Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ست وثلاثين وخمسمائة سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة530 وسنة532
سنة532 وسنة533
سنة534 وسنة535
سنة536 وسنة537
سنة538 وسنة539
سنة540 وسنة541
سنة542 وسنة543
سنة544
سنة545 وسنة546
سنة547
سنة548
سنة549 وسنة550 وسنة551
سنة552
سنة553 وسنة554
سنة555

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ست وثلاثين وخمسمائة
انهزام السلطان سنجر من الأتراك الخطا

ذكر انهزام السلطان سنجر من الأتراك الخطا وملكهم ما وراء النهر
قد ذكر أصحاب التواريخ في هذه الحادثة أقاويل نحن نذكرها جميعها للخروج من عهدتها، فنقول: في هذه السنة، في المحرم، انهزم السلطان سنجر من الترك الكفار. وسبب ذلك أن سنجر كان قتل ابناً لخوارزم شاه أتسز بن محمد، كما ذكرناه قبل، فبعث خوارزم شاه إلى الخطا، وهم بما وراء النهر، يطمعهم في البلاد ويروج عليهم أمرها، وتزوج إليهم، وحثهم على قصد مملكة السلطان سنجر، فساروا في ثلاثمائة ألف فارس، وسار إليهم سنجر في عساكره، فالتقوا بما وراء النهر، واقتتلوا أشد قتال، وانهزم سنجر في جميع عساكره، وقتل منهم مائة ألف قتيل، منهم أحد عشر ألف صاحب عمامة، وأربعة آلاف امرأة، وأسرت زوجة السلطان سنجر، وتم سنجر منهزماً إلى ترمذ، وسار منها إلى بلخ.
ولما انهزم سنجر قصد خوارزم شاه مدينة مرو، فدخلها مراغمة للسلطان سنجر، وقتل بها، وقبض على أبي الفضل الكرماني الفقيه الحنفي وعلى جماعة من الفقهاء وغيرهم من أعيان البلد.
ولم يزل السلطان سنجر مسعوداً إلى وقتنا هذا لم تنهزم له راية، ولما تمت عليه هذه الهزيمة أرسل إلى السلطان مسعود وأذن له في التصرف في الري وما يجري معها على قاعدة أبيه السلطان محمد، وأمره أن يكون مقيماً فيها بعساكره بحيث أن دعت حاجة استدعاه لأجل هذه الهزيمة، فوصل عباس صاحب الري إلى بغداد بعساكره، وخدم السلطان مسعوداً خدمة عظيمة، وسار السلطان إلى الري امتثالاً لأمر سنجر.
وقيل: إن بلاد تركستان، وهي كاشغر، وبلاساغون، وختن، وطراز وغيرها مما يجاورها من بلاد ما وراء النهر كانت بيد الملوك الخانية الأتراك، وهم مسلمون من نسل افراسياب التركي، إلا أنهم مختلفون، وكان سبب إسلام جدهم اظلول واسمه سبق قراخاقان أنه رأى في منامه كأن رجلاً نزل من السماء فقال بالتركية ما معناه: أسلم تسلم في الدنيا والآخرة، فأسلم في منامه، وأصبح فأظهر إسلامه، فلما مات قام مقامه ابنه موسى بن سبق، ولم يزل الملك بتلك الناحية في أولاده إلى أرسلان خان محمد ابن سليمان بن داود يغراخان بن إبراهيم الملقب بطمغاج خان بن أيلك الملقب بنصر أرسلان بن علي بن موسى بن سبق، فخرج على قدرخان فانتزع الملك منه، فقتل سنجر قدر خان، كما ذكرناه، سنة أربع وتسعين وأربعمائة، وأعاد الملك إلى أرسلان خان، وثبت قدمه، وخرج خوارج، فاستصرخ السلطان سنجر فنصره وأعاد ملكه أيضاً.
وكان من جنده نوع من الأتراك يقال لهم الفارغلية والأتراك الغزية الذين نهبوا خراسان على ما نذكره إن شاء الله، وهم نوعان: نوع يقال لهم أجق، وأميرهم طوطى بن دادبك؛ ونوع يقال لهم برق، وأميرهم قرعوت بن عبد الحميد، فحسن الشريف الأشرف بن محمد بن أبي شجاع العلوي السمرقندي لولد أرسلان خان المعروف بنصر خان طلب الملك من أبيه وأطعمه، فسمع محمد خان الخبر، فقتل الابن والشريف الأشرف.
