علي ماهر باشا

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

 تاريخ حياة علي ماهر باشا السياسى

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك -

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
فهرس الحرب العالمية الثانية
أستقالة وزير
البنات ووراثة العرش
‏عمارة‏ ‏الإيموبيليا‏
فاروق يصبح ملكاً
التجديد النصفى لمجلس الشيوخ
الموائد الرمضانية للملك فاروق
فاروق يغادر مصر
حرب فلسطين 1948
أحمد ماهر باشا
نادى الضباط
الحافة الوفدية وفاروق
مسلسل عن الملك فاروق
ديوان المراقبة
أغرب إنتخابات
على ماهر باشا
حريق القاهرة
إنفراج الأزمة الوزارية
الملك فاروق والملك سعود
طفولة الملك فاروق
بداية حكم الملك فاروق
فاروق والدول العربية
فلول الأسرة المالكة
فاروق والأمراء والملوك
النشاط الإجتماعى لفاروق
الإنضمام لعصبة الأمم
صور نادرة بمكتبة الأسكندرية
الملك فاروق والإسلام
مجزرة الإسماعيلية وحريق القاهرة
حصار الإنجليز لعابدين
أحمد حسين معشوق النساء
إحياء ذكرى الملك
الملك فاروق ومظاهرات الطلبة
الإقتصاد المصرى القوى
الملك وإنتخابات نادى الضباط
Untitled 176
الصحافة وتوريث الحكم
أرض الملك فاروق
إضراب العمد
الإنجليز يحاصرون عابدين
رؤساء وزارات الحكم الملكى
البوم صور
معاهدة 1936
حاشية الملك الفاسدة
البرلمان
تنازل الملك عن العرش
مبارك وقصور فاروق
موت فاروق بالسم
Untitled 2661
Untitled 2662
Untitled 2663
Untitled 2664
Untitled 2665
Untitled 2666
Untitled 2667
Untitled 2668
Untitled 2669
Untitled 2670

Hit Counter

 

المصدر : جريدة الأهرام 27/12/2007م السنة 132 العدد 44215 عن مقالة بعنوان [ ديوان الحياة المعاصرة - اعتقــال صــاحب المقــام الرفيع‏! ] بقلم : د‏.‏ يونان لبيب رزق

وقد ظل‏'‏ صاحب المقام الرفيع‏'‏ يقوم بهذا النوع من المهام حتي نهاية العهد القديم‏,‏ فكان أول رئيس وزارة بعد ليلة‏23‏ يوليو‏1952,‏ وكان الرجل الذي ذهب إلي آخر ملوك مصر‏,‏ فاروق‏,‏ في سراي رأس التين‏,‏ ليوقع علي وثيقة تنازله عن العرش‏,‏ وكان في المشهد الأخير لهذا العصر‏,‏ وقد وقف يودع الملك وهو في طريقه إلي‏'‏ المحروسة‏',‏ اليخت الملكي الذي أقله إلي منفاه في إيطاليا‏,‏ كما سبق ونقل جده إسماعيل باشا إلي نفس البلاد بعد خلعه أيضا عام‏1879.‏

'‏ صاحب المقام الرفيع‏'‏ الذي نقصده هو علي ماهر باشا‏,‏ وهو قد انحدر من إحدي أسر الحكام العريقة في مصر التي عنيت بشئون الإدارة والسياسة‏,‏ وكان والده محمد ماهر باشا وكيل وزارة الحربية عام‏1894‏ وقت الأزمة الشهيرة التي تفجرت بين اللورد كرومر والخديوي الشاب عباس حلمي الثاني‏,‏ والمعروفة بمشكلة الحدود‏,‏ والتي ترتبت علي بعض المآخذ التي أبداها الأخير علي نظام الجيش وتدريبه‏,‏ مما كان يتكفل به الضباط البريطانيون‏,‏ ولم يكن ماهر باشا بعيدا عن الأزمة‏.‏ الأخطر من أبيه عمه عبد الرحمن بك فهمي الذي تولي مسئولية تنظيم صفوف الوفد خلال فترة غياب سعد زغلول في المنفي أو في المفاوضات‏,‏ بصفته سكرتيرا عاما للحزب الوطني الكبير‏,‏ الأمر الذي كلفه أربع سنوات من حياته قضاها وراء القضبان‏(1920-1924),‏ وهو الشقيق الأكبر للدكتور أحمد ماهر باشا قطب الوفد الأشهر‏,‏ والذي كان خروجه عنه في مطلع عام‏1938‏ من أهم أسباب بدايات تداعي الحزب الكبير‏.‏

