Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

المؤرخ المسيحى /  سوزمينوس

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
يوحنا أسقف نقيوس
جاك تاجر أقباط ومسلمون
الأنبا ساويرس أبن المقفع
ا.ل. بتشر والأمة القبطية
يعقوب نخلة روفيلة
القس منسى يوحنا
يوسابيوس القيصرى
د/يونان لبيب رزق
أولاد العسال
الخوري بولس الفغالي
د/عزيز سوريال
الأنبا يوساب أسقف فوة
دزم بتلر
بوركهارت الرحالة الانجليزي
القمص مرقص داود
ادوارد وليام لين
ستانلى لين بول
الراهب القمص أنطونيوس الأنطونى
ألفريد ج . بتلر
المؤرخة أيريس حبيب المصرى
المؤرخ كامل صالح نخلة - وآخرين
المؤرخ المسيحى /  سوزمينوس

 

المؤرخ المسيحى /  سوزمينوس
حيـاتـه

سالامينوس هرمياس سوزمينوس([2])، غير معروف عنه على وجه التحديد، لا تاريخ ولادته ولا تاريخ وفاته. لذلك يرى بعض الدارسين أنه وُلِد فى وقت ما بين 370م و380م، حسب تقدير تشستر Chester، بينما يذهب آخرون إلى أنه وُلِد فى حوالى سنة 400م. وواضح أنها كلها تواريخ احتمالية لا تقريرية. على أية حال يمكننا القول أنه أحد رجال القرن الخامس الميلادى.
وقد وُلِد فى قرية بيثيليا Bethelia إحدى قرى غزة الآن([3]). ويُرجِح تشستر مترجم النص إلى أنه كان على الأرجح فلسطينيا وليس يهوديا لأنه كان، كا يرى هو، وثنيا. وبعد أن درس علوم عصره الكلاسيكية، ذهب إلى مدينة بريتس([4]) Berytus في فينيقية Phoenicia لكي يتعلم القانون المدني في مدرستها، حيث كانت هذه المدينة تتمتع آنذاك بشهرة خاصة فى دراسة القانون. ومن هنا كان لقبة اسكولاستيك.
وكان هذا اللقب يُطلق أساسا على المنشغلين بالمحاماة. وهكذا كان الحال مع رفيق عصره سقراتيس، وكذلك مع الأنبا زكريا البليغ فيما بعد. وبعد انتهائه من الدراسة ذهب إلى القنسطنطينية لكي يبدأ ممارسة عمل المحاماة.
وفي تلك الفترة تولدت لديه الرغبة فى كتابة تاريخ الكنيسة(3:2)، منقادًا بيوسيبيوس([5]) القيصرى كنموذجٍ ومثالٍ. فبدأ أولا ببعض الدراسات التمهيدية ثم كَتب عمله الكبير هذا في حوالى النصف الثاني من عام 443 م، وانتهى منه تقريبا عام 447 أو 448 م.
وجدير بالذكر أن سوزمينوس، وكذلك سقراتيس، لم يكونا بتاتا من الاكليريكين بأى شكل من الاشكال، بل كانا علمانيين([6]) فقط محبين للكنيسة وتاريخها، على عكس يوسيبيوس القيصرى من قبلهما وثيودريت اسقف كيروس من بعدهما.
وفى عمليَهما تتداخل الاحداث غير أن هناك تفاصيل لدى سقراتيس غير موجودة لدى سوزمينوس، وتفاصيل لدى سوزمينوس غير موجودة لدى سقراتيس. لذلك عملهما مكملان لبعضهما البعض([7])
ثقافته
