Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة تسع وستين ومائتين

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة256 خلافة المعتمد
سنة257
سنة258 وسنة259
سنة260 وسنة261 وسنة262
سنة263 وسنة264
سنة265
سنة266
سنة267
سنة268
سنة269
سنة270
سنة271 وسنة272
Untitled 4850
سنة276 وسنة277 وسنة278

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

حوادث سنة تسع وستين ومائتين
ذكر أخبار الزنج

وفي هذه السنة رمي الموفق بسهم في صدره؛ وكان سبب ذلك أن بهبود لما هلك طمع العلوي في ما له من الأموال، وكان قد صح عنده أن ملكه قد حوى مائتي ألف دينار، وجوهرأن وفضه، فطلب ذلك، واخذ أهله وأصحابه فضربهم، وهدم أبنيته طمعاً في المال، فلم يجد شيئأن فكان فعله مما أفسد قلوب أصحابه عليه، ودعاهم إلى الهرب منه، فأمر الموفق بالنداء بالأمان في أصحاب بهبود، فسارعوا إليه فألحقهم في العطاء بمن تقدم.
ورأى الموفق ما كان يتعذر عليه من العبور إلى الزنج في الأوقات التي تهب فيها الرياح لتحرك الأمواج، فعزم على أن يوسع لنفسه ولأصحابه موضعاً في الجانب الغربي، فأمر بقطع النخل وإصلاح المكان وأن يعمل له الخنادق والسور ليأمن البيات، وجعل حماية العمالين فيه نوباً على قواده.
فعلم صاحب الزنج وأصحابه أن الموفق إذا جاورهم قرب على من يريد اللحاق به المسافة مع ما يدخل قلوب أصحابه من الخوف، وانتقاض تدبيره عليه، فاهتموا بمنع الموفق من ذلك وبذل الجهد فيه، وقاتلوا أشد قتال، فاتفق أن الريح عصفت في بعض تلك الأيام وقائد من القواد هناك، فانتهز الخبيث الفرصة في إنفاذ هذا القائد وانقطاع المدد عنه، فسير إليه جميع أصحابه، فقاتلوه، فهزموه، وقتلوا كثيراً من أصحابه، ولم تجد الشذوات التي لأصحاب الموفق سبيلاً إلى القرب منهم خوفاًمن الزنج أن تلقيها على الحجارة فتنكسر، فغلب الزنج عليهم، وأكثروا القتل والأسر، ومن سلم منهم ألقى نفسه في الشذوات وعبروا إلى الموفقية، فعظم ذلك على الناس. (3/320)
ونظر الموفق فرأى أن نزلوه بالجانب الغربي لا يأمن عليه حيلة الزنج وصاحبهم، وانتهاز فرصة، لكثرة الأدغال، وصعوبة المسالك، وأن الزنج أعرق بتلك المضايق وأجرأ عليها من أصحابه، فترك ذلك، وجعل قصده إلى هدم سور الفاسق وتوسعة الطريق والمسالك، فأمر بهدم السور من ناحية النهر المعروف بمنكي، وباشر الحرب بنفسه، واشتد القتال، وكثر القتل والجراح من الجانبين، ودام ذلك أياماً عدة.
وكان أصحاب الموفق لا يستطيعون الولوج لقنطرتين كانتا في نهر منكي، كان الزنج يعبرون عليهما وقت القتال، فيأتون أصحاب الموفق من وراء ظهورهم فينالون منهم، فعمل الحيلة في إزالتهمأن فأمر أصحابه بقصدهما عند اشتغال الزنج وغفلتهم عن حراستهمأن وأمرهم أن يعدوا الفؤوس والمناشير، وما يحتاجون إليه من الآلات، فقصدوا القنطرة الأولى نصف النهار، فأتاهم الزنج لمنعهم، فاقتتلوأن فانهزم الزنج، وكان مقدمهم أبوالندى، فأصابه سهم في صدره فقتله، وقطع أصحاب الموفق القنطرتين ورجعوا.
