفيه إلى ثغر دمياط بطالًا ومسفره جانبك الوالي وتولى خشقدم الطواشي الظاهري الرومي ووالي القاهرة ضرب العبد المذكور وحبسه‏.‏
وقد أوضحت أمر هذا العبد وما وقع له في تاريخنا ‏"‏ الحوادث ‏"‏ فلينظر هناك‏.‏ ثم رسم السلطان بعد مدة بقدوم الأمير خشقدم الناصري المؤيدي أحد المقدمين بدمشق إلى القاهرة واستقراره في حجوبية الحجاب عوضًا عن تنبك المذكور ورسم للأمير علان المؤيدي المعزول عن حجوبية حلب بإقطاع خشقدم المذكور بدمشق‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء سادس عشر صفر رسم السلطان بنقل الأمير جانم الأمير آخور قريب الملك الأشرف برسباي من القدس الشريف وحبسه بسجن الكرك‏.وكان جانم المذكور حبس عدة سنسن ثم أطلق وجاور بمكة سنيات ثم سأل في القدوم إلى القدس فأجيب وقدمه فتكلم فيه بعض أعدائه إلى أن حبس بالكرك ثانيًا‏.‏
ثم في يوم الخميس ثامن عشر صفر قدم الأمير قانم التاجر المؤيدي من بلاد الروم إلى القاهرة‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء ثالث عشرين صفر المذكور نودي بالقاهرة بأن لا يلبس النصارى واليهود على رؤوسهم أكثر من سبعة أذرع من العمائم لكونهم تعدوا في ذلك وزادوا عن الحد وفي هذه الأيام تزايد أمر النحاس وطغى وتجبر ونسي ما وقع له من البهدلة والإخراق‏.‏
وفي يوم الاثنين رسم السلطان بالإفراج عن عبد قاسم الكاشف من حبس المقشرة وتوجهه إلى حيث شاء ولا يسكن القاهرة‏.‏ ثم في يوم السبت ثاني عشر شهر ربيع الأول ورد الخبر بموت الأمير شاد بك الجكمي المعزول عن نيابة حماة بالقدس بعد مرض طويل‏.‏
ثم في يوم الخميس سادس عشره وصل إلى القاهرة الأمير خشقدم المؤيدي من دمشق وقبل الأرض وأنعم عليه السلطان بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضًا عن تنبك البردبكي الحاجب بحكم نفيه إلى دمياط‏.‏ وفي هذا اليوم كان مهم الأمير أزبك وعرسه على بنت السلطان بالقاهرة في بيت خالها القاضي كمال الدين بن البارزي ولم يعمل بالقلعة‏.‏ ثم في يوم الاثنين حادي عشرين شهر ربيع الأول المذكور استقر خشقدم عوضًا عن تنبك المقدم ذكره في حجوبية الحجاب‏.‏ ثم في يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على تمراز الأشرفي الزردكاش كان بإقطاع علي باي الساقي الأشرفي بحكم وفاته‏.‏ قلت‏:‏ بئس البديل وإن كان كل منهما أشرفيًا فالفرق بينهما ظاهر‏.‏ وفي هذه الأيام عظم أمر النخاس حتى إنه ضاهى المقر الصاحبي ناظر الخواص في نفوذ الكلمة في الدولة لأمور صدرت بينهما يطول الشرح في ذكرها وليس لذلك فائدة ولا نتيجة وملخص ذلك أن أبا الخير عظم في الدولة حتى هابه كل أحد من عظماء الدولة إلا المقر الجمالي فأخذ أبو الخير يدبر في الباطن ويوغر خاطر السلطان عليه بأمور شتى ولم ينهض أن يحول السلطان عنه بسرعة لثبات قدمه في المملكة ولعظمه في النفوس‏.‏
كل ذلك والمقر الجمالي لا يتكلم في حقه عند السلطان بكلمة واحدة ولا يلتفت إلى ما هو فيه وأبو الخير في عمل جد مع السلطان في أمر الجمالي المذكور بكلتا يديه‏.‏ وبينما هو في ذلك أخذه الله من حيث لا يحتسب حسبما يأتي ذكره مفصلًا إن شاء تعالى‏.‏
غريب الاتفاق أنه دخل عليه قيل محنة أبي الخير النخاس بمدة يسيرة رجل من أصحابه وأخذ في تعظيم المذكور وبالغ في أمره حتى قال إنه قد تم له كل شيء طلبه فأنشدته من باب المماجنة‏:‏ المتقارب إذا تم أمر بدا نقصه توق زوالًا إذا قيل تم وافترقنا فلم تمض أيام حتى وقع من أمره ما وقع‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثالث عشر شهر ربيع الآخر المقدم ذكره نفي الأمير سودون الإينالي المؤيدي المعروف بقراقاش أحد أمراء العشرات ورأس نوبة لأمر مطول ذكرناه في ‏"‏ الحوادث ‏"‏‏.‏ وفي هذه الأيام برز المرسوم الشريف بعزل الأمير بيغوت من صفر خجا المؤيدي الأعرج عن نيابة حماة لأمور مطولة ذكرناها في ‏"‏ الحوادث ‏"‏ من أولها إلى آخرها وإلى حضوره إلى القاهرة وما وقع له ببلاد الشرق وغيره‏.‏
ورسم للأمير سودون الأبوبكري المؤيدي أتابك حلب باستقراره عوضه في نيابة حماة وأنعم بأتابكية حلب على الأمير علي باي العجمي المؤيدي وأنعم بتقدمة علي باي المذكور على إينال الظاهري جقمق وقد نفي قبل تاريخه من الديار المصرية‏.مبدأ نكبة أبي الخير النحاس على سبيل الاختصار ولما كان يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى من سنة أربع وخمسين المذكورة أحضر السلطان إلى بين يديه مماليك الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي أمير مجلس وعين منهم نحو العشرة ورسم بحبسهم بسجن المقشرة بسبب تجرئهم على أستاذهم المذكور وشكواه عليهم‏.‏
فلما أصبح من الغد في يوم الاثنين ثاني عشره انفض الموكب السلطاني ونزل الأمير تنم المذكور صحبة الأتابك إينال العلائي وغيره من الأمراء فلما صاروا تجاه سويقة منعم احتاطت بهم المماليك السلطانية الجلبان وخشنوا لتنم في القول بسبب شكواه على مماليكه فأخذ الأتابك إينال في تسكينهم وضمن لهم خلاص المماليك المذكورة من حبس المقشرة فخلوا عنهم ورجعوا غارة إلى زين الدين يحيى الأستادار فوافوه بعد نزوله من الخدمة بالقرب من جامع المارداني وتناولوه بالدبابيس فمن شدة الضرب ألقى بنفسه عن فرسه وهرب إلى أن أنجده الأمير أزبك الساقي والأمير جانبك اليشبكي الوالي وأركباه على فرسه وتوجها به إلى داره‏.‏
فلما فات المماليك زين الدين رجعوا غارة إلى جهة القلعة ووقفوا تحت الطبلخاناه السلطانية بالصوة في انتظار أبي الخير النحاس‏.‏ وبلغ النحاس الخبر فمكث نهاره عند السلطان بالقلعة لا ينزل إلى داره‏.‏ فشق ذلك المماليك واتفقوا على نهب دار أبي الخير النحاس فساروا من وقتهم إلى على هيئة مزعجة فوجدوا باب داره قد غلقه مماليكه وأعوانه وقد وقفت مماليكه بأعلى بابه لمنع المماليك من الدخول فوقع بينهم بعيض قتال ثم هجمت المماليك السلطانية على بابه الذي كان من بين السوريين وأطلقوا فيه النار واحترق الباب وما كان عليه من المباني‏.‏
ودخلوا إلى البيت وامتدت الأيدي النهب فما عفوا ولا كفوا وأخذوا من الأقمشة والأمتعة والصيني والتحف ما يطول الشرح في ذكره‏.‏ واستمرت النار تعمل في باب أبي الخير إلى أن اتصلت إلى عدة بيوت بجواره ولم تصل النار إلى داره لأنها كانت فوق الريح وأيضا كانت بالبعد عن الباب وهي الدار التي عمرها قديمًا صلاح الدين بن نصر الله وانتقلت بعده إلى أقوام كثيرة حتى ملكها النحاس هذا وجددها وتناهى فيها‏.‏
ثم حضر والي القاهرة وغيره لطفي النار فطفيت بعد جهدة ولما انتهى المماليك من النهب وعلموا أنه لم يبق بالدار ما يؤخذ توجهوا إلى حال سبيلهم وقد تركوا بيت النحاس خاليًا من جميع ما كان فيه بعد أن سلبوا حريمه جميع ما كان عليهن من الأقمشة وأفحشوا في أمرهن من الهتكة والجرجرة والهجم عليهن‏.‏ وعادوا من دار النخاس وشقوا باب زويلة وقد غلقت عدة حوانيت بالقاهرة لعظم ما هالهم من النهب في بيت النحاس فمضوا ولم يتعرضوا لأحد بسوء‏.‏
وباتوا تلك الليلة وأصبحوا يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأولى المذكور ووقفوا بالرملة محدقين بالقلعة مصممين على الفتك بأبي الخير النخاس وقد بات النحاس بالقلعة وطلبوا تسليمه من السلطان وعزل جو النوروزي عن تقدمة المماليك وعزل زين الدين الأستادار عن الأستادارية وانفض الموكب ونزل كل من الأعيان إلى داره في خفية ونزل الأمير تمربغا الظاهري الدوادار الثاني والأمير أزبك الساقي وبردبك البجمقدار إلى نحو بيوتهم فلما صاروا بالرملة ضربوا عليهم المماليك الجلبان حلقة وكلموهم في عودهم إلى السلطان والتكلم معه في مصالحهم فقال لهم تمربغا‏:‏ ‏"‏ ما هو غرضكم ‏"‏ قالوا‏:‏ ‏"‏ عزل جوهر مقدم المماليك وتسليم غريمنا ‏"‏ يعنون النحاس‏.‏
فعاد تمربغا إلى القلعة من وقته وعرف السلطان بمقصودهم‏.‏ وكان الأمير الكبير إينال قد طلع باكر النهار إلى القلعة وصحبته الأمير أسنبغا الطياري رأس نوبة النوب وأما الأمير تنم فإنه كان طلع إلى القلعة من أمسه وبات بها في طبقة الزمام وأجمع رأيه أنه لا ينزل من القلعة إلى أن يفرج عن مماليكه المحبوسين خشية من المماليك الجلبان‏.‏
فلما طلع الأمير الكبير باكر النهار شفع في مماليك الأمير تنم فرسم بإطلاقهم‏.‏ ثم تكلم الأمير الكبير مع السلطان في الرضى عن المماليك الجلبان والسلطان مصمم على مقالته التي قالها بالأمس أنه يرسل ولده المقام الفخري عثمان وحريمه إلى الشام ويتوجه هو إلى حال سبيله فنهاه الأمير الكبير عن ذلك‏.‏