كان الجانب الأعظم من دراسته باللغة اليونانية، والتي كان بارعا فيها، بل إنه صار واحدا من أبرع الكُتاب في أيامه كما يذكر فوتيوس([8]) المؤرخ. ومن معرفته بالأسماء السريانية والأرامية، ومن مقارنته بين أعمال مار آفرام في لغتها الأصلية وبين ترجمتها في اللغة اليونانية، ومن حديثه عن الرهبان السريان، وكذلك استخدامه للوثائق التي كتبها مسيحيو سوريا وفارس خاصة اديسا Edessa، ومعرفته الواسعة بتاريخ الكنيسة السريانية، يمكننا أن نستدل على إحاطته باللغة السريانية. أما بالنسبة للغة اللاتينية، فإنه اذا كان من الصعب البت في هذا الأمر، إلا أنه يمكن القول أن عمله كمحامى كان يجعله يُلِّم بلغة القضاء التى كانت آنذاك اللاتينية لأن كل الأحكام والقوانين كانت بهذه اللغة. غير أننا نجد من ناحية أخرى، أنه عندما كان يستشهد بوثائق لاتينية، كان ينقلها عن ترجمات يونانية!!.
على أية حال كان سوزومينوس ذا ثقافة عالية ودراية بالفلسفات والكتابات الأدبية غير المسيحية([9]).
أما عن تعليمه المسيحي، فقد كان يعترف بقانون الإيمان النيقاوي، وإن يقر بعدم درايته التامة بالأمور اللاهوتية. إذ بعد أن يسرد نص رسالة القديس غريغوريوس النزينزي إلى نكتاريوس Nectarius يقول للقارئ انه لا يستطيع القول أنه يفهم أو يشرح هذه الأمور بسهولة.
كذلك نجده يدافع في تاريخه عن القديس يوحنا فم الذهب ضد الاتهامات التي وُجهَّت إليه، مثل تلك التي ذكرها سقراتيس في تاريخه.
تاريخه الكنسي
بدأ سوزومينوس في كتابة "تاريخه الكنسي"، كما قلنا، فى حوالى سنة 443م وإنتهى منه سنة 448م على الأكثر، وأهداه إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الصغير أو الثانى. وكان من المفترض أن يغطى الفترة ما بين نهاية عمل يوسيبيوس القيصرى (والذى ينتهى عند 325م) إلى السنة "السابعة عشر من حُكم ثيودوسيوس الصغير" حسبما أعلن فى تمهيده، أى سنة 439م.
ولكن ما وصلنا فعلا من مخطوطته يقف عند 429م تقريبا، حيث فُقِد الجزء الأكبر من كتابه التاسع والذى يُغطى الأحداث من عام 425م إلى عام 439م. وقد كان بالفعل كذلك الى عهد المؤرخ فوتيوس(ق9م).
ومن الفصل الأول من "تاريخه الكنسي"، محل إنشغالنا الآن، نعرف أن هذا العمل لم يكن عمله الأول بل كان قد وضع قبلا ملخصا لتاريخ الكنيسة منذ صعود السيد المسيح إلى هزيمة ليسينيوس فى عام 323 م فى إثنى عشر "كتابا" [أى بابًا]. وشملت مصادره يوسيبيوس القيصرى، عظات كليمندس، هجيسبيوس، سيكستوس يوليوس افريكانوس(1/1/9). وهذا العمل مفقود الآن ولم يصلنا.
أما "التاريخ الكنسي" لسوزومينوس فيتكون من تسعة كتب [أى أبواب، كما قلنا] يسبقهـا إهداء إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني، وهي كما يلي:
الكتابان الأول والثاني: تاريخ الكنيسة أثناء حكم قنسطنطين Constantine.
الكتابان الثالث والرابع: تاريخ الكنيسة أثناء حكم أبناء قنسطنطين.
الكتابان الخامس والسادس: تاريخ الكنيسة أثناء حكم يوليانوس(المرتد) Julian وجوفيانوس Jovian وفالينتينيانوسValentinian وفالنس Valens.