وجرت بين أرسلان خان وبين جنده القارغلية وحشة دعتهم إلى العصيان عليه وانتزاع الملك منه، فعاود الاستغاثة بالسلطان سنجر، فعبر جيحون بعساكره سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وكان بينهما مصاهرة، فوصل إلى سمرقند، وهرب القارغلية من بين يديه.
واتفق أن السلطان سنجر خرج إلى الصيد، فرأى خيالة، فقبض عليهم فأقروا بأن أرسلان خان وضعهم على قتله فعاد إلى سمرقند، فحصر أرسلان خان بالقلعة فملكها، وأخذه أسيراً، وسيره إلى بلخ فمات بها؛ وقيل قد غدر به سنجر، واستضعفه، فملك البلد منه فأشاع عنه ذلك. (5/20)
فلما ملك سمرقند استعمل عليها بعده قلج طمغاج أبا المعلي الحسن بن علي بن علي بن عبد المؤمن المعروف بحسن تكين، وكان من أعيان بيت الخانية، إلا أ ن أرسلان خان اطرحه، فلما ولي سمرقند لم تطل أيامه، فمات عن قليل، فأقام سنجر مقامه الملك محمود بن أرسلان خان محمد بن سليمان بن داود بغراخان، و هو ابن الذي أخذ منه سنجر سمرقند، وكان محمود هذا ابن أخت سنجر، وكان قبل ذلك، سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، قد وصل الأعور الصيني إلى حدود كاشغر في عدد كثير لا يعلمهم إلا الله، فاستعد له صاحب كاشغر، وهو الخان أحمد بن الحسن، وجمع جنوده، فخرج إليه والتقوا، فاقتتلوا، وانهزم الأعور الصيني، وقتل كثير من أصحابه، ثم إنه مات، فقام مقامه كوخان الصيني.
وكو بلسان الصين لقب لأعظم ملوكهم، وخان لقب لملوك الترك فمعناه أعظم الملوك. وكان يلبس لبسة ملوكهم من المقنعة والخمار، وكان مانوي المذهب. ولما خرج من الصين إلى تركستان انضاف إليه الأتراك الخطا، وكانوا قد خرجوا قبله من الصين، وهم في خدمة الخانية أصحاب تركستان.
وكان أرسلان خان محمد بن سليمان يسير كل سنة عشرة آلاف خركاو وينزلهم على الدروب التي بينه وبين الصين، يمنعون أحداً من الملوك أن يتطرق إلى بلاده، وككان لهم على ذلك جرايات وإقطاعات، فاتفق أنه وجد عليهم في بعض السنين، فمنعهم عن نسائهم لئلا يتوالدوا، فعظم عليهم، ولم يعرفوا وجهاً يقصدونه وتحيروا، فاتفق أنه اجتاز بهم قفل عظيم فيه الأموال الكثيرة والأمتعة النفيسة، فأخذوه وأحضروا التجار وقالوا لهم: إن كنتم تريدون أموالكم فتعرفونا بلداً كثير المرعى فسيحاً يسعنا ومعنا أموالنا؛ فاتفق رأي التجارعلى بلد بلاساغون فوصفوه لهم، فأعادوا إليهم أموالهم، وأخذوا الموكلين بهم لمنعهم عن نسائهم وكتفوهم، وأخذوا نسائهم وساروا إلى بلاساغون، وكان أرسلان خان يغزوهم ويكثر جهادهم فخافوه خوفاً عظيماً.
فلما طال ذلك عليهم وخرج كوخان الصيني انضافوا إليه أيضاً، فعظم شأنهم وتضاعف جمعهم، وملكوا بلاد تركستان، وكانوا إذا ملكوا المدينة لا يغيرون على أهلها شيئاً، بل يأخذون من كل بيت ديناراً من أهل البلاد وغيرها من القرى، وأما المزروعات وغير ذلك فلأهله، وكل من أطاعهم من الملوك شد في وسطه شبه لوح فضة، فتلك علامة من أطاعهم.
ثم ساروا إلى بلاد ما راء النهر، فاستقبلهم الحاقان محمود بن محمد بن حدود خجندة في رمضان سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، واقتتلوا، فانهزم الخاقان محمود بن محمد، وعاد إلى سمرقند، فعظم الخطب على أهلها، واشتد الخوف والحزن، وانتظروا البلاء صباحاً ومساء، وكذلك أهل بخارى وغيرها من بلاد ما وراء النهر، وأرسل الخاقان محمود إلى السلطان سنجر يستمده وينهي إليه ما لقي المسلمون، ويحثه على نصرتهم، فجمع العساكر، فاجتمع عنده ملوك خراسان: صاحب سجستان والغور، وملك غزنة، وملك مازندران وغيرهم، فاجتمع له أكثر من مائة ألف فارس وبقي العرض ستة أشهر.