وقام السلطان ودخل إلى الدهيشة فكلمه بعض أمرائه أيضًا في أمرهم فشق ثوبه غيظًا منه ونزل الأمير الكبير ثم كان نزول تمربغا والمقصود أن تمربغا لما عاد إلى السلطان وعرفه قصد المماليك وقبل أن يتكلم سبقه بعض أمرائه وأظنه الأمير قراجا الخازندار وقال‏:‏ ‏"‏ يجبر مولانا السلطان خاطر مماليكه بعزل المقدم وإخراج النحاس من القاهرة فانقاد السلطان إلى كلامه ورسم بعزل جوهر مقدم المماليك وتوجهه إلى المدينة الشريفة وإخراج النخاس إلى مكة المشرفة وعاد تمربغا إلى المماليك بهذا الخبر فرضوا وتوجه كل واحد إلى حال سبيله وتم ذلك إلى بعد الظهر من اليوم المذكور‏.‏
فلما كان بعد الظهر توجه جماعة من المماليك إلى الأمير أسنبغا الطياري رأس نوبة النوب وكلموه أن يطلع إلى السلطان ويطلب منه إنجاز ما وعدهم به من إخراج النحاس وعزل المقدم فركب أسنبغا من وقته وطلع إلى السلطان وكلمه في ذلك فلما سمع السلطان مقالة أسنبغا اشتد غضبه وطلب في الحال جوهرًا مقدم المماليك ونائبه مرجان العادلي المحمودي وخلع عليهما باستقرارهما ورسم أن يكون النحاس على حاله أولًا بالقاهرة ورسم للأمير تغري برمش اليشبكي الزردكاش أن يستعد لقتال المماليك الجلبان فخرج الزردكاش من وقته ونصب عدة مدافع على أبراج القلعة وصمم السلطان على قتال مماليكه المذكورين‏.‏
وبلغ الأمراء ذلك فطلع منهم جماعة كبيرة إلى السلطان وأقاموا ساعة بالدهيشة إلى أن أمرهم السلطان بالنزول إلى دورهم ونزلوا‏.‏ واستمر الحال إلى باكر يوم الأربعاء رابع عشره فجلس السلطان بالحوش على الدكة ثم التفت إلى شخص من خاصكيته وقال له‏:‏ ‏"‏ أين الذين قلت عنهم ‏"‏ فقال‏:‏ ‏"‏ الآن يحضروا ‏"‏ فقال السلطان‏:‏ ‏"‏ انزل إليهم وأحضرهم ‏"‏ فنزل الرجل من وقته وقام السلطان إلى الدهيشة ونزل المذكور إلى المماليك وأخذ منهم جماعة كبيرة وطلع بهم إلى السلطان فلما مثلوا بين يديه قال لهم‏:‏ ‏"‏ عفوت عنكم امضوا إلى أطباقكم ‏"‏ فلم يتكلم أحد منهم بكلمة‏.‏
واستمر أبو الخير بالقلعة خائفًا من النزول إلى داره وقد أشيع سفره إلى الحجاز إلى أن كان يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى نزل أبو الخير إلى داره على حين غفلة قبل العصر بنحو خمس درج وانحاز بداره وقفل الباب عليه إلى يوم الأربعاء حادي عشرينه فوصل البلاطنسي من دمشق وطلع إلى السلطان وشكا على أبي الفتح الطيبي الذي ولي وكالة بيت مال دمشق بسفارة النحاس وذكر عنه عظائم فعزله السلطان ورسم بحضوره إلى القاهرة في جنزير ورسم لأبي الخير النحاس بالسفر إلى المدينة الشريفة ونزل البلاطنسي من القلعة بعد أن أكرمه السلطان وحصل على مقصوده من عزل أبي الفتح الطيبي‏.‏
ورسم السلطان لأبي الخير المذكور أن يكتب جميع موجوده ويرسله إلى السلطان من الغد ورسم أيضًا بعمل حسابه‏.‏ وتردد إليه الصفوي جوهر الساقي كل قبل السلطان غير مرة وكثر الكلام بسببه فقلق النحاس من ذلك غاية القلق وعلم بزوال أمره‏.‏
فأصبح من الغد في يوم الخميس ثاني عشرينه طلع إلى القلعة في الغلس من غير إذن السلطان واختفى بالقلعة في مكان إلى أن انفض الموكب فتحيل حتى دخل على السلطان واجتمع به‏.‏ ثم نزل من وقته وقد أصلح ما كان فسد من أمره وأنعم له السلطان بموجوده وترك له جميع ما كان عزم على أخذه‏.‏ واستمر بداره وقد هابته الناس وكثر تردادهم إليه‏.‏
ورسم بإبطال ما كان رسم به من عزل أبي الفتح الطيبي وإحضاره وأمر البلاطنسي بالسفر إلى دمشق بعد أن لهج الناس بحبسه في سجن المقشرة فتحقق الناس بهذا الأمر ميل السلطان لأبي الخير وكف جميع أعداء النحاس عن الكلام في أمره مع السلطان‏.‏ واستمر بداره والناس تتردد إليه إلى يوم الخميس تاسع عشرين جمادى الأولى المذكور رسم السلطان لجوهر الساقي بنزوله إلى أبي الخير النحاس ومعه نقيب الجيش ويمضيا به إلى بيت قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوي الشافعي ليدعي عليه التاجر شرف الدين موسى التتائي الأنصاري بمجلس الشرع بدعاو كثيرة ورسم السلطان لجوهر أن يحتاط بعد ذلك على جميع موجوده‏.‏
فنزل جوهر المذكور من وقته إلى أبي الخير النحاس وأخرجه من داره ماشيًا ممسوكًا مع نقيب الجيش وقد ازدحم الناس على بابه للتفرج عليه والفتك به فحماه جوهر ومن معه من المماليك منهم وأخذه ومضى‏.‏ وانطلقت الألسن إليه بالسب واللعن والتوبيخ وجوهر يكفهم عنه ساعة بعد ساعة وهم خلفه وأمامه وهو مار في طريقه ماشيًا إلى أن وصل بيت القاضي المذكور بسويقة الصاحب من القاهرة وأدخلوه إلى المدرسة الصاحبية محتفظًا به مع رسل الشرع‏.‏ وعاد جوهر الساقي وشرف الدين التتائي إلى الحوطة على موجود أبي الخير النحاس بداره وحواصله‏.‏
ووجدت العامة بغياب جوهر فرصة إلى الدخول على أبي الخير المذكور فهجموا عليه وأخذوه من أيدي الرسل وضربوه ضربًا مبرحًا فصاحت رسل الشرع عليهم وأخذوه من أيديهم وهربوه إلى مكان بالمدرسة المذكورة‏.‏ وأعلموا القاضي بذلك فأرسل القاضي خلف الأمير جانبك والي القاهرة حتى حضر وقدر على إخراجه من المدرسة المذكورة إلى بيت القاضي وادعى شرف الدين التتائي عليه بدعاو يطول الشرح في ذكرها‏.‏
والسبب الموجب لهذه القضية أن أبا الخير النخاس لما وقع له ما وقع وأقام بالقلعة من يوم الاثنين إلى يوم الخميس ثم نزل قبيل العصر إلى داره بقي الناس في أمره على قسمين‏:‏ فمن الناس من لا سلم عليه ولا راعاه ومنهم من صار يترحبه ويتردد إليه‏.‏ ودام على ذلك إلى أن طلع أبو الخير إلى السلطان من غير إذن وأصلح ما كان فسد من أمره ونزل إلى داره وقد وقع بينه وبين وسبب ذلك أن شرف الدين كان في هذه المدة هو رسول النحاس إلى السلطان ومهما كان للنخاس من الحوائج يقضيها له عند السلطان فظهر لأبي الخير المذكور بطلوعه إلى القلعة في ذلك اليوم أن شرف الدين ليس هو له بصاحب وأنه ينقل عنه إلى السلطان ما ليس هو مقصوده بل ينهي عنه ما فيه دماره فنزل إلى شرف الدين وأظهر له المباينة وتوعده بأمور إن طالت يده فانتدب عند ذلك شرف الدين له ودبر عليه وساعدته المقادير مع بغض الناس قاطبة له حتى وقع ما حكيناه وادعى عليه بدعاو كثيرة‏.‏
واستمر أبو الخير في بيت القاضي شرف الدين في الترسيم وهو يسمع من العامة والناس من أنواع البهدلة والسبب ما لا مزيد عليه مواجهة بل يزدحمون على باب القاضي لرؤيته وصارت تلك الحارة كبعض المفترجات لعظم سرور الناس لما وقع لأبي الخير المذكور حتى النساء وأهل الذمة‏.‏ وأصبح من الغد نهار الجمعة طلب السلطان خيوله ومماليكه فطلعوا بهم في الحال بعد أن شقوا بهم القاهرة وازدحم الناس لرؤيتهم فكانت عدة الخيول نيفًا على أربعين فرسًا منها بغال أزيد من عشرة والباقي خيول خاص هائلة والمماليك نحو من عشرين نفرًا‏.‏
واستمر شرف الدين يتتبع آثاره وحواصله هذا بعد أن أشهد على أبي الخير المذكور أن جميع ما يملكه من الأملاك والذخائر والأمتعة والقماش وغير ذلك هو ملك السلطان الملك الظاهر دون ملكه ثم في يوم السبت أول جمادى الآخرة رسم بفتح حواصل أبي الخير ففتحت فوجد فيها من الذهب العين نحو سبعة عشر ألف دينار ووجد له من الأقمشة والتحف والقرقلات التي برسم الحرب والصيني الهائل والكتب النفيسة أشياء كثيرة ووجد له حجج مكتتبة على جماعة بنحو ثلاثين ألف دينار‏.‏
فحمل الذهب العين إلى السلطان وبعض الأشياء المستظرفة وختم على الباقي حتى تباع‏.‏ ودام شرف الدين في الفحص على موجوده‏.‏
وأخرج السلطان جميع تعلقات النحاس من الإقطاعات والحمايات والمستأجرات وغير ذلك‏.‏ ثم في يوم الأحد ثاني جمادى الآخرة خلع السلطان على المقر الجمالي ناظر الخواص وعلى زين الدين الأستادار خلعتي الاستمرار‏.‏ وخلع على شرف الدين موسى التتائي باستقراره في جميع وظائف أبي الخير النحاس وهم عدة وظائف ما بين نظر البيمارستان المنصوري ونظر الجوالي ونظر الكسوة ووكالة بيت المال ونظر خانقاه سعيد السعداء ووكيل السلطان ووظائف آخر دينية ومباشرات ولبس شرف الدين خفًا ومهمازًا وتولى جميع هذه الوظائف عوضًا عن أبي الخير دفعة واحدة‏.‏
قلت‏:‏ وما أحسن قول المتنبي في المعنى‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ بذا قضت الأيام ما بين أهلها ** مصائب قوم عند قوم فوائد هذا والفقهاء والمتعممون قد ألزموهم المماليك الجلبان بعدم ركوب الخيل بحيث إنه لم يستجر أحد منهم أن يعلو على ظهر فرس إلا أعيان مباشري الدولة وجميع من عداهم قد ابتاعوا البغال وركبوها حتى تزايد لذلك سعر البغال إلى أمثال ما كان أولًا‏.‏
ثم أمر السلطان في اليوم المذكور بنقل أبي الخير النخاس من بيت القاضي الشافعي يحيى المناوي من سويقة الصاحب إلى بيت المالكي ولي الدين السنباطي بالحرب الأصفر ليدعى عليه عند القاضي المذكور بدعاو‏.‏ فأخذه والي القاهرة ومضى به من بيت القاضي الشافعي إلى بيت المالكي وقد أركبه حمارًا وشق به القاهرة والناس صفوف وجلوس بالشوارع والدكاكين وهم ما بين شامت وضاحك ثم باك فأما الشامت فهو من آذاه وظلمه والضاحك من كان يعرفه قديمًا ثم ترافع عليه والباكي معتبر بما وقع له من ارتفاعه ثم هبوطه قلت‏:‏ وقد قيل في الأمثال‏:‏ ‏"‏ على قدر الصعود يكون الهبوط ‏"‏‏.‏
وسار به الوالي على تلك الهيئة إلى أن أدخله إلى بيت القاضي المالكي‏.‏ وادعى عليه السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن المصبح دلال العقارات بدعوى شنعة أوجبت وضع الجنزير في رقبة أبي الخير النحاس بعد أن كتب محضرًا بكفره‏.‏ وأقام الشريف البينة عند القاضي المالكي بذلك فلم يقبل القاضي بعض البينة‏.‏
واستمر أبو الخير في بيت القاضي في الترسيم على صفة نسأل الله السلامة من زوال النعم إلى عصر يومه فنقل إلى حبس الديلم على حمار وفي رقبته الجنزير ومر بتلك الحالة من الشارع الأعظم وعليه من الذل والصغار ما أحوج أعداءه الرحمة عليه وحاله كقول القائل‏:‏ ‏"‏ السريع ‏"‏ لم يبق إلا نفس خافت ومقلة إنسانها باهت يرثي له الشامت مما به يا ويح من يرثي له الشامت قلت‏:‏ وأحسن من هذا قول من قال‏:‏ مجزوء الكامل يا من علا وعلوه أعجوبة بين البشر غلط الزمان برفع قد - - رك ثم حطك واعتذر ويعجبني أيضًا في هذا المعنى قول القائل‏:‏ البسيط لو أنصفوا أنصفوا لكن بغوا فبغي عليهم فكأن العز لم يكن جاد الزمان بصفو ثم كدره هذا بذاك ولا عتب على الزمن وقد سقنا أحوال أبي الخير هذا في ترجمته في تاريخنا ‏"‏ المنهل الصافي المستوفى بعد الوافي ‏"‏ بأوسع من هذا إذ سياق الكلام منتظم مع سياقه في محل واحد وأيضًا قد حررنا أموره بأضبط من هذا في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ‏"‏ إذ هو موضوع لتحرير الوقائع وما ذكرناه هنا على سبيل الاستطراد من شيء إلى شيء‏.‏
واستمر أبو الخير بسجن الديلم إلى ما يأتي ذكره من خروجه من السجن ونفيه ثم حبسه وجميع ما وقع له إلى يومنا هذا إن شاء الله تعالى‏.‏ وفي يوم حبس النحاس بحبس الديلم ظهر القاضي ولي الدين السفطي من اختفائه نحو ثمانية أشهر وسبعة أيام وطلع من الغد في يوم الخميس سادس جمادى الآخرة إلى السلطان فأكرمه السلطان ونزل إلى داره‏.‏ ثم في يوم السبت ثامنه ندب السلطان إينال الأشرفي المتفقه ليتوجه إلى دمشق لكشف أخبار أبي الفتح الطيبي والفحص عن أمره‏.‏
وفي هذه الأيام ترادفت الأخبار من حلب وغيرها بمسير جهان شاه بن يوسف صاحب تبريز على معز الدين جهان كير بن علي بك بن قرايلك صاحب آمد وأن جهان كير ليس له ملجأ إلا القدوم إلى البلاد الحلبية مستجيرًا سلطان وأن جهان شاه يتبعه حيثما توجه فتخوف أهل حلب من هذا الخبر ونزح منها جماعة كثيرة وغلا بها ثمن ذوات الأربع لأجل السفر منها‏.‏
ومدلول هذه الحكايات طلب عسكر يخرج من الديار المصرية إلى البلاد الشاميه فأوهم السلطان بخروج تجريدة ثم فتر عزمه عن ذلك‏.‏ أشيع بالقاهرة أن أبا الخير النحاس قد تجنن في سجنه وأنه صار يخلط في كلامه‏.‏
قلت‏:‏ وحق له أن يتجنن فإنه كان في شيء ثم صار في شيء ثم عاد إلى أسفل ما كان وهو أنه كان أولًا فقيرًا مملقًا متحيلًا على الرزق دائرًا على قدميه في النزه والأوقات ثم وافته السعادة على حين غفلة حتى نال منها حظًا كبيرًا ثم حطه الدهر يدًا واحدة فصار في الحبس وفي رقبته الجنزير يترقب ضرب الرقبة بعدما وقع له من الإخراق والبهدلة وشماتة الأعداء وأخذ أمواله ما وقع فهو معذور‏:‏ دعوه يتجنن ويتفنن في جنونه‏.‏
ثم في يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة استغاث الشريف غريم النخاس على رؤوس الأشهاد وقال‏:‏ ‏"‏ قد ثبت الكفر على غريمي النخاس وأقيمت البينة والقاضي لا يحكم بموجب كفره وضرب رقبته ‏"‏ وكان الشريف هذا قد وقف إلى السلطان قبل تاريخه وذكر نوعًا من هذا الكلام فرسم السلطان للقاضي المالكي أنه إن ثبت على أبي الخير المذكور كفر فليضرب رقبته بالشرع ولا يلتفت لما بقي عنه من مال السلطان فإن حق النبي صلى الله عليه وسلم أبدأ من حق السلطان‏.‏
فلما سمع الشريف ذلك اجتهد غاية الاجتهاد والقاضي يتثبت في أمره ثم بلغ القاضي المالكي مقالة الشريف هذه فركب وطلع إلى السلطان واجتمع به وكلمه في أمر النحاس فأعاد السلطان عليه الكلام كمقالته أولًا وقال له كلامًا معناه أن هذا ‏"‏ أمره راجع إليك ومهما كان الشرع افعله معه ولا تتعوق لمعنى من المعاني ‏"‏ فقال القاضي المالكي‏:‏ ‏"‏ يا مولانا السلطان قد فوضت هذه الدعوى لنائبي القاضي كمال الدين بن عبد الغفار فهو ينظر فيها بحكم الله تعالى ‏"‏ وانفض المجلس‏.‏
وكان السلطان قد أرسل في أول هذا النهار جوهرًا التركماني الطواشي إلى أبي الخير النحاس يسأله عن الأموال ويهدده بالضرب وبالنكال فلم يلتفت أبو الخير إلى ما جاء فيه جوهر وقال‏:‏ ‏"‏ قد أخذ السلطان جميع مالي وما بقي فهو يباع في كل يوم ‏"‏‏.‏
ثم أخذ أمر الشريف المدعي على أبي الخير النخاس في انحلال من كون القاضي الشافعي أثبت فسق القاضي عز الدين البساطي أحد نواب الحكم المالكي وهو أحد من شهد على أبي الخير المذكور لأمر من الأمور ولا نعرف على الرجل إلا خيرًا‏.‏
ووقع بسبب ذلك أمور وعقد مجالس بالقضاة بحضرة السلطان وآل الأمر على أن السلطان حبس الشريف والشهود في الحبس بالمقشرة وتراجع أمر أبي الخير النخاس بعدما أرجف بضرب رقبته غير مرة‏.‏
ثم رسم السلطان في اليوم الذي حبس فيه الجماعة المذكورة بإخراج أبي الخير النحاس من حبس الديلم وتوجهه إلى بيت قاضي القضاة الشافعي فأخرجه الوالي من سجن الديلم مجنزرًا بين يديه وشق به الشارع وهو راكب خلفه ماش على قدر مشية النحاس إلى أن أوصله إلى بيت القاضي الشافعي بخط سويقة الصاحب وقد ازدحمت الناس لرؤيته وكان الوقت قبيل العصر بنحو العشر درج ومر أبو الخير على مواضع كان يمر بها في موكبه أيام عزه والناس بين يديه وبالجملة فخروجه الآن من حبس الديلم خير من توجهه إليه من بيت القاضي المالكي والمراد به الآن خير مما كان يراد به يوم ذاك‏.‏
ولما وصل أبو الخير إلى بيت القاضي الشافعي أسلمه والي القاهرة إليه فأمر القاضي في الوقت برفع الجنزير من عنقه‏.‏ ثم قام بعد ساعة شخص وادعى على أبي الخير بدعاو كثيرة شنعة اعترف أبو الخير ببعضها وسكت عن البعض فحكم القاضي عند ذلك بإسلامه وحقن دمه وفعل ما وجب عليه من التعزير بمقتضى مذهبه‏.‏
وسلمت مهجته بعد أن أيقن كل أحد بسفك دمه وذهاب روحه وذلك لعدم أهلية أخصامه وضعف شوكتهم وعدم مساعدة المقر الجمالي لهم على قتله فإنه لم يتكلم في أمره من يوم أمسك إلا فيما يتعلق به من شأنه ولم يداخلهم فيما هم فيه البتة مع أنه كان لا يكره ذلك لو وقع غير أنه لم يتصد لهذا الأمر في الظاهر بالكلية احتفاظًا لرئاسته ودينه‏.‏
وأنا أقول‏:‏ لو كان أمر النحاس هذا مع ذلك الجزار جمال الدين الأستادار أو غيره من أمثاله لألحقوه بمن تقدمه من الأمم السالفة ولكن ‏"‏ لكل أجل كتاب ‏"‏‏.‏ وبعد أن عزره القاضي أمر بالترسيم عليه حتى يتخلص من تعلقات السلطنة‏.‏
ثم في يوم الجمعة ثامن عشرين جمادى الآخرة رسم السلطان بالإفراج الشريف غريم النحاس وعن الشهود من حبس المقشرة ورسم بنفي النحاس إلى مدينة طرسوس محتفظًا به وأنه يقيد ويجنزر من خانقاه سرياقوس فمض جانبك الوالي إليه وأخرجه من بيت القاضي الشافعي راكبًا على فرس في الثلث الأول من ليلة السبت تاسع عشرينه وذلك بعد أن حلف أبو الخير المذكور أمسه يمينًا مغلظًا بمجلس قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوي أنه لم يبق معه شيء من المال غير مبلغ يسير جدًا برسم النفقة وأنه صار فقيرًا لا يملك قل ولا جل فسبحان المطلع على السرائر‏.‏
وفرغ هذا الشهر والناس في جهد وبلاء من غلو الأسعار في جميع المأكولات وتزايد أثمان البغال لكثرة طلابها من الفقهاء والمتعممين لشدة المماليك الجلبان في منعهم من ركوب الخيل‏.‏ ثم في يوم الخميس رابع شهر رجب برز الأمير سونجبغا اليونسي الناصر من القاهرة إلى بركة الحاج أمير الرجبية وسافر في الركب المذكور الأمير جرباش المحمدي الناصري المعروف بكرد أحد مقدمي الألوف وصحبته زوجته خوند شقراء بنت الملك الناصر فرج و عيالهما وسافر معه أيضًا الأمير تغري برمش السيفي يشبك بن أزدمر الزردكاش أحد أمراء الطبلخانات وعدة كبيرة من أعيان الناس وغيرهم وسافر الجميع في يوم الاثنين ثامنه‏.‏
ثم في يوم الأحد رابع شهر رجب الموافق لسلخ مسرى أحد شهور القبط أمر السلطان الشيخ عليًا المحتسب أن يطوف في شوارع القاهرة وبين يديه المدراء يعلمون الناس بأن في غد يكون الاستسقاء بالصحراء لتوقف النيل عن الزيادة‏.‏
وأصبح من الغد في يوم الاثنين خامس عشره وهو أول يوم من أيام النسيء خرج قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوي إلى الصحراء ماشيًا من داره بين الخلائق من الفقهاء والفقراء والصوفية إلى أن وقف بين تربة الملك الظاهر برقوق وبين قبة النصر قريبًا من الجبل ونصب له هناك منبر‏.‏ وحضر الخليفة وبقية القضاة وصاروا في جمع موفور من العالم من سائر الطوائف وخرجت اليهود والنصارى بكتبهم‏.‏
وصلى قاضي القضاة المذكور بجماعة من الناس ركعتين خفيفتين ودعا الله سبحانه وتعالى بإجراء النيل وأمن الناس على دعائه وعظم ضجيج الخلائق من البكاء والنحيب والتضرع إلى الله تعالى ودام ذلك من بعد طلوع الشمس إلى آخر الساعة الثانية من النهار المذكور ثم انصرفوا على ما هم عليه من الدعاء والابتهال إلى الله تعالى فكان هذا اليوم من الأيام التي لم نعهد بمثلها‏.‏
وفي هذا اليوم ورد كتاب خير بك النوروزي نائب غزة يتضمن أن أبا الخير النحاس توعك وأنه يسأل أن يقيم بغزة إلى أن ينصل من مرضه ثم يسافر إلى طرسوس فكتب الجواب إليه ثم في يوم الخميس ثامن عشره خرج الخليفة والقضاة الأربعة إلى الاستسقاء ثانيًا بالمكان المذكور وخرجت الخلائق وصلى القاضي الشافعي وخطب خطبة طويلة وقد امتلأ الفضاء بالعالم وطال وقوف الناس في الداء في هذا اليوم بخلاف يوم الاثنين‏.‏
وبينما الناس بدعائهم ورد منادي البحر ونادى بزيادة أصبع واحد من النقص فسر الناس بذلك سرورًا عظيمًا ثم انفض الجمع‏.‏ وعادوا إلى الاستسقاء أيضًا من الغد في يوم الجمعة ثالث مرة وخطب القاضي على عادته فتشاءم الناس بوقوع خطبتين في يوم واحد فلم يقع إلا الخيم والسلامة من جهة الملك‏.‏
واستمر البحر في زيادة ونقص إلى يوم الخميس عاش شعبان الموافق لعشرين توت فأجمع رأي السلطان على فتح خليج السد من غير تخليق المقياس وقد بقي على الوفاء ثمانية أصابع لتكملة ستة عشر ذراعًا‏.‏ فنزل والي القاهرة ومعه بعض أعوانه وفتح سد الخليج ومشى الماء في الخلجان مشيًا هينًا فكان هذا اليوم من الأيام العجيبة من كثرة بكاء الناس ونحيبهم ومما هالهم من أمر هذا النيل‏.‏
وقد استوعبنا أمر زيادته من أوله إلى آخره في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور ‏"‏ وما وقع بسببه من التوجه إلى المقياس بالقراء والفقهاء مرارًا وكذلك إلى الآثار النبوي وتكالب الناس على الغلال ونهب الأرغفة من على الحوانيت وأشياء كثيرة من هذا النموذج يطول الشرح في وفي هذه الأيام ورد الخبر على السلطان بفرار تمراز البكتمري المؤيدي المصارع شاد بندر جدة من جدة إلى جهة الهند وكان من خبره أن تمراز لما سار واستولى على ما تحصل من البندر من العشر من الذي خص السلطان بد له أن يأخذ جميع ما تحصل عنه ويتوجه إله الهند عاصيًا على السلطان فاشترى مركبًا مروسًا بألف دينار من شخص يسمى يوسف البرصاوي وأشحنها بالسلاح والرجال يوهم أنه ينزل فيها ويعود بما تحصل معه إلى مصر‏.‏
فلما تهيأ أمره أخذ جميع ما تحصل من المال وهو نحو الثلاثين ألف دينار وسافر إلى جهة اليمن‏.‏ وبلغ السلطان ذلك من كتاب الشريف بركات صاحب مكة فعظم ذلك على الناس وعد ولاية تمراز هذا من جملة ذنوب النحاس ثم طلب السلطان مملوكه الأمير جانبك الظاهري وخلع عليه باستقراره على التكلم على بندر جدة على عادته ليقوم بهذا الأمر المهم الذي ليس في المملكة من ينهض به غيره وأعني من تمراز والفحص عليه والاجتهاد في تحصيله وتجهز الأمير جانبك وخرج إلى البندر على عادته بأجمل زي وأعظم حرمة وأما تمراز فإنه لما سافر من بندر جدة إلى جهة بلاد الهند صار كلما أتى إلى بلد ليقيم به تستغيث تجار تلك البلد بحاكمها ويقولون‏:‏ ‏"‏ أموالنا بجدة ومتى ما علم صاحب جدة أنه عندنا أخذ جميع مالنا بسبب دخول تمراز هذا عندنا فإنه قد أخذ مال السلطان وفر من جدة ‏"‏ فيطرده حاكم تلك البلد‏.‏
ووقع له ذلك بعدة بلاد وتحير في أمره وبلغ مسيره على ظهر البحر ستة أشهر‏.‏ فعندما عاين الهلاك أرمى بنفسه بجميع ما معه ‏"‏ في مركبه إلى مدينة كالكوت - وحاكم كالكوت سامري وجميع أهل البلد سمرة وبها تجار غير سمرة وأكثرهم من المسلمين - فثار التجار واستغاثوا بالسامري وقالوا له مثل مقالة غيرهم كل ذلك مراعاة لجهة جانبك نائب جدة‏.‏
وكنت أستبعد أنا ذلك إلى أن أوقفني مرة الأمير جانبك المذكور على عدة مطالعات وردت عليه من السامري المذكور وكل كتاب منهم يشتمل على نظم ونثر وكلام فحل فائق لا أدري ذلك لفضيلة السامري أو من كتابه وفي ضمن بعض الكتب الواردة صفة قائمة مكتوب فيها عدة الهدية التي أرسلها صحبة الكتاب المذكور والقائمة خوصة لعلها من ورق شجر جوز الهند طول شبر ونصف في عرض إبهام مكتوب عليها بالقلم الهندي خط باصطلاحهم لا يعرف يقر أبناء جنسهم في غاية الحسن والظرف - انتهى‏.‏
ولما تكلم التجار المسلمون وغيرهم مع السامري في أمر تمراز السامري مسك تمراز فأحس تمراز بذلك فأرسل إلى السامري هدية هائلة فأعاد عليه السامري الجواب‏:‏ ‏"‏ إن التجار يقولون إن معك مال السلطان ‏"‏ فقال تمراز‏:‏ ‏"‏ نعم أخذت المال لأشتري به للسلطان فلفلًا ‏"‏ فقال له السامري‏:‏ اشتر به في هذا الوقت واشحنه في مراكب التجار ‏"‏ فاشترى به تمراز الفلفل وأشحنه في مركبين للتجار والباقي أشحنه في المركب المرؤس الذي تحته‏.‏
وسار وقصد بندر جدة إلى أن وصل باب المندب من عمل اليمن عند مدينة عدن فأخذ المركبين المشحونين بالفلفل وتوجه بهما إلى جزيرة مقابلة الحديدة تسمى كمران فحضر أكابر الحديدة إلى عند تمراز المذكور وحسنوا له أخذ كل اليمن جميعها فمال تمراز إلى ذلك وخرج إلى بلدهم وأخذ معه جميع ما له بالمركب‏.‏
ثم قال له أهل الحديدة‏:‏ ‏"‏ لنا عدو وما نقدر نملك اليمن حتى ننتصر عليه وبلد العدو تسمى سحية ‏"‏ فأجمع تمراز على قتال المذكورين وركب معهم وقصد عدوهم والتقى الجمعان فكان بينهم وقعة قتل فيها تمراز المذكور معه جماعة من أصحابه وسلم ممن كان معه شخص من المماليك السلطانية يسمى أيضًا تمراز وهو حي إلى يومنا هذا‏.‏
فلما بلغ الأمير جانبك موت تمراز أرسل شخصًا من الخاصكية الظاهرية ممن كان معه بجدة يسمى تنم رصاص ومعه كتب جانبك المذكور إلى الحديدة يطلب ما كان مع تمراز جميعه‏.‏ فتوجه تنم إلى الحديدة فتلقاه أهلها بالرحب والقبول وسلموه جميع ما كان مع تمراز والمركب المرؤس وغير ذلك‏.‏ فعاد تنم بالجميع إلى جدة بعد أن استبعد كل أحد رجوع المال‏.‏
فأرسل الأمير جانبك يخبر السلطان بذلك كله فلما ورد عليه هذا الخبر سر به وشكر جانبك المذكور على ذلك - انتهى‏.‏
صل الأمير تنبك البردبكي المعزول عن حجوبية لحجاب قبل تاريخه من ثغر دمياط بطلب من السلطان وطلع إلى القلعة وقبل الأرض بين يل‏!‏ السلطان ووعد بخير‏.‏ ورسم له بالمشي في الخدمة السلطانية على عادته أولًا لكنه لم ينعم عليه بإقطاع ولا إمرة‏.‏ وفي هذه الأيام رسم السلطان لنائب طرسوس بالقبض على أبي الخير النحاس وضربه على سائر جسمه خمسمائة عصاة وأن يأخذ جميع ما كان معه من المماليك والجواري وخرج المرسوم بذلك على يد نحاس ووقع ما رسم له السلطان‏.‏
ثم في يوم الاثنين سادس عشرين شهر رمضان ورد الخبر من الشأم بضرب رقبة أبي الفتح الطيبي أحد أصحاب أبي الخير النحاس بحكم القاضي المالكي بدمشق في ليلة الأربعاء رابع عشر شهر رمضان المذكور بعد أن ألغى حكم القاضي برهان الدين إبراهيم السوبيني الشافعي بعد عزله بعد أمور وقعت حكيناها في الحوادث‏.‏ ثم في يوم الاثنين سابع عشر شوال برز الأمير تمربغا الظاهري الدوادار الثاني أمير حاج المحمل بالمحمل إلى بركة الحاج وأمير الركب الأول خيربك الأشقر المؤيدي أحد أمراء العشرات‏.‏
