Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

 سنة تسعين وثلثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة387هـ
سنة 388هـ
سنة 390 هـ
سنة 391 هـ
سنة 392 هـ
سنة 393 و 394 و395 هـ
سنة396 هـ
سنة 397 و398 هــ
سنة 399 هـ
سنة 400 هــ
سنة 401 هـ
سنة 402 هـ
سنة 403 هـ
سنة 404 هـ
سنة 405 هـ
سنة 406 - 410 هـ
‘إخنفاء الحاكم سنة 411 هـ

الفاطميين الذين أحتلوا مصر بأسم الإسلام نقلت من كتاب اتعاظ الحنفا - أحمد بن علي المقريزي ج 2  101/1 لفائدة القارئ الدارس وكعادة الموقع وضعنا لكل مقطع عناوين

****************************************************************************************************

سنة تسعين وثلثمائة
في أول يوم من المحرم ظهر الحاكم ودخل الناس فهنئوه بالعام.
كان سعر الخبز ستة عشر رطلاً بدرهم. وسقط إصطبل فهد بن ابراهيم فمات له نحو ستين بغلة.
وفي حادي عشر صفر وصلت قافلة الحاج من غير أن يدخلوا إلى المدينة النبوية.
وفي سادس عشر من ربيع الآخر أنهد الحاكم إلى برجوان عشية يستدعيه للركوب معه إلى المقس، فجاء بعد بطء وقد ضاق الوقت إلى القصر، ودخل بالموكب ورؤساء الدولة والكتاب إلى الباب الذي يخرج منه الحاكم إلى المقس؛ فلم يكن بأسرع من خروج عقيق الخادم وهو يصيح: قتل مولاي؛ وكان عقيق عيناً لبرجوان في القصر وقد جعله على خزاناته الخاصة. فاضطرب الناس وبادروا إلى باب القصر الكبير فوقفوا عنده؛ وأشرف عليهم الحاكم. وقام زيدان، صاحب المظلة، فصاح بهم: من كان في الطاعة فلينصرف إلى منزله ويبكر إلى القصر المعمور؛ فانصرف الجميع. وكان قتل برجوان في بستان يعرف بدويرة التين والعناب كان الحاكم فيه مع زيدان فجاء برجوان ووقف مع زيدان. فسار الحاكم حتى خرج من باب الدويرة، فعاجل زيدان وضرب برجوان بسكين كانت في خفه، وابتدره قوم، وقد أعدوا له السكاكين والخناجر، فقتل مكانه، وحزت رأسه وطرح عليه حائط.
وسبب ذلك أن برجوان لما بلغ النهاية قصر في الخدمة، واستقل بلذاته وأقبل على سماع الغناء؛ وكان كثير الطرب شديد الشغف به، فكان يجمع المغنين من الرجال والنساء بداره فيكون معهم كأحدهم، ولا يخرج من داره حتى يمضى صدر من النهار ويتكامل الناس على بابه، فيركب إلى القصر، ولا يمضى إلا ما يختار من غير مشاورة؛ فلما استبد بالأمر تجرد الحاكم للنظر.
وكان برجوان من استبداده يكثر من الدالة على الحاكم، فحقد عليه أموراً، منها أنه قال بعد قتله إنه كان سيىء الأدب جدا، والله إني لأذكر وقد استدعيته يوما ونحن ركبان فصار إلي ورجله على عنق دابته وبطن خفه قبالة وجهي، فشاغلته بالحديث ولم أره فكرةً في ذلك. وغير ذلك مما يطول شرحه.
وأنهد الحاكم بعد قتل برجوان فأحضر كاتبه فهد بن إبراهيم في الليل وأمنه، وقال: أنت كاتبي وصاحبك عبدي، وهو كان الواسطة بيني وبينك؛ وجرت منه أشياء أنكرتها عليه فجازيته عليها بما استوجبه؛ فكن أنت على رسمك في كتابك آمناً على نفسك ومالك.
فكانت مدة نظر برجوان سنتين وثمانية أشهر غير يوم واحد. وبرجوان بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الجيم والواو وبعد الألف نون.
