Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة سبع وأربعين وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة530 وسنة532
سنة532 وسنة533
سنة534 وسنة535
سنة536 وسنة537
سنة538 وسنة539
سنة540 وسنة541
سنة542 وسنة543
سنة544
سنة545 وسنة546
سنة547
سنة548
سنة549 وسنة550 وسنة551
سنة552
سنة553 وسنة554
سنة555

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة سبع وأربعين وخمسمائة
ذكر ملك عبد المؤمن بجاية وملك بني حماد

في هذه السنة سار عبد المؤمن بن علي إلى بجاية وملكها، وملك جميع ممالك بني حماد. وكان لما أراد قصدها سار من مراكش إلى سبتة سنة ست وأربعين، فأقام مدة يعمر الأسطول، ويجمع العساكر القريبة منه.
وأما ما هو على طريقه إلى بجاية من البلاد، فكتب إليهم ليتجهزوا ويكونوا على الحركة أي وقت طلبهم، والناس يظنون أنه يريد العبور إلى الأندلس، فأرسل في قطع السابلة عن بلاد شرق المغرب براً وبحراً.
وسار من سبتة في صفر سنة سبع وأربعين، فأسرع السير وطوى المراحل، والعساكر تلقاه في طريقه، فلم يشعر أهل بجاية إلا وهو في أعمالها، وكان ملكها يحيى بن العزيز بن حماد آخر ملوك بني حماد، وكان مولعاً بالصيد واللهم لا ينظر في شيء من أمور مملكته ، قد حكم فيها بني حمدون، فلما اتصل الخبر بميمون بن حمدون جمع العساكر وسار عن بجاية نحو عبد المؤمن، فلقيهم مقدمته، وهو يزيد على عشرين ألف فارس، فانهزم أهل بجاية من غير قتال، ودخلت مقدمة عبد المؤمن بجاية قبل وصول عبد المؤمن بيومين، وتفرق جميع عسكر يحيى بن عبد العزيز، وهبوا براً وبحراً، وتحصن يحيى بقلعة قسنطينة الهواء، وهرب أخواه الحارث وعبد الله إلى صقلية، ودخل عبد المؤمن بجاية، وملك جميع بلاد ابن العزيز بغير قتال.
ثم إن يحيى نزل إلى عبد المؤمن بالأمان، فأمنه، وكانيحيى قد فرح لما أخذت بلاد إفريقية من الحسن بن علي فرحاُ ظهر عليه، فكان يذمه، ويذكر معايبه، فلم تطل المدة حتى أخذت بلاده، ووصل الحسن بن علي إلى عبد المؤمن في جزائر بني مزغنان، وقد ذكرنا سنة ثلاث وأربعين سبب مصيره إليها، واجتمعا عنده، فأرسل عبد المؤمن يحيى ابن العزيز إلى بلاد المغرب، وأقام بها، وأجرى عليه شيئاً كثيراً.
وأما الحسن بن علي فإنه أحسن إليه، وألزمه صحبته، وأعلى مرتبته، فلزمه إلى أن فتح عبد المؤمن المهدية فجعله فيها، وأمر واليها أن يقتدي برأيه ويرجع إلى قوله.
ولما فتح عبد المؤمن بجاية لم يتعرض إلى مال أهلها ولا غيره، وسبب ذلك أن بني حمدون استأمنوا فوفى بأمانه.
ذكر ظفر المؤمن بصنهاجة
لما ملك عبد المؤمن بجاية تجمعت صنهاجة في أمم لا يحصيها إلا الله تعالى، وتقدم عليهم رجل اسمه ابو قصبة، واجتمع معهم من كتامة ولواتة وغيرهما خلق كثير، وقصدوا حرب عبد المؤمن، فأرسل إليهم جيشاً كثيراً، ومقدمهم ابو سعيد يخلف، وهو من الخمسين، فالتقوا في عرض الجبلن شرقي بجاية، فانهزم أبو قصبة وقتل أكثر من معه، ونهبت اموالهم، وسبيت نسائهم وذراريهم. (5/44)
ولما فرغوا من صنهاجة ساروا إلى قلعة بني حماد، وهي من أحصبن القلاع وأعلاها لا ترام، على رأس جبل شاهق يكاد الطرف لا يحققها لعلوها، ولكن القدر إذا جاء لا يمنع منه معقل ولا جيوش، فلما رأى أهلها عساكر الموحدين هربوا منها في رؤوس الجبال، وملكت القلعة، وأخذ جميع ما فيها من مال وغيره وحمل إلى عبد المؤمن فقسمه.