الكتابان السابع والثامن: تاريخ الكنيسة فى عهد جراتيانوس Gratian وفالنتنيانوس( الأصغر) وثيودوسيوس الكبير Theodosius، واركاديوس Arcadius وهونوريوس Honorius.
الكتاب التاسع: يخص عهد ثيودوسيوس الصغير. (والذى لم يصلنا كاملا لسوزمينوس).
مـصــادره:
ماهى مصادر سوزمينوس؟. هناك جدل بين الدارسين الغربيين بشأن مصادر سوزمينوس. فالبعض يُسرِع بالقول أنه نقل عن سقراتيس معاصره والذى على ما يبدو أصدر عمله قبله، ويرون أن ثلاثة أرباع عمله هى من سقراتيس اسكولاستيكوس، حيث تظهر العلاقة الأدبية بين هؤلاء الكاتبيَن فى مواضع عدة (أنظر مثلا سقراتيس10:1 مع سوزمينوس22:1).
ولكننى أرى ان اعتماد سوزمينوس على سقراتيس ليس بهذه الدرجة التى تجعله فى نظر البعض ناسخا لسقراتيس، ولكن التشابه أو حتى التطابق بينهما فى ذات الحادثة أو الواقعة يعود، فى نظرى، إلى وِحدة المصدر أو المصادر. فما من شك أنه بالنسبة للأحداث القديمة نقل كلاهما من مصادر مكتوبة قبلهما. ومن هنا من الممكن لى قبول الرأى الذى يرى أن سوزمينوس قد استفاد من عمل سقراتيس فى التعرف على المصادر، ومن الممكن أيضا أن يكون قد استفاد منه فى ترتيب الأحداث. فهذا أمر ما زال حادثا حتى يومنا هذا حيث يَطَّلع باحث ما على مصادر عمل آخر، ثم يقرأ هو هذه المصادر بنفسه ويصوغها بأسلوبه هو، ويُضفِى عليها أو بالأحرى يُضمِنها وجهة نظره ورؤيته الخاصة.
ويرى البعض أنه بالنسبة للنوفاتيين([10])، اعتمد بالكامل على سقراتيس. ولا مانع لدىّ فى قبول هذا الرأى، على أساس أن آخرين يُرجحون أن سقراتيس ربما كان من شيعة النوفاتيين.
ولكن بلا شك كان لكلٍ منهما مصادره الخاصة إلى جانب المصادر المشتركة بينهما. وبالإضافة إلى ذلك كانت لكل منهما وجهة نظره الخاصة فى تناول ذات الحدث. بل أقول كان لكل منهما هدفه الخاص من وراء انتقاء الأحداث التى يرويها، وسأدع كل قارىء يستخلص هذا الهدف بذاته.
أما عن المصادر التى استقى منه سوزمينوس معلوماته فى هذا المكان أو ذاك، فيمكننا بصفة عامة، التعرف عليها بسهولة. رغم أنه لم يكن يشير، إلا فيما ندر، إلى مراجعه. وهى كما يلى:
(1) أول مصدر بالطبع هو " تاريخ الكنيسة" ليوسيبيوس القيصرى، وكذلك "حياة قنسطنطين" لنفس الكاتب.
(2) " أعمال أثناسيوس" الرسولى التاريخية وكذا كتابه عن "حياة الأنبا انطونيوس". حيث نجده يُكمِل رواية سقراتيس من عمل البابا أثناسيوس "ضد الاريوسيين"، كما ينسخ من رسالة البابا أثناسيوس إلى اساقفة مصر(18، 19).
(3) الكتابان التاريخيان اللذين أضافهما روفينوس الأكويللى القس الإيطالى، فى ترجمته اللاتينية لعمل يوسيبيوس القيصرى، والمعروفان بالكتابين "العاشر والحادى عشر" لروفينوس([11]). وبالطبع روفينوس هنا فى كثير من الأحداث كان المصدر الأول لسقراتيس وسوزومينوس ومَن بعدهما.
