Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة أربعين وخمسمائة سنة إحدى وأربعين وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة530 وسنة532
سنة532 وسنة533
سنة534 وسنة535
سنة536 وسنة537
سنة538 وسنة539
سنة540 وسنة541
سنة542 وسنة543
سنة544
سنة545 وسنة546
سنة547
سنة548
سنة549 وسنة550 وسنة551
سنة552
سنة553 وسنة554
سنة555

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة أربعين وخمسمائة
ذكر اتفاق بوزابة وعباس على منازعة السلطان

في هذه السنة سار بوزابة، صاحب فارس وخوزستان، وعساكره إلى قاشان، ومعه الملك محمد ابن السلطان محمود، ووصل إليهما الملك سليمان شاه ابن السلطان محمد، واجتمع بوزابة والأمير عباس صاحب الري، واتفقا على الخروج عن طاعة السلطان مسعود وملكا كثيراً من بلاده.
ووصل الخبر إليه وهو ببغداد ومعه الأمير عبد الرحمن طغايرك، وهو أمير حاجب، حاكم في الدولة، وكان ميله إليهما، فسار السلطان في رمضان عن بغداد، ونزل بها الأمير مهلهل، ونظر،وجماعة من غلمان بهروز؛ وسار السلطان وعبد الرحمن معه، فتقارب العسكران، ولم يبق إلا المصاف، فلحق سليمان شاه بأخيه مسعود ، وشرع عبد الرحمن في تقرير الصلح على القاعدة التي أرادوها، وأضيف إلى عبد الرحمن ولاية أذربيجان وأرانية إلى ما بيده، وصار أبو الفتح بن دارست وزير السلطان مسعود، وهو وزير بوزابة، فصار السلطان معهم تحت الحجر، وأبعدوا بك أرسلان بن بلنكري المعروف بخاص بك، وهو ملازم السلطان وتربيته، وصار في خدمة عبد الرحمن ليحقن دمه، وصار الجماعة في خدمة السلطان صورة لا معنى تحتها والله أعلم .
ذكر استيلاء علي بن دبيس على الحلة
في هذه السنة سار علي بن دبيس هارباً، فملكها؛ وكان سبب ذلك أن السلطان لما أراد الرحيل من بغداد أشار عليه المهلهل أن يحبس علي ابن دبيس بقلعة تكريت، فعلم ذلك، فهرب في جماعة يسيرة نحو خمسة عشر، فمضى إلى الأزيز، وجمع بني أسد وغيرهم،وسار إلى الحلة وبها أخوه محمد بن دبيس، فقاتله، فانهزم محمد، وملك علي الحلة.
واستهان السلطان أمره أولاً، فاستفحل وضم إليه جمعاً من غلمانه وغلمان أبيه وأهل بيته وعساكرهم، وكثر جمعهم، فسار إليه مهلهل فيمن معه في بغداد من العسكر، وضربوا معه مصافاً، فكسرهم وعادوا منهزمين إلى بغداد. (5/27)
وكان أهلها يتعصبون لعلي بن دبيس، وكانوا يصيحون، إذا ركب مهلهل وبعض أصحابه: يا علي! كله. وكثر ذلك منهم بحيث امتنع مهلهل من الركوب.
ومد علي يده في أقطاع الأمراء بالحلة، وتصرف فيها، وصار شحنة بغداد ومن فيها على وجل منه، وجمع الخليفة جماعة وجعلهم على السور لحفظه، وراسل علياً، فأعاد الجواب بأنني العبد المطيع مهما رسم لي فعلت؛ فسكن الناس، ووصلت الأخبار بعد ذلك أن السلطان مسعوداً تفرق خصومه عنه، فازداد سكون الناس
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة حج بالناس قايماز الأرجواني صاحب أمير الحاج نظر، واحتج نظر بأن بركة نهب في كسرة الحلة، وأن بينه وبين أمير مكة من الحروب ما لا يمكنه معه الحج.
وفيها اتصل بالخليفة عن أخيه أبي طالب ما كرهه، فضيق عليه، واحتاط على غيرهمن أقربه.
وفيها ملك الفرنج، لعنهم الله، مدينة شنترين، وباجة، وماردة، وأشبونة، وسائر المعاقل المجاورة لها من بلاد الأندلس، وكانت للمسلمين، فاختلفوا، فطمع العدو، وأخذ هذه المدن وقوي بها قوة تمكن معها وتيقن ملك سائر البلاد الإسلامية بالأندلس، فخيب الله ظنه وكان ما نذكره.