ذكر وفاة السلطان مسعود وملك ملكشاه محمد بن محمود
في هذه السنة، أول رجب، توفي السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه بهمذان، وكان مرضه حمى حادة نحو أسبوع، وكان مولده سنة اثنتين وخمسمائة في ذي القعدة، ومات معه سعادة البيت الجوقي لم يقم له بعده راية يعتد بها ولا يلتفت إليها:
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
وكان رحمه الله حسن الأخلاق، كثير المزاح والانبساط مع الناس، فمن ذلك أن أتابك زنكي، صاحب الموصل، أرسل إليه القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري في رسالة، فوصل إليه وأقام معه في العسكر، فوقف يوماً على خيمة الوزير، حتى قارب أذان المغرب، فعاد إلى خيمته، فأذن المغرب وهو في الطريق، فرأى أنساناً فقيهاً في خيمة، فنزل إليه فصلى معه المغرب، ثم سأله كمال الدين من أين هو؟ فقال: أنا قاضي مدينة كذا. فقال له كمال الدين: القضاة ثلاثة قاضيان في النار، وهو أنا وأنت، وقاض في الجنة وهو من لم يعرف أبواب هؤلاء الظلمة ولا يراهم؛ فلما كان الغد أرسل السلطان وأحضر كمال الدين إليه،فلما دخل عليه ورآه ضحك وقال: القضاة ثلاثة. فقال كمال الدين: نعم يا مولانا. فقال: والله صدقت، ما أسعد من لا يرانا ولا نراه! ثم أمر أن تقضى حاجته وأعاده من يومه.وكان كريماً عفيفاً عن الأموال التي للرعايا، حسن السيرة فيهم، من أصلح السلاطين سيرة وألينهم عريكة، سهل الأخلاق لطيفاً، فمن ذلك أنه أجتاز يوماً في بعض أطراف بغداد، فسمع امرأة تقول لأخرى: تعالي انظري إلى السلطان؛ فوقف وقال: حتى تجيء هذه الست تنظر إلينا.
وله فضائل كثيرة ومناقب جمة، وكان عهد إلى ملكشاه ابن أخيه السلطان محمود، فلما توفي خطب لم الأمير خاص بك بن بلنكري بالسلطنة، ورتب الأمور، وقررها بين يديه، وأذعن له جميع العسكر بالطاعة.
ولما وصل الخبر إلى بغداد بموت السلطان مسعود هرب الشحنة بها، وهو مسعود بلال، إلى تكريت، واستظهر الخليفة المقتفي لأمر الله على داره، ودور أصحاب السلطان ببغداد، وأخذ كل ما لهم فيها، وكل من كان عنده وديعة لأحد منهم أحضرها بالديوان، وجمع الخليفة الرجال والعساكر وأكثر التجنيد، وتقدم بإراقة الخمور من مساكن أصحاب السلطان، ووجد في دار مسعود بلال، شحنة بغداد، كثير من الخمر، فأريق، ولم يكن الناس يظنون أنه شرب الخمر بعد الحج، وقبض على المؤيد الألوسي الشاعر، وعلى الحيص بيص الشاعر، ثم أطلق الحيص بيص، وأعيد عليه ما أخذ منه.
ثم إن السلطان ملكشاه سير سلار كرد في عسكر إلى الحلة، فدخلها، فسار إليه مسعود بلال ، شحنة بغداد، وأظهر له الأتفاق معه، فلما اجتمعا قبض عليه مسعود بلال وغرقه، واستبد بالحلة، فلما علم الخليفة ذلك سير العساكر إليه مع الوزير عون الدين بن هبيرة، فسار إليه، فلما قاربوا الحلة عبر مسعود بلال الفرات إليهم وقاتلهم، فانهزم من عسكر الخليفة، ونادى أهل الحلة بشعار الخليفة، فلم يدخلها، وتمت الهزيمة عليه وعلى أصحابه، فعاد إلى تكريت، وملك عسكر الخليفة الحلة، وسير الوزير عسكراً إلى الكوفة وعسكراً إلى واسط، فملكوها.
ثم إن عساكر السلطان وصلت إلى واسط، ففارقها عسكر الخليفة، فلما سمع الخليفة ذلك تجهز بنفسه وسار عن بغداد إلى واسط، ففارقها العسكر السلطاني، وملكها الخليفة، وسار منها إلى الحلة، ثم عاد إلى بغداد، فوصلها تاسع عشر ذي القعدة، وكانت غيبته خمسة وعشرين يوماً.
ثم إن خاص بك بن بلنكري قبض على الملك ملك شاه الذي خطب له بالسلطنة بعد مسعود، وأرسل إلى أخيه الملك محمد سنة ثمان وأربعين وهو بخوزستان يستدعيه، وكان قصده أن يحضر عنده فيقبضه ويخطب لنفسه بالسلطنة، فسار الملك محمد إليه، فلما وصل أجلسه على تخت السلطنة أوائل صفر، وخطب له بالسلطنة، وخدمه، وبالغ في خدمته، وحمل له هدايا عظيمة جليلة المقدار.(5/45)
ثم إنه دخل الملك محمد ثاني يوم وصوله، فقتله محمد، وقتل معه زنكي الجاندار، وألقى برأسيهما، فتفرق أصحابهما، ولم ينتطح فيها عنزان، وكان إيدغدي التركماني المعروف بشملة مع خاص بك، فنهاه عن الدخول إلى الملك محمد، فلم ينته، فقتل ونجا شملة، فنهب جشير الملك محمد، ومضى طالباً خوزستان، وأخذ محمد من أموال خاص بك شيئاً كثيراً واستقر محمد في السلطنة وتمكن، وبقي خاص بك ملقى حتى أكلته الكلاب؛ وكان صبياً تركمانياً اتصل بالسلطان مسعود، فتقدم على سائر الأمراء وكان هذا خاتمة أمره.