ومن الظروف التي ساعدت من وصفناه‏'‏ برجل المهام الصعبة‏'‏ علي القيام بهذا العبء‏,‏ أنه كان داهية إلي الحد الذي كان يبني معه مواقفه بقدر‏,‏ ولا يذهب في عداوته أو خصومته إلي حد إحراق المراكب‏,‏ وهو قد اختلف في ذلك كثيرا عن شقيقه أحمد وعن عمه عبد الرحمن فهمي‏,‏ ثم أنه كان يعتمد علي عنصر الوقت في بلوغ أهدافه‏.‏

ومن أقوي مواقفه نجاحه في مناورة البريطانيين بعد قيام الحرب العالمية الثانية‏,‏ واستخدام عنصر الوقت بعدم الاستجابة لمطلبهم حتي يأسوا منه‏,‏ خاصة بعد أن رفع شعار‏'‏ تجنيب مصر ويلات الحرب‏'..‏ صحيح أن هذا الموقف كلفه منصبه بعد إنذار من السفارة إلي القصر‏,‏ غير أنه علي الجانب الآخر أصبح السياسة المقررة لكل الحكومات التي تولت المسئولية في البلاد خلال فترة الحرب‏.‏

ونتوقف هنا عند إخراج الرجل من تلك الوزارة وكانت ثانية وزاراته‏ (18‏ أغسطس‏1939-27‏ يونيو‏1940),‏ وقد ضمت عددا من الوزراء المعروفين بعدائهم للإنجليز في جو دولي متوتر كان ينذر بكل المخاطر‏,‏ وهو ما أشار إليه السير مايلز لامبسون السفير البريطاني في القاهرة في تقريره إلي لندن مبديا مخاوفه أن وزارة علي ماهر تضم محمد صالح حرب وعبد الرحمن عزام بينما يتولي عزيز المصري رئاسة أركان الجيش المصري‏,‏ وجميعهم معروفون بعدائهم للإنجليز‏,‏ فضلا عن أن علي ماهر نفسه ظل يتصرف وكأنه‏'‏ رئيس الديوان الملكي‏'‏ ليتمتع من خلال ذلك بنفوذ غلاب في عابدين‏.‏

ولم يكن قد مضي أسبوعان علي تشكيل وزارة علي ماهر حين بدأت الحرب العالمية الثانية‏,‏ وقد حاولت بريطانيا خلال أسابيعها الأولي أن تدفع بمصر إلي إعلان الحرب علي أعدائها‏,‏ إلا أن علي ماهر ظل يناور الجانب البريطاني ببراعة لا شك فيها‏,‏ ولعل ذلك ما دعا السير لامبسون إلي وصف الوزارة الماهرية بأنها غير صديقة‏,‏ وأحصي بعض المظاهر التي دفعته إلي هذا الوصف‏.‏

منها العمل الدائب من جانب عزيز المصري لتقويض مركز البعثة العسكرية البريطانية عمدا‏,‏ والتي تقررت علي ضوء معاهدة‏1936‏ التي أنهت عصر القيادة الإنجليزية للجيش البريطاني واستبدلتها بهذه البعثة‏,‏ وفي تشجيع رئيس الوزراء لحملة ضد الوضع الإنجليزي‏?‏ المصري في السودان‏,‏ وفي طرد عدد من موظفي الحكومة المصريين المعروفين بميولهم الودية نحو بريطانيا‏,‏ وفي تشجيع المنظمات شبه الفاشية‏,‏ وبالذات جماعة مصر الفتاة‏,‏ التي عرفت في ذلك الوقت بـ‏'‏ الحزب الوطني الإسلامي‏'‏ والمعروفة باتجاهاتها المعادية لبريطانيا‏.‏

