Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ثلاثين وخمسمائة وسنة إحدى وثلاثين وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة530 وسنة532
سنة532 وسنة533
سنة534 وسنة535
سنة536 وسنة537
سنة538 وسنة539
سنة540 وسنة541
سنة542 وسنة543
سنة544
سنة545 وسنة546
سنة547
سنة548
سنة549 وسنة550 وسنة551
سنة552
سنة553 وسنة554
سنة555

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ثلاثين وخمسمائة

ذكر خلافة المقتفي لأمر الله
لما قطعت خطبة الراشد بالله استشار السلطان جماعة من أعيان بغداد منهم الوزير علي بن طراد، وصاحب المخزن، وغيرهما، فيمن يصلح أن يلي الخلافة. فقال الوزير: أحد عمومة الراشد، وهو رجل صالح. قال. من هو ؟ قال: لا أقدر أن أفصح باسمه لئلا يقتل، فتقدم إليهم بعمل محضر في خلع الراشد، فعملوا محضراً ذكروا فيه ما ارتكبه من أخذ الأموال وأشياء تقدح في الإمامة ثم كتبوا فتوى: ما يقول العلماء فيمن هذه صفته، هل يصلح للإمامة أم لا؟ فأفتوا أن من هذه صفته لا يصلح أن يكون إماماً. فلما فرغوا من ذلك أحضروا القاضي أبا طاهر بن الكرخي، فشهدوا عنده بذلك، فحكم بفسقه وخلعه، وحكم بعده غيره، ولم يكن قاضي القضاة حاضراً ليحكم فإنه كان عند أتابك زنكي بالموصل.
ثم إن شرف الدين الوزير ذكر للسلطان أبا عبد الله الحسين، وقيل محمد ابن المستظهر بالله، ودينه، وعقله، وعفته، ولين جانبه، فحضر السلطان دار الخلافة ومعه الوزير شرف الدين الزينبي، وصاحب المخزن ابن البقشلاني وغيرهما، وأمر بإحضار الأمير أبي عبد الله بن المستظهر من المكان الذي يسكن فيه، فأحضر وأجلس في المثمنة، ودخل السلطان إليه والوزير شرف الدين وتحالفا، وقرر الوزير القواعد بينهما، وخرج السلطان من عنده وحضر الأمراء وأرباب المناصب والقضاة والفقهاء وبايعوا ثامن عشر ذي الحجة ولقب المقتفي لأمر الله.
قيل سبب اللقب أنه رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، قبل أن يلي الخلافة بستة أيام، وهو يقول له: إن هذا الأمر يصير إليك، فاقتف بي؛ فلقب بذلك. ولما استخلف سيرت الكتب الحكيمة بخلافته إلى سائر الأمصار واستوزر شرف الدين علي بن طراد الزينبي فأرسل إلى الموصل، وأحضر قاضي القضاة أبا القاسم علي بن الحسين الزينبي عم الوزير، وأعاده إلى منصبه، وقرر كمال الدين حمزة بن طلحة على منصبه صاحب المخزن، وجرت الأمور على أحسن نظام.(5/7)
وبلغني أن السلطان مسعوداً أرسل إلى الخليفة المقتفي لأمر الله في تقرير إقطاع يكون لخاصته، فكان جوابه: إن في الدار ثمانين بغلاً تنقل الماء من دجلة، فلينظر السلطان ما يحتاج إليه من يشرب هذا الماء ويقوم به؛ فتقررت القاعدة على أن يجعل له ما كان للمستظهر بالله، فأجاب إلى ذلك.
وقال السلطان لما بلغه قوله: لقد جعلنا في الخلافة رجلاً عظيماً نسأل.
والمقتفي عم الراشد هو والمسترشد ابنا المستظهر، وليا الخلافة، وكذلك السفاح والمنصور أخوان، وكذلك المهدي والرشيد أخوان، وكذلك الواثق والمتوكل أخوان، وأما ثلاثة أخوة ولوا الخلافة فلأمين والمأمون والمعتصم أولاد الرشيد، والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد، والراضي والمتقي والمطيع بنو المقتدر، وأما أربعة إخوة ولوها فالوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبد الملك بن مروان لا يعرف غيرهم.
وحين استقرت الخلافة للمقتفي أرسل إليه الراشد بالله رسولاً من الموصل مع أتابك زنكي، فأما رسول الراشد فلم تسمع رسالته، وأما أتابك زنكي فكان كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري، فأحضر في الديوان وسمعت رسالته، وحكى لي والدي عنه قال: لما حضرت الديوان قيل لي: تبايع أمير المؤمنين ؟ فقلت: أمير المؤمنين عندنا في الموصل وله في أعناق الخلق بيعة متقدمة. وطال الكلام وعدت إلى منزلي.
