Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الملك الصالح أمير حاجى ابن الملك الأشرف شعبان في السلطنة ثانيًا 192/2 م.ج

هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وتبلغ حوالى 30000موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على صفحة الفهرس http://www.coptichistory.org/new_page_598.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر

Home
Up
برقوق بن آنص191/ 1م.ج
حاجى 192/ 2 م.ج
برقوق بن آنص193/ 3م.ج
فرج194/ 4 م.ج
عبد العزيز195/ 5/ م.ج
فرج 196/ 6 م.ج
سلطان وخليفة 197/ 7م.ج
شيخ198/ 8 م.ج
أحمد 199/ 9 م.ج
ططر 200/ 10 م.ج
محمد ططر201/ 11 م.ج
برسباى 202/ 12 م.ج
يوسف203/ 13 م.ح
جقمق204/ 14 م.ج
عثمان 205/ 15 م.ج
إينال 206/ 16 م.ج
أحمد
خشقدم
يلباى
تمبرغا
قايتباى
الغورى

Hit Counter

 

****************************************************************************************

 الجزء التالى عن المماليك الذين حكموا مصر وهم تحت إستعمار الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي 105 / 173- منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

****************************************************************************************

 ‏
الملك الصالح أمير حاجى ابن الملك الأشرف شعبان في السلطنة ثانيًا  سنة 784 هـ
ثم استدعى الأمير الكبير يلبغا الناصري الأمراء واستشارهم فيمن ينصبه في سلطنة مصر فكثر الكلام بينهم وكان غرض غالب الأمراء سلطنة الناصري ما خلا منطاش وجماعة من الأشرفية حتى استقر الرأي على إقامة الملك الصالح أمير حاج ابن الملك الأشرف شعبان في السلطنة ثانيًا بعد أن أعيا الأمراء أمر الناصري في عدم قبوله السلطنة وهو يقول‏:‏ المصلحة سلطنة الملك الصالح أمير حاج فإن الملك الظاهر برقوقًا خلعه من غير موجب فطلعوا في الحال من الإسطبل إلى القلعة واستدعوا الملك الصالح وسلطنوه وغيروا لقبه بالملك المنصور على ما سنذكره في أول ترجمته الثانية - إن شاء الله تعالى - بعد أن نذكر حوادث سنين الملك الظاهر برقوق كما هي عادة كتابنا هذا من أوله إلى آخره‏.‏
وأما الملك الظاهر برقوق فإنه دام في اختفائه إلى أن قبض عليه بعد أيام على ما سنحكيه في سلطنة الملك الصالح مفصلًا إلى أن يسجن بالكرك ويعود إلى ملكه ثانيًا‏.‏
قلت‏:‏ وزالت دولة الملك الظاهر برقوق كأن لم تكن - فسبحان من لا يزول ملكه - بعد أن حكم مصر أميرًا كبيرًا وسلطانًا إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يومًا تفصيله‏:‏ مدة تحكمه أميرًا قبض على الأمير طشتمر العلائي الدوادار في تاسع ذي الحجة سنة تسع وسبعين وسبعمائة إلى أن جلس على تخت الملك وتلقب بالملك الظاهر في يوم الأربعاء تاسع عشر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام‏.‏ وكان يقال في هذه المدة الأمير الكبير أتابك العساكر‏.‏
ومن حين تسلطن في سنة أربع وثمانين  وسبعمائة المذكورة إلى يوم ترك واختفى في ليلة الاثنين خامس جمادى الآخرة من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ست سنين وثمانية أشهر وسبعة عشر يومًا فهذا تفصيل تحكمه على مصر أميرًا أو سلطانًا إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يومًا‏.‏
وذهب ملكه من الديار المصرية على أسرع وجه مع عظمة في النفوس وكثرة مماليكه وحواشيه فإنه خلع من السلطنة وله نحو الألفي مملوك مشترى غير من أنشأه من أكابر الأمراء والخاصكية من خشداشيته وغيرهم هذا مع ما كان فيه من القوة والشجاعة والإقدام فإنه قام في هذا الأمر بالقوة في ابتداء أمره وتوثب على الرئاسة والإمرة بيده دفعة واحدة حسب ما تقدم ذكره ولم يكن له يوم ذاك عشرة مماليك مشتراة وأعجب من هذا ما سيكون من أمره في سلطنته الثانية عند خروجه من حبس الكرك وهو في غاية ما يكون من الفقر وقلة الحاشية ومع هذا يملك مصر ثانيًا كما سيأتي ذكر ذلك مفصلًا‏.‏
وما أرى هذا الذي وقع للملك الظاهر في خلعه من الملك مع ما ذكرنا إلا خذلانًا من الله تعالى ولته الأمر‏.‏

السلطان الملك الصالح ثم المنصور حاجي ابن السلطان الملك الأشرف شعبان ابن الأمير الملك وقد تقدم ذكر نسبه أيضًا في سلطنته الأولى‏.‏
وكان سبب عوده للملك أنه لما وقع ما حكيناه من خروج الأمير يلبغا الناصري وتمربغا الأفضلي المدعو منطاش بمن معهما على الملك الظاهر برقوق ووقع ما حكيناه من الحروب بينهم إلى أن ضعف أمر الملك الظاهر واختفى وترك ملك مصر واستولى الأمير الكبير يلبغا الناصري على قلعة الجبل وكلمه أصحابه على أنه يتسلطن فلم يفعل وأشار بعود الملك الصالح هذا وقال‏:‏ إن الملك الظاهر برقوقا خلعه بغير سبب وطلب أكابر الأمراء من أصحابه مثل الأمير منطاش المقدم ذكره والأمير بزلار العمري الناصري والأمير قرادمرداش الأحمدي وغيرهم وكلمهم في عود الملك الصالح إلى السلطنة ثانيًا‏.‏
فأجاب الجميع وطلعوا من الإسطبل السلطاني إلى الحوش من قلعة الجبل وجلس الأتابك يلبغا الناصري به وطلب الملك الصالح هذا من عند أهله وقد حضر الخليفة والقضاة وبايعوه بالسلطنة وألبسوه خلعتها‏.‏
وركب من الحوش بأبهة الملك وشعار السلطنة إلى الإيوان بقلعة الجبل والأمراء المذكورون مشاة بين يديه‏.‏
وأجلسوه على تخت الملك وغيروا لقبه بالملك المنصور ولم نعلم بسلطان تغير لقبه قبله ولا بعده فإنه كان لقبه أولًا الصالح وصار الآن في سلطنته الثانية المنصور‏.‏
وقلده الخليفة أمور الرعية على العادة وقبل الأمراء الأرض بين يديه ودقت النواقيس والكوسات ونودي باسمه بالقاهرة ومصر وبالأمان والدعاء ثم قام الملك المنصور إلى القصر وسائر أرباب الدولة بين يديه‏.‏
واستقر الأمير الكبير يلبغا الناصري أتابك العساكر بالديار المصرية ومدبر المملكة وصاحب حلها وعقدها ففي الحال أمر الناصري للأمير ألطنبغا الأشرفي والأمير أرسلان اللفاف وقراكسك والأمير أردبغا العثماني أن يكونوا عند السلطان الملك المنصور بالقصر وأن يمنعوا من يدخل عليه من التركمان وغيرهم‏.‏
ونزل الأتابك يلبغا الناصري إلى الإسطبل السلطاني حيث هو سكنه وخلع على الأمير حسام الدين حسين بن علي بن الكوراني بولاية القاهرة على عادته أولًا فسر الناس بولايته‏.‏ وتعين الصاحب كريم الدين بن عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس مشير الدولة وأخوه فخر الدين عبد الرحمن لنظر الدولة على عادته وأخوهما زين الدين لنظر الجهات وأعاد جميع المكوس التي أبطلها الملك الظاهر برقوق‏.‏
ثم نودي بالأمان للمماليك الجراكسة وأن جميع المماليك والأجناد على حالهم وأن الأمير الكبير لا يغير على أحد منهم شيئًا مما كان فيه ولا يخرج عنه إقطاعه‏.‏ ثم في يوم الأربعاء سادس الشهر قمم الأمير ألطنبغا الجوباني نائب الشام كان والأمير ألطنبغا المعلم أمير سلاح كان والأمير قردم الحسني رأس نوبه النوب كان من سجن الإسكندرية وطلعوا إلى السلطان وترحب بهم الأمير الكبير يلبغا الناصري‏.‏
ثم نودي ثانيًا بالقاهرة بأن من ظهر من المماليك الظاهرية فهو على حاله باق على إقطاعه ومن اختفى منهم بعد النداء حل ماله ودمه للسلطان‏.‏ ثم رسم الأمير الكبير للأمير سودون الفخري الشيخوني نائب السلطان للديار المصرية بلزوم بيته وأما محمود الأستادار فإنه توجه إلى كريم الدين بن مكانس وترامى عليه فتكلم ابن مكانس في أمره مع الأمير الكبير وأصلح شأنه معه على مال يحمله للأمير الكبير يلبغا الناصري وجمع بينهما فأمنه الناصري ونزل إلى داره‏.‏
ثم في ثامن جمادى الآخرة المذكورة اجتمع الأمراء في الخدمة السلطانية على العادة فأغلق باب القلعة وقبض على تسعة من الأمراء المقدمين وهم‏:‏ الأمير سودون الفخري الشيخوني النائب المقدم ذكره وسودون باق وسودون طرنطاي وشيخ الصفوي وقجماس الصالحي ابن عم الملك الظاهر برقوق وأبو بكر بن سنقر وآقبغا المارديني حاجب الحجاب وبجاس النوروزي ومحمود بن علي الأستدار المقدم ذكره أيضًا‏.‏
وقبض أيضًا على جماعة من أمراء الطبلخانات وهم‏:‏ عبد الرحمن بن منكلي بغا الشمسي وبوري الأحمدي وتمربغا المنجكي ومنكلي الشمسي الطرخاني ومحمد بن جمق بن أيتمش البجاسي وجرجي وقرمان المنجكي وحسن خجا وبيبرس التمان تمري وأحمد الأرغوني وأسنبغا الأرغون شاهي وقنق باي اللالا السيفي ألجاي وجرباش الشيخي الظاهري وبغداد الأحمدي ويونس الرماح وبرسبغا الخليلي وبطا الطولوتمري الظاهري ونوص المحمدي وتنكز العثماني وأرسلان اللفاف وتنكز بغا السيفي وألطنبغا شادي وآقبغا اللاجيني وبلاط المنجكي وبجمان المحمدي وألطنبغا العثماني وعلي بن آقتمر من عبد الغني وإبراهيم بن طشتمر الدوادار وخليل بن تنكز بغا ومحمد بن الدواداري وحسام الدين حسين بن علي الكوراني والي القاهرة وبلبل الرومي الطويل والطواشي صواب السعدي المعروف بشنكل مقدم المماليك والطواشي مقبل الزمام الرومي الدواداري‏.‏
ثم قبض على نيف وثلاثين أمير عشرة وهم‏:‏ أزدمر الجوكاني وقماري الجمالي وجلبان أخو مامق وقرطاي السيفي من ألجاي اليوسفي وآقبغا بوري الشيخوني وصلاح الدين محمد بن تنكز بغا وعبدوق العلائي وطولو بغا الأحمدي ومحمد بن أرغون شاه الأحمدي وإبراهيم ابن الشيخ علي بن قرا وغريب بن حاجي وأسنبغا السيفي وأحمد بن حاجي بك بن شادي وآقبغا الجمالي الهيدباني الظاهري وأمير زاده بن ملك الكرج وجلبان الكمشبغاوي الظاهري قراسقل وموسى بن أبي بكر بن رسلان أمير طبر وقنق باي الأحمدي وأمير حاج بن أيتمش وكمشبغا اليوسفي ومحمد بن اقتمر الصاحبي الحنبلي النائب وآقبغا الناصري حطب ومحمد بن سنقر المحمدي وبهادر الفخري ومحمد بن طغاي تمر النظامي ويونس العثماني وعمر بن يعقوب شاه وعلي بن بلاط الكبير ومحمد بن أحمد بن أرغون النائب ومحمد بن بكتمر الشمسي وألجيبغا الدوادار ومحمد بن يونس الدوادار وخليل بن قرطاي شاد العمائر ومحمد بن قرطاي نقيب الجيش وقطلوبك أمير جاندار وعلى جماعة كبيرة من المماليك الظاهرية‏.‏
ثم شفع بجماعة من الأمراء فأفرج عنهم منهم‏:‏ صواب مقدم المماليك المعروف بشنكل والطواشي مقبل الدواداري الزمام وحسين بن الكوراني الوالي وجماعة أخر وأخرج قجماس ابن عم الملك الظاهر برقوق على البريد إلى طرابلس‏.‏ وفيه نودي بالقاهرة ومصر‏:‏ للأمن أحضر السلطان الملك الظاهر برقوق إلى الأمير الكبير يلبغا الناصري إن كان عاميًا خلع عليه وأعطي ألف دينار وإن كان جنديًا أعطي إمرة عشرة بالديار المصرية وإن كان أمير عشرة أعطي طبلخاناه وإن كان طبلخاناه أعطي تقدمة ألف‏.‏
ومن أخفاه بعد ذلك شنق وحل ماله ودمه للسلطان‏.‏ ثم في ليلة الجمعة حملوا الأمراء المسجونون بقلعة الجبل إلى ثغر الإسكندرية ما خلا الأمير محمود الأستدار وبقيت المماليك الظاهرية في الأبراج متفرقة بقلعة الجبل‏.‏ ثم أطلق الأمير آقبغا المارديني حاجب الحجاب وأخرج من سجنه ونقل في الحراقة لشفاعة صهره الأمير أحمد بن يلبغا العمري أمير مجلس فيه فرد معه أرسلان اللفاف ومحمد بن تنكر إذ شفع فيهما أيضًا بعض الأمراء‏.‏
وفيه أيضًا نودي على الملك الظاهر برقوق وهدد من أخفاه فكثر الدعاء من العامة للملك الظاهر برقوق وكثر الأسف على فقده وثقلت أصحاب الناصري على الناس ونفروا منهم فصارت العامة تقول‏:‏ راح برقوق وغزلانه وجاء الناصري وتيرانه‏.‏
ثم قبض الناصري على الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك كان الذي كان الملك الظاهر عزله من التقدمة ونفاه إلى طرابلس فحضر مع الناصري من جملة أصحابه فاتهم أنه أخفى الملك الظاهر برقوقًا فنفي إلى المرقب وختم على حواصله ونفي معه أسنبغا المجنون‏.‏
وفي ثاني عشرة سجن محمود الأستدار وهو مقيد بالزردخاناه‏.‏ وفيه ألزم الأمير الكبير يلبغا الناصري حسين بن الكوراني الوالي بطلب الملك الظاهر برقوق وخشن عليه في الكلام بسببه فنزل ابن الكوراني من وقته وكرر النداء عليه بالقاهرة ومصر وهدد من أخفاه بأنواع العذاب والنكال‏.‏
هذا وقد كثر فساد التركمان أصحاب الناصري بالقاهرة وأخذوا النساء من الطرقات ومن الحمامات ولم يتجاسر أحد على منعهم‏.‏ وفيه قلع العسكر السلاح من عليهم ومن على خيولهم وكانوا منذ دخولهم وهم بالسلاح إلى هذا اليوم‏.‏
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة غمز على الملك الظاهر برقوق من بيت أبي يزيد‏.‏ وأمره أنه لما نزل بالإسطبل بالليل سار على قدميه حتى وصل إلى بيت أبي يزيد أحد أمراء العشرات واختفى بداره ولم يعرف له خبر وكثر الفحص عليه من قبل الناصري وغيره وهجم في مدة اختفائه على بيوت كثيرة فلم يقف له أحد على خبر‏.‏