وتتعقد الأمور أكثر بعد دخول إيطاليا الحرب في يونيو‏1940,‏ وما ترتب علي هذا من زيادة المخاطر علي مصر‏,‏ وعند هذا الحد تحرك لامبسون فكتب إلي لندن يصف علي ماهر أنه غير متعاون ولا يمكن الاعتماد عليه‏'‏ فهو بالرغم من وعوده المتكررة قد فشل تماما في توجيه الرأي العام الوجهة السليمة‏.‏ ولم يبق في احتمالي أن يبقي في منصبه أكثر من ذلك‏'.‏

وبدأ الضغط البريطاني لإخراج علي ماهر والذي اتخذ صورا متعددة من كلمات التهديد المبهمة حين التقي بالملك في الإسكندرية ولوح باحتمالات التدخل العسكري البريطاني إن لم يخرج رئيس الوزراء‏,‏ وأن بريطانيا قد تفرض الأحكام العرفية علي البلاد كما فعلت في الحرب العالمية الأولي‏,‏ بل وصل التهديد إلي عزل الملك فاروق نفسه ووضعه تحت الرقابة المشددة حتي لا يلجأ إلي إيطاليا‏.‏
ولم يجد فاروق بدا من التخلص من صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا في‏27‏ يونيو‏1940,‏ ولكن ذلك لم يكن نهاية المطاف مع‏'‏ رجل المهام الصعبة‏'‏ خلال تلك الفترة‏.‏
‏***‏
تشكلت وزارتان بعد استبعاد علي ماهر بهذه الطريقة الفجة من جانب السير لامبسون‏,‏ الأولي برئاسة حسن صبري باشا‏,‏ والثانية برئاسة حسين سري باشا‏,‏ وقد استقالت الوزارة الثانية بعد حادثة‏4‏ فبراير عام‏1942‏ حين حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين وأرغمت الملك علي دعوة النحاس باشا لتأليف وزارة جديدة تتبع سياسات ودية أكثر نحو الإنجليز بعد أن ساء موقفهم العسكري نتيجة لتقدم قوات المحور بقيادة روميل من الصحراء الغربية متجهة نحو الإسكندرية‏.‏
وفي هذه الظروف‏,‏ وفي محاولة من الحكومة الوفدية للسيطرة علي الجبهة الداخلية‏,‏ قام النحاس باشا‏,‏ بصفته الحاكم العسكري للبلاد بإصدار أوامر لاعتقال عدد من الشخصيات المعروفة بتعاطفها مع ألمانيا‏,‏ والتي تلعب دورا في زعزعة الموقف في غير صالح الدولة الحليفة‏,‏ كان منهم النبيل عباس حليم والأمير عمر الفاروق ومحمد طاهر باشا‏,‏ وعدد آخر من الشخصيات الأقل أهمية‏,‏ غير أنه كان علي رأس هؤلاء صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا‏,‏ وكان كما سبقت الإشارة أول حامل لمثل هذا اللقب يتعرض لمثل ذلك الموقف‏,‏ الأمر الذي لم يكن ليمر بسهولة‏,‏ الأمر وهو ما كانت تتفهمه الحكومة القائمة‏.‏
بدا ذلك في نشر الأهرام لخبر الاعتقال‏,‏ ففي عدد الجريدة الصادر يوم‏9‏ إبريل‏1942,‏ وجد القارئ خبرا طويلا علي عامودين بطول الصفحة تحت عنوان‏'‏ غارة جوية جديدة علي الإسكندرية‏-‏ تدابير لإسعاف الجرحي وإيواء المنكوبين‏-‏ إعداد مستشفيات الطوارئ وتعويض الأسر المنكوبة‏',‏ بينما وجد علي ذات الصفحة وفي عامود مجاور خبرا آخر يتضمن‏'‏ بلاغا رسميا عن رياسة مجلس الوزراء‏'‏ نصه‏:'‏ لاعتبارات تتعلق بسلامة الدولة وأمنها قرر صاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا الحاكم العسكري العام القبض فورا علي حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا‏.‏ وقد نفذ هذا الأمر في مساء الأربعاء الموافق‏8‏ إبريل سنة‏1942'.‏ وكان نشر الخبرين متجاورين علي هذا النحو لتقديم المبرر لاعتقال رئيس الوزراء السابق‏.‏