وألح الموفق على الخبيث بالحرب، وهدم أصحابه من السور ما أمكنهم، ودخلوا المدينة وقاتلوا فيهأن وانتهوا إلى داري ابن سمعان وسليمان بن جامع، فهدموهما ونهبوا ما فيهمأن وانتهوا إلى سويقة للخبيث، سماها الميمونة، فهدمت وأخربت، وهدموا دار الحياتي، وانتهبوا ما كان فيها من خزائن الفاسق، وتقدموا إلى الجامع ليهدموه، فاشتدت محاماة الزنج عنه، فلم يصل إليه أصحاب الموفق لأنه كان قد خلص مع الخبيث نخبة أصحابه وأرباب البصائر، فكان أحدهم يقتل، أويجرح، فيجذبه الذي إلى جنبه ويقف مكانه.
فلما رأى الموفق ذلك أمر أبا العباس بقصد الجامع مع أحد أركانه بشجعان أصحابه، وأضاف إليهم الفعلة للهدم، ونصب السلاليم، فعل ذلك، وقاتل عليه أشد قتال، فوصلوا إليه، فهدموه، فاخذ منبره، فأتي به الموفق؛ ثم عاد الموفق لهدم السور فأكثر منه، وأخذ أصحابه دواوين الخبيث وبعض خزائنه، فظهر للموفق أمارات الفتح، فإنهم لعلى ذلك إذ وصل سهم إلى الموفق فأصابه في صدره، رماه به رومي كان مع صاحب الزنج، اسمه قرطاس، وذلك لخمس بقين من جمادى الأولى، فستر الموفق ذلك، وعاد إلى مدينته وبات، ثم عاد إلى الحرب على ما به من ألم الجراح ليشتد بذلك قلوب أصحابه، فزاد ف علته، وعظم أمرهأن حتى خيف عليه.
واضطرب العسكر والرعية وخافوأن فخرج من مدينته جماعة، وأتاه الخبر، وهوفي هذه الحال، بحادث في سلطانه، فأشار عليه أصحابه وثقاته بأن يعود إلى بغداد ويخلف من يقوم مقامه، فأبى ذلك، وخاف أن يستقيم من حال الخبيث ما فسد، واحتجب عن الناس مدة، ثم برأ من علته، وظهر لهم، ونهض لحرب الخبيث، وكان ظهوره في شعبان من هذه السنة.
ذكر إحراق قصر صاحب الزنج
لما صح الموفق من جراحه عاد إلى ما كان عليه من محاربة العلوي، وكان قد أعاد بناء بعض الثلم في السور، فأمر الموفق بهدم ذلك، وهدم ما يتصل به.
وركب في بعض العشايأن وكان القتال، ذلك اليوم، متصلاً مما يلي نهر منكي، والزنج مجتمعون فيه قد شغلوا بتلك الجهة، وظنوا أنهم لا يأتون إلا منهأن فأتى الموفق ومعه الفعلة، وقرب من نهر منكي وقاتلهم، فلما اشتدت الحرب أمر الذين بالشذوات بالمسير إلى أسفل نهر أبي الخصيب، وهوفارغ من المقاتلة والرجالة، فقدم أصحاب الموفق، وأخرجوا الفعلة، فهدموا السور من تلك الناحية، وصعد المقاتلة فقتلوا في النهر مقتلة عظيمة، وانتهوا إلى قصور من قصور الزنج فأحرقوهأن وانتهبوا ما فيهأن واستنقذوا عدداً كثيراً من النساء اللواتي كن فيهأن وغمنوا منها.
وانصرف الموفق، عند غروب الشمس، بالظفر والسلامة، وبكر إلى حربهم، وهدم السور، فأسرع الهدم حتى اتصل بدار الكلابي وهي متصلة بدار الخبيث، فلما أعيت الخبيث الحبل أشار عليه علي بن أبان بإجراء الماء على السباخ، وأن يحفر خنادق في مواضع عدة يمنعهم عن دخول المدينة، ففعل ذلك؛ فرأى الموفق أن يجعل قصده لطم الخنادق، والأنهار، والمواضع المغورة فدام ذلك، فحامى عنه الخبثاء، ودامت الحرب، ووصل إلى الفريقين من القتل والجراح أمر عظيم، وذلك لتقارب ما بين الفريقين. (3/321)
فلما رأى شدة الأمر من هذه الناحية قصد لإحراق دار الخبيث، والهجوم عليها من دجلة، فكان يعوق عن ذلك كثرة ما أعد الخبيث لها من المقاتلة والحماة عن داره، فكانت الشذا إذا قربت من قصره رميت من فوق القصر بالسهام، والحجارة من المنجنيق والمقالع، وأذيب الرصاص وأفرغ عليهم، فتعذر إحراقها لذلك، فأمر الموفق أن تسقف الشذا بالأخشاب، ويعمل عليها الجبس ويطلى بالأدوية التي تمنع النار من إحراقهأن ففرغ منهأن ورتب فيها أنجاد أحابه، ومن النفاطين جمعاً كثيراً.
