Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

سلطنة الأشرف إينال العلائي  206/ 16 م.ج

هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وتبلغ حوالى 30000موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على صفحة الفهرس http://www.coptichistory.org/new_page_598.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر

Home
Up
برقوق بن آنص191/ 1م.ج
حاجى 192/ 2 م.ج
برقوق بن آنص193/ 3م.ج
فرج194/ 4 م.ج
عبد العزيز195/ 5/ م.ج
فرج 196/ 6 م.ج
سلطان وخليفة 197/ 7م.ج
شيخ198/ 8 م.ج
أحمد 199/ 9 م.ج
ططر 200/ 10 م.ج
محمد ططر201/ 11 م.ج
برسباى 202/ 12 م.ج
يوسف203/ 13 م.ح
جقمق204/ 14 م.ج
عثمان 205/ 15 م.ج
إينال 206/ 16 م.ج
أحمد
خشقدم
يلباى
تمبرغا
قايتباى
الغورى

Hit Counter

 

****************************************************************************************

 الجزء التالى عن المماليك الذين حكموا مصر وهم تحت إستعمار الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

****************************************************************************************

 
الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر إينال بن عبد الله العلائي الظاهري سنة 857 هـ .

سلطنة الأشرف إينال العلائي السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر إينال بن عبد الله العلائي الظاهري ثم الناصري‏.‏

ملك الديار المصرية بعد انهزام الملك المنصور عثمان في يوم الأحد سابع شهر ربيع الأول من سنة سبع وخمسين وثمانمائة وطلع إلى باب السلسلة وبات بمبيت الحراقة حسبما ذكرنا إلى أن تسلطن من الغد‏.‏
والملك الأشرف هذا هو السلطان السادس والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية والثاني عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم بها‏.‏
ولما كان صبيحة يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول من سنة سبع وخمسين المذكورة طلع أعيان الدولة والعساكر إلى الإسطبل السلطاني بقماش الموكب وانضموا الجميع بالحراقة من باب السلسلة وقد حضر الخليفة والقضاة الأربعة وسائر أمراء الدولة وبويع الأمير الكبير إينال بالسلطنة ولقب بالملك الأشرف ولبس خلعة السلطنة من مبيت الحراقة بالإسطبل السلطاني في أول ساعة من النهار المذكور بعد طلوع الشمس بنحو ست درجات في ساعة القمر والطالع الحمل‏.‏
وكان بويع بالسلطنة حسبما تقدم ذكره في بيت قوصون قبل أن يملك قلعة الجبل في يوم الأربعاء ثالثة ثم في يوم الجمعة حسبما ذكرنا ذلك في وقته ثم في يوم السبت سادسه ثم في عصر أمسه بعد طلوعه إلى باب السلسلة والعهدة في سلطنته من وقت لبسه الخلعة السوداء الخليفتية وركوبه بشعار الملك‏.‏
ولما تم لبسه خلعة السلطنة من المبيت المذكور خرج منه ومشى حتى ركب فرس النوبة بأبهة السلطنة وشعار الملك وحمل ولده المقام الشهابي أحمد القبة والطير على رأسه حتى طلع إلى القصر السلطاني والأمراء والعساكر مشاة بين يديه ما خلا الخليفة‏.‏
وسار على تلك الهيئة إلى أن وصل إلى باب القصر فنزل عن فرسه ودخل القصر الكبير وجلس بإيوانه على تخت الملك وقبلت الأمراء الأرض بين يديه وخلع على الخليفة القائم بأمر الله فوقانيًا كمخًا حريرًا بوجهين أخضر وأبيض بطرز يلبغاوي زركش وقدم له فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش‏.‏
وتم جلوسه بالقصر السلطاني إلى يوم الجمعة على ما سنذكره بعد ذكر نسبه فنقول‏:‏ أصله جاركسي الجنس أخذ من بلاده فاشتراه خواجا علاء الدين علي وقدم به إلى القاهرة هو وأخيه طوخ وطوخ كان إلاكبر وكان اسم إينال غير إينال فاستقر إينال فاشتراهما الملك الظاهر برقوق أعني إينال وطوخ من الخواجا علاء الدين المذكور في حدود سنة تسع وتسعين وسبعمائة تخمينًا فأعتق الظاهر أخاه طوخ المذكور ودام إينال هذا كتابيًا بطبقة الزمام إلى أن ملكه الملك الناصر فرج بن برقوق وأعتقه وأخرج له خيلًا على العادة‏.‏
واستمر من جملة المماليك السلطانية إلى أن صار في آخر الدولة الناصرية خاصكيًا فدام على ذلك إلى أن أنعم عليه الأمير الكبير ططر في الدولة المظفرية بإمرة عشرة من أوائل سنة أربع وعشرين‏.‏ ثم نقل إلى إمرة طبلخاناه في أوائل دولة الأشرف برسباي في سنة خمس وعشرين وثمانمائة‏.‏ ثم صار بعد انتقال قاني باي الأبوبكري البهلوان إلى تقدمة ألف ثاني رأس نوبة النوب‏.‏
ثم نقل إلى نيابة غزة بعد عزل الأمير تمراز القرمشي وقدومه إلى الديار المصرية وذلك في يوم الثلاثاء ثامن عشرين شوال سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة فباشر نيابة غزة إلى أن سافر صحبة الملك الأشرف برسباي إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة‏.‏ ولما عاد الأشرف من آمد ونزل بمدينة الرها وقد استولى عليها وهي خراب طلبه الملك الأشرف ليستقر في نيابة الرها فامتنع ورمى بسيفه وأغلظ للأشرف في الكلام فاستشاط الأشرف غضبًا ولم يسعه إلا أن طلب مملوكه قراجا شاد الشراب خاناه وخلع عليه بنيابة الرها وقال‏:‏ ‏"‏ أنا ما يمتثل أوامري إلا مماليكي ‏"‏‏.‏
وانفض الموكب وذهب إينال هذا إلى مخيمه فندم على ما وقع منه وخوف عواقب ذلك فأذعن‏.‏ وطلبه السلطان في عصر النهار المذكور وخلع عليه أطلسين متمرًا ووعده بأن يمده بالسلاح والعليق وغير ذلك وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية زيادة على نيابة الرها عوضًا عن جانبك الحمزاوي المستقر في نيابة غزة عوضه‏.‏
وخرج إينال وهو متغير اللون رأيته لما سلمت عليه ودام في نيابة الرها إلى أن عزله الأشرف عنها بالأمير شاد بك الجكمي ثاني رأس نوبة في يوم الثلاثاء سابع عشرين شوال سنة سبع وثلاثين واستقدمه إلى القاهرة على إمرة مائة وتقدمة ألف وهو إلاقطاع الذي كان بيده زيادة على نيابة الرها‏.‏ ودام بمصر إلى أن خلع عليه الأشرف في يوم الخميس عاشر رجب سنة أربعين وثمانمائة بنيابة صفد بعد عزل الأمير يونس الركني الأرغوني إلاعور عنها‏.‏ فاستمر في صفد إلى أن طلبه الملك الظاهر جقمق في سنة ثلاث وأربعين وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية في صفر السنة المذكورة وولى صفد عوضه قاني باي البهلوان أتابك دمشق‏.‏
وكان قدوم إينال هذا إلى القاهرة في يوم السبت ثالث عشر صفر فدام بالقاهرة من جملة أمراء الألوف إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى الدوادارية الكبرى بعد موت تغري بردي البكلمشي المؤذي في يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ست وأربعين فبلشر الدوادارية إلى أن نقله الظاهر إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية دفعة واحدة بعد موت الأتابك يشبك السودوني المشد في سنة تسع وأربعين وثمانمائة فدام أتابكًا إلى أن مات الظاهر جقمق وملك بعده ابنه المنصور عثمان ووقع ما حكيناه من الفتنة بينه وبين المنصور حتى خلع المنصور وتسلطن حسبما ذكرناه في أول هذه الترجدة انتهى ذكر نسبه‏.‏
ولنعد لما كنا فيه من جلوسه بعد قلعه خلعة السلطنة بالقصرفنقول‏:‏ ولما تم جلوسه بالقصر طلب خجداشه يونس العلائي الناصري نائب قلعة الجبل وخلع عليه باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل يشبك قرا وحبسه وأمر السلطان الأمير قاني باي إلاعمش الناصري أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أن يجلس مكان يونس المذكور‏.‏
ثم أصبح السلطان الملك الأشرف إينال هذا في يوم الثلاثاء تاسع ربيع الأول خلع على جماعة كبيرة بعدة وظائف‏:‏ فخلع على ولده المقام الشهابي أحمد باستقراره أتابك العساكر عوضًا عن نفسه‏.‏ وعلى الأمير تنبك البردبكي الظاهري أمير مجلس بإمرة سلاح عوضًا عن الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي بحكم القبض عليه وسجنه‏.‏ وخلع على الأمير طوخ من تمراز الناصري غليظ الرقبة بإمرة مجلس عوضًا عن تنبك المذكور‏.‏ وخلع على الأمير خشقدم الناصري المؤيدي حاجب الحجاب باستمراره على وظيفته‏.‏
وخلع على الأمير جرباش المحمدي الناصري المعروف بكرد باستقراره أمير آخور كبيرًا عوضًا عن قاني باي الجاركسي بحكم القبض عليه‏.‏ وخلع على الأمير يونس إلاقبائي دوادارًا كبيرًا عوضًا عن تمربغا الظاهري بحكم القبض عليه لكن يونس هذا ولي الدوادارية على تقدمة وكان تمربغا وليها على إمرة طبلخاناه‏.‏ وخلع على الأمير قرقماس الأشرفي الجلب باستقراره رأس نوبة النوب عوضًا عن الأمير أسنبغا الطياري بحكم وفاته‏.‏ وخلع على الأمير جانبك الظاهري نائب جدة خلعة إلاستمرار على وظيفته الأستادارية الكبرى‏.‏ ثم أمر السلطان في يوم الأربعاء عاشره بالمناداة في المماليك السلطانية بأن النفقة في يوم الاثنين‏.‏
ثم في يوم الأربعاء هذا حملت الأمراء المسجونون من القلعة على البغال إلى بحر النيل وسفروا من وقتهم إلى الإسكندرية وهم‏:‏ الأمير تنم المؤيدي أمير سلاح المقدم ذكره وقاني باي الجاركسي الأمير آخور الكبير والأمير تمربغا الدوادار والأمير لاجين شاد الشراب خاناه وأزبك الساقي الخازندار وسنقر العايق الأمير آخور الثاني وجانم الساقي الظاهري وسودون إلاقزم الظاهري وجانبك الظاهري البواب وهما ممن تأمر في الدولة المنصورية والجميع ظاهرية ما عدا تنم وقاني باي‏.‏
وفي يوم الأربعاء هذا اشيع كلام بسبب تولية السلطان ولده أحمد أتابكًا عوضه وأن ذلك بخلاف العادة فخارت طباع الأشرف من غير أمر يوجب ذلك وأصبح من الغد في يوم الخميس خلع على الأمير تنبك البردبكي الذي كان استقر في إمرة سلاح باستقراره أتابك العساكر عوضًا عن ولده الشهابي أحمد وأنعم على ولده المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف على عادة أولاد السلاطين وجعله يجلس رأس الميسرة‏.‏
قلت‏:‏ وهذا أول وهن وقع في دولة الأشرف إينال من كونه يولي ولده أتابكًا في إلامس ثم يعزله في الغد من غير أمر يقتضي ذلك ولو صمم على بقاء ولاية ولده لتم له ذلك ولم ينتطح في ذلك عنزان‏.‏
ثم خلع على الأمير خشقدم الناصري حاجب الحجاب باستقراره أمير سلاح عوضًا عن تنبك المذكور‏.‏ وخلع على قراجا الخازندار الظاهري باستقراره حاجب حجاب عوضًا عن خشقدم المؤيدي المذكور‏.‏ ثم استقر الأمير تمراز الإينالي الأشرفي دوادارًا ثانيًا عوضًا عن أسنباي الجمالي بحكم تسحبه وأنعم عليه بإمرة عشرين‏.‏ ثم استقر جانبك من قجمادى الأشرفي شاد الشراب خاناه عوضًا عن لاجين بحكم حبسه‏.‏ واستقر خيربك الأشقر المؤيدي أمير آخور ثانيًا عوضًا عن سنقر العائق بحكم سجنه‏.‏ وأنعم على خيربك المذكور بإمرة عشرين وكانت العادة إمرة طبلخاناه‏.‏ واستقر قاني باي إلاعمش الناصري نائب قلعة الجبل عوضًا عن يونس العلائي نائب الإسكندرية كما تقدم مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضًا عن الأمير أسنبغا الطياري بعد وفاته‏.‏ واستقر يشبك الناصري رأس نوبة ثانيًا عوضًا عن جانبك القرماني المذكور‏.‏ ثم أنعم على الأمير أرنبغا اليونسي الناصري بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضًا عن قاني باي الجاركسي بحكم القبض عليه وحبسه‏.‏
وأنعم على برسباي البجاسي المعزول عن نيابة الإسكندرية بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضًا عن الأمير طوخ أمير مجلس بحكم انتقال طوخ إلى تقدمة أخرى أكثر خراجًا منها وهو إقطاع تنبك المنتقل إلى الأتابكية‏.‏ ثم أنعم السلطان على جماعة كثيرة بإمرة طبلخانات وعشرات باستحقاق وبغير استحقاق كما هي عوائد أوائل الدول يطول الشرح في تسميتهم‏.‏ ثم خلع السلطان على جماعة كبيرة بعدة وظائف منهم‏:‏ البدري حسن بن الطولوني باستقراره معلم المعمارية وأميرزة بن حسن الدوكاري التركماني بكشف الوجه القبلي على عادته وعلى جماعة أخر‏.‏ ثم في يوم السبت ثالث عشر ربيع الأول المذكور استقر الأمير جانبك من أمير الأشرفي الظريف أمير طبلخاناه خازندارًا كبيرًا عوضًا عن الأمير أزبك من ططخ الظاهري بحكم سجنه بالإسكندرية‏.‏ واستقر بردبك دوادار السلطان قديمًا وزوج ابنته دوادارًا ثالثًا بإمرة عشرة وهذا شيء لم نعهده كون الدوادار الثالث يكون أمير عشرة وما عادته إلا خاصكيًا‏.‏
وكان حق بردبك هذا الدوادارية الثانية لكونه مملوك السلطان ودواداره وزوج ابنته غير أن السلطان لما رأى أن تمراز الأشرفي غرضه في الدوادارية الثانية لم يسعه إلا الآنعام عليه بها لعظم شوكة الأشرفية يومئذ‏.‏ ثم استقر يشبك الأشقر الخاصكي أستادار الصحبة بعد عزل سنقر الظاهري عنها من غير إمرة‏.‏ ثم في يوم الاثنين خامس عشر ربيع الأول ابتدأ السلطان بالنفقة على المماليك السلطانية على أقسام متعددة نفقة كاملة وهي مائة دينار لكل مملوك ونصف نفقة وربع نفقة وعشرة دنانير وهذا لم يقع قبل في الدولةالتركية‏.‏
ولام السلطان بعض أعيان الأمراء على ذلك فقال‏:‏ ‏"‏ هذا الذي كان رتبه تمربغا للتفرقة في الدولة المنصورية ‏"‏ فكلم ثانيًا فاعتذر بقلة المتحصل في الخزانة السلطانية‏.‏ قلت‏:‏ ‏"‏ والعذر الثالث أن كلمة الشح مطاعة ‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ ‏"‏ والذي فرق في المماليك السلطانية إنما هو الذي جمعه الملك المنصور عثمان من السلف والمصادرات في أيام سلطنته وإلا فما ترك والده الملك الظاهر جقمق في الخزانة شيئًا يذكر لكرم نفسه وكثرة عطاياه رحمه الله تعالى ‏"‏‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء سادس عشره خلع السلطان على جماعة من الأمراء خلع الآنظار المتعلقة بالوظائف المقدم ذكرها‏.‏
ثم في يوم الأربعاء سابع عشره وصل الأمير دولات باي المحمودي الدوادار من سجن الإسكندرية‏.‏
ووقع في خروج دولات باي المذكور ومجيئه من ثغر الإسكندرية غريبة فيها عبرة لمن اعتبر وهو أن الأمراء الذين قبض عليهم الملك الأشرف إينال هذا كان غالبهم هو الذي حسن للمنصور القبض على دولات باي هذا وسجنه بثغر الإسكندرية فلما أمسكهم الملك الأشرف وسيرهم إلى الثغر رسم بإطلاق دولات باي من السجن فتوافوا خارج الإسكندرية وقد أفرج عن دولات باي ورسم بحبسهم عوضه فانظر إلى هذا الدهر وأفعاله بالمغرمين به لتعلم أن الله على كل شيء قدير‏.‏
وفي يوم الخميس ثامن عشره أنعم السلطان على الأمير يونس العلائي نائب الإسكندرية بإقطاع الأمير جانبك اليشبكي الوالي ثم الزردكاش بعد وفاته وأنعم بإقطاع يونس المذكور على قاني باي إلاعمش الذي استقر عوضًا عن يونس في نيابة القلعة‏.‏ وفي يوم الجمعة تاسع عشره أفرج السلطان عن الأمير زين الدين يحيى الأستادار من محبسه بالبرج من قلعة الجبل وخلع عليه كاملية بمقلب سمور ونزل إلى داره‏.‏ وفي يوم السبت العشرين من ربيع الأول المذكور استقر نوكار الناصري الحاجب الثاني زردكاشًا بعد موت جانبك اليشبكي واستقر سمام الحسني الظاهري حاجبًا ثانيًا عوضًا عن نوكار‏.‏

خلع (إقصاء) السلطان على جماعة كبيرة بعدة وظائف

حتى تجاوز عدد رؤوس النوب على خمسة وعشرين نفرًا والدوادارية صاروا عشرة نفر بعدما كانوا خمسة وكذلك البجمقدارية والبوابون وقس على ذلك‏.‏
ثم قبض السلطان على نيف وثلاثين مملوكًا من مماليك الظاهرية وحبسوا بالبرج من القلعة وكان نفى قبل تاريخه جماعة أخر وشيع شاهين الفقيه الظاهري وهو ممن لا يلتفت إليه وسنقر أستادار الصحبة كلاهما إلى القدس الشريف‏.‏ ثم أخرج أيضًا يشبك الظاهري وكان تأمر في الدولة المنصورية عشرة ويشبك الساقي وسنطباي رأس نوبة الجمدارية إلى طرابلس ثم أخرج بعدهم أيضًا جماعة أخر‏.‏
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه استقر الأمير زين الدين يحيى أستادارًا على عادته أولًا بعد عزل الأمير جانبك نائب جدة عنها برغبة من جانبك المذكور‏.‏ وفيه وصل إلاميل يرشباي الإينالي المؤيدي الأمير آخور الثاني كان والأمير يلباي الإينالي المؤيدي من ثغر دمياط بطلب من السلطان‏.‏ وفي يوم الخميس خامس عشرينه وصل الأمير سودون الإينالي المؤيدي قراقاش من القدس الشريف بطلب‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء سلخ ربيع الأول ظهر الأمير أسنباي الجمالي الظاهري الدوادار الثاني كان وكان مختفيًا من يوم ملك السلطان باب السلسلة فرسم له بالتوجه إلى القدس بطالًا‏.‏
وفي يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر وصل الأمير جانم الأمير آخور كان قريب الملك الأشرف برسباي من حبس قلعة صفد وخلع السلطان عليه كاملية مخمل أخضر بمقلب سمور ووعده بكل جميل نذكر ذلك في تاريخنا الحوادث مفصلًا هذا وغيره لكونه محل ضبط الحوادث وما نذكره هنا ليس هو إلا على سبيل إلاستطراد والأمور المهمة لا غير وأما جميع الوقائع ففي الحوادث تطلب هناك انتهى‏.‏
وفي يوم الجمعة أول جمادى الأولى قبض السلطان على الأمير قراجا الخازندار الظاهري وهو يومئذ حاجب الحجاب وحبسه بالبحرة من قلعة الجبل من غير أمر أوجب مسكه وإنما هى مندوحة لأخذ إقطاعه‏.‏ وفي يوم السبت ثاني جمادى الأولى أنعم السلطان بإقطاع قراجا المذكور وهو إمرة مائة وتقدمة ألف على الأمير جانم الأمير آخور الأشرفي وخلع على الأمير جانبك القرماني باستقراره حاجب الحجاب عوضًا عن قراجا المذكور ورسم السلطان بتوجه قراجا إلى القدس بطالًا فسافر يوم الاثنين رابعه‏.‏
وفي يوم الثلاثاء خامسه قرىء تقليد السلطان الملك الأشرف إينال بالقصر الكبير من قلعة الجبل وحضر الخليفة والقضاة الأربعة وجلس السلطان على الأرض من غير كرسي على مرتبة وجلس على يمينه الخليفة القائم بأمر الله حمزة ثم جلست القضاة الأربعة كل واحد في منزلته وقرأ القاضي محب الدين ابن الأشقر كاتب السر التقليد إلى أن تمت قراءته فخلع عليه السلطان وعلى الخليفة وانفض الموكب‏.‏
وفي يوم الجمعة ثامنه عقد السلطان عقد الأمير يونس إلاقبائي الدوادار الكبير على ابنته بجامع القلعة بحضرة السلطان‏.‏ وفي يوم السبت تاسع جمادى الأولى خلع السلطان على الشيخ عز الدين أحمد الحنبلي باستقراره قاضي قضاة الحنابلة بالديار المصرية بعد وفاة قاضي القضاة بدرالدين بن عبد المنعم‏.‏

وفيه رسم السلطان أن يحط عن البلاد بالوجه القبلي والبحري وسائر الأعمال ربع ما كان يطرح علمهم قبل ذلك في أيام الظاهرجقمق من إلاطرون وسر الناس بذلك وتباشروا بزوال الظلم وإزالة المظالم‏.‏
وفي يوم الأحد سابع عشره ورد الخبر على السلطان بقتل الأمير بن سونجبغا اليونسي الظاهري جقمق وتغري بردي القلاوي المعزول عن الوزر قبل تاريخه‏:‏ قتل الواحد الآخر ثم قتل الآخر في الوقت ذكرنا أمرهما مفضلًا في تاريخنا الحوادث فأنعم السلطان بإقطاع تغري بردي القلاوي على الأمير يرشباي الإينالي المؤيدى وأنعم على الأمير يلباي الإينالي المؤيدي بإقطاع سونجبغا وكان إقطاعه قديمًا قبل أن يمسك وأنعم بإقطاع عبد الله الكاشف على سودون الإينالي المؤيدي قراقاش وأنعم على تنم الحسيني وعلى قلمطاي الإسحاقي الأشرفيين بإقطاع يلبغا الجاركسي بحكم تعطله ولزومه داره لكل واحد منهما إمرة عشرة‏.‏
وفي يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة أنعم السلطان على خيربك إلاجرود المؤيدي أتابك دمشق كان بعد قدومه من السجن بإقطاع دولات باي المحمودي الموادار كان بعد موته وإلاقطاع إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية‏.‏ وكان دولات باي الدوادار أخذ هذا إلاقطاع بعد موت أرنبغا وأرنبغا أخذه بعد قاني باي الجاركسي كل ذلك في دون ثلاثة أشهر‏.‏
وفي يوم الأربعاء خامس جمادى الآخرة ورد الخبر من الشام بموت قانصوه النوروزي أحد أمراء دمشق فأنعم السلطان بتقدمته على الأمير قاني بك المحمودي المؤيدي وكان قاني بك بطالًا بدمشق‏.‏ ثم في يوم الاثنين سادس عشر شهر رجب أدير المحمل على العادة ولعبت الرماحة وكان الملك الظاهر جقمق أبطل ذلك فأعاده الملك الأشرف هذا وسر الناس بعمله غاية السرور‏.‏
وفي يوم الخميس تاسع عشر رجب المذكور ندب السلطان الأمير قانم طاز الأشرفي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بنقل الأمراء المسجونين من ثغر الإسكندرية إلى حبوس البلاد الشامية فتوجه إليهم ونقل الجميع ما خلا الأميرين تنم المؤيدي أمير سلاح وقاني باي الجاركسي فإنهما داما في سجن الإسكندرية‏.‏ وفي يوم السبت رابع شهر رمضان استقر الزيني فرج بن ماجد بن النحال كاتب المماليك السلطانية وزيرًا بعد تسحب الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم‏.‏
وفي يوم الأربعاء ثامن شهر رمضان المذكور ورد الخبر على السلطان بموت الأمير بيغوت الأعرج المؤيدي نائب صفد فرسم السلطان بانتقال الأمير إياس المحمدي الناصري أتابك طرابلس إلى نيابة صفد دفعة واحدة وحمل إليه التقليد والتشريف على يد الأمير خشكلدي القوامي الناصري أحد أمراء العشرات واستقر حطط الناصري المعزول قبل تاريخه عن نيابة غزة أتابك طرابلس عوضًا عن إياس المذكور وأنعم بإقطاع حطط إمرة عشرين بطرابلس على جانبك المحمودي المؤيدي وكان بطالًا بطرابلس‏.‏
ثم استهل شوال يوم الجمعة فصلى السلطان صلاة العيد بجامع القلعة الناصري على العادة ثم صلى من يومه أيضًا الجمعة بالجامع المذكور فكان في هذا اليوم خطبتان في يوم واحد وكثر كلام الناس في هذا الأمر فلم يقع إلا كل جميل من سائر الجهات وصار كلام الناس من جملة الهذيان وأنت تعلم مقدار ما أقام الأشرف بعد ذلك في الملك‏.‏
ثم في يوم الاثنين حادي عشر شوال المذكور خلع السلطان على الأمير جانبك الظاهري المعزول قبل تاريخه عن الأستادارية باستقراره في التكلم على بندر جدة بعد أن أنعم عليه بزيادة على إقطاعه وجعله من جملة أمراء الطبلخانات بالديار المصرية‏.‏
ثم رسم بنفي الأمير بردبك التاجي الأشرفي الذي كان تكلم على بندر جدة في السنة الماضية إلى القدس بطالًا وأخرج السلطان إمرة بردبك المذكور إلى جكم الأشرفي خال الملك العزيز يوسف وإلاقطاع إمرة عشرة‏.‏
وفي يوم الاثنين ثامن عشر شوال المذكور تسحب الأمير زين الدين الأستادار واختفى مما حمل للديوان السلطاني من الكلف‏.‏
وبلغ السلطان ذلك فأرسل السلطان خلف علي بن الأهناسي البردرار بخدمة زين الدين المذكور وهو يومذاك أستادار المقام الشهابي أحمد بن السلطان واستقر به أستادارًا عوضًا عن زين الدين دفعة واحدة‏.‏ وعلم السلطان أن عليًا هذا ليس هو في هذه الرتبة ولا في أهلية لأن يكون من جملة كتاب ديوان المفرد فتكلم في الملأ بكلام معناه أن السلطان إذا أقام كائنًا من كان من أقل الناس في أي وظيفة شاء وكان للسلطان به عناية سد تلك الوظيفة على أحسن الوجوه فسكت كل أحد لعلمهم أن السلطان يعلم حاله كما يعلمونه هم واختاره لهذه الرتبة‏.‏
ثم في يوم السبت ثالث عشرين شوال ورد إلى الديار المصرية قاصد خوندكار محمد بك بن مراد بن عثمان متملك بلاد الروم لتهنئة السلطان بالملك وأيضًا يخبره بما من الله عليه من فتح مدينة إسطنبول وقد أخذها عنوة بعد قتال عظيم في يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة بعدما أقاموا على حصارها من يوم الجمعة سادس عشرين شهر ربيع الأول من هذه السنة أعني سنة سبع وخمسين المذكورة إلى أن أخذها في التاريخ المقدم ذكره‏.‏
وجاء القاصد المذكور ومعه أسيران من عظماء إسطنبول وطلع بهما إلى السلطان وهما من أهل قسطنطينية وهي الكنيسة العظمى بإسطنبول فسر السلطان والناس قاطبة بهذا الفتح العظيم سرورًا زائدًا ودقت البشائر لذلك وزينت القاهرة بسبب ذلك أيامًا‏.‏
ثم طلع القاصد المذكور وبين يديه إلاسيران المذكوران إلى القلعة في يوم الاثنين خامس عشرين شوال بعد أن اجتاز القاصد المذكور ورفقته بشوارع القاهرة وقد احتفلت الناس بزينة الحوانيت وإلاماكن وأمعنوا في ذلك إلى الغاية وعمل السلطان الخدمة بالحوش السلطاني من قلعة الجبل‏.‏ وقد استوعبنا طلوع القاصد المذكور في غير هذا المحل من مصنفاتنا من هذا‏.‏
وبالجملة فكان لمجيء هذا القاصد بهذه البشارة الحسنة أمر كبير وعين السلطان من يومه الأمير يرشباي الإينالي المؤيدي الأمير آخور الثاني كان بالتوجه إلى ابن عثمان صحبة القاصد بالجواب السلطاني وقد كتبنا صورة الكتاب الذي جاء من ابن عثمان على يد القاصد المذكور بفتح مدينة إسطنبول والجواب الذي أرسله السلطان صحبة يرشباي هذا كلاهما مثبوت في تاريخنا حوادث الدهور إذ هو حل ضبط هذه الأمور انتهى‏.‏
ثم رسم السلطان بالمناداة على زين الذين يحيى الأستادار وتهديد من أخفاه عنده بالشنق والتنكيل ووعد من أحضره بألف دينار إن كان متعممًا وبإقطاع إن كان جنديًا‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثالث ذي القعدة استقر القاضي محب الدين ابن الشحنة الحنفي كاتب سر مصر بعد عزل القاضي محب الدين بن الأشقر على مال بذله وهو مبلغ أربعة إلاف دينار‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثاني ذي الحجة خلع السلطان على الأمير جانبك النوروزي نائب بعلبك باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل يونس العلائي وقدومه إلى القاهرة من جملة أمراء الطبلخانات‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء رابع عشرين ذي الحجة ظهر الأمير زين الدين الأستادار من اختفائه وطلع إلى القلعة وعلى رأسه منديل الأمان صحبة عظيم الدولة الصاحب جمال الدين بن كاتب جكم وكان هو الساعي لزين الدين في رضاء السلطان عليه‏.‏
وقبل زين الدين الأرض بين يدي السلطان فرسم له السلطان أن يلزم داره ولا يجتمع بأحد ولا يكاتب أحدًا من أعيان الدولة‏.‏
وفرغت سنة سبع وخمسين وما ذكرناه فيها إنما هو على سبيل إلاختصار علم خبرلا غير‏.‏