إختفـــاء السلطان الملك الظاهر
وتكرر النداء عليه والتهديد على من أخفاه فخاف الملك الظاهر من أن يدل عليه فيؤخذ غصبًا باليد فلا يبقى عليه فأرسل أعلم الأمير ألطنبغا الجوباني بمكانه فتوجه إليه الجولاني واجتمع به وأخذه وطلع به إلى الناصري على ما سنذكره‏.‏ وقيل غير ذلك وهو أنه لما نزل الملك من الإسطبل السلطاني ومعه أبو يزيد المذكور لا غير تبعه نعمان مهتار الطشتخاناه إلى الرميلة فرده الملك الظاهر ومضى هو وأبو يزيد حتى قربا من دار أبي يزيد فتوجه أبو يزيد قبله وأخلى له دارًا ثم عاد إليه وأخفاه فيها‏.‏
ثم أخذ الناصري يتتبع أثر الملك الظاهر برقوق حتى سأل المهتار نعمان عنه فأخبره أنه نزل ومعه أبو يزيد وأنه لما تبعه رده الملك الظاهر فعند ذلك أمر الناصري حسين بن الكوراني بإحضار أبي يزيد المذكور فشدد في طلبه وهجم بيوتًا كثيرة فلم يقف له على خبر فقبض على جماعة من أصحاب أبي يزيد وغلمانه وقررهم فلم يجد عندهم علمًا به ومازال يفحص على ذلك حتى دله بعض الناس على مملوك أبي يزيد فقبض عليه وقبض ابن الكوراني على امرأة المملوك وعاقبها فدلته على موضع أبي يزيد وعلى الملك الظاهر وأنهما في بيت رجل خياط بجوار بيت أبي يزيد فمضى ابن الكوراني إلى البيت وبعث إلى الناصري يعلمه فأرسل إليه الأمراء‏.‏

سفر السلطان الملك الظاهر إلى الكرك منفياً
وقيل غير ذلك وجه آخر وهو أن السلطان الملك الظاهر لما نزل من الإسطبل كان ذلك وقت نصف الليل من ليلة الاثنين المقدم ذكرها فسار إلى بحر النيل وعدى إلى بر الجيزة ونزل عند الأهرام وأقام هناك ثلاثة أيام ثم عاد إلى بيت أبي يزيد المذكور فأقام عنده إلى يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة فحضر مملوك أبي يزيد إلى الناصري وأعلمه أن الملك الظاهر في بيت أستاذه فأحضر الناصري في الحال أبا يزيد وسأله عن الملك الظاهر فاعترف أنه عنده فأخذه ألطنبغا الجوباني وسار به إلى البيت الذي فيه الملك الظاهر برقوق فأوقف أبو يزيد الجوباني بمن معه وطلع هو وحده إلى الملك الظاهر وحدثه الخبر ثم أذن أبو يزيد للجوباني فطلع فلما رآه الملك الظاهر برقوق قام له وهم بتقبيل يديه فاستعاذ بالله الجوباني من ذلك وقال له‏:‏ يا خوند أنت أستاذنا ونحن مماليكك وأخذ يسكن روعه حتى سكن ما به‏.‏ ثم ألبسه عمامة وطيلسانًا وأنزله من الدار المذكورة وأركبه وأخذه‏.‏
وسار من صليبة ابن طولون نهارًا وشق به بين الملأ من الناس إلى أن طلع به إلى الإسطبل السلطاني بباب السلسلة حيث هو سكن الأمير الكبير يلبغا الناصري فأجلس بقاعة الفضة من القلعة‏.‏
وألزم أبو يزيد بمال الملك الظاهر الذي كان معه فأحضر كيسًا وفيه ألف دينار فأنعم به الناصري عليه وأخلع عليه ورتب الناصري في خدمة الملك الظاهر مملوكين وغلامه المهتار نعمان وقيد بقيد ثقيل وأجرى عليه من سماطه طعامًا بكرة وعشيًا ثم خلع الناصري على الأمير حسام الدين حسن الكجكني باستقراره في نيابة الكرك عوضًا عن مأمور القلمطاوي‏.‏
ورسم بعزل مأمور وقدومه إلى مصر أمير مائة ومقدم ألف بها‏.‏ هذا بعد أن جمع الناصري الأمراء من أصحابه وشاورهم في أمر الملك الظاهر برقوق بعد القبض عليه فاختلفت آراء الأمراء فيه فمنهم من صوب قتله وهم الأكثر وكبيرهم منطاش ومنهم من أشار بحبسه وهم الأقل وأكبرهم الجوباني فيما قيل فمال الناصري إلى حبسه لأمر يريده الله تعالى‏.‏
وأوصى حسام الذين الكجكني به وصايا كثيرة حسب ما يأتي ذكره في محله فأقام الكجكني بالقاهرة في عمل مصالحه إلى يوم تاسع عشر جمادى الآخرة وسافر إلى محل كفالته بمدينة الكرك‏.‏
وعند خروجه قدم الخبر على الناصري بأن الأمير آقبغا الصغير وآقبغا أستدار آقتمر اجتمع عليهما نحو أربعمائة مملوك من المماليك الظاهرية ليركبوا على جنتمر نائب الشام ويملكوا منه البلد فلما بلغ جنتمر ذلك ركب بمماليكه وكبسهم على حين غفلة فلم يفلت منهم إلا اليسير وفيهم آقبغا الصغير المذكور فسر الناصري بذلك وخلع على القاصد‏.‏
ولما وصل هذا الخبر إلى مصر ركب منطاش وجماعة من أصحابه إلى الناصري وكلموه بسبب إبقاء الملك الظاهر وخوفوه عاقبة ذلك ولا زالوا به حتى وافقهم على قتله بعد أن يصل إلى الكرك ويحبس بها واعتذر إليهم بأنه إلى الآن لم يفرق الاقطاعات والوظائف لاضطراب المملكة وأنه ثم من له ميل للظاهر في الباطن وربما يثور بعضهم عند قتله وهذا شيء يحرك في أي وقت كان حتى قاموا عنه ونزلوا إلى دورهم‏.‏
ثم أخذ الناصري في اليوم المذكور يخلع على الأمراء باستقرارهم في الإمريات والإقطاعيات فاستقر بالأمير بزلار العمري الناصري حسن في نيابة دمشق والأمير كمشبغا الحموي اليلبغاوي في نيابة حلب وبالأمير صنجق الحسني في نيابة طرابلس وبالأمير شهاب الدين أحمد بن محمد الهيدباني في حجوبية طرابلس الكبرى‏.‏
ثم في حادي عشرينه عرض الأمير الكبير يلبغا الناصري المماليك الظاهرية وأفرد من المستجدين مائتين وثلاثين مملوكًا لخدمة السلطان الملك المنصور حاجي صاحب الترجمة وسبعين من المشتروات أنزلهم بالأطباق وفرق من بقي على الأمراء وكان العرض بالإسطبل وأنعم على كل من آقبغا الجمالي الهيدباني أمير آخور ويلبغا السودوني وتنبك اليحياوي وسودون اليحياوي بإمرة عشرة في حلب - وهؤلاء الأربعة ظاهرية من خواص مماليك الملك الظاهر برقوق - ورسم بسفرهم مع الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب‏.‏