وفيها سار أسطول الفرنج من صقلية، ففتحوا جزيرة قرنة من إفريقية، فقتلوا رجالها، وسبوا حريمهم، فأرسل الحسن صاحب إفريقية إلى رجار ملك صقلية يذكره العهود التي بينهم، فاعتذر بأنهم غير مطيعين له.
وفي هذه السنة توفي مجاهد الدين بهروز الغياثي، وكان حاكماً قي العراق نيفاً وثلاثين سنة؛ ويرنقش الزكوي، صاحب أصفهان، وكان أيضاً شحنة بالعراق، وهو خادم أرمني لبعض التجار.
وتوفي الأمير إيلدكز شحنة بغداد، والشيخ أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي اللغوي، ومولده في ذي الحجة سنة خمس وستين وأربعمائة، وأخذ اللغة عن أبي زكرياء التبريزي، وكان يؤم بالمقتفي أمير المؤمنين.
وتوفي أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن أحمد بن سليمان أبو سعيد ابن أبي الفضل الأصفهاني، ومولده سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وروى الحديث الكثير، وكان على سيرة السلف، كثير الاتباع للسنة، رحمة الله عليه.


ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وخمسمائة
ذكر ملك الفرنج طرابلس الغرب

في هذه السنة ملك الفرنج، لعنهم الله، طرابلس الغرب، وسبب ذلك أن رجار ملك صقيلية جهز أسطولاً كثيراً وسيره إلى طرابلس الغرب، فأحاطوا بها براً وبحراً، ثالث المحرم، فخرج إليهم أهلها وأنشبوا القتال، فدامت الحرب بينهم ثلاثة أيام.
فلما كان اليوم الثالث سمع الفرنج بالمدينة ضجة عظيمة، وخلت الأسوار من المقاتلة، وسبب ذلك أن أهل طرابلس كانوا قبل وصول الفرنج بأيام يسيرة قد اختلفوا، فأخرج طائفة منهم بني مطروح، وقدموا عليهم رجلاً ملثماً قدم يريد الحج ومعه جماعة، فولوه أمرهم، فلما نازلهم الفرنج أعادت الطائفة الأخرى بني مطروح، فوقعت الحرب بين الطائفتين، وخلت الأسوار فانتهز الفرنج الفرصة ونصبوا السلالم، وصعدوا على السور، واشتد القتال فملكت الفرنج المدينة عنوة بالسيف، فسفكوا دماء أهلها وسبوا نساءهم، وهرب من قدر على الهرب، والتجأ إلى البربر والعرب، فنودي بالأمان في الناس كافة، فرجع كل من فر منها.
وأقام الفرنج ستة أشهر حتى حصنوا أسوارها وحفروا خندقها، ولما عادوا أخذوا رهائن أهلها، ومعهم بنو مطروح والملثم، ثم أعادوا رهائنهم، وولوا عليها رجلاً من بني مطروح، وتركوا رهائنه وحده، واستقامت أمور المدينة وألزم أهل صقيلية والروم بالسفر إليها فانعمرت سريعاً وحسن حالها.
ذكر حصر زنكي حصني جعبر وفنك
وفي هذه السنة سار أتابك إلى حصن جعبر، وهو مطل على الفرات، وكان بيد سالمبن مالك العقيلي سلمه السلطان ملك شاه إلى أبيه لما أخذ منه حلب، وقد ذكرناه، فحصره وسير جيشاً إلى قلعة فنك، وهي تجاور جزيرة ابن عمر، بينها فرسخان، فحصرها أيضاً، وصاحبها حينئذ الأمير حسام الدين الكردي البشنوي.(5/28)
وكان سبب ذلك أنه كان لا يريد أن يكون في وسط بلاده ما هو ملك غيره، حزماً واحتياطاً، فنازل قلعة جعبر وحصرها، وقاتله بها، فلما طال عليه ذاك أرسل إلىصاحبها، مع الأمير حسان المنبجي لمودة كانت بينهما، في معنى تسليمها، وقال له: تضمن عني الأقطاع الكثير والمال الجزيل، فإن أجاب إلى التسليم، وإلا فقلله: والله لأقيمن عليك إلى أن أملكها عنوة، ثم لا أبقي عليك، ومن الذي يمنعك مني؟ فصعد إليه حسان وأدى إليه الرسالة، ووعده، وبذل له ما قيل له، فامتنع من التسليم، فقال له حسان: فهو يقول لك من يمنعك مني؟ فقال: يمنعني منه الذي منعك من الأمير بللك. فعاد حسان وأخبر الشهيد بامتناعه، ولم يذكر لن هذا، فقتل أتابك بعد أيام.