ذكر الحرب بين نور الدين محمود والفرنج
في هذه السنة تجمعت الفرنج، وحشدت الفارس والراشد، وساروا نحو نور الدين، وهو ببلاد جوسلين، ليمنعوه عن ملكها، فوصلوا إليه وهو بدلوك، فلما قربوا منه رجع إليهم ولقيهم، وجرى المصاف بينهم عند دلوك، واقتتلوا أشد قتال رآه الناس، وصبر الفريقان، ثم انهزم الفرنج، وقتل منهم وأسر كثير، وعاد نور الدين إلى دلوك، فملكها واستولى عليها، ومما قيل في ذلك:
أعدت بعصرك هذا الأني ... ق فتوح النبي وأعصارها
فواطأت يا حبذا حديها ... وأسررت من بدر أبدارها
وكان مهاجرها تابعي ... ك وأنصار رأيك أنصارها
فجددت إسلام سلمانها ... وعمر جدك عمارها
وما يوم إنب إلا كذا ... ك بل طال بالبوع أشبارها
صدمت عزيمتها صدمة ... أذابت مع الماء أحجارها
وفي تل باشر باشرتهم ... بزحف تسور أسوارها
وإن دالكتهم دلوك فقد ... شددت فصدقت أخبارها
ذكر الحرب بين سنجر والغورية
في هذه السنة كان بين السلطان سنجر والغورية حرب، وكانت دولتهم أول ما قد ظهرت، وأول من ملك منهم رجل أسمه الحسين بن الحسين ملك جبال الغور ومدينة فيروز كوه، وهي تقارب أعمال غزنة، وقوي أمره، وتلقب بعلاء الدين، وتعرض إلى أعمال؛ ثم جمع جيشاً عظيماً وقصد هراة محاصراً لها، فنهب عسكره ناب وأوبة ومارباج من هراة والروز، وسار إلى بلخ وحصرها، فقاتله الأمير قماج، ومعه جمع من الغز، فغدروا به، وصاروا مع الغوري فملك بلخ، فلما سمع السلطان سنجر بذلك سار إليه ليمنعه، فثبت له علاء الدين، واقتتلوا، فانهزم الغورية، وأسر علاء الدين، وقتل من الغورية خلق كثير ، لاسيما الرجالة، وأحضر السلطان سنجر علاء الدين بين يديه، وقال له يا حسين لو ظفرت بي ما كنت تفعل بي؟ فأخرج له قيد فضة وقال: كنت أقيدك بهذا وأحملك إلى فيروز كوه؛ فخلع عليه سنجر ورده إلى فيروز كوه فبقي بها مدة.
ثم إنه قصد غزنة وملكها حينئذ بهرام شاه بن إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين فلم يثبت بها بين يدي علاء الدين، بل فارقها إلى كرمان، وهي مدينة بين غزنة والهند وسكانها قوم يقال لهم أبغان، وليست هذه بالولاية المعروفة بكرمان. فلما فارق بهرام شاه غزنة ملكها علاء الدين الغوري، وأحسن السيرة في اهلها واستعمل عليهم أخاه سيف الدين سوري، وأجلسه على تخت المملكة، وخطب لنفسه ولأخيه سيف الدين بعده.
ثم عاد علاء الدين إلى بلد الغور، وأمر أخاه أن يخلع على أعيان البلد خلعاً نفيسة، ويصلهم بصلات سنية، ففعل ذلك وأحسن إليهم، فلما جاء الشتاء، ووقع الثلج، وعلم أهل غزنة أن الطريق قد انقطع إليهم كاتبو بهرام شاه الذي كان صاحبها،واستدعوه إليهم، فسار نحوهم في عسكره فلما قارب البلد ثار أهله على سيف الدين فأخذوه بغير قتال، وكان العلويون هم الذين تولوا أسره، وانهزم الذين كانوا معه، فمنهم من نجا ، ومنهم من أخذ، ثم إنهم سودوا وجه سيف الدين، وأركبوه بقرة وطافوا به البلد، ثم صلبوه، وقالوا فيه أشعاراً يهجونه بها وغنى بها حتى النساء(5/46)
فلما بلغ الخبر إلى أخيه علاء الدين الحسين قال شعراً معناه: إن لم أقلع غزنة في مرة واحدة، فليت الحسين بن الحسين؛ ثم توفي بهرام شاه وملك بعده ابنه خسروشاه، وتجهز علاء الدين الحسين وسار إلى غزنة سنة خمسين وخمسمائة، فلما بلغ الخبر إلى خسروشاه سار عنها إلى لهاوور، وملكها علاء الدين، ونهبها ثلاثة أيام، واخذ العلويين الذين أسروا أخاه فألقاهم من رؤوس الجبال، وخرب المحلة التي صلب فيها أخوه، وأخذ النساء اللواتي قيل عنهم إنهن كن يغنين بهجاء أخيه والغورية، فأدخلهن حماماً ومنعهن من الخروج حتى متن فيه.