السلطان الملك الظاهر يصل إلى الكرك منفياً
ثم في ليلة الخميس ثاني عشرين جمادى الآخرة رسم الناصري بسفر الملك الظاهر برقوق إلى الكرك فأخرج من قاعة الفضة في ثلث الليل من باب القرافة أحد أبواب القلعة ومعه الأمير ألطنبغا الجوياني فأركبوه هجينًا ومعه من مماليكه أربعة مماليك صغار على هجن وهم قطلوبغا الكركي وبيغان الكركي وآقباي الكركي وسودون الكركي والجميع صاروا في سلطنة الملك الظاهر الثانية بعد خروجه من الكرك أمراء وسافر معه أيضًا مهتاره نعمان وسار به الجوباني إلى قبة النصر خارج القاهرة وأسلمه إلى الأمير سيف الدين محمد بن عيسى العائدي فتوجه به إلى الكرك من على عجرود حتى وصل به إلى الكرك وسلمه إلى نائبها الأمير حسام الدين الكجكني وعاد بالجواب فأنزل الكجكني الملك الظاهر بقاعة النحاس من قلعة الكرك وكانت ابنة الأتابك يلبغا العمري الخاصكي أستاذ الملك الظاهر برقوق زوجة مأمور المعزول عن نيابة الكرك هناك فقامت للملك الظاهر برقوق بكل ما يحتاج كونه مملوك أبيها يلبغا مع أن الناصري أيضًا مملوك أبيها غير أنها حبب إليها خدمة الملك الظاهر ومدت له سماطًا يليق به ثم إن الكجكني أيضًا اعتنى بخدمته لما كان أوصاه الناصري به قبل خروجه من مصر ومن جملة ما كان أوصاه الناصري وقرره معه أنه متى حصل له أمر من منطاش أو غيره فليفرج عن الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك فاعتمد الكجكني على ذلك وصار يدخل إليه في كل يوم ويتلطف به ويعده أنه يتوجه معه إلى التركمان فإنه له فيهم معارف وحصن قلعة الكرك وصار لا يبرح من عنده نهاره كله ويأكل معه طرفي النهار سماطه ولا زال على ذلك حتى أنس به الملك الظاهر وركن له حسب ما يأتي ذكره‏.‏
توزيع الوظائف على المماليك
وأما الناصري فإنه بعد ذلك خلع على جماعة من الأمراء فاستقر بالأمير قطلوبغا الصفوي في نيابة صفد وبالأمير بغاجق في نيابة ملطية ثم رسم فنودي بالقاهرة بأن المماليك الظاهرية يخدمون مع نواب البلاد الشامية ولا يقيم أحد منهم بالقاهرة ومن تأخر بعد النداء حل ماله ودمه للسلطان ثم نودي بذلك من الغد ثانيًا‏.‏
وفي رابع عشرينه برز النواب إلى الريدانية للسفر بعد أن أخلع الناصري على الجميع خلع السفر‏.‏
ثم في سادس عشرينه خلع السلطان الملك المنصور على الأمير يلبغا الناصري باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية وأن يكون مدبر المملكة وعلى الأمير ألطنبغا الجوباني باستقراره رأس نوية الأمراء وظيفة بركة الجوباني وعلى الأمير قرادمرداش الأحمدي وأستقر أمير سلاح وعلى الأمير أحمد بن يلبغا واستقر أمير مجلس على عادته أولًا وعلى الأمير تمرباي الحسني واستقر حاجب الحجاب وخلع على القضاة الثلاثة باستمرارهم وهم‏:‏ القاضي شمس الدين محمد الطرابلسي والقاضي جمال الدين عبد الرحمن بن خير المالكي والقاضي ناصر الدين نصر الله الحنبلي ولم يخلع على قاضي القضاة ناصر الدين ابن بنت ميلق الشافعي لتوعكه ثم خلع على القاضي صدر الدين المناوي مفتي دار العدل وعلى القاضي بدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر الجميع باستمرارهم‏.‏
وفي هذا اليوم سافر نواب البلاد الشامية وسافر معهم كثير من التركمان وأجناد الشام وأمرائها وفيه نودي أيضًا بألا يتأخر أحد من مماليك الملك الظاهر برقوق إلا من يكون بخدمة السلطان ممن عين ومن تأخر بعد ذلك شنق ثم نودي على التركمان والشاميين والغرباء بخروجهم من الديار المصرية إلى بلادهم‏.‏
وفي يوم الخميس خلع الناصري على الأمير آقبغا الجوهري باستقراره أستادارًا وعلى الأمير آلابغا العثماني دوادارًا كبيرًا وعلى الأمير آلطنبغا الأشرفي رأس نوبة ثانيًا وهي الآن وظيفة رأس نوبة النوب وعلى الأمير خلبان العلائي حاجبًا وعلى الأمير بلاط العلائي أمير جاندار وعلى شهري نائب دوركي باستمراره‏.‏
ثم في سلخ جمادى الآخرة فرق الناصري المثالات على الأمراء المقدمين وجعلهم أربعة وعشرين تقدمة على العادة القديمة‏:‏ أراد بذلك أن يظهر للناس ما أفسده الملك الظاهر برقوق في أيام سلطنته من قوانين مصر فشكره الناس على ذلك‏.‏
ثم نودي بالقاهرة بالأمان‏:‏ ومن ظلم من مدة عشرين سنة فعليه بباب الأمير الكبير يلبغا الناصري ليأخذ حقه‏.‏
ثم في يوم السبت أول شهر رجب وقف أول النهار زامر على باب السلسلة تحت الإسطبل السلطاني حيث هو سكن الناصري وزعق في زمره فلما سمعه الناس اجتمع الأمراء والمماليك في الحال وطلعوا إلى خدمة الناصري ولم يعهد هذا الزمر بمصر قبل ذلك على هذه الصورة وذكروا أنها عادة ملوك التتار إذا ركبوا يزعق هذا الزامر بين يديه وهو عادة أيضًا في بلاد حلب فاستغرب أهل مصر ذلك واستمر في كل يوم موكب‏.‏
وفيه أيضًا رسم الناصري أن يكون رؤوس نوب السلاحدارية والسقاة والجمدارية ستة لكل طائفة على ما كانوا أولًا قبل سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين فإن الأشرف هو الذي استقر بهم ثمانية‏.‏
وخلع الناصري على قطلوبغا الفخري باستقراره نائب قلعة الجبل عوضًا عن الأمير بجاس‏.‏
وفي خامسه قدم الأمير نعير بن حيار بن مهنأ ملك العرب إلى الديار المصرية ولم يحضر قط في أيام الملك الظاهر برقوق وقصد بحضوره رؤية الملك المنصور وتقبيل الأرض بين يديه فخلع السلطان عليه ونزل بالميدان الكبير من تحت القلعة وأجرى عليه الرواتب‏.‏
وفيه خلع على الأمير آلابغا العثماني الدوادار الكبير باستقراره في نظر الأحباس مضافًا لوظيفته وخلع أيضًا على قرقماس الطشتمري واستمر خازندارا‏.‏ وفي ثامنه خلع على الأمير نعير خلعة السفر‏.‏
وأنعم على الطواشي صواب السعدي شنكل بإمرة عشرة واسترجعت منه إمرة طبلخاناه ولم يقع مثل ذلك أن يكون مقدم المماليك أمير عشرة‏.‏ وفيه خلع السلطان الملك المنصور على شخص وعمله خياط السلطان فطلبه الناصري وأخذ منه الخلعة وضربه ضربًا مبرحًا وأسلمه لشاد الدواوين ثم أفرج عنه بشفاعة الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس فشق ذلك على الملك المنصور وقال‏:‏ إذا لم ينفذ مرسومي في خياط فما هذه السلطنة‏.‏ ثم سكت على مضض‏.‏
وفي أول شعبان أمر المؤذنون بالقاهرة ومصر أن يزيدوا في الأذان إلا أذان المغرب‏:‏ الصلاة والسلام عليك يا رسول الله عدة مرات‏.‏
وسبب ذلك أن رجلًا من الفقراء المعتقدين سمع في ليلة الجمعة بعد أذان العشاء‏:‏ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكان العادة في ليلة الجمعة بعد أذان العشاء يصلي المؤذنون على النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا على المئذنة فلما سمع الفقير ذلك قال لأصحابه الفقراء‏:‏ أتحبون أن تسمعوا هذا في كل أذان قالوا‏:‏ نعم فبات تلك الليلة وأصبح وقد زعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه يأمره أن يقول لمحتسب القاهرة نجم الدين الطنبدي أن يأمر المؤذنين أن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم عقيب كل أذان فمشى الشيخ إلى المحتسب المذكور وقص عليه ما رآه فسره ذلك وأمر به فبقي إلى يومنا هذا‏.‏
ثم إن الناصري أنزل السبعين الذين قررهم بالأطباق من مماليك برقوق وفرقهم على الأمراء ورسم أيضًا بإبطال المقدمين والسواقين من الطواشية ونحوهم وأنزلهم من عند الملك المنصور فاتضح أمر السلطان الملك المنصور وعرف كل أحد أنه ليس له أمر ولا نهي في المملكة‏.‏
خلاف بين الأمير يلبغا والأمير تمربغا الأفضلي المدعو منطاش
الفتنة بين الأمير الكبير يلبغا والأمير تمربغا الأفضلي المدعو منطاش‏:‏ ولما كان سادس عشر شعبان أشيع في القاهرة بتنكر منطاش على الناصري وانقطع منطاش عن الخدمة وأظهر أنه مريض ففطن الناصري بأنه يريد أن يعمل مكيدة فلم ينزل لعيادته وبعث إليه الأمير ألطنبغا الجوباني رأس نوبة كبيرًا في يوم الاثنين سادس عشر شعبان المذكور ليعوده في مرضه فدخل عليه وسلم عليه وقضى حق العيادة وهم بالقيام فقبض عليه منطاش وعلى عشرين من مماليكه وضرب قرقماس دوادار الجوباني ضربًا مبرحًا مات منه بعد أيام‏.‏
ثم ركب منطاش حال مسكه للجوباني في أصحابه إلى باب السلسلة وأخذ جميع الخيول التي كانت واقفة على باب السلسلة‏.‏
وأراد اقتحام الباب ليأخذ الناصري على حين غفلة فلم يتمكن من ذلك وأغلق الباب ورمى عليه مماليك الناصري من أعلى السور بالنشاب والحجارة فعاد إلى بيته ومعه الخيول وكانت داره دار منجك اليوسفي التي اشتراها تمربغا الظاهري الدوادار وجددها بالقرب من مدرسة السلطان حسن ونهب منطاش في عوده بيت الأمير آقبغا الجوهري الأستدار وأخذ خيوله وقماشه‏.‏
ثم رسم منطاش في الوقت لمماليكه وأصحابه بالطلوع إلى مدرسة السلطان حسن فطلعوا إليها وملكوها وكان الذي طلع إليها الأمير تنكزبغا رأس نوبة والأمير أزدمر الجو كندار دوادار الملك الظاهر برقوق في عدة من المماليك وحمل إليها منطاش النشاب والحجارة ورموا على من كان بالرميلة من أصحاب الناصري من أعلى المئذنتين ومن حول القبة فعند ذلك أمر الناصري مماليكه وأصحابه بلبس السلاح وهو يتعجب من أمر منطاش كيف يقع منه ذلك وهو في غاية من قلة المماليك وأصحابه‏.‏
وبلغ الأمراء ذلك فطلع كل واحد بمماليكه وطلبه إلى الناصري‏.‏ وأما منطاش فإنه أيضًا تلاحقت به المماليك الأشرفية خشداشيته والمماليك الظاهرية فعظم بهم أمره وقوي جأشه‏.‏
فأما مجيء الظاهرية إليه فرجاء لخلاص أستاذهم الملك الظاهر برقوق وأما الأشرفية فهم خشداشيته لأن منطاش كان أشرفيًا ويلبغا الناصري يلبغاويًا خشداشًا لبرقوق‏.‏
وانضمت اليلبغاوية على الناصري وهم يوم ذاك أكابر الأمراء وغالب العسكر المصري وتجمعت المماليك على منطاش حتى صار في نحو خمسمائة فارس معه بعدما كان في سبعين فارسًا في أول ركوبه ثم أتاه من العامة عالم كبير فترامى الفريقان واقتتلا‏.‏
ونزل الأمير حسام الذين حسين بن الكوراني والي القاهرة والأمير مأمور حاجب الحجاب من عند الناصري ونودي في الناس بنهب مماليك منطاش والقبض على من قدروا عليه منهم وإحضاره إلى الناصري فخرج عليهما طائفة من المنطاشية فضربوهما وهزموهما فعادوا إلى الناصري وسار الوالي إلى القاهرة وأغلق أبوابها‏.‏