وكانت قصة حسان مع بللك ابن أخي إيلغازي أن حسان كان صاحب منبج، فحصره بللك وضيق عليه، فبينما هو في بعض الأيام يقاتله، جاءه سهم لا يعرف من رماه فقتله، وخلص حسان من الحصر، وقد تقدم ذكره، وكان هذا القول من الاتفاق الحسن.ولما قتل أتابك زنكي رحل العسكر الذين كانوا يحاصرون قلعة فنك عنها، وهي بيد أعقاب صاحبها إلى الآن، وسمعتهم يذكرون أن لهم بها نحو ثلاثمائة سنة، ولهم مقصد، وفيهم وفاء وعصبية، يأخذون بيد كل من يلتجىء إليهم ويقصدهم، ولا يسلمونه كائن من كان.
ذكر قتل أتابك زنكي وشيء من سيرته
في هذه السنة لخمس مضين من ربيع الأخر،قتل أتابك عماد الدين زنكي بن آقسنقر، صاحب الموصل والشام، وهو يحاصر قلعة جعبر، على ما ذكرناه، قتله جماعة من مماليكه غيلة، وهربوا إلى قلعة جعبر، فصاح من بها من أهلها إلى العسكر يعلمونهم بقتله، وأظهروا الفرح، فدخل أصحابه إليه، فأدركوه وبه رمق.
حدثني والدب عن بعض خواصه قال: دخلت إليه في الحال وهو حي، فحين رآني ظن أني أريد قتله، فأشار إلي بإصبعه السبابة يستعطفني، فوقعت مني هيبته، فقات يا مولاي من فعل بك هذا؟ فلم يقدر على الكلام، وفاضت نفسه لوقته، رحمه الله.
قال: وكان حسن الصورة ، أسمر اللون، مليح العينين، قد وخطه الشيب، وكان قد زاد عمره على ستين سنة، لأنه كان لما قتل والده صغيراً، كما ذكرناه قبل، ولما قتل دفن بالرقة.
وكان شديد الهيبة على عسكره ورعيته، عظيم السياسة، لا يقدر القوي على ظلم الضعيف؛ وكانت البلاد، قبل أن يملكها، خراباً من الظلم، وتنقل الولاة، ومجاورة الفرنج، فعمرها وامتلأت أهلاً وسكاناً.
حكى لي والدي قال: رأيت الموصل وأكثرها خراب، بحيث يقف الإنسان قريب محلة الطبالين ويرى الجامع العتيق، والعرصة ودار السلطان، ليس بين ذلك عمارة؛ وكان الإنسان لا يقدر على المشي إلى الجامع العتيق إلا ومعه من يحميه، لبعده عن العمارة، وهو الأن في وسط العمارة وليس في هذه البقاع المذكورة كلها أراض براح،وحدثني أيضاً أنه وصل إلى الجزيرة في الشتاء، فدخل الأمير عز الدين الدبيسي، هو من أكابر أمرائه، ومن جملة أقطاعه مدينة دقوقا،ونزل في دار إنسان يهودي، فاستغاث اليهودي إلى اتابك، وأنهى حاله إليه، فنظر إلى الدبيسي، فتأخر، ودخل البلد، وأخرج بركه وخيامه. قال: فلقد رأيت غلمانه ينصبون خيامه في الوحل، وقد جعلوا على الأرض تبناً يقيهم الطين، وخرج فنزلها، وكانت سياسته إلى هذا الحد.
وكانت الموصل من أقل بلاد الله فاكهة، فصارت في أيامه وما بعدها، من أكثر البلاد فواكه ورياحين وغير ذلك.
وكان أيضاً شديد الغيرة ولا سيما على نساء الأجناد، وكان يقول: إن لم نحفظ نساء الأجناد بالهيبة، وإلا فسدن لثرة غيبة أزواجهن في الأسفار.