وكان الحج قليلًا جدًا في هذه السنة لعظم الغلاء بالديار المصرية وغيرها‏.‏ ثم في يوم الخميس خامس ذي القعدة برز المرسوم الشريف باستقرار الأمير جانبك التاجي المؤيدي نائب بيروت في نيابة غزة بعد عزل خيربك النوروزي عنها وتوجهه إلى دمشق بطالًا‏.‏
ثم في يوم الاثنين سادس عشر ذي القعدة ورد الخبر على السلطان بموت الأمير تغري برمش الزردكاش بمكة المشرفة - وكان المخبر بموته جانبك الظاهري الخاصكي البواب - فأنعم السلطان في يوم الخميس تاسع عشره على السيفي دقماق اليشبكي الخاصكي بإمرة عشرة من إقطاع تغري برمش الزردكاش وأنعم بباقيه على الأمير قراجا الظاهري الخازندار زيادة على ما بيده ليكمل ما بيده إمرة طبلخاناة وأنعم بإقطاع دقماق ربع تفهنة على جانبك الأشرفي الخازندار الخاصكي وهو يوم ذاك من جملة الدوادارية‏.‏
ثم خلع السلطان في يوم الاثنين ثالث عشرينه على دقماق المذكور باستقراره زردكاشًا كبيرًا عوضًا عن تغري برمش المذكور فأقام دقماق في الزردكاشية خمسة أيام وعزل عن الوظيفة واسترجع السلطان منه الإمرة المنعم عليه بها من إقطاع تغري برمش وأعيد إليه إقطاعه القديم‏.‏ وقد ذكرنا سبب عزله في حوادث الدهر مفصلًا‏.‏
واستقر الأمير لاجين الظاهري زردكاشًا‏.‏ ولما أعيد إلى دقماق إقطاعه القديم صار جانبك الأشرفي الخازندار بلا إقطاع لأن السلطان كان أنعم بإقطاعه على جانبك الظاهري البواب القادم من مكة‏.‏
وساعد جانبك الأشرفي جماعة الأعيان في رد إقطاعه الأول عليه أو ينعم عليه السلطان بالإمرة المسترجعة من دقماق فلم يحسن ببال السلطان أخذ الإقطاع من جانبك الظاهري فحينئذ لزمه أن يعطي جانبك الخازندار هذه الإمرة المذكورة فأنعم عليه بها فجاءت جانب السعادة بغتة من غير أن يترشح لذلك قبل تاريخه‏.‏
وخلع السلطان على السيفي قايتباي الظاهري الخاصكي باستقراره دوادارًا عوضًا عن جانبك الخازندار المذكور فإنه كان بقي من جملة الدوادارية غير أنه كان لا يعرف إلا بالخازندار والظريف إلى يومنا هذا‏.‏ ثم في يوم الخميس ثالث ذي الحجة خلع السلطان على القاضي ولي الدين الأسيوطي باستقراره مشيخة المدرسة الجمالية بعد موت ولي الدين السفطي‏.‏ ثم في يوم الأحد ثالث عشر ذي الحجة رسم السلطان بالإفراج عن الأمير يشبك الصوفي المؤيدي المعزول عن نيابة طرابلس من سجن الإسكندرية وتوجهه إلى ثغر دمياط بطالًا‏.‏
وفي يوم الاثنين رابع عشره وصل كتاب الناصري محمد بن مبارك نائب البيرة يخبر أنه ورد عليه كتاب الأمير رستم مقدم عساكر جهان شاه بن قرا يوسف يتضمن أنه قبض على الأمير بيغوت من صفر خجا المؤيدي الأعرج المتسحب من نيابة حماة إلى جهان كير بن قرايلك وأنه أخذ جميع ما كان معه وجعله في الترسيم‏.‏
فكتب له الجواب بالشكر والثناء عليه وطلب بيغوت المذكور منه وقد أوضحت أمر بيغوت هذا في كتابنا ‏"‏ حوادث الدهور ‏"‏ من أول أمره إلى آخره‏.‏ ثم في يوم الخميس أول خرم سنة خمس وخمسين وثمانمائة خلع السلطان على الأمير مرجان العادلي المحمودي الحبشي نائب مقدم المماليك السلطانية باستقراره مقدم المماليك عوضًا عن جوهر النوروزي بحكم إخراجه إلى القدس الشريف بطالًا واستقر الطواشي عنبر خادم التاجر نور الدين علي الطنبذي في نيابة المقدم عوضًا عن مرجان المذكور‏.‏
ثم في يوم الاثنين خامس المحرم كانت مبايعة الخليفة القائم بالله حمزة بالخلافة عوضًا عن أخيه أمير المؤمنين المستكفي بالله سليمان بعد وفاته حسبما يأتي ذكر وفاته في الوفيات من هذا الكتاب‏.‏ ثم في يوم السبت تاسع صفر وصل إلى القاهرة قصاد جهان شاه بن قرا يوسف صاحب تبريز وغيرها وطلعوا إلى القلعة في يوم الاثنين حادي عشره بعد أن عمل السلطان لهم موكبا جليلًا بالحوش من قلعة الجبل وقدموا ما على أيديهم من الهدية وغيرها‏.‏
ثم في يوم الأحد سابع عشر صفر ورد الخبر بقدوم الأمير بيغوت نائب حماة الخارج عن الطاعة إلى حلب وصحبة القاصد الوارد بهذا الخبر عما مطالعات من نواب البلاد الشامية في الشفاعة في بيغوت المذكور كونه كان تخلص من أسر رستم وقدم هو بنفسه إلى طاعة السلطان فكتب السلطان بإحضار بيغوت المذكور على أحسن وجه وقبل السلطان شفاعة الأمراء فيه‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثامن عشره عمل السلطان مدة هائلة لقصاد جهان شاه بالقلعة ثم أنعم عليهم بمبلغ ألفي دينار في يوم الأربعاء العشرين منه وأنعم أيضًا على الأمير قانم التاجر المؤيدي أحد أمراء العشرات بألفي دينار وكان ندبه للتوجه في الرسلية إلى جهان شاه صحبة قصاده فخرج قانم في يوم الجمعة ثاني عشرين صفر‏.‏
ثم في يوم الأحد ثاني شهر ربيع الأول من سنة خمس وخمسين المذكورة نزل السلطان إلى عيادة زين الدين يحيى الأستادار لانقطاعه عن الخدمة‏.‏ وكان سبب انقطاعه عن الخدمة السلطانية أن المماليك السلطانية أوقعوا به بباب القلة من قلعة الجبل وضربوه وجرح في رأسه من شجة ونزل محمولًا إلى داره على أقبح حال‏.‏
ولم يطل السلطان الجلوس عنده وركب من عنده وتوجه إلى بيت عظيم الدولة المقر الجمالي ناظر الخواص ونزل عنده وأقام قليلًا ثم ركب وعاد إلى القلعة‏.‏ وأصبح من الغد كل واحد من الجمالي ناظر الخواص وزين الدين الأستادار جهز للسلطان تقدمة هائلة ذكرنا تفصيلها في الحوادث‏.‏ ثم في يوم السبت ثالث عشر شهر ربيع الآخر وصل الأمير بيغوت الأعرج المؤيدي نائب حماة كان إلى القاهرة وطلع إلى السلطان وقبل الأرض بين يديه وخلع السلطان عليه سلاريًا أحمر بفرو سمور ووعده بخير‏.‏
ثم في يوم الاثنين خامس عشر شهر ربيع الآخر المذكور سافر الأمير أسنباي الجمالي الظاهري أحد أمراء العشرات إلى بلاد الروم لتولية خوندكار محمد السلطنة بعد وفاة أبيه مراد بك‏.‏ وفي هذا الشهر أشيع بالقاهرة أن السلطان ذكر أبا الخير النخاس بخير وأنه في عزمه الإفراج عنه والرضا عليه‏.‏ فبلغ السلطان ذلك فبرز مرسومه إلى نائب طرسوس بضرب النحاس مائة عصاة افتقده بها‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى سافر الأمير بيغوت إلى دمشق ليقيم بها بطالًا بعد أن رتب له في كل شهر مائة دينار برسم النفقة إلى أن ينحل له إقطاع‏.‏
ثم في يوم الخميس رابع عشر شهر رجب وصل الأمير قائم المؤيدي المتوجه إلى جهان شاه في الرسلية إلى القاهرة مريضًا في محفة‏.‏ ثم في يوم الاثنين تاسع شعبان وصل الأمير جانبك نائب جدة إلى القاهرة وخلع السلطان عليه ونزل إلى داره في موكب جليل إلى الغاية‏.‏ ثم في يوم الخميس تاسع عشر شعبان ورد الخبر على السلطان بموت الأمير بردبك العجمي الجكمي أحد مقدمي الألوف بدمشق فأنعم السلطان بإقطاعه على الأمير بمغوت الأعرج المؤيدي‏.‏
ثم في يوم الأحد ثاني عشرينه نزل السلطان من القلعة وشق القاهرة وسار حتى نظر المدرسة التي جدد بناءها الجمالي ناظر الخواص بسويقة الصاحب عاد من المدرسة ونزل إلى بيت ابنته زوجة الأمير أزبك من ططخ الساقي الظاهري أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بدرب الطنبذي بسويقة الصاحب وأقام عندها ساعة جيدة ثم ركب وطلع إلى القلعة‏.‏
وبعد طلوعه أرسل إلى الأمير أزبك بعثة خيول خاص ومماليك وأصحن حلوى كثيرة فقبل الحلوى ورد سواها‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثالث عشرين شعبان من سنة خمس وخمسين المذكور رسم السلطان بتفرقة دراهم الكسوة على المماليك السلطانية على العادة في كل سنة لكل مملوك ألف درهم فامتنعوا من الأخذ وطلبوا الزيادة وبلغ السلطان الخبر فغضب من ذلك وخرج من وقته ماشيًا حتى وصل إلى الإيوان وجلس على السلمة السفلى بالقرب من الأرض واستدعى كاتب المماليك أسماء جماعة فلم يخرج واحد وصمموا على طلب الزيادة وصاروا عصبة واحدة فلم يسع السلطان إلا أن دعا عليهم وقام غضبانًا وسار حتى وصل إلى الدهيشة واستمروا المماليك على ما هم عليه وحصل أمور إلى أن وقع الاتفاق على أن يكون لكل مملوك من المماليك السلطانية ألفا درهم ورضوا بذلك وأخذوا النفقة المذكورة وقد تضاعف أمرها على ناظر الخاص‏.‏
ثم استهل شهر رمضان أوله الاثنين والناس في أمر مريج من الغلاء المفرط في سائر المأكولات لا سيما اللحوم هذا مع اتساع الأراضي بالري واحتاج الفلاحون إلى التقاوي والأبقار وقد عز وجود البقر حتى أبيع الزوج البقر الهائل بمائة وعشرين دينارًا وما دونها وأغرب من ذلك ما حدثني السيفي إياس خازندار الأتابك آقبغا التمرازي بحضرة الأمير أزبك الساقي أنه رأى ثورًا هائلًا ينادى عليه بأربعين ألف درهم فاستبعدت أنا ذلك حتى قال الأمير أزبك‏:‏ ‏"‏ نعم وأنا سمعته أيضًا يقول هذا الخبر للمقر الجمالي ناظر الخواص ‏"‏‏.‏
ثم استشهد إياس المذكور جماعة كثيرة على صدق مقالته وهذا شيء لم نعهد بمثله‏.‏ هذا مع كثرة الفقراء والمساكين ممن افتقر في هذه السنين المتداولة بالغلاء والقحط مع أنه تمفقر خلائق كثيرة ممن ليس له مروءة‏.‏ وأمسك في هذه الأيام جماعة كثيرة من البيعة ومعهم لحوم الدواب الميتة ولحم الكلاب يبيعونها على الناس وشهروا بالقاهرة وقد استوعبنا أمر هذا الغلاء وما وقع فيه من الغرائب من ابتداء أمره إلى آخره وقد مكث نحو الأربع سنين في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ‏"‏ محررًا باليوم والساعة‏.‏
ثم في يوم الخميس حادي عشر شهر رمضان استقر الناصري ناصر الدين محمد ابن مبارك نائب البيرة في حجوبية دمشق بعد عزل الأمير جانبك الناصري وتوجهه إلى القدس بطالًا‏.‏ ووقع في هذا الشهر أعني عن شهر رمضان غريبة وهي أن جماعة أرباب التقويم والحساب أجمعوا على أنه يكون في أوائل العشر الأخير من هذا الشهر قران نحس يكون فيه قطع عظيم‏.‏ على السلطان الملك الظاهر جقمق ثم في أواخر العشر المذكور يكون قران آخر ويستمر القطع على السلطان من أول العشر إلى آخره وأجمعوا على زوال السلطان بسبب هذه القطوع‏.‏
فمضى هذا الشهر والسلطان في خير وسلامة في بدنه وحواسه ولازمته أنا في العشر المذكورة ملازمة غير العادة لأرى ما يقع له من التوعك أو الإنكاد أو شيء يقارب مقالة هؤلاء ليكون لهم مندوحة في قولهم فلم يقع له في هذه المدة ما كدر عليه ولا تشوش في بدنه ولا ورد عليه من الأخبار ما يسوء ولا تنكد بسبب من الأسباب وقد كان شاع هذا القول حتى لعله بلغ السلطان أيضًا‏.‏ وفرغ الشهر ولم يقع شيء مما قالوه بالكلية‏.‏ ويأبى الله إلا ما أراد‏.‏
ويعجبني في هذا المعنى القائل ولم أدر لمن هو‏:‏ البسيط تفرد الله بالعلم القديم فلا الإنسان يشركه فيه ولا الملك ومثل هذا أيضًا وأظنه قد تقدم ذكره‏:‏ البسيط دع النجوم لطرقي يعيش بها وبالعزيمة فانهض أيها الملك إن النبي وأصحاب النبي نهوا عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا ثم في يوم الجمعة ثالث شوال ورد الخبر بموت يشبك الحمزاوي نائب صفد بها في ليلة السبت سابع عشرين شهر رمضان فرسم السلطان بنيابة للأمير بيغوت الأعرج ثانيًا وحمل إليه التقليد والتشريف على يد الأمير يشب الفقيه المؤيدي بنيابة صفد وبشبك المذكور من محاسن الدنيا نادرة في أبناء جنسه‏.‏
وأنعم السلطان بتقدمة بيغوت بدمشق على الناصري محمد بن مبارك حاجب حجاب دمشق وأنعم بإقطاع ابن المبارك على آقباي السيفي جارقطلو المعزول عن نيابة سيس‏.‏ وفيه أيضًا استقر خير بك النوروزي المعزول عن نيابة غزة قبل تاريخه أتابك صفد كلاهما‏:‏ أعني خير بك واقباي بالبذل لأنهما من أطراف الناس لم تسبق لهما رئاسة بالديار المصرية‏.‏
ثم في يوم السبت رابعه استقر السوبيني في قضاء طرابلس واستقر الشمس ابن عامر في قضاء المالكية بصفد‏.‏ ثم في يوم الاثنين سادسه استقر الزيني الطواشي سرور الطربائي الحبشي في مشيخة الخدام بالحرم النبوي بعد عزل الطواشي فارس الرومي الأشرفي‏.‏ م في يوم الخميس سادس عشر شوال أعيد القاضي حميد الدين النعماني إلى قضاء الحنفية بدمشق بعد عزل القاضي قوام الدين‏.‏ وفيه خلع السلطان على المقر الجمالي ناظر الخواص خلعة هائلة لفراغ الكسوة المجهزة لداخل البيت العتيق‏.‏
ثم في يوم السبت ثامن عشره برز أمير حاج المحمل الأمير سونجبغا اليونسي بالمحمل إلى بركة الحاج‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء سابع عشرين ذي القعدة أنعم السلطان على الأمير تنبك البردبكي المعزول عن حجوبية الحجاب قبل تاريخه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية بعد موت الشهابي أحمد بن علي بن إينال اليوسفي‏.‏
ثم في يوم الخميس سادس ذي الحجة من سنة خمس وخمسين المذكورة قدم الأمير أسنباي الجمالي الظاهري أحد أمراء العشرات من بلاد الروم‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء حادي عشر ذي الحجة استقر عمر الكردي أحد أجناد الحلقة في أستادارية السلطان بدمشق واستقر شخص يسمى يونس الدمشقي يعرف بابن دكدوك في أستادارية السلطان الكبرى بدمشق وعمر المذكور ويونس هذا هما من الأوباش الأطراف وكلاهما ولي بالبذل‏.‏
ثم في يوم الخميس سابع عشرين ذي الحجة وصل الأمير يشبك الفقيه من صفد بعد ما قلد نائبها الأمير بيغوت‏.‏ ثم في يوم الاثنين أول محرم سنة ست وخمسين وثمانمائة أعيد القاضي جمال الدين يوسف الباعوني إلى قضاء دمشق بعد عزل السراج الحمصي بسفارة عظيم الدولة ناظر الخواص‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء ثالث عشرينه وصل أمير حاج المحمل بالمحمل‏.‏ وفيه مسافر الأمير جانبك الظاهري نائب جدة إلى البندر المذكور‏.‏
ثم في يوم الاثنين سادس صفر استعفى الأمير ألطنبغا الظاهري برقوق اللفاف أحد مقدمي الألوف من الإمرة فأعفي لطول مرضه وعجزه عن الحركة وأنعم السلطان بإقطاعه على ولده المقام الفخري عثمان زيادة على ما بيده من تقدمة أخيه الناصري محمد قبل تاريخه فصار بيده تقدمة أخيه وهذه التقدمة‏.‏
ثم في يوم الجمعة ثاني شهر ربيع الأول حضر المقام الفخري عثمان صلاة الجمعة عند أبيه بجامع القلعة ورسم له والده السلطان أن يمشي الخدمة على عادة أولاد الملوك‏.‏ ثم في يوم الخميس ثامن شهر ربيع الأول المذكور خلع السلطان على القاضي محب الدين محمد بن الأشقر ناظر الجيش باستقراره كاتب السر الشريف عوضًا عن القاضي كمال الدين بن البارزي بعد موته‏.‏
وخلع السلطان أيضًا على المقر الجمالي ناظر الخواص باستقراره ناظر الجيوش المنصورة زيادة على ما بيده من نظر الخاص وغيره‏.‏ ثم في يوم السبت سابع عشره نودي بالقاهرة على الذهب الظاهري الأشرفي كل دينار بمائتي درهم وخمسة وثمانين درهمًا وهدد من زاد في صرفه على ذلك‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر استقر الشريف معز في إمرة الينبوع عوضًا عن عمه سنقر بن وبير‏.‏ وفيه نقل يشبك الصوفي المؤيدي المعزول عن نيابة طرابلس من ثغر دمياط إلى القدس بطالًا‏.‏
ثم في يوم السبت ثامن عشرين جمادى الأولى أنعم السلطان على مملوكه جانم الساقي الظاهري بإمرة عشرة بعد موت الأمير برسباي الساقي المؤيدي‏.‏ ثم في يوم السبت حادي عشر شهر رجب وصل إلى القاهرة الأمير حاج إينال اليشبكي نائب الكرك وخلع السلطان عليه باستمراره‏.‏
ثم في يوم السبت ثامن عشر رجب المذكور أنعم السلطان على حاج إينال المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق عوضًا عن الأمير مازي الظاهري برقوق بحكم لزومه بيته واستقر في نيابة الكرك عوضًا عن حاج إينال طوغان مملوك آقبردي المنقار نقل إليها من دوادارية السلطان بدمشق واستقر في دوادارية السلطان بدمشق خشكلمي الزيني عبد الرحمن بن الكويز الدوادار واستقر عوضًا عن خشكلدي في الدوادارية الثالثة شخص من أولاد الناس ممن كان في خدمة الملك الظاهر قديمًا يعرف بابن جانبك لا يعرف له نسب ولا حسب‏.‏
وفي هذه الأيام أشيع بالقاهرة بمجيء النحاس إلى الديار المصرية وأنه وصل على النجب وأنه نزل بتربة الأمير طيبغا الطويل بالصحراء خارج القاهرة ثم انتقل منها إلى القاهرة‏.‏ وتحدث الناس برؤيته وتعجب الناس من ذلك واستغربت أنا وغيري مجيئه من أن السلطان من يوم نكبه وصادره وحبسه ثم نفاه إلى طرسوس ثم حبسه بقلعة طرسوس على أقبح وجه وصار في الحبس المذكور في غاية الضيق ونال أعداؤه منه فوق الغرض وصار السلطان يتفقده في كل قليل بعصيات حتى إنه ضرب في مدة حبسه بطرسوس على نفذات متفرقة نحو الألف عصاة تخمينًا ولم يزل في محبسه في أسوأ حال حتى أشيع مجيئه ولم يدر بذلك أحد من أعيان الدولة ولا يعرف أحد كيفية الإفراج عنه وأخذ أعيان الدولة من الأكابر في تكذيب هذا الخبر وصار الناس في أمره على قسمين‏:‏ ما بين مصدق ومكذب‏.‏
ثم قدم الأمير جانبك الظاهري نائب جدة وصحبته قصاد الحبشة من المسلمين من صاحب جبرت في يوم الخميس ثامن شعبان وعمل السلطان الموكب بالحوش السلطاني وكان السلطان قد انقطع عن حضور الخدمة بالقصر نحو الشهر لضعف حركته‏.‏
فلما كان يوم الجمعة تاسعه طلع أبو الخير النحاس في بكرته إلى القلعة ودخل إلى الدهيشة صحبة المعزي عبد العزيز ابن أخي الخليفة القائم بأمر الله حمزة وقد أمره عمه القائم بأمر الله حمزة ليشفع في أبي الخير المذكور على لسان الخليفة ولم يكن عند السلطان في ذلك الوقت من أعيان الدولة سوى الأمير تمربغا الظاهري الدوادار الثاني والأمير أسنباي الجمالي الظاهري فقام السلطان لابن أخي الخليفة المذكور وأجلسه ثم دخل أبو الخير النحاس وقبل رجل السلطان فسبه السلطان ولعنه وأخذ في توبيخه وذكر أفعاله القبيحة ثم أمر بحبسه بالبرج من قلعة الجبل ثم اعتذر لابن أخي الخليفة وقال‏:‏ ‏"‏ أنا كنت أريد توسيطه ولأجل الخليفة قد عفوت عنه ‏"‏‏.‏
ثم أنعم على عبد العزيز المذكور بمائة دينار وانفض المجلس‏.‏ وأصبح السلطان من الغد في يوم السبت جلس على الدكة بالحوش السلطاني وأحضر أبا الخير المذكور في الملأ من الناس ثم أمر به فضرب بين يديه نحو الألف عصاة أو ما دونها تخمينًا على رجليه وسائر بدنه ثم أمر بحبسه ثانيًا بالبرج من القلعة فتحير الناس من هذه الأفعال المتناقضة وهو كونه أفرج عنه سرًا وأحضره إلى القاهرة فظن كل أحد بعود المذكور إلى أعظم ما كان عليه ثم وقع له ما ذكرناه من الإخراق والضرب والحبس‏.‏
وقد كثر كلام الناس في ذلك فمنهم من يقول‏:‏ أمر السلطان بإطلاقه لا مجيئه إلى القاهرة فلما قدم بغير دستور غضب السلطان عليه فرد على قائل هذا الكلام بأنه‏:‏ من أين لأبي الخير النجب التي قدم عليها مع ما كان عليه لولا توصية السلطان لمن يعينه على ذلك‏.‏ وأيضًا‏:‏ كيف تمكن من المجيء لولا ما معه من المراسيم ما يدفع به نواب البلاد الشامية من منعه من الحضور‏.‏
ومنهم من يقول‏:‏ كان أمره قد انبرم مع السلطان ورسم بحضوره وإنما أعداؤه اجتهدوا في إبعاده ثانيًا ووعدوا بأوعاد كثيرة أضعاف ما وعده أبو الخير المذكور وأقوال كثيرة أخر‏.‏
ثم في هذا اليوم أخذ أبو عبد الله التريكي المغربي المالكي المعزول عن قضاء دمشق قبل تاريخه من بيته إلى بيت الوالي ورسم عليه ثم ادعي عليه بمجلس القاضي المالكي أنه التزم للسلطان عن أبي الخير النحاس بمائة ألف دينار أو أكثر فقال‏:‏ ‏"‏ أنا قلت‏:‏ إن ولاه ما عينته من الوظائف ولم يقع ذلك ‏"‏ وعرف كيف أجاب فإنه كان من الفضلاء العلماء فاستمر في الترسيم إلى يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان فطلب إلى القلعة فطلع وفي رقبته جنزير ثم أعيد إلى الترسيم من غير جنزير وقد أشيع أنه وقع في حق قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوي بأمور شنعة ودام في الترسيم إلى ما يأتي ذكره‏.‏
ثم في يوم الأربعاء رابع عشر شعبان المذكور أخرج أبو الخير النحاس المذكور من البرج منفيًا إلى البلاد الشامية ورسم بحبسه بقلعة الصبيبة فنزل على حالة غير مرضية وهو أنه أركب على حمار وفي رقبته باشة وجنزير وموكل به جماعة من الجبلية شقوا به شارع القاهرة إلى أن أخرج من باب النصر والمشاعلي ينادي عليه‏:‏ ‏"‏ هذا جزاء من يكذب على الملوك ويأكل مال الأوقاف ‏"‏ ونحو ذلك ورسم السلطان أن يفعل به ذلك في كل بلد يمر بها إلى أن يصل إلى محبسه‏.‏
ثم في يوم الخميس خامس عشره استقر الأمير حاج إينال اليشبكي أحد مقدمي الألوف بدمشق في نيابة حماة عوضًا عن سودون الأبوبكري المؤيدي بحكم عزله وتوجهه على إقطاع حاج إينال المذكور بدمشق‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء العشرين من شعبان المذكور جلس السلطان بالحوش وأحضر القضاة ثم أحضر والي القاهرة أبا عبد الله التريكي المغربي - وكان التريكي قد أقام قبل ذلك ببيت القاضي الشافعي أيامًا - فلما مثل التريكي بين يدي السلطان سأل السلطان قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوي الشافعي عن أمر التريكي وما وجب عليه فقال‏:‏ ‏"‏ ثبت عليه عند نائبي نجم الدين بن نبيه لمولانا السلطان عشرة آلاف دينار ‏"‏ وقام ابن النبيه في الحال وأخبر السلطان بذلك فنهر السلطان القاضي الشافعي عند مقالته عشرة آلاف دينار وقال‏:‏ ‏"‏ ما أسأل إلا عن ما وجب عليه من التعزير‏.‏ إيش العشرة آلاف دينار ‏"‏‏.‏
ولم تحسن مقالة القاضي الشافعي بهذا القول ببال أحد ثم أجاب ابن النبيه بأن قال‏:‏ ‏"‏ أما المال فقد ثبت عندي وأما التعزير فهو إلى القاضي شمس الدين بن خيرة أحد نواب الحكم ‏"‏‏.‏ فقال ابن خيرة‏:‏ ‏"‏ حكمت عليه بتغريبه سنتين وأما التعزير فلمولانا السلطان على ما وقع منه من الأيمان الحانثة ‏"‏‏.‏ فلما سمع السلطان كلام ابن خيرة أمر بالتريكي فطرح على الأرض وضرب ضربًا مبرحًا يزيد على مائتي عصاة وأقيم فتكلم فيه ابن النبيه أيضًا وأحضر محضرًا مكتتبًا عليه بدمشق بواقعة وقعت له في أيام حكمه بدمشق فأمر به السلطان ثانيًا فضرب نحوًا مما ضرب أولًا‏.‏
واختلفت الأقوال في عدة ما ضرب فأكثر ما قيل ستمائة عصاة وأقل ما قيل أربعمائة‏.‏ ثم أنزلوه إلى بيت والي القاهرة فأقام في حبس الرحبة إلى يوم الأربعاء خامس شهر رمضان فأخرج من الحبس وفي رقبته الجنزير ماشيًا إلى بيت الوالي بين القصرين ثم ركب من هناك وأخرج منفيًا في الترسيم إلى المغرب إلى يومنا هذا‏.‏
ثم في يوم السبت ثامن شهر رمضان سافر محب الدين بن الشحنة قاضي قضاة حلب من القاهرة بعدما أقام بها شهرًا وقاسى من الذل والبهدلة أنواعًا ورسم عليه غير مرة وأخرجت عنه وظيفتا كتابة سر حلب ونظر جيشها‏.‏ وقد استوعبنا أحوال ابن الشحنة هذا في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ‏"‏ مستوفاة من مبدأ أمره إلى يوم تاريخه مما وقع له بحلب ومصر وغيرهما من الأمور الشنعة وسوء السيرة وما وقع له من التراسيم عليه وغير ذلك‏.‏
ثم في أواخر هذا الشهر رسم السلطان بإخراج نصف إقطاع جانبك النوروزي المعروف بنائب بعلبك للسيفي بردبك التاجي وكلاهما مقيم بمكة وكان هذا الإقطاع أصله بين جانبك المذكور وبين تغري برمش نائب القلعة فلما نفي تغري برمش أنعم السلطان عليه بنصيبه إلى يوم تاريخه فأخرجه عنه‏.‏ ثم في يوم الخميس رابع شوال استقر الأمير تغري بردي الظاهري المعروف بالقلاوي وزيرًا بالديار المصرية مضافًا لما بيده من كشف الأشمونين والبلاد الجيزية عوضًا عن الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم بحكم استعفائه عن الوزارة‏.‏
وأنعم السلطان على تغري بردي المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية وهو الإقطاع الذي كان أنعم به السلطان على ولده المقام الفخري عثمان بعد ألطنبغا اللفاف ليستعين تغري بردي المذكور بالإقطاع على كلف الدولة وكانت خلعة تغري بردي المذكور بالوزارة أطلسين متمرًا ثم فوقانيًا بطرز زركش عريض مثال خلعة الأتابكية بالديار المصرية‏.‏
وخلع السلطان على زين الدين فرج أبن ماجد ابن النحال كاتب المماليك السلطانية بوظيفة نظر الدولة مضافًا لكتابة المماليك‏.وفي يوم الاثنين تاسعه عملت الخدمة السلطانية بالدهيشة من الحوش ورسم السلطان بأن تكون الخدمة دائمًا في يومي الاثنين والخميس بها كل ذلك لضعف حركة السلطان وهو يكتم ما به من الألم‏.‏
وفي يوم الثلاثاء عاشره استقر قاني باي طاز السيفي بكتمر جلق في نيابة قلعة صفد بعد شغورها أشهرًا من يوم مات الجمالي يوسف بن يغمور‏.‏ وفي هذا اليوم أيضًا وصل المقام الغرسي خليل ابن الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق من ثغر الإسكندرية وقد رسم له بالتوجه إلى الحجاز لقضاء الفرض وطلع إلى السلطان فأكرمه السلطان إلى الغاية وهذا شيء لم يسمع بمثله من أن ابن السلطان وله شوكة يمكن من سفر الحجاز فلله دره من ملك‏.‏
وقد حكينا طلوعه إلى القلعة واجتماعه بالسلطان في ذهابه وإيابه في ‏"‏ الحوادث ‏"‏ بأطول من هذا‏.‏ وفي يوم الأربعاء ثامن عشره ورد الخبر بقتل طوغان السيفي آقبردي المنقار نائب الكرك على ثم في يوم تاسع عشره برز الأمير دولات باي المحمودي الدوادار الكبير أمير حاج المحمل بالمحمل وكان الحاج في هذه السنة ركبًا واحدًا وهذه حجة دولات باي المذكور الثانية أمير الحاج‏.‏