ولأن اعتقال‏'‏ صاحب مقام رفيع‏'‏ ليس كأي اعتقال‏,‏ فقد أصدرت سكرتارية مجلس الوزراء بلاغا في اليوم التالي جاء فيه أنه‏'‏ عملا من الحاكم العسكري العام علي توفير جميع أسباب الراحة والصحة والخدمة والمعيشة اللائقة لحضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا فقد أصدر أمره بنقل مقامه الرفيع إلي سراي تورتليا بالرابعانيات‏,‏ وتخصيص هذا السراي وحديقتها لإقامته طول مدة اعتقاله أو إلي حين صدور أمر آخر‏.‏ وهذه السراي لا تبعد عن الإسكندرية أكثر من مسيرة ساعة ونصف ساعة بالسيارة وتقع في جهة مشهورة بحسن المناخ‏,‏ وتتوفر فيها أحدث معدات الراحة والحياة الفاخرة علي أفضل وجه وأكمله‏'.‏
وصحب هذا البلاغ أمر عسكري آخر ينظم وجود صاحب المقام الرفيع في معتقله‏;‏ بمنع اتصاله بخارج السراي المذكورة وحديقته بتاتا‏,‏ ولا يسمح بزيارته إلا بتصريح من الحاكم العسكري‏,‏ وتقام عليه خارج السراي المذكورة وحديقتها حراسة قائمة ليلا ونهارا‏.‏ وتكون جميع النفقات علي جانب الحكومة بما في ذلك أجور السفر للأشخاص الذين يصرح لهم بزيارته‏.‏
غير أن التفاصيل كاملة عرفها قارئ الأهرام مما نشرته جريدته عن الاستجواب الذي قدمه عبد السلام الشاذلي باشا عضو مجلس النواب لرئيس الحكومة في الجلسة المنعقدة يوم‏20‏ إبريل عام‏1942,‏ والذي قسمه إلي قسمين‏;‏ أولهما عن كيف نشأت مسألة علي ماهر‏,‏ وثانيهما كيف وقعت وعلاقة ذلك بالحصانة البرلمانية‏.‏
بالنسبة للمسألة الأولي فترجع إلي عهد وزارة رفعته‏,‏ وكان الشاذلي باشا أحد أعضائها‏'‏ وكنا متفقين في السياسة العامة‏,‏ وهي أن نجيب الحليفة إلي كل مطلب يتفق مع المعاهدة ويرفض كل طلب لا يتفق معها‏..‏ وقد حدث تصادم في مسألة جعل مصر مدينة مفتوحة‏,‏ وقد استغرقت هذه المسألة مفاوضات دامت شهرين‏,‏ وكان في رؤوسنا جميعا أن هذه مصلحة مصر الكبري‏,‏ ثم قدم إنذار بريطاني واستقال علي ماهر باشا‏'.‏وأضاف الشاذلي باشا في استجوابه أن الحليفة قدمت طلبا لوزارة حسن صبري باشا لإبعاد علي ماهر بأي طريقة‏,‏ وقدم هذا الطلب لحسين سري باشا أيضا فلم يتفق معهم علي ذلك‏.‏
هذا عن منشأ فكرة اعتقال صاحب المقام الرفيع أما كيف وقعت فقد حدث عقب تأليف وزارة النحاس باشا أن آثر علي ماهر أن يقيم في عزبته من تلقاء نفسه‏,‏ وظل بها‏22‏ يوما بعيدا عن كل شيء‏,‏ ثم عاد إلي مصر للإقامة بها أسبوعا علي أن يعود بعد ذلك إلي عزبته‏,‏ فلما قدم القاهرة طلبه النحاس باشا تليفونيا وقال له أنه لظروف خاصة ولأسباب لا يريد التبسط فيها يرجوه أن يرحل عن العاصمة‏,‏ ولما سأل علي ماهر عن الأسباب أجاب بأنه لديه تقارير أمنية عديدة ضده‏,‏ لم يبينها لعلي ماهر الذي اشترط أن يعرفها‏,‏ ثم عاد إلي عزبته بعد عشرة أيام حيث أقام في سراياها المعروفة بالقصر الأخضر‏.‏
في اليوم التالي لعودته وصلت قوة كبيرة وحاصرت المكان وأبلغه قائدها أنه ممنوع من مغادرة العزبة كما أن زائريه ممنوعون من العودة إذا تمكنوا من الوصول إليه‏,‏ الأمر الذي أدي إلي ثورة علي ماهر فسافر إلي القاهرة ليشكو أمره إلي مجلس الشيوخ بحكم أنه عضو من أعضائه‏.‏