وكان أشجع خلق الله؛ أما قبل أن يملك فيكفيه أنه حضر مع الأمير مودود صاحب الموصل مدينة طبرية، وهي للفرنج، فوصلت طعنته باب البلد وأثر فيه، وحما أيضاً على قلعة عقر الحميدية، وهي على جبل عال، فوصلت طعنته إلى سورها، إلى أشياء أخر. (5/29)
وأما بعد الملك فقد كان الأعداء محدقين ببلاده، وكلهم يقصدها، ويريد أخذها، وهو لا يقنع بحفظها، حتى أنه لا ينقضي عليه عام إلا ويفتح من بلادهم. فقد كان الخليفة المسترشد بالله مجاوره في ناحية تكريت، وقصد الموصل وحصرها، ثم إلى جانبه ، من ناحية شهرزور ويلك الناحية، السلطان مسعود؛ ثم ابن سقمان صاحب خلاط؛ ثم داود بن سقمان صاحب حصن كيفا؛ ثم صاحب آمد وماردين؛ ثم الفرنج من مجاورة ماردين إلى دمشق؛ ثم أصحاب دمشق، فهذه الولايات قد أحاطت بولايته من كل جهاتها، فهو يقصد هذا مرة وهذا مرة، ويأخذ من هذا ويصنع هذا، إلى أن ملك من كل من يليه طرفاً من بلاده. وقد أتينا على أخباره في كتاب الباهر في تاريخ دولته ودولة أولاده، فيطلب من هناك.
ذكرملك ولديه سيف الدين ونور الدين
لما قتل أتابك زنكي أخذ نور الدين محمود ولده خاتمه من يده، وكان حاضراً معه، وسار إلى حلب فملكها.
وكان حينئذ يتولى ديوان زنكي، ويحكم في دولته من أصحاب العمائم جمال الدين محمد بن علي وهو المنفرد بالحكم، ومعه أمير حاجب صلاح الدين محمد الياغيسياني، فاتفقا على حفظ الدولة، وكان مع الشهيد أتابك الملك ألب أرسلان ابن السلطان محمود، فركب ذلك اليوم، وأجمعت العساكر عليه، وحضر عنده جمال الدين وصلاح الدين وحسنا له الأشتغال بالشرب والمغنيات والجواري، وأدخلاه الرقة، فبقي فيها أياماً لا يظهر، ثم سار إلى ماكسين، فدخلها، وأقام بها أياماً، وجمال الدين يحلف الأمراء لسيف الدين غازي بن أتابك زنكي، ويسيرهم إلى الموصل.
ثم سار من ماكسين إلى سنجار، وكان سيف الدين قد وصل إلى الموصل، فلما وصلوا إلى سنجار أرسل جمال الدين إلى الدزدار يقول له ليرسل إلى ولد السلطان يقول له: إني مملوكك، ولكني تبع الموصل، فمتى ملكتها سلمت إليك سنجار. فسار إلى الموصل، فأخذه جمال الدين وقصد به مدينة بلد، وقد بقي معه من العسكر القليل، فأشار عليه بعبور دجلة، فعبرها إلى الشرق في نفر يسير.
وكان سيف الدين غازي بمدينة شهرزور، وهي إقطاعه،فأرسل إليه زين الدين بن علي كوجك نائب أبيه بالموصل أرسل إليه يعرفه قلة من مع الملك، فأرسل إليه بعض عسكره، فقبضوا عليه، وحبس في قلعة الموصل، واستقر ملك سيف الدين البلاد، وبقي أخوه نور الدين بحلب وهي له، وسار إليه صلاح الدين الياغسياني يدبر أمره ويقوم بحفظ دولته، وقد استقصينا شرح هذه الحادثة في التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية،
ذكر عصيان الرها لما قتل أتابك
كان جوسلين الفرنجي الذي كان صاحب الرها في ولايته، وهي تل باشر وما يجاورها، فراسل أهل الرها وعامتهم من الأرمن وحملهم على العصيان، والامتناع على المسلمين، وتسليم البلد، فأجابوه إلى ذلك، وواعدهم يوماً يصل إليهم فيه، وسار في عساكره إلى الرها، وملك البلد، وامتنعت القلعة عليه بمن فيها من المسلمين، فقاتلهم، فبلغ الخبر إلى نور الدين محمود بن زنكي، وهو بحلب، فسار مجداً إليه في عسكره، فلما قاربها خرج جوسلين هارباً عائداً إلى بلده، ودخل نور الدين المدينة، ونهبها حينئذ، وسبى لأهلها.