الحـــــرب
واشتد الحرب وخرج منطاش في أصحابه وتقرب من العامة ولاطفهم وأعطاهم الذهب فتعصبوا له وتزاحموا على التقاط النشاب الذي يرمى به من أصحاب الناصري على منطاش وأتوه به وبالغوا في الخدمة لمنطاش حتى خرجوا عن الحد فكان الواحد منهم يثب في الهواء حتى يخطف السهم قبل أن يأخذه غيره ويأتي به منطاش وطائفة منهم تنقل الحجارة إلى أعلى المدرسة الحسنية واستمروا على ذلك إلى الليل فبات منطاش ليلة الثلاثاء سابع عشر شعبان على باب مدرسة السلطان حسن المذكورة والرمي يأتيه من القلعة من أعوان الناصري‏.‏
هذا والمماليك الظاهرية تأتيه من كل فج وهو يعدهم ويمنيهم حتى أصبح يوم الثلاثاء وقد زادت أصحابه على ألف فارس كل ذلك والناصري لا يكترث بأمر منطاش ولا يصلح أمره وإنما يقبل على التراخي استخفافًا بمنطاش وحواشيه يحرضونه على سرعة قتال منطاش ويحذرونه التهاون في أمره‏.‏
ثم أتى منطاش طوائف من مماليك الأمراء والبطالة وغيرهم شيئًا بعد شيء فحسن حاله بهم واشتد بأسه وعظمت شوكته بالنسبة لما كان فيه أولًا لا بالنسبة لحواشي الناصري ومماليكه فعند ذلك ندب الناصري الأمير بجمان والأمير قرابغا الأبو بكري في طائفة كبيرة ومعهم المعلم شهاب الدين أحمد بن الطولوني المهندس وجماعة كبيرة من الحجارين والنقابين لينقبوا بيت منطاش من ظهره حتى يدخلوا منه إلى منطاش ويقاتلوه من خلفه والناصري من أمامه ففطن منطاش بهم فأرسل إليهم في الحال عدة من جماعته قاتلوهم حتى هزموهم وأخذوا قرابغا وأتوا به إلى منطاش فرتب الناصري عدة رماة على الطبلخاناه السلطانية وعلى المدرسة الأشرفية التي هدمها الملك الناصر فرج وجعل الملك المؤيد مكانها بيمارستانًا في الصوة فرموا على منطاش بالمدافع والنشاب فقتل عدة من العوام وجرح كثير من المنطاشية‏.‏
هذا وقد انزعج الناصري وقام بنفسه وهيأ أصحابه لقتال منطاش وندب من أصحابه من أكابر الأمراء جماعة لقتاله وهم الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس والأمير جمق ابن الأتابك أيتمش البجاسي في جمع كبير من المماليك فنزلوا وطردوا العامة من الرميلة فحملت العامة من أصحاب منطاش عليهم حملة واحدة هزموهم فيها أقبح هزيمة‏.‏
ثم عاد أحمد بن يلبغا المذكور غير مرة واستمر القتال بينهما إلى آخر النهار والرمي والقتال عمال من القلعة على المدرسة الحسنية ومن المدرسة على القلعة‏.‏
وبينما هم في ذلك خرج من عسكر الناصري الأمير آقبغا المارديني بطلبه وصار إلى منطاش فتسلل الأمراء عند ذلك واحدا بعد واحد وكل من يأتي منطاش من الأمراء يوكل به واحد يحفظه ويبعث به إلى داره ويأخذ مماليكه فيقاتل الناصري بهم‏.‏
فلما رأى حسين بن الكوراني الوالي جانب الناصري قد اتضع خاف على نفسه من منطاش واختفى فطلب منطاش ناصر الدين محمد بن ليلى نائب حسين ابن الكوراني وولاه ولاية القاهرة وألزمه بتحصيل النشاب فنزد في الحال إلى القاهرة وحمل إليه كثيرًا من النشاب‏.‏
ثم أمره منطاش فنادى بالقاهرة بالأمان والاطمئنان وإبطال المكس والدعاء للأمير الكبير منطاش بالنصر‏.‏
هذا وقد أخذ أمر الناصري في إدبار وتوجه جماعة كبيرة من أصحابه إلى منطاش فلما رأى الناصري عسكره في قلة وقد نفر عنه غالب أصحابه بعث بالخليفة المتوكل على الله إلى منطاش يسأله في الصلح وإخماد الفتنة فنزل الخليفة إليه وكلمه في ذلك فقال له منطاش‏:‏ أنا في طاعة السلطان وهو أستاذي وابن أستاذي والأمراء إخوتي وما غريمي إلا الناصري لأنه حلف لي وأنا بسيواس ثم بحلب ودمشق أيضًا بأننا نكون شيئًا واحدًا وأن السلطان يحكم في مملكته بما شاء فلما حصل لنا النصر وصار هو أتابك العساكر استبد بالأمر ومنع السلطان من التحكم وحجر عليه وقرب خشداشيته اليلبغاوية وأبعدني أنا وخشداشيتي الأشرفية ثم ما كفاه ذلك حتى بعثني لقتال الفلاحين‏.‏
حرب الناصرى ومنطاش
وكان الناصري أرسله من جملة الأمراء إلى جهة الشرقية لقتال العربان لما عظم فساد فلاحيها‏.‏
ثم قال منطاش‏:‏ ولم يعطني الناصري شيئًا من المال سوى مائة ألف درهم وأخذ لنفسه أحسن الإقطاعات وأعطاني أضعفها والإقطاع الذي قرره لي يعمل في السنة ستمائة ألف درهم والله ما أرجع عنه حتى أقتله أو يقتلني ويتسلطن ويستبد بالأمر وحلى من غير شريك‏.‏
فأخذ الخليفة يلاطفه فلم يرجع له وقام الخليفة من عنده وهو مصمم على مقالته وطلع إلى الناصري وأعاد عليه الجواب‏.‏
فعند ذلك ركب الناصري بسائر مماليكه وأصحابه ونزل بجمع كبير لقتال منطاش وصف عساكره تجاه باب السلسلة وبرز إليه منطاش أيضًا بأصحابه وتصادما واقتتلا قتالًا شديدًا وثبت كل من الطائفتين ثباتًا عظيمًا فخرج من عسكر الناصري الأمير عبد الرحمن ابن الأتابك منكلي بغا الشمسي صهر الملك الظاهر برقوق بمماليكه والأمير صلاح الدين محمد بن تنكر نائب الشام وكان أيضًا من خواص الملك الظاهر برقوق وسار صلاح الدين المذكور إلى منطاش ومعه خمسة أحمال نشاب وثمانون حمل مأكل وعشرة آلاف درهم‏.‏
وانكسر الناصري وأصحابه وطلع إلى باب السلسلة فمراجع أمره وانضم عليه من بقي من خشداشيته اليلبغاوية وندب لقتال منطاش الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس ثانيًا والأمير قرادمرداش الأحمدي أمير سلاح والأمير ألطنبغا المعلم والأمر مأمور القلمطاوي حاجب الحجاب والجميع يلبغاوية ونزلوا في جمع موفور من العسكر وصدموا منطاش صدمة هائلة وأحمى أظهرهم من في القلعة بالرمي على منطاش وأصحابه فأخذ أصحاب منطاش عند ذلك في الرمي من أعلى المدرسة بالنشاب والنفط والتحم القتال من فوق ومن أسفل فانكسر عسكر الناصري ثانيًا وانهزموا إلى باب السلسلة‏.‏
هذا والعامة لأخذ النشاب من على الأرض وتأتي به منطاش وهو يتقرب منهم ويترفق لهم ويقول لهم‏:‏ أنا واحد منكم وأنتم إخواننا وأصحابنا وأشياء كثيرة من هذه المقولة هذا وهم يبذلون نفوسهم في خدمته ويتلاقطون النشاب من الرميلة مع شدة رمي الناصري عليهم من القلعة‏.‏
ثم ظفر منطاش بحاصل للأمير جركس الخليلي الأمير آخور وفيه سلاح كثير ومال وبحاصل آخر لبكلمش العلائي فأخذ منطاش منهما شيئًا كثيرًا فقوي به فإنه كان أمره قد ضعف من قلة السلاح لا من قلة المقاتلة لأن غالب من أتاه بغير سلاح‏.‏
ثم ندب الناصري لقتاله الأمير مأمورًا حاجب الحجاب والأمير جمق بن أيتمش والأمير قراكسك في عدة كبيرة من اليلبغاوية وقد لاح لهم زوال دولة اليلبغاوية بحبس الملك الظاهر برقوق ثم بكسرة الناصري من منطاش إن تم ذلك فنزلوا إلى منطاش وقد بذلوا أرواحهم فبرز لهم العامة أمام المنطاشية وأكثروا من رميهم بالحجارة في وجوههم ووجوه خيولهم حتى كسروهم وعادوا إلى باب السلسلة‏.‏
كل ذلك والرمي من القلعة بالنشاب والنفوط والمدافع متواصل على المنطاشية وعلى من بأعلى المدرسة الحسنية حتى أصاب حجر من حجارة المدفع القبة الحسنية فخرقها وقتل مملوكًا من المنطاشية فلما رأى منطاش شدة الرمي عليه من القلعة أرسل أحضر المعلم ناصر الدين محمد بن الطرابلسي - وكان أستاذًا في الرمي بمدافع النفط - فلما حضر عنده جرده من ثيابه ليوسطه من تأخره عنه فاعتذر إليه بأعذار مقبولة ومضى ناصر الدين في طائفة من الفرسان وأحضر آلات النفط وطلع على المدرسة ورمى على الإسطبل السلطاني حيث هو سكن الناصري حتى أحرق جانبًا من خيمة الناصري وفرق جمعهم‏.‏
وقام الناصري والسلطان الملك المنصور من مجلسهما ومضيا إلى موضع آخر امتنعا فيه ولم يمض النهار حتى بلغت عدة فرسان منطاش نحو الألفي مقاتل‏.‏
وبات الفريقان في تلك الليلة لا يبطلان الرمي حتى أصبحا يوم الأربعاء وقد جاء كثير من مماليك الأمراء إلى منطاش ثم خرج من عسكر الناصري الأمير تمرباي الحسني حاجب الحجاب والأمير قردم الحسني رأس نوبة النوب في جماعة كبيرة من الأمراء وصاروا إلى منطاش من جملة عسكره وغالب هؤلاء الأمراء من اليلبغاوية‏.‏
ثم ندب الناصري لقتال منطاش الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس والأمير قرا دمرداش الأحمدي أمير سلاح وعين منهم جماعة كبيرة فنزلوا وصدموا المنطاشية صدمة هائلة انكسروا فيها غير مرة وابن يلبغا يعود بهم إلى أن ضعف أمره وانهزم وطلع إلى باب السلسلة هذا والقوم يتسللون من الناصري إلى منطاش والعامة تمسك من وجدوه من الترك ويقولون له‏:‏ ناصري أم منطاشي فإن قال‏:‏ ناصري أنزلوه من على فرسه وأخذوا جميع ما عليه وأتوا به إلى منطاش‏.‏
ثم تكاثرت العامة على بيت الأمير أيدكار حتى أخذوه بعد قتال كبير وأتوا به إلى منطاش فأكرمه منطاش وبينما هو في ذلك جاءه الأمير ألطنبغا المعلم بطلبه ومماليكه وكان من أجل خشداشية الناصري وأصحابه وصار من جملة المنطاشية فسر به منطاش‏.‏
ثم عين له ولأيدكار موضعًا يقفان فيه ويقاتلان الناصري منه‏.‏ وبينما منطاش في ذلك أرسل إليه الأمير قرا دمرداش الأحمدي أمير سلاح يسأله في الحضور إليه طائعًا فلم يأذن له ثم أتاه الأمير بلوط الصرغتمشي بعد ما قاتله عدة مرار وكان من أعظم أصحاب الناصري‏.‏
ثم حضر إلى منطاش جمق بن أيتمش واعتذر إليه فقبل عذره وعظم أمر منطاش وضعف أمر الناصري واخل أمره وصار في باب السلسلة بعدد يسير من مماليكه وأصحابه وندم الناصري على خلع الملك الظاهر برقوق وحبسه لما علم أن الأمر خرج من اليلبغاوية وصار في الأشرفية حيث لا ينفعه الندم‏.‏
فلما أذن العصر قام الناصري هو وقرا دمرداش الأحمدي أمير سلاح وأحمد ابن يلبغا أمير مجلس وآقبغا الجوهري الأستادار والآبغا العثماني الدوادار والأمير قراكسك في عدة من المماليك وصعد إلى قلعة الجبل ونزل من باب القرافة وعندما قام الناصري من باب السلسلة وطلع القلعة ونزل من باب القرافة أعلم أهل القلعة منطاش فركب في الحال بمن معه وطلع إلى الإسطبل السلطاني وملكه ووقع النهب فيه فأخذوا من الخيل والقماش شيئًا كثيرًا‏.‏
وتفرق الزعر والعامة إلى بيوت المنهزمين فنهبوا وأخذوا ما قدروا عليه ومنعهم الناس من عدة مواضع وبات منطاش بالإسطبل‏.‏ وأصبح من الغد وهو يوم الخميس تاسع عشر شعبان وطلع إلى السلطان الملك المنصور حاجي وأعلمه بأنه في طاعته وأنه هو أحق بخدمته لكونه من جملة المماليك الذين لأبيه الأشرف شعبان وأنه يمتثل مرسومه فيما يأمره به وأنه يريد بما فعله عمارة بيت الملك الأشرف - رحمه الله - فسر المنصور بذلك هو وجماعة الأشرفية فإنهم كانوا في غاية ما يكون من الضيق مع اليلبغاوية من مدة سنين‏.‏
ثم تقدم الأمير منطاش إلى رؤوس النوب بجمع المماليك وإنزالهم بالأطباق من قلعة الجبل على العادة ثم قام من عند السلطان ونزل إلى الإسطبل بباب السلسلة وكان ندب جماعة للفحص على الناصري ورفقته ففي حال نزوله أحضر إليه الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس والأمير مأمور القلمطاوي فأمر بحبسهما بقاعة الفضة من القلعة وحبس معهما أيضًا الأمير بجمان المحمدي وكتب منطاش بإحضار الأمير سودون الفخري الشيخوني النائب من ثغر الإسكندرية ثم قدم عليه الخبر بأن الأمراء الذين توجهوا في أثر الناصري أدركوه بسرياقوس وقبضوا عليه وبعد ساعة أحضر الأمير يلبغا الناصري بين يديه فأمر به فقيد وحبس أيضًا بقاعة الفضة ثم حمل هو والجوباني في آخرين إلى سجن الإسكندرية فحبسوهم وأخذ الأمير منطاش يتتبع أصحاب الناصري وحواشيه من الأمراء والمماليك‏.‏
فلما كان يوم عشرين شعبان قبض على الأمير قرا دمرداش الأحمدي أمير سلاح فأمر به منطاش فقيد وحبس‏.‏
ثم قبض منطاش على جماعة كبيرة من الأمراء وهم‏:‏ الأمير ألطنبغا المعلم والأمير كشلي القلمطاوي وآقبغا الجوهري وألطنبغا الأشرفي وآقبغا العثماني وفارس الصرغتمشي وكمشبغا وشيخ اليوسفي وعبدوق العلائي وقيد الجميع وبعث بهم إلى ثغر الإسكندرية فحبسوا بها‏.‏
ثم في حادي عشرينه أنعم منطاش على الأمير إبراهيم بن قطلقتمر الخازندار بإمرة مائة وتقدمة ألف واستقر أمير مجلس عوضًا عن أحمد بن يلبغا دفعة واحدة من إمرة عشرة ثم أخلع السلطان الملك المنصور على الأمير منطاش باستقراره أتابك العسكر ومدبر الممالك عوضًا عن يلبغا الناصري المقبوض عليه‏.‏
ثم كتب منطاش أيضًا بإحضار قطلوبغا الصفوي نائب صفد والأمير أسندمرالشرفي ويعقوب شاه وتمان تمر الأشرفي وعين لكل منهم إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية‏.‏
ثم في ثاني عشرينه قبض على الأمير تمرباي الحسني حاجب الحجاب بديار مصر وعلى الأمير يلبغا المنجكي وعلى إبراهيم بن قطلقتمر أمير مجلس الذي ولاه في أمسه ثم أطلقه وأخرجه على إمرة مائة وتقدمة ألف بحلب لأمر اقتضى ذلك‏.‏
ثم في ثالث عشرين شعبان المذكور قبض منطاش على أرسلان اللفاف وعلى قراكسك السيفي وأيدكار العمري حاجب الحجاب وقردم الحسني وآقبغا المارديني وعدة من أعيان المماليك اليلبغاوية وغيرهم‏.‏
ثم قبض على الطواشي مقبل الرومي الدواداري الزمام وجوهر اليلبغاوي لالا السلطان الملك المنصور ثم قبض منطاش على الطواشي صندل الرومي المنجكي خازندار الملك الظاهر برقوق وعذبه على ذخائر برقوق وعصره مرارًا حتى دل على شيء كثير فأخذها منطاش وتقوى بها‏.‏ وفي ثامن عشرينه وصل سودون الشيخوني النائب من سجن الإسكندرية فأمره منطاش بلزوم بيته بطالًا‏.‏
ثم أنفق منطاش على من قاتل معه من الأمراء والمماليك بالتدريج فأعطى لمائة واحد منهم لكل واحد ألف دينار وأعطى لجماعة أخر لكل واحد عشرة الآف درهم ودونهم لكل واحد وظهر على منطاش الملل من المماليك الظاهرية والتخوف منهم فإنه كان قد وعدهم بأنه يخرج أستاذهم الملك الظاهر برقرق من سجن الكرك إذا انتصر على الناصري فلم يفعل ذلك ولا أنعم على واحد منهم بإمرة ولا إقطاع وإنما أخذ يقرب خشداشيته ومماليكه وأولاد الناس فعز عليهم ذلك في الباطن وفطن منطاش بذلك فعاجلهم بأن عمل عليهم مكيدة وهي أنه لما كان يوم الثلاثاء ثاني شهر رمضان من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة المذكورة طلب سائر المماليك الظاهرية على أنه ينظر في أمرهم وينفق عليهم ويترضاهم فلما طلعوا إلى القلعة أمر منطاش فأغلق عليهم باب القلعة وقبض على نحو المائتين منهم‏.‏
حدثني السيفي إينال المحمودي الظاهري قال‏:‏ كنت من جملتهم فلما وقفنا بين يدي منطاش ونحن في طمعة النفقة والإقطاعات ظهر لي من وجه منطاش الغدر فتأخرت خلف خشداشيتي فلما وقع القبض عليهم رميت بنفسي إلى الميدان ثم منه إلى جهة باب القرافة واختفيت بالقاهرة‏.‏ ذانتهى‏.‏
ثم بعث منطاش بالأمير جلبان الحاجب وبلاط الحاجب فقبض على كثير من المماليك الظاهرية وسجنوا بالأبراج من قلعة الجبل‏.‏ قلت‏:‏ لا جرم فإنه من أعان ظالمًا سلط عليه وفي الجملة فإن الناصري كان لحواشي برقوق خيرًا من منطاش‏.‏ غير أنه لكل شيء سبب‏:‏ وكانت حركة منطاش سببًا لخلاص الملك الظاهر برقوق وعوده إلى ملكه على ما سيأتي ذكره‏.‏
ثم أمر منطاش فنودي بالقاهرة أن من أحضر مملوكًا من مماليك برقوق فله كذا وكذا وهدد من أخفى واحدًا منهم‏.‏ قلت‏:‏ وما فعله منطاش هو الحزم فإنه أزال من يخشاه وقرب مماليكه وأصحابه وكاد أمره أن يتم بذلك لو ساعدته المقادير وكيف تساعده المقادير وقد قدر بعود برقوق إلى ملكه بحركة منطاش وبركوبه على الناصري‏.‏