وأقام بغزنة حتى أصلحها، ثم عاد إلى فيروزكوه، ونقل معه من أهل غزنة خلقاً كثيراً،وحملهم المخالي مملوءة تراباً، فبنى به قلعة في فيروزكوه، وهي موجودة إلى الآن، وتلقب بالسلطان المعظم وحمل الجتر على عادة السلاطين السلجوقية، وقد تقدم سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة من أخبارهم، وفيه مخالفة لهذا في بعض الأمر، وكلا سمعناه ورأيناه في مصنفاتهم، فلهذا ذكرنا الأمرين، وأقام الحسين على ذلك مدة، واستعمل ابني أخيه، وهما غياث الدين وشهاب الدين.
ذكر ملك غياث الدين وشهاب الدين الغوريين
لما قوي أمر عمهما علاء الدين الحسين بن الحسين استعمل العمال والأمراء على البلاد، وكان ابنا أخيه، وهما غياث الدين ابو الفتح محمد بن سام، وشهاب الدين أبو المظفر محمد بن شام، فيمن استعمل على بلد من بلاد الغور اسمه سنجة، وكان غياث الدين يلقب حينئذ شمس الدين، ويلقب الأخر شهاب الدين، فلما استعملهما احسنا السيرة في عملهما وعدلا، وبذلا الأموال، فمال الناس إليهما، وانتشر ذكرهما، فسعى بهما يحسدهما إلى عمهما علاء الدين، وقال: إنهما يريدان الوثوب بك، وقتلك، والاستيلاء على الملك، فأرسل عمهما يستدعيهما إليه، فامتنعا، وكانا قد بلغهما الخبر، فلما امتنعا عليه جهز إليهما عسكراً مع قائد يسمى خروش الغوري، فلما التقوا انهزم خروش ومن معه، وأسر هو، وأبقيا عليه، وأحسنا إليه، وخلعا عليه، وأظهرا عصيان عمهما وقطعا خطبته؛ فتوجه إليهما علاء الدين، وسارا هما أيضاً إليه، فالتقوا واقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم علاء الدين وأخذ أسيراً وانهزم عسكرهن فنادى فيهم ابنا أخيه بالأمان، فأحضرا عمهما وأجلساه على التخت، ووقفا في خدمته، فبكى علاء الدين وقال: هذان صبيان قد فعلا ما لو قدرت عليه منهما لم أفعله؛ ثم أحضر عمهما القاضي في الحال، وزوج غياث الدين بنتاً له، وجعله ولي عهده، وبقي كذلك إلى أن مات.
فلما توفي ملك غياث الدين بعده وخطب لنفسه في الغور وغزنة بالملك، وبقي كذلك إلى أن ملك الغز غزنة بعد موت علاء الدين، معوا فيها بموته، وبقيت بأيديهم خمس عشرة سنة يصبون على أهلها العذاب، ويتابعون اللم كعادتهم في كل بلدة ملكوها، ولو انهم لما ملكوا احسنوا السيرة في الرعايا لدام ملكهم، فلم يزل الغز بغزنة هذه المدة، وغياث الدين يقوي أمره، ويحسن السيرة، والناس يميلون إليه ويقصدونه.
ذكر ملك غياث الدين غزنة وما جاورها
لما قوي أمر غياث الدين جهز جيشاً كثيفاً مع أخيه شهاب الدين إلى غزنة، فيه أصناف الغورية والخلج والخراسانية، فساروا إليها، فلقيهم الغز وقاتلوهم، فانهزم الغورية، وثبت شهاب الدين وسار الغز خلف المنهزمين فعطف شهاب الدين فيمن ثبت معه على صاحب علمهم فقتله وأخذ العلم، وتركه على حاله، فتراجع الغز، ولم يكونوا علموا ماكان من شهاب الدين، فجاؤوا يطلبون علمهم، فكلما جاء إليه طائفة قتلهم، فأتى على أكثرهم، ودخل غزنة وتسلمها واحسن السيرة في أهلها وأفاض العدل.
وسار من غزنة إلى كرمان وشنوران فملكهما، ثم تعدى إلى ماء السند وعمل على العبور إلى بلد الهند، وقصد لهاوور، وبها يومئذ خسروشاه ابن بهرام شاه المقدم ذكر والده؛ فلما سمع خسروشاه بذلك سار فيمن معه إلى ماء السند، فمنعه من العبور، فرجع عنه وقصد خرشابور فملكها وما يليها من جبال الهند، وأعمال الأبغان، والله أعلم.