وبكر الناس إلى القصر فوقفوا بالباب، ونزل القائد أبو عبد الله الحسين بن جوهر القائد وحده إلى القصر وأذن للناس، فدخلوا إلى الحضرة، وخرج الحاكم على فرس أشقر، فوقف في صحن القصر قائماً، وزيدان عن يمينه وأبو القاسم الفارقي عن يساره، والناس قيام بين يديه؛ فقال لهم بنفسه من غير واسطة: إن برجوان عبدي، استخدمته فنصح فأحسنت إليه؛ ثم أساء في أشياء عملها فقتلته؛ والآن فأنتم شيوخ دولتي وأشار إلى كتامة وأنتم عندي الآن أفضل مما كنتم فيه مما تقدم. والتفت إلى الأتراك وقال لهم: أنتم تربية العزيز بالله وفي مقام الأولاد، وما لكل أحد عنيد إلا ما يؤثره ويحبه، فكونوا على رسومكم، وامضوا إلى منازلكم، وخذوا على أيدي سفهائكم. فدعوا جميعا وقبلوا الأرض، وانصرفوا.
وأمر بكتابة سجل أنشأه أبو منصور بن سورين كاتب الإنشاء، قرىء بسائر الجوامع في مصر والقاهرة والجيزة والجزيرة، نصه بعد البسملة:
من عبد الله ووليه، المنصور أبي علي، الإمام الحاكم بأمر الله، أمير المؤمنين، إلى سائر من شهد الصلاة الجامعة في مساجد القاهرة المعزية ومصر والجزيرة: سلام عليكم معاشر المسلمين المصلين في يومنا هذا في الجوامع، وسائر الناس كافة أجمعين، فإن أمير المؤمنين يحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلي على جده محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى أهل بيته الطاهرين. أما بعد؛ فالحمد لله الذي قال، وقوله الحق المبين: " لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلَهِةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسّدَتَا، فَسُبْحَانَ اللّهِ رَبِّ الْعَرْش عَمَّا يَصِفُونَ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَهُمْ يُسْأَلُون " يحمده أمير المؤمنين على ما أعطاه من خلافته، وجعل إليه فيها دون بريته من الضبط والقبض، والإبرام والنقض. معاشر الناس، إن برجوان كان فيما مضى عبداً ناصحا، أرضى أمير المؤمنين حينا، فاستخدمهم كما يشاء فيما يشاء، وفعل به ما شاء كما سبق في العلوم وجاز عليه في المختوم. قال الله عز وجل: " وَلَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لعِبَادِهِ لَبَغَوْا في الأَرْضِ، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدرٍ مِا يَشَاءُ، إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ " ولقد كان أمير المؤمنين ملكه، فلما أساء ألبسه النقم، لقول الله تعالى: " فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمُ " وقوله عز وجل: " إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى " ، أن رآه استغنى فحظره أمير المؤمنين عما صبا إليه، ونزعه ما كان فيه؛ وتمت مشيئة الله عز وجل، ونفذ قضاؤه وتقديره فيه. " وَكَانَ ذَلِكَ في الْكِتَابِ مَسْطُوراً " فأقبلوا معاشر التجار والرعية على معايشكم واشتغلوا بأشغالكم، فهو أعود لشأنكم؛ ولا تطغوا في أمر أنفسكم فلأمير المؤمنين الرأي فيه وفيكم. فمن كانت له منكم مطالبة أو حاجة فليمض إلى أمير المؤمنين بها، فإنه مباشر ذلك لكم بنفسه، وبابه مفتوح بينكم وبينه. والله " يَخْتَصُّ برَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم وأنتم رعايا أمير المؤمنين المفتحة لها أبواب عدله وإحسانه وفضله. والله يريده فيما يريده ويعتمده من الخير لمن أطاعه من الأنام، والحماية لحمى الإسلام؛ " عَلَيْهٍ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتب يوم الجمعة لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسعين وثلثمائة. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الأخيار وسلم تسليما.
وكتبت سجلات على نسخة واحدة، وأنفذت إلى سائر النواحي والأعمال.
