Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة530 وسنة532
سنة532 وسنة533
سنة534 وسنة535
سنة536 وسنة537
سنة538 وسنة539
سنة540 وسنة541
سنة542 وسنة543
سنة544
سنة545 وسنة546
سنة547
سنة548
سنة549 وسنة550 وسنة551
سنة552
سنة553 وسنة554
سنة555

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة
ذكر الزلازل بالشام

في هذه السنة، في رجب، كان بالشام زلازل كثيرة قوية خربت كثيراً من البلاد، وهلك فيها ما لا يحصى كثرة، فخرب منها بالمرة حماة وشيزر وكفر طاب والمعرة وأفاميا وحمص وحصن الأكراد وعرقة واللاذقية وطرابلس وأنطاكية.
وأما ما لم يكثر فيه الخراب ولكن خرب أكثره فجميع الشام، وتهدمت أسوار البلاد والقلاع، فقال نور الدين محمود في ذلك المقام المرضي، وخاف على بلاد الإسلام من الفرنج حيث خربت الأسوار، فجمع عساكره وأقام بأطراف بلاده يغير على بلاد الفرنج ويعمل في الأسوار في سائر البلاد، فلم يزل كذلك حتى فرغ من جميع أسوار البلاد.
وأما كثرة القتلى، فيكفي فيه أن معلماً كان بالمدينة، وهي مدينة حماة، ذكر أنه فارق المكتب لمهم عرض له فجاءت الزلزلة فخربت البلد، وسقط المكتب على الصبيان جميعهم. قال المعلم: فلم يأت أحد يسأل عن صبي كان له.
ذكر ملك نور الدين حصن شيزر
نبتدىء بذكر هذا الحصن، ولمن كان قبل أن يملكه نور الدين محمود بن زنكي، فنقول: هذا الحصن قريب من حماة، بينهما نصف نهار، وهو على جبل عال نميع لا يسلك إليه إلا من طريق واحدة. وكان لآل منقذ الكنانيين يتوارثونه من أيام صالح بن مرداس إلى أن انتهى الأمر إلى أبي المرهف بنصر بن علي بن المقلد بعد أبيه أبي الحسن علي، فبقي بيده إلى أن مات سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وكان شجاعاَ كريماً؛ فلما حضره الموت استخلف أخاه أبا سلامة مرشد بن علي، فقال: والله لا وليته ولأخرجن من الدنيا كما دخلتها.
وكان عالماً بالقرآن والأدب، وهو والد مؤيد الدولة أسامة بن منقذ، فولاها أخاه الأصغر سلطان بن علي، واصطحبا أجمل صحبة مدة من الزمان، فأولد مرشد عدة أولاد ذكور، وكبروا وسادوا، منهم: عز الدولة أبو الحسن علي، ومؤيد الدولة أسامة وغيرهما؛ ولم يولد لأخيه سلطان ولد ذكر إلى أن كبر فجاءه أولاد ذكور، فحسد أخاه على ذلك، وخاف أولاد أخيه على أولاده، وسعى بينهم المفسدون فغيروا كل اً منهما على أخيه، فكتب سلطان إلى أخيه مرشد شعر يعاتبه على أشياء بلغته عنه، فأجابه بشعر في معناه رأيت إثبات ما تمس الحاجة إليه منه، وهي هذه الأبيات:
ظلوم أبت في الظلم إلا تماديا ... وفي الصد والهجان إلا تناهيا
شكت هجرنا والذنب في ذاك ذنبها ... فيا عجباً من ظالم جاء شاكيا
وطاوعت الواشين في وطالما ... عصيت عذولاً في هواها وواشيا (5/64)
ومال بها تيه الجمال إلى القلى ... وهيهات أن أمسي لها الدهر قاليا
ولا ناسياً ما أودعت من عهودها ... وإن هي أبدت جفوة وتناسيا
ولما أتاني من قريضك جوهر ... جمعت المعالي فيه والمعانيا
وكنت هجرت الشعر حيناً لأنه ... تولى برغمي حين ولى شبابيا
وأين من الستين لفظ مفوق ... إذا رمت منه أدنى القول عصانيا