ذكر ملك شهاب الدين لهاوور (5/47)
لما ملك شهاب الدين جبال الهند قوي أمره وجنانه، وعظمت هيبته في قلوب الناس، وأحبوه لحسن سيرته، فلما خرج الشتاء، وأقبل الربيع من سنة تسع وسبعين وخمسمائة، سار نحو لهاوور في جمع عظيم، وحشد كثير من خراسان والغور وغيرهما، فعبر إلى لهاوور وحصرها، وأرسل إلى صاحبها خسروشاه وإلى أهلها يتهددهم إن منعوه، وأعلمهم أنه لايزول حتى يملك البلد، وبذل لخسروشاه الأمان على نفسه وأهله وماله، ومن الأقطاع ما أراد، وأن يزوج ابنته بابن خسروشاه على أن يطأ بساطه ويخطب لأخيه، فامتنع عليهن وأقام شهاب الدين محاصراً له، مضيقاً عليه، فلما رأى أهل البلد والعسكر ذلك ضعفت نياتهم في نصرة صاحبهم، فخذلوه،فأرسل لما رأى ذلك القاضي والخطيب يطلبان له الأمان، فأجابه شهاب الدين إلى ذلك وحلف له، وخرج إليه، ودخل الغورية إلى المدينة، وبقي كذلك شهرين مكرماً عند شهاب الدين، فورد رسول من غياث الدين إلى شهاب الدين يامره بإنفاذ خسروشاه إليه.
ذكر انقراض دولة سبكتكين
لما أنفذ غياث الدين إلى أخيه شهاب الدين يطلب إنفاذ خسروشاه إليه أمره شهاب الدين بالتجهيز والمسير، فقال: أنا لا أعرف أخاك، ولا لي حديث إلا معك، ولا يمين إلا في عنقك، فمناه وطيب قلبه، وجهزه وسيره وسير معه ولده، وأصحبهما جيشاً يحفظونهما، فسارا كارهين؛ فلما بلغا فرشابور خرج أهلها إليهما يبكون ويدعون لهما، فزجرهم الموكلون بهما، وقالوا: سلطان يزور سلطان أخر، لأي شيء تبكون؟ وضربوهم فعادوا، وخرج ولد خطيبها إلى خسروشاه عن أبيه متوجعاً له، قال: فلما دخلت عليه أعلمته رسالة أبي، وقلت: أنه قد اعتزل الخطابة، ولا حاجة به إلى خدمة غيركم. فقال لي : سلم عليه. وأعطاني فرجية فوطاً ومصلى من عمل الصوفية، وقال: هذه تذكرة ابيه عند أبي، فسلمها إليه وقل له: در مع الدهر كيف دار؛ وأنشد بلسان فصيح:
وليس كعهد الدار يا أم مالك ... ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
قال: فانصرفت إلى أبي وعرفته الحال، فبكى، وقال: قد أيقن الرجل بالهلاك، ثم رحلوا. فلما بلغوا بلد الغور لم يجتمع بهما غياث الدين بل أمر بهما فرفعا إلى بعض القلاع، فكان آخر العهد بهما.
وهو آخر ملوك آل سبكتكين، وكان ابتداء دولتهم سنة ست وستين وثلاثمائة، فتكون مدة ولايتهم مائتي سنة وثلاث عشرة سنة تقريباً. وكان ملوكهم من أحسن الملوك سيرة، ولا سيما جده محمود، فإن آثاره في الجهاد معروفة، وأعماله للآخرة مشهورة:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
فتبارك الذي لا يزول ملكه، ولا تغيره الدهور، فأف لهذه الدنيا الدنية، وكيف تفعل هذا بأبنائها؛ نسأل الله تعالى أن يكشف عن قلوبنا حتى نراها بعين الحقيقة، وأن يقبل بنا إليه، وأن يشغلنا به عما سواه، إنه على كل شيء قدير.
هكذا ذكر بعض فضلاء خراسان أن خسروشاه آخر ملوك آل سبكتكين،وقد ذكر غيره أنه توفي في الملك، وملك بعده ابنه ملكشاه. وسنذكره في سنة تسع وخمسين وخمسمائة، وبالجملة فابتداء دولة الغورية عندي فيه خلف لو ينكشف الحق فأصلحه إن شاء الله تعالى.
ذكر الخطبة لغياث الدين بالسلطنة
لما استقر ملكهم بلهاوور واتسعت مملكتهم وكثرت عساكرهم وأمالهم كتب غياث الدين إلى أخيه شهاب الدين، فتلقب غياث الدين والدنيا معين الإسلام قسيم أمر المؤمنين؛ ولقب أخاه معز الدين، ففعل شهاب الدين ذلك وخطب له بالسلطنة.