واستهلت سنة ثمان وخمسين وثمانمائة‏.‏
وأول السنة يوم الثلاثاء فأحببت أن أذكر في أول هذه السنة أسماء أعيان أرباب الوظائف من الأعيان والأمراء والقضاة والمباشرين ليعلم الناظر في هذه الترجدة كيف تكون تقلبات الدهر وتغيير الدولة بعد أن ينظر المتأمل في ترجدة الملك المنصور عثمان في السنة الخالية ولم يمض بين من سمي في تلك السنة وبين من سمي في هذه السنة إلا بعض أشهر لأن المنصور والأشرف هذا كلًا منهما ولي في هذه السنة أعني سنة سبع وخمسين وثمانمائة‏.‏
على أنا لا نذكر إلا جماعة الأعيان لا غير ولو ذكرنا كل من تغير من أرباب الوظائف من الخاصكية والأجناد الذين أخذوا الإقطاعات والوظائف لطال الشرح في ذلك وخرجنا عن المقصود ولنعد إلى ما هو المقصود فنقول‏:‏ أما الخليفة فهو القائم بأمر الله حمزة وهو المذكور أيضًا في السنة الخالية‏.‏
وكذلك القضاة الأربعة فهم على حالهم كما ذكرناه في ترجدة المنصور أيضًا‏.‏ وكذلك نواب البلاد الشامية فالجميع على حالهم كما ذكرناه في ترجدة المنصور أيضًا‏.‏ وتغير نائب الإسكندرية فإنه كان في تلك السنة برسباي البجاسي والآن هو جانبك النوروزي‏.‏ وأما أرباب الوظائف من أمراء مائة‏:‏ فالأمير الكبير تنبك البردبكي الظاهري‏.‏ وأمير سلاح خشقدم الناصري المؤيدي‏.‏ وأمير مجلس طوخ من تمراز الناصري غليظ الرقبة‏.‏ والأمير آخور الكبير جرباش المحمدي الناصري كرد‏.‏
والدوادار الكبير يونس السيفي آقباي نائب الشام‏.‏ ورأس نوبة النوب قرقماس الأشرفي الجلب‏.‏ وحاجب الحجاب جانبك القرماني الظاهري‏.‏ فهؤلاء هم أرباب الوظائف من مقدمي الألوف‏.‏ وبقية مقدمي الألوف هم‏:‏ المقام الشهابي أحمد ابن السلطان وهو يجلس رأس ميسرة فوق أمير سلاح‏.‏ والأمير جانم الأمير آخور كان وهويجلس تحت أمير سلاح فوق بقية الأمراء‏.‏ ثم خيربك إلاجرود المؤيدي‏.‏ م برسباي البجاسي‏.‏
فهؤلاء جميع مقدمي الألوف بالديار المصرية وهم أقل من النصف من أمراء الظاهر برقوق‏.‏
وأما أرباب الوظائف من أمراء الطبلخانات وغيرهم‏:‏ فشاد الشراب خاناه جانبك من قجماس الأشرفي المعروف بدوادار سيدي‏.‏ والخازندار الكبير جانبك من أمير الأشرفي الظريف‏.‏ ونائب القلعة قاني باي الناصري إلاعمش أمير عشرة‏.‏
والزردكاش نوكار الناصري أمير عشرة والتجمل به هتكة‏.‏ والحاجب الثاني بتخاص العثماني الظاهري برقوق أمير عشرة‏.‏
وأستادار الصحبة يشبك الأشقر الأشرفي من جملة الأجناد‏.‏ وكانت هذه الوظائف المذكورة في سالف إلاعصار لا يليها إلا أمير مائة مقدم ألف ولهذا قدمنا ذكرها على غيرها مما سنذكره فتنازل ملوك زماننا هذا حتى ولي بعضها الأجناد‏.‏
وقد أبطل الملوك أيضًا عدة وظائف جليلة كان لا يليها إلا أمير مائة مقدم ألف مثل نيابة السلطنة لأن آخر من وليها من العظماء تمراز الناصري الظاهري في دولة الناصر فرج‏.‏ ورأس نوبة الأمراء وآخر من وليها نوروز الحافظي في دولة الناصر فرج أيضًا وكانت هذه الوظيفة تضاهي الأتابكية‏.‏
ومثل أمير جاندار فإن الأمير ألجاي اليوسفي صاحب الوقعة مع الأشرف شعبان انتقل إليها من وظيفة رأس نوبة النوب‏.‏
وأما ما ذهب من الوظائف التي كان يليها امراء الطبلخانات والعشرات مثل شاد الدواوين وأمير منزل وشاد القصر السلطاني والمهمندار ومقدم البريدية وشاد العمائر وإن كان بعض هذه الوظائف مستمرة فإنه لا يليها إلا الأحداث من الناس بحيث إنها صارت كلا شيء‏.‏
ورأس نوبة ثان يشبك الناصري‏.‏ وتعد سبعة من طبلخانات رؤوس النوب‏.‏ وأما العشرات من رؤوس النوب فكثير جدًا‏.‏
وكان جميع رؤوس النوب في أوائل سلطنة برقوق أربعة لا غير ثم صاروا في دولة الناصر فرج بعد تجريدة الكرك سبعة فنقول‏:‏ ما تجدد من كثرة رؤوس النوب يكون عوضًا عما ذهب من تلك الوظائف فيقول القائل‏:‏ لا نسلم‏!‏ وأين رونق تلك الوظائف المتعددة كثرة من رونق وظيفة واحدة‏!‏ وكذلك كانت الحجاب ثلاثة‏:‏ حاجب الحجاب وحاجب ميسرة وهو أيضًا مقدم ألف والحاجب الثالث‏.‏
فأول من زادهم الظاهر برقوق وجعلهم خمسة حجاب أمراء عشرات لا هذه الحرافيش الذين يلونها اليوم الجهلة الفسقة‏.‏ والدوادار الثاني تمراز الإينالي الأشرفي بإمرة عشرين وهو من مساوىء الدهر‏.‏ والأمير آخور الثاني خيربك الأشقر المؤيدي أمير عشرين أيضًا‏.‏
والزمام والخازندار الطواشي الرومي فيروز النوروزي أمير طبلخاناه‏.‏ ومقدم المماليك السلطانية الطواشي لؤلؤ الرومي الأشرفي أمير عشرة‏.‏ نائبه عنبر عتيق التاجر نور الدين الطنبذي جنديًا بغير إمرة‏.‏
ونقيب الجيش الأمير ناصر الدين محمد بن أبي فرج بعد أن ولي الأستادارية قبل تاريخه‏.‏ ووالي القاهرة علي بن إسكندر ووليها بالبذل‏.‏ أعيان مباشري الدولة من المتعممين كاتب السر محب الدين ابن الشحنة الحنفي‏.‏
وناظر الجيش والخاص معًا عظيم الدولة الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم‏.‏ والوزير سعد الدين فرج بن النحال‏.‏
والأستادار علي البرددار بن الأهناسي‏.‏ ووظيفة نظر الدولة ونظر المفرد كل منهما تلاشى أمرهما حتى صارت كلا شيء سكتنا عن ذكر ذلك لوضاعة قدر من يليها‏.‏ قلت‏:‏ ولو سكتنا عن ذكر من يلي الوزر أيضًا لكان أجمل غير أنه لا يسعنا إلا ذكرها لمحلها الرفيع في سائر الأقطار فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.وأما ذكر نظر الجوالي والإسطبل السلطاني والبيمارستان والكسوة وخزائن السلاح والخزانة الشريفة وأشباههم ليس لذكرهم هنا محل لكونهم في غير هذه الرتبة‏.‏
وفي مثل هذا المحل لا يذكر إلا أعيان الوظائف المعدود أصحابها من ذوي الرياسات وقد ذكرنا تلك الوظائف كلها في تاريخنا الحوادث إذ هو محل ضبط الولايات والعزل انتهى‏.‏
وفي يوم الأحد سادس محرم سنة ثمان وخمسين وثمانمائة ورد الخبر على السلطان من حلب بوفاة الأمير علي باي بن طرباي العجمي المؤيدي أتابك حلب فرسم السلطان باستقرار الأمير آقبردي الساقي الظاهري نائب قلعة حلب أتابكًا بحلب عوضه‏.‏ واستقر في نيابة قلعة حلب الزيني قاسم بن جمعة القساسي وانعم بتقدمة قاسم المذكور وكان أخذها قبل ذلك عن سودون القرماني بمدة يسيرة على الأمير يشبك البجاسي‏.‏ واستقر مكان يشبك البجاسي في دوادارية السلطان بدمشق خشكلدي الزيني عبد الرحمن بن الكويز‏.‏ وفي يوم الاثنين حادي عشرين المحرم أيضًا وصل إلى القاهرة تقدمة الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب تشتمل على جماعة يسيرة من المماليك ومائة فرس لاغير‏.‏
قلت‏:‏ وهذا كثير ممن اشيع عنه العصيان ثم أظهر الطاعة في الظاهر والله متولي السرائر‏.‏ وقد أوضحنا أمر قاني باي هذا في غير هذا المحل مع السلطان الملك الأشرف إينال بأوسع من هذا‏.‏ ثم في صفر رسم بسفر الأمير زين الدين الأستادار إلى القدس بطالًا فلما خرج إلى ظاهر القاهرة قبض عليه واخذ إلى القلعة وصودر ثانيًا وعوقب ووقع له أمور آخرها أنه ولي الأستادارية مسؤولًا في ذلك في يوم الثلاثاء رابع عشر صفر وعزل علي بن الأهناسي‏.‏ وفي يوم الثلاثاء سادس عشرين شهر ربيع الأول من سنة ثمان وخمسين المذكورة ركب السلطان الملك الأشرف إينال من قلعة الجبل بغير قماش الخدمة ونزل إلى جهة قبة النصر خارج القاهرة ثم عاد من باب النصر وشق القاهرة وخرج من باب زويلة حتى طلع إلى القلعة وهذا أول ركوبه من يوم تسلطن‏.‏
وفي يوم الاثنين سادس عشر شهر ربيع الآخر ثارت فتنة بسوق الخيل بين المماليك الظاهرية جقمق وبين المماليك الأشرفية برسباي بالدبابيس وأصبح كل من الطائفتين مستعدة للأخرى فلم يقع شيء ولله الحمد وقد ذكرنا كيفية الفتنة المذكورة في تاريخنا الحوادث‏.‏
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه عزل السلطان لؤلؤ الأشرفي عن تقدمة المماليك السلطانية وأعاد إليها الطواشي مرجانًا المحمودي بمال أخذه من مرجان‏.‏ وإلا فأيش هو الموجب لعزل الرئيس بالوضيع إلا هذا المعنى‏!‏‏.‏ ثم في يوم الأحد سادس جمادى الأولى عزل السلطان تمراز الأشرفي عن الدوادارية الثانية لأمر اقتضى ذلك‏.‏ وقد أراح الله الناس منه لسوء خلقه وحدة مزاجه وقد ذكرنا من أحواله نبذة كبيرة في غير هذا المحل‏.‏ وفي يوم الخميس سابع عشر جمادى الأولى المذكورة وصل الأمير جلبان الأمير آخور نائب الشام إلى القاهرة بعد أن احتفل أرباب الدولة به وطلع إلى ملاقاته كل أحد حتى المقام الشهابي أحمد‏.‏
وطلع إلى القلعة ودخل إلى السلطان بالقصر الأبلق المطل على الرميلة بالخرجة فلما رآه السلطان قام إليه واعتنقه بعد أن قبل جلبان الأرض بين يديه ثم أجلسه السلطان على ميسرته ولده المقام الشهابي أحمد‏.‏ ولم يطل جلوسه حتى طلب السلطان خلعته و عليه خلعة إلاستمرار بنيابة دمشق على عادته في مكان جلوسه بالخرجة المذكورة ولم يقع ذلك لأحد من النواب لأن العادة أنه لا يخلع السلطان على من يخلع عليه إلا بالقصر الأبلق من داخل الخرجة‏.‏
ثم قام السلطان وخرج إلى القصر ولم يدع جلبان المذكور أن يقف بل أمره أن يتوجه إلى حيث أنزله السلطان فنزل محمولًا لضعف به ولكبر سنه أيضًا ونزل غالب الأمراء الأكابر وأرباب الدولة بين يديه إلى أن أوصلوه إلى الميدان الكبير بطريق بولاق تجاه بركة الناصري ومد له مدة هائلة وترددت الناس إليه نهاره كله‏.‏
واستمر إلى يوم الأحد عشرينه فقدم إلى السلطان تقدمة وكانت تقدمة هائلة تشتمل على‏:‏ عشرة مماليك ومائتي فرس منها اثنان بقماش ذهب والباقي على العادة وعدة حمالين منها ستون حمإلا عليها قسي كل حمال خمسة أقواس ومنها مائة وعشرون حمإلا بعلبكيًا على كل حمال خمسة أثواب النصف منها عال موصلي وستون حمإلا عليها أبدان سنجاب وعشرة حمالين وشق وعدة حمالين عليها اثواب صوف ملونة وعدة حمالين عليها شقق حرير ملون واثواب مخمل تزيد على مائة حمال وطبق مغطى فيه ذهب مبلغ عشرة إلاف دينار على ما قيل‏.‏
قبل السلطان ذلك وخلع على أرباب وظائف جلبان المذكور خلعًا سنية وفرق السلطان من الخيول على أمراء الألوف جميعهم على قدر مراتبهم‏.‏ وفي هذا الموم أيصًا رسم السلطان لنقيب الجيش أن يخرج الأمير تمراز الإينالي الأشرفي الدوادار الثاني إلى القدس بطالًا فنزل وتوجه به من يومه إلى خانقاه سرياقوس‏.‏ قلت‏:‏ السريع ما يفعل إلاعداء في جاهل ما يفعل الجاهل في نفسه فإن تمراز هذا كان في الدولة الظاهرية جقمق من جملة أمراء العشرات وكان ممن لا يؤبه إليه حتى مات الظاهر وثار مع الملك الأشرف إينال لما وثب على الملك المنصور عثمان مع من انضم إليه من المماليك الظاهرية والأشرفية وغيرهم‏.‏
فلما تسلطن الأشرف قرب تمراز هذا وجعله دوادارًا ثانيًا وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه وصار له كلمة في الدولة وحرمة وافرة وهابته الناس لشراسة خلقه وحدة مزاجه وباشر الدوادارية أقبح مباشرة من الظلم والعسف والآخراق بالناس والبطش بحواشيه وأرباب وظائفه ومماليكه حتى تجاوز الحد وما كفاه ذلك حتى صار يخاطب السلطان بما يكره‏.‏
وبقي في كل قليل يغضب ويعزل نفسه ووقع ذلك غير مرة‏.‏ فلما زاد وخرج عن الحد عزله السلطان ولزم داره أيامًا ثم خرج إلى القدس بطالًا‏.‏ وفي يوم الاثنين حادي عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على الصاحب أمين الدين بن الهيصم باستقراره وزيرًا على عادته أولًا بعد عزل فرج بن النحال وكان أحق بها وأهلًا لها‏.‏ وفي يوم الاثنين هذا أيضًا خلع السلطان على مملوكه صهره الأمير بردبك الدوادار الثاني باستقراره فى الدوادارية الثانية عوضًا عن تمراز الأشرفي المقدم ذكره‏.‏
وفي يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة استقر القاضي تاج الدين عبد الله بن المقسي كاتب المماليك السلطانية عوضًا عن الصاحب سعد الدين فرج بن النحال‏.‏
قلت‏:‏ وتاج الدين هذا مستحق لأعظم الوظائف لما اشتمل عليه من حسن الخلق والخلق‏.‏ وفي يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب سافر الأمير بردبك الدوادار الثاني إلى القدس الشريف وصحبته كسوة مقام سيدنا الخليل إبراهيم عليه السلام التي صنعها السلطان الملك الأشرف هذا‏.‏
وخرج بردبك المذكور من القاهرة بتجمل زائد ومعه جماعة من الأعيان مثل القاضي شرف الدين الآنصاري ناظر الكسوة ووكيل بيت المال والسيفي شاهين الساقي وغيرهما‏.‏ وفي يوم الخميس سادس شعبان وصل إلى القاهرة الأمير برشباي الإينالي المؤيدي أحد أمراء الطبلخانات المتوجه قبل تاريخه في الرسلية إلى ملك الروم السلطان محمد بن عثمان وعليه خلعة ابن عثمان المذكور وهو لابس لبس الأورام وخلعهم على العادة‏.‏
وفيه رسم السلطان بتعويق جوامك أولاد الناس والمرتبين من الضعفاء وإلايتام على ديوان السلطان‏.‏ وعرضهم السلطان في يوم الأحد ثالث عشرينه بالحوش السلطاني وقطع جوامك جماعة كبيرة‏.‏ وبينما هو في ذلك وصل الأمير بردبك من القدس وحذر السلطان من الدعاء عليه ونهاه عن هذه الفعلة فانفعل له وترك كل واحد على حاله ونودي بذلك بشوارع القاهرة فعد من محاسن بردبك المذكور‏.‏ وفي يوم السبت حادي عشر ذي القعدة اختفى الوزير أمين الدين بن الهيصم لعجز متحصل الدولة عن القيام بالكلف السلطانية فتغير السلطان بسبب ذلك على جماعة المباشرين‏.‏
وقبض على الأمير زين الدين الأستادار في يوم الاثنين وحبسه بالقلعة وخلع على الأمير ناصرالدين محمد بن أبي فرج نقيب الجيش باستقراره في الأستادارية عوضًا عن زين الدين على كره منه في الوظيفة مضافًا إلى نقابة الجيش‏.‏ وخلع على سعد الدين فرج بن النحال باستقراره وزيرًا على عادته وهذه ولاية فرج الثانية للوزر وأنعم عليه بكتابة المماليك وعزل القاضي تاج الدين المقسي‏.‏ ثم في يوم الأربعاء خامس عشر ذي القعدة ضرب السلطان زين الدين الأستادار وألزمه بجملة كبيرة من المال فأخذ زين الدين في بيع قماش بدنه وأثاث بيته‏.‏
ثم أخذه الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص وتسلمه من السلطان ونزل به إلى بيته فدام عنده أيامًا‏.‏ ثم رسم له بالتوجه إلى داره وأنه يسافر إلى القدس فتجهز زين الدين وخرج إلى القدس في يوم الجمعة ثاني ذي الحجة‏.‏
ثم في يوم الاثنين خامس ذي الحجة خلع السلطان على شخص من إلاقباط يعرف بشمس الدين نصر الله بن النجار واستقر به ناظر الدولة بعد شغورها مدة طويلة وصار رفيقًا للوزير فرج‏.‏ وفي يوم الاثنين سادس عشرين ذي الحجة نزلت المماليك الجلبان الأشرفية من الأطباق وهجمت دار الأستادار الأمير ناصر الدين محمد بن أبي الفرج ونهبوا جميع ما كان له في داره من غير أمر أوجب ذلك فلم يسع الأستادار إلا إلاستعفاء فأعفي بعد أمور‏.‏
وخلع السلطان على قاسم الكاشف بالغربية وغيرها بالأستادارية عوضًا عن ابن أبي الفرج المذكور‏.‏ قلت‏:‏ وهذا أول ظهور أمر مماليك الأشرف الجلبان وما سيأتي فأعظم‏.‏
وفي يوم الأحد ثاني محرم سنة تسع وخمسين وثمانمائة اشيع بين الناس وقوع فتنة وكثر كلام الناس في هذا المعنى حتى بلغ السلطان ذلك فلم يلتفت السلطان لقول من قال‏.‏
وفي يوم الأربعاء رابع عشرين صفر من سنة تسع وخمسين المذكورة وصل مملوك الأمير جانبك التاجي للمؤيدي نائب غزة يخبر بموت الأمير جلبان نائب الشام ثم وصل بعد ذلك سيف جلبان المذكور على يد يشبك المؤيدي الحاجب الثاني‏.‏ ثم في يوم الخميس خامس عشرين صفر رسم السلطان للأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب بأن يستقر في نيابة الشام عوضًا عن جلبان بحكم وفاته وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يونس العلائي الناصري المعزول قبل تاريخه عن نيابة الإسكندرية‏.‏
وخلع السلطان في اليوم المذكور على الأمير جانم الأشرفي باستقراره في نيابة حلب عوضًا عن قاني باى الحمزاوي على كره من جانم المذكور في ذلك‏.‏ واستقر مسفر جانم الأمير بردبك الدوادار الثاني وصهر السلطان مع توجه بردبك أيضًا إلى تركة الأمير جلبان بدمشق‏.‏
وأنعم السلطان بإقطاع جانم المذكور على الأمير يونس العلائي المقدم ذكره وهو إمرة مائة وتقدمة ألف‏.‏ وأنعم بإقطاع يونس المذكور على الأمير بردبك الدوادار وصار بردبك أمير طبلخاناه‏.‏ وأنعم بإقطاع بردبك المذكور على أرغون شاه وتنبك الأشرفيين كل واحد منهما أمير خمسة‏.‏ وفي يوم الاثنين تاسع عشرين صفر من سنة تسع وخمسين وثمانمائة المذكورة استقر شمس الدين نصر الله بن النجار ناظر الدولة وزيرًا عوضًا عن سعد الدين فرج بن النحال بحكم عزله فلم تر عيني فيما رأيت ممن لبس خلع الوزارة أقبح زيًا منه حتى إنه أذهب رونق الخلعة مع حسن زي خلعة الوزارة وأبهة صفتها‏.‏
ولو من الله سبحانه وتعالى بأن يبطل اسم الوزير من الديار المصرية في هذا الزمان كما أبطل أشياء كثيرة منها لكان ذلك أجود وأجمل بالدولة ويصير الذي يلي هذه الوظيفة يسمى ناظر الدولة لأن هذا إلاسم عظيم وقد سمي به جماعة كبيرة من أعيان الدنيا قديمًا وحديثًا في سائر الممالك والأقطار مثل جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي وغيره إلى الصاحب إسماعيل بن عباد وهلم جرًا إلى القاضي الفاضل عبد الرحيم ثم بني حناء وغيرهم من العلماء والأعيان إلى أن تنازلت ملوك مصر في أواخر القرن الثامن حتى وليها في أيامهم أوباش الناس وأسافل الكتبة إلاقباط وتغير رسومها وذهب بهم أبهة هذه الوظيفة الجليلة التي لم يكن في الإسلام بعد الخلافة أجل منها ولا أعظم وصارت بهؤلاء الأصاغر في الوجود كلا شيء‏.‏
وليت مع ذلك كان يلي هذه الوظيفة من هؤلاء إلاسافل من يقوم بما هو بصدده بل يباشر ذلك بعجز وضعف وظلم وعسف مع ما يمده السلطان بإلاموال من الخزانة الشريفة فليت شعري لم لا كان ذلك مع من هو أهل للوزارة وغيرها فلا قوة إلا بالله‏.‏
وباشر ابن النجار الوزر أشر مباشرة وأقبح طريقة ولم تطل أيامه وعجز وبلغ السلطان عجزه‏.‏ فلما كان يوم الخميس أول شهر ربيع الآخر طلب السلطان الوزراء الثلاثة ليختار منهم من يوليه وهم‏:‏ ابن النجار الذي عجز عن القيام بالكلف السلطانية والصاحب أمين الدين بن الهيصم وسعد الدين فرج بن النحال فوقع فيه واقعة طريفة‏:‏ وهي أن السلطان لما أصبح وجلس على الدكة من الحوش استدعى أولا ابن النجار فقيل له‏:‏ هرب واختفى فطلب أمين الدين بن الهيصم فقيل له‏:‏ مات في هذه الليلة وإلى الآن لم يدفن فطلب فرج بن النحال فحضر وهو الذي فضل من الثلاثة فكلمه السلطان أن يستقر وزيرًا على عادته فامتنع واعتذر بقلة متحصل الدولة وفي ظنه أن السلطان قد احتاج إليه بموت ابن الهيصم وتسحب ابن النجار وسرع يكرر قوله بأن غالب بلاد الوزر خرب وأن لحم المماليك السلطانية المرتب لهم في كل يوم ثمانية عشر ألف رطل خلا تفرقة الصرر التي تعطى لبعض المماليك السلطانية وغيرهم عوضًا عن مرتب اللحم‏.‏
فلما زاد تمنعه أمر به السلطان فحط إلى الأرض وتناولته رؤوس النوب بالضرب المبرح إلى أن كاد يهلك ثم أقيم ورسم عليه بالقلعة عند الطواشي فيروز الزمام والخازندار إلى أن عملت مصالحة وأعيد للوزر‏.‏ وفي يوم الخميس تاسع عشرين شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على الأمير قانم من صفر خجا المؤيدي المعروف بالتاجر بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية بعد موت خيربك إلاجرود المؤيدي وأضيف إقطاع المذكور وهو إمرة طبلخاناه إلى الدولة‏.‏
ثم في يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة كانت وقعة المماليك الظاهرية الجقمقية مع الملك الأشرف إينال‏.‏ وسبب هذه الفتنة ثورة المماليك الأجلاب أولًا وأفعالهم القبيحة بالناس ثم عقب ذلك أن السلطان كان عين تجريدة إلى البحيرة نحوًا من خمسمائة مملوك وعليهم من أمراء الألوف الأمير خشقدم المؤيدي أمير سلاح والأمير قرقماس رأس نوبة النوب وعدة من أمراء الطبلخانات والعشرات ورسم لهم السلطان بالسفر في يوم الاثنين‏.‏