وقلت: أخي يرعى بني وأسرتي ... ويحفظ عهدي فيهم وذماميا
ويجزيهم ما لم أكلفه فعله ... لنفسي فقد أعددته من تراثيا
فما لك لما أن حنى الدهر صعدتي ... وثلم مني صارماً كان ماضيا
تنكرت حتى صار برك قسوة ... وقربك منهم جفوة وتنابيا
وأصبحت صفر الكف مما رجوته ... أرى اليأس قد عفى سبيل رجائيا
على أنني ما حلت عما عهدته ... ولا غيرت هذي السنون وداديا
فلا غرو عند الحادثات، فإنني ... أراك يميني والأنام شماليا
تحل بها عذراء لو قرنت بها ... نجوم السماء لم تعد دراريا
تحلت بدر من صفاتك زانها ... كما زان منظوم اللآلي الغوانيا
وعش بانياً للمجد ما كان واهياً ... مشيداً من الإحسان ما كان هاويا
وكان الأمر بينهما فيه تماسك، فلما توفي مرشد سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة قاب أخوه لأولاده ظهر المجن، وبادأهم بما يسوءهم، وأخرجهم من شيزر، فتفرقوا، وقصد أكثرهم نور الدين وشكوا إليه ما لقوا من عمهم، فغاظه ذلك، ولم يمكنه قصده والأخذ بثأرهم وإعادتهم إلى وطنهم لاشتغاله بجهاد الفرنج، ولخوفه أن يسلم شيزر إلى الفرنج.
ثم توفي سلطان وبقي بعده أولاده، فبلغ نور الدين عنهم مراسلة الفرنج، فاشتد حنقه عليهم، وانتظر فرصة تمكنه، فلما خربت القلعة في هذه السنة بما ذكرناه من الزلزلة لم ينج من بني منقذ الذين بها أحد.
وسبب هلاكهم أجمعين أن صاحبها منهم كان قد ختن ولداً له، وعمل دعوة للناس، وأحضر جميع بني منقذ عنده في داره، وكان له فرس يحبه، ويكاد لا يفارقه، وإذا كان في مجلس أقيم الفرس على بابهن وكان المهر في ذلك اليوم على باب الدار فجاءت الزلزلة، فقام الناس ليخرجوا من الدار، فلما وصلوا مجفلين إلى الباب ليخرجوا من الدار رمح الفرس رجلاً كان أولهم فقتله، وامتنع الناس من الخروج، فسقطت الدار عليهم كلهم، وخربت القلعة وسقط سورها وكل بناء فيها، ولم ينج منها إلا الشريد، فبادر إليها بعض أمرائه، وكان بالقرب منها فملكها وتسلمها نور الدين منه، فملكها وعمر أسوارها ودورها، وأعادها جديدة.
ذكر وفاة الدبيسي صاحب جزيرة ابن عمر واستيلاء قطب الدين مودود على الجزيرة
كانت الجزيرة لأتابك زنكي، فلما قتل سنة إحدى وأربعين أقطعها أبنه سيف الدين غازي للأمير أبي بكر الدبيسي، وكان من أكابر أمراء والدهن فبقيت بيده إلى الآن، وتمكن منها وصار بحيث يتعذر على قطب الدين أخذها منه، فمات في ذي الحجة سنة إحدى وخمسين، ولم يخلف ولداً، فاستولى عليها مملوك له اسمه غلبك، وأطاعه جندها، فحصرهم مودود ثلاثة أشهر ثم تسلمها من غلبك في صفر من سنة ثلاث وخمسين، وأعطاه عوضها إقطاعاً كثيراً.
ذكر وفاة السلطان سنجر
في هذه السنة في ربيع الأول توفي السلطان سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان، أبو الحرث، أصابه قولنج، ثم بعده إسهال، فمات منه، ومولده سنجار، من ديار الجزيرة، في رجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وسكن خراسان، واستوطن مدينة مرو، ودخل بغداد مع أخيه السلطان محمد، واجتمع معه بالخليفة المستظهر بالله، فعهد إلى محمد بالسلطنة وجعل سنجر ولي عهد.