ذكر ملك غياث الدين هراة وغيرها من خراسان
لما فرغ شهاب الدين من إصلاح أمر لهاوور وتقرير قواعدها، سار إلى أخيه غياث الدين، فلما اجتمع به استقر رأيهما على المسير إلى خراسان وقصد مدينة هراة ومحاصرتها، فسارا في العساكر الكثيرة إليها، وكان بها جماعة من الأتراك السنجرية، فنازلا البلد وحصراه، وضيقا على من به، فاستسلموا إليهما، وأرسلوا يطلبون الأمان منهما، فأجاباهم إلى ذلك وأمناهم، فتسلما البل (5/48)
وأخرجا من به من الأمراء السنجرية، واستناب فيه غياث الدين خزنك الغوري، وسار غياث الدين وأخوه إلى فوشنج فملكاها، ثم إلى باذغيس وكالين وبيوار فملكاها أيضاً، وتسلم ذلك جميعه غياث الدين وأحسن السيرة في أهل البلاد، ورجع إلى فيروزكوه، ورجع شهاب الدين إلى غزنة، وكان ينبغي أن حوادث الغورية تذكر بالسنين، وإنما جمعناها ليتلو بعضها بعضاً ولأن فيه ما لم يعرف تاريخه فتركناه بحاله.
ذكر ملك شهاب الدين مدينة آجرة
لما رجع شهاب الدين من خراسان إلى غزنة أقام بها حتى أراح واستراح هو وعساكره، ثم سار إلى بلد الهند، فحاصر مدينة آجرة، وبها ملك من ملوك الهند، فلم يظفر منه بطائل، وكان للهندي زوجة غالبة على أمره، فراسلها شهاب الدين أنه يتزوجها، فأعادت الجواب أنها لا تصلح له، وأن لها ابنة جميلة تزوجه إياها، فأرسل إليها يجيبها إلى التزوج بابنتها، فسقت زوجها سماً فمات وسلمت البلد إليه.
فلما أخذ الصبية فأسلمت، وتزوجها وحماها إلى غزنة، وأجرى عليها الجرايات الوافرة، ووكل بها من علمها القرآن، وتشاغل عنها، فتوفيت والدتها، ثم توفيت هي بعد عشر سنين، ولم يرها ولم يقربها، فبنى لها مشهداً ودفنها فيه، وأهل غزنة يزورون قبرها.
ثم عاد إلى بلد الهند، فذل له صعابها، وتيسر له فتح الكثير من بلادهم، ودوخ ملوكهم، وبلغ منه ما لم يبلغه أحد قبله من ملوك المسلمين.
ذكر ظفر الهند على المسلمين
لما اشتدت نكاية شهاب الدين في بلاد الهند وإثخانه في أهلها واستيلائه عليها، اجتمع ملوكهو وتآمروا بينهم، ووبخ بعضهم بعضاً، فاتفق رأيهم على الاجتماع والتعاضد على حربه، فجمعوا عساكرهم وحشدوا، وأقبل إليهم الهنود من كل فج عميق على الصعب والذلول، وجاؤوا بحدهم وحديدهم، وكان الحاكم على جميع الملوك المجتمعين امرأة هي من أكبر ملوكهم.
فلما سمع باجتماعهم ومسيرهم إليه تقدم هو إليهم في عسكر عظيم من الغورية والخلج والخراسانية وغيرهم، فالتقوا واقتتلوا، فلم يكن بينهم كثير قتال حتى انهزم المسلمون وركبهم الهنود يقتلون ويأسرون، وأثخنوا فيهم، وأصاب شهاب الدين ضربة بطلت منها يده اليسرى، وضربة أخرى على رأسه سقط منها على الأرض، وحجز الليل بين الفريقين، فأحس شهاب الدين جماعة من غلمانه الأتراك في ظلمة الليل وهم يطلبونه في القتلى ويبكون، وقد رجع الهنود إلى ورائهم، وكلمهم وهو على ما به من الجند، فجاؤوا إليه مسرعين، وحملوه على رؤوسهم رجالة يتناوبون حماه، حتى بلغوا مدينة آجرة مع الصباح.