فلما خرج دولات باي إلى بركة الحاج رسم له بأن يجعل دواداره فارس أمير الركب الأول ووقع ذلك‏.‏ وسافر ابن الملك الناصر صحبة المحمل‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء رابع عشرين شوال رسم السلطان لطقتمر البارزي رأس نوبة الجمدارية أن يتوجه إلى القدس الشريف لإحضار الأمير يشبك الصوفي المؤيدي منه إلى القاهرة ليتجهز ثم يعود إلى دمشق أتابكًا بها عوضًا عن خير بك المؤيدي الأجرود‏.‏ ورسم السلطان أيضًا لطقتمر المذكور أن يتوجه إلى دمشق ويقبض على أتابكها خيربك المذكور ويحمله إلى سجن الصبيبة‏.‏ وفيه أيضًا رسم بنقل الأمير يشبك طاز المؤيدي من حجوبية طرابلس إلى نيابة الكرك عوضًا عن طوغان المقتول قبل تاريخه‏.‏
واستقر عوضه في حجوبية طرابلس مغلباي البجاسي أحد أمراء طرابلس كان ثم نائب قلعة الروم‏.‏ واستقر في نيابة قلعة الروم ناصر الدين محمد والي الحجر بقلعة حلب‏.‏ ثم في يوم الأحد سادس ذي القعدة من سنة ست وخمسين المقدم ذكرها حبس السلطان تقي الدين عبد الرحمن بن حجي بن عز الدين قاضي قضاة الشافعية بطرابلس بحبس المقشرة فحبس بها بعد أن نودي عليه وهو على حمار بشوارع القاهرة‏:‏ ‏"‏ هذا جزاء من يزور المحاضر‏!‏ ‏"‏‏.‏ ثم أمر السلطان من وقته بحبس ماماي السيفي بيبغا المظفري أحد الدوادارية بالبرج من قلعة الجبل لاتهامه بالغرض مع التقي المذكور وكان ماماي المذكور هو المتوجه إلى طرابلس للكشف عن أحوال ابن عز الدين المقدم ذكره‏.‏
واستمر ماماي بالبرج إلى يوم الاثنين سابع ذي القعدة فأطلق ورسم بنفيه إلى مدينة حماه واستقر في وظيفة ماماي الدوادارية قانصوه الظاهري جقمق‏.‏
ثم في يوم الخميس عاشره وصل الأمير يشبك الصوفي من القدس إلى القاهرة وطلع إلى القلعة وقبل الأرض‏.‏ وفيه رسم بالإفراج عن جانبك المحمودي من حبس المرقب وأن يتوجه إلى طرابلس بطالًا‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثامن عشرينه خلع السلطان على الأمير يشبك الصوفي باستقراره أتابك عساكر دمشق وسافر في يوم الخميس ثاني ذي الحجة‏.‏ ثم في يوم الخميس سادس عشر ذي الحجة استقر القاضي حسام الدين محمد بن تقي الدين عبد الرحمن بن بريطع قاضي قضاة الحنفية بحلب عوضًا عن محب الدين ابن الشحنة بعد أن وقع لابن الشحنة المذكور أمور مذكورة في ‏"‏ الحوادث ‏"‏ بتمامها وكمالها‏.‏
وفي يوم الاثنين عشرينه استقر أسنبغا مملوك ابن كلبك نائب القدس وناظره بعد موت أمين وفي يوم الثلاثاء حادي عشرينه تكلم الأمير الوزير تغري بردي القلاوي مع السلطان في عزل فرج ابن النحال عن نظر الدولة فعزله وأبقى معه كتابة المماليك على عادته‏.‏ ابتداء مرض موت السلطان ولما كان يوم الجمعة رابع عشرينه حضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة بجامع القلعة على العادة وهو متوعك‏.‏
فلما انقضت الصلاة وخرج من الجامع غشي عليه فأرجف في القاهرة بموته وتكلم الناس بذلك‏.‏ فأصبح من الغد في يوم السبت خامس عشرينه وحضر الخدمة في الدهيشة من القلعة وحضر جميع أكابر الأمراء والخاصكية بغير كلفتاة وعلم السلطان على قصص كثيرة‏.‏ ومن غريب الاتفاق ما وقع له أنه لما خرج إلى الدهيشة ورأى الناس وقوفًا قال‏:‏ ‏"‏ سبحان الحي الذي لا يموت‏!‏ ‏"‏ فحسن ذلك ببال الناس كثيرًا عفا الله عنه‏.‏
ثم أصبح في يوم الأحد سادس عشرين ذي الحجة فركب من القلعة ونزل إلى بيت بنته زوجة الأمير أزبك من ططخ الساقي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة غير أنه لم يطل الجلوس عندها وعاد إلى القلعة من وقته وكان سكن أزبك المذكور يومئذ في الدار الذي خلف حمام بشتك وهي الآن ملك شخص من أصاغر المماليك الأشرفية لا أعرفه إلا في هذه الدولة‏.‏
ثم في يوم الاثنين سابع عشرين ذي الحجة عمل السلطان الموكب بالحوش لقصاد جهان شاه بن قرا يوسف متملك تبريز وغيرها‏.‏
وكان قدوم القصاد المذكورين لإعلام السلطان بأن جهان شاه المذكور كسر عساكر بابور بن باي سنقر بن شاه رخ بن تيمورلنك وأنه استولى على عدة بلاد من ممالكه وأن عساكر جغتاي ضعف أمرهم لوقوع الوباء في خيولهم ومواشيهم‏.‏ ثم في يوم الأربعاء تاسع عشرينه ضرب السلطان بعض نواب الحكم الشافعية بيده عشرة عصي لأمر لا يستحق ذلك‏.‏
وفرغت سنة ست وخمسين بعد أن وقع بها فتن كثيرة ببلاد الشرق قتل فيها خلائق لا تدخل تحت حصر استوعبنا غالبها في ‏"‏ حوادث الدهور ‏"‏ كونه موضوعًا لتحرير الوقائع كما أن هذا الكتاب وظيفته الإطناب في تراجم ملوك مصر‏.‏
ومهما ذكرناه بعد ذلك من الوقائع يكون على سبيل الاستطراد وتكثير الفوائد لا غير‏.‏
واستهلت سنة سبع وخمسين وثمانمائة بيوم الجمعة والسلطان الملك الظاهر جقمق صاحب الترجمة متوعك غير أنه يتجلد ولا ينام على الفراش وأيضًا لم يكن على وجهه علامات مرض الموت إلا أنه غير صحيح البدن وكان له على ذلك أشهر كثيرة من أواخر سنة خمس وخمسين وثمانمائة - انتهى‏.‏
قلت‏:‏ ويحسن ببالي أن أذكر في أول‏.‏ هذه السنة جميع أسماء أرباب الوظائف بالديار المصرية وغيرها ليعلم بذلك فيما يأتي كيف تقلبات الدهر وتغيير الدول‏.‏ فأقول‏:‏ استهلت سنة سبع وخمسين وخليفة الوقت القائم بأمر الله حمزة والقاضي الشافعي شرف الدين يحيى المناوي والقاضي الحنفي سعد الدين سعد الديري والقاضي المالكي ولي الدين محمد السنباطي والقاضي الحنبلي بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادي وأتابك العساكر إينال العلائي الناصري وأمير سلاح جرباش الكريمي الظاهري برقوق المعروف بقاشق وأمير مجلس تنم من عبد الرزاق المؤيدي والأمير آخور الكبير قاني باي الجاركسي ورأس نوبة النوب أسنبغا الناصري الطياري والدوادار الكبير دولات باي المحمودي المؤيدي وحاجب الحجاب خشقدم من ناصر الدين المؤيدي وباقي مقدمي الألوف أربعة‏:‏ أعظمهم المقام الفخري عثمان ابن السلطان ثم الأمير تنبك البردبكي الظاهري برقوق المعزل عن الحجوبية والأمير طوخ من تمراز الناصري والأمير جرباش المحمدي الناصري المعروف بكرد والجميع أحد عشر مقدمًا بأقل من النصف عما كان قديمًا‏.‏
وأرباب الوظائف من الطبلخانات والعشرات‏:‏ شاد الشراب خاناه يونس الأقبائي البواب أمير طبلخاناه والخازندار قراجا الظاهري جقمق أمير طبلخاناه والزردكاش لاجين الظاهري جقمق أمير عشرة ونائب القلعة يونس العلائي الناصري أمير عشرة والحاجب الثاني نوكار الناصري أمير عشرة ووظيفة أمير جاندار بطالة يليها بعض الأجناد السكات عن ذكره أجمل وأستادار الصحبة سنقر الظاهري أمير عشرة‏.‏ وهذه الوظائف كان قديمًا يليها مقدمو الألوف ويستدل على ذلك من خلعهم في الأعياد وغيرها - انتهى‏.‏
والأمير آخور الثاني يرشباي الإينالي المؤيدي أمير طبلخاناه ورأس نوبة ثاني جانبك القرماني الظاهري برقوق أمير طبلخاناه والدوادار الثاني تمربغا الظاهري جقمق أمير عشرة غير أن معه زيادات كثيرة والمهمندار بعض الأجناد ووالي القاهرة جانبك اليشبكني أمير عشرة والزمام والخازندار فيروز الطواشي الرومي النوروزي أمير طبلخاناه ومقدم المماليك مرجان العادلي المحمودي الحبشي أمير عشرة ونائبه عنبر خادم نور الدين الطنبذي‏.‏
ومباشرو الدولة‏:‏ كاتب السر القاضي محب الدين محمد بن الأشقر وناظر الجيش والخاص عظيم الدولة ومدبرها الجمالي يوسف ابن كاتب جكم والوزير الصاحب أمين الذين إبراهيم بن الهيصم والأستادار زين الدين يحيى الأشقر المعروف بابن كاتب حلوان وبقريب ابن أبي الفرج وهو على زي الكتاب ولهذا لم نذكره في الأمراء ومحتسب القاهرة يرعلي الخراساني العجمي الطويل‏.‏
ونواب البلاد الشامية‏:‏ نائب الشام جلبان الأمير آخور ونائب حلب قاني باي الحمزاوي ونائب طرابلس يشبك النوروزي ونائب حماة حاج إينال اليشبكي ونائب صفد بيغوت الأعرج المؤيدي ونائب غزة جانبك التاجي المؤيدي ونائب الكرك يشبك طاز المؤيدي ونائب الإسكندرية برسباي السيفي تنبك البجاسي أمير عشرة وهؤلاء هم أعيان النواب ومن يطلق في حق كل منهم ملك الأمراء‏.‏ ولا عبرة بولاية الوجه القبلي الآن وباقي نواب القلاع والبلاد الشامية فكثير - انتهى‏.‏
ثم في يوم الخميس سابع محرم سنة سبع وخمسين المذكورة أرجف في القاهرة بموت السلطان‏.‏ فلما كان يوم السبت تاسع المحرم خرج السلطان من قاعة الدهيشة ماشيًا على قدميه حتى جلس على مرتبة من غير أن يستعين بأحد في مشيه ولا استند في مجلسه بل جلس على مرتبته وعلم على عدة مناشير‏.‏ وأطلت أنا النظر في وجهه فلم أر عليه علامات تدل على موته بسرعة‏.‏ ثم قام وعاد إلى القاعة ولم يخرج بعدها إلى الدهيشة‏.‏ واستمر متمرضًا بالقاعة المذكورة والناس تخلط في الكلام بسبب مرضه والأقوال تختلف في أحوال المملكة‏.‏
على أن السلطان في جميع مرضه غير منحجب عن الناس وأرباب الدولة تتردد إليه بالقاعة المذكورة وهو يعلم في كل يوم في الغالب على المناشير والقصص وينفذ بعض الأمور إلا أن فرضه في تزايد وهو يتجلد‏.‏ إلى أن كان يوم الأربعاء العشرون من المحرم فوصل الأمير جانبك النوروزي من مكة المشرفة ودخل إلى السلطان وقبل له الأرض ثم قبل يده وخرج وخرجنا جميعًا من عنده وقد اشتد به المرض وظهر عليه أمارات رديئة تدل على موته بعد أيام غير أنه صحيح العقل والفهم والحركة‏.‏
ثم بعد خروجنا من عنده تكلم السلطان في هذا اليوم مع بعض خواصه في خلع نفسه من السلطنة وسلطنة ولده المقام الفخري عثمان في حياته فروجع في ذلك فلم يقبل ورسم بإحضار الخليفة والقضاة والأمراء من الغد بالدهيشة‏.‏ فلما كان الغد وهو يوم
الخميس حادي عشرون محرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة حضر الخليفة والقضاة وجميع الأمراء وفي ظن الناس أنه يعهد لولده عثمان بالملك من بعده كما هي عادة الملوك‏.‏ فلما حضر الخليفة والقضاة عنده بعد صلاة الصبح خلع نفسه من السلطنة وقال للخليفة والقضاة‏:‏ الأمر لكم انظروا فيمن تسلطنوه أو معنى ذلك لعلمه أنهم لا يعدلون عن ولده عثمان فإنه كان أهلا للسلطنة بلا مدافعة‏.‏ وأراد أيضًا بهذا القول أنه قد خلع نفسه وأنه يموت غير سلطان وأنه أيضًا لا يتحمل بوزر ولاية ولده المذكور فكان مقصده جميلًا في القولين رحمه الله تعالى‏.‏
فلما سمع الخليفة كلام السلطان لم يعدل عن المقام الفخري عثمان لما كان اشتمل عليه عثمان المذكور من العلم والفضل وإدراكه سن الشبيبة وبايعه بالسلطنة وتسلطن في يوم الخميس المذكور حسبما نذكره إن شاء الله تعالى في أول ترجمته من هذا الكتاب‏.‏ واستمر الملك الظاهر مريضًا ملازمًا للفراش وابنه الملك المنصور يأخذ ويعطي في مملكته ويعزل ويولي والملك الظاهر في شغل بمرضه وما به من الألم في زيادة إلى أن مات في قاعة الدهيشة الجوانية بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء ثالث صفر من سنة سبع وخمسين وثمانمائة المقدم ذكرها‏.‏
وقرىء حوله القرآن العزيز إلى أن أصبح وجهز وغسل وكفن من غير عجلة ولا اضطراب حتى انتهى أمره وحمل على نعشه وأخرج به وأمام نعشه ولده السلطان الملك المنصور عثمان ماشيًا وجميع أعيان المملكة‏.‏ وساروا أمام نعشه بسكون ووقار إلى أن صلي عليه بمصلاة باب القلة من قلعة الجبل وصلى عليه الخليفة القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة وخلفه السلطان والقضاة وجميع الأمراء والعساكر‏.‏ ثم حمل بعد انقضاء الصلاة عليه وانزل من القلعة حتى دفن بتربة أخيه الأمير جاركس القاسمي المصارع التي جددها مملوكه قاني باي الجاركسي بالقرب من دار الضيافة تجاه سور القلعة‏.‏
ولم يشهد ولده الملك المنصور دفنه وعاد إلى القلعة من المصلاة‏.‏
وشهد دفنه خلائق وقعد الناس في الطرقات لمشاهدة مشهده وكان مشهده عظيمًا إلى الغاية بخلاف جنائز الملوك السالفة ولعل هذا لم يقع لملك قبله كل ذلك لكونه سلطن ولده في حياته ثم مات بعد ذلك بأيام فلهذا كانت جنازته على هذه الصورة‏.‏ ومات الملك الظاهر وسنه نيف على ثمانين سنة تخمينًا ولم يخلف بالحواصل ولا الخزائن إلا نزرًا يسيرًا يستحى من ذكره بالنسبة لما تخلفه الملوك وكذلك في جميع تعلقات السلطنة من الخيول والجمال والسلاح والقماش كل ذلك من كثرة بذله وعطائه‏.‏
وكانت مدة ملكه من يوم تسلطن بعد خلع الملك العزيز يوسف في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة إلى أن خلع نفسه بولده الملك المنصور عثمان في الثانية من نهار الخميس الحادي والعشرين من محرم سنه سبع وخمسين وثمانمائة أربع عشرة سنة وعشرة شهور ويومين وتوفي بعد خلعه من السلطنة باثني عشر يومًا‏.‏
ووقع له في سلطنته غرائب لم تقع لأحد قبله إلا نادرًا جدًا منها ركوبه وهو أتابك على الملك العزيز يوسف وقتاله له وانتصاره عليه ولا نعرف أحدًا قبله من الأمراء ركب على السلطان ووقف بالرملة والسلطان بقلعة الجبل وانتصر عليه غيره فإن قيل‏:‏ واقعة الناصري ومنطاش مع الملك الظاهر برقوق فليس ذاك مما نحن فيه من وجوه عديدة لا يحتاج إلى ذكرها‏.‏
وإن قيل‏:‏ نصرة منطاش وملكه لباب السلسلة فنقول‏:‏ كان ركوب منطاش على رفيقه يلبغا الناصري ومنها أنه سلم عليه بالسلطنة ثلاثة خلفاء من بني العباس ولم يقع ذلك لملك قبله من ملوك مصر‏.‏ ومنها أنه اجتمع له قضاة أربعة في عصر واحد لم يجتمع مثلهم لغيره من ملوك مصر وهم قاضي القضاة شهاب الدين بن حجر الشافعي حافظ المشرق والمغرب‏:‏ كان فردًا في معناه لا يقاربه في علم الحديث أحد في عصره وقاضي القضاة شيخ الإسلام سعد الدين سعد الديري الحنفي‏:‏ كان فقيه عصره شرقًا وغربًا لا يقاربه أحد في حفظ مذهبه واستحضاره مع مشاركته في علوم كثيرة والعلامة قاضي القضاة شمس الدين البساطي المالكي‏:‏ كلان إمام عصره في علمي المعقول والمنقول قد انتهت إليه الرئاسة في علوم كثيرة ومات ولم يخلف بعده مثله وقاضي القضاة شيخ الإسلام محب الدين أحمد الحنبلي البغدادي‏:‏ كان أيضًا إمام عصره وعالم زمانه انتهت إليه رئاسة مذهبه بلا مدافعة‏.‏
ومنها أنه أقام في ملك مصر هذه المدة الطويلة لم يتجرد فيها تجريدة واحدة إلى البلاد الشامية غير مرة واحدة في نوبة الجكمي في أوائل سلطنته وهذا أيضًا لم يقع لملك قبله‏.‏ ومنها أنه أذن للغرسي خليل ابن السلطان الملك الناصر فرج بالحج فقدم القاهره وحج وعاد مع عظم شوكته من مماليك أبيه وجده الملك الظاهر برقوق وهذا شيء لم يقع مثله في دولة من الدول‏.‏
ومنها ابنه المقام الناصري محمد رحمه الله تعالى‏:‏ من غزير علمه وكثرة فضائله فإننا لا نعلم أحدًا من ملوك الترك رزق ولدًا مثله بل ولا يقاربه ولا يشابهه مما كان اشتمل عليه من العلم والفضل والمعرفة التامة وحسن السمت وجودة التدبير ولا نعرف أحدًا من أولاد السلاطين من هو في هذا المقام قديمًا وحديثًا حتى ولو قلت‏:‏ ولا من بني أيوب ممن ملكوا مصر لكان يصدق قولي ومن كان من بني أيوب له فضيلة تامة غير الملك المعظم عيس ابن الملك الكامل والملك المؤيد إسماعيل صاحب حماه وهما كانا بالبلاد الشامية - انتهى‏.‏
وقد استوعبنا أحوال الملك الظاهر هذا من مبدأ أمره إلى آخره محررًا بالشهر واليوم في جميع ما وقع له من ولاية وعزل وغريبة وعجيبة في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ‏"‏ فلينظر هناك‏.‏ وما ذكرناه هنا جميعه نوع من تكثير الفائدة لا القصة على جليتها بل نشير بذكرها إعلامًا لوقت واقعتها لا غير‏.‏
وكان الملك الظاهر سلطانًا دينًا خيرًا عفيفًا صالحًا فقيهًا شجاعًا مقدامًا عارفًا بأنواع الفروسية عفيفًا عن المنكرات والفروج لا نعلم أحدًا من ملوك مصر في الدولة الأيوبية ولا التركية على طريقته في ذلك‏.‏
لم يشهر عنه في صغره ولا في كبره أنه تعاطى مسكرًا ولا منكرًا حتى قيل إنه لم يكتشف حرامًا قط‏.‏ وأما حب الشباب فلعله كان لا يصدق أن أحدًا يقع في ذلك لبعده عن معرفة هذا الشأن‏.‏ وكان جلوسه في غالب أوقاته على طهارة كاملة‏.‏ وكان متقشفًا في ملبسه ومركبه إلى الغاية لم يلبس الأحمر من الألوان في عمره منذ علم بكراهيته‏.‏
ولم أره منذ تسلطن لبس كاملية بفرو وسمور وبمقلب سمور غير مرة واحدة وأما الركوب بالسرج الذهب والكنبوش الزركش فلم يفعله إلا يوم ركوبه بأبهة السلطنة لا غير‏.‏ وكان ما يلبسه أيام الصيف وما على فرسه من آلة السرج وغيره لا يساوي عشرة دنانير مصرية‏.‏ وكان معظمًا للشريعة محبًا للفقهاء وطلبة العلم وما وقع منه من الإخراق ببعضهم وحبسهم بحبس المقشرة فلا نقول‏:‏ كان ذلك بحق بل نقول‏:‏ الحاكم يجتهد ثم يقع منه الصواب والخطأ فإن كان ما فعله بحق فقد أصاب وإن كانت الأخرى فقد أخطأ وأعيب عليه ذلك‏.‏
الطويل ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها كفى المرء فخرًا أن تعد معايبه وكان معظمًا للسادة الأشراف وكان يقوم لمن دخل عليه من الفقهاء والفقراء كائنًا من كان‏.‏ وإذا قرأ عنده أحد فاتحة الكتاب نزل عن مدورته وجلس على الأرض إجلالًا لكلام الله تعالى‏.‏ وكان كريمًا جدًا يجود بالمال حتى نسب إلى السرف‏.‏ وكان ينعم بالعشرة آلاف دينار إلى ما دونها‏.‏
وكان ممن أنعم عليه بعشره آلاف دينار الأتابك قرقماس الشعباني وأما دون ذلك من الألف إلى المائة فدوامًا طول دهره لا يمل من ذلك حتى إنه أتلف في أيام سلطنته من الأموال ما لا يدخل تحت حصر كثرة ويكفيك أنه بلغت نفقاته على المماليك وصلات الأمراء والتراكمين وغيرهم وفي أثمان مماليك اشتراهم وتجاريد جردها في مدة أولها موت الملك الأشرف برسباي وآخرها سلخ سنة أربع وأربعين وثمانمائة وذلك مدة ثلاث سنين مبلغ ثلاثة آلاف ألف دينار ذهبًا مصريًا وذلك خلاف الخلع والخيول والقماش والسلاح والغلال وخلاف جوامك المماليك ورواتبهم المعتادة‏.‏
وكان لا يلبس إلا القصير من الثياب ونهى الأمراء وأكابر الدولة وأصاغرها عن لبس الثوب الطويل وأمعن في ذلك حتى إنه بهدل بسبب ذلك جماعة من أعيان الدولة وعاقب جماعة من الأصاغر وقص أثواب آخرين في الملأ من الناس‏.‏ وكان أيضًا يوبخ من لا يحف شاربه من الأتراك وغيرهم‏.‏ وفي الجملة أنه كان آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر مع سرعة استحالة وحدة مزاج وبطش‏.‏ وكان غالب ما يقع منه من الإخراق بالناس يكون بحسب الواسطة من حواشيه فإنه كان مهما ذكروه له قبله منهم وأخذه على طريق الصدق والنصيحة لسلامة باطنه وأيضًا على قاعدة الأتراك من كون الحق عندهم لمن سبق‏.‏
وبالجملة فكانت محاسنه أكثر من مساوئه وهو أصلح من ولي ملك مصر من طائفته في أمر الدين والتقوى فإنه كان قمع المفسدين والجبارين من كل طائفة وكسدت في أيامه أحوال أرباب الملاهي والمغاني وتصولح غالب أمرائه وجنده وبقي أكثرهم يصوم الأيام في الشهر ويعف عن المنكرات كل ذلك مراعاة لخاطره وخوفًا من بطشه‏.‏
وهذا كله بخلاف ما كان عليه كثير من الملوك السالفة فإنه كان غالبهم يقع فيما ينهى عنه فكيف يصير للنهي عنه بعد ذلك محل ومن عظم ذلك قال بعض الفضلاء الظرفاء‏:‏ نابت هذه الدولة عن الموت في هدم اللذات والأيام الطيبة ‏"‏‏.‏ ولم يبق في دولته ممن يتعاطى المسكرات إلا القليل وصار الذي يفعل ذلك يتعاطاه في خفية ويرجفه في تلك الحالة صفير الصافر‏.‏
وكانت صفته قصيرًا للسمن أقرب أبيض اللون مشربًا بحمرة صبيح الوجه منور الشيبة فصيحًا باللغة التركية وباللغة العربية لا بأس به بالنسبة لأبناء جنسه وكان له اشتغال في العلم ويستحضر مسائل جيدة ويبحث مع العلماء والفقهاء ويلازم مشايخ القراءات ويقرأ عليهم دوامًا‏.‏
وكان يقتني الكتب النفيسة ويعطي فيها الأثمان الزائدة عن ثمن المثل‏.‏ وكان يحب مجالسة الفقهاء ويكره اللهو والطرب ينفر منهما بطبعه‏.‏ وكان يتجنب المزاح وأهله ولا يميل للتجمل في الملبس ويكره من يفعله في الباطن‏.‏ وكانت أيامه آمنة من عدم الفتن والتجاريد ولشدة حرمته‏.‏ وخلف من الأولاد الذكور واحدًا وهو ولده الملك المنصور عثمان وأمه أم ولد رومية وابنتين‏:‏ الكبرى أمها خوند مغل بنت القاضي ناصر الدين بن البارزي وزوجها السلطان لمملوكه أزبك من ططخ الساقي والصغرى بكر وأمها أم ولد جاركسية ماتت قديمًا‏.‏
ذكر من عاصره من الخلفاء‏:‏ أولهم أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داؤد إلى أن توفي يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين حسبما يأتي ذكره في الوفيات هو وغيره والمستكفي بالله سليمان إلى أن مات في يوم الجمعة ثاني محرم سنة خمس وخمسين والقائم بأمر الله حمزة والثلاثة إخوة‏.‏ الشافعية‏:‏ الحافظ شهاب الدين ابن حجر غير مرة إلى أن توفي وهو معزول في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وقاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني غير مرة ثم قاضي القضاة شمس الدين محمد القاياتي إلى أن مات في أوائل سنة خمسين ثم قاضي القضاة ولي الدين محمد السفطي وعزل وامتحن ثم قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوي‏.‏
والحنفية‏:‏ شيخ الإسلام سعد الدين سعد الديري ولي في الدولة العزيزية ومات الملك الظاهر وهو قاض‏.‏ والمالكية‏:‏ العلامة قاضي القضاة شمس الدين محمد البساطي إلى أن مات في ليلة ثالث عشر شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين ثم قاضي القضاة بدر الدين محمد بن التنسي إلى أن مات بالطاعون في أواخر يوم الأحد ثاني عشر صفر ثلاث وخمسين ثم قاضي القضاة ولي الدين محمد السنباطي ومات وهو قاضي الحنابلة‏:‏ شيخ الإسلام محدث الدين أحمد البغدادي إلى أن مات في الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى سنة أربع وأربعين ثم قاضي القضاة بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادي ومات وهو قاض رحمه الله‏.‏
ذكر من ولي في أيامه الوظائف السنية من الأمراء‏:‏ وظيفة الأتابكية بالديار المصرية‏:‏ وليها من بعده الأتابك قرقماس الشعب الناصري أياما يسيرة دون نصف شهر ثم من بعده الأتابك آقبغا التمرازي أشهرًا ونقل إلى نيابة دمشق ومات في سنة ثلاث وأربعين بدمشق ثم الأتابك يشبك السودوني المعروف بالمشد إلى أن مات في سنة تسع وأربعين ثم الأتابك إينال العلائي الناصري‏.‏ وظيفة إمرة سلاح‏:‏ وليها آقبغا التمرازي أيامًا يسيرة ثم من بعده يشبك السودوني المقدم ذكره أشهرًا ثم تمراز القرمشي أمير سلاح إلى أن توفي بالطاعون في صفر سنة ثلاث وخمسين ثم جرباش الكريمي المعروف بقاشق‏.‏
وظيفة إمرة مجلس‏:‏ وليها يشبك السودوني أيامًا ثم جرباش الكريمي قاشق سنين ثم تنم من عبد الرزاق المؤيدي‏.‏ وظيفة الأمير آخورية الكبرى‏:‏ وليها تمراز القرمشي أشهرًا ثم الأمير قراخجا الحسني سنين إلى أن مات بطاعون سنة ثلاث وخمسين ثم قاني باي الجاركسي‏.‏ وظيفة رأس نوبة النوب‏:‏ وليها تمراز القرمشي ثم من بعده قراخجا الحسني ثم تمرباي التمربغاوي إلى أن مات بطاعون سنة ثلاث وخمسين ثم أسنبغا الناصري الطياري‏.‏ وظيفة حجوبية الحجاب‏:‏ باشرها يشبك السودوني أيامًا ثم من بعده تغري بردي البلكمشي المؤيدي أشهرًا ثم تنبك البردبكي الظاهري برقوق سنين إلى أن نفي في سنة أربع وخمسين إلى دمياط ثم خشقدم من ناصر الدين المؤيدي‏.‏
وظيفة الدوادارية الكبرى‏:‏ باشرها في أوائل دولته أركماس الظاهري أشهرًا إلى أن نفي إلى ثغر دمياط ثم من بعده تغري بردي المؤيدي البكلمشي إلى أن مات في سنة ست وأربعين ثم إينال العلائي الناصري إلى أن نقل منها إلى الأتابكية ثم قاني باي الجاركسي إلى أن نقل إلى أمير آخورية ثم دولات باي المحمودي المؤيدي إلى أن قبض عليه في دولة المنصور عثمان‏.‏
كتابة السر‏:‏ باشرها الصاحب بدر الدين بن نصر الله أشهرًا ثم المقر الكمالي ابن البارزي إلى أن مات في يوم الأحد سادس عشرين صفر سنة ست وخمسين ثم القاضي محب الدين بن الأشقر‏.‏ وظيفة نظر الجيش‏:‏ الزيني عبد الباسط بن خليل الدمشقي إلى أن مسك وصودر ثم القاضي محب الدين بن الأشقر ثم القاضي بهاء الذين محمد بن حجي ثم ابن الأشقر ثانيًا إلى أن نقل إلى كتابة السر ثم عظيم الدولة الجمالي يوسف مضافًا إلى نظر الخاص وتدبير المملكة‏.‏
الوزارة‏:‏ باشرها الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخات سنين ثم الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم أيضًا سنين ثم الأمير تغري بردي القلاوي الظاهري جقمق‏.‏ وظيفة نظر الخاص‏:‏ باشرها المقر الجمالي من الدولة الأشرفية برسباي إلى يوم تاريخه‏.‏
وظيفة الأستادارية‏:‏ باشرها جانبك الزيني عبد الباسط أشهرًا ثم الناصري محمد بن أبي الفرج نقيب الجيش ثم الأمير قيز طوغان العلائي ثم الزيني عبد الرحمن بن الكويز ثم زين الدين يحيى بن الأشقر المعروف بقريب ابن أبي الفرج‏.‏
أمرائه بمكة والمدينة أمراء مكة المشرفة‏:‏ الشريف بركات بن حسن بن عجلان إلى أن عزل ثم وليها أخوه الشريف علي بن حسن بن عجلان إلى أن قبض عليه وحمل القاهرة ثم وليها أخوه الشريف أبو القاسم بن حسن بن عجلان إلى أن عزل وأعيد الشريف بركات بن حسن بن عجلان‏.‏
أمراء المدينة

