Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ثمان وأربعين وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة530 وسنة532
سنة532 وسنة533
سنة534 وسنة535
سنة536 وسنة537
سنة538 وسنة539
سنة540 وسنة541
سنة542 وسنة543
سنة544
سنة545 وسنة546
سنة547
سنة548
سنة549 وسنة550 وسنة551
سنة552
سنة553 وسنة554
سنة555

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وخمسمائة
ذكر انهزام سنجر من الغز ونهبهم خراسان وما كان منهم
(5/51)
في هذه السنة، في المحرم، انهزم السلطان سنجر من الأتراك الغز، وهم طائفة من الترك مسلمون، كانوا بما وراء النهر، فلما ملك الخطا أخرجوهم منه، كما ذكرنا، فقصدوا خراسان وكانوا خلقاً كثيراً، فأقاموا بنواحي بلخ يرعون في مراعيها، وكان لهم أمراء اسم أحدهم دينار، والآخر بختيار، والآخر طوطى، والآخر جغر، والآخر محمود، فأراد الأمير قماج وهو مقطع بلخ، إبعادهم، فصانعوه بشيء بذلوه له، فعاد عنهم، فأقاموا على حالة حسنة لا يؤذون أحداً، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة.
ثم إن قماج عاودهم وأمرهم بالانتقال عن بلده، فامتنعوا، وانضم بعضهم إلى بعض، واجتمع معهم غيرهم من طوائف الترك، فسار قماج إليهم في عشرة آلاف فارس، فجاء إليه العسكر الخراساني بقربهم منهم أجفلوا من بين يديه هاربين لما دخل قلوبهم من خوفهم والرعب منهم؛ فلما فارقها السلطان والعسكر دخلها الغز ونهبوها أفحش نهب وأقبحه، وذلك في جمادى الأولى من السنة، وقتل بها كثير من أهلها وأعيانها، منهم قاضي القضاة الحسن بن محمد الأرسابندي، والقاضي علي بن مسعود وغيرهما من الأئمة والعلماء.
ولما خرج سنجر من مرو قصد اندرابة وأخذه الغز أسيراً، وأجلسوه على تخت السلطنة على عادته، وقاموا بين يديه، وبذلوا له الطاعة، ثم عاودوا الغارة على مرو في رجب من السنة، فمنعهم أهلها،وقاتلوهم قتالاً بذلوا فيه جهدهم وطاقتهم، ثم إنهم عجزوا، فاستسلموا إليهم، فنهبوها أقبح من النهب الأول ولم يتركوا بها شيئاً.
وكان قد فارق سنجر جميع أمراء خراسان ووزيره طاهر بن فخر الملك ابن نظام الملك، ولم يبق عنده غير نفر يسير من خواصه وخدمه؛ فلما وصلوا إلى نيسابور أحضروا الملك سليمان شاه ابن السلطان محمد، فوصل إلى نيسابور تاسع عشر من جمادى الآخرة من السنة، فاجتمعوا عليه، وخطبوا له بالسلطنة، وسار في هذا الشهر جماعة من العسكر السلطاني إلى طائفة كثيرة من الغز ، فأوقعوا بهم، وقتلوا منهم كثيراً، وانهزم الباقون إلى أمرائهم الغزية فاجتمعوا معهم.
ولما اجتمعت العساكر على الملك سليمان شاه ساروا إلى مرو يطلبون الغز، فبرز الغز إليهم، فساعة رآهم العسكر الخراساني انهزموا وولوا على أدبارهم، وقصدوا نيسابور، وتبعهم الغز، فمروا بطوس، وهي معدن العلماء والزهاد فنهبوها، وسبوا نسائها، وقتلوا رجالها، وخربوا مساجدها ومساكن أهلها، ولم يسلم من جميع ولاية طوس إلا البلد الذي فيه مشهد علي بن موسى الرضي، ومواضع أخر لها اسوار.