التمــــــــــــــرد
هذا ولم يفرق السلطان على المماليك المكتوبة للسفر الجمال على العادة فعظم ذلك عليهم وامتنعوا إلى أن أخذوا الجمال‏.‏ وسافر الأمير خشقدم في صبيحة يوم الاثنين المذكور وتبعه الأمير قرقماس في عصر نهاره وأقاما ببر منبابة تجاه بولاق فلم يتبعهم أحد من المماليك المعينة معم بل وقف غالبهم بسوق الخيل تحت القلعة ينتظرون تفرقة الجمال عليهم إلى أن انفض الموكب السلطاني ونزلت الأمراء إلى جهة بيوتهم‏.‏
فلما صار الأمير يونس الدوادار بوسط الرميلة احتاطت به المماليك الأجلاب وعليه الكلفتاة وقماش الخدمة وداروا حوله وهم في كثرة وأرادوا الكلام معه بسبب زيادة جوامكهم وأنه يكلم السلطان فتبين لمماليك يونس الغدر بأستاذهم فتحلقوا عليه ومنعوهم من الوصول إليه فصار يونس في حلقة من مماليكه ومماليكه في حلقة كبيرة من المماليك الأجلاب‏.‏ وطال الأمر بينهم ويونس لا يستطيع الخروج‏.‏

وتحقق الغدر فأمر مماليكه بإشهار سيوفهم ففعلت ذلك ودافعت عنه وجرح من المماليك الأجلاب جماعة وقطع أصابع بعضهم وشق بطن آخر على ما قيل‏.‏ فعند ذلك انفرجت ليونس فرجة خرج منها غارة إلى جهة داره ونزل بها ورمى عنه قماش الموكب ولبس قماش الركوب وطلع من وقته إلى القلعة من أعلى الكبش ولم يشق الرميلة وأعلم السلطان بخبره‏.‏
فقامت لذلك قيامة المماليك الأجلاب وقالوا‏:‏ ‏"‏ نحن ضربناهم بالدبابيس فضربونا بالسيوف ‏"‏ وثاروا على أستاذهم ثورة واحدة وساعدهم جماعة من المماليك القرانيص وغيرهم لما في نفوسهم من السلطان لعدم تفرقة الجمال وغيرها ووقفوا بسوق الخيل وأفحشوا في الكلام في حق السلطان وهددوه إن لم يسلم لهم الأمير يونس والسلطان لا يتكلم إلى أن حركه بعضهم فأرسل إليهم بالأمير جانبك الناصري المرتد والطواشي مرجان مقدم المماليك السلطانية فسإلاهم عن غرضهم فقالوا بلسان واحد‏:‏ ‏"‏ نريد غريمنا الأمير يونس ‏"‏ وخشنوا في القول‏.‏
فعاد جانبك بالجواب فأرسل السلطان إليهم ثانيًا بنوكار الزردكاش فأعادوا له القول الأول‏.‏ ثم ساقوا غارة إلى بيت يونس الدوادار فمنعوهم مماليكه من الدخول إلى دار يونس فجاؤوا بنار ليحرقوا الباب فمنعوهم من ذلك أيضًا فعادوا إلى سوق الخيل فوافوا المنادي ينادي من قبل السلطان بالأمان فمالوا على المنادي بالدبابيس فسكت من وقته وهرب إلى حال سبيله‏.‏
هذا وقد طلعت جميع أمراء الألوف إلى عند السلطان والسلطان على حالة السكوت غير أنه طلب بعض مماليكه الأجلاب الأعيان وكلمه بأنه يعطي من جرح من الأجلاب ما يكفيه وأنه يعطي للذي قطعت أصابعه إقطاعًا ومائة دينار فلم يقع الصلح وانفض الأمر على غير طائل لشدة حر النهار‏.‏
ولما تفرقت المماليك نزلت الأمراء إلى دورهم ما خلا الأمير يونس الدوادار فإنه بات في القلعة‏.‏ فلما أصبح يوم الثلاثاء أول شهر رجب ضرب السلطان الكرة مع الأمراء بالحوش السلطاني من القلعة‏.‏
وفرغ من ذلك وأراد كل أمير أن ينزل إلى داره فبلغهم أن المماليك الأجلاب وقوف على حالهم الأول بسوق الخيل بغير سلاح كما كانوا في أمسه فانثنى عزمهم عن النزول وعادوا إلى القلعة‏.‏ فلما تضحى النهار أرسل إليهم السلطان بأربعة أمراء وهم‏:‏ الأمير يونس العلائي أحد مقدمي الألوف وسودون الإينالي المؤيدي قراقاش رأس نوبة ثان ويلباي الإينالي المؤيدي أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة وبردبك البجمقدار أحد الطبلخانات أيضًا ورأس نوبة فنزلوا إليهم من القلعة فما كان إلا أن وقع بصر المماليك الأجلاب على هؤلاء الأمراء احتاطوا بهم وأخذوهم بعد كلام كثير ودخلوا بهم إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح تجاه باب السلسلة ورسموا عليهم بعضهم‏.‏
كل ذلك والمماليك الظاهرية الجقمقية وقوف على بعد لا يختلفون بهم لينظروا ما يصير من أمرهم‏.‏ فلما وقع ما ذكرناه تحققوا خروجهم على أستاذهم وثار ما عندهم من الكمائن التي كانت كامنة في صدورهم من الملك الأشرف إينال لما فعل بابن أستاذهم الملك المنصور عثمان وحبس خجداشيتهم وتقريب أعدائهم الأشرفية مماليك الأشرف برسباي فانتهزوا الفرصة وانضافوا إلى المماليك الأجلاب وعرفوهم أن الأمر لا يتم إلا بحضرة الخليفة ولبس السلاح‏.‏
فساق قاني باي المشطوب أحد المماليك الظاهرية من وقته إلى بيت الخليفة القائم بأمر الله حمزة وكان في الخليفة المذكور خفة وطيش فمال إليهم ظنا أنه يكون مع هؤلاء وينتصر أحدهم ويتسلطن فيستفحل أمره ثانيًا أعظم من الأول‏.‏ وسببه أنه كان لما ولاه الظاهر جقمق الخلافة بعد أخيه المستكفي بالله سليمان صار تحت أوامر الظاهر لأنه هو الذي استخاره وولاه الخلافة‏.‏ فلما ثار إينال على المنصور عثمان وطلبه وجاء إلى عنده قوي أمر إينال بمجيء الخليفة عنده‏.‏ فلما تسلطن عرف إينال له ذلك ورفع محله أضعاف ما كان أولًا وزاده عدة إقطاعات وصارت له حرمة وافرة في الدولة إلى الغاية‏.‏
فلما كانت هذه الفتنة ظن في نفسه أنه يوافقهم فإذا تسلطن أحد منهم رفع محله زيادة على ما فعل إينال ويصير الأمر كله بيده وما يدري بأن لسان الحال يقول له‏:‏ الرجز خير الأمور الوسط حب التناهي غلط ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع ولما حضر الخليفة عندهم تكامل لبسهم السلاح وانضافت إليهم خلائق من المماليك السيفية وأوباش الأشرفية وغيرهم من الجياع الحرافيش‏.‏
فلما رأت الأجلاب أمر الظاهرية حسبوا العواقب وخافوا زوال ملك أستاذهم فتخلوا عن الظاهرية قليلًا بقليل وتوجه كل واحد إلى حال سبيله فقامت الظاهرية بالأمر وحدهم وما عسى يكون قيامهم من غير مساعدة وقد تخلى عنهم جماعة من أعيانهم وخافوا عاقبة هذه الفتنة‏!‏‏.‏
هذا وقد تعبأ السلطان لحربهم ونزل من القلعة إلى باب السلسلة من الإسطبل السلطاني‏.‏ وتناوش القوم بالسهام وأرادوا المصاففة فتكاثر عليهم السلطانية وصدموهم صدمة واحدة بددوا شملهم بل كانوا تشتتوا قبل الصدمة أيضًا‏.‏ وهجموا السلطانية في الحال إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح وأخذوا الأمراء المرسم عليهم وأخذوا فيمن أخذوا الخليفة معهم وطلعوا بهم إلى السلطان‏.‏
فلما رأى السلطان الخليفة وبخه بالكلام الخشن وأمر بحبسه بالبحرة من قلعة الجبل وخلعه من الخلافة بأخيه يوسف في يوم الخميس ثالث شهر رجب المذكور‏.‏ ثم سفر الخليفة القائم بأمر الله المذكور في يوم الاثنين سابع رجب إلى سجن الإسكندرية فسجن بها مدة سنين ثم أطلق من السجن وسكن بالإسكندرية إلى أن مات بها في أواخر سنة اثنتين وستين وثمانمائة‏.‏
ولما بلغ الأميرخشقدم أمر هذه الفتنة عاد من برمنبابة وطلع إلى القلعة ومعه رفيقه قرقماس رأس نوبة النوب في يوم الأربعاء وحضرا الموكب في باكر يوم الخميس ثم عادا إلى برمنبابة بمخيمهما‏.‏ ثم فرق السلطان الجمال على المماليك السلطانية وسافروا صحبة الأميرين المذكورين إلى ما عينوا إليه‏.‏
وتفرقت من يوم ذاك أجلاب السلطان فرقتين‏:‏ فرقة وهم الذين اشتراهم من كتابية الظاهر جقمق وابنه وفرقة اشتراهم هو في أيام سلطنته‏.‏ وقويت الفرقة الذين اشتراهم على الفرقة الظاهرية ومنعوهم من الطلوع إلى القلعة والسكنى يالأطباق وقالوا ما معناه‏:‏ ‏"‏ إنكم سودتم وجوهنا عند أستاذنا ‏"‏‏.‏ وأظن ذلك كله زورًا وبهتانًا مع أن الأشرف كان هو لا يقطع فيهم قربته بهذا ولا بغيره وهو مستمر على محبتهم كما كان أولًا فلعمري إذا كان هذا فعلهم به وهو راض فما عساه يرجعهم عن ظلم غيره‏!‏ فهذا مستحيل‏.‏
ولما انتهت الوقعة وخلع السلطان الخليفة أمسك جماعة من المماليك الظاهرية وحبسهم بالبرج من قلعة الجبل ونفى بعضهم واختفى بعضهم وأخرج قوزي الساقي الظاهري وكان تأمر عشرة ومعه عشرين مملوكًا من المماليك الظاهرية إلى البلاد الشامية مع أن قوزي المذكور لا في العير ولا في النفير‏.‏ وسافروا في يوم الجمعة تاسع شهر شعبان وسكن الأمر كأنه لم يكن لحسن سياسة السلطان في تسكين أخلاط الفتن انتهى‏.‏
وفي يوم الأربعاء حادي عشرين شعبان ورد الخبر على السلطان بمسك الأمير يشبك النوروزي نائب طرابلس بأمر السلطان لأن السلطان كان قبل تاريخه أرسل إينال الجلباني القجقي الخاصكي إلى طرابلس وعلى يده ملطفات في الباطن بمسك يشبك المذكور وحبسه بالمرقب‏.‏ وتولى عوضه نيابة طرابلس الأمير حاج إينال اليشبكي نائب حماة وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يشبك الفقيه المؤيدي واستقر في نيابة حماة عوضه الأمير إياس المحمدي الناصري نائب صفد وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير قانصوه المحمدي الأشرفي واستقر في نيابة صفد عوضًا عن إياس الأمير جانبك التاجي المؤيدي نائب غزة وحمل إليه التقليد تمرباي من حمزة المعروف بططر الناصري واستقر في نيابة غزة عوضًا عن جانبك التاجي خيربك النوروزي أحد أمراء صفد ومسفره سنقر قرق شبق الأشرفي الخاصكي‏.‏
ثم رسم السلطان أيضًا بنقل الأمير آقبردي الساقي الظاهري من أتابكية حلب إلى نيابة ملطية بعد عزل قاني باي الناصري واستقر في أتابكية حلب عوضًا عن آقبردي سودون من سيدي بك الناصري القرماني أتابك طرابلس وصار مغلباي البجاسي أحد أمراء طرابلس وحاجب حجابها أتابك طرابلس عوضًا عن سودون القرماني المذكور‏.‏
وولي حجوبية طرابلس يشبك دوادار قاني باي البهلوان وهو رجل من الأوباش لم تسبق له رئاسة بالبذل انتقل إليها من نيابة المرقب‏.‏ ثم أخرج السلطان سنطباي الظاهري رأس نوبة الجمدارية كان منفيًا إلى طرابلس في أوائل شهر رمضان‏.‏
ثم في يوم الأحد عاشر شهر رمضان المذكور ورد الخبر على السلطان من مكة بموت الشريف بركات بن حسن بن عجلان أمير مكة فأقر السلطان ولده الشريف محمدًا في إمرة مكة عوضه بسفارة الأمير جانبك الظاهري نائب جدة بمكاتبته‏.‏
ثم وصل نائب جدة بعد ذلك إلى القاهرة وتم أمر ولاية محمد بقدومه بخمسين ألف دينار يحمل منها عاجلًا عشرين ألف دينار وما بقي آجلًا على نفذات متفرقة هكذا حكى لي الأمير جانبك من لفظه‏.‏ هذا غيرما يدفعه الشريف محمد المذكور لأرباب الدولة بالديار المصرية ولولد السلطان وزوجته فإن زوجة السلطان وولده صار لهما نصيب وافر مع السلطان في كل هدية ورشوة‏.‏
ثم رسم السلطان أيضًا بعزل أبي السعادات قاضي مكة وولاية الإمام محب الدين الطبري إمام مقام إبراهيم عليه السلام بغير سعي‏.‏ ورسم أيضًا باستقرار الشيخ برهان الدين إبراهيم ابن ظهيرة في نظر حرم مكة بعد عزل الشيخ طوغان الأشرفي عنها وخرج إليهما الأمر صحبة الحاج في الموسم‏.‏
وكان أمير حاج المحمل في هذه السنة الأمير بردبك البجمقدار الظاهري أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة وأمير الركب الأول الناصري محمد ابن الأمير جرباش المحمدي الأمير آخور الكبير وصحبته والدته خوند شقراء بنت الناصر فرج بن برقوق‏.‏ وسافر أيضًا في هذه السنة إلى الحجاز الأمير بيبرس الأشرفي خال العزيز يوسف باشًا للمماليك السلطانية المجاورين بمكة المشرفة‏.‏
وفي أوائل ذي القعدة رسم السلطان بهدم تربته التي كان أنشأها أيام إمرته وأعادتها مدرسة وخلع على الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الجيش والخاص بالنظر على عمارتها‏.‏ وفي عشر ذي الحجة وهو يوم عيد إلاضحى صلى السلطان صلاة العيد بالجامع الناصري بقلعة الجبل ثم خرج من الجامع بسرعة وذهب إلى الحوش السلطاني ونحر ضحاياه به‏.‏
وكان العادة أن السلطان إذا خرج من صلاة العيد جلس بإلايوان ومعه الأمراء وذبح له ثم يتوجه من إلايوان إلى باب الستارة وينحر به أيضًا ويفرق ما يذبحه ثم بعد ذلك يتوجه إلى الحوش ويذبح به فلم يفعل السلطان شيئًا من ذلك خوفًا من مماليكه الأجلاب فإنهم رجموه في العام الماضي وأخرقوا به وبأمرائه غاية الآخراق ورجموه وهجموا عليه حيث كان ينحر الضحايا حتى إنه قام من مقامه فزعًا بعد أن أصاب جماعة من الأعيان الرجم‏.‏
وفرغت هذه السنة وقد واستهلت سنة ستين وثمانمائة‏.‏
فلما كان يوم الاثنين خامس المحرم نزلت المماليك الأجلاب من الأطباق وقصدوا بيت الوزير فرج بن النحال لينهبوا ما فيه وكأنه أحس بذلك وشال ما كان في بيته فلما دخلوا البيت لم يجدوا فيه ما يأخذونه فمالوا على من هو ساكن بجوار بيت فرج المذكور فنهبوهم بحيث إنهم أخذوا غالب متاع الناس ولا قوة إلا بالله‏.‏
وفي يوم الأربعاء حادي عشرين المحرم ورد الخبر على السلطان بموت الأمير آقبردي الساقي نائب ملطية بها فرسم السلطان لجانبك الجكمي المعزول عن نيابة ملطية قبل ذلك بنيابة ملطية على عادته أولًا ورسم بأن يستقر في نيابة طرسوس عوضًا عن جانبك الجكمي آقباي السيفي جار قطلو وكان آقباي أيضًا ولي نيابة طرسوس قبل ذلك‏.‏
وفي يوم الأربعاء ثالث عشر صفر من سنة ستين
أخرق المماليك الأجلاب بعظيم الدولة الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص بغير سبب أوجب ذلك وشق ذلك على كل أحد ولم تنتطح فى ذلك شاتان‏.‏ وفي يوم السبت ثامن عشر جمادى الأولى من سنة ستين أيضًا وصل قاصد السلطان محمد بن مراد بك بن عثمان متملك بلاد الروم وهو جمال الدين عبد الله القابوني وطلع إلى السلطان في يوم الثلاثاء وعلى يده كتاب مرسله يتضمن البشارة بفتح قسطنطينية والكتاب نظم ونثر وقفت عليه وعلى جوابه من السلطان من إنشاء القاضي معين الدين عبد اللطيف ابن العجمي نائب كاتب السر وأثبت الكتاب الوارد والجواب كليهما في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ‏"‏ إذ هو محل ضبط هذه الأشياء‏.‏
وفي يوم الخميس خامس عشر جمادى الآخرة من السنة أمسك السلطان الأمير زين الدين الأستادار ووضع في عنقه الجنزير وحطه إلى الأرض ليضربه ثم رفع من على الأرض بغير ضرب وحبس عند الطواشي فيروز الزمام والخازندار واستقر عوضه في الأستادارية سعد الدين فرج بن النحال الوزير واستقر علي بن الأهناسي البرددار وزيرًا عوضًا عن فرج المذكور‏.‏
فلما سمعت المماليك الأجلاب بهذا العزل والولاية نزلوا من وقتهم غارة إلى بيت الأستادار لينهبوه فمنعهم مماليك زين الدين وقاتلوهم وأغلقوا الدروب‏.‏ فلما عجزوا عن نهب بيت زين الدين نهبوا بيوت الناس من عند بيت زين الدين إلى قنطرة أمير حسين فأخذوا ما لا يدخل تحت حصر كثرة‏.‏
واستمروا في النهب من باكر النهار إلى قريب العصر وفعلوا بالمسلمين أفعإلا لا تفعلها الكفرة ولا الخوارج مبالغة وهذا أعظم مما كان وقع منهم من نهب جوار بيت الوزير فرج فكانت هذه الحادثة من أقبح الحوادث الشنيعة التي لم نسمع بأقبح منها في سالف إلاعصار‏.‏
ومن ثم دخل في قلوب الناس من المماليك الأجلاب من الرجيف والرعب أمر لا مزيد عليه لعلمهم أنه مهما فعلوا جاز لهم وأن السلطان لا يقوم بناصر من قهر منهم‏.‏ ووقعت حادثة عجيبة مضحكة وهي أنه لما عظم رجيف الناس والعامة من هذه المماليك الأجلاب اتفق أن جهاز بنت الناصري محمد بن الثلاج الأمير آخور خرج من بيت أبيها إلى بيت زوجها الأمير جانبك قرا الأشرفي وحمل ذلك على رؤوس الحمالين والبغال كما هي عادة المصريين وسارت الحمالون بالمتاع فوقع من على رأس بعضهم قطعة نحاس فجفل من ذلك فرس بعض الأجناد فحنق الجندي من فرسه وضربه ثم ساقه فلم تشك العامة أن المماليك نزلوا إلى نهب حوانيت القاهرة فأغلقت القاهرة في الحال وماجت الناس وتعطلت المعايش وحصل على الرعية من الآنزعاج أمر كبير من غير موجب انتهى‏.‏
وفي هذه الأيام كان الفراغ من مدرسة السلطان التي هدمها وبناها بالصحراء وقرىء بها ختمة شريفة وحضرت الأعيان من الأمراء وغيرهم ما خلا السلطان‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثالث شهر رجب من سنة ستين المذكورة أفرج السلطان عن زين الدين يحيى الأستادار ورسم له بأن ينزل إلى بيت الصاحب جمال الدين ليحمل ما تقرر عليه إلى الخزانة الشريفة وهو مبلغ عشرة إلاف دينار ثم ينفى بعد تغليقه المال إلى حيث يأمر به السلطان‏.‏
ولما غلق ما ألزم به من المال سافر من يوم الاثنين أول شعبان إلى المدينة الشريفة من على طريق الطور‏.ثم سافر قاصد ابن عثمان إلى جهة مرسله في يوم الجمعة خامس شعبان وتبعه قاصد السلطان إلى ابن عثمان المذكور وهو السيفي قاني باي اليوسفي المهمندار‏.‏
وفيه ورد الخبر على السلطان بأن السلطان إبراهيم بن قرمان صاحب لارندة وغيرها من بلاد الروم طرق معاملة السلطان واستولى على مدينة طرسوس وأذنه وكولك فغضب السلطان من ذلك وأمر بخروج تجريدة من الديار المصرية لقتال ابن قرمان المذكور وعين جماعة من الأمراء والمماليك يأتي ذكرهم عند سفرهم من القاهرة‏.‏
وفي يوم الأربعاء ثالث عشرين شهر رمضان نودي بالقاهرة من قبل السلطان بعدم تعرض المماليك الأجلاب إلى الناس والباعة والتجار فكانت هذه المناداة كضرب رباب أو كطنين ذباب‏.‏ واستمروا على ما هم عليه من أخذ أموال الناس والظلم والعنف حتى غلت إلاسعار في سائر الأشياء من المأكول والملبوس والغلال والعلوفات وصاروا يخرجون إلى ظواهر القاهرة ويأخنون ما يجدون من الشعير والتبن والدريس بأبخس إلاثمان إن أعطوا ثمنًا وإن شاؤوا أخذوه بلا ثمن وكل من وقع له ذلك معهم لم يعد ثانيًا إلى بيع ذلك الصنف إلا أن يكون محتاجًا لبيعه فعزت لذلك هذه إلاصناف بحيث إنها صارت أقل وجودًا من أيام الغلاء فصار هذا هو الغلاء بعينه وزيادة على الغلاء عدم الشيء‏.‏
ثم شرعوا في نهب حواصل البطيخ الصيفي وغيره‏.‏
ثم تزايد أمرهم وشرعوا يفعلون ذلك مع تجار القماش وغيره فغلت جميع إلاسعار مع كثرتها عند أربابها فضر ذلك بحال الناس قاطبة رئيسها وخسيسها وهذا أول أمرهم وما سيأتي فأهول‏.‏ وفي يوم الاثنين الحاج وهو الأمير قانم من صفر خجا أحد مقدمي الألوف وسار إلى البركة دفعة واحدة فكان عادة أمراء المحمل النزول بالمحمل إلى الريدانية فبطل ذلك وصاروا يتوجهون إلى البركة في مسير واحد وأمير الركب الأول عبد العزيز بن محمد الصغير أحد الأجناد‏.‏
وفي هذه الأيام كانت عافية الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص من مرض أشرف فيه على الموت وطلع إلى القلعة وخلع السلطان عليه ونزل إلى داره في يوم مشهود لم ير مثله إلا نادرًا‏.‏ وفي يوم الخميس سابع عشرين ذي القعمة استقر الأمير سودون النوروزي السلاح دار أحد أمراء الطبلخانات في نيابة قلعة الجبل بعد موت قاني باي إلاعمش الناصري وأنعم السلطمان بإقطاع قاني باي المذكور على ولده الصغير المقام الناصري محمد وإلاقطاع إمرة عشرة‏.‏
واستهلت سنة إحدى وستين وثمانمائة يوم الاثنين الموافق لثالث كيهك أحد شهورالقبط‏.‏
فلما كان يوم السبت سادس المحرم ضرب السلطان والي القاهرة خيربك القصروي وعزله عن ولاية القاهرة وحبسه بالبرج على حمل عشرة إلاف دينار فدام في البرج إلى أن أطلق في يوم عاشره واستقر عوضه في ولاية القاهرة علي بن إسكندر واستقر في نقابة الجيش الأمير ناصر الدين بن أبي الفرج على عادته أولًا عوضًا عن علي بن إسكندر المذكور‏.‏
وفي يوم السبت هذا نودي أيضًا على الذهب بأن يكون صرف الدينار الذي هو وزن درهم وقيراطين ثلاثمائة درهم نقرة وكان بلغ صرفه قبل ذلك إلى ثلاثمائة وسبعين نقرة وأضر ذلك بحال الناس زيادة على ما هم فيه من أمر المماليك الأجلاب‏.‏
وفي يوم الاثنين خامس عشر المحرم المذكور ورد الخبر على السلطان بموت يشبك حاجب حجاب طرابلس فرسم باستقرار شاد بك الصارمي عوضه في حجوبية الحجاب والمتوفى والمولى كلاهما ولي بالبذل‏.‏ وفي يوم الخميس ثالث صفر ثارت المماليك الأجلاب على السلطان وأفحشوا في أمره إلى الغاية‏.‏
وخبر ذلك أن السلطان لما كان في يوم الخميس المذكور وهو جالس بقاعة الدهيشة وكانت الخدمة بطالة في هذا اليوم وذلك قبل أن يصلي السلطان الصبح وإذا بصياح المماليك فأرسل السلطان يسأل عن الخبر فقيل له إن المماليك أمسكوا نوكار الزردكاش وهددوه بالضرب وطلبوا منه القرقلات التي وعدهم السلطان بها من الزردخاناه السلطانية فحلف لهم أنه يدفع لهم ذلك في أول الشهر فتركوه ومضوا فلقوا الشيخ عليًا الخراساني الطويل محتسب القاهرة وهو داخل إلى السلطان فاستقبلوه بالضرب المبرح المتلف وأخذوا عمامته من على رأسه فرمى بنفسه إلى باب الحريم السلطاني حتى نجا‏.‏
وأما السلطان لما فرغ من صلاة الصبح نزل وقعد على الدكة بالحوش على العادة ثم قام بعد فراغ الخدمة وعاد إلى الدهيشة وإذا بالصياح قد قوي ثانيًا فعلم أن ذلك صياح الأجلاب فأرسل إليهم الأمير يونس الدوادار فسألهم يونس المذكور عن سبب هذه الحركة فقالوا‏:‏ ‏"‏ نريد نقبض جوامكنا كل واحد سبعة أشرفية ذهبًا في كل شهر ‏"‏‏.‏
وكانت جامكية الواحد منهم ألفين قبل تاريخه يأخذها ذهبًا وفضة بسعر الذهب تلك الأيام فلما غلا سعر الذهب تحيلوا على زيادة جوامكهم بهذه المندوحة ثم قالوا‏:‏ ‏"‏ ونريد أن تكون تفرقة الجامكية في ثلاثة أيام أي على ثلاث نفقات كما كانت قديمًا ونريد أيضًا أن يكون عليقنا السلطاني الذي نأخذه من الشونة مغربلًا ويكون مرتبنا من اللحم سمينًا ‏"‏ فعاد الأمير يونس إلى السلطان بهذا الجواب ولم يتفوه به إلى السلطان وتربص عن رد الجواب على السلطان حتى يفرغ السلطان من أكل السماط فأبطأ الخبر لذلك عن الأجلاب فندبوا مرجانًا مقدم المماليك للدخول بتلك المقالة إلى السلطان فدخل مرجان أيضًا ولم يخبر السلطان بشيء حتى فرغ من أكل السماط فعند ذلك عرفه الأمير يونس بما طلبوه فقال السلطان‏:‏ ‏"‏ لا سبيل إلى ذلك ‏"‏ وأرسل إليهم مرجانًا المقدم يعرفهم مقالة السلطان فعاد مرجان ثانيًا إلى السلطان بالكلام الأول‏.‏
وصار يتردد مرجان بين السلطان والمماليك الأجلاب نحو سبعة مرار وهم مصممون على مقالتهم والسلطان ممتنع من ذلك‏.‏
وامتنع الناس من الدخول والخروج إلى السلطان خوفًا من المماليك لما فعلوه مع العجمي المحتسب‏.‏
فلما طال الأمر على السلطان خرج هو إليهم بنفسه ومعه جماعة من الأمراء والمباشرين وتوجه إلى باب القلة حيث يجلس مقدم المماليك والخدام فوجد المماليك قد اجتمعوا عند رحبة باب طبقة المقدم فلما علموا بمجيء السلطان أخذوا في الرجم فجلس السلطان بباب القلة مقدار نصف درجة ثم استدرك أمره لما رأى شدة الرجم وقصد العود إلى الدهيشة ورسم لمن معه من الأمراء أن ينزلوا إلى دورهم فامتنعوا إلا أن يوصلوه إلى باب الحريم فعاد عليهم الأمر فنزلوا من وقتهم وبقي السلطان في خواصه وجماعة المباشرين وولده الكبير المقام الشهابي أحمد‏.‏
فلما سار السلطان إلى نحو باب الستارة ووصل إلى باب الجامع أخذه الرجم المفرط من كل جهة فأسرع في مشيته والرجم يأتيه من كل جانب وسقط الخاصكي الذي كان حامل ترس السلطان من الرجم فأخذ الترس خاصكي آخر فضرب الآخر فوقع وقام وشج دوادار ابن السلطان في وجهه وجماعة كثيرة وسقطت فردة نعل السلطان من رجله فلم يلتفت إليها لأنه محمول من تحت إبطيه مع سرعة مشيهم إلى أن وصل إلى باب الستارة وجلس على الباب قليلًا فقصدوه أيضًا بالرجم فقام ودخل من باب الحريم وتوجه إلى الدهيشة‏.‏ استمر وقوف المماليك على ما هم عليه إلى أذان المغرب‏.‏
فبعد صلاة المغرب نزل الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص من باب الحريم إلى القصر وتوصل منه إلى الإسطبل السلطاني وخرج من باب السلسلة وتوجه إلى داره ونزل الأمير بردبك الدوادار الثاني وصهر السلطان من الميدان ماشيًا فوجد فرسه تحت القلعة فركبه وتوجه إلى داره وكذلك فعل جانبك المشد وجانبك الخازندار وغيرهم‏.‏
وبات القوم وهم على وجل والمماليك يكثرون من الوعيد في يوم السبت فإنهم زعموا أن لا يتحركوا بحركة في يوم الحمعة مراعاة لصلاة الجمعة‏.‏ وأصبح السلطان وصلى الجمعة مع الأمراء على العادة فتكلم بعض الأمراء مع السلطان في أمرهم بما معناه أنه لابد لهم من شيء يطيب خواطرهم به ووقع إلاتفاق بينهم وبين السلطان على زيادة كسوتهم التي يأخذونها في السنة مرة واحدة وكانت قبل ذلك ألفين فجعلوها يوم ذاك ثلاثة إلاف درهم وزادوهم أيضًا في إلاضحية فجعلوا لكل واحد ثلاثة من الغنم الضأن فزيدوا رأسًا واحدًا على ما كانوا يأخذونه قبل ذلك‏.‏
ثم رسم لهم أن تكون تفرقة الجامكية على ثلاث نفقات في ثلاثة أيام من أيام المواكب فرضوا بذلك وخمدت الفتنة‏.‏ وقد انتفعت جميع المماليك السلطانية بهذه الزيادات فإنها لست بمختصة بالأجلاب فقط وإنما هي لمجميع مماليك السلطان كائنًا من كان فحمدت المماليك والناس جميعًا فعلهم لما جر إليهم من المنفعة‏.‏ قلت‏:‏ هذا هو إلاحتمال الذي يؤدي إلى قلة المروءة فإنه لو أراد لفعل بهم ما شاء غيرأنه كما ورد‏:‏ ‏"‏ حبك للمرء يعمي ويصم ‏"‏ انتهى‏.‏
وفي هذه الأيام ترادفت الأخبار من الأمير جانم الأشرفي نائب حلب بحركة ابن قرمان فلهج السلطان بخروج تجريدة لقتاله بعد انفصال فصل الشتاء‏.‏
ثم في يوم الاثنين خامس شهر ربيع الأول أبطل السلطان الخدمة من القصر وجلس بالحوش السلطاني وجمع القضاة والأعيان وناظر دار الضرب وسبكت الفضة المضروبة في كل دولة وقد حررنا وزن ضرب كل دولة وما نقص منها في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور ‏"‏ انتهى‏.‏
وانفض الجمع وقد نودي في يومه بشوارع القاهرة بأن أحدًا لا يتعامل بالفضة المضروبة بدمشق في هذه الدولة فشق ذلك على الناس قاطبة لكثرة معاملاتهم بهذه الفضة التي داخلها الغش ولهجت العامة في الحال فيما بينهم‏:‏ ‏"‏ السلطان من عكسه أبطل نصفه ‏"‏ و ‏"‏ إذا كان نصفك إينالي لا تقف على دكاني ‏"‏ وأشياء من هذه المهملات التي لا وزن لها ولا قافية وانطلقت الألسن بالوقيعة في السلطان‏.‏