في العاصمة أقام عند صديقه الشوربجي بك‏,‏ وقد حاولا الذهاب إلي مجلس الشيوخ فمنعه الضابط المختص‏,‏ وأخيرا وصل إلي المجلس فحوصرت أبوابه إلي أن خرج وقبض عليه‏,‏ الأمر الذي عقب عليه صاحب الاستجواب بأن الحصانة البرلمانية قد مست واعتدي عليها بحصار المجلس‏.‏
الوجه الآخر من القصة رواه رئيس الوزراء النحاس باشا في رده علي الاستجواب وبين فيه أن علي ماهر سافر إلي عزبته بناء علي طلب منه لقضاء شهرين وأن يأخذ معه من شاء من الأهل والإخوان علي أن يكونوا معه ويبقوا معه ليتمكن أن يدرأ عنه وعن البلد كل شر‏..'‏ وآمل بعد أن يمر الشهران أن يكون الله قد أصلح الأمور فتبين كذب الكاذبين وينقطع الشك باليقين‏'.‏
تحدث بعد ذلك عن عدم التزام علي ماهر بالاتفاق‏,‏ فقد جاءت التقارير عن حركاته فمرة أنه ذهب إلي الإسكندرية ومرات أنه قصد إلي مختلف الجهات وأنه يقابل هذا وذاك‏,‏ مما أحدث أزمة في مكالمة تليفونية بين الرجلين وكانت هذه التصرفات ـ علي حسب قول النحاس باشا ـ سببا في عودة الموقف إلي سابق خطورته‏'‏ واكتفيت بإصدار الأمر بمنع رفعته من مغادرة القصر الأخضر ومنع غيره من الاتصال به وأقمت لتنفيذ ذلك مراقبة احتياطية روعيت فيها جميع مظاهر اللياقة لمقامه الرفيع‏'.‏
وأضاف صاحب المقام الرفيع رئيس الوزراء أن صاحب المقام الرفيع علي ماهر طلب حضور نجله ونجل صديق له إلي عزبته لتمضية يوم شم النسيم‏,‏ فأجابه الأول إلي طلبه‏,‏ ورغم تفتيش عربة الضيفين حال خروجهما من القصر الأخضر إلا أنه حدث أن اختفي علي ماهر في أعقاب ذلك‏,‏ فقد استغل فرصة انشغال البوليس بتفتيش سيارة ابنه وصديقه وتسلل من جانب آخر من العزبة‏,‏ واستمر مختفيا من أول إبريل ولمدة أسبوع ولم تسفر عمليات التفتيش في البيت أو العزبة والإسكندرية وكفر الدوار عن العثور عليه حتي عرف أنه في منزل الشوربجي بك‏.‏
ويضيف النحاس أنه‏'‏ لما كان لدي البوليس أمر بالقبض عليه ترقب خروجه من المنزل‏,‏ وعندما ركب السيارة رافقه البوليس فيها فقد كان يخشي أن يضلله رفعته‏,‏ غير أن رجال البوليس المرافق قد فوجئوا عندما وصلت السيارة إلي الممر الخارجي لمجلس الشيوخ أنه‏'‏ قفز منها متجها إلي المجلس‏,‏ وبعد مشادة بين البوليس وبين الحراس لم يتخذ أي إجراء أثناء وجود رفعته في المجلس‏,‏ ولكن اتخذت الاحتياطات لاعتقاله عند مغادرته وإيداعه سجن الأجانب‏,‏ وقد أصدرت الأمر بأن يقف البوليس خارج السور احتراما لكرامة البرلمان التي قال حضرة المستجوب أنها امتهنت‏'.‏