ثم فيثالث شهر رمضان قبض منطاش على سودون النائب وألزمه بمال يحمله إلى خزانته‏.‏ وفيه شدد الطلب على المماليك الظاهرية وألزم سودون النائب المتقدم ذكره بحمل ستمائة ألف درهم كان أنعم عليه بها الملك الظاهر برقوق في أيام سلطنته‏.‏
ثم خلع على حسين بن الكوراني بعوده إلى ولاية القاهرة وحرضه منطاش على المماليك الظاهرية‏.‏ ثم قدمت الأمراء المطلوبون من البلاد الشامية وخلع منطاش عليهم وأنعم على كل منهم بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية دفعة ولم يسبق لهم قبل ذلك أخذ إمرة عشرة بديار مصر‏.‏
وفيه ظفر منطاش بذخيرة كانت للملك الظاهر برقوق بجوار جامع الأزهر‏.‏ وفيه أفرج منطاش عن الأمير محمود بن علي الأستادار بعد ما أخذ منه جملة كبيرة من المال ثم أمسك منطاش جماعة من أعيان المماليك الظاهرية ممن كانوا ركبوا معه في أوائل أمره وبهم كان استفحل أمره وأضافهم إلى من تقدم من خشداشيتهم وحبس الجميع بأبراج قلعة الجبل ولم يرق لأحد منهم‏.‏
قلت‏:‏ لعله لمثل بأبيات المتنبي‏:‏ الكامل لا يخدعنك من عدوك دمعه وارحم شبابك من عدو ترحم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم وبينما منطاش في ذلك ورد عليه البريد بخروج الأمير نعير بن حيار بن مهنا أمير العربان عن الطاعة غضبًا للناصري وأنه اتفق هو وسولي بن دلغادر ونهبا بلادًا كثيرة من الأعمال الحلبية فلم يلتفت منطاش إلى ذلك وكتب لهما يستعطفهما على دخولهما تحت الطاعة‏.‏
ثم بعد أيام ورد البريد أيضًا بخروج الأمير بزلار العمري الناصري حسن نائب الشام عن طاعة منطاش غضبًا للأمير يلبغا الناصري فكتب إليه أيضًا مكاتبة خشن له فيها‏.‏ ثم أخذ منطاش فيما يفعله في أمر دمشق وغيرها - على ما سيأتي ذكره - بعد أن يقعد له قواعد بمصر فبدأ منطاش في اليوم المذكور بالقبض على الطواشي صواب السعدي المعروف بشنكل مقدم المماليك السلطانية‏.‏
وخلع على الطواشي جوهر وأعاده لتقدمة المماليك‏.‏ ثم أنعم على جماعة من حواشيه ومماليكه بإقطاعات كثيرة وأنعم على جماعة منهم بتقدمة ألف وهم‏:‏ ولده الأمير ناصر الدين محمد بن منطاش وهي أحسن التقدم والأمير قطلويغا الصفوي وأسندمر بن يعقوب شاه وتمان تمر الأشرفي وأيدكار العمري وأسندمر الشرفي رأس نوبة منطاش وجنتمر الأشرفي ومنكلي باي الأشرفي وتكا الأشرفي ومنكلي بغا خازندار منطاش وصراي تمر دوادار منطاش وتمربغا الكريمي وألطنبغا الحلبي ومبارك شاه‏.‏
ثم أنعم على جماعة كبيرة بإمرة طبلخاناه وعشرينات وعشرات فممن أنعم عليه بإمرة طبلخاناه‏:‏ الشريف بكتمر الحسني وأبو بكر بن سنقر الجمالي ودمرداش القشتمري وعبد الرحمن بن منكلي بغا الشمسي على عادته أولًا وجلبان السعدي وآروس بغا صلغيه وإبراهيم بن طشتمر الدوادار وسربغا الناصري وتنكز الأعور الأشرفي وصراي تمر الأشرفي وآقبغا المنجكي وملكتمر المحمدي وقرابغا السيفي وقطلوبغا الزيني وتمربغا المنجكي وأرغون شاه السيفي ومقبل السيفي منطاش أمير سلاح وطيبرس السيفي رأس نوية وبيرم خجا الأشرفي وألطنبغا الجربغاوي ومنجك الزيني وبزلار الخليلي ومحمد بن أسندمر العلائي وطشبغا السيفي منطاش وإلياس الأشرفي وقطلوبغا السيفي وشيخون الصرغتمشي وجلبان السيفي وأنعم على كل ممن يذكر بإمرة عشرين وهم‏:‏ كريب الخطائي وبايجي الأشرفي ومنكلي بغا الجوباني وقرابغا الأحمدي وآق كبك السيفي وفرج شاد الدواوين ورمضان السيفي ومحمد بن مغلطاي المسعودي والي مصر‏.‏
وأنعم على كل ممن يذكر بإمرة عشرة وهم‏:‏ صلاح الدين محمد بن تنكز زيادة على ما بيده وخضر بن عمر بن بكتمر الساقي ومحمد بن يونس الدوادار وعلي الجركتمري ومحمد بن رجب بن محمد التركماني ومحمد بن رجب بن جنتمر بن عبد الغني وجوهر الصلاحي وإبراهيم بن يوسف برلغي ولؤلؤ العلائي الطواشي وتنكز العثماني وصراي تمر الشرفي الصغير ومنكلي بغا المنجكي وآق سنقر الأشرفي - رأيت أنا المذكور في دولة الملك الأشرف برسباي في حدود سنة ثلاثين وثمانمائة وقد شاخ - وجاركس القرابغاوي وأسنبغا التاجي وسنقر السيفي وكزل الجوباني وقرابغا الشهابي وبك بلاط الأشرفي ويلبغا التركماني وأرنبغا الأشرفي وحاجي اليلبغاوي وأرغون الزيني ويلبغا الزيني وتمر الأشرفي وجنبغا الشرفي وجقمق السيفي وأرغون شاه البكلمشي وألطنبغا الأشقر وصواي السيفي وألطنبغا الإبراهيمي وآقبغا الأشرفي وألجيبغا السيفي‏.‏ انتهى‏.‏
ثم في خامس عشر شهر رمضان نودي على الزعر بالقاهرة ومصر‏:‏ من حمل منهم سيفًا أو وفي يوم عشرين شهر رمضان ورد البريد بأن بزلار نائب الشام مسكه الأمير جنتمر أخوطاز فكاد منطاش أن يطير من الفرح بذلك لأن بزلار كان من عظماء الملوك ممن كان الملك الظاهر برقوق يخافه ونفاه إلى الشام فوافق الناصري فولاه الناصري نيابة الشام دفعة واحدة مخافة من شره وكان من الشجعان حسب ما يأتي ذكره في الوفيات‏.‏
ولما أن بلغ منطاش هذا الخبر قلع السلاح عنه وأمر أمراءه ومماليكه بقلع السلاح فإنهم كانوا في هذه المدة الطويلة لابسين السلاح في كل يوم‏.‏ ثم في الحال قبض منطاش على جمق بن أيتمش البجاسي وعلى بيرم العلائي رأس نوبة أيتمش‏.‏
وفيه قدم سيف الأمير بزلار المقدم ذكره‏.‏ وكان من خبره أن منطاش لما انتصر على الناصري وملك مصر أرسل إلى الأمير بزلار المذكور بحضوره إلى مصر في ثلاثة سروج لا غير على البريد فأجابه بزلار‏:‏ لا أحضر إلا في ثلاثين ألف مقاتل وخاشنه في رد الجواب وخرج عن طاعته فخادعه منطاش حسب ما تقدم ذكره وكتب في الباطن للأمير جنتمر أخي طاز أتابك دمشق بنيابة دمشق إلى أن قبض على بزلار المذكور ثم سير إليه التشريف بذلك‏.‏
وكتب إليه أن محمد ابن بيدمر يكون أتابك دمشق عوضه وجبريل حاجب دمشق فلما بلغ جنتمر ذلك عرف الأمراء المذكورين الخبر واتفق مع جماعة أخر من أكابر أمراء دمشق وركبوا على بزلار المذكور على حين غفلة وواقعوه فلم يثبت لهم وانكسر ومسك وحبس بقلعة دمشق‏.‏ وأرسل جنتمر سيفه إلى منطاش واستقر عوضه في نيابة دمشق فسر منطاش بذلك غايرة السرور‏.‏

خروج الملك الظاهر برقوق من الأعتقال وإستيلاءه على الكرك
ولم يتم سروره وقدم عليه الخبر بما هو أهدى وأمر وهو خروج الملك الظاهر برقوق من سجن الكرك وأنه استولى على مدينتها ووافقه نائبها الأمير حسام الدين حسن الكجكني وقام بخدمته وأنه قد حضر إلى الملك الظاهر برقوق ابن خاطر أمير بني عقبة من عرب الكرك ودخل في طاعته وقدم هذا الخبر من ابن بأكيش نائب غزة‏.‏
فلما سمع منطاش ذلك كاد يهلك واضطربت الديار المصرية وكثرت القالة بين الناس واختلفت الأقاويل وتشغب الزعر‏.‏

مؤامرة منطاش لإغتيال برقوق
وكان من خبر الملك الظاهر برقوق أن منطاش لما وثب على الأمر وأقهر الأتابك يلبغا الناصري وحبسه وحبس عدة من أكابر الأمراء عاجل في أمر الملك الظاهر برقوق بأن بعث إليه شخصًا يعرف بالشهاب البريدي ومعه كتب للأمير حسام الدين الكجكني نائب الكرك وغيره بقتل الملك الظاهر برقوق من غير مراجعة ووعده بأشياء غير نيابة الكرك‏.‏
وكان الشهاب البريدي أصله من الكرك وتزوج ببنت قاضي الكرك القاضي عماد الدين أحمد بن عيسى المقيري الكركي‏.‏
ثم وقع بين الشهاب المذكور وبين زوجته فقام أبوها عليه حتى طلقها منه وزوجها بغيره‏.‏ وكان الشهاب مغرمًا بها فشق ذلك عليه وخرج من الكرك وقدم مصر وصار بريديًا‏.‏
وضرب الدهر ضرباته حتى كان من أمر منطاش ما كان فاتصل به الشهاب المذكور ووعده أنه يتوجه لقتل الملك الظاهر برقوق فجهزه منطاش لذلك سرًا وكتب على يده إلى الأمير حسام الدين الكجكني نائب الكرك كتبًا بذلك وحثه على القيام مع الشهاب المذكور على قتل برقوق وأنه ينزله بقلعة الكرك ويسكنه بها حتى يتوصل لقتل الملك الظاهر برقوق‏.‏
وخرج الشهاب من مصر ومضى إلى نحو الكرك على البريد حتى وصل قرية المقير بلد صهره القاضي عماد الدين قاضي الكرك الذي أصله منها فنزل بها الشهاب ولم يكتم ما في نفسه من الحقد على القاضي عماد الدين وقال‏:‏ والله لأخربن دياره وأزيد في أحكار أملاكه وأملاك أقاربه بهذه القرية وغيرها‏.‏

فاستوحش قلوب الناس وأقارب عماد الدين من هذه الكلام وأرسلوا عرفوه بقصد الشهاب وما جاء بسببه قبل أن يصل الشهاب إلى الكرك ثم ركب الشهاب من المقير وسار إلى الكرك حتى وصلها في الليل وبعث للنائب من يصيح به من تحت السور فمنعوه من ذلك‏.‏
وأحس الكجكني بالأمر فلما أصبح أحضره إلى دار السعادة وقرأ كتاب السلطان الذي على يده وكتاب منطاش ومضمونهما أمور أخر غير قتل الظاهر برقوق فامتثل النائب ذلك بالسمع والطاعة‏.‏
لما انفض الناس أخرج الشهاب إليه كتاب منطاش الذي بقتل برقوق فأخذه الكجكني منه ليكون له حجة عند قتله السلطان برقوق ووعده بقضاء الشغل وأنزل الشهاب بمكان قلعة الكرك قريبًا من الموضع الذي فيه الملك الظاهر برقوق بعد أن استأنس به ثم قام الكجكني من فوره ودخل إلى الملك الظاهر برقوق ومعه كتاب منطاش الذي بقتله فأوقفه على الكتاب فلما سمعه الملك الظاهر كاد أن يهلك من الجزع فحلف له الكجكني بكل يمين أنه لا يسلمه لأحد ولو مات وأنه يطلقه ويقوم معه وما زال به حتى هدأ ما به وطابت نفسه واطمأن خاطره‏.‏
هذا وقد اشتهر في مدينة الكرك مجيء الشهاب بقتل الملك الظاهر برقوق لخفة كانت في الشهاب المذكور وأخذ القاضي عماد الدين يخوف أهل الكرك عاقبة قتل الملك الظاهر برقوق وينفرهم عن الشهاب حتى خافوه وأبغضوه وكان عماد الدين مطاعًا في أهل بلده مسموع الكلمة عندهم لما كانوا يعهدون من عقله وحسن رأيه‏.‏
وثقل الشهاب على أهل الكرك إلى الغاية وأخذ الشهاب يلح على الأمير حسام الدين نائب الكرك في قتل الملك الظاهر برقوق وبقي النائب يسوف به من وقت إلى وقت ويدافعه عن ذلك بكل حجة وعذر فزاد الشهاب في القول حتى خاشنه في اللفظ فعند ذلك قال له الكجكني‏:‏ هذا شيء لا أفعله بوجه من الوجوه حتى أكتب إلى مصر بما أعرفه وأسأل عن ذلك ممن أثق به من أصحابي من الأمراء‏.‏
ثم أرسل البريد إلى مصر بأنه لا يدخل في هذا الأمر ولكن يحضر إليه من يتسلمه منه ويفعل فيه ما يرسم له به‏.‏ وكان في خدمة الملك الظاهر غلام من أهل الكرك يقال له عبد الرحمن فنزل إلى جماعة في المدينة وأعلمهم أن الشهاب قد حضر لقتل أستاذه الملك الظاهر‏.‏

تجمع جيش حول الملك الظاهر
فلما سمعوا ذلك اجتمعوا في الحال وقصدوا القلعة وهجموها حتى دخلوا إلى الشهاب المذكور وهو بسكنه من قلعة الكرك ووثبوا عليه وقتلوه ثم جروه برجله إلى الباب الذي فيه الملك الظاهر برقوق‏.‏
وكان نائب الكرك الكجكني عند الملك الظاهر وقد ابتدأوا في الإفطار بعد أذان المغرب وهي ليلة الأربعاء عاشر شهر رمضان من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة المقدم ذكرها فلم يشعر الملك الظاهر والكجكني إلا وجماعة قد هجموا عليهم وهم يدعون للملك الظاهر بالنصر وأخذوا الملك الظاهر بيده حتى أخرجوه من البرج الذي هو فيه وقالوا له‏:‏ دس بقدمك عند رأس عدوك وأروه الشهاب مقتولًا ثم نزلوا به إلى المدينة فدهش النائب مما رأى ولم يجد بدًا من القيام في خدمة الملك الظاهر وتجهيزه وانضم على الملك الظاهر أقوام الكرك وأجنادها وتسامع به أهل البلاد فأتوه من كل فج بالتقادم والخيول كل واحد بحسب حاله وأخذ أمر الملك الظاهر برقوق من يوم ذلك في استظهار على ما سيأتي ذكره وأما أمر منطاش فإنه لما سمع هذا الخبر وتحققه علم أنه وقع في أمر عظيم فأخذ في تدبير أحواله فأول ما أبتدأ بمسك الأمير قرقماس الطشتمري الخازندار وأحد أمراء الألوف بديار مصر وبمسك الأمير شاهين الصرغتمشي أمير آخور وبمسك قطلوبك أستادار الأتابك أيتمش البجاسي وعلى جماعة كبيرة من المماليك الظاهرية وتداول ذلك منه أيامًا‏.‏
ثم أنعم منطاش على جماعة من الأمراء بأموال كثيرة ورسم بسفر أربعة آلاف فارس إلى مدينة غزة صحبة أربعة أمراء من مقدمي الألوف بالديار المصرية وهم‏:‏ أسندمر اليوسفي وقطلوبغا الصفوي ومنكلي باي الأشرفي وتمربغا الكريمي وأنفق في كل أمير منهم مائة ألف درهم فضة ثم عين منطاش مائة مملوك للسفر صحبة أمير الركب إلى الحجاز وأستمر منطاش في عمل مصالحه إلى أن كان يوم سابع شوال خلع السلطان الملك المنصور على الأمير منطاش المذكور وفوض إليه تدبير الأمور وصار أتابك العساكر كما كان يلبغا‏.‏