الصاحب جمال الدين عظيم الدولة
بلغ السلطان من الغد أن المماليك تريد إثارة فتنة أخرى بسبب ذلك فخشي السلطان من مساعدة العوام لهم فأبطل ما كان نودي به‏.‏ قلت‏:‏ والمصلحة ما كان فعله السلطان غير أنك تعلم أن السواد الأعظم من العامة ليس لهم فوق ولا خبرة بعواقب الأمور فإنهم احتاجوا بعد ذلك إلى أن سألوا في إبطال ذلك فلم يسمح لهم السلطان به إلا بعد أمور وأشهر حسبما يأتي ذكره وهو معدوز في ذلك‏.‏
وفي يوم الخميس خامس عشر شهر ربيع الأول المذكور من سنة إحدى وستين عمل السلطان المولد النبوي بالحوش من قلعة الجبل على العادة في كل سنة غير أنه فرق الشقق الحرير على القراء والمداح كل شقة طولها خمسة أذرع إلى ثلاثة أذرع ونصف ولم يفرق على أحد شقة كاملة إلا نادرًا‏.‏
قلت‏:‏ كل ذلك من سوء تدبر أرباب وظائفه وحواشيه وإلا فما هو هذا النزر اليسير حتى يشح به مثل هذا الملك الجليل‏!‏ ونفرض أنه عزم على ذلك فكان يمكنهم الكلام معه في ذلك فإن عجزوا عن مدافغته كان أحد من أولاده وخواصه يقوم بهذا الأمر عنه من ماله وليس في ذلك كبير أمر‏.‏
وفي يوم الأحد ثامن عشر شهر ربيع الأول المذكور وصل إلى القاهرة سنقر الأشرفي الدوادار المعروف بقرق شبق وكان توجه قبل تاريخه إلى البلاد الحلبية لكشف أخبار ابن قرمان وتجهيز العساكر الشامية والحلبية فوقع له هناك أمور وحوادث ذكرناها فى غير هذا المحل من قتل جماعة من تركمان ابن قرمان وغير ذلك‏.‏
وكان سنقر المذكور من مساوىء الدهر وعنده طيش وخفة مع ظلم وجبروت وما سيأتي من أخباره عند عمارته لمراكب الغزاة فأعظم‏.‏ ثم في يوم الأحد هذا نودي بالقاهرة من قبل السلطان بأن يكون سعر الدرهم من الفضة الشامية المقدم ذكرها التي داخلها الغش ثمانية عشر درهمًا نقرة وما عداها من الفضة المؤيدية والأشرفيه والظاهرية تكون على حالها بأربعة وعشرين درهمًا فقامت قيامة العامة من ذلك خوفًا من الخساره وأكثروا من الوقيعة بالسلطان وأرباب دولته ولا سيما في الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص فإنهم نسبوا هذا كله إليه رحمه الله‏.‏
وكان السلطان خلع على ولده المقام الشهابي أحمد باستقراره أمير حاج المحمل فلما نزل ابن السلطان وعليه الخلعة من القلعة إلى داره وهي قصر بكتمر الساقي تجاه الكبش وبين يديه جميع أعيان الدولة استغاثت إليه العامة بلسان واحد وقالوا‏:‏ ‏"‏ نخسر بهذه المناداة ثلث أموالنا ‏"‏ وسألوه في إبطال ذلك فوعدهم بإبطاله وأرسل إلى والده يسأله في إبطال ما نودي به فأجابه السلطان ونودي في الحال مناداة ثانية بإبطال ما نودي به‏.‏
قلت‏:‏ وهذه فعلة العامة الثانية من طلبهم عدم المناداة بإبطال هذه الفضة المغشوشة خوفًا من الخسارة فاحتاجوا بعد ذلك إلى المناداة وخسروا أكثر مما كانوا يخسرونه عندما غلت إلاسعار بسبب هذه الفضة ووصل صرف الدينار إلى إربعمائة درهم كما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏
وفي يوم السبت أول شهر ربيع الآخر نودي في المماليك السلطانية المعينين إلى تجريدة البلاد الشامية لقتال ابن قرمان قبل تاريخه بأن النفقة فيهم في يوم الخميس إلاتي‏.‏ فلما كان يوم الخميس سادس ربيع الآخر المذكور جلس السلطان بالحوش السلطاني وشرع في تفرقة النفقة على المماليك المذكورين لكل واحد منهم مائة دينار وسعر الذهب يوم ذاك أربعمائة درهم الدينار فوصل لكل واحد منهم أعني المماليك المعينين أربدون ألفًا وهذا شيء لم نسمع بمثله وأكثر ما فرق الملوك السالفة في معنى النفقة مائة دينار وسعر الدينار في ذلك الوقت ما بين مائتين وعشرين درهمًا الدينار إلى مائتين وثمانين الدينار لا بهذا السعر الزائد فشكر كل أحد السلطان على هذه الفعلة‏.‏
وكان عدة من أخذ النفقة من المماليك المذكورين أربعمائة مملوك وثلاثة مماليك‏.‏
ثم أرسل السلطان بالنفقة إلى الأمراء المجردين فحمل إلى الأمير خشقدم الناصري المؤيدي أمير سلاح وهو مقدم العسكر يوم ذاك بأربعة إلاف دينار ثم أرسل لكل من أمراء الألوف لكل واحد بثلاثة إلاف دينار وهم‏:‏ قرقماس الأشرفي رأس نوبة النوب وجانبك القرماني الظاهري حاجب الحجاب ويونس العلائي الناصري ثم حمل لكل من أمراء الطبلخانات بخمسمائة دينار ولكل أمير عشرة مائتي دينار‏.‏
يأتي ذكر أسماء الجميع عند خروجهم من الديار المصرية إلى جهة ابن قرمان‏.‏ ثم في يوم الخميس العشرين من شهر ربيع الآخر المذكور عزل السلطان علي بن إسكندر عن ولاية القاهرة وأعاد خيربك القصروي لولاية القاهرة كما كان أولًا‏.‏
ثم في يوم الخميس خامس جمادى الأولى برز الأمير خشقدم أمير سلاح ومقدم العسكر بمن معه من الأمراء والعساكر من القاهرة إلى الريدانية خارج القاهرة والأمراء هم‏:‏ الأربعة من مقدمي الألوف المقدم ذكرهم‏.‏ والطبلخانات‏:‏ جانبك الناصري المرتد وخيربك الأشقر المؤيدي الأمير آخور الثاني وبربك البجمقدار الظاهري رأس نوبة‏.‏
ومن أمراء العشرا ت ستة أمراء وهم‏:‏ تمرباي من حمزة الناصري المعروف بططر وقانصوه المحمدي الأشرفي وقلمطاي الإسحاقي الأشرفي رأس نوبة وقانم طاز الأشرفي رأس نوبة وجكم النوري المؤيدي رأس نوبة وجانم المؤيدي المعروف بحرامي شكل‏.‏ وقد تقدم ذكر عدة المماليك السلطانية فيما تقدم‏.‏ وأقاموا بالريدانية إلى ليلة الاثنين تاسعه فاستقلوا فيه بالمسير من الريدانية إلى جهة البلاد الشامية‏.‏
ثم في يوم الخميس سادس عشرين جمادى الأولى المذكورة سافر الأمير نوكار الزردكاش ومعه عدة من الرماة والنفطية وإلات الحصار وهو مريض ورسم له أن يأخذ من قلعة دمشق ما يحتاج إليه أيضًا من أنواع إلالات وغيرها للحصار ويلحق العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان‏.‏
ثم في يوم الخميس عاشر جمادى الآخرة استقر الأمير أسندمر الجقمقي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أمير المماليك السلطانية المجاورين بمكة المشرفة عوضًا عن الأمير بيبرس الأشرفي خال الملك العزيز يوسف ورسم بمجيء بيبرس المذكورعند توجه أسندمر الجقمقي في موسم الحج‏.‏
ثم في يوم الجمعة ثالث شهر رجب من سنة إحدى وستين المذكورة ورد الخبر على السلطان بموت الأمير نوكار الزردكاش بمدينة غزة فأنعم السلطان بإقطاعه وهو إمرة عشرة ووظيفة الزردكاشية على سنقر الأشرفي الدوادار المعروف بقرق شبق‏.‏
وفي يوم الخميس تاسع رجب المذكور وقعت حادثة غريبة‏:‏ وهي أن جماعة من العربان قطاع الطريق وكانوا نحو خمسة عشر رجلًا أو أمثل جاؤوا من جهة الشرقية حتى وصلوا إلى قرب باب الوزير ثم عادوا من حيث جاؤوا وصاروا في عودهم يسلبون من وقعوا به من الناس فعروا جماعة كبيرة من بين فقهاء وأعيان وغيرهم وكان الوقت بعد أذان العصر بدرجات وقت حضور الخوانق‏.‏
وفي يوم الأحد ثاني عشره خلع السلطان على السيد الشريف حسام الدين محمد بن حريز باستقراره قاضي قضاة المالكية بعد موت القاضي ولي الدين السنباطي‏.‏ وفي يوم الثلاثاء رابع عشر رجب المذكور ورد الخبر على السلطان بوصول العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان إلى حلب وأنهم اجتمعوا فى حلب بالأمير قاني باي الحمزاوي نائب الشام هناك لأن قاني باي المذكور كان خرج من دمشق قبل وصول العسكر إليها بثلاثة أيام فتكلم الناس بأنه ظن أن سفر العساكر ما هو إلا بسبب القبض عليه فى الباطن والتوجه لابن قرمان في الظاهر‏.‏
قلت‏:‏ وللقائل بهذا القول عذر بين وهو أن قاني باي المذكور من يوم تسلطن الملك الأشرف إينال هذا وهو نائب حلب لم يحضر إلى الديار المصرية ولا داس بساط السلطان غير أنه يمتثل أوامر السلطان ومراسيمه حيث كان أولًا بحلب ثم بعد انتقاله إلى نيابة دمشق فعلم بذلك كل أحد أن قاني باي المذكور يتخوف من السلطان ولايحضر إلى الديار المصرية ومتى طلبه السلطان أظهر العصيان‏.‏
وفطن الملك الأشرف إينال لذلك فلم يطلبه البتة وصار كل واحد منهما يعلم ما في ضمير الآخر في الباطن ويظهر خلاف ذلك‏:‏ السلطان يخفي ذلك لتسكين الفتنة وقاني باي لما هو فيه من النعمة بولاية نيابة دمشق وكل منهما يترقب موت الآخر فمات قاني باي قبل حسبما يأتي ذكره في الوفيات بعد فراغ الترجدة‏.‏
وقد خرجنا عن المقصود ولنعد إلى ما نحن بصدده فنقول‏:‏ وأخبر المخبر أن العساكر اجتمعوا بالأمير قاني باي الحمزاوي بحلب وأنه اجتمع رأي الجميع على السير من حلب إلى جهة ابن قرمان في يوم السبت سادس عشرين جمادى الآخرة فسر السلطان بذلك كون الذي أشيع عن قاني باي الحمزاوي من العصيان ليس بصحيح بل هو قائم بالمهم السلطاني أحسن قيام‏.‏
وفي يوم الجمعة سابع عشره سافر الأمير جانبك الظاهري نائب جدة إلى جهة جدة على عادته في كل سنة وسافر معه خلائق من الناس صفة الرجبية‏.‏ وفي يوم السبت ثامن عشر رجب المذكور ورد الخبر على السلطان بأنه كان بين حسن الطويل بن علي بك بن قرايلك صاحب آمد وبين عساكر جهان شاه بن قرا يوسف صاحب العراقين عراق العرب وعراق العجم وقعة هائلة انكسر فيها عسكر جهان شاه وانتصر حسن المذكور وأن حسن قتل من أعيان عساكر جهان شاه جماعة مثل الأمير رستم وابن طرخان وعربشاه وغيرهم فسر السلطان بذلك غاية السرور كون أن حسنًا المذكور ينتمي إليه ويظهر له الصداقة‏.‏
ثم في يوم الاثنين رابع شعبان وصل الخبر من الأمير خشقدم أمير سلاح ومن رفقته النواب بالبلاد الشامية بأنهم وصلوا إلى بلاد ابن قرمان وملكوا قلعة دوالي ونهبوها وأخربوها وأنهم جهزوا الأمير بردبك البجمقدار رأس نوبة ومعه عدة من المماليك السلطانية والأمراء بالبلاد الشامية إلى جهة من جهات بلاد ابن قرمان فصدفوا في مسيرهم عسكرًا من أصحاب ابن قرمان فواقعوهم وهزموهم وأنه قتل من المماليك السلطانية أربعة في غير المصاف بل من الذين صدفوهم في أثناء الطريق‏.‏
وفي يوم السبت أول شهر رمضان سافرت الأمراء المعينون إلى الجرون ببر التركية لأجل قطع إلاخشاب وسافروا من بولاق ومقدم العسكر الأمير يشبك الفقيه المؤيدي أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة ومعه الأمير أزبك المؤيدي أحد أمراء العشرات والأمير نوروز إلاعمش الأشرفي وجماعة أخر من الخاصكية‏.‏
ثم في يوم الأحد تاسع شهررمضان وصل نجاب من خيربك نائب غزة يخبر بمجيء سودون القصروي الدوادار بكتاب مقدمي العساكر الأمير خشقدم المؤيدي أمير سلاح وغيره من الأمراء‏.‏ وحضر سودون القصروي المذكور من الغد وأخبر السلطان بأن العساكر المتوجهة إلى بلاد ابن قرمان قصدت العود إلى جهة حلب بعد أن أخذوا أربع قلاع من بلاد ابن قرمان وأخربوا غالب قرى ممالكه وأحرقوا بلاط وسبوا ونهبوا وأمعنوا في ذلك حتى إنهم أحرقوا عدة مدارس وجوامع وذلك من أفعال أوباش العسكر وأنهم لم يتعرضوا إلى مدينة قونية ولا مدينة قيصرية لنفود زادهم ولضجر العسكر من طول مدتهم بتلك البلاد مع غلو إلاسعار في المأكول وغيره من سائر الأشياء ولولا هذا لاستولوا على غالب بلاد ابن قرمان وأن ابن قرمان لم يقاتل العسكر السلطاني بل إنه انحاز إلى جهة منيعة من جهاته وتحضن بها هو وأعيان دولته وترك ما سوى ذلك من المتاع والمواشي وغيرها مأكلة لمن يأكله فحصل له بما اخذ له وهن عظيم في مملكته فدقت البشائر لهذا الجبر بالقاهرة أيامًا ورسم السلطان من وقته بعود العسكر المذكور إلى الديار المصرية وخرخ النجاب بهذا الأمر‏.‏