وممن قتل من أعيان أهلها محمد المارشكي، ونقيب العلويين بها علي الموسوي، وخطيبها إسماعيل بن المحسن، وشيخ شيوخها محمد بن محمد، وأفنوا من بها من الشيوخ الصالحين، وساروا منها إلى نيسابور، فوصلوا إليها في شوال سنة تسع وأربعين، ولم يجدوا دونها مانعاً ولا مدافعاً، فنهبوها نهباً ذريعاً ، وقتلوا أهلها، فأكثروا حتى ظنوا انهم لم يبقوا بها أحداً، حتى إنه أحصي في محلتين خمسة عشر ألف قتيل من الرجال دون النساء والصبيان، وسبوا نسائها وأطفالها، وأخذوا أموالهم، وبقي القتلى في الدروب كالتلال بعضهم فوق بعض، واجتمع أكثر أهلها بالجامع المنيعي وتحصنوا به، فحصرهم الغز فعجز أهل نيسابور عن منعهم، فدخل الغز إليهم فقتلوهم عن آخرهم، وكانوا يطلبون من الرجل المال، فإذا أعطاهم الرجل ماله قتلوه، وقتلوا كثيراً من أئمة العلماء والصالحين، منهم محمد بن يحيى الفقيه الشافعي الذي لم يكن في زمانه مثله، كان رحلة الناس من أقصى الغرب والشرق إليه، ورثاه جماعة من العلماء، منهم أبو الحسن علي بن أبي القاسم البيهقي فقال:
ياسافكاً دم عالم متبحر ... قد طار أقصى في الممالك صيته
بالله قل يا ظلوم ولا تخف ... من كان يحيي الدين كيف تميته (5/52)
ومنهم الزاهد عبد الرحمن بن عبد الصمد الأكاف، وأحمد بن الحسين الكاتب سبط القشيري، وأبو البركات الفراوي، والإمام علي الصباغ المتكلم، وأحمد بن محمد بن حامد، وعبد الهاب الملقاباذي، والقاضي صاعد بن عبد الملك بن صاعد، والحسن بن عبد الحميد الرازي وخلق كثير من الأئمة والزهاد والصالحين، واحرقوا ما بها من خزائن الكتب ولم يسلم إلا بعضها.وحصروا شارستان، وهي منيعة، فأحاطوا بها، وقاتلهم أهلها من فوق سورها، وقصدوا جوين فنهبوها، وقاتلهم أهل بحراباذ من أعمال جوين، وبذلوا نفوسهم لله تعالى، وحموا بيضتهم والباقي أتى النهب والقتل عليه؛ ثم قصدوا أسفرايين فنهبوها وخربوها، وقتلوا في أهلها فأكثروا.
وممن قتل عبد الرشيد الأشعثي، وكان من أعيان دولة السلطان، فتركها وأتى على الاشتغال بالعلم وطلب الآخرة؛ وأبو الحسن الفندروجي، وكان من ذوي الفضائل لا سيما في علم الأدب.
ولما فرغ الغز من جوين وأسفرايين عاودوا نيسابور، فنهبوا ما بقي فيها بعد النهب الأول، وكان قد لحق بشهرستان كثير من أهلها، فحصرهم الغز واستولوا عليها، ونهبوا ما كان فيها لأهلها ولأهل نيسابور، ونهبوا الحرم والأطفال، وفعلوا ما لم يفعله الكفار مع المسلمين، وكان العيارون أيضاً ينهبون نيسابور أشد من نهب الغز ويفعلون أقبح من فعلهم.
ثم إن أمر الملك سليمان شاه ضعف، وكان قبيح السيرة سيء التدبير، وإن وزيره طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك توفي في شوال سنة ثمان وأربعين فضعف أمره، واستوزر سليمان شاه بعده ابنه نظم الملك أبا علي الحسن بن طاهر وانحل أمر دولته بالكلية، ففارق خراسان في صفر سنة تسع وأربعين وعاد إلى جرجان، فاجتمع الأمراء وراسلوا الخان محمود بن محمد بن بغراخان، وهو ابن أخت السلطان سنجر ، وخطبوا له على منابر خراسان، واستدعوه إليهم، فملكوه أمورهم، وانقادوا له في شوال سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وساروا معه إلى الغز وهم يحاصرون هراة، وجرت بينهم حروب كان الظفر في أكثرها للغز، ورحلوا في جمادى الأولى من سنة خمسين وخمسمائة من على هراة إلى مرو وعاودوا المصادرة لأهلها.