وهنا نلاحظ تميز كلٌ منهما فى تناوله لذات المصدر الواحد، إذ سنرى أن سوزمينوس كان أكثر قربا لروفينوس فى تناوله لراوية طفولة أثناسيوس، عن سقراتيس، مما يدل على أن كلا منهما أعد تاريخه بأسلوبه الخاص من ذات المصادر، ولم يكن ناسخا للآخر.
(3) عندما يتكلم عن كواكب الرهبنة ورموزها البارزين فى مصر فى مواضع مختلفة من عمله كانت تحت يده بالطبع أعمال: بالاديوس، و" وصف الرهبان السبعة الذين من أورشليم" المعروف باسم "هستوريا موناخورم"، ووصف روفينوس.([12])
(4) بالنسبة لمصادر السجلات الكنسية استخدم سوزمينوس بصفة اساسية عمل سابينوس Sabinus الذى كان يشير إليه بإستمرار. وأيضا سجلات المجامع من صُور(355م) إلى انطاكية التى فى كاريا(367م).
(5) واستخدم سوزمينوس مصادر أخرى عديدة انفرد هو بها. فهناك الكثير من الصفحات التي لا نجدها في تاريخ سقراتيس، ولكنها توجد فقط في تاريخ سوزومينوس، مثل الحديث عن اضطهاد المسيحيين في فارس أثناء حكم سابور الثاني Sapor II والذي استقاه بالتأكيد من " أعمال شهداء فارس". وكذلك التواريخ الرهبانية، و"Vita Martini" لسلبيسيوس ساويرس. واعمال هيلاريوس، ويوستاثيوس الانطاكى، ورسالة كيرلس الأورشليمى إلى قنستانتيوس بشأن ظهور الصليب الإعجازى، و"عمل" بالاديوس. هذا إلى جانب التقليد الشفاهى([13]) على نحو أضاف قيمة متميزة لعمله. بالإضافة إلى مصادر أخرى غريبة أكثر، من سقراتيس.
(6) ومن فترة ثيودوسيوس الأول، كف سوزمينوس عن تتبع عمل سقراتيس، واتبع نهج اولمبيودورس الطيبى Olympiodorus of Thebes الذى ربما كان المصدر المدنى الوحيد لسوزمينوس، حيث يبدو الكِتاب التاسع لسوزمينوس اختصارًا لعمل اولمبيادورس هذا، فى نظر شستر مترجم النص إلى الإنجليزية.
(7) هذا بالإضافة بالطبع إلى " اعمال" باسيليوس القيصرى، وغريغوريوس اللاهوتى، وكتاب بالاديوس "حوار عن حياة فم الذهب"([14]). فضلا عن تاريخ يوسيبيوس القيصرى الذى يُكمِل تاريخه. ليس هذا فحسب، بل نجده يشير(فى ك 19:6) إلى عمل للبابا الأسكندري تيموثاوس خاص بسير بعض الرهبان. لكنه بالطبع لم يكن ينقل منهم بالنص، ولكن بإختصار وبأسلوبه الخاص كقارىء يعرض بنفَسِه ما قد قرأه من معارف([15]).
(8) والى جانب ذلك اعتمد على وثائق أخرى فنجده يقول "ولكننى بحثتُ عن سجلات أحداث التاريخ القديم بين القوانين الراسخة المتعلقة بالديانة، وبين مضابط مجامع الفترة، وبين البدع التى ثارت وفى رسائل الملوك والكهنة. وكانت بعض هذه الوثائق محفوظة فى القصُور والكنائس وأخرى كانت متناثرة بين ممتلكات بعض المتعلمين"([16])
ويُلاحَظ أن سوزمينوس يبذل جهدا مضنيا لكى يكون مُلما جيدا بكافة مصادر المعلومات الخاصة بالموضوع الذى يطرقه، فقد كانت لدية رغبة جامحة فى الوصول إلى الحقيقة. فكان يتتبع مصادره بدرجة وثيقة، وفى بعض الأحيان حرفيا. ولذلك عندما كانت هناك اختلافات فى المصادر فيما بينها كان يعرضها كلها فى العادة.