ثم في يوم الأحد سادس عشر شهر رمضان المذكور ركب المقام الشهابي أحمد ابن السلطان من داره فصر بكتمر تجاه الكبش النجب كما هي عادة أمراء الحج في الركوب إلى المسايرة وخرج من الصليبة وشق الرميله وبين يديه هجانة السلطان أمراء العرب بإلاكوار الذهب والكنابيش الزركش المغشاة بإلاطلس إلاصفر وركب معه جماعة من الأمراء غير من يسافر معه مثل‏:‏ الأمير بردبك الدوادار الثاني وسودون الإينالي المؤيدي قراقاش ثاني رأس نوبة وجماعة اخر ولم يركب معه أحد من أمراء الألوف ولا أعيان مباشري الدولة حتى ولا كاتب السر القاضي محمب الدين بن الأشقر وهو ممن يسافر في هذه السنة إلى الحج‏.‏
وسار ابن السلطان في موكبه المذكور من تحت القلعة إلى جهة خليج الزعفران خارج القاهرة ووصل هناك قبيل المغرب وأفطر هناك ثم عاد بعد صلاة العشاء وشق الرميلة ثانيًا في عوده في زي بهيج إلى الغاية‏.‏ ثم في يوم الجمعة ثاني عشر شوال وصلت إلى القاهرة رمة الأمير جانبك القرماني الظاهري حاجب الحجاب وقد مات بالقرب من منزلة الصالحية في عوده من تجريدة ابن قرمان‏.‏
ثم عقب الخبر بموت جماعة كبيرة أيضًا من العسكر المذكور من مرض فشا فيهم من مدينة الرملة كالوباء مات منه خلائق بمرض واحد ولم يعلم أحد ما سبب هذا العارض‏.‏ ثم في يوم السبت ثالث عشره ورد الخبر بموت الأمير جكم النوري المؤيدي المعروف بقلقسيز أحد أمراء العشرات ورأس نوبة‏.‏
ثم في يوم الاثنين خامس عشر شوال المذكور وصلت العساكر المجردة لبلاد ابن قرمان على أسوأ حال من الضعف الذي حصل لهم في أثناء الطريق‏.‏ وطلع مقدم العسكر الأمير خشقدم المؤيدي أمير سلاح ورفقته من الأمراء المقدم ذكرهم عند توجههم والمماليك السلطانية إلى القلعة وقبل الأرض فأكرمه السلطان وخلع عليه وعلى رفقته فنزل الأمير خشقدم إلى داره وبين يديه أعيان الدولة وقد نقص من رفقته اثنان من المقدمين‏:‏ جاني بك القرماني المتوفى ويونس العلائي لضعف بدنه وقد دخل إلى القاهرة في محفة‏.‏
ثم فى يوم الاثنين هذا أنعم السلطان على الأمير بايزيد التمربغاوي أحد أمراء الطبلخانات بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضًا عن جانبك القرماني المقدم ذكره وأنعم بطبلخاناه بايزيد على الأمير برسباي الإينالي المؤيدي‏.‏ ثم في يوم الخميس ثامن عشر شوال المذكور خرج المقام الشهابي أحمد ابن السلطان وهو يومئذ أمير حاج المحمل بالمحمل من القاهرة إلى بركة الحاج دفعة واحدة وقد صار ذلك عادة وترك النزول بالمحل فى الريدانية خارج القاهرة وسافرت معه أمه خوند الكبرى زينب بنت البدري حسن بن خاص بك وإخوته الجميع الذكور والآناث وإلاخوة الجميع الثلاثة‏:‏ ذكر واحد وهو أصغر منه يسمى محمدًا مراهق واخته الكبرى زوجة الأمير بردبك الدوادار الثاني والصغرى وهي زوجة الأمير يونس الدوادار الكبير‏.‏
ورحل من البركة في ليلة الاثنين ثاني عشرين شوال بعد أن رحل قبله أسندمر الجقمقي رأس المجاورين وأمير الركب الأول يشبك الأشقر الأشرفي وقد استقر أمير عشرة قبل تاريخه‏.‏ ووصل من الغد في يوم الثلاثاء الأمير جانبك الظاهري نائب جدة من جدة وقبل الأرض وحضر معه من الحجاز الأمير زين الدين الأستادار وكان مقيمًا بمكة‏.‏
وفي يوم الخميس خامس عشرين شوال المذكور أنعم السلطان بإقطاع جكم النوري المؤيدي على الأمير جانبك الإسماعيلي المؤيدي المعروف بكوهية وعلى الأمير يشبك الظاهري نصلين بالسوية لكل واحد منهما إمرة عشرة‏.‏ ثم في يوم الاثنين تاسع عشرينه استقر الأمير برسباي البجاسي أحد مقدمي الألوف حاجب الحجاب بالديار المصرية بعد وفاة الأمير جانبك القرماني‏.‏
ثم في يوم السبت خامس عشرين ذي القعدة ثارت المماليك الأجلاب بالأطباق من قلعة الجبل ومنعوا الأمراء ومباشري الدولة من النزول من قلعة الجبل فكلموهم بسبب ذلك فقالوا‏:‏ ‏"‏ نريد أن تكون تفرقة إلاضحية لكل واحد منا ثلاثة من الغنم ‏"‏ أعني زيادة على ما كانوا يأخذونه قبل ذلك برأس واحد‏.‏
وكان وقع في تلك المدة هذا القول وسكت عنه فتوقف السلطان في الزيادة ثم أذعن بعد أمور واستمر ذلك إلى يومنا هذا‏.‏ وفي يوم الاثنين سابع عشرين ذي القعدة استقر القاضي صلاح الدين أمير حاج بن بركوت المكيني في حسبة القاهرة بعد عزل يارعلي الخراساني العجمي الطويل بمال كثير بذله صلاح الدين في ذلك‏.‏ وفي أوائل ذي الحجة ورد الخبر على السلطان من جهة مكة أنه وقع في الحاج عطشة فيما بين منزلة أكرة والوجه ومات بالعطش خلائق كثيرة‏.‏
وفي يوم الجمعة سادس عشر ذي الحجة الموافق لثامن هاتور لبس السلطان القماش الصوف الملون المعتد لأيام الشتاء وألبس الأمراء على العادة‏.‏ وفي يوم الاثنين تاسع عشر ذي الحجة المذكور وصلت الأمراء المتوجهون إلى بلاد الجرون ببر التركية ومقدمهم الأمير يشبك الفقيه ورفقته المقدم ذكرهم عند سفرهم وخلع السلطان عليهم‏.‏ وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وصل مبشر الحاج دمرداش الطويل الخاصكي بعد ما قاسى شدائد من العرب قطاع الطريق فضايقوه وأخذوا منه عدة رواحل وغيرها ثم أخبر دمرداش المذكور بسلامة ابن السلطان ووالدته وإخوته فدقت البشائر لذلك ثلاثة أيام بالديار المصرية‏.‏
وفي يوم الاثنين سادس عشرين ذي الحجة المذكور أخرج السلطان إقطاع الأمير طوخ من تمراز الناصري المعروف ببني بازق أمير مجلس لمرض تمادى به مدة طويلة وأنعم بإقطاع المذكور على الأمير برسباي البجاسي حاجب الحجاب وأنعم بإقطاع برسباي البجاسي المذكور على الأمير بيبرس الأشرفي خال الملك العزيز يوسف بالحجاز وكلاهما تقدمة ألف غير أن الواحد يزيد عن الآخر في الخراج لا غير وأنعم بإقطاع بيبرس على ولده الصغير محمد وهو في الحجاز أيضًا وهذا أيضًا تقدمة ألف مضافًا لما كان بيده قبل من الإقطاعات‏.‏
ثم في يوم الخميس تاسع عشرينه استقر الأمير جرباش المحمدي الأمير آخور الكبير أمير مجلس عوضًا عن طوخ المقدم ذكره بحكم مرضه واستقر عوضه في الأمير آخورية يونس العلائي أحد مقدمي الألوف‏.‏ وفي هذه السنة كان فراغ الربع والحمامين اللذين بناهما السلطان الملك الأشرف إينال هذا بخط بين القصرين‏.‏
وفرغت هذه السنة وقد انحل أمر حكام الديار المصرية أرباب الشرع الشريف والسياسة أيضًا لعظم شوكة المماليك الأجلاب وصار من له حق عند كائن من كان من الناس قصد مملوكًا من المماليك الأجلاب في تخليص حقه فما هو إلا أن أعلم ذلك المملوك بقصده خلص من غريمه في الحال فإن هؤلاء المماليك صاروا في أبواب أعيانهم شكل رأس نوبة ونقباء ولبعضهم دوادار فيرسل خلف ذلك الرجل المطلوب ويأمره بإعطاء حق ذلك المدعي حقًا كان أو باطلًا بعد أن يهدده بالضرب والنكال فأن أجاب وإلا ضرب في الحال ونكل به‏.‏
وعلم بذلك كل أحد فصار كل أحد يستعين بهم في قضاء حوائجه وترك الناس الحكام فقوي أمر الأجلاب وضعفت شوكة الحكام وتلاشى أمرهم إلى الغاية والنهاية‏.‏ وفي هذه السنة كانت زلزلة عظيمة بمدينة أرزنكان هدمت معظمها‏.وفي هذه السنة أيضًا كان بالشرق فتن كبيرة بين جهان شاه بن قرا يوسف وبين أولاد باي سنقر بن شاه رخ بن تيمورلنك أصحاب ممالك العجم‏.‏
فى سنة اثنتين وستين وثمانمائة‏.‏
ففي يوم الاثنين ثالث محرم من السنة المذكورة أنعم السلطان على قايتباي المحمودي الظاهري الدوادار بإمرة عشرة وعين السلطان الأمير جانبك الإسماعيلي المؤيدي المعروف بكوهية أن يتوجه إلى حلب وعلى يده تشريف تغري بردي بن يونس حاجب حلب بنيابة ملطية وتشريف جانبك الجكمي نائب ملطية إلى حجوبية حلب كل منهما عن الآخر وذلك لكلام وقع بين تغري بردي هذا وبين الأمير جانم الأشرفي نائب حلب‏.‏
ثم في يوم الاثنين رابع عشرين المحرم وصل أمير حاج المحمل بالمحمل إلى القاهرة وهو المقام الشهابي أحمد ابن السلطان وصحبته والدته وإخوته وطلع إلى القلعة ومعه أخوه محمد وبين يديهما وجوه الدولة وخلع السلطان عليه وعلى أخيه محمد المذكور وكانت خلعة المقام الشهابي أطلسين متمرًا وعلى إلاطلسين فوقاني حرير برجهين بطرز زركش‏.‏
ثم خلع السلطان على من له عادة بلبس الخلع في عود الحاج إلى الديار المصرية‏.‏ ثم في يوم الاثنين سادس عشر صفر وصل الأمير أزبك من ططخ الظاهري الخازندار كان من القدس الشريف بطلب من السلطان وطلع إلى القلعة وخلع السلطان عليه سلاريًا من ملابيسه بفرو سنجاب ووعده بكل خير ثم رسم له بالمشي في الخدمة السلطانية بعد أيام‏.‏ وفي أول شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وستين المذكورة نودي من قبل السلطان على الذهب بأن يكون سعر الدينار الذهب بثلاثمائة درهم نقرة بعدما كان وصل سعر الدينار لأربعمائة وستين درهمًا الدينار وأن يكون سعر الفضة المغشوشة كل درهم بستة عشر درهمًا وأن يكون سعر الدرهم من الفضة الطيبة التي رسم السلطان بضربها بدار الضرب بأربعة وعشرين درهم نقرة وحكم السلطان بذلك ونفذ حكمه القضاة وسر الناس بهذا الأمر غاية السرور فإنه كان حصل بتلك الفضة المغشوشة غاية الضرر في المعاملات وغيرها‏.‏
غير أنه ذهب للناس بهذا النقص في سعر الفضة المغشوشة مال كثير وصار كل أحد يخسر ثلث ما كان معه من المال من هذه الفضة المذكورة فانحصر كل من كان عنده من هذه الفضة لوقوع النقص في ماله فرسم السلطان في اليوم المذكور بالمناداة ننقص ثلث ثمن جميع البضائع في المأكول والملبوس كما نقص سعر الدرهم الثلث وكذلك في نقص الذهب فهان عند ذلك على الناس ما وقع من خسارة الذهب والفضة بهذه المناداة الثانية التي هي بنقص ثلث أثمان جميع الأشياء وقال كل واحد في نفسه‏:‏ ‏"‏ كما نقص من مالي الثلث نقص من ثمن ما كنت أبتاعه الثلث ‏"‏ فكأنه لم ينقص له شيء‏.‏
ثم في يوم الخميس سابع عشره عمل السلطان المولد النبوي بالحوش من القلعة على العادة في كل سنة‏.‏ ثم في يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على الأمير أزبك من ططخ الظاهري المقدم ذكره بإمرة عشرة عوضًا عن الأمير جانم الأشرفي البهلوان بحكم وفاته كما سيأتي ذكر وفاته ووفاة غيره في ذكر الوفيات بعد فراغ الترجدة على عادة هذا الكتاب‏.‏
وفي يوم الاثنين ثالث عشر شهر ربيع الآخر المذكور وجد السلطان نشاطًا في نفسه من مرض كان حصل له أيامًا وخرج إلى قاعة الدهيشة ودقت البشائر لذلك بقلعة الجبل وغيرها ثلاثة أيام‏.‏ ثم في يوم الأحد سادس عشرين ربيع الآخر مات الأمير سودون السلحدار نائب قلعة الجبل فأنعم السلطان من إقطاعه بنصف قرية كوم أشفين على شريكه الأمير يشبك الفقيه المؤيدي ليكون من جملة أمراء الطبلخانات وأنعم بباقي إقطاع سودون المذكور على الأمير أرغون شاه الأشرفي ليكون من جملة أمراء العشرات وأنعم بإقطاع أرغون شاه المذكور على شريكه الأمير تنبك الأشرفي ليكون تنبك أيضًا أمير عشرة واستقر كسباي المؤيدي السمين نائب قلعة الجبل عوضًا عن سودون المذكور على إمرة عشرة ضعيفة واستقر الأمير جانبك الإسماعيلي المؤيدي المعروف بكوهية هن جملة رؤوس النوب عوضًا عن كسباي المقدم ذكره ولبسا الخلع بعد ذلك بأيام‏.‏
ثم في سلخ شهر ربيع الآخر المذكور خلع السلطان على الأمير برسباي البجاسي حاجب الحجاب باستقراره أمير حاج المحمل‏.‏ وفيه خلع السلطان على الحكماء لعافيته من مرضه وحضر السلطان موكب القصر مع الأمراء والخاصكية على العادة‏.‏
ثم في يوم الاثنين رابع جمادى الأولى استقر الطواشي مرجان الحصكفي مقدم المماليك السلطانية أمير حاج الركب الأول فحصل بتولية مرجان هذا إمرة الحاج الأول على أهل مكة ما لا خير فيه لأنه كان في نفسه وضيعًا لم تشمله تربية مرب لأنه نشأ ببلاد الحصن وخرج منها على هيئه المكدين من فقراء العجم ودار البلاد على تلك الهيئة سنين كثيرة إلى أن اتصل بخدمة جماعة كثيرة من الأمراء ثم آل أمره إلى بيت السلطان وغلط الدهر بولايته النيابة ثم التقدمة ثم بولايته إمرة الركب الأول في هذه السنة فلما سافر أخذ معه جماعة كبيرة من إنياته المماليك الأجلاب ففعلوا في أهل مكة أفعإلا ما تفعلها الخوارج من الظلم وأخذ أموال الناس له ولأنفسهم كما سيأتي ذكر ذلك عند عوده من الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
وفي يوم الخميس سابع جمادى الأولى استقر شمس الدين منصور بن الصلي ناظر ديوان المفرد‏.‏ وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره ركب السلطان الملك الأشرف إينال من قلعة الجبل باكر النهار في أمرائه وأرباب دولته وشق خط الصليبية بغير قماش الموكب وتوجه إلى ساحل بولاق ودام سيره بساحل بولاق إلى أن وصل إلى مدرسة السعدي إبراهيم بن الجيعان التي أنشأها على النيل ورأى ما أنشىء بالجزيرة وساحل بولاق من العمائر والبيوت ثم عاد إلى جهة القاهرة ومر من الشارع الأعظم إلى أن خرج من باب زويلة وطلع إلى القلعة وقد غضب مما رأى من العمائر بساحل بولاق في طريق المسلمين‏.‏
وأصبح من الغد في يوم الأربعاء أمر بالمناداة بأن أحدًا من الناس لا يعمر عمارة بجزيرة أروى المعروفة بالوسطى ولا بساحل بولاق لما رأى من ضيق الطريق من كثرة العمائر وإلاخصاص وأمر أيضًا بهدم أماكن كثيرة فهدمت في اليوم المذكور‏.‏ واستمر والي القاهرة بعد ذلك في الهدم أيامًا كثيرة‏.‏ وأما إلاخصاص والدكاكين التي بالطريق فهدمت عن آخرها‏.‏
وكلم السلطان في الكف عن ذلك جماعة كثيرة فلم يسمع لأحد واستمر على ما رسم به من هدم إلاماكن المذكورة‏.‏ قلت‏:‏ لا بأس بهذه الفعلة لأن كل أحد له في الساحل حق كحق غيره فلا يجوز استقلال أحد به دون غيره‏.‏
وفي يوم الأحد سابع عشر جمادى الأولى المذكور خاشنت المماليك الأجلاب الصاحب جمال الدين ناصر الجيش والخاص في اللفظ بسبب غلو سعر أثواب البعلبكي فأجابهم ‏"‏ بأن هذا ليس هو داخل في حكمي ولا من تعلقاتي بل ذلك راجع إلى محتسب القاهرة ‏"‏‏.‏
وبلغ السلطان ذلك فأصبح السلطان أمر بعزل صلاح الدين أمير حاج بن بركوت المكيني عن حسبة القاهرة واستقر عوضه بالحاج خليل المدعو قاني باي اليوسفي المهمندار مضافًا إلى المهمندارية‏.‏ ثم في يوم الخميس ثامن عشرينه وصل إلى القاهرة قصاد الصارمي إبراهيم بن قرمان صاحب قونية وغيرها وعلى يدهم كتب ابن قرمان المذكور تتضمن الترقق وإلاستعطاف وأنه داخل تحت طاعة السلطان وأنه إن كان وقع منه ما أوغر خواطر السلطنة فقد جرى عليه وعلى بلاده من العساكر السلطانية ما فيه كفاية من النهب والسبي وإلاحراق وغير ذلك وأنه يسأل الرضى عنه وأشياء غير ذلك مما ذكرناه بالمعنى فعفا السلطان عنه بعد توقف كبير‏.‏
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين جمادى الأولى المذكور سافر الأمير بردبك الدوادار الثاني صهر السلطان زوج ابنته إلى دمشق لينظر جامعه الذي أنشأه بها‏.‏ ثم في يوم الاثنين عاشر جمادى الآخرة خلع السلطان على أيدكي الأشرفي الخاصكي ليسافر إلى ابن قرمان صحبة قصاده لتقرير الصلح بين السلطان وبينه‏.‏
وفي يوم الجمعة رابع عشره الموافق لثالث بشنس أحد شهور القبط لبس السلطان القماش الأبيض البعلبكي المعد لأيام الصيف على العادة في كل سنة‏.‏ ثم في يوم الخميس خامس شهررجب من سنة اثنتين وستين المذكورة شفع الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص عند السلطان في الأمير تمربغا أن يفرج عنه من حبس الصبيبة فسمح السلطان له بذلك ورسم له أن يتوجه من الصبيبة إلى دمشق ويقيم بها لعمل مصالحه لأيام الحج ويسافر إلى مكة ويقيم بها بطالًا فوقع ذلك‏.‏
الحريق بساحل بولاق
ثم في يوم الجمعة سادس شهر رجب المذكور كان الحريق العظيم بساحل بولاق الذي لم نسمع بمثله في سالف إلاعصار إلا قليلًا بحيث إنه أتى على غالب أملاك بولاق من ساحل النيل إلى خط البوصة التي هي محل دفن أموات أهل بولاق وعجزت الأمراء والحكام عن إخماده‏.‏
وكان أمر هذا الحريق أنه لما كان صبيحة يوم الجمعة سادس رجب من سنة اثنتين وستين المذكورة هبت ريح عظيمة مريسي وعظمت حتى اقتلعت إلاشجار وألقت بعض مبان واستمرت في زيادة ونمو إلى وقت صلاة الجمعة فلما كان وقت الزوال أو بعده بقليل احترق ربع الحاج عبيد البرددار بساحل البحر وذهب الربع في الحريق عن آخره ومات فيه جماعة من الناس كل ذلك في أقل من ساعة رمل‏.‏ ثم انتقلت النار إلى ربع القاضي زين الدين أبي بكر بن مزهر وغيره‏.‏ وهبت الرياح وانتشرت النيران على إلاماكن يمينًا وشمإلا‏.‏
هذا وحاجب الحجاب وغيره من الأمراء والأعيان وكل أحد من الناس في غاية إلاجتهاد في تخميد النار بالطفي والهدم وهي لا تزداد إلا قوة وانتشارًا على إلاماكن إلى أن وصلت النار إلى ربع الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص وإلى الحواصل التي تحته وأحرقت أعلاه وأسفله وذهب فيه من بضائع الناس المخزونة فيه ما لا ينحصر كثيرة وسارت النار إلى الدور وإلاماكن من كل جهة‏.‏
هذا وقد حضر الحريق جميع أمراء الدولة بمماليكهم وحواشيهم شيئًا بعد شيء والأمر لا يزداد إلا شدة إلى أن صار الذي حضر من الناس لأجل طفي النار كالمتفرج من عظم النار والعجز عن إخمادها وصارت الناس إذا وقعت بمكان لاتزال به حتى يذهب جميعه ويضمحل عن آخره‏.‏ فعند ذلك فطن كل أحد أن النار تسير من دار إلى دار إلى أن تصل إلى القاهرة لعظم ما شاهدوا من هولها والريح المريسي يتداول هبوبها من أول النهار إلى نصف الليل ولشدة هبوب الريح صارت رياحًا لأنها بقيت تارة تهب مريسيًا وهو الأكثر وتارة شمإلا وتارة غير ذلك من سائر الجهات‏.‏
فيئس كل من كان له دار تحت الريح وتحقق زوالها وشرع في نقل متاعه وأثاثه وهو معذور في ذلك لأننا لم نشاهد في عمرنا مثل هذا الحريق لما اشتمل عليه من الأمور الغريبة منها سرعة إلاحراق حتى إن الموضع القديم من إلاماكن الهائلة يذهب بالحريق في أسرع وقت ومنها أن المكان العظيم كان يحترق وبجانبه مكان آخر لم تلحقه شرارة واحدة وربما احترق الذي كان بالبعد عن تلك الدار المحروقة من شرارها والتي بالقرب سالمة‏.‏
ووقع ذلك بعدة أماكن أعجبها وأغربها مسجد كان بالقرب من ساحل البحر وبه منارة من غرد قصيرة وكان هذا المسجد في وسط الحريق والشرار يتطاير من أعلاه من الجهات إلاربع من أول الحريق إلى آخره لم تتعلق به شرارة واحدة وفي المسجد المذكور قبر رجل صالح مدفون فيه قديمًا يعرف بالشيخ محمد المغربي‏.‏
واستمر الأمراء والأعيان يشاهدون الحريق ويطفئون ما قدروا عليه من أطراف المواضع المنفردة وأما الحريق العظيم فلا يستجرىء أحد أن يقربه لعظمه بل يشاهدونه من بعد‏.‏ واستمروا على ذلك إلى بعد أذان عشاء الآخرة ثم ذهب كل واحد إلى داره والنار عمالة إلى نصف الليل فأخذ أمر الريح في انحطاط‏.‏
فلما كان باكر نهار السبت سابع شهر رجب المذكور نزل المقام الشهابي أحمد ابن السلطان من قلعة الجبل وتوجه إلى بولاق لأجل الحريق فوجد جميع أمراء الدولة هناك كما كانوا في أمسه فلم يؤثر حضور الجميع في النار شيئًا غير أن الريح كان سكن وأخذت النار حدها في إلاحراق من كل مكان كانت به فعند ذلك اجتهد كل أحد في إخمادها وهم ما تعلق به النار من إلاماكن وأقاموا على ذلك أيامًا كثيرة والنار موجودة في إلاماكن والجدر والحيطان والناس تأتي لبولاق أفواجًا للفرجة على هذا الحريق العظيم حتى صارت تلك إلاماكن كبعض المفترجات وعملت الشعراء والأدباء في هذا الحريق عدة قصائد وقطع‏.‏
وقد أنشدني الشيخ علم الدين إلاسعردي الحصني قصيدة من لفظه لنفسه في هذا المعنى أولها‏:‏ مخلع البسيط أتتهم الذاريات ذروا وتلتها العاصفات عصفا أثبت هذه القصيدة في تاريخنا ‏"‏ الحوادث ‏"‏ كونه محل ذكر هذه الأشياء‏.‏ والقصيدة المذكورة نظم عالم لا شاعر‏.‏
ما ذهب في هذا الحريق من إلاماكن تخمينًا فكان عدة ما احترق فيه من إلارباع زيادة على ثلاثين ربعًا كل ربع يشتمل على مائة سكن وأكثر أعني أعاليه وأسفله وما به من الحوانيت والمخازن ذكرناها في ‏"‏ الحوادث ‏"‏ بأسمائها ما خلا الدور وإلاماكن وإلافران والحوانيت وغير ذلك‏.‏ وقد اختلف في سبب هذا الحريق على أقوال كثيرة‏.‏ منهم من قال‏:‏ إنها صاعقة نزلت من السماء والخطيب على المنبر‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ إنه نزلت من جهة السماء نوع شرارة فاحترق المكان الأول منها‏.‏
ومنهم من قال‏:‏ إن الأرض كأن النار تنبع منها‏.‏ وإلاقوال كلها على أن سبب هذه النار آفة سماوية‏.‏
ثم بعد ذلك بأيام أشيع أن الذي كان يفعل ذلك أعني يلقي النار في إلاماكن هم جماعة من القرمانية ممن أحرق العسكر المصري امكنتهم لما توجهوا إلى تجريدة ابن قرمان وشاع القول فى أفواه الناس‏.‏
ثم ظهر للناس بعد ذلك أن الذي صار يحرق من إلامكنة بالقاهرة وغيرها بعد حريق بولاق إنما هو من فعل المماليك الجلبان لينهبوا ما في بيوت الناس عندما تحرق فإنه تداول إحراق البيوت أشهرًا والله أعلم‏.‏
وغالب إلاماكن التي احترقت كانت عمرت بساحل بولاق في دولة الظاهر جقمق‏.‏ وقد افتقر من هذا الحريق خلائق كثيرة وعلى الله العوض‏.‏
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر رجب المذكور وصل الأمير بردبك الدوادار الثاني من الشام‏.وفيه أيضًا نودي بزينة القاهرة لدوران المحمل ونهى السلطان المماليك الأجلاب عن أن يعمل أحد منهم عفاريت المحمل‏.‏
وسببه أنهم فعلوا ذلك في السنة الخالية وأفحشوا في الطلب من الناس وصاروا يدخلون إلى دور الأمراء والأعيان ويكلفونهم الكلفة الزائدة وما كفاهم ذلك حتى صار العفريت منهم إذا مر بالشارع على فرسه بتلك الهيئة المزعجة يجبي الدكاكين وإذا صدف رئيسًا من بياض الناس أمسكه وأخذ منه ما شاء غصبًا وإن لم يعطه أخرق به ورماه عن فرسه حتى صار الرجل إذا رأى واحدًا من هؤلاء أسرع في مشيه بالدخول في زقاق من إلازقة أو بيت من البيوت فضر ذلك بحال الناس كثيرًا وتركوا فرجة المحمل بل صاروا يترقبون فراغ المحمل ليستريحوا من هذه الآنواع القبيحة‏.‏