وسار سنجر إلى لقاء الترك، فعبر إلى ما وراء النهر في ذي الحجة سنة خمساً وثلاثين وخمسمائة، فشكا إليه محمود بن محمد خان من الأتراك القارغلية، فقصدهم سنجر، فالتجأوا إلى كوخان الصيني ومن معه من الكفار، وأقام سنجر بسمرقند، فكتب إليه كوخان كتاباً يتضمن الشفاعة في الأتراك القارغلية، ويطلب منه أن يعفوا عنهم، فلم يشفعه فيهم، وكتب إليه يدعوه إلى الإسلام ويتهدده إن لم يجب غليه ويتوعده بكثرة عساكره، ووصفهم، وبالغ في قتالهم بأنواع السلاح حتى قال: وإنهم يشقون الشعر بسهامهم؛ فلم يرض هذا الكتاب وزيره طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك، فلم يصغي إليه، وسير الكتاب، فلما قرأ الكتاب على كوخان أمر بنتف لحية الرسول، وأعطاه إبرة، وكلفه شق شعرة من لحيته فلم يقدر أن يفعل ذلك، فقال: كيف يشق غيرك شعرة بسهم وأنت عاجز عن شقها بإبرة؟ واستعد كوخان للحرب، وعنده جنود الترك والصين والخطا وغيرهم، وقصد السلطان سنجر، فالتقى العسكران، وكانا كالبحرين العظيمين،بموضع يقال له قطوان، وطاف بهم كوخان حتى ألجأهم إلى واد يقال له درغم، وكان على ميمنة سنجر الأمير قماج، وعلى ميسرته ملك سجستان، والأثقال ورائهم، فاقتتلوا خامس صفر سنة ست وثلاثين وخمسمائة. (5/21)
وكانت الأتراك القارغلية الذين هربوا من سنجر من أشد الناس قتالاً، ولم يكن ذلك اليوم من عسكر السلطان سنجر أحسن قتالاً من صاحب سجستان، فأجلت الحرب عن هزيمة المسلمين، فقتل منهم ما لا يحصى من كثرتهم، واشتمل وادي درغم على عشرة آلاف من القتلى والجرحى، ومضى السلطان سنجر منهزماً، وأمر صاحب سجستان والأمير قماج وزوجة السلطان سنجر، وهي ابنة أرسلان خان، فأطلقهم الكفار، وممن قتل الحسام عمر بن عبد العزيز بن مازة البخاري الفقيه الحنفي المشهور. ولم يكن في الإسلام وقعة أعظم من هذه ولا أكثر ممن قتل فيها بخراسان.
واستقرت دولة الخطا والترك الكفار بما وراء النهر، وبقي كوخان إلى رجب من سنة سبع وثلاثين وخمسمائة فمات فيه. وكان جميلاً، حسن الصورة، لا يلبس إلا الحرير الصيني ، له هيبة عظيمة على أصحابه، ولم يسلط أميراً على أقطاع بل كان يعطيهم من عنده، ويقول: متى أخذوا الأقطاع ظلموا؛ وكان لا يقدم أميرا على أكثر من مائة فارس حتى لا يقدر على العصيان عليه؛ وكان ينهى أصحابه عن الظلم، وينهى عن السكر ويعاقب عليه، ولا ينهى عن الزنا ولا يقبحه.
وملك له بعده ابنة له فلم تطل مدتها حتى ماتت ، فملك بعدها أمها زوجة كوخان وابنة عمه، وبقي ما وراء النهر بيد الخطا إلى أن أخذه منهم علاء الدين محمد خوارزم شاه سنة اثنتي عشرة وستمائة، على ما نذكره إن شاء الله.
ذكر ما فعله خوارزم شاه بخراسان
قد ذكرنا قبل قصد السلطان سنجر خوارزم، وأخذها من خوارزم شاه أتسز،وعوده إليها،وقتل ولد خوارزم شاه،وأنه هو الذي راسل الخطا وأطمعهم في بلاد الإسلام، فلما لقيهم السلطان سنجر وعاد منهزماً سار خوارزم شاه إلى خراسان، فقصد سرخس في ربيع الأول من السنة.