أراد منطاش بذلك إعلام الناس أنه ليس له غرض في السلطنة وأنه في طاعة الملك المنصور ابن أستاذه‏.‏
ثم خلع الملك المنصور أيضًا على الأمير قطلوبغا الصفوي المقدم ذكره في الأربعة أمراء المعينين للسفر باستقراره أمير سلاح وعلى تمان تمر الأشرفي باستقراره رأس نوبة النوب وعلى أسندمر بن يعقوب شاه أمير مجلس وعلى ألطنبغا الحلبي دوادارًا كبيرًا وعلى تكا الأشرفي رأس نوبة ثانيًا بتقدمة ألف وعلى إلياس الأشرفي أمير آخور بإمرة طبلخاناه وعلى أرغون شاه السيفي رأس نوبة ثالثًا بإمرة طبلخاناه وعلى تمربغا المنجكي رأس نوبة رابعًا بإمرة طبلخاناه وعلى قطلوبغا الأرغوني أستادارًا وعلى جقمق شاد الشراب خاناه ثم خلع على تمان تمر رأس نوبة بنظر البيمارستان المنصوري وعلى ألطنبغا الحلبي الدوادار الكبير بنظر الأحباس‏.‏
ثم بطل أمر التجريدة المعينة إلى غزة خوفًا من المماليك لئلا يذهبوا للملك الظاهر برقوق‏.‏ ثم في تاسع شمال خلع على الأمير أيدكار باستقراره حاجب الحجاب وعلى أمير حاج بن مغلطاي حاجبًا ثانيًا بتقدمة ألف‏.‏
وفيه سمر منطاشر أربعة من الأمراء وهم‏:‏ سودون الرماح أمير عشرة ورأس نوبة وألطنبغا أمير عشرة أيضًا وأميران من الشام ووسطوا بسوق الخيل في عاشره لميلهم إلى الملك الظاهر برقوق‏.‏ ثم أخلع منطاش على تنكز الأعور باستقراره في نيابة حماة عوضًا عن طغاي تمر القبلاوي‏.‏
وفيه حمل جهاز خوند بنت الملك الأشرف شعبان أخت الملك المنصور هذا لتزف على الأمير الكبير منطاش وكان الجهاز على خمسمائة جمل وعشرة قطر بغال ومشى الحجاب وغالب الأمراء أمام الجهاز فخلع عليهم منطاش الخلع السنية وبنى بها من ليلته بعد أن اهتم بالعرس اهتمامًا زائدًا وعندما زفت إليه علق منطاش على شربوشها دينارًا زنته مائتا مثقال ثم ثاني مرة دينارًا زنته مائة مثقال وفتح للقصر بابًا من الإسطبل بسبب ذلك بجوار باب السر هذا مع ما كان منطاش فيه من شغل السر من اضطراب المملكة بعد مسكه الناصري وغيره‏.‏

تمرد المماليك الظاهرية فى مدينة قوص  وأسيوط
وفيه أخرج منطاش عدة من المماليك الظاهرية إلى قوص وبينما منطاش في ذلك قدم عليه الخبر بأن الأمراء المقيمين بمدينة قوص من المنفيين قبل تاريخه خرجوا عن الطاعة وقبضوا على والي قوص وحبسوه واستولوا على مدينة قوص وانضم عليهم جماعة كبيرة من عصاة العربان فندب منطاش لقتالهم تمربغا الناصري وبيرم خجا وآروس بغا من أمراء الطبلخاناة في عدة مماليك‏.‏
ثم قدم الخبر بأن الأمير كمشبغا الحموي اليلبغاوي نائب حلب خرج عن الطاعة وأنه قبض على جماعة من أمراء حلب بعد أن حارب إبراهيم بن قطلقتمر الخازندار وقبض عليه ووسطه هو وشهاب الدين أحمد بن أبي الرضا قاضي قضاة حلب الشافعي بعد أن قاتلوه ومعهم أهل بانقوسا فلما ظفر بهم كمشبغا المذكور قتل منهم عدة كبيرة‏.‏
قلت‏:‏ وإبراهيم بن قطلقتمر هذا هو صاحب الواقعة مع الملك الظاهر برقوق لما اتفق مع الخليفة هو وقرط الكاشف على قتل الملك الظاهر وقبض عليهما الظاهر وعزل الخليفة وحبسه سنين وقد تقدم ذكر ذلك كله وهو الذي أنعم عليه منطاش في أوائل أمره بإمرة مائة وتقدمة ألف بمصر وجعله أمير مجلس عوضًا عن أحمد بن يلبغا ثم أخرجه بعد أيام من مصر خوفًا من شره ثم قدم الخبر على منطاش بأن الأمير حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزة جمع العشران وسار لمحاربة الملك الظاهر برقوق فسر منطاش بذلك‏.‏
وفي اليوم ورد عليه الخبر أيضًا بقوة شوكة الأمراء الخارجين عن طاعته ببلاد الصعيد فأخرج منطاش في الحال الأمير أسندمر بن يعقوب شاه أمير مجلس في نحو خمسمائة فارس نجدة لمن تقدمه من الأمراء إلى بلاد الصعيد فسار أسندمر بمن معه في ثالث عشرينه وفي يوم مسيره ورد البريد من بلاد الصعيد باتفاق ولاة الصعيد مع الأمراء المذكورين‏.‏
وكان من خبرهم أنه لما استقر أبو درقة في ولاية أسوان سار إلى ابن قرط واتفق معه على المخامرة وسار معه إلى قوص وأفرج عمن بها من الأمراء المقدم ذكرهم‏.‏ وكان عدة الأمراء الذين بقوص زيادة على ثلاثين أميرًا وعدة كبيرة من المماليك السلطانية الظاهرية فلما بلغ خبرهم الأمير مبارك شاه نائب الوجه القبلي اجتمع معه أيضًا نحو ثلاثمائة مملوك من الظاهرية واتفقوا على المخامرة أيضًا واستمال مبارك شاه عرب هوارة وعرب ابن الأحدب فرافقوه واستولوا على البلاد فلما خرجت تجريدة منطاش الأولى لهم انتهت إلى أسيوط فقبض عليهم مبارك شاه المذكور وأفرج عمن كان معهم من المماليك الظاهرية فلما بلغ منطاش ذلك أخرج أسندمر بن يعقوب شاه كما تقدم ذكره وسار إليهم من الشرق وتوجه إلى جهة الصعيد بمن معه فلقيه الخارجون عن الطاعة فواقعهم أسندمر بمن معه فكسروه فرسم منطاش بخروج نجدة لهم من الأمراء والمماليك وأجناد الحلقة وبينما هو في تجهيز أمرهم جاء الخبر أن أسندمر واقع مبارك شاه ثانيًا وكسره وقبض عليه وأرسله إلى منطاش فقدم مقيدًا فرسم منطاش بحبسه في خزانة شمائل‏.‏
ثم في يوم سابع عشرينه عين منطاش تجريدة إلى جهة الكرك فيها أربعة وقيل خمسة أمراء من مقدمي الألوف وثلاثمائة مملوك ثم أخرج منطاش الأمير بفوط الصرغتمشي والأمير غريب لكشف أخبار الملك الظاهر برقوق بالكرك‏.‏