فلما كان الليل جاءتني امرأة عجوز سراً، واجتمعت بي وأبلغتني رسالة عن المقتفي لأمر الله مضمونها عتابي على ما قلته واستنزالي عنه. فقلت: غداً أخدم خدمة يظهر أثرها.
فلما كان الغد أحضرت الديوان وقيل لي في معنى البيعة، فقلت: أنا رجل فقيه قاض، ولا يجوز لي أن أبايع إلا بعد أن يثبت عندي خلع المتقدم. فأحضروا الشهود وشهدوا عندي في الديوان بما أوجب خلعه، فقلت: هذا ثابت لا كلام فيه، ولكن لا بد لنا في هذه الدعوة من نصيب، لأن أمير المؤمنين قد حصل له خلافة الله في أرضه، والسلطان، فقد استراح ممن كان يقصده، ونحن بأي شيء نعود ؟ فرفع الأمر إلى الخليفة، فأمر أن يعطى أتابك زنكي صريفين ودرب هرون وحربي ملكاً، وهي من خاص الخليفة ويزاد في ألقابه، وقال: هذه قاعدة لم يسمح بها لأحد من زعماء الأطراف أن يكون لهم نصيب في خاص الخليفة.
فبايعت وعدت مقضي الحوائج قد حصل لي جملة صالحة من المال والتحف. وكانت بيعة وخطب للمقتفي في الموصل في رجب سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، ولما عاد كمال الدين بن الشهرزوري سير على يده المحضر الذي عمل بخلع الراشد، فحكم به قاضي القضاة الزينبي بالموصل، وكان عند أتابك زنكي.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة عزل السلطان مسعود وزيره شرف الدين أنو شروان بن خالد وعاد إلى بغداد، وأقام بداره معزولاً، ووزر بعده كمال الدين أبو البركات ابن سلمة الدركزيني وهو من خراسان.
وفيها ثار العيارون ببغداد عند اجتماع العساكر بها، وقتلوا في البلد ونهبوا الأموال ظاهراً وكثر الشر، فقصد الشحنة شارع دار الرقيق، وطلب العيارين، فثار عليه أهل المحال الغربية فقاتلهم، وأحرق الشارع، فاحترق فيه خلق كثير، ونقل الناس أموالهم إلى الحريم الطاهري، فدخله الشحنة، ونهب منه مالاً كثيراً.
ثم وقعت فتنة ببغداد بين أهل باب الأزج وبين أهل المأمونية، وقتل بينهم جماعة ثم اصطلحوا.
وفيها ثار قراسنقر في عساكر كثيرة في طلب الملك داود ابن السلطان محمود، فأقام السلطان مسعود ببغداد، ولم يزل قراسنقر يطلب داود حتى أدركه عند مراغة، فالتقيا وتصافا واقتتل العسكران قتالاً عظيماً، فانهزم داود وأقام قراسنقر بأذربيجان، وأما داود فإنه قصد خوزستان فاجتمع عليه هناك عساكر كثيرة من التركمان وغيرهم وبلغت عدتهم نحو عشرة آلاف فارس، فقصد تستر وحاصرها، وكان عمه الملك سلجوقشاه ابن السلطان محمد بواسط، فأرسل إلى أخيه السلطان مسعود يستنجده، فأمده بالعساكر، فسار إلى داود وهو يحاصر تستر، فتصافا، فانهزم سلجوقشاه.
وفيها توفي محمد بن حموية أبو عبد الله الجويني، وهو من مشايخ الصوفية المشهورين، وله كرامات كثيرة ورواية الحديث.
وتوفي أيضاً محمد بن عبد الله بن أحمد بن حبيب العامري الصوفي مصنف شرح الشهاب وأنشد لما حضره الموت:
ها قد مددت يدي إليك فردها ... بالفضل لا بشماتة الأعداء(5/8)
وتوفي أيضاً أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي الصاعدي راوي صحيح مسلم عن عبد الغافر الفارسي، وطريقه اليوم أعلى الطرق، وإليه المرحلة من الشرق والغرب، وكان فقيهاً مناظراً ظريفاً يخدم الغرباء بنفسه، وكان يقال: الفراوي ألف راو، رحمه الله ورضي عنه.


ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة
ذكر تفرق العساكر عن السلطان مسعود

في هذه السنة، في المحرم، أذن السلطان مسعود للعساكر التي عنده ببغداد بالعود إلى بلادهم، لما بلغه أن الراشد بالله قد فارق أتابك زنكي من الموصل، فإنه كان يتمسك بالعساكر عنده خوفاً أن ينحدر به إلى العراق فيملكه عليه، فلما أراد أن يأذن للأمير صدقة بن دبيس،صاحب الحلة، زوجه أبنته تمسكاً به.