وفي هذه الدفعة نهبت وخلت من أهلها، ولم يبق بها منهم إلا القليل، وكثير من الناس يظن أنها نهبت لما فتحها الشهيد، وليس كذلك.
وبلغ الخبر إلى سيف الدين غازي بعصيان الرها، فسير العساكر إليها، فسمعوا بملك نور الدين البلد واستباحته، وهم في الطريق، فعادوا.
ومن أعجب ما يروى أن زين الدين علياً، الذي كان نائب الشهيد وأولاده بقلعة الموصل، جاءه هدية أرسلها إليه نور الدين من هذا الفتح، وفي الجملة جارية، فلما دخل إليها، وخرج من عندها وقد اغتسل، قال لمن عنده: تعلمون ما جرى لي في يومنا هذا؟ قالوا لا! قال: لما فتحنا الرها مع الشهيد وقع في يدي من النهب جارية رائقة أعجبني حسنها ومال قلبي إليها، فلم يكن بأسرع من أن أمر الشهيد فنودي برد السبي والمال المنهوب، وكان مهيباً مخوفاً، فرددتها وقلبي متعلق بها، فلما كان الأن جاءتني هدية نور الدين وفيها عدة جوار منهن تلك الجارية فوطئتها خوفاً أن يقع رد تلك الدفعة.
ذكر استيلاء عبد المؤمن على جزيرة الأندلس (5/30)
في هذه السنة سير عبد المؤمن جيشاً إلى جزيرة الأندلس، فملكوا ما فيها من بلاد الإسلام. وسبب ذلك أن عبد المؤمن لما كان يحاصر مراكش جاء إليه جماعة من أعيان الأندلس منهم أبو جعفر أحمد بن محمد بن حمدين، ومعهم مكتوب يتضمن بيعة أهل البلاد التي هم فيها لعبد المؤمن ودخولهم في زمرة أصحابه الموحدين، وإقامتهم لأمره، فقبل عبد المؤمن ذلك منهم، وشكرهم عليه، وطيب قلوبهم، وطلبوا منه النصرة على الفرنج، فجهز جيشاً كثيفاً وسيره معهم، وعمر أسطولاً وسيره في البحر، فسار الأسطول إلى الأندلس، وقصدوا مدينة إشبيلية،وصعدوا في نهرها، وبها جيش من الملثمين، فحصروها براً وبحراً وملكوها عنوة، وقتل فيها جماعة وأمن الناس فسكنوا واستولت العساكر على البلاد، وكان لعبد المؤمن من بها
ذكر قتل عبد الرحمن طغايرك
وعباس صاحب الري
في هذه السنة قتل السلطان مسعود أمير حاجب عبد الرحمن طغايرك، وهو صاحب خلخال وبعض أذربيجان والحاكم في دولة السلطان، وليس للسلطان معه حكم.
وكان سبب قتله لما ضيق عليه عبد الرحمن بقي معه شبه الأسير ليس له في البلاد حكم، حتى إن عبد الرحمن قصد غلاماً كان للسلطان، وهو بك أرسلان، المعروف بخاص بك بن بلنكري، وقد رباه السلطان وقربه فأبعده عنه، وصار لا يراه، وكان في خاص بك عقل وتدبير وجودة قريحة، وتوصل لما يريد أن يفعله، فجمع عبد الرحمن العساكر وخاص بك فيهم، وقد استقر بينه وبين السلطان مسعود أن يقتل عبد الرحمن، إلا رجلاً اسمه زنكي وكان جانداراً، فإنه بذل من نفسه أن يبدأه بالقتل،ووافق خاص بك على القيام في الأمر جماعة من الأمراء، فبينما عبد الرحمن في موكبه ضربه زنكي الجاندار بمقرعة حديد كانت في يده على رأسه، فسقط إلى الأرض، فأجهز عليه خاص بك، وأعانه على حماية زنكي والقائمين معه من كان واطأه على ذلك من الأمراء، وكان قتله بظاهر جنزة.