واستأمن إلى الموفق محمد بن سمعان، كاتب الخبيث، وكان أوثق أصحابه في نفسه، وكان سبب اسئمانه أن الخبيث أطلعه إلى انه عازم على الخلاص وحده بغير أهل ولا مال، فلما رأى ذلك من عزمه أرسل يطلب الأمان، فأمنه الموفق وأحسن إليه، وقيل: كان سبب خروجه أنه كان كارهاً لصحبة الخبيث، مطلعاً على كفره وسوء باطنه، ولم يمكنه التخلص منه إلى الآن ففارقه، وكان خروجه عاشر شعبان.
فلما كان الغد بكر الموفق إلى محاربة الخبثاء، فأمر أبا العباس بقصد دار محمد الكرنابي، وهي بإزاء دار الخبيث، وإحراقها وما يليها من منازل قواد الزنج، ليشغلهم بذلك عن حماية دار الخبيث، وأمر المرتبين في الشذا المطلية بقصد دار الخبيث وإحراقهأن ففعلوا ذلك، وألصقوا شذواتهم بسور قصره، وحاربهم الفجرة أشد حرب، ونضحوهم بالنيران، فلم تعمل شيئأن واحرق من القصر الرواشين والأبنية الخارجة، وعملت النار فيهأن وسلم الذين كانوا في الشذا مما كان الخبثاء يرسلونه عليهم بالظلال التي كانت في الشذأن وكان ذلك سبباً لتمكينهم من قصره.
وأمر الموفق الذين في الشذا بالرجوع، فرجعوأن فأخرج من كان فيها ورتب غيرهم، وانتظر إقبال المد وعلوه، فلما أقبل عادت الشذا إلى قصره، وأحرقوا بيوتاً منه كانت تشرع على دجلة، فأضرمت النار فيهأن واتصلت، وقويت، فأعجلت الخبيث ومن كان معه عن التوقف على شيء مما كان له من الأموال والذخائر وغير ذلك، فخرج هاربأن وتركه كله.
وعلا غلمان الموفق قصره مع أصحابهم، فانتهبوا ما لم تأت النار عليه من الذهب والفضة والحلي وغير ذلك، واستنقذوا جماعة ن النساء اللواتي كان الخبيث يأنس بهن ممن كان استرقهن، ودخلوا دوره ودور ابنه انكلاي، فاحرقوها جميعأن وفرح الناس بذلك، وتحاربوا هم وأصحاب الخبيث على باب قصره، فكثر القتل في أصحابه، والجراح والأسر، وفعل أبوالعباس في دار الكرنابي من النهب والهدم والإحراق مثل ذلك، وقطع أبوالعباس، يومئذ، سلسلة عظيمة كان الخبيث قطع بها نهر أبي الخصيب ليمنع الشذا من دخوله، فحازها أبوالعباس وأخذها معه.
وعاد الموفق بالناس مع المغرب مظفرأن وأصيب الفاسق في ماله ونفسه وولده، ومن كان عنده من نساء المسلمين، مثل الذي أصاب المسلمين منه من الذعر والجلاء وتشتت الشمل والمصيبة، وجرح ابنه انكلاي في بطنه جراحة أشفى منها على الهلاك.
ذكر غرق نصير
وفي يوم الأحد لعشر بقين من شعبان غرق أبوحمزة نصير، وهوصاحب الشذوات.
وكان سبب غرقه أن الموفق بكر إلى القتال، وأمر نصيراً بقصد قنطرة كان الخبيث عملها في نهر أبي الخصيب، دون الجسرين اللذين كان اتخذهما على النهر، وفرق أصحابه من الجهات، فعجل نصير فدخل نهر أبي الخصيب، في أول المد، في عدة من شذواته، فحملها الماء فألصقها بالقنطرة، ودخلت عدة من شذوات الموفق مع غلمانه ممن لم يأمرهم بالدخول، فصكت شذوات نصير، وصك بعضها بعضأن ولم يبق للملاحين فيها عمل.