ولثلاث خلون من جمادى الأولى خلع على القائد الحسين بن جوهر ثوب ديباج أحمر، ومنديل أزرق مذهب، وتقلد سيفا عليه ذهب، وحمل على فرس بسرج ولجام ذهب، وبين يديه ثلاثة أفراس بمراكبها، وخمسون ثوبا من كل فن. ورد إليه الحاكم التوقيعات والنظر في أمور الناس وتدبير المملكة وإنصاف المظلوم. وخلع على فهد بن إبراهيم، وحمل على بغلة وبين يديه بغلة أخرى وعشرون ثوبا. فانصرف القائد، وخلفه فهد وسائر الناس بين يديه، إلى داره. وتقدم إلى فهد بالتوقيعات في رقاع الرافعين على رسمه، وأن يعاضد القائد حسينا في النظر ويعاونه ويخلفه إذا غاب. فكان القائد يبكر إلى القصر ومعه الرئيس فهد، فينظران في أمور الناس وينهيان الأمور إلى الحاكم، والقائد متقدم وفهد يتبعه، فإذا دخلا إلى حضرة الحاكم جلس القائد وقام فهد خلفه فيعرضان الكتب والرقاع عليه. وأمر القائد ألا يلقاه أحد من الناس على طريق ولا يركب إليه إلى داره أحد لقضاء حق ولا سؤال في مصلحة، ومن كان له حاجة يلقاه في القصر. ونهى الناس أن يخاطبوه في الرقاع التي تكتب إليه بسيدنا ومولانا، ولا يخاطبونه ويكاتبونه إلا بالقائد فقط، ولا يخاطب فهد ويكاتب إلا بالرئيس فقط.
وحمل فهد إلى الحاكم هدية، منها ثلاثون بغلة بألوان من الأجلة، وعشرون فرسا منها عشرة مسرجة ملجمة وعشرة بجلال ملونة، وعشرون ألف دينار، وسفط فيه حلة دبيقية مذهبة لم ير مثلها، ودرج فيه جوهر، وأسفاط كثيرة فيها البز الرفيع، وخزانة مدهونة.
وأمر أبو جعفر محمد بن حسين بن مهذب، صاحب بيت المال، بإحضار تركة برجوان فوجد فيها مائة منديل شرب ملونة معممة كلها على مائة شاشية، وألف سروال دبيقي بألف تكة حرير أرمني، ومن الثياب المخيطة والصحاح والحلى والمصاغ والطيب والفرش ما لا يحصى كثرة، ومن العين ثلاثة وثلاثون ألف دينار، ومائة وخمسون فرسا لركابه، وخمسون بغلة، وثلثمائة رأس من بغال النقل ودواب الغلمان، ومائة وخمسون سرجا منها عشرون من ذهب، ومن الكتب شيء كثير.
لما ركب القائد حسين رأى جماعة من قواد الأتراك قياما على الطريق ينتظرونه فوقف وقال: كلنا عبيد مولانا صلوات الله عليه ومماليكه، وليس والله أبرح من موضعي أو تنصرفوا عني، ولا يلقاني أحد إلا في القصر. فانصرفوا. وأقام خدما من الصقالبة بنوب على الطريق يمنعون الناس من المصير إلى داره ومن لقائه إلا في القصر؛ وجلس في موضع رسم له بالجلوس فيه.
وتقدم حسين بن جوهر إلى أبي الفتوح مسعود الصقلبي صاحب الستر بأن يوصل الناس بأسرهم إلى الحاكم ولا يمنع أحدا، وأن يعرف رسم كل من يحضر من يجلس للتوقيع إذا وقع له. فدخل الناس ليأخذ رقاعهم وقصصهم، ووقع فيها، والحاكم في مكانه جالس يدخل إليه أرباب الحوائج ويشاور في الأمور المهمة.
ووصل إلى الحاكم جماعة ممن كان يدخل في الليل إلى العزيز، وأمروا بملازمة القصر وقت جلوسه ودوام الجلوس بالعشايا؛ فدخل أول ليلة، وهي ليلة الأربعاء سابع جمادى الأولى، القائد الحسين والقائد فضل بن صالح والحسين بن الحسن البازيار. فجلس حسين بن جوهر من اليمين، وإلى جانبه فضل بن صالح ودونه ابن البازيار، وبعده أبو الحسن علي بن إبراهيم المرسي، ويليه القاضي عبد العزيز بن محمد بن النعمان؛ وجلس من اليسار رجاء ومسعود ابنا أبي الحسين، ودونهما أبو الفتح منصور بن معشر الطبيب، وأبو الحسين بن المغربي الكاتب وأخوه. ووقف عنده عدة من الأقارب وجماعة من القواد، منهم منجوتكين وغيره، ثم دخل بعد ذلك جماعة منهم ابن طاهر الوزان. فجرى الرسم على ذلك إلى اثني عشر جمادى الآخرة. ثم صار السلام يخرج فينصرفون إلا ابن البازيار وابن معشر الطبيب وعبد الأعلى بن هاشم من القرابة، فإنهم يجلسون فربما أطالوا الجلوس وربما خدموا.