وبناء علي طلب أحمد عبد القوي باشا لحق به شقيقه محمود ماهر بك وأحمد حلمي باشا حتي يطمئنوا عليه ويعملوا ما فيه راحته ورفعته إلي سجن الأجانب‏'‏ محوطا بالإعزاز والإكرام‏'‏ فعادوا وقالوا أن الغرفة التي يقيم فيها ضيقة فأمرت بأن تخصص له أحسن غرفة فيه‏,‏ وعلمت في اليوم التالي أنه غير مستريح ومن أجل هذا فكرت في البحث عن مكان يليق بمقامه الرفيع علي أن لا يكون منزله‏..‏ وبعد استطلاع رأي عثمان محرم وحمدي سيف النصر استقر الحال علي اختيار قصر فخم تتوفر فيه أحدث وسائل الراحة ووقع اختياري علي القصر الذي يقيم فيه الآن‏..‏ وقد دلت المعلومات التي وصلتني علي أنه مستريح جدا في هذا القصر‏..‏ وأصدرت التعليمات لتوفير كل شيء كالأدوية وغيرها مما لا غني عنه‏..‏ وقد وضعت كل شيء في القصر تحت تصرفه وأمره‏,‏ وهو الذي يعد قائمة الطعام وغير ذلك مما يضمن له الراحة والسلام‏.‏
وانتهي النحاس باشا في رده علي الاستجواب إلي القول أنه‏'‏ إذا كانت الأحكام العرفية في يد بعض الوزارات السابقة أداة لتثبيت نظام‏,‏ فإنني بحمد الله في غني عن ذلك بما اجتمع لدي من ثقة الشعب‏,‏ تلك الثقة الكريمة التي أنتم مظهرها وعنوانها‏,‏ فالسلطات التي تضعها هذه الأحكام في يدي أمانة أحرص علي عدم الإخلال بها وسلاح لا أفكر في استعماله إلا لكفالة الصالح العام‏..‏ وفي حادث الإفراج عن عزيز باشا المصري ومن معه‏,‏ وفي الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين الذين فحصنا حالهم ما يطمئنكم علي طريقة استعمالنا للسلطة التي وضعتها الظروف في يدنا صونا لكرامة البلاد وسلامتها‏'.‏
‏***‏
عقب ثلاثة نواب علي رد رئيس الوزراء علي الاستجواب‏,‏ أولهم الأستاذ عبد العزيز الصوفاني من الحزب الوطني الذي رأي أن ما حدث يمثل اعتداء علي الحرية الشخصية لرجل من كبار رجال مصر‏..‏ ويزيد الأمر خطورة أن هذا الرجل له مركز نيابي تحت حكم نيابي‏'‏ لقد قال حضرة المستجوب أن علي ماهر باشا قصد بالذات‏,‏ وقيل أنه طلب القبض علي رفعته في وزارات سابقة فرفضت الطلب كل من وزارة حسن صبري ووزارة سري باشا‏,‏ فلم يثبت علي هؤلاء الناس أنهم كانوا يتآمرون علي سمعة الدولة‏.‏
وذكر الأستاذ الصوفاني بأن النحاس باشا كان قبل أن يتولي الحكم قد تقدم بمذكرة تضمنت طلبات في مقدمتها رفع الأحكام العرفية‏'‏ وكنا نؤمن وقد تولي الوزارة أن يقوم بذلك أو يستعملها بمنتهي القصد‏.‏ ولذلك كانت ثورتنا شديدة حين رأينا رفعته ينفذها بمنتهي الشدة‏'.‏