ورأى الزنج ذلك فاجتمعوا على جانبي النهر، وألقى الملاحون أنفسهم في الماء خوفاً من الزنج، ودخل الزنج الشذوات، فقتلوا بعض المقاتلة، وغرق أكثرهم، وصابرهم نصير، حتى خاف الأسر، فقذف نفسه في الماء فغرق، وأقام الموفق يومه يحاربهم، وينهبهم، ويحرق منازلهم، ولم يزل يومه مستعلياً عليهم.
وكان سليمان بن جامع ذلك اليوم من أشد الناس قتالاً لأصحاب الموفق، وثبت مكانه، حتى خرج عليه كمين للموفق، فانهزم أصحابه، وجرح سليمان جراحة في ساقه، وسقط لوجهه في موضع كان فيه حريق، وفيه بعض الجمر، فاحترق بعض جسده، وحمله أصحابه بعد أن كاد يؤسر؛ وانصرف الموفق سالماً ظافراً؛ وأصاب الموفق المفاصل، فبقي به شهر شعبان، وشهر رمضان، وأياماً من شوال، وأمسك عن حرب الزنج، ثم برأ وتماثل فأمر بإعداد آلة الحرب. (3/322)
ذكر إحراق قنطرة العلوي صاحب الزنج
ولما اشتغل الموفق بعلته أعاد الخبيث القنطرة التي غرق عندها نصير، وزاد فيها واحكمهأن ونصب دونها أدقال ساج، وألبسها الحديد، وسكر أمام ذلك سكراً من حجارة ليضيق المدخل على الشذأن وتحتد جربة الماء في النهر، فندب الموفق أصحابه، وسير طائفة في شرقي نهر أبي الخصيب، وطائفة غربيه، وأرسل معهما النجارين والفعلة لقطع القنطرة وما جعل أمامهأن وأمر بسفن مملوءة من القصب أن يصب عليها النفط، وتدخل النهر، ويلقى فيها النار ليحترق الجسر، وفرق جنده على الخبثاء ليمنعوهم عن معاونة من عند القنطرة.
فسار الناس إلى ما أمرهم به عاشر شوال، وتقدمت الطائفتان إلى الجسر، فلقيهما انكلاي ابن الخبيث، وعلي بن أبان، وسليمان بن جامع، واشتبكت الحرب ودامت، وحامى أولئك عن القنطرة لعلمهم بما عليهم في قطعها من المضرة، وأن الوصول إلى الجسرين العظيمين اللذين يأتي ذكرهما بسهل.
ودامت الحرب على القنطرة إلى العصر، ثم إن غلمان الموفق أزالوا الخبثاء عنهأن وقطعها النجارون ونقضوها وما كان عمل من الأدقال الساج، وكان قطعها قد تعذر عليهم، فادخلوا تلك السفن التي فيها القصب والنفط وأضرموها نارأن فوافت القنطرة، فاحرقوهأن فوصل النجارون بذلك إلى ما أرادوأن وأمكن أصحاب الشذا دخول النهر، فدخلوا وقتلوا الزنج حتى أجلوهم عن مواقفهم إلى الجسر الأول الذي يتلوهذه القنطرة، وقتل من الزنج خلق كثير واستأمن بشر كثير، ووصل أصحاب الموفق إلى الجسر المغرب، فكره أن يدركهم الليل، فأمرهم بالرجوع فرجعوأن وكتب إلى البلدان أن يقرأ على المنابر أن يؤتى المحسن على قدر إحسانه ليزدادوا جداً في حرب عدوه، وأخرب من الغد برجين من حجارة كانوا عملوهما ليمنعوا الشذا من الخروج منه إذا دخلته، فلما أخربهما سهل له ما أراد من دخول النهر والخروج منه.
ذكر انتقال صاحب الزنج
إلى الجانب الشرقي وإحراق سوقه
لما أحرقت دوره ومساكن أصحابه، ونهبت أموالهم، وانتقوا إلى الجانب الشرقي من نهر أبي الخصيب، وجمع عياله حوله، ونقل أسواقه إليه، فضعف أمره بذلك ضعفاً شديداً ظهر للناس، فامتنعوا من جلب الميرة إليه، فانقطعت عنه كل مادة، وبلغ الرطل من خبز البر عشرة دراهم، فأكلوا الشعير وأصناف الحبوب.