نقد عمل سوزمينوس
إن عمل سوزمينوس شيق وقيّم لعدة أسباب:

1- أنه يُعطي، أكثر من أى مؤرخ سابق له، اهتماما كبيرا لنشاط المسيحيين التبشيرى. فيحدثنا عن العمل الكرازي في "إيبيريا" Iberia التى هى جورجيا الآن، وفى أرمينيا، والحبشة التى يدعوها نقلا عن روفينوس "بالهند الداخلية"، والقوط، والساراسيين أى العرب. وكان أول مؤرخ يقدم وصفا أشمل للمسيحية في سوريا وفلسطين. كما يذكر بعض أبعاد الحياة المسيحية والمعاناة في اديسا.
غير أنه كان على غرار سقراتيس يهتم بالأكثر بالتاريخ المسيحى الشرقى، لذا لا يتحدث على الإطلاق عن الكنيسة في إفريقيا، ويروى القليل جدا عن الكنيسة الغربية فى علاقتها بالشرق. وقد اختصر ثيودريت عنه هذه الأخبار فى عمله "التاريخ الكنسى".
2- وكان معجبا بشدة بالحياة الرهبانية التى اعتبرها "الفلسفة"([17]) الحقيقية للحياة. فتحدث عن ظهور وانتشار الرهبنة المسيحية، وجهادات مؤسسيها الأوائل فى إنشاء الأديرة والجماعات الرهبانية، مؤكدا أن الحياة النسكية هي، فى نظره، "الفلسفة" الحقيقية، وأن مؤسسيها هم فقط "الفلاسفة" الحقيقيون. فذكر آباء الرهبنة وقادتها العظماء في الأماكن المختلفة، وجعل ذلك سمة لمعالجته التاريخية لحياة الكنيسة. رغم أنه لم يكن راهبًا، فمع إعجابهبعظمة الرهبنة الروحية، إلا أنه لا يقول أبدا أنه اتبع هذا الدرب المقدس، بل انكر على نفسه الحق أو القدرة على اتباع هذا النهج، ويقول "لأننى لا أرغب فى أن أُعتَبر غير لطيف نحوهم، ولا أن أُهمِل فضائلهم، ولا أن أكون جاهلا بتاريخهم. ولكننى أرغب فى أن أُخلِف ورائى سجلا بسلوك حياتهم هذه، حتى ما يحض الآخرين على الإقتداء بنموذجهم إلى نهاية سعيدة ومباركة"([18]). ولذلك يُقدّم لنا السير الرهبانية بإسهاب أكثر نوعا ما عن سقراتيس، وبتأمل روحى جميل لا يخلو من رأي فلسفى له.
3- وعلى الرغم من أن معالجته للكنيسة الغربية لم يكن تاما إلا أننا نجد صفحات عنها تضم حقائقً ليست متوفرة فى أعمال أخرى، وتُعتبَر من الناحية الوثائقية ذات أهمية قصوى. وتتضح بجلاء روح واهتمام سوزمينوس التاريخى فى تتبعه لخيوط رواية سقراتيس، ولكنه يسعى إلى تجويدها والتفوق عليها بتعبير أنيق وباستخدام أفضل لمصادر ممتازة.
4- وتختلف نظرته لدور المؤرخ عن تلك التى لسقراتيس، فهو يرى (فى ك15:3) أن دور المؤرخ هو تجميع الحقائق دون إضافة شىء إليها. ومن هنا لم يكترث كثيرا بنقد مصادره([19]) بل كان يتبنى فى العادة وجهة نظرها، لدرجة أنه أُتُهِم بالأريوسية والنوفاتية!!. بينما فى الحقيقة، لم يكن له أى رأى فى الجدل اللاهوتى، وقد عبَّر عن ذلك صراحة وبكل جلاء.
5- وفى تناوله لأوضاع الكنيسة، وطرق تفسير الكتاب المقدس، ووجهة نظره فى التسلسل الكهنوتى وكرامة الرتب الكنسية، كان دائما يتناول هذه الأمور بشعور الخضوع والاحترام. فقد كان مقتنعا اقتناعا عميقا بدور العناية الإلهية فى مجرى التاريخ([20])، وقيادتها وإرشادها للكنيسة. وأن رسالة الكنيسة هى أساسا تنظيم شؤون البشر تحت الارشاد الإلهى.
وبالنسبة لطرق تفسير الأسفار المقدسة يأخذ بالرمزية كمنهج للتفسير. وفى الشؤن العقائدية حرص كل الحرص على التمسك بعقيدة الكنيسة الجامعة الرسولية الأرثوذكسية معتبرا إياها العقيدة الأصلية الحقيقية. واعتبر صيغة مجمع نيقية للإيمان الصيغة النهائية التى لا يجوز إضافة أى شيء إليها أو حذف أى شيءٍ منها. لكنه لم يدونه ضمن تاريخه خوفًا من أن يطلع عليه ، كما يقول، غير المُعمَّدين. فعارض بشدة كل انواع الهرطقات بكافة أشكالها.