فلما مات محمد خوطب سنجر بالسلطان، واستقام أمره، وأطاعه السلاطين، وخطب له على أكثر منابرالإسلام بالسلطنة نحو أربعين سنة، وكان قبلها يخاطب بالملك عشرين سنةئئن ولم يزل أمره عالياً وجده متراقياً إلى أن أسره الغز على ما ذكرناه، ثم إنه خلص بعد مدة وجمع إليه أطرافه بمرو، وكاد يعود إليه ملكه، فأدركه أجله، وكان مهيباً رفيقاً بالرعية، وكانت البلاد في زمانه آمنة. (5/65)
ولما مات دفن في قبة بناها لنفسه سماها دار الآخرة؛ ولما وصل خبر موته إلى بغداد قطعت خطبته، ولم يجلس له في الديوان للعزاء .
ولما حضر السلطان سنجر الموت استخلف على خراسان الملك محمود بن محمد بن بغراجان وهو ابن أخت السلطان سنجر، فأقام بها خائفاً من الغز، فقصد جرجان يستظهر بها، وعاد الغز إلى مرو وخراسان، واجتمع طائفة من عساكر خراسان على أي أبه المؤيد، فاستولى على طرف من خراسان، وبقيت خراسان على هذا الاختلال إلى سنة أربع وخمسين.
وأرسل الغز إلى الملك محمود بن محمد وسألوه أن يحضر عندهم ليملكوه عليهم، فلم يثق بهم، وخافهم على نفسه؛ فأرسل أبنه إليهم فأطاعوه مديدة ثم لحق بهم الملك محمود على ما نذكره سنة ثلاث وخمسين.
ذكر ملك المسلمين مدينة المرية
وانقراض دولة الملثمين بالأندلس

في هذه السنة انقرضت دولة الملثمين بالأندلس، وملك أصحاب عبد المؤمن المرية من الفرنج.
وسبب ذلك أن عبد المؤمن لما استعمل ابنه أبا سعيد علي على الجزيرة الخضراء ومالقة عبر أبو سعيد البحر إلى مالقة، واتخذها داراً، وكاتبه ميمون بن بدر اللمتوني، صاحب غرناطة، أن يوحد ويسلم إليه غرناطة، فقبل أبو سعيد ذلك منه وتسلم غرناطة، فسار ميمون إلى مالقة بأهله وولده، فتلقاه أبو سعيد، وأكرمه، ووجهه إلى مراكش، فأقبل عليه عبد المؤمن وانقرضت دولة الملثمين ولم يبق لهم إلا جزيرة ميورقة مع حمو بن غانية.
فلما ملك أبو سعيد غرناطة جمع الجيوش وسار إلى مدينة المرية، وهي بأيدي الفرنج، أخذوها من المسلمين سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، فلما نازلها وافاه الأسطول من سبتة وفيه خلق كثير من المسلمين، فحصروا المرية براً وبحراً، وجاء الفرنج إلى حصنها، فحصرهم فيها ونزل عسكره على الجبل المشرف عليها، وبنى أبو سعيد سوراً على الجبل المذكور إلى البحر، وعمل عليه خندقاً، فصارت المدينة والحصن الذي فيه الفرنج محصورين بهذا السور والخندق، ولا يمكن من ينجدهما أن يصل إليهما، فجمع الأذفونش ملك الفرنج بالأندلس، والمعروف بالسليطين، وفي اثني عشر ألف فارس من الفرنج، ومعه محمد بن سعد بن مردنيش في ستة آلاف فارس من المسلمين، وراموا الوصول إلى مدينة المرية ودفع المسلمين عنها، فلم يطيقوا ذلك، فرجع السليطين وابن مردنيش خائبين، فمات السليطين في عوده فبل أن يصل إلى طليطلة.