وأما الملك الظاهر برقوق فإنه لما أنزله عوام الكرك من قلعتها إلى المدينة وقاموا في خدمته وأتته العربان وصار في طائفة كبيرة ووافقه أيضًا أكابر أهل الكرك قويت شوكته بهم وعزم على الخروج من الكرك وبرز أثقاله إلى ظاهر الكرك فاجتمع عند ذلك أعيان الكرك عند القاضي عماد الدين أحمد بن عيسى المقيري قاضي الكرك وكلموه في القيام على الملك الظاهر برقوق مراعاة للملك المنصور حاجي وللأمير منطاش واتفقوا على قبضه وإعلام أهل مصر بذلك وأنهم يعتذرون لمنطاش أنه لم يخرج من حبسه بالكرك إلا باجتماع السفهاء من أهل الكرك ليكون ذلك عذرًا لهم عند السلطان وبعثوا ناصر الدين محمدًا أخا القاضي عماد الدين المذكور فأغلق باب المدينة وبقي الملك الظاهر برقوق داخل المدينة وحيل بينه وبين أثقاله ومعظم أصحابه‏.‏
فلما قام الملك الظاهر برقوق ليركب فرسه بلغه ذلك وكان القاضي علاء الدين علي كاتب سر الكرك وهو أخو القاضي عماد الدين يكتب للملك الظاهر في مدة خروجه من حبس الكرك وبالغ في خدمته وانضم عليه فلما رأى ما نزل بالملك الظاهر وبلغه اتفاق أهل المدينة مع أخيه القاضي عماد الدين على القبض على الملك الظاهر برقوق أعلم الملك الظاهر بذلك وقوى قلبه وحرضه على السير إلى باب المدينة فركب معه برقوق وسار حتى وصل إلى الباب فوجده مغلقًا وأخوه ناصر الدين قائم عند الباب كما أمره أخوه عماد الدين قاضي الكرك فما زال علاء الدين بأخيه ناصر الدين المذكور حتى فتح له الباب وخرج بالملك الظاهر منه ولحق ببقية أصحابه ومماليكه الذين كانوا حضروا إليه من البلاد الشامية فأقام الملك الظاهر بالثنية خارج الكرك يومًا واحدًا وسار من الغد في يوم ثاني عشرين شوال إلى نحو دمشق ونائبها يوم ذاك جنتمر أخو طاز وقد وصل إليه الأمير الطنبغا الحلبي من مصر نائبا بحلب عوضًا عن الأمير كمشبغا الحموي فاستعدوا لقتال الملك الظاهر ومعهما أيضًا حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزة بعساكرها‏.‏
ثم أقبل الملك الظاهر برقوق بمن معه فالتقوا على شقحب قريبًا من دمشق واقتتلوا قتالًا شديدًا كسروا فيه الملك الظاهر غير مرة وهو يعود إليهم ويقاتلهم إلى أن كسرهم وانهزموا إلى دمشق وقتل منهم ما يزيد على الألف - قاله المقريزي - فيهم خمسة عشر أميرًا وقتل من أصحاب الملك الظاهر ستون نفسًا ومن أمرائه سبعة نفر فهي أعظم وقعة كانت للملك الظاهر برقوق في عمره‏.‏
وركب الملك الظاهر أقفية الشاميين إلى دمشق فامتنع جنتمر بقلعة دمشق وتوجه من أمراء دمشق ستة وثلاثون أميرًا ونحو ثلاثمائة وخمسين فارسًا وقد أثخنوا بالجراحات ومعهم نائب صفد وقصدوا الديار المصرية‏.‏
فلم يمض غير يوم واحد حتى عاد ابن باكيش نائب غزة بجماعة كبيرة من العربان والعشير لقتال الملك الظاهر وبلغ الملك الظاهر ذلك فأرسل الوالد وقلمطاي لكشف الخبر فعادا إليه بسرعة بحضور ابن باكيش فركب الملك الظاهر في الحال وخرج إليه والتقى معه وقاتله حتى كسره وأخذ جميع ما كان معه من الأثقال والخيول والسلاح فتقوى الملك الظاهر بذلك وأتاه عدة كبيرة من مماليكه الذين كانوا بالبلاد الشامية في خدمة أمراء الشام ثم دخل في طاعته الأمير جبريل حاجب حجاب دمشق وأمير على بن أسندمر الزيني وجقمق الصفوي ومقبل الرومي وصاروا من جملة عسكره فعند ذلك ركب الملك الظاهر إلى دمشق وحصرها وأحرق القبيبات وأخربها فهلك في الحريق خلق كبير‏.‏
وأخذ أهل دمشق في قتال الملك الظاهر برقوق وأفحشوا في أمره بالسب والتوبيخ وهو لا يفتر عن قتالهم وبينما هو في ذلك أتاه المدد من الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب ومن جملة المدد ثمانون مملوكًا من المماليك الظاهرية البرقوقية فلما بلغ جنتمر مجيئهم أخرج إليهم من دمشق خمسمائة فارس ليحولوا بينهم وبين الملك الظاهر فقاتلتهم المماليك الظاهرية وكسرتهم وأخذوا جميع ما كان معهم وأتوا بهم إلى أستاذهم الملك الظاهر ففرح بهم غاية الفرح‏.‏
واستمروا على حصار دمشق وبينما هم في ذلك وإذا بنعير قد أقبل في عربانه يريد قتال الملك الظاهر برقوق فخرج الملك الظاهر وقاتله فكسره واستولى على جميع ما كان معه‏.‏
فقوي الملك الظاهر بما صار إليه من هذه الوقائع من الخيل والسلاح وصار له برك كبير بعد مما كان معه خيمة صغيرة لا غير وكانت مماليكه في أخصاص وكل منهم هو الذي يخدم فرسه بنفسه والآن فقد صاروا بالخيم والسلاح والغلمان هذا ومماليك الملك الظاهر يتداول مجيئهم إليه شيئًا بعد شيء ممن كان نفاهم الناصري ومنطاش إلى البلاد الشامية‏.‏
ووصل الخبر بهذه الوقائع كلها إلى منطاش في خامس عشر ذي القعدة فقامت قيامة منطاش لما سمع هذه الأخبار‏.‏
منطاش يجهز جيشاً لقتال الملك الظاهر بيبرس
وأخذ منطاش في تجهيز الملك المنصور حاجي للسفر لبلاد الشام لقتال الملك الظاهر برقوق وأمر الوزير موفق الدين بتجهيز ما يحتاج إليه السلطان فلم يجد في الخزانة ما يجهز به السلطان واعتذر بأن المال انتهب وتفرق في هذه الوقائع فقبل عذره‏.‏
وسأل منطاش قاضي القضاة صدر الدين المناوي الشافعي وكان ولاه قضاء القضاة قبل تاريخه بمدة يسيرة بعد عزل ناصر الدين ابن بنت الميلق وقال له‏:‏ أقرضني مال الأيتام وكانت إذ ذاك أموالًا كثيرة فامتنع المناوي من ذلك ووعظه فلم يؤثر فيه الوعظ وختم على جميع مال الأيتام‏.‏
ثم رسم منطاش لحاجب الحجاب ولناصر الدين محمد بن قرطاي نقيب الجيش بتفرقة النقباء على أجناد الحلقة وحثهم على التجهيز للسفر وبينما هم في ذلك قدم عليه الخبر بكسرة ابن باكيش نائب غزة ثانيًا من الملك الظاهر برقوق وأخذ الملك الظاهر ما كان معه فاشتد عند ذلك الاضطراب وكثر الإرجاف ووقع الاهتمام بالسفر وأزعج أجناد الحلقة‏.‏
واستدعى منطاش الخليفة المتوكل على الله والقضاة والشيخ سراج الدين عمر البلقيني وأعيان الفقهاء ورتبوا صورة فتوى في أمر الملك الظاهر برقوق وانفضوا من غير شيء‏.‏
وفي اليوم ورد على منطاش خبر واقعة صفد وكان من خبرها أن مملوكًا من مماليك الملك الظاهر برقوق يقال له يلبغا السالمي كان أسلمه الظاهر إلى الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك فرباه بهادر ورتبه خازنداره‏.‏
واستمر على ذلك إلى أن نفى الملك الظاهر بهادر إلى البلاد الشامية فصار يلبغا السالمي المذكور عند صواب السعدي شنكل لما استقر مقدم المماليك بعد بهادر المذكور وصار دواداره الصغير فلما قبض الناصري على شنكل المذكور خدم يلبغا السالمي هذا عند الأمير قطلوبك النظامي نائب صفد وصار دواداره وسار مع أهل صفد سيرة حميدة إلى أن قدم إلى صفد خبر الملك الظاهر برقوق وخروجه من حبس الكرك جمع النظامي عسكر صفد ليتوجه بهم إلى نائب دمشق نجدة على الظاهر وأبقى يلبغا السالمي بالمدينة فقام يلبغا السالمي في طائفة من المماليك الذين استمالهم وأفرج عن الأمير إينال اليوسفي نائب حلب كان وعن الأمير قجماس ابن عم السلطان الملك الظاهر برقوق ونحو المائتين من المماليك الظاهرية من سجن صفد ونادى بشعار الملك الظاهر برقوق وأراد القبض على الأمير قطلوبك النظامي فلم يثبت النظامي وفر في مملوكين فاستولى السالمي ومن معه على مدينة صفد وقلعتها وصار الأمير إينال اليوسفي هو القائم بمدينة صفد والسالمي في خدمته وأرسلوا إلى الملك الظاهر بذلك‏.‏
وكان هذا الخبر من أعظم الأمور على منطاش وزاد قلقه وكثرت مقالة الناس في أمر الملك الظاهر ثم تواترت الأخبار بأمر الملك الظاهر‏.‏
وفي حادي عشرينه ورد الخبر على منطاش بوصول نائب غزة حسام الدين بن باكيش وصحبته الأمير قطلوبك النظامي نائب صفد المقدم ذكره والأمير محمد ابن بيدمر أتابك دمشق وخمسة وثلاثون أميرًا من أمراء دمشق وجمع كبير من الأجناد هزموا الجميع من الملك الظاهر برقوق وقدموا إلى القاهرة وهم الذين قاتلوا برقوقًا مع جنتمر نائب الشام وقد تقدم ذكر الواقعة فرسم منطاش بدخولهم القاهرة‏.‏
وفي هذا اليوم استدعى منطاش الخليفة المتوكل على الله والقضاة والعلماء بسبب الفتيا في الملك الظاهر برقوق وقي قتاله فكتب ناصر الدين الصالحي موقع الحكم فتيا في الملك الظاهر برقوق تتضمن السؤال عن رجل خلع الخليفة والسلطان وقتل شريفًا في الشهر الحرام والبلد الحرام وهو محرم يعني عن أحمد بن عجلان صاحب مكة واستحل أخذ أموال الناس وقتل الأنفس وأشياء غير ذلك ثم جعل الفتيا عشر نسخ فكتب جماعة من الأعيان والقضاة‏.‏
ثم رسم منطاش بفتح سجن قديم بقلعة الجبل كان قد ارتدم وسجن فيه عدة من المماليك الظاهرية المقبوض عليهم قبل تاريخه‏.‏
ثم وجد منطاش ذخيرة بالقاهرة للأمير جركس الخليلي في بيت جمال الدين أستاداره فيها خمسمائة ألف درهم ونحو خمسين ألف دينار فأخذها منطاش ثم أخذ أيضًا من مال ابن وفيه دخل الأمراء المنهزمون من الشام إلى القاهرة وهم‏:‏ قطلوبك النظامي نائب صفد وتنكز الأعور نائب حماة ومحمد بن أيدمر أتابك دمشق ويلبغا العلائي أحد مقدمي دمشق وآقباي الأشرفي نائب قلعة الروم‏.‏ ومن الطبلخانات‏:‏ دمرداش الأطروش والي الولاة وأحمد بن تنكز وجوبان الخاصكي الأشرفي وقطلوبك جنجق وخيربك‏.‏
ومن العشرينات آقبغا الوزيري وأزمدمر القشتمري وقنق الزيني ومنكلي بغا الناصري وآقبغا الإينالي وأحمد بن ياقوت ومن العشرات‏:‏ أسنبغا العلائي وطغاي تمر الأشرفي ومصطفى البيدمري وقرابغا السيفي من أمراء صفد وتغري برمش الأشرفي ومنجك الخاصكي وقجقار السيفي‏.‏
ومن أمراء حماة‏:‏ جنتمر الإسعردي وألطنبغا المارديني وبكلمش الأرغوني القرمي وأسنبغا الأشرفي وحسين الأيتمشي ومن المماليك عدة مائتين وعشرين نفرًا‏.‏
وفي يوم قدم هؤلاء أفرج منطاش عن الأمير قرقماس الطشتمري واستقر خازندارًا على عادته وعن شيخ الصفوي الخاصكي وعن أرغون السلامي ويلبغا اليوسفي ونزلوا إلى دورهم‏.‏
ثم نودي بأمر منطاش أن الفقهاء والكتاب لا يركب أحد منهم فرسًا وأن الكتاب الكبار يركبون البغال‏.‏ ثم رسم بأخذ أكاديش الحمالين وخيل الطواحين الجياد ورسم بتتبع المماليك الجراكسة فطلبهم حسين بن الكوراني وأخذهم من كل موضع‏.‏
ثم في حادي عشرينه اجتمع الأمراء وأهل الدولة مع الأمير منطاش واتفقوا على استبداد السلطان الملك المنصور حاجي بالأمر وأثبتوا رشده بحضرة القضاة والخليفة فرسم السلطان بتعليق الجاليش على الطبلخاناه ليعلم الناس بسفر السلطان إلى الشام لقتال الملك الظاهر برقوق‏.‏
ثم أحضر منطاش نسخ الفتوى في الملك الظاهر برقوق وقد أزيد فيها‏:‏ واستعان على قتال المسلمين بالكفار وحضر الخليفة المتوكل على الله والقضاة الأربعة والشيخ سراج الدين عمر البلقيني وولده جلال الدين عبد الرحمن قاضي العسكر وابن خلدون المالكي وابن الملقن وقاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء وجماعة أخر فحضر الجميع بحضرة السلطان الملك المنصور بالقصر الأبلق وقدمت إليهم الفتوى فكتبوا عليها بأجمعهم كتابة شنيعة على قدر النهي وانصرفوا إلى منازلهم‏.‏
ثم نودي على أجناد الحلقة للعرض وهدد من تأخر منهم‏.‏ وكتب لعرب البحيرة بالحضور للسفر مع السلطان إلى الشام‏.‏ ثم خلع منطاش على أمير حاج بن مغلطاي الحاجب باستقراره أستادارًا‏.‏
ثم أنعم السلطان على الأمراء القادمين من الشام لكل أمير مائة ومقدم ألف بفرس بقماش ذهب ولمن عداهم بأقبية ورتب لهم اللحم والجامكيات والعليق وأخذ منطاش يستعطفهم بكل ما تصل إليه وفي سابع عشرينه أخليت خزانة الخاص بالقلعة وسدت شبابيكها وبابها وفتح من سقفها طاقة وعملت سجنًا للمماليك الظاهرية‏.‏
ثم في يوم السبت أول ذي الحجة من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة قدم الخبر على منطاش من الصعيد بأن العسكر الذي مع أسندمر بن يعقوب شاه واقع الأمراء الظاهرية بمدينة قوص وكسرهم وقبض عليهم فسر منطاش بذلك وخص عنه بعض الأمر ودقت البشائر لذلك ثلاثة أيام‏.‏ وفيه أنفق منطاش على الأمراء نفقة السفر فأعطى لكل أمير من أمراء الألوف مائة ألف درهم فضة وأعطى لكل أمير من أمراء الطبلخانات خمسين ألف درهم فضة‏.‏
ثم أمر منطاش بسد باب الفرج أحد أبواب القاهرة وخوخة أيدغمش‏.‏

ثم قبض منطاش على متى بطرك النصاري وألزمه بمال وعلى رئيس اليهود وألزمه أيضًا بمال‏.‏ فقرر على البطرك مائة ألف درهم وعلى رئيس اليهود خمسين ألف درهم‏.‏
ثم طلب منطاش الشيخ شمس الدين محمد الرك
راكي المالكي وألزمه بالكتابة على الفتوى في أمر الملك الظاهر برقوق فامتنع من الكتابة غاية الامتناع فضربه منطاش مائة عصاة وسجنه بالإسطبل‏.‏
ثم في خامس عشر ذي الحجة برز الأمراء الشاميون من القاهرة إلى ظاهرها للتوجه إلى الشام أمام العسكر السلطاني‏.‏
منطاش يقبض على الخليفة زكريا المخلوع
وفيه قبض منطاش على الخليفة المخلوع من الخلافة زكريا وأخذ منه العهد الذي عهده إليه أبوه بالخلافة وأشهد عليه أنه لا حق له في الخلافة‏.‏
ثم قدمت الأمراء ما خلا أسندمر بن يعقوب شاه من تجريدة الصعيد ومعهم المماليك الظاهرية الذين كانوا خرجوا عن الطاعة بقوص مقيدين فخلع منطاش على الأمراء وأخذ المماليك وغرق منهم جماعة في النيل ليلًا وأخرج بستة من الجب بالقلعة موتى خنقًا‏.‏
ثم قدم الأمير أسندمر بن يعقوب شاه من بلاد الصعيد ومعه الأمراء الخارجون عن الطاعة وهم‏:‏ الأمير تمرباي الحسني وقرابغا الأبوبكري وبجمان المحمدي ومنكلي الشمسي وفارس الصرغتمشي وتمربغا المنجكي وطوجي الحسني وقرمان المنجكي وبيبرس التمان تمري وقراكسك السيفي وأرسلان اللفاف ومقبل الرومي وطغاي تمر الجركتمري وجرباش التمان تمري الشيخي وبغداد الأحمدي ويونس الإسعردي وأردبغا العثماني وتنكز العثماني وبلاط المنجكي وقرابغا المحمدي وعيسى التركماني وقراجا السيفي وكمشبغا اليوسفي وآقبغا حطب وبك بلاط فأوقفوا الجميع بين يدي السلطان ومنطاش زمانًا ثم أمر بهم فحبسوا‏.‏
وأفرج عن جماعة‏:‏ منهم الأمير قنق باي الألجائي اللالا وآقبغا السيفي وتمرباي الأشرفي وفارس الصرغتمشي وخلع عليه ثم سجن منطاوش بخزانة شمائل وخزانة الخاص التي سد بابها قبل تاريخه الأمير محمود بن على الاستادار وآقبغا المارديني وآيدمر أبو زلطة وشاهين الصرغتمشي أمير آخور وجمق بن أيتمش البجاسي وبطا الطولو تمري الظاهري وبهادر الأعسر وعدة كبيرة من الأمراء والمماليك الظاهرية‏.‏
وفيه ألزم منطاش سائر مباشري الديوان السلطاني وجميع الدواوين بأن يحمل كل واحد خمسمائة درهم وفرسًا وقرر ذلك على الوظائف لا على الأشخاص حتى من كان له عشرة وظائف في عدة دواوين يحمل عن كل وظيفة خمسمائة درهم وفرسًا فنزل بالناس ما لم يعهدوه فتوزعوا ذلك فجاء جملة الخيل التي أخذت من المباشرين خيلًا وعينًا ألف فرس‏.‏
ثم أحضر منطاش من ألزم من أجناد الحلقة للسفر فأعفاهم على أن يحضر كل منهم فرسًا جيدًا فأحضروا خيولهم فأخذ جيادها ورد ما عداها‏.‏ ثم ألزم منطاش رؤوس نوب الحجاب وغيرها بحمل كل واحد منهم خمسة آلاف درهم وعدتهم أربعة‏.‏
وفي يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة نزل السلطان الملك المنصور حاجي من قلعة الجبل ومعه الأمير الكبير منطاش وتوجها بالعساكر إلى الريدانية خارج فلما نزلا بالمخيم استدعى منطاش قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي الشافعي إلى الريدانية وألزمه بالسفر معه إلى الشام فامتنع من ذلك وسأل الأعفاء فأعفي‏.‏
وخلع على قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء باستقراره عوضه في قضاء ديار مصر على أن يعطي مال الأيتام ويعطي من ماله مائة ألف درهم أخرى فضة وخلع عليه ودخل القاهرة من باب النصر بالتشريف‏.‏
قلت‏:‏ هذا هو الكريم الذي تكرم بماله ودينه‏.‏ ثم رسم منطاش بحبس الخليفة زكرياء والأمير سودون الشيخوني النائب بقاعة الفضة من القلعة‏.‏
ثم نزل الوزير موفق الدين أبو الفرج وناصر الدين محمد بن الحسام شاد الدواوين إلى خان مسرور بالقاهرة حيث هو مودع مال الأيتام وأخذ منه بأمر منطاش ثلاثمائة ألف درهم وألزما أمين الحكم بالقاهرة أن يحصل تتمة خمسمائة ألف درهم‏.‏
وألزم أمين الحكم بمصر أن يحمل مائة ألف درهم وألزم أمين الحكم بالحسينية أن يحمل مائة ألف درهم قرضًا كل ذلك حسب إذن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء‏.‏
وفيه استدعى منطاش القضاة إلى الريدانية بكرة فأجلسوا بغير أكل إلى قريب العصر ثم طلبوا إلى عند السلطان فعقدوا عقده على بنت الأمير أحمد ابن السلطان حسن بصداق مبلغه ألف وعقدوا أيضًا عقد الأمير قطلوبغا الصفوي على ابنة الأمير أيدمر الدوادار‏.‏
وفي ثاني عشرينه رحل الأمير الكبير منطاش في عدة الأمراء جاليشا للسلطان ثم رحل السلطان الملك المنصور والخليفة والقضاة وبقية العساكر بعد أن أقيم نائب الغيبة بالقلعة الأمير تكا الأشرفي ومعه الأمير دمرداش القشتمري وأقيم بالإسطبل السلطاني الأمير صراي تمر وبالقاهرة الأمير قطلوبغا الحاجب وجعل منطاش أمر الولاية والعزل إلى صراي تمر‏.‏
ثم رحل السلطان من العكرشة إلى جهة بلبيس فتقنطر عن فرسه فتطير الناس من ذلك بأنه يرجع مقهورًا وكذلك كان‏.‏ ثم سار السلطان وسائر العساكر إلى غزة في ثامن المحرم من سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة وعليهم آلة الحرب والسلاح‏.‏