ولكن بينما كان يكره بشدة الاريوسية و"الغنوسية الوثنية" والمونتانية والأبولينارية وغيرها، لم يسمح لنفسه بتاتا بالهجوم على قادتها([21])، إذ يقول " ولا يبدو غريبا إن قدَّمتُ توصيات بشأن قادة البدع السابق ذكرهم، أو المتحمسين لها، فاننى معجب ببلاغتهم ومثابرتهم فى الخطابة. واننى أدع الحُكم على عقائدهم لمن لهم الحق"([22])
6- ورغم أنه مؤرخ مسيحى أساسا ويؤرخ للتاريخ الكنسى، إلاَّ أننا نلاحظ أصداء قراءاته الفلسفية والأخلاقية فيُعلِّق مصححا لهذا الرأى أو ذاك متى وجده رأيا أو قولا غير سليم. مثلما نرى فى (ك 6:5) حيث يقول ليس صحيحا أنه حسبما يكون الجسد هكذا تكون النفس كما يقول البعض، ولكن على العكس يتشكل سلوك الجسد تبعا لنشاط النفس.
7- ويساعدنا هذا التاريخ على معرفة بعض "الاسرار الكنسية" (العماد، التناول، الاعتراف) تاريخيا. بل وأيضا ترتيبات موسم البصخة (فى ك18:7)
8- كما يكشف لنا هذا التاريخ عن أن جميع الهرطقات قد نبعت من "تضخم الذات" و"الأناوية". فكل خادم كنسى أيا كانت رتبته يُريد أن "يأتى بجديد" لم يعرفه أحدٌ من قبله ولا من بعده. وليس مهما أن يكون ذلك حسب التفليد الكنسى أو حسب الكتب المقدسة، المهم أن يكون منسوبا له.
9- وعلى الرغم من أن تاريخ سوزمينوس تاريخا كنسيا محضا إلاَّ أنه اشتمل على بعض السير لبعض القديسين والرهبان الذين كان يحلو له طوال عمله هذا أن ينعتهم، كما قلنا، "بالفلاسفة" ليس بالمعنى الحالى للكلمة ولكن بمعنى اصطلاحى عنده، استخدمه على اساس المعنى اللغوى للكلمة. فالفلسفة لغويا تعنى "حب الحكمة" والراهب يبحث عن "الحكمة الحقيقية" التى هى معرفة الله والحياة الدائمة معه. أو عن "اقنوم الحكمة" الذى هو "الله الكلمة". ومن ثم الرهبنة والحياة النسكية عنده هى "فلسفة" الحياة "الحقيقية" من وجهة نظره وموقف فكرى، ومَن يتبناها هو بالتالى، "الفيلسوف" "الحقيقى" فى نظره.
10- وسجل أيضا اكتشاف أجساد القديسين، الذى حدث قبل، أو فى زمانه. فيذكر منهم: ميخا، وحبقوق، وزكريا، ويوحنا المعمدان، واسطفانوس، والأربعين جنديًا، وهيلاريون الكبير، فضلا عن العثور على الصليب المقدس للمسيح والمسامير التى سُمِّر بها.
وذهب البعض إلى أنه وهو يحاول أن يُعِدّ تاريخا كنسيا أفضل من الذى لسقراتيس قد وُفِّق جزئيا. فصحيح أنه قدَّم مرارا مادة إضافية، ولكنه نادرا ما حَسَّن من النموذج السابق له. كما أخفق، مثل سقراتيس، فى تتبع التسلسل الزمنى عن كثب.
وفى الحقيقة، هناك العديد من الأخطاء وأوجه القصُور فى عمله. وقد كان هو نفسه واعيا بالكثير منها، لكن لم يكن فى وسعه تصحيحها. فكثيرا ما كان من العسير عليه أن يعرف الحقيقة فى خضم الأدلة المتباينة التى يتناولها والتى كانت فى غالب الأحيان ليس بها دليل كافٍ. ولكنه سعى فى كل حالة إلى التعبير عن الحقيقة وإلى أن يجعل عمله يُقدِّم شيئا نافعا فى الدفاع عن المسيحية واستجلاء مفاهيمها.
ويهمنى هنا أن اسجل بعض الملاحظات على هذا العمل:
1- ينبغى الوعى منذ البداية، منعا لأى تشوش، بأن سوزمينوس عند سرده للأحداث لا يتتبع الترتيب الزمني لوقوعها وإنما يسردها حسب موضوعها حيث كان يجمع أحداث حقبة أو فترة ما معا. ومن ثم من الممكن أن تجده مثلا يقول عن حاكم ما أنه غادر المدينة، ثم يسرد بعد ذلك واقعة حدثت أثناء وجوده. وهو نفسه يؤكد هذا الرأى إذ يقول فى (4/11/1) "على الرغم من أن ما قد سجلته لم يحدث لأثناسيوس وكنيسة الأسكندرية فى نفس الفترة من الزمن..."
2- يرى البعض أن سوزمينوس اعتمد فى تاريخه على السماع، وربما استند رأيهم هذا إلى تكرار كلمة "يُقال" فى أكثر من موضع من عمله هذا. ولكننى أرى أن هذه الكلمة قد استخدمها سوزمينوس هنا عند نقله من مصدر قرأه. حيث يُلاحَظ أنه لا يذكر اسماء الكتّاب الذين رجع إليهم، ولا حتى أسماء أعمالهم إلا فيما ندر جدا مثل إشارته إلى "اعمال المجمع" بالنسبة لبعض المجامع. والدليل على ذلك أنه عندما يذكر واقعة إقامة القديس أثناسيوس الرسولى(البابا الأسكندرى العشرون فى عداد بابوات الأسكندرية) لدى عذراء جميلة وحكيمة بالأسكندرية والتى كان بالاديوس أول مَن ذكرها(فى عمله "التاريخ الرهبانى") حيث زارها وهى فى شيخوختها([23])، نجده يقول هنا "ويُقال". رغم أنه من الثابت أن "عمل" بالاديوس كان متاحا للجميع وباللغة اليونانية فى أوائل القرن الخامس الميلادى، بينما وُلِد سوزمينوس فى حوالى سنة 400م كما قلنا عاليه، وكَتب تاريخه فى عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الصغير، فلنقل فى خلال أربعينات القرن الخامس الميلادى.
3- لمَّا كان سوزمينوس، وكذلك سقراتيس، ليس اكليريكيا بأى نحو، وإنما هو شخص علمانى محب للكنيسة وتاريخها فقط. لذا لم يتبحر فى مناقشة العقائد، وكان يحيل قارئه صراحة إلى الكتابات المتخصصة فى ذلك.
ولذا أرى قراءة هذا الكتاب جنبا إلى جنب مع كتابى "تجسد الكلمة" و"ضد الاريوسيين" للقديس اثناسيوس الرسولى البابا الاسكندرى العشرون فى عداد باباوات الأسكندرية([24])، لفهم المصطلحات العقائدية التى كانت محور الصراع الذى دام نحو ستين عاما من 325م إلى حوالى 381م. بل وامتدت توابعه ولواحقه إلى مجمع خلقيدونية. وخاصة مصطلحات "جوهر" و"طبيعة" و"اقنوم" و"هيبوستاسيس" و"هوموسيسوس" و"هوموأوسيوس".
4- أن المرء عند قرائته لهذا التاريخ يخال له أنه يقرأ تقريرا للأحداث الجارية فى أيامنا الحالية.
5- يجب الوعى أن تعبير "ارثوذكس" عند سوزمينوس هنا لا يعنى المعنى الطائفى الحالى، ولكنه يعنى "أصحاب العقيدة النيقيّة" فى مواجهة البدع والهرطقات. وأن تعبير "كنيسة كاثوليكية" أيضا لا يعنى المعنى الطائفى الحالى، ولكنه يعنى الكنيسة "الجامعة" لكل الأجناس واللغات المؤمنة بالإيمان الواحد الارثوذكسى بالمعنى المذكور توا. ولذلك ترجمتُ بإستمرار "كاثوليكية" إلى "جامعة" منعا للتشويش الطائفى.
6- كذلك كان يقصد بكلمات "بربرى" و"بربر" الأجناس غير الرومانية بصفة عامة، بنفس فكر اليونانيين الذين كانوا ينعتون كل مَن هو غير يونانى بهذا اللقب. وهو مِثل لقب "العُجم" عند العرب، و"الأمم" عند اليهود.
7- كذلك يلزم الإلمام بأن كلمة "شركة" فى هذا العمل يُراد بها الاشتراك فى التناول من "السرائر المقدسة". وهو دليل على الاتفاق فى العقيدة مع الشيعة التى يتم التناول مع أعضائها. ولذلك نجد دائما فى المراسيم الصادرة من أى مجمع، قانونى كان أو خاص بالهراطقة، كان يتم النص فيها على عدم اشتراك أعضائها فى التناول فى الكنائس المضادة أو حضور اجتماعات فيها. فضلا عن حرومات أخرى.
****************