ثم لم يزل الأمر بهم إلى أن كان أحدهم يأكل صاحبه إذا انفرد به، والقوي يأكل الضعيف، ثم أكلوا أولادهم.
ورأى الموفق أن يخرب الجانب الشرقي كما اخرب الغربي، فأمر أصحابه بقصد دار الهمداني ومعهم الفعلة، وكان هذا الوضع محصناً بجمع كثير، وعليه عرادات ومنجنيقات وقسي، فاشتبكت الحرب، وكثرت القتلى، فانتصر أصحاب الموفق عليهم، وقتلوهم وهزموهم، وانتهوا إلى الدار، فتعذر عليهم الصعود إليها لعلوسورهأن فلم تبلغه السلاليم الطوال، فرمى بعض غلمان الموفق بكلاليب كانت معهم، فعلقوها في أعلام الخبيث وجذبوهأن فتساقطت الأعلام منكوسة، فلم يشك المقاتلة عن الدار في أن أصحاب الموفق قد ملكوهأن فانهزموا لا يلوي أحد منهم على صاحبه، فأخذها أصحاب الموفق، وصعد النفاطون وأحرقوها وأم كان عليها من المجانيق والعرادات، ونهبوا ما كان فيها من المتاع والأثاث، وأحرقوا ما كان حولها من الدور، واستنقذوا ما كان فيها من النساء، وكن عالماً كثيراً من المسلمات، فحملن إلى الموفقية، وأمر الموفق بالإحسان إليهن.
واستأمن يومئذ من أصحاب الخبيث، وخاصته الذين يلون خدمته، جماعة كثيرة، فأمنهم الموفق، وأحسن إليهم، ودلت جماعة من المستأمنة الموفق على سوق عظيمة كانت للخبيث، متصلة بالجسر الأول، تسمى المباركة، وأعلموه إن أحرقها لم يبق لهم سوى غيرهأن وخرج عنهم تجارهم الذين كان بهم قوامهم، فعزم الموفق على إحراقهأن وأمر أصحابه بقصد السوق من جانبيها، فقصدوهأن وأقبلت الزنج إليهم، فتحاربوا أشد حرب تكون، واتصلت أصحاب الموفق إلى طرف من أطراف السوق وألقوا فيه النار فاحترق واتصلت النار.
وكان الناس يقتتلون، والنار محيطة بهم، واتصلت النار بظلال السوق فاحترقت وسقطت على المقاتلة، واحترق بعضهم، فكانت هذه حالهم إلى مغيب الشمس، ثم تحاجزوأن ورجع أصحاب الموفق إلى عسكرهم، وانتقل تجار السوق إلى أعلى المدينة، وكانوا قد نقلوا معظم أمتعتهم وأموالهم من هذه السوق خوفاً من مثل هذه. (3/323)
ثم إن الخبيث فعل بالجانب الشرقي من حفر الخنادق، وتغوير الطرق، مثل ما كان فعل بالجانب الغربي، بعد هذه الرقعة، واحتفر خندقاً عريضاً حصن به منازل أصحابه التي على النهر الغربي، فرأى الموفق أن يخرب باقي السور إلى النهر الغربي، فعل ذلك بعد حرب طويلة في مدة بعيدة.
وكان للخبيث في الجانب الغربي جمع من الزنج قد تحصنوا بالسور وهومنيع، وهم أشجع أصحابه، فكانوا يحامون عنه، وكانوا يخرجون على أصحاب الموفق، عند محاربتهم، على حرى كور وما يليه. وأمر الموفق أن يقصد هذا الموضع، ويخرب سوره، ويخرج من فيه، فأمر أبا العباس والقواد بالتأهب لذلك، وتقدم إليهم، وأمر بالشذا أن تقرب من السور، ونشبت الحرب، ودامت إلى بعد الظهر، وهدم مواضع، وأحرق ما كان عليه من العرادات، وتحاجز الفريقان، وهما على السواء سوى هدم السور، وإحراق عرادات كانت عليه، فنال الفريقين من الجراح أمر عظيم.