فلما جاء أوان المحمل في هذه السنة دخل على قلوب الناس الرجيف بسبب ما وقع من المماليك في العام الماضي فكلم أعيان الدولة السلطان في إبطال المحمل أو نهي الجلبان عن تلك الفعلة القبيحة فلهذا رسم السلطان في هذه السنة بإبطال عفاريت المحمل بالكلية‏.‏
ثم في يوم الاثنين سادس عشر شهر رجب هذا أدير المحمل على العادة في كل سنة ولم يقع من الأجلاب شيء مما وقع منهم في السنة الماضية‏.‏ ثم تداول الحريق بعد ذلك بخط بولاق والقاهرة وقوي عند الناس أن الذي يفعل ذلك إنما هو من تركمان ابن قرمان‏.‏ ثم وقع الحريق أيضًا في شعبان بأماكن كثيرة وداخل الناس جميعًا الرعب من هذا الأمر‏.‏
فلما كان يوم السبت ثاني عشر شعبان نودي بشوارع القاهرة ومصر بتوجه كل غريب إلى أهله وكذلك في يوم الأحد فلم يخرج أحد لعدم التفات السلطان لإخراجهم‏.‏ ثم وقع حريق آخر وآخر فنودي في آخر شعبان بخروج الغرباء بسبب الحريق من الديار المصرية فلم يخرج أحد‏.‏ وتداول وقوع الحريق بالقاهرة في غير موضع‏.‏
مرض السلطان
ثم في أول شهر رمضان مرض السلطان مرضًا لزم منه الفراش وأرجف بموته وطلع إليه أكابر الأمراء فتكلم معهم في العهد لولده أحمد بالسلطنة من غير تصريح بل في نوع النكر من ولده ويقول ما معناه أن ولده ليس كمن مضى من أولاد الملوك الصغار وأن هذا رجل كامل يعرف ما يراد منه وما أشبه هذا المعنى فصار هو يتكلم وجميع الأمراء سكوت لم يشاركه أحد فيما هو فيه إلى أن سكت وانفض المجلس‏.‏ ثم عوفي بعد ذلك ودقت البشاثر بقلعة الجبل وغيرها أيامًا‏.‏
ثم فى يوم الاثنين سادس شهر رمضان أخرقت المماليك الأجلاب بالأمير قانم التاجر المؤيدي أحد مقدمي الألوف وهو نازل من الخدمة بغير قماش الموكب وضربه بعضهم على رأسه وظهره وجاؤوا بجموعهم إلى داره من الغد ليهجموا عليه فمنعهم مماليكه من الدخول عليه فوقع القتال بينهم وجرح من الفريقين جماعة‏.‏
فأخذ قانم المذكور يتلافى أمرهم بكل ما تصل القدرة إليه فلم يفد ذلك إلا أنه صار يركب وحده من غير مماليك ويطلع الخدمة وينزل على تلك الهيئة واستمر على ذلك نحو السنتين‏.‏
ثم في هذه الأيام أيضًا تداول الحريق بالقاهرة وظواهرها وضر ذلك كثيرًا بحال الناس وقد قوي عندهم أن ذلك من فعل القرمانية والمماليك الأجلاب‏:‏ يعنون بالقرمانية والأجلاب أن القرمانية إذا فعلوا ذلك مرة ويقع الحريق فتنهب المماليك إلاقمشة وغيرها لما يطلدون الدور المحروقة للطفي فلما حسن ببال المماليك ذلك صاروا يفعلون ذلك‏.‏ قلت‏:‏ ولا أستبعد أنا ذلك لقلة دينهم وعظم جبروتهم عليهم من الله ما يستحقونه من العذاب والنكال انتهى‏.‏
ثم استهل شوال أوله الجمعة فوقع فيه خطبتان وتشاءم الناس بذلك على الملك فلم يقع إلا الخير والسلامة وكذبت العادة‏.‏
موت ملك قبرس
ثم في يوم الجمعة خامس عشره ورد الخبر على السلطان بموت جاك الفرنجي صاحب قبرس وأنهم ملكوا عليهم ابنته مع وجود ولد ذكر لأمر أجاز تقديم البنت على الصبي على مقتضى شريعتهم ووقع بسبب ذلك أمور وغزوات يأتي ذكرها في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وقد حررنا ذلك كله في ‏"‏ الحوادث ‏"‏‏.‏
وفي يوم الاثنين ثامن عشره خرج أمير حاج المحمل بالمحمل من القاهرة وهو الأمير برسباي البجاسي حاجب الحجاب وأمير الركب الأول الطواشي مرجان الحصكفي مقدم المماليك السلطانية‏.‏ ثم في العشر إلاخير من هذا الشهر ورد الخبر من الإسكندرية بموت الخليفة القائم بأمر الله حمزة بها كما سيأتي ذكره في الوفيات إن شاء الله‏.‏
ثم في يوم الخميس سابع عشرين ذي القعدة خلع السلطان على ولده المقام الشهابي أحمد باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضًا عن الأمير الكبير تنبك البردبكي بحكم وفاته وأنعم السلطان بإقطاع ولده أحمد على ولده الصغير المقام الناصري محمد وصار محمد أمير مائة ومقدم ألف وأنعم بإقطاع محمد المذكور وهو إمرة طبلخاناه على الأمير جانبك الصوفي الناصري المرتد أحد أمراء الطبلخانات زيادة عى ما بيده ليكون جانبك أيضًا أمير مائة ومقدم ألف‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثاني عشرين ذي الحجة خلع السلطان على القاضى شرف الدين التتائي الآنصاري باستقراره ناظر الجيوش المنصورة عوضًا عن الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم بحكم وفاته في يوم الخميس ثامن عشر ذي الحجة‏.‏
وخلع السلطان أيضًا على الأمير زين الدين عبد الرحمن بن الكويز باستقراره ناظر الخاص الشريف عوضًا أيضًا عن الصاحب جمال الدين يوسف المقدم ذكره‏.‏ ثم في يوم السبت سابع عشرين ذي الحجة أيضًا استقر القاضى زين الدين أبو بكربن مزهر ناظر جوالي دمشق وأنه يتوجه إلى دمشق لضبط تعلقات الجمالي ناظر الخاص ثم بطل ذلك قبل أن يلبس الخلعة‏.‏
ودخلت سنة ثلاث وستين وثمانمائة‏:‏ في أولها كانت الزلزلة المهولة بمدينة الكرك أخربت أماكن من قلعتها ودورها وأبراجها‏.‏
وفي يوم الخميس ثانيه استقر القاضي علاء الدين علي بن مفلح قاضي الحنابلة بدمشق وكاتب سرها بعد عزل القاضي قطب الدين محمد الخيضري بمال كثير بذله في الوظيفتين‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء استقر القاضي تاج الدين عبد الله بن المقسي ناظر الدولة كاتب المماليك السلطانية بعد عزل سعد الدين بن عبد القادر‏.‏
وفي رابع صفر استقر علي بن إسكندر محتسب القاهرة بعد عزل بور الدين بن البوشي‏.‏ وفيه استقر إياس البجاسي نائب القدس بعد عزل البدري حسن بن أيوب ثم عزل إياس المذكور في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأول بشاه منصور بن شهري‏.‏ ثم في يوم الأربعاء خامس شهر ربيع الأول المذكور ورد الخبر بموت الأمير يشبك من جانبك المؤيدي الصوفي أتابك دمشق بها فاستقر في أتابكية دمشق عوضه الأمير علان شلق المؤيدي أحد أمراء دمشق بمال بذله في ذلك نحو العشرة إلاف دينار وأنعم بتقدمة علان المذكور على شادبك السيفي جلبان مضافًا إلى دوادارية السلطان بدمشق وذلك أيضًا بالبذل‏.‏
ورسم بإقطاع شادبك المذكور للأمير قراجا الظاهري وهو بالقدس بطالًا ليكون بيده وهو طرخان ثم بطل ذلك‏.‏ ثم في يوم الخميس حادي عشر شهر ربيع الآخر رسم السلطان بنقل الأمير جانم الأشرفي نائب حلب من نيابة حلب إلى نيابة دمشق بعد موت الأمير قاني باي الحمزاوي بحكم وفاته وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير جانبك من أمير الظريف الأشرفي أحد أمراء الطبلخانات وخازندار‏.‏
ورسم بانتقال الأمير حاج إينال اليشبكي من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب عوضًا عن جانم الأشرفي المذكور وصار مسفره الأمير سودون الإينالي المؤيدي قراقاس ثاني رأس نوبة‏.‏ ورسم باستقرار الأمير إياس المحمدي الناصري الطويل نائب حماة في نيابة طرابلس عوضًا عن حاج إينال ومسفره الأمير جاني بك الإينالي الأشرفي ألمعروف بقلقسيز أحد أمراء العشرات ورأس نوبة‏.‏
ورسم باستقرار الأمير جانبك التاجي المؤيدي نائب صفد فى نيابة حماة عوضًا عن إياس المحمدي ومسفره جانم المؤيدي المعروف بحرامي شكل أحد العشرات ورأس نوبة‏.‏ ورسم باستقرار خيربك النوروزي نائب غزة في نيابة صفد عوضًا عن جانبك التاجي ومسفره قانم طاز الأشرفي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة‏.‏
ثم استقر بعد مدة الأمير بردبك العبد الرحماني أحد أمراء الألوف بدمشق في نيابة غزة عوضًا عن خيربك النوروزي المقدم ذكره وصار مسفره السيفي خيربك من حديد إلاجرود أحد الدوادارية الخاصكية‏.‏ قلت‏:‏ وجميع ولاية هؤلاء النواب المذكورين بالبذل ما خلا الأمير جانم نائب الشام‏.‏ ثم أنعم السلطان بتقدمة بردبك العبد الرحماني الذي بدمشق على الأمير قراجا الظاهري المقدم ذكره‏.‏ ثم في يوم الخميس عاشر جمادى الأولى استقر الأمير بردبك الأشرفي الدوادار الثاني وصهر السلطان أمير حاج المحمل واستقر الأمير كسباي الششماني المؤيدي أحد أمراء العشرات أمير الركب الأول‏.‏
واستقر الأمير يرشباي الإينالي المؤيدي الأمير آخور الثاني كان وأحد أمراء الطبلخانات الآن أمير المماليك المجاورين بمكة ورسم لأسندمر الجقمقي بالمجيء من مكة إلى مصر‏.‏ ثم في يوم السبت ثاني عشر جمادى الأولى المذكور استقر القاضي محمب الدين بن الشحنة الحلبي الحنفي كاتب السر الشريف بالديار المصرية بعد عزل القاضي محب الدين بن الأشقر‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء خامس شهر رجب أمسك السلطان القاضي شرف الدين موسى الآنصاري ناظر الجيش وسلمه إلى الطواشي فيروز النوروزي الزمام والخازندار فدام عنده إلى أن صودر وأخذ منه جمل من إلاموال بغير استحقاق بعد أن عزل عن وظيفة نظر الجيش كما سيأتي ذكره‏.‏ ثم ورد الخبر على السلطان من حلب أن الطادون فشا بها وكثر‏.‏
ثم في يوم الخميس رابع عشر شهر رجب استقر القاضي برهان الدين إبراهيم بن الديري ناظر الجيوش المنصورة عوضًا عن الآنصاري المقدم ذكره بمال كثير بذله في ذلك‏.‏ ثم في يوم السبت سادس عشر رجب تعرض جماعة من المماليك الأجلاب للأمير زين الدين الأستادار فهرب منهم فضربوا الوزير وبهدلوه إلى الغاية ولم ينتطح في ذلك عنزان لقوة شوكة الأجلاب في هذه الأيام حتى تجاوزت الحد وبطل أمر حكام الديار المصرية قاطبة وصار من كان له حق أو شبه حق لا يشتكي غريمه إلا عند الأجلاب ففي الحال يخلص حقه من غريمه إما على وجه الحق أو غيره فخافهم كل أحد لا سيما التجار والبيعة من كل صنف‏.‏
وترك غالب الناس معايشهم خوفًا على رأس مالهم فعز بسبب ذلك وجود أشياء كثيرة ووقع الغلاء في جميع الأشياء لاسيما في إلاصناف المتعلقة بالأجناد مثل الشعير والتبن والدريس ومما أشبه ذلك من أنواع أقمشة الخيل والبغال والمتعلقة بذلك حتى صار لا يوجد بالكلية إلا بعد عسر كبير وصار من له ضيافة من تبن أو دريس أو شعير من الأجناد يسافر من القاهرة ويلاقيه ويمشي معه حتى يصل إلى بيته إن قدر على ذلك وإن كان أميرًا أرسل إلى ملاقاته بعض مماليكه وربما أخذوا ممن استضعفوه من الأجناد أو مماليك الأمراء وزاد هذا الأمر حتى أضر بجميع الناس قاطبة ولا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
وفي يوم الأحد سابع عشر شهر رجب تعرض بعض المماليك الأجلاب للقاضي محب الدين ابن الشحنة كاتب السر وهو طالع إلى الخدمة السلطانية وضربه من غير أمر يوجب ضربه أو الكلام معه‏.‏ وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره استقر الأمير ناصرالدين بن محمد القساسي المعروف بمخلع دوادار السلطان بحلب‏.‏ وفي يوم الخميس حادي عشرين رجب أيضًا استقر البدري حسن بن أيوب في نيابة القدس بعد عزل منصور بن شهري‏.‏ وفيه رسم السلطان بطلب أبي الخير النحاس من البلاد الشامية على يد ساع‏.‏ وفي يوم السبت أول شعبان وقع حريق عظيم ببندر جدة بالحجاز‏.‏
وفيه توفي خيربك المؤيدي الأشقر الأمير آخور الثاني وأنعم السلطان بإقطاعه على الأمير بردبك المحمدي الظاهري المعروف بالهجين الأمير آخور الثالث وأنعم بإقطاع بردبك المذكور على تغري بردي الأشرفي وأنعم بإقطاع تغري بردي على قراجا الأشرفي الأعرج وتغري بردي وقراجا كلاهما من مماليك السلطان القديمة أيام إمرته‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثالث شعبان المذكور استقر الأمير يلباي الإينالي المؤيدي أحد أمراء الطبلخانات أمير آخور ثانيا عوضًا عن خيربك الأشقر المقدم ذكره‏.‏
وفيه استقر دولات باي الظاهري نائب رأس نوبة الجمدارية رأس نوبة الجمدارية عوضًا عن قراجا الطويل الأعرج الذي تأمر‏.‏ واستقر في نيابة رأس نوبة الجمدارية شخص يسمى قايتباي الأشرفي فوثب شخص من الخاصكية الأجلاب يسمى برسباي وجذب سيفه بالقصر السلطاني بسبب ولاية هذين لهاتين الوظيفتين ولكونه لم لا ولي هو إحداهما ثم وقع منه أمورأضربنا عن ذكرها خوفًا على ناموس ملك مصر‏.‏
ثم في يوم السبت ثامن شعبان رسم بإطلاق القاضي شرف الدين الآنصاري من مكانه بقلعة الجبل بعد أن أخذ منه جملة مستكثرة من الذهب العين وغيره‏.‏ ثم في يوم الأحد تاسعه ضرب السلطان مملوكين من مماليكه الأجلاب وحبسهما لأجل قتلهما نانق الظاهري ولم يقتلهما به كما أمر الله تعالى‏.‏ ثم في يوم ثاني شهر رمضان وصل أبو الخير النحاس من البلاد الشامية إلى لقاهرة وخلع السلطان عليه كاملية بمقلب سمور‏.‏
وفي يوم الثلاثاء تاسعه قدم أبو الخير النحاس إلى السلطان اثنين وسبعين فرسًا وثلاثين بغلًا‏.‏ وفي يوم الجمعة ثاني عشر شهر رمضان المذكور نهبت العبيد والمماليك الأجلاب النسوة اللاتي حضرن صلاة الجمعة بجامع عمرو بن العاص رضي الله عنه بمصر القديمة وأفحشوا في ذلك إلى الغاية وكل مفعول جائز‏.‏
ثم في يوم الاثنين خامس عشر استقر أبو الخير النحاس ناظر الذخيرة السلطانية ووكيل بيت المال‏.‏ وفي يوم الأحد حادي عشرينه أغلقت المماليك الأجلاب باب القلعة ومنعوا الأمراء والمباشرين من النزول إلى دورهم بسبب تعويق عليق خيولهم وفعلوا ذلك أيضًا من الغد إلى أن رسم لهم عوضًا عن كل عليقة مائتا درهم‏.‏
ثم في يوم الخميس خامس عشرين شهر رمضان المقدم ذكره استقر خشقدم السيفي أردبغا الذي كان دوادار القاني باي الحمزاوي نائب الشام في حجوبية طرابلس على سبعة إلاف دينار بعد عزل شادبك الصارمي‏.‏ وفي يوم الأحد ثامن عشرينه وصل إلى الديار المصرية جاكم الفرنجي ابن جوان صاحب جزيرة قبرس بطلب من السلطان ليلي عوضًا عن أبيه ملك قبرس وكان أهل قبرس ملكوا عليهم أخته مع وجوده كونه ابن زنا أو غير ذلك لأمر لا يجوز وليته في ملتهم‏.‏
وفي هذا الشهر أخذ الطادون في انحطاط من مدينة حلب وانتشر فيما حولها من البلدان والقرى بعد أن مات منها نحو من مائتي ألف إنسان‏.‏ ثم في يوم الخميس ثالث شوال ضربت المماليك الأجلاب أبا الخير النحاس وأخذوا عمامته من على رأسه فتزايد ما كان به من الضعف فإنه كان مستضعفًا قبل ذلك بمدة‏.‏ وأخذ أمره من يومئذ في انحطاط ولزم الفراش إلى أن مات حسبما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏ وفي يوم السبت خامس شوال عمل السلطان الموكب بالحوش السلطاني من قلعة الجبل وأحضر جاكم بن جوان الفرنجي وخلع عليه كاملية وخلع على اثنين أخر من الفرنج الذين قدموا معه وأعطاه السلطان فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش وركب الفرس المذكور وغيره مدة إقامته بالديار المصرية وولاه نيابة قبرس ووعده بالقيام معه وتخليص قبرس له‏.‏
ثم في يوم الخميس سابع عشر شوال خرج أمير حاج المحمل بالمحمل وهو الأمير بردبك الدوادار الثاني وأمير الركب الأول الأمير كسباي من ششمان أحد امراء العشرات‏.وفي يوم الخميس أول ذي القعدة شرع السلطان في عمارة مراكب برسم المجهاد وإرسال جاكم صحبتهم إلى قبرس وجعل المتحدث على عمارة المراكب المذكورة سنقر الأشرفي الزردكاش المعروف بقرق شبق فباشر سنقر المذكور عمل المراكب أقبح مباشرة من ظلم وعسف وأخذ إلاخشاب بأبخس إلاثمان إن وزن ثمنًا‏.‏
وفعل هذا الشقي أفعإلا لا يفعلها الخوارج عليه من الله ما يستحق من الخزي والنكال بحيث إنه جمع من هذا المال الخبيث جملة كبيرة خرجت منه بالمصادرة والنهب والحريق ‏"‏ وما ربك بظلام للعبيد ‏"‏‏.‏
ثم في يوم الاثنين خامس ذي القعدة سافر تغري بردي الطياري الخاصكي قاصدًا قبرس ليخبر أهلها أن السلطان يريد ولاية جاكم هذا على قبرس مكان والده وعزل أخته ويلومهم على عدم ولاية جاكم هذا وتقديم أخته عليه‏.‏ وفي يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة مات الأمير بايزيد التمربغاوي أحد أمراء الألوف بالديار المصرية وأنعم السلطان بتقدمته وإقطاعه على الأمير سيودون الإينالي المؤيدي رأس نوبة ثان بمال بذله سودون في ذلك وأنعم بإقطاع سودون المذكور وهو إمرة طبلخاناه على الأمير خشكلدي القوامي الناصري‏.‏
وفى أول سنة أربع وستين وثمانمائة الذى بدأ بيوم الأحد‏.‏
وفي يوم الثلاثاء سابع عشر المحرم من السنة المذكورة وصلت الغزاة المتوجهة قبل تاريخه إلى بلاد الجرون ببر التركية لإحضار إلاخشاب وكان مقدم هذا العسكر أربعة من الأمراء العشرات وهم‏:‏ قاني باي قراسقل المؤيدي والأمير جانبك الإسماعيلي المؤيدي المعروف بكوهية والأمير مغلباي طاز المؤيدي والأمير بردبك اليشبكي المشطوب‏.‏
وفي يوم سابع عشرينه الموافق لسادس عشر هاتور لبس السلطان القماش الصوف الملون وألبس الأمراء على العادة في كل سنة‏.‏ وفي هذا الشهر عظم الطادون بمدينة غزة وأباد الموت أهلها حتى تجاوز عدد الموتى بها في اليوم سبعمائة وقيل أكثر وأقل ‏"‏‏.‏ وفى يوم السبت ثاني عشر صفر خلع السلطان على فارس مملوك الطواشي فيروز الركني باستقراره وزيرًا بعد تسحب علي بن الأهناسي فلم يحسن فارس المذكور المباشرة سوى يوم واحد وعجز وكاد أن يهلك‏.‏
وكان لولايته أسباب منها‏:‏ أنه كان يبرق ويرعد ويوسع في الكلام في نوع المباشرة وغيرها فحسب السامع أن ‏"‏ في السويداء رجإلا ‏"‏ واستسمن ورمه فولاه فما هو إلا أن أرمى الخلعة على أكتافه حتى ظهر عليه العجز الفاضح في الحال وضاق عليه فضاء الدنيا وخسر في اليوم المذكور جملًا مستكثرة‏.‏ واستعفى وترامى على أكابر الدولة وكاد أن يهلك لولا أن أعفي وعزل بعد أن الزم بشيء له جرم على ما قيل وولي الصاحب شمس الدين منصور الوزر عنه‏.‏
قلت‏:‏ ما أحسن الأشياء في محلها وحينئذ اعطي القوس لراميه‏.‏ وفي يوم الخميس سابع عشر صفر ورد الخبر من الشام بموت الأمير علان شلق المؤيدي أتابك دمشق‏.‏
وفي يوم ثامن شهر ربيع الأول استقر الحاج محمد الأهناسي البرددار وزيرًا بعد عزل الصاحب شمس الدين منصور من غير عجز بل لمعنى من المعاني‏.‏ والحاج محمد هذا هو والد علي بن الأهناسي المقدم ذكره فى الوزر والأستادارية وولي الوزر قبل أن تسبق له رئاسة في نوع من الآنواع لأن كلا الوالد والولد عار عن الكتابة ومعرفة قلم الديونة ولم يكن لهما صنعة غير الرسلية والبرددارية لا غير فباشر الحاج محمد هذا الوزير أحد عشر يومًا وعزل وأعيد الصاحب شمس الدين منصور للوزر ثانيًا‏.‏
وفي يوم الاثنين ثاني عشر شهر ربيع الأول استقر الأمير تغري بردي الأشرفي أحد أمراء العشرات نائب الكرك وأنعم بإقطاعه على ابن الأمير بردبك الدوادار الثاني والمنعم عليه هو ابن بنت السلطان‏.‏ ثم في يوم الخميس ثاني عشرينه استقر الأمير تمرباي ططر الناصري أحد أمراء العشرات أمير حاج المحمل‏.‏ ثم في يوم الأحد خامس عشرين شهر ربيع الأول المذكور عمل السلطان المولد النبوي بالحوش السلطاني على العادة في كل سنة وأحضر السلطان جاكم الفرنجي ابن صاحب قبرس وأجلسه عند أعيان مباشري الدولة فعظم ذلك على الناس قاطبة‏.‏
قلت‏:‏ ولعل السلطان ما أحضره في هذا المجلس إلا ليريه عز الإسلام وذل الكفر‏.‏ ثم في أول شهر ربيع الآخر ظهر الطادون بمدينة بلبيس وخانقاه سرياقوس‏.‏ من ضواحي القاهرة‏.‏
وكان أول الشهر يوم الجمعة الموافق لأول طوبة من شهور القبط فتخوف كل أحد من مجيء الطادون إلى القاهرة‏.‏ هذا مع ما الناس فيه من جهد البلاء من غلو إلاسعار وظلم المماليك الأجلاب الذي خرج عن الحد وعدم الأمن وكثرة المخاوف في إلازقة والشوارع بحيث إن الشخص صار لا يقدر على خروجه من داره بعد أذان عشاء الآخرة حتى ولا لصلاة الجماعة ولو كان جار المسجد‏.‏
وإن أذن العشاء والشخص خارج عن داره هرول في مشيه واسرع لئلا تغلق عليه الدروب التي عمرتها رؤساء كل حارة خوفا على بيوتهم من المناسر والحرامية لأن والي القاهرة خيربك القصروي حط عنه أمور الناس وانعكف على ما هو عليه من المفاسد وسببه أنه علم أن الذي يتعبث على الناس أو يسرق إنما هو من المماليك الأجلاب أو من أتباعهم وعلم مع ذلك ميل السلطان إلى الأجلاب واتفق بعد ذلك كثرة السراق وفتح البيوت وهجم المناسر على الحارات وكلمه السلطان في ذلك بكلام خشن ووبخه في الملأ وكان أن يفتك به فأوهم الوالي السلطان بالتلويح في كلامه أن الذي يفعل ذلك إنما هو من المماليك الأجلاب ة وكان الذي لوحه الوالي إلى السلطان قوله‏:‏ ‏"‏ يا مولانا السلطان أنا ما لي شغل ولا حكم على من يلبس طاقية يعني المماليك وما حكمي إلا على العوام والحرامية ‏"‏ فسكت السلطان ولم يكلمه بعد ذلك إلا في غير هذا المعنى فوجد الوالي بذلك مندوحة لسائر أغراضه وحط عنه واستراح وانحل النظام وضاعت حقوق الناس وأخذ كل مفسد يتزيا بزي الجند ويفعل ما أراعه وصار الوالي هو كبير الحرامية ولا قوة إلا بالله‏.‏
وفي يوم السبت تاسع شهر ربيع الآخر اختفى الصاحب شمس الدين منصور وتعطل بسبب غيابه رواتب المماليك السلطانية فاستغاثوا المماليك الأجلاب ومنعوا الأمراء يوم الأربعاء من طلوع القلعة وامتنعوا من طلوع الخدمة يوم الخميس أيضًا رابع عشره‏.‏ وطلع الأمير يونس الدوادار إلى القلعة بغير قماش الخدمة فلما وصل إلى باب القلعة احتاطت به المماليك الأجلاب وسألوه أن يكلم السلطان في أمرهم فدخل الأمير يونس المذكور إلى السلطان وذكر له ذلك‏.‏
ثم ترعرت الرسل بين السلطان وبينهم إلى أن آل الأمر إلى طلب سعد الدين فرج بن النحال واستقر وزيرًا على عادته أولا على شروط ونزل من وقته وباشر الوزر وسكن الأمر‏.‏ وقد ذكر لي الصاحب شمس الدين أنه لم يختف إلا بإذن السلطان‏.‏