وسار خاقان محمود بن محمد إلى نيسابور وقد غلب عليها المؤيد، على ما نذكره، وراسل الغز في الصلح، فاصطلحوا في رجب من سنة خمسين وخمسمائة، هدنة على دخن، وسيرد باقي أخبارهم سنة اثنتين وخمسين.
ذكر ملك المؤيد نيسابور وغيرها
كان للسلطان سنجر مملوك اسمه أي أبه، ولقبه المؤيد ، فلما كانت هذه الفتنة تقدم، وعلا شأنه، وأطاعه كثير من الأمراء، واستولى على نييسابور وطوس ونسا وأبيورد وشهرستان والدامغان، وأزاح الغز عن الجميع، وقتل منهم خلقاً كثيراً، وأحسن السيرة ، وعدل في الرعية، واستمال الناس، ووفر الخراج على أهله، وبالغ في مراعاة أرباب البيوت، فاستقرت البلاد له، ودانت له الرعية لحسن سيرته، وعظم شأنه وكثرت جموعه، فراسله خاقان محمود بن محمد في تسليم البلاد والحضور عنده، فامتنع، وترددت الرسل بينهم، حتى استقر على المؤيد مال يحمله إلى الملك محمود، فكف عنه محمود، وأقام المؤيد بالبلاد هو والملك محمود
ذكر ملك إينانج الري
كان إينانج أحد مماليك السلطان سنجر، فلما كان من فتنة الغز، ما ذكرناه هرب من خراسان، ووصل إلى الري، فاستولى عليها وأقام بها، فأرسل إلى السلطان محمد شاه بن محمود صاحب همذان، وأصفهان، وغيرهما، خدمه وهداه هدايا فأرضاه بها، وأظهر له الطاعة، وبقي بها إلى أن مات الملك محمود، فاستولى عليها وعلى عدة بلاد تجاور الري، فملكها، فعظم أمره وعلا شأنه وصارت عساكره عشرة آلاف فارس.
فلما ملك سليمان شاه همذان، على ما نذكره، حضر عنده ، وأطاعه لأنسه به. كان أيام مقام سليمان شاه بخراسان، فتقوى أمره بذلك.
ذكر قتل ابن السلار وزير الظافر ووزارة عباس
في هذه السنة، وفي المحرم، قتل العادل بن السلار وزير الظافر بالله، قتله ربيبه عباس بن أبي الفتوح بن يحيى الصنهاجي، وأشار عليه بذلك الأمير أسامة بن منقذ، ووافق عليه الخليفة الظافر بالله، فأمر ولده نصراً، فدخل على العادل وهو عند جدته أم عباس، فقتله وولي الوزارة بعده ربيبه عباس. (5/53)
وكان عباس قد قدم من المغرب، كما ذكرناه، إلى مصر، وتعلم الخياطة، وكان خياطاً حسناً، فلما تزوج ابن السلار بأمه أحبه، وأحسن تربيته، فجازاه بأن قتله وولي بعده.
وكانت الوزارة في مصر لمن غلب، والخلفاء من وراء الحجاب، والوزراء كالمتملكين، وقل أن وليها أحد بعد الأفضل إلا بحرب وقتل وشاكل ذلك، فلذلك ذكرناهم في تراجم مفردة، والله أعلم.

ذكر الحرب بين العرب وعساكر عبد المؤمن
في هذه السنة، في صفر، كانت الحرب بين عسكر عبد المؤمن والعرب عند مدينة سطيف.
وسبب ذلك أن العرب، وهم بنو هلال والأبتح وعدي ورياح وزغب، وغيرهم من العرب، لما ملك عبد المؤمن بلاد حماد اجتمعوا من أرض طرابلس إلى أقصى المغرب، وقالوا: إن جاورنا عبد المؤمن أجلانا من المغرب، وليس الرأي إلا إلقاء الجد معه، وإخراجه من البلاد قبل أن يتمكن.
وتحالفوا على التعاون والتضافر، وأن لا يخون بعضهم بعضاً، وعزموا على لقائه بالرجال والأهل والمال ليقاتلوا قتال الحريم.