وشاع خبر سلامته في الناس، فجاؤوا إليه يهنئونه من أقطار البلاد، فأول ما عمل أنه أخذ أمراؤهم وسألوه أن يكف عنهم، ويتركهم في مراعيهم، ويعطونه من كل بيت مائتي درهم فضة، فلم يجبهم إلى ذلك وشدد عليهم في الأنتزاح عن بلده، فعادوا عنه، واجتمعوا وقاتلوه، فانهزم قماج ونهبوا ماله ومال عسكره، وأكثروا القتل في العسكر والرعايا، واسترقوا النساء والأطفال، وعملوا كل عظيمة ، وقتلوا الفقهاء وخربوا المدارس. (5/49)
وانتهت الهزيمة بقماج إلى مرو، وبها السلطان سنجر، فأعلمه الحال، فراسلهم سنجر ، يتهددهم، فأمرهم بمفارقة بلاده، فاعتذروا، وبذلوا بذلاً كثيراً ليكف عنهم ويتركهم في مراعيهم، فلم يجبهم إلى ذلك، وجمع عسلكره من أطراف البلاد، واجتمع معه ما يزيد على مائة ألف فارس، وقصدهم ووقع بينهم حرب شديدة، فانهزمت عساكر سنجر، وانهزم هو أيضاً، وتبعهم الغز قتلاً وأسراً، فصار قتلى العسكر كالتلال، وقتل علاء الدين قماج، وأسر السلطان سنجر، وأسر معه جماعة من الأمراء، فأما الأمراء فضربوا أعناقهم، وأما السلطان سنجر، فإن أمراء الغز اجتمعوا، وقبلوا الأرض بين يديه، وقالوا : نحن عبيدك لا نخرج عن طاعتك، فقد علمنا أنك لا ترد قتالنا، وإنما حملت عليه، فأنت السلطان ونحن العبيد؛ فمضى على ذلك شهران، أو ثلاثة، ودخلوا معه إلى مرو وهي كرسي ملك خراسان، وطلبها منه بختيار إقطاعاً، فقال السلطان: هذه دار الملك ولا يجوز أن تكون إقطاعاً لأحد. فضحكوا منه وحبق له بختيار بفمه، فلما رأى ذلك نزل عن سرير الملك ودخل خانكاه مرو وتاب عن الملك.واستولى الغز على البلاد، وظهر منهم من الجور ما لم يسمع بمثله، وولوا على نيسابور والياً، فقسط على الناس كثيراً وعصفهم وضربهم، وعلق في الأسواق ثلاث غرائر، وقال: أريد ملء هذه ذهباً، فثار عليه العامة وقتلوه ومن معه، فركب الغز ودخلوا نيسابور ونهبوها نهباً مجحفاً، وجعلوها قاعاً صفصفاً، وقتلوا الكبار والصغار وأحرقوها، وقتلوا القضاة والعلماء في البلاد كلها، فممن قتل الحسين بن محمد الأرسابندي، والقاضي علي بن مسعود، والشيخ محمد بن يحيى، وأكثر الشعراء في مراثي محمد بن يحيى فممن قال فيه علي بن إبراهيم الكاتب:
مضى الذي كان يجنى الدر من فيه ... يسيل بالفضل والإفضال واديه
مضى ابن يحيىالذي قد كان صوب حياً ... لأبرشهر ومصباحاً لداجيه
خلا خراسان من علم ومن ورع ... لما نعاه إلى الآفاق ناعيه
لما أماتوه مات الدين واأسفاً ... من ذا الذي بعد محي الدين يحييه
ويتعذر وصف ما جرى منهم على تلك البلاد جميعها، ولم يسلم من خراسان شيء لم تنهبه الغز غير هراة ودهستان لأنها كانت حصينة فامتنعت.
وقد ذكر بعض مؤرخي خراسان من أخبارهم ما فيه زيادة وضوح فقال: إن هؤلاء الغز قوم انتقلوا من ضواحي الثغر من أقاصي الترك إلى ما وراء النهر في أيام المهدي، وأسلموا واستنصر بهم المقنع صاحب المخاريق والشعبذة، حتى تم أمره، فلما سارت العساكر إليه خذله الغز وأسلموه، وهذه عادتهم في كل دولة كانوا فيها؛ وفعلوا مثل ذلك مع الملوك الخاقانية، إلا أن الأتراك القارغلية قمعوهم، وطردوهم عن أوطانهم، فجعاهم الأمير زنكي بن خليفة الشيباني المستولي على حدود طخارستان إليه، وأنزلهم بلاده، وكانت بينه وبين الأمير قماج عداوة أحكمتها الأيام للمجاورة التي بينهما، وكل منهما يريد أن يعلو على الآخر ويحكم عليه، فتقوى بهم زنكي، وساروا معه إلى بلخ لمحاربة قماج، فكاتبهم قماج، فمالوا إليه، وخذلوا زنكي عند الحرب، فأخذ زنكي وابنه أسيرين، فقتل قماج ابن زنكي، وجعل يطعم أباه لحمه، ثم قتل الأب أيضاً، وأقطع قماج الغز مواضع، وأباحهم مراعي بلاده.
فلما قام الحسين بن الحسين الغوري بغزنة وقصد بلخ خرج إليه قماج وعساكره ومعه الغز، ففارقه الغز وانضموا إلى الغوري حتى ملك مدينة بلخ، فسار السلطان سنجر إلى بلخ، ففارقها الغوري بعد قتال وانهزم منه، ثم دخل على السلطان سنجر لعجزه عن مقاومته، فرده إلى غزنة.
وبقي الغز بنواحي طخارستان وفي نفس قماج منهم الغيظ العظيم لما فعلوه معهن فأراد صرفهم عن بلاده، فتجمعوا، وانضم إليهم طوائف من الترك، وقدموا عليهم أرسلان بوقا التركي، فجمع قماج عسكره ولقيهم فاقتتلوا يوماً كاملاً إلى الليل، فانهزم قماج وعسكره، وأسر هو وابنه بكر، فقتلوهما، واستولوا على نواحي بلخ، وعاثوا فيها وافسدوا بالنهب والقتل والسلب.(5/50)
وبلغ السلطان سنجر الخبر، فجمع عساكره وسار إليهم، فراسلوه يعتذرون ويتنصلون، فلم يقبل عذرهم، ووصل إليهم مقدمة السلطان، وفيها محمد بن أبي بكر بن قماج المقتول، والمؤيد أي أبه في المحرم من سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، ووصل بعدهم السلطان سنجر، فالتقاه الغز بعد أن أرسلوا يعتذرون ويبذلون الأموال والطاعة والانقياد إلى كل ما يؤمرون به، فلم يقبل سنجر ذلك منهم، وسار إليهم، فلقوه وقاتلوه وصبروا له، ودام قتالهم، فانهزم عسكر سنجر وهو معهم، فتوجهوا إلى بلخ على أقبح صورة،وتبعهم الغز، واقتتلوا ثانية، فانهزم السلطان سنجر أيضاً، ومضى منهزماً إلى مرو في صفر من السنة، فقصد الغز إليها، فلما سمع أمراء الغورية الذين انهزموا عنه وأسلموه، فملأ مخالي خيلهم شعيراً، وحاف لئن لم يأكلوه ليضربن أعناقهم، فأكلوه ضرورة.