إنتشار الطاعون بالقاهرة

وكان عدة من ورد اسمه الديوان من الأموات في يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الآخر المذكور الموافق لسابع عشر أمشير وهو يوم تنتقل الشمس إلى برج الحوت خمسة وثلاثين نفرًا ولها تفصيل وذلك خارج عن البيمارستان المنصوري والأوقاف والقرافتين والصحراء وبولاق ومصر القديمة‏.‏
وأما ضواحي القاهرة وإقليم الشرقية والغربية من الوجه البحري فقد تزايد الطاعون فيها حتى خرج عن الحد وهو إلى الآن في زيادة‏.‏ وكان أمر الطاعون في القرى أنه إذا وقع بقرية يفني غالب من بها ثم ينتقل إلى غيرها وربما اجتاز ببعض القرى ولم يدخلها فسبحانه يفعل في ملكه ما يريد‏.‏
وفي يوم الخميس حادي عشرينه ضرب المماليك الأجلاب الأمير زين الدين الأستادار بسبب عليق الخيول ضربًا مبرحًا وانقطع بسبب ذلك عن الخدمة أيامًا كثيرة‏.‏ وفي يوم السبت ثالث عشرينه وقع من بعض المماليك الأجلاب إخراق في حق الأمير يونس الدوادار والشخص المذكور يسمى قانصوه وكان ذلك في الملأ من الناس ونزل الأمير يونس إلى داره وهو في غاية ما يكون من الغضب فما كفى قانصوه المذكور ما وقع منه في القلعة في حق الأمير يونس حتى نزل إليه بداره وأساء عليه ثانيًا بحضرة مماليكه وحواشيه فلم يسع الأمير يونس المذكور إلا أن قام من مجلسه وعزل نفسه عن الدوادارية ودخل إلى فى داره من وقته وأقام بها من يومه‏.‏
ثم في الغد لم يقع من السلطان على قانصوه المذكور بسبب ما وقع منه في حق الأمير يونس كبير أمر ولا كلمه الكلام العرفي غير أن ابن السلطان الشهابي أحمد أرسل سأل الأمير يونس في الطلوع إلى القلعة وحضور الخدمة‏.‏ ثم إن بعض الأمراء أخذ قانصوه المذكور وأتى به إلى الأمير يونس حتى قبل يده ولازال ذلك الأمير وغيره بالأمير يونس حتى رضي عنه بعد أن أوسعه سبًا وتوبيخًا وذلك حيث لم يجد يونس له ناصرًا ولا معينًا‏.‏
وأغرب من هذا أنه بلغني أن قانصوه لما أفحش في أمر الأمير يونس أولًا ربما أضاف إليه السلطان في بعض إلاساءة والسلطان يسمع كلامه‏.‏ قلت‏:‏ إن صح هذا فهو مما يهون علي الأمير يونس ما وقع في حقه من قانصوه‏.‏
وفي يوم الاثنين خامس عشرينه عجز الأمير زين الدين الأستادار عن القيام بجامكية المماليك السلطانية فقام إلى السلطان شخص من الخاصكية الأجلاب يسمى جانبيه المجنون وقال السلطان‏:‏ ‏"‏ الملوك التي كانت قبلك كانوا ينفقون الجوامك لأي شيء أنت ما تعطي مثلهم ‏"‏‏.‏ فغضب السلطان من كلامه وطلب العصي ليضربه فخرج جماعة من الأجلاب من خجداشيته وجذبوه من بين يدي السلطان وتوجهوا به إلى الطبقة ولم يتكلم السلطان بكلمة واحدة‏.‏
هذا والطاعون أمره في زيادة‏.‏
فلما استهل جمادى الأولى الموافق لتاسع عشرين أمشير كان في التعريف أعني عدة من يرد اسمه الديوان من الأموات ستين نفرًا وهذا خلاف إلاماكن المقدم ذكرها من البيمارستان والطرحى والقرافتين والصحراء ومصر وبولاق‏.وأما نواحي أرياف الوجه البحري ففي زيادة حتى قيل إنه كان يموت من خانقاه سرياقوس في اليوم ما يزيد على مائتي نفر‏.‏
ووصل في هذه الأيام عدة من يموت بالمحلة الكبرى إحدى قرى القاهرة كل يوم زيادة على مائتين وخمسين إنسانًا وهذا أمر كبير كون أن المحلة وإن كانت مدينة هي قرية من القرى ومثلها كثير من أعمال الديار المصرية‏.‏
غير أن ذلك كان نهاية الطادون بها وابتداءه بالقاهرة فإن الطادون كان وقع بإلارياف قبل القاهرة بمدة فلما أخذ الطادون في انحطاط من إلارياف أخذ في الزيادة بالقاهرة ومصر وضواحيها كما هي عادة الطادون وانتقاله من بلد إلى أخرى‏.‏ وفي يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى من سنة أربع وستين المذكورة أنعم السلطان على سودون الأفرم الظاهري الواصل قبل تاريخه من البلاد الشامية بإمرة عشرة بعد موت الأمير أسندمر الجقمقي‏.‏
وفي هذا اليوم أيضًا كان عدة من ورد التعريف بهم من الأموات بالقاهرة فقط مائة وعشرة نفر ولها تفصيل ما بين رجال ونساء وصبيان وموال وليس لذكر التفصيل هنا محل‏.‏ وكان من شأن هذا الطادون أنه ينقص في اليوم نقصًا قليلًا عن أمسه ثم يزيد في الغد كثيرا إلى أن انتهى ونقص وهو على هن‏!‏ الصفة‏.‏ وفي هذه الأيام بلغ عدة من يموت في اليوم بخانقاه سرياقوس أكثر من ثلاثمائة نفر ويقول المكثر أربعمائة وبالمحلة ثلاثمائة وفي مدينة منف في يوم واحد نحوًا من مائتين وقس على هذا في سائر القرى وهذا نهاية النهاية الآن‏.‏
وفي يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى يوم تنتقل الشمس فيه إلى برج الحمل كان فيه عدة من ورد اسمه التعريف مائة وسبعين نفرًا وجاء في هذا اليوم عدة من صلي عليه من الأموات بمصلاة باب النصر على حدتها مائة نفر فكيف يكون التعريف كله مائة وسبعين وبالقاهرة مصلوات كثيرة نذكرها بعد ذلك في محلها‏!‏‏.‏ وأبلغ من هذا أن الأمير زين الدين الأستادار ندب جماعة من الناس بأجرة معينة إلى ضبط جميع مصلوات القاهرة وظواهرها وكان ما حرروه ممن صلي عليه في اليوم ستمائة إنسان فعلى هذا لا عبرة بذكر التعريف المكتتب من ديوان المواريث غير أن فائدة ذكر التعريف تكون لمعرفة زيادة الوباء ونقصه لا غير ففي ذكره فائدة ما‏.‏
وفي يوم الجمعة عشرين جمادى الأولى كان فيه التعريف مائتين وتسعة نفر‏.‏ ثم في يوم السبت حادي عشرينه أنعم السلطان على قاني باي الأشرفي المعروف بأخي قانصوه النوروزي بإمرة عشرة بعد موت الأمير يشبك الظاهري‏.‏
ثم في يوم الخميس سادس عشرينه استقر الأمير برسباي البجاسي حاجب الحجاب أمير آخور كبيرًا بعد موت يونس العلائي بالطادون واستقر سودون الإينالي المؤيدي المعروف بقراقاش في حجوبية الحجاب عوضًا عن برسباي البجاسي المقدم ذكره‏.‏ وفيه أيضًا أنعم السلطان بإقطاع يونس العلائي على الأمير جرباش المحمدي أمير مجلس وأنعم بإقطاع جرباش المذكور على الأمير جانبك الظاهري نائب بندر جدة وصار جانبك من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية وذلك زيادة على ما بيده من التحدث على بندر جدة بل على جميع الأقطار الحجازية وإلاقطاع الذي استولى عليه الأمير جرباش والذي خرج عنه كلاهما تقدمة ألف لكن متحصل خراجهما يتفاوت‏.‏
وفي يوم الخميس هذا كان عدة من ورد اسمه الديوان من الأموات نحوًا من مائتين وخمسة وثلاثين نفرًا وكان عدة المضبوط بالمصلاة ألفًا ومائة وثلاثة وخمسين نفرًا وذلك خارج عما ذكرنا من مصر وبولاق والقرافتين والصحراء والأوقاف وزاوية الخدام خارج الحسينية‏.‏ وفي يوم السبت ثامن عشرين جمادى الأولى المقدم ذكرها استقر الشهابي أحمد بن قليب أستادار السلطان بمدينة طرابلس في حجوبية حجاب طرابلس زيادة على ما بيده من الأستادارية وغيرها وكانت ولايته للحجوبية بعد موت خشقدم إلاردبغاوي دوادار قاني باي الحمزاوي‏.‏
ثم استهل جمادى الآخرة أولها يوم الثلاثاء وقد كثر الوباء بالديار المصرية وانتشر بها وبظواهرها هذا مع الغلاء المفرط في إلاسعار وظلم المماليك الأجلاب فصارت الناس بين ثلاثة أمور عظيمة‏:‏ الطادون والغلاء والظلم وهذا من النوادر وقوع الوباء والغلاء معًا في وقت واحد فوقع ذلك وزيد ظلم الأجلاب ولله الأمر‏.‏
وكان التعريف في هذا اليوم ثلاثمائة وستة عشر نفرًا وكان الذي حرروه في السبع عشرة مصلاة ألف إنسان وتسعمائة إنسان وعشرة‏.‏ وأنكر ذلك غير واحد من الناس استقلإلا بل قال بعضهم وبالغ بأن عدة من يموت في اليوم بالقاهرة أكثر عن ثلاثة إلاف نفر واعتل بقوله إن الذين ندبوا لضبط المصلوات اشتغل كل منهم بنفسه وبمن عنده وبغلمانه‏.‏
قلت‏:‏ الصواب بل إلاصح مقالة الثاني لما شاهدناه من كثرة الجنائز وازدحام الناس بكل مصلاة والله أعلم‏.‏ وأما أمر الغلاء ففي هذا الشهر بيع فيه القمح كل إردب بستمائة درهم والبطة من الدقيق العلامة بمائة وسبعين درهمًا والرطل الخبز بأربعة دراهم وهو عزيز الوجود بالحوانيت في كثير من الأوقات والشعير والفول كلاهما بأربعمائة درهم إلاردب وهما في قلة إلى الغاية والنهاية والحمل التبن بأربعمائة درهم ولا بد له من حارس من الأجناد يحرسه من المماليك الأجلاب هذا والموت فيهم بالجريف وصلوات الله على سيدنا عزرائيل وما سوى ذلك من المأكل فسعره متحسن لا كسعر كالشعير والتبن والقمح والفول كون هذه الأشياء يحتاج إليها الأجلاب فيأخدونها بأبخس إلاثمان فترك الناس بيع هذه إلاصناف إلا المحتاج فعز وجودها لذلك‏.‏
ووقع للأجلاب في هذا الوباء أمور عجيبة فإنهم لما فرغوا من أخذ بضائع الناس ظهر منهم في أيام الوباء أخذ إقطاعات الأجناد فصاروا إذا رأوا شخصًا على حانوت عطار أخذوه وقالوا له‏:‏ ‏"‏ لعل الضعيف يكون له إقطاع ‏"‏ فإن كان له إقطاع عرفهم به وإن لم يكن للضعيف إقطاع طال أمره معهم إلا أن يخلصه منهم أحد من الأعيان‏.‏ ثم بدا لهم بعد ذلك أن كل من سمعوا له إقطاعًا من أولاد الناس أو الأجناد القرانيص أخذوا إقطاعه فإن كان صحيحًا يرتجون مرضه وإن كان ضعيفًا ينتظرون موته فعلى هذا الحكم خرج إقطاع غالب الناس الحي والميت حتى إنهم فعلوا ذلك بعضهم مع بعض‏.‏
فصار السلطان والناس في شغل شاغل لأن الأجلاب صاروا يزدحمون عليه لأخذهم إقطاعات الناس وعندما يتفرغ من المماليك الأجلاب يتظلم كل أحد إليه ممن خرج إقطاعه وهو في قيد الحياة فلم يسعه إلا رده عليه فصار إلاقطاع يخرج اليوم ويرد إلى صاحبه في الغد فصار يكتب في اليوم الواحد عدة مناشير ما بين إخراج ورد واستمر الناس على ذلك من أول الفصل إلى آخره‏.‏ وأغرب من هذا أن بعض الأجلاب اجتاز في عظم أيام الوباء بالصحراء فحاذى جنازة امرأة على نعشها طرحة زركش فاختطفها وساق فرسه فلم يوقف له على أثر‏.‏
ووقع لبعض الأجلاب أيضًا أنه صدف في بعض الطرقات جنازة وهو سكران فأمره المدير بالوقوف لتمر الجنازة عليه فحنق منه وأراد ضرب المدير فهرب منه فضرب الميت على رأسه وقد شاهد ذلك جماعة كثيرة من الناس‏.‏ وفيما حكيناه كفاية عن فعل هؤلاء الظلمة ‏"‏ إلا لعنة الله على الظالمين ‏"‏‏.‏
وفي يوم الثلاثاء مستهل جمادى الآخرة وصل إلى القاهرة تغري بردي الطياري الخاصكي المتوجه فى الرسلية إلى جزيرة قبرس وصحبته جماعة كثيرة من ملوك الفرنج وأهل قبرس‏.‏ والقادمون من الفرنج على قسمين‏:‏ فرقة تسأل إبقاء ملك قبرس على الملكة المتولية وفرقة تسأل عزلها وتولية أخيها جاكم الفرنجي الذي قدم إلى القاهرة قبل تاريخه فلم يبت السلطان الأمر من ولاية ولا عزل في هذا اليوم وأحال الأمر إلى ما سيأتي ذكره‏.‏
وفي يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة المذكورة عظم الطادون بالقاهرة وظواهرها واختلفت كلمة الحساب لاشتغال كل أحد بنفسه وبمن عنده فمنهم من قال‏:‏ يموت في اليوم أربعة إلاف إنسان ومنهم من قال‏:‏ ثلاثة إلاف وخمسمائة وقاس صاحب القول الثاني على عدة من صلي عليه في هذا اليوم المذكور بمصلاة باب النصر وقال‏:‏ إن كل مائة ميت بمصلاة باب النصر بثلاثمائة وستين ميتًا وجاءت مصلاة المؤمني في هذا اليوم أربعمائة وسبعة عشر ميتًا وهذا كله تقريبًا لا تحريرًا على إلاوضاع‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء ثامن جمادى الآخرة عمل السلطان الموكب بالحوش السلطاني لأجل قصاد الفرنج وحضرت الفرنج وقبلوا الأرض ونزلوا أيضًا على غير طائل‏.‏ وفي يوم الجمعة حادي عشره كان فيه التعريف مائتين وثمانين وجاءت مصلاة باب النصر على حدتها خمسمائة وسبعين‏.‏
وفيه ضربت المماليك الأجلاب الوزير سعد الدين فرج بن النحال ضربًا مبرحًا لكونه لم يزد راتب لحمهم‏.‏ وفي يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة كان فيه التعريف نحو ثلاثمائة إنسان منهم مماليك خمسة وسبدون‏:‏ منهم خمسة وثلاثون من مماليك الأمراء وغيرهم ومن بقي سلطانية‏.‏
وأما الذي ضبط في هذا اليوم ممن صلي عليه من الأموات باثنتي عشرة مصلاة أربعة إلاف إنسان وفي ذلك نظر لأن مصلاة باب النصر وحدها جاءت في هذا اليوم خمسمائة وسبعين ومصلاة البياطرة أربعمائة وسبعين وجامع إلازهر ثلاثمائة وستة وتسعين فمجموع هذه المصليات الثلاث من جملة سبع عشرة مصلاة أو أكثر ألف وأربعمائة وستة نفر فعلى هذا كيف يكون جميع من مات في هذا اليوم أربعة إلاف‏!‏ فهذا محال وهذا خارج عن القرافتين والحسينية والصحراء وبولاق ومصر القديمة إلا أن غالب من يموت صغار وعبيد وجوار‏.‏
غير أن هذا الطاعون كان أمره غريبًا وهو أن الذى يطعن فيه قل أن يسلم حتى قال بعضهم‏:‏ لعل إن من كل مائة مريض يسلم واحد فأنكر ذلك غيره وقال‏:‏ ولا كل ألف مبالغة‏.‏
وفي يوم الأربعاء سادس عشره الموافق لرابع عشر برمودة ارتفع الوباء من بولاق وكان الذي مات بها في اليوم ثلاثة نفر وقيل سبعة وقيل عشرة‏.‏
هذا بعد أن كان يموت في اليوم ثلاثمائة وأربعمائة ويقول المكثر خمسمائة فسبحانه وتعالى فاعلًا مختارًا يفعل في ملكه ما وغيرها وعظم في القاهرة وما حولها من جهة الصليبة والقلعة وقناطر السباع‏.‏ وكان الذي مات من المماليك الأجلاب الإينالية في هذا الطادون إلى يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة ستمائة مملوك وثلاثين مملوكًا‏.‏
ومما وقع لي من أوائل هذا الفصل قولي على سبيل المجاز‏:‏ السريع قد جاءنا الفصل على بغتة مستجلبًا حل مجد الطلب من كثرة البغي وظلم بدا يخصه الله بمن كان جلب وفي يوم الاثنين حادي عشرين جمادى الآخرة الموافق لتاسع عشر برمودة وهو أول خمسين النصارى فيه ظهر نقص الطادون بالقاهرة وكان ابتداء النقص من يومي الخميس والجمعة‏.‏
وفي يوم الاثنين هذا كان عدة من صلي عليه بمصلاة باب النصر ثلاثمائة وخمسين إنسانًا وبجامع إلازهر ستمائة إنسان وهو أكثر ما وصل إليه العدة بالجامع المذكور لأن غالب الطادون الآن هو بالقاهرة وكان عدة من صلي عليه بمصلاة البياطرة مائتين وأربعة وهو بحكم النصف مما كان صلي عليه بها قبل ذلك وكان عدة من صلي عليه بمصلاة المؤمني مائتين وثمانين نفرًا وهو أقل من النصف أولًا‏.‏
ونحن نذكر إن شاء الله تعالى عدة هذه المصلوات في يوم الاثنين القابل ليعلم الناظر في هذا الكتاب كيفية انحطاط الطادون عند زواله من اليوم إلى مثله‏.‏ فلما كان يوم الاثنين ثامن عشرينه الموعود بذكره كان فيه عدة من صلي عليه بمصلاة باب النصر مائة وتسعين وبالجامع إلازهر زيادة على مائة وثلاثين وبمصلاة البياطرة مائة وأربعة عشر وبمصلاة المؤمني مائة وسبعة وثلاثين ونذكر إن شاء الله تعالى في يوم الاثنين إلاتي عدة ذلك أيضًا‏.‏
وفي يوم الخميس تاسع شهر رجب فيه فشا الطادون وانحط سعر الغلال وظهر الشعير والتبن والدريس لموت تلك الجبابرة والأجلاب‏.‏ وفيه طعن جامعه ثم من الله تعالى بالعافية بعد أمور ولله الحمد على المهلة‏.‏ وفى يوم الجمعة ثالث شهر رجب المذكور الموافق لسلخ برمودة لبس السلطان القماش الأبيض البعلبكي المعتاد لبسه لأيام الصيف‏.‏ ثم في يوم الاثنين سادسه كان فيه عدة من صلي عليه من الأموات بمصلاة باب النصر مائة وقيل تسعين وبمصلاة البياطرة زيادة على الخمسين وبمصلاة المؤمني زيادة على التسعين‏.‏ ثم في يوم السبت حادي عشره استقر الأمير أرغون شاه الأشرفي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أستادار الصحبة السلطانية بعد موت يشبك الأشرفي الأشقر‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثالث عشر شهر رجب كان فيه عدة من صلي عليه من الأموات بمصلاة باب النصر نحوًا من خمسة وعشرين نفرًا وبمصلاة البياطرة ثلاثة وعشرين وبالجامع إلازهر خمسة نفر وبمصلاة المؤمني نيفًا وثلاثين نفرًا‏.‏ هذا والعلة موجودة في الأكابر والأعيان إلى آخر رجب‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء رابع عشره استقر القاضي تقي الدين بن نصر الله ناظر ديوان المفرد عوضًا عن الصاحب شمس الدين منصور بن الصلي‏.‏
وفيه استقر الشيخ سراج الدين عمر العبادي الشافعي ناظر إلاحباس بعد موت القاضي زين الدين عبد الرحيم العيني‏.‏ واستهل شعبان يوم الخميس وقد خف الطادون من الديار المصرية بالكلية فكان عدة من مات في هذا الطادون من المماليك الأجلاب الإينالية فقط ألفًا وأربعمائة نفر فالله يلحق بهم من بقي منهم وهذا خلاف من مات في هذا الطادون من المماليك السلطانية الذين هم من سائر الطوائف‏.‏
ثم في يوم الثلاثاء سادس شعبان المذكور من سنة أربع وستين وقع في المملكة أمر شنيع وهو أن السلطان جمع أعيان الفرنج القبارسة في الملأ بالحوش السلطاني وأراد بقاء الملكة صاحبة قبرس على عادتها وخلع على قصادها أعيان الفرنج واستقر تغري بردي الطياري مسفرها وعلى يده تقليدها وخلعتها‏.‏
وكان الفرنجي جاكم أخوها حاضر الموكب وقد جلس تحت مقدمي الألوف فعز عليه ولاية أخته وإبقاؤها على ملك الأفقسية من جزيرة قبرس مع وجوده فقام على قدميه واستغاث وتكلم بكلام معناه أنه قد جاء إلى مصر والتجأ إلى السلطان ودخل تحت كنفه وله عنده هذه المدة الطويلة وأنه أحق بالملك من أخته وبكى فلم يسمع السلطان له وصمم على ولاية أخته وأمره بالنزول إلى حيث هو سكنه‏.‏
فما هو إلا أن قام جاكم المذكور وخرج من باب الحوش إلاوسط‏.‏ ثم خرج بعده أخصامه حواشي أخته وعليهم الخلع السلطانية فمدت الأجلاب أيديها إلى أخصام جاكم من الفرنج وتناولوهم بالضرب والآخراق وتمزيق الخلع واستغاثوا بكلمة واحدة أنهم لا يريدون إلا تولية جاكم هذا مكان والده‏.‏
وعظمت الغوغاء فلم يسع السلطان إلا أن أذعن فى الحال بعزل الملكة وتولية جاكم فتولى جاكم على رغم السلطان بعد أن أمعنوا المماليك الأجلاب في سب الأمير بردبك الدوادار الثاني وقالوا له‏:‏ ‏"‏ أنت إفرنجي وتحامي للفرنج ‏"‏‏.‏
فاستغاث بردبك المذكور ورمى وظيفة الدوادارية وطلب إلاقالة من المشي في الخدمة السلطانية فلم يسمع له السلطان وفي الحال خلع على جاكم ورسم بخروج تجريدة من الأمراء إلى غزو قبرس تتوجه مع جاكم المذكور إلى قبرس حسبما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في وقته‏.‏ وفي يوم الاثنين ثاني عشره رسم السلطان باسقرار الأمير قراجا الظاهري الخازندار حاجب الحجاب كان أتابك عساكر دمشق بعد موت الأمير علان المؤيدي بمال وعد به نحو عشرة إلاف دينار‏.‏
وفي يوم السبت سابع عشره استقر القاضي ولي الدين أحمد ابن القاضي تقي الدين محمد البلقيني قاضي قضاة دمشق الشافعية بعد عزل القاضي جمال الدين يوسف البادوني‏.‏ وفيه استقر القاضي زين الدين أبو بكر بن مزهر ناظر الجيوش المنصورة بعد عزل القاضي برهان الدين إبراهيم الديري‏.‏
وفي يوم الأحد ثامن عشره عرض السلطان المماليك السلطانية بالحوش وعين منهم جماعة للجهاد أعني للسفر صحبة جاكم الفرنجي إلى قبرس وقد تعين من يسافر إلى قبرس من الأمراء قبل ذلك‏.‏ وفيه ورد الخبر من مكة المشرفة بموت الأمير يرشباي الإينالي المؤيدي رأس المماليك المجاورين بها فأنعم السلطان بإقطاعه في يوم الثلاثاء على دولات باي الأشرفي الساقي وعلى خيربك من حديد الأشرفي الدوادار نصلين بالسوية لكل منهما إمرة عشرة‏.‏
واستهل شهر رمضان أوله الجمعة في يوم السبت ثانيه خلع السلطان على الأمير جانبك الظاهري أحد أمراء مقدمي الألوف بسفره إلى بندر جدة على عادته في كل سنة وخرج من الغد متوجهًا إلى جدة في غاية التجمل والحرمة‏.‏ وفي يوم الثلاثاء خامس شهررمضان المذكور عين السلطان الأمير خشقدم الناصري المؤيدي أمير سلاح إلى سفر الوجه القبلي لقتال العرب الخارجة عن الطاعة وعين معه مائتي مملوك وسافروا يوم الثلاثاء ثاني عشره‏.‏
وفي هذا الشهر قوي إلاهتمام بسفر المجاهدين وقاست الناس من أعوان سنقر الزردكاش شدائد يطول الشرح في ذكرها حتى قال بعض الشعراء الموالة بليقًا تعرض فيه لظلم سنقر الزردكاش وحواشيه بقوله‏:‏ قبل الغزا جاهد في الناس فصار الظلم أنواع وأجناس ووقع بسبب عمارة هذه المراكب مظالم لا تحصى من قطع أشجار الناس عسفًا وأخذهم ما يحتاجون إليه ظلمًا‏.‏
وزاد ظلم سنقر هذا على الناس حتى جاوز الحد فلا جرم أن الله تعالى عامله بعد ذلك من جنس فعله في الدنيا بما قاساه من النفي والحبس وأخذ المال مع الذل والهوان والصغار وحل به كل مصيبة حتى أحرقت داره بجميع ما فيها ثم نهب ما فضل من الحريق وتشتت في البلاد على أقبح وجه هذا في الدنيا وأما الآخرى فأمره إلى الله تعالى‏.‏
وفي يوم الأحد أول شوال عين السلطان الأمير كزل السودوني المعلم والأمير برسباي الأشرفي الأمير آخور للتوجه إلى الإسكندرية وصحبتهما مائة وخمسون مملوكًا من المماليك السلطانية لأخذ ما هناك من المراكب والتوجه بها إلى ثغر دمياط من البحر الملح ليكون سفر جميع المجاهدين من مينة واحدة وهي مينة دمياط‏.‏
ثم في يوم الأربعاء رابع شوال أنفق السلطان في المجاهدين من المماليك السلطانية للفارس والراجل سواء لكل واحد مبلغ خمسة عشر دينارًا وأنفق على كل مملوك من المماليك الذين يتوجهون مع كزل وبرسباي المقدم ذكرهما عشرة دنانير الواحد‏.‏
ثم في يوم الاثنين تاسعه نزل السلطان الملك الأشرف إينال في موكب هائل من قلعة الجبل بأمرائه وخاصكيته وأعيان دولته إلى جزيرة أروى المعروفة بالوسطى بساحل النيل لينظر ما عمر من المراكب فسار إلى هناك في موكب عظيم ونظر المراكب وخلع على سنقر قرق شبق الزردكاش المقدم ذكره وعلى جماعة أخر ممن باشر عمل المراكب ثم عاد من حيث جاء من قناطر السباع فلم يبتهج الناس لنزوله لعظم ما قاسوه من الظلم في عمل هؤلاء المراكب من قلة الآنصاف والجور في حق العمال من أرباب الصنائع وغيرهم‏.‏
ولولا أن الأمر منسوب إلى نوع من أنواع الجهاد لذكرنا من فعل سنقر هذا ما هو أقبح من أن نذكره‏.‏ ثم في يوم الثلاثاء سابع عشر شوال سافر المجاهدون في بحر النيل إلى ثغر دمياط ومقدم العساكر يوم ذاك في البر الأمير يونس إلاقبائي الدوادار الكبير وفي البحر الأمير قانم من صفر خجا المؤيدي التاجر أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية ومعهما بقية الأمراء ومنهم الأمير سودون الإينالي المؤيدي المعروف بقرقاش حاجب الحجاب وغيره‏.‏
وخلع السلطان على هؤلاء الثلاثة المذكورين وخلع أيضًا على جاكم الفرنجي خلعة نخ بقاقم ونزل جميع الغزاة في خدمتهم إلى بحر النيل وسافر هؤلاء الأمراء الثلاثة إلى دمياط من يومهم وبقي من عداهم يسافرون أرسإلا في كل يوم إلى يوم الثلاثاء القابل لكثرة عدة العساكر‏.‏ وأما مقدار عدد من سافر في هذه الغزوة من الأمراء والجند فعدة كبيرة‏.‏ فأولهم أمراء الألوف الثلاثة السابقين ‏.‏
ثم من أمراء الطبلخانات ثلاثة أيضًا وهم‏:‏ الأمير بردبك البجمقدار الظاهري ثاني رأس نوبة وجانبك من أمير الخازندار الأشرفي ويشبك من سلمان شاه الفقيه المؤيدي رأس نوبة‏.‏ ومن أمراء العشرات جماعة وهم‏:‏ جكم الأشرفي خال الملك العزيز يوسف ودقماق اليشبكي وكسباي الششماني المؤيدي وطوخ إلابو بكري المؤيدي رأس نوبة وقانم نعجة الأشرفي رأس نوبة وسنقر قرق شبق الأشرفي الزردكاش المقدم ذكره وقراجا الأعرج الطويل أحد مماليك السلطان القديمة‏.‏
وأما المماليك السلطانية فعدتهم تزيد على خمسمائة نفر تخيمنًا‏.‏ وهذا خلا المطوعة وغيرهم من الخدم والمراكبية وأنواعهم‏.‏
وفي يوم الخميس تاسع عشر شوال خرج أمير حاج المحمل بالمحمل وهو الأمير تمرباي من حمزة الناصري المعروف بططر أحد أمراء العشرات وأمير الركب الأول تنم الحسيني الأشرفي رأس نوبة‏.‏
وفي يوم الجمعة سابع عشرينه أمسك السلطان زين الدين الأستادار وجنزره وحبسه بالبحرة من الحوش السلطاني وندب الصاحب شمس الدين منصور بن الصلي لمحاسبته فقأمت المماليك الأجلاب على منصور حمية لزين الدين فراج أمر زين الدين لذلك لعلم الناس أن السلطان مسلوب إلاختيار مع مماليكة الأجلاب‏.‏
واستمر زين الدين بالبحرة إلى يوم الأحد فأخرجه السلطان واستقر به أستادارا على عادته ولبس خلعة الأستادارية من الغد في يوم الاثنين أول ذي القعدة‏.‏ ثم في يوم الأربعاء ثالث ذي القعدة وصل إلاميل خشقدم أمير سلاح من الوجه القبلي بمن معه من المماليك السلطانية‏.‏ وفي يوم الأربعاء سابع عشره قتل ابن غريب البدوي‏.‏ وفي يوم الاثنين هرب زين الدين الأستادار واختفى بحيث إنه لم يعرف له مكان واستقر الصاحب شمس الدين في الأستادارية عوضه‏.‏
ثم استهلت سنة خمس وستين وثمانمائة‏.‏ فكان أول المحرم الخميس‏.‏
ثم في يوم السبت ثالله وصل الأمير جانبك الظاهري أحد مقدمي الألوف من بندر جدة إلى الديار المصرية بعد أن حج وحضر الموسم بمكة وبات بتربة الملك الأشرف إينال بالصحراء وطلع إلى القلعة من الغد في يوم الأحد وخلع السلطان عليه ونزل إلى داره في موكب عظيم‏.‏
وفى يوم الخميس ثاني عشرين المحرم وصل أمير الركب الأول الأمير تنم الحسيني الأشرفي وخلع عليه السلطان وأصبح في يوم الجمعة وصل أمير حاج المحمل تمرباي ططر بالمحمل وخلع السلطان عليه أيضًا‏.‏ وفي يوم الجمعة سلخ المحرم وصل إلى القاهرة جماعة من الغزاة وأخبروا أن العساكر الإسلامية بأجمعها خرجوا من جزيرة قبرس في يوم الجمعة ثالث عشرين المحرم وساروا على ظهر البحر الملح يريدون السواحل الإسلامية فهبت ريح عظيمة شتتت شملهم وتوجهوا إلى عدة جهات بغير إرادة‏.‏
وكانت مركب هؤلاء وصلت إلى ساحل الطينة وأخبروا أيضًا بموت الأمير سودون قراقاش حاجب الحجاب‏.‏ ثم وصل من الغد بردبك غرب الأشرفي الخاصكي وأخبر بنحو ما أخبر به هؤلاء المماليك وأعلم السلطان أيضًا أن الأمير يونس الدوادار ترك بجزيرة قبرس جماعة من المماليك السلطانية ومماليك الأمراء قوة لجاكم صاحب قبرس وجعل مقدمهم جانبك الأبلق الظاهري الخاصكي وأن جماعة كبيرة توفوا إلى رحمة الله تعالى من عظم الوخم‏.‏
واستهل صفر يوم السبت‏.‏ ثم في يوم الأربعاء خامسه استقر الأمير كسباي المؤيدي السمين نائب القلعة في نيابة الإسكندرية بعد الأمير جانبك نائب بعلبك النوروزي فاستقر خيربك القصروي والي القاهرة نائب القلعة عوضًا عن كسباي المذكور بمال بذله في ذلك‏.‏ ثم في يوم الخميس سادس صفر استقر علي بن إسكندر والي القاهرة واستقر تنم من بخشاش الظاهري الخاصكي المعروف برصاص في حسبة قاهرة عوضًا عن علي بن إسكندر وكلاهما ولي بالبذل وتنم هذا هو أول تركي ولي الحسبة بالبذل ولم نسمع ذلك قبل تاريخه لا قديمًا ولا حديثًا‏.‏
وفي يوم الجمعة سابعه الموافق لخامس عشرين هاتور لبس السلطان القماش الصوف الملون المعتاد لبسه لأيام الشتاء وألبس الأمراء على العادة‏.‏ ثم في يوم السبت خامس عشره وصل المجاهدون جميعًا إلى ساحل بولاق وباتوا بالميدان الكبير عند بركة الناصرية وطلعوا إلى القلعة من الغد في يوم الأحد وقبلوا الأرض وخلع السلطان على الأمير يونس الدوادار أطلسين متمرًا وفوقانيًا بطرز زركش كما هي عادة خلعة الأتابكية فتعجب الناس من ذلك وقيد له فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش‏.‏
ثم خلع السلطان على الأمير قانم المؤيدي أحد مقدمي الألوف فوقانيًا بطرز زركش‏.‏ وكذلك خلع على جميع الباشات من الأمراء‏.‏ ونزل الجميع في خدمة الأمير يونس الدوادار إلى بيته تجاه الكبش ثم عاد كل واحد إلى داره‏.‏
ثم في يوم الاثنين رابع عشرين صفر أنعم السلطان على الأمير يلباي الإينالي المؤيدي الأمير آخور الثاني بإمرة مائة وتقدمة ألف بعد موت سودون قراقاش بقبرس وأنعم بإقطاع يلباي المذكور وهو إمرة طبلخاناه على الأمير تمرباي من حمزة المعروف بططر وأنعم بإقطاع تمرباي ططر على جانبك الأشرفي قلقسيز فلم يقبله جانبك المذكور وأنعم به على الأمير قاني بك السيفي يشبك بن أزدمر وأنعم بإقطاع قاني بك المذكور وهو إمرة عشرة أيضًا على دولات باي الخاصكي الأشرفي المعروف بدولات باي سكسن أعني ثمانين ولم يكن دولات هذا أهلًا لذلك وإنما هي أرزاق مقسومة إلى البر والفاجر‏.‏
وفي يوم الخميس سابع عشرين صفر استقر الأمير بيبرس الأشرفى خال الملك العزيز يوسف حاجب الحجاب بالديار المصرية عوضًا عن سودون قراقاش بحكم وفاته بقبرس واستقر الأمير بردبك المحمدي الظاهري الهجين إلامي آخور الثالث أمير آخور ثانيًا عوضًا عن الأمير يلباي المقدم ذكره واستقر قراجا الطويل الأعرج الأشرفي أمير آخور ثالثًا عوضًا عن بردبك الهجين‏.‏
ثم في يوم الخميس رابع شهر ربيع الأول استقر الأمير مغلباي طاز الأبوبكري المؤيدي أمير حاج المحمل واستقر تنبك البواب الأشرفي الخاصكي أمير الركب الأول‏.‏ ثم في يوم الأحد سابع شهر ربيع الأول المذكور عمل السلطان المولد النبوي على العادة في كل سنة بالحوش السلطاني‏.‏ ثم سافر المقام الشهابي أحمد ابن السلطان إلى السرحة ومعه أخوه محمد من الغد في يوم الاثنين ثامنه إلى جهة الوجه البحري شرقًا وغربًا وسافر معه جماعة من الأعيان وأمراء العشرات‏.‏ ثم في يوم الخميس سادس عشره استقر علي بن الأهناسي وزيرًا بعد استعفاء الصاحب فرج بن النحال‏.‏
ثم في يوم السبت حادي عشرينه حبس السلطان القاضي صلاح الدين أمير حاج المكيني بحبس الرحبة وسبب ذلك أنه كان استبدل وقفًا فشكي عليه بسبب ذلك الوقف فرسم السلطان بحبسه فحبس إلى آخر النهار ثم أطلق من يومه بعد أن قرر عليه مبلغ من الذهب‏.‏ ثم في يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الآخر نودي بزينة القاهرة لقدوم أولاد السلطان من السرحة ووصلا في يوم الثلاثاء ثامن عشر ربيع الآخر المذكور وشقا القاهرة فى موكب هائل وطلعا إلى القلعة وخلع عليهما والدهما السلطان الملك الأشرف إينال ثم نزلا في وجوه الدولة إلى بيت المقام الشهابي أحمد وهو إلاخ إلاكبر وأتابك العساكر بالديار المصرية‏.‏
وفي يوم الاثنين خامس عشرينه استقر إينال الأشقر الظاهري الخاصكي والي القاهرة بعد عزل علي بن إسكندر‏.‏ واستهل جمادى الأولى يوم الخميس‏.‏ في ثالله يوم السبت مرض السلطان الملك الأشرف إينال مرض الموت ولزم الفراش‏.‏
فلما كان يوم الاثنين خامسه وصل الأمير بردبك الدوادار الثاني والأمير ناصرالدين نقيب الجيش من الطينة وكانا توجها قبل تاريخه لينظرا مكان البرج الذي يريدون عمارته هناك‏.‏ ثم في يوم الاثنين ثاني عشره أرجف بموت السلطان ولم يصح ذلك وأصبح الناس في هرج وماجوا ووقف جماعة من العامة عند باب المدرج أحد أبواب القلعة فنزل إليهم الوالي وبدد شملهم‏.‏
ثم نودي في الحال بالأمان والبيع والشراء وأن أحدًا لا يتكلم بما لا يعنيه فسكن الأمر إلى يوم الأربعاء رابع عشره‏.فلما كان ضحوة يوم الأربعاء المذكور طلب الخليفة والقضاة الأربعة إلى القلعة وطلعت الأمراء والأعيان واجتمعوا الجميع بالدهيشة فلم يشك أحد في موت السلطان فلم يكن كذلك بل كان الطلب لسلطنة المقام الشهابي أحمد قبل موته‏.‏
فلما تكامل الجمع خلع السلطان نفسه من السلطنة بالمعنى لأنه ما كان إذ ذاك يستطيع الكلام بل كلمهم بما معناه أن الأمر يكون من بعده لولده فعلموا من ذلك أنه يريد خلع نفسه وسلطنة ولده ففعلوا ذلك كما سيأتي ذكره في محله في أول ترجدة الملك المؤيد أحمد إن شاء الله تعالى‏.‏
ومات الأشرف إينال في الغد حسبما نذكره‏.‏
مدة حكم الملك الأشرف إينال
هذا من يوم تسلطن بعد خلع الملك المنصور عثمان إلى هذا اليوم وهو يوم خلع نفسه من السلطنة ثماني سنين وشهرين وستة أيام‏.‏
ومات في يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى بعد خلعه نفسه بيوم واحد بين الظهر والعصر فجهز من وقته وغسل وكفن وصلي عليه بباب القلة من قلعة الجبل ودفن من يومه بتربته التي عمرها بالصحراء وقد ناهز الثمانين من العمر‏.‏
وكان جاركسي الجنس وقد تقدم الكلام على أصله وجالبه إلى القاهرة وكيفية ترقيه إلى أن تسلطن في أول ترجمته من هذا الكتاب‏.‏ وكانت صفته - أخضر اللون للسمرة أقرب طوإلا غالب طوله من وسطه ونازل قصير البشت رقيق الوجه نحيف اليد لحيته في حنكه وهي شعرات بيض ولهذا كان لا يعرف إلا بإينال إلاجرود وفي كلامه رخو مع خنث كان في لهجته ولهذا لما لبس السواد خلعة السلطنة كان فيها غير مقبول الشكل لكونه أسمر اللون والخلعة سوداء فلم تبتهج الناس برؤيته ولذلك أسباب‏:‏ السبب الأول ما ذكرناه من صفته وسواد الخلعة والسبب الثاني وهو إلاغلب لقرب عهد الناس من شكل الملك المنصور عثمان الشكل الظريف البهي والفرق واضح لأن المنصور كان سنه دون العشرين سنة من غير لحية وهو في غاية الحسن والجمال - أحسن الله دونه - والأشرف إينال هذا سنه فوق السبعين وقد علمت صفته مما ذكرناه فلا لوم على من لا يعجبه شكل الأشرف إينال ولا عتب‏.‏
وكان له محاسن ومساوىء والأول أكثر‏.‏ فأما محاسنه فكان ملكًا جليلًا عاقلًا رئيسًا سيوسًا كثير إلاحتمال عديم السر غير سباب ولا فحاش في حال غضبه ورضاه‏.‏
وكان عارفًا بالأمور والوقائع والحروب شجاعًا مقدامًا كثير التجارب للخطوب والقتال عظيم التروي في أفعاله ثابتًا في حركاته ومهماته له معرفة تامة بملوك الأقطار في البلاد الداخلة في حكمه وفي الخارجة عن حكمه أيضًا عارفًا بجهات ممالكه شرقًا وغربًا وفهمًا بفنون الفروسية وأنواعها لا يحب تحرك ساكن ولا إثارة فتنة وعنده تؤدة في كلامه واحتمال زائد يؤديه ذلك إلى عدم المروءة عند من لا يعرف طباعه‏.‏
ومن محاسنه أنه منذ سلطنته ما قتل أحدًا من الأمراء ولا من الأجناد الأعيان على قاعدة من تقدمه من الملوك إلا من وجب عليه القتل بالشرع أو بالسياسة وأيضًا أنه كان قليلًا ما يحبس أحدًا أو ينفيه سوى من حبس في أوائل دولته من أعيان الأمراء كما هي عوائد أوائل الدولة‏.‏ ثم بعد ذلك لم يتعرض لأحد بسوء إلا انه نفى جماعة عندما ركبوا عليه ثانيًا في حدود سنة ستين وخلع الخليفة القائم بأمر الله حمزة بسبب موافقته لهم على قتاله ثم حبسه بالإسكندرية وهو معذور في ذلك ولو كان غيره من الملوك لفعل أضعاف ذلك بل وقتل منهم جماعة كثيرة‏.‏
وبالجملة فكانت أيامه سكونًا وهدوءًا ورياقة وحضور بال لولا ما شان سؤدده من مماليكه الأجلاب وفسدت أحوال الديار المصرية بأفعالهم القبيحة ولولا أن الله تعالى لطف بموته لكان حصل الخلل بها وربما خربت وتلاشى أمرها‏.هذا ما أوردناه من محاسنه بحسب القوة والباعثة‏.‏ وأما مساوئه فكان بخيلًا شحيحًا مسيكًا يبخل ويشح حتى على نفسه‏.‏ وكان عاريًا من العلوم والفنون المتعلقة بالفضائل‏.‏ كان أميًا لا يعرف القراءة والكتابة حتى كان لا يحسن العلامة على المناشير هذا مع طول مكثه في السعادة والرياسة والولايات الجليلة ثم السلطنة‏.‏ ومع هذا لم يهتد إلى معرفة الكتابة على المناشير ولا غيرها فهذا دليل على بلادة ذهنه وجمود فكره‏.‏ ولعله كان لا يحسن قراءة الفاتحة ولا غيرها من القرآن العزيز فيما أظن‏.‏ وكانت صلاته للمكتوبات صلاة عجيبة نقرات ينقر بها لا يعبأ الله بها‏.‏
وكان مع هذه الصلاة العجيبة لا يحب التملق ولا إطالة الدعاء بعد الصلاة بل ربما نهى الداعي عن تطويل الدعاء‏.‏ ولم يكن بالعفيف عن الفروج بل ربما اتهمه بعض الناس بحب الوجوه والملاح والصباح من الغلمان والله تعالى أعلم بحاله إلا أنه كان يعف عن تعاطي المنكرات المسكرات‏.‏
وكان في الغالب أموره وأحكامه مناقضة للشريعة لا سيما لما أنشئت مماليكه الأجلاب فإنهم قلبوا أحكام الشريعة ظهرًا لبطن وهو راض لهم بذلك وكان يمكنه إرداعهم بكل ممكن ومن قال غير ذلك فهو مردود عليه وأحد أقوال الرد عليه قول من يقول‏:‏ فكيف سطوة السلطنة مع عدم قوته لرد هؤلاء الشرذمة القليلة مع بغض العالم لهم وضعفهم عن ملاقاة بعد العوام‏!‏ فكيف أنت بهم وقد ندب لهم طائفة من طوائف المماليك‏!‏ ومثل هذا القول فكثير‏.‏
وأيضًا رضاه بما فعله سنقر قرق شبق الزردكاش عند عمارته لمراكب الغزاة لأن سنقر فعل أفعإلا لا يرتضيها من له حظ في الإسلام وكان يمكنه رده عن ذلك بكل طريق بل كان يخلع عليه في كل قليل ويشكر أفعاله فرضاه بفعل مماليكه الأجلاب وبفعل سنقر هذا وأشباه ذلك هو أعظم ذنوبه‏.‏ وما ساء منه الناس وأبغضته الخلائق وتمنوا زوال ملكه إلا هذا المعنى ومعنى آخر وهو ليس بالقوي وهو ثقل وطأة ولده وزوجته ومملوكه بردبك الدوادار‏.‏ قلت‏:‏ وإلاصح عندي هو الذنب الأول‏.‏
وأما هؤلاء فكان ثقلهم على مباشري الدولة أن على من يسعى عندهم في وظيفة من ولاية أو عزل أو أمر من الأمور فعلى هذا كان ضررهم خصوصًا لا عمومًا وأيضًا لا يشمل ضررهم إلا لمن جاء إلى بابهم أو قصدهم في حاجة دنيوية فهو أحق بما يحل به لأنه هو الساعي في إيذاء نفسه والمثل يقول‏:‏ ‏"‏ من قتلته يديه لا بكاء عليه ‏"‏‏.‏
نعم وكان من مساوئه مخافة السبل في أيامه بالقاهرة وإلارياف حتى تجاوز الحد وعمرت الناس على بيوتهم الدروب لعظم خوفهم من دق المناسر وقطاع الطريق بإلارياف مع أنه كان قاطعًا للمفسدين غير أن الحمايات كانت كثيره فى أيامه وهذا أكبر أسباب خراب الديار المصرية وقراها ومن يوم تجددت هذه الحمايات فسدت أحوال إلارياف قبليها وبحريها وهذا البلاء ما كثر وفشا فى الدولة إلا بعد الدولة المؤيدية شيخ واستمرت هذه السنة القبيحة إلى يومنا هذا‏.‏
والعجب أنه ليس لها نفع على السلطان ولا على بلاده وإنما هي ضرر محض على السلطان والناس قاطبة والملك لا يلتفت إلى إزالتها مع أنه لو منع ذلك لم يضر أحد من الناس وانتفع الناس جميعًا بمنعها وعمرت غالب البلاد وتساوت الناس وبالمساواة تعمر جميع الممالك غير أن الفهم والعقل والتدبير منح إلاهية فلا يفيد الكلام في ذلك ولله در القائل‏:‏ الوافر لقد أسمعت لو ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تنادي ونار لو نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في الرماد وقد خرجنا عن المقصود‏.‏
ولما كثر فساد المماليك الأجلاب عمل بعض الظرفاء بليقًا ذكر فيه أفعال الأجلاب ومساوئهم واستطرد إلى أن قال في آخره‏:‏ حاشا لله دوام هذي النقمه ونحن أفضل برية من أمه نبينا ما حد مثلو أزاح عنا كيد الكفار وقد رمينا بيد إلاشرار فكل حد ماسك ديلو متى يزيح عنا هذي الدوله ويحكم الناس من لوصوله وترتاح البرية في عدلو فالله بجاه سيد عدنان عوض لنا منك بإحسان فوالله العظيم لم تمض عليه سنة بعد ذلك بل ولا ستة أشهرحتى مرض ومات‏.‏
فهذا ما ذكرناه من محاسن الملك الأشرف إينال ومساوئه ونرجو الله تعالى أن يكون ذلك على الآنصاف لا على التحامل‏.‏
السنة الأولى من سلطنة الأشرف إينال وهي سنة سبع وخمسين وثمانمائة‏.‏
على أن الملك المنصور عثمان حكم منها إلى ثامن شهر ربيع الأول‏.‏
وفيها أعني سنة سبع وخمسين المذكورة توفي الشهابي أحمد ابن الأمير فخر الدين عبد الغني بن عبد الرزاق بن أبي الفرج متولي قطيا في أوائل المحرم وهو في الكهولية‏.‏
وتوفي السلطان الملك الظاهر أبو سعيد جقمق العلائي الظاهري في ليلة الثلاثاء ثالث صفر ودفن من يومه حسبما تثدم ذكره في ترجمته مستوفاة في هذا الكتاب فلتنظر في محله‏.‏ وتوفي الأمير اسنبغا بن عبد الله الناصري الطياري رأس نوبة النوب في ليلة السبت سادس شهر ربيع الأول في أيام الفتنة وهو فى بيت الأمير قوصون وعليه آلة السلاح شبه الفجاءة‏.‏
وكانت مدة مرضه يومًا واحدًا وصلى عليه الأتابك إينال العلائي بدار قوصون المذكورة وجميع الأمراء وعليهم آلة السلاح ثم حمل ودفن من يومه في الصحراء ومات وهو في عشر الثمانين تخمينًا وكان من محاسن الدنيا كرمًا وعقلًا وشجاعة وتواضعًا ومعرفة‏.‏ كان كامل إلادوات قل أن ترى العيون مثله رحمه الله تعالى‏.‏
وتوفي الأمير جانبك بن عبد الله اليشبكي والي القاهرة ثم الزردكاش في ليلة الخميس ثامن عشر شهر ربيع الأول وهو في أوائل الكهولية ودفن من الغد‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أعني القاعدة ثمانية أذرع وخمسة أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا واثنان وعشرون إصبعًا‏.‏
السنة الثانية من سلطنة الأشرف إينال  وهي سنة ثمان وخمسين وثمانمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبعة أذرع وخمسة أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وأربعة عشر إصبعًا‏.‏
السنة الرابعة من سلطنة الأشرف إينال وهي سنة ستين وثمانمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبعة أذرع وستة عشر إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا‏.‏
السنة الخامسة من سلطنة الأشرف إينال وهي سنة إحدى وستين وثمانمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبعة أذرع وثمانية أصابع‏.‏ السنة السادسة من سلطنة الأشرف إينال