وتمادى الحصار على المرية ثلاثة أشهر، فضاقت الميرة، وقلت الأقوات على الفرنج، فطلبوا الأمان ليسلموا الحصن، فأجابهم أبو سعيد إليه وأمنهم، وتسلم الحصن، ورحل الفرنج في البحر عائدين إلى بلادهم فكان ملكهم المرية عشر سنين.
ذكر غزو صاحب طبرستان الإسماعيلية
في هذه السنة جمع شاه مازندران رستم بن علي بن شهريار عسكره، وسار ولم يعلم أحد جهة مقصده، وسلك المضايق، وجد السير إلى بلد الموت، وهي للإسماعيلية، فأغار عليها وأحرق القرى والسواد، وقتل فأكثر، وغنم أموالهم، وسبى نسائهم، واسترق أبنائهم فباعهم في السوق وعاد سالماً غانماً، وانخذل الإسماعيلية، ودخل عليهم من الوهن ما لم يصابوا بمثله، وخرب من بلادهم ما لا يعمر في السنين الكثيرة.
ذكر أخذ حجاج خراسان
في هذه السنة، في ربيع الأول، سار حجاج خراسان، فلما رحلوا عن بسطام أغار عليهم جمع من الجند الخراسانية قد قصدوا طبرستان، فأخذوا من أمتعتهم، وقتلوا نفراً منهم، وسلم الباقون وساروا من موضعهم.
فبينما هم سائرون إذ طلع عليهم الإسماعيلية، فقاتلهم الحجاج قتالاً عظيماً، وصبروا صبراً عظيماً، فقتل أميرهم، فانخذلوا، وألقوا بأيديهم، واستسلموا وطلبوا الأمان، وألقوا أسلحتهم مستأمنين، فأخذهم الإسماعيلية وقتلوهم، ولم يبقوا منهم إلا شرذمة يسيرة؛ وقتل فيهم من الأئمة والعلماء والزهاد والصلحاء جمع كثير، وكانت مصيبة عظيمة عمت بلاد الإسلام، وخصت خراسان، ولم يبق بلد إلا وفيه المأتم.
فلما كان الغد طاف شيخ في القتلى والجرحى ينادي: يا مسلمون، يا حجاج، ذهب الملاحدة، وأنا رجل مسلم، فمن أراد الماء سقيته؛ فمن كلمه قتله وأجهز عليه، فهلكوا جميعهم إلا من سلم وولى هارباً؛ وقليل ما هم.
ذكر الحرب بين المؤيد والأمير إيثاق (5/66)
قد ذكرنا تقدم الأمير المؤيد أي أبه مملوك السلطان سنجر، وتقدمه على عسكر خراسان، فحسده جماعة من الأمراء السنجرية، وانحرف عنه، وكان تارة يقصد خوارزمشاه، وتارة شاه مازندران، وتارة يظهر الموافقة للمؤيد، ويبطن المخالفة.
فلما كان الآن فارق مازندران ومعه عشرة آلاف فارس، وقد اجتمع معه كل من يريد الغارة على البلاد، وكل منحرف عن المؤيد، وقصد خراسان، وأقام بنواحي نسا وأبيورد، لا يظهر المخالفة للمؤيد بل يراسله بالموافقة والمعاضدة له، ويبطن ضدها.
وانتقل المؤيد من المكاتبة إلى المكافحة، وسار إليه جريدة، فأغار عليه وأوقع به، فتفرق عنه جموعه ونجا بحشاشة نفسه، وغنم المؤيد وعسكره كل ما لا يثاق، ومضى منهزماً إلى مازندران؛ وكان ملكها رستم بينه وبين أخ له اسمه علي تنازع على الملك، وقد قوي رستم، فلما وصل إلى مازندران قتل علياً وحمل رأسه إلى أخيه رستم، فعظم ذلك على رستم، واشتد واستشاط غضباً، وقال: أكل لحمي ولا أطعمه غيري.