وقدم على السلطان مسعود جماعة من الأمراء اللذين حاربوه مع الملك داود منهم البقش السلاحي وبرسق ابن برسق صاحب تستر، وسنقر الخمارتكين شحنة همذان،فرضي عنهم، وأمنهم، وولي البقش شحنكية بغداد،فعسف الناس وظلمهم.
وكان السلطان مسعود بعد تفرق العساكر عنه قد بقي معه ألف فارس. وتزوج الخليفة فاطمة خاتون أخت السلطان مسعود في رجب، والصداق مائة ألف دينار، وكان الوكيل في قبول النكاح وزير الخليفة علي بن طراد الزينبي، والوكيل عن السلطان وزيره الكمال الدركزيني ووثق السلطان حيث صار الخليفة وصدقة بن دبيس بن صدقة صهريه، وحيث سار الراشد بالله من عند زنكي الأتابك، و الله أعلم.
ذكر عزل بهرام عن وزارة الحافظ ووزارة رضوان
في هذه السنة في جمادى الأولى، هرب تاج الدولة بهرام وزير الحافظ لدين الله العلوي صاحب مصر، وكان قد استوزره بعد قتل أبنه حسن سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وكان نصرانياً أرمنياً فتمكن في البلاد واستعمل الأرمن وعزل المسلمين، وأساء السرة فيهم وأهانهم هو والأرمن الذين ولاهم وطمعوا فيهم، فلم يكن في أهل مصر من أنف ذلك إلا رضوان بن الريحيني،فإنه لما ساءه ذلك وأقلقه جمع جمعاً كثيراً وقصد القاهرة، فسمع به بهرام،فهرب إلى الصعيد من غير حرب ولا قتال، وقصد مدينة أسوان فمنعه واليها من الدخول إليها وقاتله فقتل السودان من الأرمن كثيراً، فلما لم يقدر على الدخول إلى أسوان أرسل إلى الحافظ يطلب الأمان، فأمنه، فعاد إلى القاهرة، فسجن بالقصر، فبقي مدة، ثم ترهب وخرج من الحبس.
وأما رضوان فإنه وزر للحافظ ولقب بالملك الأفضل، وهو أول وزير للمصريين لقب بالملك، ثم فسد ما بينه وبين الحافظ فعمل الحافظ في إخراجه، فثار الناس عليه منتصف شوال سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وهرب من داره وتركها بما فيها، فنهب الناس منها ما لا يحد ولا يحصى، وركب الحافظ فسكن الناس، ونقل ما بقي في دار رضوان إلى قصره.
وأما رضوان فإنه سار يريد الشام يستنجد الأتراك ويستنصرهم، فأرسل إليه الحافظ الأمير ابن مصال ليرده بالعهد والأمان أنه لا يؤذيه، فرجع إلى القاهرة، فحبسه الحافظ عنده في القصر، وقيل إنه توجه إلى الشام، وهو الصحيح، وقصد صرخد فوصل إليها في ذي القعدة ونزل على صاحبها أمين الدولة كمشتكين، فأكرمه وعظمه، وأقام عنده.
ثم عاد إلى مصر سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، ومعه عسكر، فقاتل المصريين عند باب النصر وهزمهم، وقتل منهم جماعة كثيرة، وأقام ثلاثة أيام، فتفرق عنه كثير ممن معه، فعزم على العود إلى الشام، فأرسل إليه الحافظ الأمير ابن مصال،فرده وحبسه عنده في القصر، وجمع بينه وبين عياله، فأقام في القصر إلى سنة ثلاث وأربعين، فنقب الحبس وخرج منه،وقد أعدت له خيل، فهرب عليها، وعبر النيل إلى الجيزة فحشد وجمع المغاربة وغيرهم، وعاد إلى القاهرة، فقاتل المصريين عند جامع ابن طولون وهزمهم، ودخل إلى القاهرة فنزل عند جامع الأقمر، فأرسل إليه الحافظ عشرين ألف دينار، فقسمها، وكثر عليه الناس، وطلب زيادة، فأرسل إليه عشرين ألف دينار أخرى، ففرقها، فتفرق الناس عنه وخفوا عنده، فإذا الصوت قد وقع، وخرج إليه جمع كثير من السودان وضعهم الحافظ عليه، فحملوا على غلمانه فقاتلوهم، فقام يركب، فقدم إليه بعض أصحابه فرساً ليركبه، فلما أراد ركوبه ضرب الرجل رأسه بالسيف فقتله، وحمل رأسه إلى الحافظ، فأرسله إلى زوجته، فوضع في حجرها، فألقته وقالت: هكذا يكون الرجال، ولم يستوزر الحافظ بعده أحداً، وباشر الأمور بنفسه إلى أن مات.