وركب الحاكم عدة مرار إلى ناحية سردوس وإلى بركة الجب وإلى عين شمس وحلوان للصيد وغيره. وفي سابع عشري جمادى الآخرة قرئ سجل على سائر منابر المساجد الجامعة بأن يلقب القائد حسين بن جوهر بقائد القواد. وخلع على جابر بن منصور الجودري جبة مثقلة ومنديل بذهب، وحمل بين يديه ثياب كثيرة وقلد بسيف، وندب ناظرا في السواحل والحسبة بمصر.
وأما الشام فإن جيش بن الصمصامة لما استقر بدمشق، وقد خرب البلد وضعف وقل ناسه وطمعت رعيته، فكان فيهم جهال يأخذون الخفارة ويطمعون في أموال أهل السلامة، فصارت لهم أموال وخيول ومشى بين أيديهم الرجال، وقويت نفوسهم، وصاروا يوالون خروجهم مع جيش في وقائع الروم؛ فوعدهم جيش بالأرزاق فاطمأنوا إليه. ثم إنه رتب جماعة وقبض على المذكورين وقيدهم، وأمر بهم فحبسوا، وأفاض عليهم العذاب حتى سلبهم جميع أموالهم، وتتبع من استتر منهم فضرب أعناقهم وصلبهم على أبواب البلد فلم يبق منهم أحد.
فلما خلا له البلد من حمال السلاح طمع في أهل القرى، فعم كثيرا من الناس البلاء منه، وشمل أهل المدينة والقرى ضرره، حتى غلق أكثر الأسواق، وضج الناس إلى الله بالدعاء وهو يعدهم بحريق البلد وبذل السيف فيهم، فهرب كثير من الناس عن البلد.
ووصل الخبر بقدوم عسكر الروم، فأخذ جيش في جمع العرب؛ ونزل ملك الروم على شيزر وفيها عسكر من قبل الحاكم، فقاتلهم حتى ملكهم بأمان. ونزلت العرب الذين جمعهم جيش فيما بين حرستا والقابول؛ وانتقل الروم من شيزر إلى حمص فأخذوها وسبوا أهلها وأحرقوا؛ وذلك في ذي الحجة سنة تسع وثمانين، وهي دخلة الروم الثالثة إلى حمص، فأقاموا بها وقد اشتد البرد وغلت عليهم الأسعار حتى بيعت العليقة عندهم بدينار فرحلوا، وقد مات أكثر دوابهم، إلى طرابلس، فنزلوا عليها وهم في ضيق؛ ثم رحلوا عنها إلى ميافارقين وآمد، وهادنوهم. ثم ساروا إلى أرمينية.
وزاد جور جيش وأسرف في الظلم، وكان به طرف جذام فاشتد به، وسقط شعر بدنه، ورشح جسمه واسود حتى انمحت سحنة وجهه وزاد وأروح سائر بدنه؛ فكان يصيح: ويحكم ! اقتلوني، أريحوني !! إلى أن هلك يوم الأحد لسبع خلون من ربيع الآخر. فكان مقامه بدمشق ستة عشر شهرا وستة عشر يوما. ووصل ابنه أبو عبد الله بتركته إلى القاهرة فخلع عليه الحاكم وحمله. ورفع زيدان إلى الحاكم درجاً بخط جيش وفيه وصية وثبت بما خلف مفصلاً مشروحا، وأن ذلك جميعه لأمير المؤمنين الحاكم بأمر الله لا يستحق أحد من أولاده منه درهما؛ وكان ذلك يبلغ نحو مائتي ألف دينار، ما بين عين ورحل ومتاع. وقد قال فيه جيش: لو زيدان يتسلم ذلك فإنه على بغال تحت القصر بظاهر والقاهرة. فأخذ الحاكم الدرج وأوصله لابني جيش، وخلع عليهما، وقال لهما بحضرة أولياء الدولة ووجوهها: قد وقفت على وصية أبيكما، رحمه الله، من عين ومتاع فيما وصى به، فخذوه هنيئاً مباركاً لكما فيه. فانصرفا بجميع التركة.