واتصل الخبر بالملك رجار الفرنجي، صاحب صقلية، فأرسل إلى أمراء العرب، وهم محرز بن زياد، وجبارة بن كامل، وحسن بن ثعلب، وعيسى ابن حسن وغيرهم، يحثهم على لقاء عبد المؤمن ويعرض عليهم أن يرسل إليهم خمسة آلف فارس من الفرنج يقاتلون معهم على شرط أن يرسلوا إليه الرهائن؛ فشكروه وقالوا: ما بنا حاجة إلى نجدته ولا نستعين بغير المسلمين.
وساروا في عدد لا يحصى، وكان عبد المؤمن قد رحل من بجاية إلى بلاد المغرب، فلما بلغه خبرهم جهز جيشاً من الموحدين يزيد على ثلاثين ألف فارس، واستعمل عليهم عبد الله بن عمر الهنتاني، وسعد الله بن يحيى، وكان العرب أضعافهم، فاستجرهم الموحدون وتبعهم العرب إلى أن وصلوا إلى أرض سطيف، بين جبال، فحمل عليهم جيش عبد المؤمن فجاءه والعرب على غير أهبة، والتقى الجمعان، واقتتلوا أشد قتال وأعظمه، فانجلت المعركة عن انهزام العرب ونصرة الموحدين.
وترك العرب جميع ما لهم من أهل ومال وأثاث ونعم، فأخذ الموحدون جميع ذلك، وعاد الجيش إلى عبد المؤمن بجميعه، فقسم جميع الأموال على عسكره، وترك النساء والأولاد تحت الاحتياط، وكل بهم من الخدم الخصيان من يخدمهم ويقوم بحوائجهم، وأمر بصيانتهم، فلما وصلوا معه إلى مراكش أنزلهم في المساكن الفسيحة، وأجرى لهم النفقات الواسعة، وأمر عبد المؤمن ابنه محمداً أن يكاتب أمراء العرب ويعلمهم أن نسائهم تحت الحفظ والصيانة، وأمرهم أن يحضروا ليسلم إليهم أبوه ذلك جميعه، وأنه قد بذل لهم الأمان والكرامة.
فلما وصل كتاب محمد إلى العرب سارعوا إلى المسير إلى مراكش، فلما وصلوا إليها أعطاهم عبد المؤمن نسائهم وأولادهم وأحسن إليهم وأعطاهم أموالاً جزيلة، فاسترق قلوبهم بذلك، وأقاموا عنده، وكان بهم حفياً، واستعان بهم على ولاية أبنه محمد للعهد، على ما نذكره سنة إحدى وخمسين.
ذكر ملك الفرنج مدينة بونة وموت رجار وملك ابنه غليالم
في هذه السنة سار أسطول رجار ملك الفرنج بصقلية إلى مدينة بونة، وكان المقدم عليهم فتاه فيلب المهدوي فحصرها واستعان بالعرب عليها، فأخذها في رجب، وسبى أهلها، وملك ما فيها، غير أنه أغضى عن جماعة من العلماء والصالحين، حتى خرجوا بأهليهم وأموالهم إلى القرى، فأقام بها عشرة أيام، وعاد إلى المهدية وبعض الأسرى معه، وعاد إلى صقلية فقبض رجار عليه لما اعتمده من الرفق بالمسلمين في بونة.
وكان فيلب، يقال أنه وجميع فتيانه مسلمون، يكتمونه ذلك، وشهدوا عليه أنه لا يصوم مع الملك، وأنه مسلم، فجمع رجار الأساقفة والقسوس والفرسان، فحكموا بأن يحرق، فأحرق في رمضان، وهذا أول وهن دخل على المسلمين بصقلية. ولم يمهل الله رجار بعده إلا يسيراً حتى مات في العشر الأول من ذي الحجة من السنة، وكان مرضه الخوانيق، وكان عمره قريب ثمانين سنة، وكان ملكه نحو ستين سنة؛ ولما مات ملك بعده ابنه غليالم، وكان فاسد التدبير سيء التصوير، فاستوزر مايو البرصاني، فأساء التدبير، فاختلفت عليه حصون من جزيرة صقلية، وبلاد فلورية، وتعدى الأمر إلى إفريقية على ما نذكره.