(5/9)
ذكر فتح المسلمين حصن وادي ابن الأحمر من الفرنج
وفي هذه السنة، فيرجب، سار عسكر دمشق مع مقدمهم الأمير بزاوش إلى طرابلس الشام، فاجتمع معه من الغزاة المتطوعة والتركمان أيضاً خلق كثير، فلما سمع القمص صاحبها بقربهم من ولايته سار إليهم في جموعه وحشوده، فقاتلهم وانهزم الفرنج وعادوا إلى طرابلس على صورة سيئة قد قتل كثير من فرسانهم وشجعانهم فنهب المسلمون من أعمالهم الكثير وحصروا حصن وادي ابن الأحمر فملكوه عنوة ونهبوا ما فيه، وقتلوا المقاتلة، وسبوا الحريم والذرية، وأسروا الرجال فاشتروا أنفسهم بمال جليل، وعادوا إلى دمشق سالمين، والله أعلم.
ذكر حصار زنكي مدينة حمص
في هذه السنة، في شعبان، سار أتابك زنكي إلى مدينة حمص وقدم إليها صلاح الدين محمد الياغيسياني، وهو أكبر أمير معه، وكان ذا مكر وحيل، أ رسله ليتوصل مع من فيها ليسلموها إليه فوصل إليها وفيها معين الدين أنز، وهو الوالي عليها والحاكم فيها، وهو أيضاً أكبر أمير بدمشق وحمص أقطاعة كما سبق ذكره، فلم ينفذ فيه مكره، فوصل حينئذ زنكي إليها وحصرها وعاود مراسلة أنز في التسليم غير مرة، تارة بالوعد وتارة بالوعيد، واحتج بأنها ملك صاحبه شهاب الدين وأنها أمانة ولا يسلمها إلا عن غلبة فأقام عليها إلى العشرين من شوال ورحل عنها من غير بلوغ غرض إلى بعرين فحصرها، وكان منه ومن الفرنج ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر ملك زنكي قلعة بعرين وهزيمة الفرنج
وفي هذه السنة من شوال، سار أتابك زنكي من الموصل إلى الشام وحصر قلعة بعرين، وهي تقارب مدينة حماة، وهي من أمنع معاقل الفرنج وأحصنها، فلما نزل عليها قاتلها، وزحف إليها، فجمع الفرنج فارسهم وراجلهم، وساروا في قضهم وقضيضهم، وملوكهم وقمامصتهم وكنودهم، إلى أتابك ليرحلوه عن بعرين، فلم يرحل وصبر لهم إلى أن وصلوا إليه، فلقيهم وقاتلهم أشد قتال رآه الناس، وصبر الفريقان ثم أجلت الوقعة عن هزيمة الفرنج، وأخذتهم سيوف المسلمين من كل جانب، واحتمى ملوكهم وفرسانهم بحصن بعرين لقربه منهم، فحصرهم زنكي فيه ومنع عنهم كل شيء حتى الأخبار فكان من به منهم لا يعلم شيئاً من أخبار بلادهم لشدة ضبط الطرق وهيبته على جنده.
ثم إن القسوس والرهبان دخلوا بلاد الروم وبلاد الفرنج وما والاها مستنفرين على المسلمين، وأعلموهم أن زنكي أخذ قلعة بعرين ومن فيها من الفرنج ملك جميع بلادهم فبأسرع وقت، وأن المسلمين ليس لهم همة إلا قصد البيت المقدس، فحينئذ اجتمعت النصرانية وساروا على الصعب والذلول، وقصدوا الشام، وكان منهم ما نذكره.
وأما زنكي فإنه جد في قتال الفرنج، فصبروا وقلت عليهم الذخيرة، فإنهم كانوا غير مستعدين، ولم يكونوا يعتقدون أن أحداً يقدم عليهم بل كانوا يتوقعون ملك باقي الشام، فلما قلت الذخيرة أكلوا دوابهم، وأذعنوا بالتسليم ليؤمنهم، ويتركهم يعودون إلى بلادهم، فلم يجبهم إلى ذلك، فلما سمع باجتماع من بقي من الفرنج ووصول من قرب إليهم أعطى لمن في الحصن الأمان، وقرر عليهم خمسين ألف دينار يحملونها إليه، فأجابوه إلى ذلك فأطلقهم فخرجوا وسلموا إليه، فلما فارقوه بلغهم اجتماع من اجتمع بسببهم، فندموا على التسليم حيث لا ينفعهم الندم، وكان لا يصلهم شيء من الأخبار البتة، فلهذا سلموا.