وبلغ الخبر إلى السلطان مسعود وهو ببغداد، ومعه الأمير عباس صاحب الري، وعسكره أكثر من عسكر السلطان، فأنكر ذلك، وامتعض منه، فداراه السلطان ولطف به، واستدعى الأمير البقش كونخر من اللحف وتتر الذي كان حاجباً فلما قوي بهما أحضر عباساً إليه في داره،فلما دخل إليه منع أصحابه من الدخول معه، وعدلوا به إلى حجرة، وقالوا له: اخلع الرزية؛ فقال: إن لي مع السلطان أيماناً وعهوداً؛ فلكموه، وخرج له غلمان أعدوا لذلك، فحينئذ تشاهد وخلع الرزية وألقاها، وضربوه بالسيوف، واحتزوا رأسه وألقوه إلى أصحابه، ثم ألقوا جسده، ونهب رحله وخيمه وانزعج البلد لذلك.
وكان عباس من غلمان السلطان محمود، حسن السيرة، عادلاً في رعيته، كثير الجهاد للباطنية، قتل منهم خلقاً كثيراً، وبنى من رؤوسهم منارة بالري، وحصر قلعة ألموت، ودخل إلى قرية من قراهم فألقى فيها النار فأحرق كل من فيها من رجل وامرأة وصبي وغير ذلك؛ فلما قتل دفن بالجانب الغربي، ثم أرسلت ابته فحملته إلى الري فدفنته هناك، وكان مقتله في ذي القعدة.
ومن الاتفاق العجيب أن العبادي كان يعظ يوماً، فحضره عباس، فأسمع بعض من في المجلس ورمى بنفسه نحو الأمير عباس ، فضربه أصحابه ومنعوه خوفاً عليه لأنه كان شديد احتراس من الباطنية لا يزال لابساً الزردية لا تفارقه الغلمان الأجلاد، فقال له العبادي: يا أمير إلام هذا الاحتراز؟ والله لئن قضي عليك بأمر لتحلن أنت بيدك أزرار الزردية فينفذ القضاء فيك.
وكان كما قال، وقد كان السلطان استوزر ابن دارست، وزير بوزابة، كارهاً على ما تقدم ذكره، فعزله الآن لأنه اختار العزل والعود إلى صاحبه بوزابة فلما عزله قرر معه أن يصلح له بوزابة، ويزيل ما عنده من الاستشعار بسبب قتل عبد الرحمن وعباس، فسار الوزير وهو لا يعتقد النجاة، فوصل إلى بوزابة وكان ما نذكره.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة حبس السلطان مسعود أخاه سليمان شاه بقلعة تكريت.
وفيها توفي الأمير جاولي الطغرلي صاحب آرانية وبعض أذربيجان، وكان قد تحرك للعصيان، وكان موته فجأة، مد قوساً فنزف دماً فمات.
وتوفي شيخ الشيوخ صدر الدين إسماعيل بن أبي سعد الصوفي، مات ببغداد ودفن بظاهر رباط الزوزني بباب البصرة، ومولده سنة أربع وستين وأربعمائة، وقام في منصبه ولده صدر الدين شيخ الشيوخ عبد الرحيم. (5/31)
وفيها توفي نقيب النقباء محمد بن طراد الزينبي أخو شرف الدين الوزير.
وفيها ولي مسعود بن بلال شحنكية بغداد، وسار السلطان عنها.
وفيها كان بالعراق جراد كثير أحل أكثر البلاد.
وفيها ورد العبادي الواعظ رسولاً من السلطان سنجر إلى الخليفة، ووعظ ببغداد، وكان له قبول بها، وحضر مجلسه السلطان مسعود فمن دونه، وأما العامة فإنهم كانوا يتركون أشغالهم لحضور مجلسه والمسابقة إليه.
وفيها بعد قتل الشهيد زنكي بن آقسنقر قصد صاحب دمشق حصن بعلبك وحصره وكان به نجم الدين أيوب بن شاذي مستحفظاً لها، فخاف أن أولاد زنكي لا يمكنهم إنجاده بالعاجل، فصالحه وسلم القلعة إليه، وأخذ منه إقطاعاً ومالاً، وملكه عدة قرى من بلد دمشق، وانتقل أيوب إلى دمشق فسكنها وأقام فيها.
وفي هذه السنة، في ربيع الآخر، توفي عبد الله بن علي بن أحمد أبو محمد المقري ابن بنت الشيخ أبي منصور، ومولده في شعبان سنة أربع وستين وأربعمائة، وكان مقرئاً نحوياً محدثاً، وله تصانيف في القراءات

This site was last updated 07/27/11