‏:‏ الشريف أميان إلى أن عزل ثم الشريف سليمان بن غرير إلى قتل ثم الشريف ضيغم إلى أن قتل أيضًا ثم أعيد الشريف أميان ثانيًا إلى أن توفي سنة خمسين وثمانمائة وولي بعده الشريف زبيري بن قيس‏.‏ ذكر نوابه بالبلاد الشامية‏:‏ فبدمشق‏:‏ الأمير إينال الجكمي إلى أن عصى وقتل ثم الأتابك آقبغا التمرازي إلى أن توفي سنة ثلاث وأربعين ثم الأمير جلبان الأمير آخور‏.‏ وبحلب‏:‏ الأمير حسين بن أحمد المدعو تغري برمش البهسني التركماني أن عصى وقتل ثم جلبان الأمير آخور المقدم ذكره ثم قاني باي الحمزاوي أن عزل ثم برسباي الناصري الحاجب ثم قاني باي البهلوان إلى أن مات ثم من عبد الرزاق المؤيدي إلى أن عزل وأعيد قاني باي الحمزاوي ثانيًا‏.‏
وبطرابلس‏:‏ الأمير جلبان الأمير آخور أشهرًا ونقل إلى نيابة حلب قاني باي الحمزاوي ثم برسباي الناصري الحاجب ثم يشبك الصوفي المؤيدي إلى أن عزل ونفى إلى دمياط ثم يشبك النوروزي‏.‏ وبحماة‏:‏ قاني باي الحمزاوي أشهرًا ثم بردبك العجمي الجكمي إلى أن عزل وحبس بالإسكندرية ثم الأمير قاني باي الناصري البهلوان ثم شاد بك الجكمي‏.‏ إلى أن عزل وتوجه إلى القدس بطالًا ثم الأمير يشبك الصوفي المؤيدي ثم الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي ثم بيغوت الأعرج المؤيدي سودون الأبو بكري المؤيدي حلب إلى أن عزل ثم حاج إينال الجكمي‏.‏
وبصفد‏:‏ الأمير إينال العلائي الناصري الذي تسلطن إلى أن عزل وقدم القاهرة أمير مائة ومقدم ألف بها ثم قاني باي الناصري البهلوان أتابك دمشق ثم بيغوت من صفر خجا الأعرج المؤيدي ثم يشبك الحمزاوي نائب غزة إلى أن توفي ثم أعيد بيغوت ثانيًا بعد أمور وقعت له‏.‏
وبغزة‏:‏ طوخ مازي الناصري إلى أن مات ثم طوخ الأبوبكري المؤيدي إلى أن قتل ثم يلخجا الساقي الناصري إلى أن مات ثم حطط الناصري فرج إلى أن عزل ثم يشبك الحمزاوي دوادار السلطان بحلب ثم طوغان العثماني إلى أن توفي ثم خيربك النوروزي إلى أن عزل ثم جانبك التاجي المؤيدي‏.‏
وبالكرك‏:‏ الصاحب غرس الدين خليل بن شاهين الشيخي إلى أن عزل ثم آقبغا من مامش الناصري التركماني إلى أن عزل وحبس ثم مازي الظاهري برقوق إلى أن عزل ثم حاج إينال الجكمي ثم طوغان السيفي آقبردي المنقار‏.‏
ذكر زوجاته أيام سلطنته‏:‏ أما قبل سلطنته فكثير جدًا وأولهم في أيام سلطنته خوند مغل بنت البارزي تزوجها قبل سنة ثلاثين وطلقها في سنة اثنتين وخمسين ثم زينب بنت جرباش الكريمي قاشق ومات عنها ثم شاه زادة بنت ابن عثمان ملك الروم وطلقها في سنة أربع وخمسين ثم نفيسة بنت ناصر الدين بك ابن دلغادر ماتت في سنة ثلاث وخمسين بالطاعون ثم بنت حمزة بك بن ناصر الدين ابن دلغادر ثم بنت كرتباي الجاركسية قدم بها أبوها من بلاد الجاركس وأسلم على ما قيل ثم عاد إلى بلاده ثم بنت زين الدين عبد الباسط ولم يزل بكارتها تزوجها بعد موت أبيها في سنة خمس وخمسين وثمانمائة‏.‏
السنة الأولى من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة‏.‏
على أن الملك العزيز يوسف بن الملك الأشرف برسباي حكم منها تاسع عشر أشهر ربيع الآخر ثم حكم الملك الظاهر في باقيها وهي سلطنته على مصر على كل حال‏.‏
الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة‏:‏ ثمانية عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏
السنة الثانية من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة ‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وعشرة أصابع مبلغ الزيادة‏:‏ عشرون ذراعًا وأحد عشر إصبعًا‏.‏
السنة الثالثة من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة أربع وأربعين وثمانمائة‏.‏
وكان أصله من مماليك الأمير نوروز الحافظي واتصل بخدمة السلطان فدام على ذلك دهرًا طويلًا لا يلتفت إليه إلى أن أمره الملك الظاهر جقمق عشرة وجعله نائب قلعة الجبل فاستمر على وظيفته إلى أن مات‏.‏
ثم أضاف إليه الملك الظاهر جقمق وظيفة الزمامية بعد عزل فيروز الجاركسي لما تسحب الملك العزيز يوسف من الدور السلطانية حسبما تقدم ذكره‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أفرع وأربعة أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة عشرون ذراعًا وأحد وعشرون إصبعًا‏.‏
السنة الرابعة من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة خمس وأربعين وثمانمائة‏.

وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داؤد ابن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد ابن الخليفة المعتضد بالله أبي بكر ابن الخليفة المستكفي بالله أبي الربيع سليمان ابن الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن حسين بن أبي بكر بن علي بن الحسين ابن الخليفة الراشد بالله منصور ابن الخليفة المقتدي بالله عبد الله ابن الأمير ذخيرة الدين محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله ابن الخليفة القادر بالله أحمد ابن الأمير الموفق ولي العهد طلحة ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدي بالله محمد ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي العباسي المصري في يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول بعد مرض تمادى به أيامًا وحضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه بمصلاة المؤمني ودفن بالمشهد النفيسي‏.‏ وكانت خلافته تسعة وعشرين سنة وأيامًا وتولى الخلافة من بعده أخوه شقيقه المستكفي بالله سليمان بعهد منه إليه‏.‏ وكان المعتضد خليقًا للخلافة سيد بني العباس في زمانه أهلًا للخلافة بلا مدافعة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم عشرة أفرع ونصف‏.‏ مبلغ الزيادة عشرون ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا‏.‏ وكان الوفاء سادس عشرين أبيب‏.‏

السنة الخامسة من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة ست وأربعين وثمانمائة‏.‏
‏أمر النيل في هذه السنة‏::‏ الماء القديم ثمانية أذرع وخمسة أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة عشرون ذراعًا وأحد وعشرون إصبعًا‏.‏
السنة السادسة من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة سبعة وأربعين وثمانمائة‏.‏