وعاد الموفق، فوصل أهل البلاد والمجروحين على قدر بلائهم، وهكذا كان عمله ف محاربته، وأقام الموفق بعد هذه الوقعة أيامأن ثم رأى معاودة هذا الموضع لما رأى من صحانته وشجاعة من فيه وأنه لا يقدر على ما بينه وبين حرى كور إلا بعد إزالة هؤلاء، فأعد الآلات، ورتب أصحابه، وقصده وقاتل من فيه، وأدخلت الشذوات النهر واشتدت الحرب ودامت.
وأمد الخبيث أصحابه بالمهلبي وسليمان بن جامع في جيشهمأن فحملوا على أصحاب الموفق حتى ألحقوهم بسفنهم، وقتلوا منهم جماعة، فرجع الموفق ولم يبلغ منهم ما أراد، وتبين له أنه كان ينبغي أن يقاتلهم من عدة وجوه لتخف وطأتهم على من يقصد هذا الموضع، ففعل ذلك، وفرق أصحابه على جهات أصحاب الخبيث، وسار هوإلى جهة النهر الغربي، وقاتل من فيه.
وطمع الزنج بما تقدم من تلك الوقعة، فصدقهم أصحاب الموفق القتال، فهزموهم، فولوا منهزمين وتركوا حصنهم في أيدي أصحاب الموفق، فهدموه، وغمنوا ما فيه، وأسروأن وقتلوا خلقاً لا يحصى، وخلصوا من هذا الحصن خلقاً كثيراً من النساء والصبيان، ورجع الموفق إلى عسكره بما أراد.
ذكر استيلاء الموفق على مدينة صاحب الزنج الغربية
لم اهدم الموفق دور الخبيث أمر بإصلاح المسالك لتتسع على المقاتلة الطريق للحرب، ثم رأى قلع الجسر الأول الذي على نهر أبي الخصيب، لما في ذلك من منع معاوية بعضهم بعضأن وأمر بسفينة كبيرة أن تملأ قصباً ويجعل فيه النفط، ويوضع في وسطها دقل طويل يمنعها من مجاوزة الجسر إذا التصقت به، ثم أرسلها عند غفلة الزنج وقوة المد، فوافت الجسر، وعلم بها الزنج، فأتوها وطموها بالحجارة والتراب، ونزل بعضهم في الماء فنقبها فغرقت، وكان قد احترق من الجسر شيء يسير فأطفأها الزنج.
فعند ذلك اهتم الموفق بالجسر، فندب أصحابه، وأعد النفاطين والفعلة والفؤوس، وأمرهم بقصده من غربي وشرقيه، وركب الموفق في أصحابه، وقصد فوهة نهر أبى الخصيب، وذلك منتصف شوال سنة تسع وستين، فسبق الطائفة التي في غرب النهر، فهزم الموكلين على الجسر، وهما سليمان بن جامع وانكلاي، ولد الخبيث، وأحرقوه.
وأتى بعد ذلك الطائفة الأخرى، ففعلوا بالجانب الشرقي مثل ذلك، وأحرقوا الجسر، وتجاوزوه إلى جانب حظيرة كانت تعمل فيها سميريات الخبيث وآلاته، واحترق ذلك عن آخره، إلا شيئاً يسيراً من الشذوات والسميريات كانت في النهر، وقصدوا سجناً للخبيث، فقاتلهم الزنج عليه ساعة من النهار، ثم غلبهم أصحاب الموفق عليه، فأطلقوا من فيه، وأحرقوا كل ما مروا به إلى دار مصلح، وهومن قدماء أصحابه، فدخلوهأن فنهبوها وما فيهأن وسبوا نساءه وولده، واستنقذوا خلقاً كثيرأن وعاد الموفق وأصحابه سالمين.
وانحاز الخبيث وأصحابه من هذا الجانب إلى الجانب الشرقي من نهر أبي الخصيب، واستولى الموفق على الجانب الغربي، غير طريق يسير على الجسر الثاني، فاصلحوا الطرق، فزاد ذلك في رعب الخبيث وأصحابه، فاجتمع كثير من أصحابه وقواده، وأصحابه الذين كان يرى أنهم لا يفارقونه، على طلب الأمان، فبذل لهم، فخرجوا أرسالأن فأحسن الموفق إليهم، وألحقهم بأمثالهم. (3/324)
ثم إن الموفق أحب أن يتمرن أصحابه بسلوك النهر ليحرق الجسر الثاني، فكان يأمرهم بإدخال الشذا فيه وإحراق ما على جانبه من المنازل، فهرب إليه بعض الأيام قائد للزنج، ومعه قاض كان لهم، ومنبر، ففت ذلك في أعضاد الخبثاء، ثم إن الخبيث وكل بالجسر الثاني من يحفظه، وشحنه بالرجال، فأمر الموفق بعض أصحابه بإحراق ما عند الجسر من سفن، ففعلوا حتى أحرقوهأن فزاد ذلك في احتياط الخبيث، وفي حراسته للجسر لئلا يحرق ويستولي الموفق على الجانب الغربي فيهلك.