وبلغ الخبر إلى أخيه غياث الدين فكتب إليه يلومه على عجلته وإقدامه وانفذ إليه جيشاً عظيماً.
ذكر ظفر المسلمين بالهند
لما سلم شهاب الدين وعاد إلى آجرة، وأتاه المدد من أخيه غياث الدين، عاد الهنود فجددوا سلاحهم، ووفروا جمعهم، وأقاموا عوض من قتل منهم، وسارت ملكتهم وهم معها في عدد يضيق عنه الفضاء، فراسلها شهاب الدين يخدعها بأنه يتزوجها، فلم تجبه إلى ذلك، وقالت: إما الحرب وإما أن تسلم بلاد الهند وتعود إلى غزنة؛ فأجابها إلى العود إلى غزنة، وأنه يستأذن أخاه غياث الدين فعل ذلك مكراً وخديعة.
وكان بين العسكرين نهر، وقد حفظ الهنود المخاضات، فلا يقدر أحد من المسلمين أن يجوزه، وأقاموا ينتظرون ما يكون من جواب غياث الدين بزعمهم، فبينما هم كذلك إذ وصل إنسان هندي إلى شهاب الدين وأعلمه بأنه يعرف مخاضاً قريباً من عسكر الهنود، وطلب أن يحضر جيشاً يعبرهم المخاض، ويكسبون الهنود وهم غارون غافلون، فخاف شهاب الدين أن تكون خديعة ومكراً، فأقام له ضمناء من أهل آجرة والمولتان، فأرسل معه جيشاً كثيفاً ، وجعل عليهم الأمير الحسين بن خرميل الغوري، وهو الذي صار بعد صاحب هراة، وكان من الشجاعة والرأي بالمنزلة المشهورة.
فسار الجيش مع الهندي، فعبروا النهر، فلم يشعر الهنود إلا وقد خالطهم المسلمون ووضعوا السيف فيهم، فاشتغل الموكلون بحفظ المخاضات، فعبر شهاب الدين وباقي العساكر، وأحاطوا بالهنود، وأكثروا القتل فيهم، ونادوا بشعار الإسلام، فلم ينج من الهنود إلا من عجز المسلمون عن قتله وأسره، وقتلت ملكتهم، وتمكن شهاب الدين بعد هذه الوقعة من بلاد الهند، وأمن معرة فسادهم، والتزموا له بالأموال وسلموا الرهائن وصالحوه، وأقطع مملوكه قطب الدين أيبك مدينة دهلي، وهي كرسي الممالك التي فتحها من الهند، فأرسل عسكراً من الخلج مع محمد بن بختيار، فملكوا من بلاد الهند مواضع ما وصل إليها مسلم قبله، حتى قاربوا حدود الصين من جهة المشرق.
وقد حدثني صديق لي من التجار بوقعتين تشبهان هاتين الوقعتين المذكورتين وبينهما بعض الخلاف، وقد ذكرناهما سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة توفي يعقوب الكاتب ببغداد، وكان يسكن بالمدرسة النظامية، وحضر متولي المتروكات وختم على الغرفة التي كان يسكنها بالمدرسة، فثار الفقهاء وضربوا المتولي وأخذوا التركة، وهذه عادتهم فيمن يموت بها وليس له وارث، فقبض حاجب الباب على رجلين من الفقهاء وعاقبهما، وحبسهما، فأغلق الفقهاء المدرسة، وألقوا كرسي الوعاظ في الطريق، وصعدوا سطح المدرسة ليلاً، واستغاثوا وتركوا الأدب.
وكان حينئذ مدرسهم الشيخ أبا النجيب، فجاء وألقى نفسه تحت التاج يعتذر، فعفي عنه.
وفيها توفي حام الدين تمرتاش صاحب ماردين وميافارقين، وكانت ولايته نيفاً وثلاثين سنة، وتولى بعده ابنه نجم الدين البي.
وفيها مات أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي الشافعي المحدث، ومولده سنة تسع وخمسين وأربعمائة.
وفيها توفي أبو الأسعد عبد الرحمن القشيري في شوال، وهو شيخ شيوخ خراسان.
وفيها، في المحرم باض ديك ببغداد بيضة.

This site was last updated 07/27/11