في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وثلاثة وعشرون إصبعًا‏.‏
السنة السابعة من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة‏.‏
فيها لهج المنجمون بأن في هذه السنة يكون انقضاء مدة الملك الظاهر جقمق من ملك مصر فإنهم كانوا أجمعوا على أنه لا يقيم في الملك أكثر من سبع سنين‏.‏ وكان هذا القول بعد أقوال كثيرة في مدة ملكه فلم يصدقوا في واحد منها ومضت هذه السنة والسلطان في خير وعافية‏.‏
وفيها كان الطاعون بالديار المصرية وكان مبدأه في ذي الحجة من السنة الخالية وعظم في المحرم من هذه السنة وأوائل صفر ومات فيه عالم كبير جدًا حسبما تقدم ذكره‏.‏
الماء القديم ستة أذرع وخمسة عشر إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وأربعة عشر إصبعًا‏.‏
السنة الثامنة من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة تسع وأربعين وثمانمائة‏.‏
 أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وستة وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا واثنان وعشرون إصبعًا‏
 السنة العاشرة من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة إحدى وخمسين وثمانمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أحد عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وأربعة عشر إصبعًا‏.‏
السنة الحادية عشرة من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وثمانية عشر إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وثلاثة وعشرون

 فيها فشا الطاعون بالديار المصرية وظواهرها وكان ابتدأ من أواخر سنة اثنتين وخمسين في ذي الحجة وعظم إلى أن ارتفع في شهر ربيع الأول ومات فيه عالم كثير من الأعيان من جملتهم ثلاثة أمراء مقدمي ألوف
أمر النيل في هذه السنة ‏:‏ الماء القديم سبعة أذرع وخمسة عشر إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وثلاثة أصابع‏.‏
السنة الثالثة عشرة من سلطنة الظاهر جقمق