حسين بن الكورانى يسب ويذم عائلة الملك الظاهر
وأما أمراء الديار المصرية فإن منطاش أمر قبل خروجه حسين بن الكوراني بالاحتفاظ على حواشي الملك الظاهر برقوق فأخذ ابن الكوراني يتقرب إلى منطاش بكل ما تصل قدرته إليه‏:‏ من ذلك أنه توجه إلى قاعة البيسرية بين القصرين حيث هو سكن الخوندات إخوة الملك الظاهر برقوق الكبرى والصغرى أم الأتابك بيبرس وهجم عليهن بالقاعة المذكورة وأخذ بيبرس من أمه أخذًا عنيفًا بعد أن أفحش في سبهن وبالغ في ذم الملك الظاهر والحط منه وأخذ الخوندات حاسرات هن وجواريهن مسبيات يسحبهن بشوارع القاهرة وهن في بكاء وعويل حتى أبكين كل أحد وحصل بذلك عبرة لمن اعتبر ولا زال يسحبهن على هذه الصورة إلى باب زويلة فصادف مرورهن بباب زويلة دخول مقبل نائب الغيبة من باب زويلة فلما رأى مقبل ذلك أنكره غاية الإنكار ونهر حسين بن الكوراني على فعله ذلك وردهن من باب زويلة بعد أن أركب الخوندات وسترهن إلى أن عدن إلى قاعة البيسرية فكان هذا من أعظم الأسباب في هلاك حسين بن الكوراني على ما يأتي ذكره في سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية إن شاء الله تعالى‏.‏ ثم نادى حسين بن الكوراني على المماليك الظاهرية أن من أحضر مملوكًا منهم كان له ألفًا درهم‏.‏
وأما السلطان الملك المنصور ومنطاش فإن الأخبار أتتهما بأن الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب لم يزل يبعث يمد الملك الظاهر من حلب بالعساكر والأزواد والآلات والخيول وغير ذلك حتى صار لبرقوق برك عظيم ثم خرج من بعد ذلك من حلب بعساكرها وقدم على الملك الظاهر لنصرته فعظم أمر الملك الظاهر به إلى الغاية وكثرت عساكره وجاءته التركمان والعربان والعشير من كل فج فلما بلغ ذلك منطاش جد في السير هو والسلطان والعساكر إلى نحو وبلغ الملك الظاهر مجيء الملك المنصور ومنطاش لقتاله فترك حصار دمشق وأقبل نحوهم بعساكره ومماليكه حتى نزل على شقحب ونزل العسكر المصري على قرية المليحة وهي عن شقحب بنحو البريد وأقاموا بها يومهم وبعثوا كشافتهم فوجدوا الملك الظاهر برقوقًا على شقحب فتقدم منطاش بالسلطان والعساكر إلى نحوه بعد أن صف منطاش عساكر السلطان ميمنة وميسرة وقلبًا وجناحين وجعل للميمنة رديفًا وكذلك للميسرة هذا بعد أن رتب الملك الظاهر برقوق أيضًا عساكره غير أنه لم يتصرف في التعبية كتصرف منطاش لقلة جنده‏.‏

الحــــــرب بين منطاش والملك الظاهر بيبرس وإنتصار الملك الظاهر
ووقف منطاش في الميمنة على ميسرة الظاهر برقوق والتقى الفريقان في يوم الأحد رابع عشر للمحرم في سنة اثنتين وتسعين وتصادما واقتتل الفريقان قتالًا عظيمًا لم يقع مثله في سالف الأعصار‏.‏
وحمل منطاش من الميمنة على ميسرة الظاهر وحمل أصحاب ميمنة الظاهر على ميسرة الملك المنصور وبذل كل من الفريقين جهده وثبتت كل طائفة للأخرى فكانت بينهما حروب شديدة انهزم فيها ميمنة الملك الظاهر وميسرته وتبعهم منطاش بمن معه وثبت الملك الظاهر في القلب وقد انقطع عنه خبر أصحابه وأيقن بالهلاك وبينما هو في ذلك لاح له طلائع السلطان الملك المنصور وقد انكشف الغبار عنه فحمل الملك الظاهر بمن بقي معه على الملك المنصور فأخذه وأخذ الخليفة المتوكل على الله والقضاة والخزائن ومالت الطائفة التي ثبتت معه على أثقال المصريين فأخذوها على آخرها وكانت شيئًا يخرج عن الحد في الكثرة‏.‏
ووقع الأمير قجماس ابن عم الملك الظاهر في قبضة منطاش ولم يتعوق منطاش واستمر في أثر المنهزمين وهو يظن أن الملك الظاهر أمامه إلى أن وصل إلى دمشق وبها نائبها الأمير جنتمر أخو طاز فقال له منطاش‏:‏ قد كسرنا الظاهر برقوقًا وفي الغد يقدم السلطان الملك المنصور فاخرج إلى لقائه فمشى ذلك على جنتمر‏.‏
وأحتار منطاش فيما يفعل في الباطن ولم يعرف ما حصل بعده للملك المنصور ومع هذا كله في نفسه أن الملك الظاهر برقوق قد انكسر‏.‏
وأما أمر السلطان الملك الظاهر برقوق وأصحابه فإن الأمير كمشبغا نائب حلب كان على ميمنة الملك الظاهر برقوق فلما أنهزم من منطاش تم في هزيمته إلى حلب وتبعه خلائق من عساكر حلب وغيرها وفي ظن كمشبغا أن الملك الظاهر قد انكسر وتبعه في الهزيمة الأمير حسام الدين حسن الكجكني نائب الكرك ومعه أيضًا عدة كبيرة من عساكر حلب والكرك فسار بهم إلى الكرك كما سار كمشبغا إلى حلب فلم يصل كل واحد من كمشبغا والكجكني حتى قاسى شدائد ومحنًا‏.‏
هذا مع أنهم قطعوا رجاءهم من نصرة الملك الظاهر برقوق غير أن كل واحد ينظر في مصلحة نفسه فيما يأتي‏.‏
وأما الملك الظاهر فإنه لم يتأخر عند إلا نحو من ثلاثين نفرًا أعني من المماليك الظاهرية الذين كانوا معه عند أخذه الملك المنصور‏.‏ وأما من بقي من التركمان والغوغاء فأزيد من مائتي نفر‏.‏
ولما قصد الملك الظاهر السلطان الملك المنصور حاجيًا والخليفة والقضاة وأخذهم وملك العصائب السلطانية وقف تحت العصائب فلما رآه المنصور ارتاع فسكن الملك الظاهر روعه وآنسه بالكلام وسلم على الخليفة والقضاة وبش في وجوههم وتلطف بهم فإنه لما رآه الخليفة كاد يهلك من هيبته وكذلك القضاة فما زال بهم حتى طمأن خواطرهم‏.‏
هذا بعد أن سلبت النهابة القضاة الثلاثة جميع ما عليهم قبل أن يقع بصر الملك الظاهر عليهم ما خلا القاضي الحنبلي ناصر الدين نصر الله فإنه سلم من النهب لعدم ركوبه وقت الحرب ولم يركب حتى تحقق نصرة الملك الظاهر برقوق فعند ذلك ركب وجاء إليه مع جملة رفقته وأما مباشرو الدولة فإنهم كانوا توجهوا الجميع إلى دمشق هذا بعد أن قتل من الطائفتين خلائق كثيرة جدًا يطول الشرح في ذكرها‏.‏
واستمر الملك الظاهر واقفًا تحت العصائب السلطانية والملك المنصور والخليفة بجانبه وتلاحق به أصحابه شيئًا بعد شيء وتداول مجيئهم إليه وجاءه جمع كبير من العساكر المصرية طوعًا وكرهًا‏:‏ فإنه صار الرجل منهم بعد فراغ المعركة يقصد العصائب السلطانية فيجد الملك الظاهر تحتها فلا يجد بدًا من النزول إليه وتقبيل الأرض له فإن خافه الملك الظاهر قبض عليه وإلا تركه من جملة عسكره‏.‏
واستمر الملك الظاهر برقوق يومه وليلته على ظهر فرسه بسلاحه وحوله مماليكه وخواصه‏.‏ قال الوالد فيما حكاه بعد ذلك لمماليكه وحواشيه‏:‏ وبات كل منا على فرسه على أن غالبنا به الجراح الفاشية المنكية وهو مع ذلك بسلاحه على فرسه ولم يغف أحد منا تلك الليلة من السرور الذي طرقنا وأيضًا من الفكر فيما يصير أمرنا بعد ذلك إليه غير أننا حصل لنا ولخيولنا راحة عظيمة ببياتنا تلك الليلة في مكان واحد‏.‏
وتشاورنا فيما نفعل من الغد وكذلك السلطان الملك الظاهر فإنه أخذ يتكلم معنا فيما يرتبه من الغد في قتال منطاش ونائب الشام فما أصبح باكر نهار الاثنين إلا وقد رتبنا جميع أحوالنا وصار الملك الظاهر في عسكر كثيف وتهيأنا لقتال منطاش وغيره‏.‏
وبعد ساعة إذا بمنطاش قد أقبل من الشام في عالم كبير من عسكر دمشق وعوائها وممن تراجع إليه من عسكره بعد الهزيمة فتواقعنا فحصل بيننا وقعة من شروق الشمس إلى غروبها ووقع بيننا وبينهم قتال لم يعهد مثله في هذا العصر‏.‏
وبذل كل منا ومنهم نفسه فقاتلنا عن أرواحنا لا عن أستاذنا لأننا تحقق كل منا أنه إن انهزم بعد ذلك لا بقاء له في الدنيا والمنطاشية أيضًا قالوا كذلك‏.‏ وانكسر كل منا ومنهم غير مرة وتراجع‏.‏
هذا والملك الظاهر يكر فينا بفرسه كالأسد ويشجع القوم ويعدهم ويمنيهم ثم قصدني شخص من الأمراء يقال له آقبغا الفيل وحمل علي فحملت عليه وطعنته برمحي ألقيته عن فرسه فرآه الملك الظاهر فسأل عني فقيل له‏:‏ تغري بردي فتفاءل باسمي‏.‏
وقال ما معناه‏:‏ الله لا ينولني ما في خاطري إن كنت ما أرقيك إلى الرتب العالية‏.‏ انتهى‏.‏
قلت‏:‏ ومعنى اسم تغري بردي باللغة التركية‏:‏ الله أعطى فلهذا تفاءل الملك الظاهر به لما قيل له تغري بردي‏.‏
واستمر كل من الطائفتين تبذل نفسها لنصرة سلطانها إلى أن أرسل الله سبحانه وتعالى في آخر النهار ريحًا ومطرًا في وجه منطاش ومن معه فكانت من أكبر الأسباب في هزيمته وخذلانه‏.‏
ولم تغرب الشمس حتى قتل من الفريقين خلائق لا يحصيها إلا الله تعالى‏:‏ من الجند والتركمان والعربان والعامة‏.‏ وولى منطاش هو وأصحابه منهزمًا إلى دمشق على أقبح وجه‏.‏
وعاد الملك الظاهر برقوق بمماليكه إلى مخيمه بالمنزلة المذكورة ولم يكن في أحد من عسكره منعة أن يتبع منطاش ولا عسكره‏.‏ واستمر الملك الظاهر بمزلة شقحب سبعة أيام حتى عزت عنده الأقوات وأبيعت البقسماطة بخمسة دراهم فضة وأبيع الفرس بعشرين درهمًا والجمل بعشرة دراهم وذلك لكثرة الدواب وقلة العلف‏.‏
وغنم أصحاب الملك الظاهر أموالًا جزيلة‏.‏
 





 

============================================================

 

 

 

 

 

Home | برقوق بن آنص191/ 1م.ج | حاجى 192/ 2 م.ج | برقوق بن آنص193/ 3م.ج | فرج194/ 4 م.ج | عبد العزيز195/ 5/ م.ج | فرج 196/ 6 م.ج | سلطان وخليفة 197/ 7م.ج | شيخ198/ 8 م.ج | أحمد 199/ 9 م.ج | ططر 200/ 10 م.ج | محمد ططر201/ 11 م.ج | برسباى 202/ 12 م.ج | يوسف203/ 13 م.ح | جقمق204/ 14 م.ج | عثمان 205/ 15 م.ج | إينال 206/ 16 م.ج | أحمد | خشقدم | يلباى | تمبرغا | قايتباى | الغورى

This site was last updated 03/29/07