رد عليه الأستاذ محمود سليمان غنام النائب الوفدي الذي دافع عن الوزارة فيما جاء في قوله أنه‏'‏ لا بد أن يكون هناك من الدوافع القوية ما حمل مصطفي النحاس زعيم الحرية وزعيم الجهاد إلي اتخاذ ما اتخذه من إجراء‏,‏ واعتقد في قرارة نفسي أنه لم يتخذ ما اتخذه من إجراء باعتباره حاكما عسكريا إلا علي مضض‏'.‏
أما بالنسبة للمكان الذي اختير لإقامة علي ماهر وما إذا كانت تتوفر فيه أسباب الأمان خاصة بعد تعرض الإسكندرية لغارات المحور الجوية فقد قال النحاس أنه قد اتخذت كل إجراءات الأمان لصاحب المقام الرفيع المعتقل وأن الأمر الخاص باختيار هذا المكان يمكن أن يتغير في أي وقت‏'‏ لأنه أمر مؤقت‏'.‏
الأستاذ فكري أباظة كان من بين المتحدثين‏,‏ وكما هو معلوم فإنه يجسد كتابه الشهير‏'‏ الضاحك الباكي‏',‏ ولم يكن هذه المرة ضاحكا كما اعتاد عليه قراء الأهرام‏,‏ بل كان جادا أشد الجد‏,‏ مما بدا في الموقف المعارض الذي اتخذه‏.‏
بدأ‏'‏ الباكي‏'‏ هذه المرة مناقشته بالقول أن معني سلامة الدولة أن هناك جريمة خطيرة‏'‏ يعني خيانة‏,‏ أي أن رجلا يبيع أسرار القلاع والحصون‏.‏ إن سلامة الدولة لا تتفق مع هذه الإجراءات الرقيقة وهذه المجاملات بين مصطفي وعلي‏',‏ وأضاف متسائلا عن سلامة الدولة إذن‏'‏ وكيف نغامر بسلامة الدولة فنكتفي بأن يبعد علي ماهر علي مسافة ساعة ونصف من الإسكندرية‏',‏ وبعد أن أعرب عن أسفه لموقفه لأنه من أصدقاء هذه الوزارة عبر عن سعادته لو عدلت عن قرارها‏',‏ وعندما سئل هل معني معارضته أنه يريد عودة علي ماهر إلي القصر الأخضر‏,‏ بدا‏'‏ الوجه الضاحك‏'‏ هذه المرة في إجابته حين رد بالقول‏'‏ بل أريد أن يجئ هنا إلي القاهرة حرا حتي توجه إليه التهم إذا كان ضده تهم‏..‏ والحدق يفهم‏'!‏
تتالت بعد ذلك كلمات النواب الوفديين وكانت في مجملها في صالح الإجراء الذي اتخذه النحاس‏..‏ زهير صبري رأي أن النحاس باشا تصرف في حدود الدستور ولحماية الأمة ودرء الخطر عنها‏'.‏ سعد اللبان امتدح رئيس الوزراء لأنه نفي أي تدخل أجنبي في هذا الأمر بعد أن ساورت الناس الظنون حول ذلك‏.‏ عمر عمر وصف الإجراء الذي اتخذه النحاس بأنه سليم دستوريا وكان سنده في هذا المناقشات التي دارت عند وضع الدستور وقال أن الاتجاه الأول كان إلي جواز تعطيل الدستور ولكنه خشي آنئذ من تعطيل الحياة النيابية فأضيفت إلي المادة‏155‏ العبارة الخاصة بأنه لا يجوز تعطيل الحياة النيابية‏.‏ وللبرلمان أن يشرف علي أعمال الحاكم العسكري‏,‏ فإذا ما أساء الحكم سلب منه الثقة‏.‏ وانتهي إلي القول أن هذا هو الوضع الدستوري السليم الذي أخذ به رفعة النحاس باشا‏'‏ وهو الرجل الذي وضعت البلاد ثقتها فيه‏'.‏