فيها كان الشراقي العظيم بمصر والغلاء المفرط المتداول إلى سنة سبع وخمسين وكان ابتداء الغلاء من السنة الخالية لكنه عظم في هذه السنة بوقع الشراقي وتزايد وبلغ سعر القمح إلى ألف درهم الإردب والحمل التبن إلى سبعمائة درهم وقس على ذلك حسبما نذكره في وقته على طول السنين‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وخمسة عشر أصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وسبعة أصابع وهي سنة الشراقي العظيم‏.
السنة الرابعة عشرة من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة خمس وخمسين وثمانمائة‏.‏
وفيها كان تزايد الغلاء حتى خرج عن الحد وبيع القمح بنحو ألف وخمسمائة درهم الإردب والفول والشعير بألف درهم الإردب ثم تزايد بعد ذلك على ما حررناه في الحوادث‏.‏
وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين المستكفي بالله أبو الربيع سليمان ابن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد بالقاهرة في يوم الجمعة ثاني المحرم وقد تقدم ذكر نسبه إلى العباس في ترجمة أخيه المعتضد داود من هذا الكتاب وتولى الخلافة بعده أخوه حمزة بغير عهد منه ولقب بالقائم بأمر الله‏.‏ ونزل السلطان الملك الظاهر للصلاة عليه بمصلاة المؤمني ومشى في جنازته إلى أن شهد دفنه وربما أراد حمل نعشه في طريقه ‏.‏ ومات المستكفي وهو في عشر الستين بعد أن أقام في الخلافة تسع سنين ونحو عشرة أشهر‏.‏ وكان دينًا خيرًا منجمعًا عن الناس بالكلية كثير الصمت قليل الكلام‏.‏ ذكر عنه أخوه أمير المؤمنين المعتضد داود - وكان شقيقه - عندما عهد له بالخلافة في مرض موته أنه لا يعرف عليه كبيرة في مدة عمره
أمر النيل في هذه السنة ‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وأربعة وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا‏.‏
 

**************************************************************************************

 قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 041 من 761 ) : " وقام من بعده الملك الظاهر جقمق في تاسع عشر ربيع المذكور وخلع نفسه من الملك في مرض موته وتولى بعده بعهد ولده‏.‏

============================================================

 

 

 

 

 

Home | برقوق بن آنص191/ 1م.ج | حاجى 192/ 2 م.ج | برقوق بن آنص193/ 3م.ج | فرج194/ 4 م.ج | عبد العزيز195/ 5/ م.ج | فرج 196/ 6 م.ج | سلطان وخليفة 197/ 7م.ج | شيخ198/ 8 م.ج | أحمد 199/ 9 م.ج | ططر 200/ 10 م.ج | محمد ططر201/ 11 م.ج | برسباى 202/ 12 م.ج | يوسف203/ 13 م.ح | جقمق204/ 14 م.ج | عثمان 205/ 15 م.ج | إينال 206/ 16 م.ج | أحمد | خشقدم | يلباى | تمبرغا | قايتباى | الغورى

This site was last updated 03/29/07