وأقطعت سيدة الملك على عبرة سنة تسع وثمانين الخراجية إقطاعا مبلغه مائة ألف دينار، منها ضياع في الصعيد وأسفل الأرض ثمانية وستون ألفا وأربعمائة وخمسون دينارا؛ منها بوتيج ستة آلاف وسبعمائة وخمسون دينارا، وصهرشت سبعة عشر ألف دينار، ودمنهور خمسة آلاف دينار؛ وباقي ذلك، وهو أحد وثلاثون ألف دينار وخمسمائة وخمسون ديناراً، من دور وبساتين ورسوم.
وأما المغرب فإن الأستاذ برجوان لما ولى تدبير الدولة ثقل عليه أبو الحسن يانس الصقلبي العزيزي، فإنه كان ينافسه في الرئاسة، فتحيل حتى أخرجه إلى برقة كما تقدم، فتوالت كتب تموصلت بن بكار يسأله أن يأتيه أحد ليسلمه مدينة أطرابلس، وتقدم إلى الحضرة. فقصد برجوان إبعاد يانس، فكتب إليه حتى سار إليها وقدم إليها للنصف من جمادى الأولى سنة سبعين، فسلمه تموصلت البلد ومضى إلى القاهرة وقد تأخر أكثر عسكره مع يانس، فاختلفوا مع أصحابه حتى اقتتلوا وخرجوا أقبح خروج إلى إفريقية، وشكوا ما نزل بهم إلى نصير الدولة أبي مناد باديس. فبعث القائد جعفر بن حبيب على عسكر، فقاتل يانس، فقتل في رابع ذي القعدة. وبادر فتوح بن علي بن عقيان من أصحاب يانس إلى أطرابلس، فدخلها، وانضم إليه بقية أصحابه وقاتل بها جعفر بن حبيب سنة إحدى وتسعين، واستمد الحاكم، فأمده بيحيى بن علي بن الأندلسي على عسكر، فاختلف عليه أصحابه وعاد أقبح عود إلى القاهرة. فأراد الحاكم قتله، فأظهر كتاب زيدان صاحب المظلة بخطه أن يدفع إليه المال من برقة، وأنه قبض ذلك من مال الحضرة، فلم يجد ببرقة مالاً ينفقه على العساكر؛ فقبل هذا العذر وقتل زيدان على ما فعل.
وكان مع يحيى بن علي عند خروجه من المغرب جماعة من بني قرة، فكسروا عسكره ورجعوا إلى موضعهم؛ فبعث الحاكم يستدعيهم إلى القاهرة، فخافوا وامتنعوا؛ فأعرض عنهم مدة ثم كتب إليهم أمانا، فبعثوا رهائن منهم؛ فأمرهم بالوصول إلى الإسكندرية ليقفوا على ما يأمرهم به، فحذر أكثرهم، وقدمت طائفة إلى الإسكندرية فقتلوا وحملت رؤوسهم إلى القاهرة، وقتل من كان بها من رهائنهم؛ فنفرت عنه بنو قرة، وكان منهم ما يأتي ذكره من قيامهم مع أبي ركوة.
وفي ثالث رجب خلع على أبي القاسم عبد العزيز بن محمد بن النعمان، ونزل إلى الجامع العتيق وبين يديه ثياب صحاح، وحمل على بغلتين مسرجتين ملجمتين؛ وقرئ له سجل بالنظر في المظالم وسماع البينة فيها.
وحمل رحل برجوان إلى القصر على ثمانين حمارا. وقرئ سجل بالقصر نصه بعد البسملة: معاشر من يسمع هذا النداء من الناس أجمعين: إن الله وله الكبرياء والعظمة أوجب اختصاص الأئمة بما لا يشركها فيه أحد من الأمة. فمن أقدم بعد قراءة هذا المنشور على مخاطبة أو مكاتبة لغير الحضرة المقدسة بسيدنا أو مولانا فقد أحل أمير المؤمنين دمه.
فليبلغ الشاهد الغائب إن شاء الله.