ذكر وفاة بهرام شاه صاحب غزنة (5/54)
في هذه السنة، في رجب ، توفي السلطان بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم أبن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة بها ، وقام بل ملك بعده ولد نظام الدين خسرو شاه ، وكانت ولاية بهرام شاه ستا وثلاثين سنة ، وكان عادلاً، حسن السيرة ، جميل الطريقة، محباً للعلماء، مكرماً لهم، باذلاً لهم الأموال الكثيرة ، جامعاً للكتب تقرأ بين يديه، ويفهم مضمونها؛ ولما مات ملك ولده خسروشاه.
ذكر ملك الفرنج مدينة عسقلان
في هذه السنة ملك الفرنج بالشام مدينة عسقلان، وكانت من جملة مملكة الظافر بالله العلوي المصري، وكان الفرنج كل سنة يقصدونها ويحصرونها، فلا يجدون إلى ملكها سبيلاً، وكان الوزراء بمصر لهم الحكم في البلاد،والخلفاء معهم اسم لا معنى تحته، وكان الوزراء كل سنة يرسلون إليها الذخائر والأسلحة والأموال والرجال من يقوم بحفظها، فلما كان في هذه السنة قتل ابن السلار الوزير، على ما ذكرناه، واختلفت الأهواء في مصر، وولي عباس الوزارة، إلى أن استقرت قاعدة، اغتنم الفرنج اشتغالهم عن عسقلان، فاجتمعوا وحصروها، فصبر أهلها، وقاتلوهم قتالاً شديداً، حتى إنهم بعض الأيام قاتلوا خارج السور، وردوا الفرنج إلى خيامهم مقهورين، وتبعهم أهل البلد إليها فأيس حينئذ الفرنج من ملكه.
فبينما هم على عزم الرحيل إذ أتاهم الخبر ان الخلف قد وقع بين أهله، وقتل بينهم قتلى، فصبروا؛ وكان سبب هذا الاختلاف أنهم لما عادوا عن قتال الفرنج قاهرين منصورين، أدعت كل طائفة منهم أن النصرة من جهتهم كانت، وأنهم هم الذين ردوا الفرنج خاسرين، فعظم الخصام بينهم إلى أن قتل من إحدى الطائفتين قتيل، واشتد الخطب حينئذ، وتفاقم الشر، ووقعت الحرب بينهم، فقتل بينهم قتلى، فطمع الفرنج، وزحفوا إليه وقاتلوهم عليه، فلم يجدوا من يمنعهم فملكوه.
ذكر حصر عسكر الخليفة تكريت وعودهم عنها
في هذه السنة سير الخليفة المقتفي لأمر الله عسكراً إلى تكريت ليحصروها، وأرسل معهم مقدماً عليهم أبا البدر ابن الوزير عون الدين بن هبيرة وترشك، وهو من خواص الخليفة،وغيرهما ، فجرى بين أبي البدر وترشك منافرة أوجبت أن كتب ابن الوزير يشكو من ترشك ، فأمر الخليفة بالقبض على ترشك ، فعرف ذلك ، فأرسل إلى مسعود بلال ، صاحب تكريت ، وصالحه وقبض على ابن الوزير ومن معه من المتقدمين ، وسلمهم إلى مسعود بلال فانهزم العسكر وغرق منه كثير وسار مسعود بلال وترشك من تكريت إلى طريق خراسان فنهبا وأفسدا ، فسار المقتفي عن بغداد لدفعهما، فهربا من بين يديه، فقصد تكريت، فحصرها أياماً وجرى له مع أهلها حروب من وراء السور، فقتل من العسكر جماعة بالنشاب، فعاد الخليفة عنها، ولم يملكها.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة وصلت مراكب من صقلية، فيها جمع من الفرنج، فنهبوا مدينة تنيس بالديار المصرية.
وفيها كان بين الكرج بأرمينية وبين صليق، صاحب أرزن الروم، مصاف وحرب شديدة، وانهزم صليق وأسره الكرخ ثم أطلقوه.
وفيها توفي أبو العباس أحمد بن أبي غالب الوراق المعروف بابن الطلاية الزاهد البغدادي بها، وكان من الصاحين، وله حديث ورواية.
وتوفي عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل أبو الفتح بن أبي القاسم الكروخي الهروي، راوي جامع الترمذي، ومولده سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتفي ببغداد في ذي الحجة.

This site was last updated 07/27/11