في التعقيب الذي أدلي به النحاس باشا علي المناقشات الضافية التي جرت في مجلس النواب كان أهم ما عني به توضيح سياسة حكومته تجاه موقف مصر من الحرب‏..‏ قال‏:'‏ لقد خشي البعض في هذا المجلس أن أجر البلاد إلي الاشتراك في الحرب معتمدا علي كل ما في يدي من سلطات‏.‏ ولست أرد علي هذا القول بتفسير فقهي‏,‏ أو جدل منطقي ولكني أرد عليه بتصريح حاسم لا لبس فيه ولا إبهام‏.‏
‏'‏ إن سياستي بصفة كوني زعيما لهذه الأمة فضلا عن رياستي لحكومتها‏,‏ هي تجنيب البلاد ويلات الحرب ولن أعمل أو أوافق أو أسلم بجر مصر إلي الاشتراك في الحرب‏,‏ أو تقديم جنود من هذه البلاد فيها مهما كانت الظروف والأحوال‏'.‏
علي الجانب الآخر قال الرجل أنه يحرص في نفس الوقت علي تنفيذ معاهدة الصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا العظمي نصا وروحا ولن أسمح لأحد من أبناء مصر وساكنيها بأن يأتي أي عمل من شأنه الإخلال بما يجب‏'.‏ وبعد أن انتهي الاقتراع علي الثقة بالنداء بالاسم تبين أن‏185‏ صوتا في جانب الثقة بالحكومة وخمسة أصوات في جانب عدم الثقة وامتناع ستة أصوات‏.‏
في مجلس الشيوخ كان هناك استجواب آخر في انتظار النحاس باشا قدمه صديق علي ماهر مصطفي الشوربجي بك‏,‏ وقد عرضت ثلاثة اقتراحات علي المجلس بشأن الثقة في الحكومة‏:‏
الأول‏:‏ من بعض الشيوخ المعارضين‏;‏ الشوربجي بك‏,‏ توفيق دوس باشا‏,‏ الأستاذ عازر جبران والأستاذ عباس الجمل وكان يقضي بأن يقرر المجلس أن الحصانة البرلمانية ليست من الأحكام التي يجوز تعطيلها‏.‏
الثاني‏:‏ من أعضاء آخرين يقولون فيه أنه بعد سماع ما قاله رفعة رئيس الوزراء وحضرة المستجوب فعلي المجلس أن يقرر الانتقال إلي جدول الأعمال‏.‏ وكان واضحا أن أصحاب هذا الاقتراح من أعضاء الوفد الذين أرادوا إغلاق الموضوع‏.‏
الثالث والأخير‏:‏ اقتراح مقدم من محمود غالب باشا أن يقرر المجلس أنه لا يسعه أن يقر اعتقال رفعة علي ماهر باشا قبل الوقوف علي الأسباب المبررة لاعتقاله والاقتناع بها‏.‏
وكما حدث في مجلس النواب فقد اختارت الأغلبية الاقتراح الثاني بالانتقال إلي جدول الأعمال‏,‏ وظل‏'‏ صاحب المقام الرفيع‏'‏ في المعتقل إلي أجل غير مسمي‏!!‏
 

This site was last updated 10/26/08