السنة السادسة من سلطنة الأشرف إينال وهي سنة اثنتين وستين وثمانمائة‏.‏
وتوفي الخليفة أمير المؤمنين القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة بن المتوكل على الله أبي عبد الله محمد العباسي المصري بثغر الإسكندرية مخلوعًا من الخلافة في سابع عشر شوال‏.‏
وكان القائم بأمر الله هذا ولي الخلافة بعد موت أخيه المستكفي سليمان بغير عهد اختاره الملك الظاهر جقمق فدام في الخلافة إلى أن خرج الأتابك إينال العلائي صاحب الترجدة على الملك المنصور عثمان بن الملك الظاهر جقمق فقام الخليفة هذا مع إينال على الملك المنصور عثمان أشد قيام‏.‏
فلما تسلطن إينال عرف له ذلك ورفع قدره ومحله إلى الغاية ونال في أيامه من الحرمة والوجاهة ما لا يقاربه أحد الخلفاء من أسلافه‏.‏
فاتفق بعد ذلك ركوب جماعة من صغار المماليك الظاهرية على الأشرف إينال وطلبوه فحضر عندهم ووافاهم أفضل موافاة فلم ينتج أمرهم وسكنت الفتنة في الحال وقد ذكرناها في أصل هذه الترجدة مفصلة‏.‏ فلما سكن الأمر طلبه السلطان إلى القلعة ووبخه على فعله وحبسه بالبحرة بقلعة الجبل وخلعه من الخلافة بأخيه المستنجد يوسف ثم أرسله إلى سجن الإسكندرية فحبس به مدة ثم اطلق من السجن ورسم له بأن يسكن حيث شاء من الثغر فسكن به إلى أن مات رحمه الله تعالى‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبعة أذرع وثمانيه أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا‏.‏
السنة السابعة من سلطنة الأشرف إينال وهي سنة ثلاث وستين وثمانمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم لم يحرر لغيابي بمكة المشرفة مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وأصابع‏.‏
السنة الثامنة من سلطنة الأشرف إينال وهي سنة أربع وستين وثمانمائة‏.‏
لله المؤيدي أتابك دمشق المعروف بعلان جلق بدمشق في يوم الأربعاء تاسع صفر وقد زاد سنه على السبعين تخمينًا‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع سواء‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا‏.‏
 

 


 

 

============================================================

 

 

 

 

 

Home | برقوق بن آنص191/ 1م.ج | حاجى 192/ 2 م.ج | برقوق بن آنص193/ 3م.ج | فرج194/ 4 م.ج | عبد العزيز195/ 5/ م.ج | فرج 196/ 6 م.ج | سلطان وخليفة 197/ 7م.ج | شيخ198/ 8 م.ج | أحمد 199/ 9 م.ج | ططر 200/ 10 م.ج | محمد ططر201/ 11 م.ج | برسباى 202/ 12 م.ج | يوسف203/ 13 م.ح | جقمق204/ 14 م.ج | عثمان 205/ 15 م.ج | إينال 206/ 16 م.ج | أحمد | خشقدم | يلباى | تمبرغا | قايتباى | الغورى

This site was last updated 03/29/07