المراجع

2) ويرد اسمه بأشكال مختلفة فى المخطوطات اليونانية مثل سالمينس سوزومسنوش وفى المطبوعات العربية بالشكل سوزمين ، كما يعرف ايضا فى المطبوعات العربية القديمة بنفس الشكل العربى ولكن اسمه اليونانى بالنطق اليونانى كما ورد أعلاه لأن هذا الكتاب كتب باليونانية

3) أنظر ك 5: 15 هنا

4) أى مدينة بيروت الحالية بلبنان

5) يوسبيوس : القيصرى هو أسقف قيصرية المشهور بأبى التاريخ الكنسى لأنه كان أول من جمع تاريخ المسيحية منذ إنشائها إلى أيامه ، ويكتب أسمه بأشكال عديدة منها : يوسابيوس .. أوسابيوس .. يوسيبوس .. أفسابيوس (فى الكتابات الشامية) المعرب

6) لقب علمانى فى الكتابات المسيحية يختلف فى معناه جذريا عن المفهوم السياسى المتداول حزبيا فى هذه الأيام ، فالمقصود به حصريا فى الكتابات المسيحية الضخص الذى لا يشغل وظيفة كهنوتية رسمية فى الكنيسة بدء من .. قارئ (أوغنسطس) إلى بابا .. وواضح أن كلمة  "علمانى " فى المفهوم المسيحى لاتعنى بتاتا شخصا ضج الدين "ملحد" أو "لا دينى" إلى آخر هذه الإسقاطات التى يلجأ إليها البعض فى صراعهم الحزبى لخداع الفئات الشعبية البسيطة

7) ولذا نشرها الناشر الإنجليزى معا .. غير اننى رأيت أن ذلك سيكون مرهقا للقارئ العربى ففضلت مشرهما على جزئين

8) مؤرخ يونانى من القرن 9 م

9) أنظر ك : 6 ، 3: 3 : 3: 15 : 4: 17، 5: 18

10) هم شيعة / طائفة تنسب إلى Novatian أو نوفاتوس حسب نطق الشرق وكان قسا بكنيسة روما هذا ذهب - كما قال يوسابيوس القيصرى - بكبرياء قلب إلى الذين سقطوا فى أثناء الإضطهادات "ليس لهم رجاء فى الخلاص ، ولو عملوا كل ما يتصل بالتجديد الحقيقى الثانى " ثم تزعم شيعة ظلت تناوئ الكنيسة الجامعة ردحا من الزمن راجع "البدع والهرطقات فى القرون الأولى" للمعرب

11) "التاريخ الكنسى لـ رفينوس" للمعرب .. نشر مطرانية جنوب سينا

12) راجع " التاريخ الرهبانى فى القرن الرابع الميلادى" لبالاديوس وروفينوس والسبعة رهبان الأورشليميين ، للمعرب .. مشر دار باتارين ديسمبر 2013

13) وهذا هو سبب تكرار كلمة "قيل" و "يقال" فى عمله

 

14) أنظر تعريب المهرب

15) أنظر على سبيل المثال ، مكوث البابا أثناسيوس الرسولى عند عذراء بالأسكندرية ، والتى كان أول من سجلها بلاديوس ، ونحد أنه رغم توافر هذا المصدر تحت يد سقراتيس ايضا ـ فغنه لم يذكر هذه الواقعة ولا علق عليها ـ وذلك على عكس من سوزمينوس الذى أوردها .

16) ك1 ف1 بعده

17) كان كل كاتب من الكتاب الأوائل ينعت "الرهبنة المسيحية " بنعت خاص به ويعبر عن مفهومه الخاص ونظرته الخاصة لهذا النمط من الحياة فكان بلاديوس كما رأينا فى "التاريخ الرهبانى" ينعتها بــ " حياة المصارعة" وكان كاسيان ينعتها "بطريق الكمال" وهنا ينعتها سوزمينوس "الفلسفة الحقيقية

18) راجع 1/1/13

19) قد نتفق معه فى هذا المنهج أو لا نتفق ولكن تبقى وجهة نظره للتاريخ ولدور المؤرخ متميزة عن تلك التى لسقراتيس

 

20) وكأنه يردد من وراء  الدهور المقولة التى كان يحلوا لمثلث الرحمات الأنبا صموئيل اسقف الخدمات العامة فى بداية حبرية الأنبا شنودة الثالث بابا السكندرية الـ 117 فى عداد باباوات السكندرية والذى أستشهد فى حادث المنصة عند إغتيال الرئيس السادات أن يرددها بإستمرار "نحن لا نعرف ماذا يمسكه التاريخ ولكننا نعرف من يمسك التاريخ" we do not Know what the history hold, but we do Know who holds history

21) على عكس النعوت التى نجدها لدى ثيودوريت مثلا

22) ك3/ 15/6

23) انظر "الترايخ الرهبانى فى القرن الرابع الميلادى

24) كما يمكن الإستعانة بكتاب الأنبا أثناسيوس الرسولى لألأب متى المسكين

 

 

This site was last updated 09/18/17