ولم يزل إيثاق يتردد في خراسان بالنهب والغارة، لا سيما مدينة اسفرايين فإنه أكثر من قصدها حتى خربت، فراسله السلطان محمود بن محمد والمؤيد يدعوانه إلى الموافقة، فامتنع، فسارا إليه في العساكر، فلما قارباه أتاهما كثير من عسكره، فمضى من بين أيديهما إلى طبرستان في صفر سنة ثلاث وخمسين فتبعاه في عساكرهما، فأرسل شاه مازندران يطلب الصلح، فأجاباه واصطلحوا، وحمل شاه مازندران أموالاً جليلة وهدايا نفيسة، وسير إيثاق ابنه رهينة فعادا عنه.
ذكر الحرب بين المؤيد وسنقر العزيري
كان سنقر العزيري من أمراء السلطان سنجر، وممن يناوىء أيضاً المؤيد أي أبه، فلما اشتغل المؤيد بحرب إيثاق سار ستقر من عسكر السلطان محمود بن محمد إلى هراة ودخلها وبها جماعة من الأتراك وتحصن بها، فأشير عليه بأن يعتضد بالملك الحسين ملك الغورية، فلم يفعل، واستبد بنفسه منفرداً لأنه رأى اختلاف الأمراء على السلطان محمود بن محمد، فطمع وحدث نفسه بالقوة، فقصده المؤيد إلى هراة، فلما وصل إليها قاتل من بها شيئاً من قتال، ثم عن الأتراك مالوا إلى المؤيد وأطاعوه، وانقطع خبر سنقر العزيري من ذلك الوقت، ولم يعلم ما كان منه، فقيل: إنه سقط من فرسه فمات، وقيل: بل اغتاله الأتراك فقتلوه.
وتقدم السلطان محمود إلى ولاية هراة في عساكره وجنوده، والتحق جماعة من عسكر سنقر بالأمير إيثاق، وأغاروا على طوس وقراها، فبطلت الزروع والحرث، واستولى الخراب على البلاد وعمت الفتن أطراف خراسان، وأصابتهم العين، فإنهم كانوا أيام السلطان سنجر في أرغد عيش وأمنه، وهذا دأب الدنيا لا يصفوا نعيمها وخيرها من كدر وشوائب وآفات، وقلما يخلص شرها من خير، نسأل الله أن يحسن لنا العقبى بمحمد وآله.
ذكر ملك نور الدين بعلبك
في هذه السنة ملك نور الدين محمد بعلبك وقلعتها، وكانت بيد إنسان يقال له ضحاك البقاعي، منسوب إلى بقاع بعلبك، وكان قد ولاه إياها صاحب دمشق؛ فلما ملك نور الدين دمشق امتنع ضحاك بها، فلم يمكن نور الدين محاصرته لقربه من الفرنج، فتلطف الحال معه إلى الآن، فملكها واستولى عليها.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة قلع الخليفة المقتفي لأمر الله باب الكعبة، وعمل عوضه باباً مصفحاً بالنقرة المذهبة، وعمل لنفسه من الباب الأول تابوتاً يدفن فيه إذا مات.
وفيها توفي محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن ثابت أبو بكر الخجندي، رئيس أصحاب الشافعي بأصفهان، وسمع الحديث بها من أبي علي الحداد، وكان صدراً مقدماً عند السلاطين، وكان ذا حشمة عظيمة وجاه عريض، ووقعت لموته فتنة عظيمة بأصفهان وقتل فيها خلق كثير.
وفيها كان بخراسان غلاء شديد أكلت فيه سائر الدواب، حتى الناس، وكان بنيسابور طباخ، فذبح إنساناً علوياً وطبخه، وباعه في الطبيخ، ثم ظهر عليه انه فعل ذلك، فقتل؛ وأسفر الغلاء، وصلحت أحوال الناس.
وفيها توفي القاضي أبو العباس أحمد بن بختيار بن علي المانداي الواسطي قاضيها، وكان فقيهاً عالماً.
وفيها، في ربيع الآخر، توفي القاضي برهان الدين أبو القاسم منصور ابن أبي سعد محمد بن أبي نصر أحمد الصاعدي قاضي نيسابور، وكان من أئمة الفقهاء الحنفية.

This site was last updated 07/27/11