فلما وصل إليها لقيه الإمام أبو محمد الزيادي، وكان قد جمع بين الزهد والعلم، فأكرمه خوارزم شاه إكراماً عظيماً، ورحل من هناك إلى مرو الشاهجان، فقصده الإمام أحمد الباخرزي، وشفع في أهل مرو، وسأل ألا يتعرض لهم أحد من العسكر، فأجابه إلى ذلك، ونزل بظاهر البلد، واستدعى أبا الفضل الكرماني الفقيه وأعيان أهلها، فثار عامة مرو وقتلوا بعض أهل خوارزم شاه، وأخرجوا أصحابه من البلد، وأغلقوا أبوابه، واستعدوا للامتناع، فقاتلهم خوارزم شاه، ودخل مدينة مرو سابع عشر ربيع الأول من السنة، وقتل كثيراً من أهلها.
وممن قتل: إبراهيم المروزي الفقيه الشافعي وعلي بن محمد بن أرسلان، وكان ذا فنون كثيرة من العلم،وقتل الشريف علي بن إسحق الموسوي، وكان رأس فتنة وملقح شر، وقتل كثيراً من أعيان أهلها وعاد إلى خوارزم، واستصحب معه علماء كثيرين من أهلها منهم: أبو الفضل الكرماني وأبو منصور العبادي والقاضي الحسين بن محمد الأرسابندي وأبو محمد الخرقي الفيلسوف وغيرهم .
ثم سار في شوال من السنة إلى نيسابور، فخرج إليه جماعة من فقهائها وعلمائها وزهادها، وسألوه ألا يفعل بأهل نيسابور ما فعل بأهل مرو، فأجابهم إلى ذلك لكنه استقصى في البحث عن أموال أصحاب السلطان فأخذها، وقطع خطبة السلطان سنجر، أول ذي القعدة، وخطبوا له؛ فلما ترك الخطيب ذكر السلطان سنجر وذكر خوارزم شاه صاح الناس وثاروا، وكادت الفتنة تثور والشر يعود جديداً، وإنما منع الناس من ذلك ذوو الرأي والعقل نظراً في العاقبة، فقطعت إلى أول المحرم سنة سبع وثلاثين ثم أعيدت خطبة السلطان سنجر.
ثم سير خوارزم شاه جيشاً إلى أعمال بيهق، فأقاموا بها يقاتلون أهلها خمسة أيام، ثم سار عنها ذلك الجيش ينهبون البلاد، وعملوا بخراسان أعمالاً عظيمة، ومنع السلطان سنجر من مقاتلة أتسز خوارزم شاه خوفاً من قوة الخطا بما وراء النهر، ومجاورتهم خوارزم وغيرها من بلاد خراسان.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة ملك أتابك زنكي بن آقسنقر مدينة الحديثة، ونقل من كان بها من آل مهراش إلى الموصل، ورتب أصحابه فيها.
وفيها خطب لزنكي أيضاً بمدينة آمد، وصار صاحبها في طاعته، وكان قبل ذلك موافقاً لداود على قتال زنكي، فلما رأى قوة زنكي صار معه. (5/22)
وفيها عزل مجاهد الدين بهروز عن شحنكية بغداد، ووليها قزل وهو من مماليك السلطان محمود، وان له برجرد والبصرة، فأضيف إليه شحنكية بغداد، ثم وصل السلطان مسعود إلى بغداد، فرأى من تبسط العيارين وفسادهم ما ساءه، فأعاد بهروز إلى الشحنكية، فتاب كثير نهم، ولم ينتفع الناس بذلك، لأن ولد الوزير وأخا امرأة السلطان كانا يقاسمان العيارين، فلم يقدر بهروز على منعهم.
وفيها تولى عبد الرحمن طغايرك حجبة السلطان، واستولى على المملكة وعزل الأمير تتر الطغرلي عنها، وآل أمره إلى أن يمشي في ركاب عبد الرحمن.
وفيها توفي إبراهيم السهاوي مقدم الإسماعيلية، فأحرقه ولد عباس صاحب الري في تابوته.
وفيها حج كمال الدين بن طلحة صاحب المخزن، وعاد وقد لبس ثياب الصوفية، وتخلى عن جميع ما كان فيه، وأقام في داره مرعي الجانب محروس القاعدة.
وفيها وصل السلطان إلى بغداد وكان الوزير الزينبي بدار السلطان، كما ذكرناه، فسأل السلطان أن يشفع فيه ليرده الخليفة إلى داره، فأرسل السلطان وزيره إلى دار الخلافة ومعه الوزير شرف الدين الزينبي، وشفع في أن يعود إلى داره، فأذن له في ذلك، وأعيد أخوه إلى نقابة النقباء، فلزم الوزير داره، ولم يخرج منها إلا إلى الجامع.
وفيها أغار عسكر أتابك زنكي من حلب على بلاد الفرنج، فنهبوا وأحرقوا وظفروا بسرية الفرنج، فقتلوا فيهم وأكثروا، فكان عدة القتلى سبع مائة رجل.