وكان زنكي في مدة مقامه عليهم قد فتح المعرة وكفر طاب من الفرنج فكان أهلها وأهل سائر الولايات التي بين حلب وحماة مع أهل بعرين في الخزي لأن الحرب بينهم قائمة على ساق، والنهب والقتل لا يزال بينهم، فلما ملكها أمن الناس، وعمرت البلاد وعظم دخلها، وكان فتحاً مبيناً ومن رآه علم صحة قولي.
ومن أحسن الأعمال وأعدلها ما عمله زنكي مع أهل المعرة، فإن الفرنج لما ملكوا المعرة كانوا قد أخذوا أموالهم وأملاكهم، فلما فتحها زنكي الآن حضر من بقي من أهلها ومعهم أعقاب من هلك، وطلبوا أملاكهم، فطلب منهم كتبها، فقالوا: إن الفرنج أخذوا كل ما لنا، والكتب التي للأملاك فيها. فقال: اطلبوا دفاتر حلب وكل من عليه خراج على ملك يسلم إليه، ففعلوا ذاك، وأعاد على الناس أملاكهم، وهذا من أحسن الأفعال وأعدلها.
ذكر خروج ملك الروم من بلاده إلى الشام (5/10)
قد تقدم أن الفرنج أرسلوا إلى ملك القسطنطينية يستصرخون به ويعرفونه ما فعله زنكي فيهم ويحثونه على لحاق البلاد قبل أن تملك، ولا ينفعه حينئذ المجيء، فتجهز وسار مجداً فابتدأ وركب البحر وسار إلى مدينة أنطاليا، وهي له على ساحل البحر، فأرسى فيها، وأقام ينتظر وصول المراكب التي فيها أثقاله وسلاحه، فلما وصلت سار عنها إلى مدينة نيقية وحصرها، فصالحه أهلها على مال يؤدونه إليه، وقيل: بل ملكها وسار عنها إلى مدينة أدنة ومدينة المصيصة، وهما بيد ابن ليون الأرمني، صاحب قلاع الدروب، فحصرهما وملكهما.
ورحل إلى عين زربة فملكها عنوة، وملك تل حمدون، وحمل أهله إلى جزيرة قبرس، وعبر ميناء الإسكندرونة ثم خرج إلى الشام فحصر مدينة أنطاكية في ذي القعدة، وضيق على أهلها، وبها صاحبها الفرنجي ريمند، فترددت الرسل بينهما، فتصالحا ورحل عنها إلى بغراص، ودخل منها بلد ابن ليون الأرمني، فبذل له ابن ليون أموالاً كثيرة ودخل في طاعته، والله أعلم.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، وفي الرابع والعشرين من أيار، ظهر بالشام سحاب أسود أظلمت له الدنيا، وصار الجو كالليل الظلم، ثم طلع بعد ذلك سحاب أحمر كأنه نار أضاءت له الدنيا، وهبت ريح عاصف ألقت كثيراً من الشجر، وكان أشد ذلك بحوران ودمشق، وجاء بعده مطر شديد وبرد كبار وفيها عاد مؤيد الدين أبو الفوارس المسيب بن علي بن الحسين المعروف بابن الصوفي من صرخد إلى دمشق. وكان قد أخرج هو وأهله من دمشق إلى صرخد، فبقوا فيها إلى الآن، وعادوا، وولي أبو الفوارس الرئاسة بدمشق، وكان محبوباً عند أهلها، وتمكن تمكناً عظيماً، وكان ذا رئاسة عظيمة ومروءة ظاهرة.
وفيها كثرت الأمراض ببغداد وكثر الموت فجأة بأصفهان وهمذان.
وفيها سار أتابك زنكي إلى دقوقا فحصرها وملكها بعد أن قاتل على قلعتها قتالاً شديداً.
وفيها توفي أبو سعيد أحمد بن محمد بن ثابت الخجندي رئيس الشافعية بأصفهان، وتفقه على والده، ودرس بالنظامية بأصفهان.
وتوفي هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري، ومولده يوم عاشوراء سنة خمس وثلاثين وأربعمائة، وهو أخر من روى عن أبي الحسن زوج الحرة. وقد روى الخطيب أبو بكر بن ثابت عن زوج الحرة أيضاً، وكانت وفاة الخطيب سنة ثلاث وستين وأربعمائة.

This site was last updated 07/27/11