وأفطر في رمضان مع الحاكم جماعة رتبوا عن يمينه ويساره؛ وصلى فيه جمعتين بالناس، وركب لفتح الخليج.
ووصل تموصلت بن بكار الأسود، عبد ابن زيرى، وكان قد ولاه طرابلس المغرب، فجار على أهلها وأخذ منها مالا كثيرا وفر خوفا من مولاه؛ فسار من طرابلس المغرب، ومعه نيف وستون ولداً ما بين ذكر وأنثى، في عسكر كبير، بعد أن مر ببرقة، ودفع ليانس العزيزي متوليها ثلاثين ألف دينار لخاصة نفقته، وأنفق في عسكره ورجاله مالا كثيرا، وسلم إليه مخازن فيها العسل والسمن والقمح والشعير والزيت وغيره. فجلس له الحاكم وأجلسه، فكان من كلامه للحاكم: قد وصلت إلى حضرة مولانا بالأهل والمال والولد ومعي ما يكفيني ويكفي عقب عقبي؛ ولكن الرجال الذين معي رجال مولانا، وهو يحسن إليهم على ما يراه.
وأهدى إلى الحاكم مائة ألف دينار ومائة ألف درهم، ونيفا وخمسين حملا من البز والطرف، وثمانين فرسا منها أربعون بسرجها ولجمها؛ وأربعين بغلا؛ وخمسين بختيا بأكوارها؛ ومائتي جمل. فخلع عليه وعلى من حضر من أولاده، وسار إلى دار قد أعدت له فيها خمس وثلاثون حجرة، في كل حجرة آلاتها وفرشها؛ فبلغت النفقة على هذه الدار خمسة آلاف دينار.
وفي يوم عيد الفطر صلى الحاكم بالناس بالمصلى، وخطب على رسمه، وأصعد ابن النعمان وعدة من القواد معه المنبر، فجلس على الدرج.
ولخمس خلون من شوال أذن لابن عمار في الركوب إلى القصر، فركب ونزل حيث ينزل سائر الناس، وواصل الركوب إلى الرابع عشر منه، فأحضر عشية إلى القصر، فجلس إلى بعد العشاء الآخرة ثم أذن له في الانصراف؛ فلما انصرف ابتدره جماعة من الأتراك قد أوقفوا لقتله، فقتلوه واحتزوا رأسه ودفنوه هنالك، ثم نقل إلى تربته بالقرافة؛ فكانت مدة حياته بعد عزله ثلاث سنين وشهراً واحداً وثمانية عشر يوما.
وسارت قافلة الحاج لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة. وعزل خود عن الشرطة السفلى، وجمعت الشرطتان لمسعود الصقلبي، فنزل بالخلع والطبول والبنود إلى الجامع العتيق حتى قرئ سجله على المنبر.
وفي ثالث ذي الحجة أمر الناس بتعليق القنادل على سائر الحوانيت وأبواب الدور كلها، وفي جميع المحال والسكك الشارعة وغير الشارعة، ففعلوا.
وصلى الحاكم صلاة عيد النحر بالمصلى، وخطب، ونحر في القصر على رسمه، وجلس على السماط. وكان الناس بين عبد العزيز بن النعمان وبين قاضي القضاة الحسين بن النعمان في شرور وبلاء؛ وذلك أن عبد العزيز قبل شهادة جماعة اختارهم؛ فكان من حاكم خصمه إلى الحسين اختار خصمه بالمرافعة إلى عبد العزيز وبالعكس. وكان عبد العزيز إذا جلس للنظر في المظالم حضر شهوده عنده وسمع شهادتهم وأشهدهم فيما يقول ويمضى؛ ولا يحضر أحد منهم عند الحسين ولا يقرب داره، ويقيد الشهود القدماء يشهدون عنده، غير أنهم لا يحضرون مجلس عبد العزيز مواصلين لذلك ولا يركبون معه.
وفيها عقد ليانس الصقلبي على ولاية أطرابلس الغرب بعد موت المنصور من بلكين، فوصل إليها في ألف وخمسمائة فارس وملكها. فبعث باديس بن جعفر بن حبيب على عسكر فلقيه على زنزوير، واقتتلا يومين، فانهزم عسكر يانس وقتل.

This site was last updated 11/03/11