وفيها أفسد بنو خفاجة بالعراق، فسير السلطان مسعود سرية إليهم من العسكر، فنهبوا حلتهم، وقتلوا من ظفروا به منهم وعدوا سالمين.
وفيها سير رجال الفرنجي صاحب صقية أسطولاً إلى أطراف إفريقية، فأخوا مراكب سيرت من مصر إلى الحسن صاحب إفريقية، وغدر بالحسن، ثم راسله الحسن، وجدد الهدنة لأجل حمل الغلات من صقيلية إلى إفريقية لأن الغلاء كان فيها شديداً والموت كثيراً.
وفيها توفي أبو القاسم عبد الوهاب بن عبد الواحد الحنبلي الدمشقي، وكان عالماً صالحاً.
وفيها توفي ضياء الدين أبو سعيد بن الكفرتوثي وزير أتابك زنكي، وكان حسن السيرة في وزارته كريما رئيساً.
وفيها توفي أبو محمد بن طاووس إمام الجامع بدمشق في المحرم، وكان رجلاً صالحاً فاضلاً.
وفيها توفي أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث المعروف بابن السمرقندي، ولد بدمشق سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وكان مكثراً من الحديث.


ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وخمسمائة
ذكر ملك أتابك زنكي قلعة أشب وغيرها من الهكارية

في هذه السنة أرسل أتابك زنكي جيشاً إلى قلعة أشب، وكانت أعظم حصون الأكراد الهكارية وأمنعها، وبها أموالهم وأهلهم، فحصروها وضيقوا على من بها فملكوها، فأمر بإخرابها وبناء القلعة المعروفة بالعمادية عوضاً عنها.
وكانت العمادية حصناً عظيماً من حصونهم، فخربوه لكبره لأنه كبير جداً، وكانوا يعجزون عن حفظه، فخربت آلان أشب وعمرت العمادية، وإنما سميت العمادية نسبة إلى لقبه؛ وكان نصير الدين جقر نائبه بالموصل قد فتح أكثر القلاع الجبلية.
ذكر حصر الفرنج طرابلس الغرب
وفي هذه السنة سارت مراكب الفرنج من صقلية إلى طرابلس الغرب فحصروها، وسبب ذلك أن أهلها في أيام الأمير الحسن صاحب إفريقية، لم يدخلوا يداً في طاعته، ولم يزالوا مخالفين مشاقين له، قد قدموا عليهم من بني مطروح مشايخ يدبرن أمرهم، فلما رآهم ملك صقيلية كذلك جهز إليهم جيشاً في البحر، فوصلوا إليهم تاسع ذي الحجة، فنازلوا البلد وقاتلوه، وعلقوا الكلاليب في سوره ونقبوه.
فلما كان الغد وصل جماعة من العرب نجدة لأهل البلد، فقوي أهل طرابلس فيهم، فخرجوا إلى الأسطولية، فحملوا عليهم حملة منكرة، فانهزموا هزيمة فاحشة، وقتل منهم خلق كثير، ولحق الباقون بالأسطول، وتركوا الأسلحة والأثقال والدواب، فنهبها العرب وأهل البلد. ورجع الفرنج إلى صقيلية، فجددوا أسلحتهم وعادوا إلى المغرب، فوصلوا إلى جيجل، فلما رآهم أهل البلد هربوا إلى البراري والجبال، فدخلها الفرنج وسبوا من أدركوا فيها وهدموها، وأحرقوا القصر الذي بناه يحيى بن عبد العزيز بن حماد للنزهة ثم عادوا.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة خرج الأمير حسن أمير الأمراء على السلطان سنجر بخراسان. (5/23)
وفيها توفي محمد بن دانشمند صاحب ملطية والثغر، واستولى على بلاده الملك مسعود بن قلج آرسلان صاحب قونية وهو من السلجوقية.
وفيها خرج من الروم عسكر كثير إلى الشام، فحصروا الفرنج بأنطاكية، فخرج صاحبها واجتمع بملك الروم وأصلح حاله معه، وعاد إلى مدينة انطاكية ومات في رمضان من هذه السنة؛ ثم إن ملك الروم بعد أن صالح صاحب أنطاكية سار إلى طرابلس فحصرها ثم سار عنها.
وفيها قبض السلطان مسعود على الأمير ترشك وهو من خواص الخليفة، ثم أطلقه السلطان حفظاً لقلب الخليفة.
وفيها كان بمصر وباء عظيم فهلك فيه أكثر أهل البلاد.

This site was last updated 07/27/11