وكان قد تخلف من أصحابه جمع في منازلهم المقاربة للجسر الثاني، وكان أصحاب الموفق يأتونهم ويقفون على الطريق الخفية، فلما عرفوا ذلك عزموا على إحراق الجسر الثاني، فأمر الموفق ابنه أبا العباس والقواد بالتجهز لذلك، وأمرهم أن يأتوا من عدة جهات ليوافوا الجسر، وأعد معهم الفؤوس والنفط والآلات؛ ودخل هوفي النهر بالشذوات، ومعه أنجاد غلمانه، ومعهم الآلات أيضأن واشتبكت الحرب في الجانبين جميعاً بين الفريقين، واشتد القتال.
وكان في الجانب الغربي بإزاء أبي العباس ومن معه انكلاي ابن الخبيث وسليمان بن جامع، وفي الجانب الشرقي بإزاء راشد مولى الموفق، ومن معه، الخبيث، والمهلبي في باقي الجيش، فدامت الحرب مقدار ثلاث ساعات، ثم انهزم الخبثاء لا يلوون على شيء، وأخذت السيوف منهم، ودخل أصحاب الشذا النهر، ودنوا من الجسر فقاتلوا من يحميه بالسهام، وأضرموا ناراً.
وكان من المنهزمين سليمان وانكلاي، وكانا قد أثخنا بالجراح، فوافيا الجسر والنار فيه، فحالت بينهما وبين العبور، وألقيا أنفسهما في النهر ومن معهمأن فغرق منهم خلق كثير، وأفلت انكلاي وسليمان بعد أن أشفيا على الهلاك، وقطع الجسر وأحرق، وتفرق الجيش في مدينة الخبيث في الجانبين، فأحرقوا من دورهم وقصورهم وأسواقهم شيئاً كثيرأن واستنقذوا من النساء والصبيان ما لا يحصى، ودخلوا الدار التي كان الخبيث سكنها بعد إحراق قصره، وأحرقوها ونهبوا ما كان فيها مما كان سلم معه، وهرب الخبيث ولم يقف ذلك اليوم على مواضع أمواله.
واستنقذ في هذا اليوم نسوة من العلويات كن محبسات في موضع قريب من داره التي كان يسكنهأن فأحسن الموفق إليهن، وحملهن، وفتح سجناً كان له واخرج منه خلقاً كثيراً ممن كان يحارب الخبيث، ففك الموفق عنهم الحديد، واخرج ذلك اليوم كل ما كان في نهر أبي الخصيب من شذأن ومراكب بحرية، وسفن صغار وكبار، وحراقات وغير ذلك من أصناف السفن إلى دجلة، فأباحها الموفق أصحابه مع ما فيها من السلب، وكانت له قيمة عظيمة.
وأرسل انلكلاي ابن الخبيث يطلب الأمان، وسأل أشياء فأجابه الموفق إليهأن فعلم أبوه بذلك فعذله، وورده عما عزم عليه، فعاد إلى الحرب ومباشرة القتال.
ووجه سليمان بن موسى الشعراني، وهوأحد رؤساء الخبيث، يطلب الأمان، فلم يجبه الموفق إلى ذلك، لما كان قد تقدم منه من سفك الدماء والفساد، فاتصل به أن جماعة من رؤساء أصحاب الخبيث قد استوحشوا المنعة، فأجابه إلى الأمان، فأرسل الشذا إلى موضع ذكره، فخرج هووأخوه وأهله وجماعة من قواده، فأرسل الخبيث من يمنعهم عن ذلك، فقاتلهم، ووصل إلى الموفق، فزاد في الإحسان إليه وخلع عليه وعلى من معه، وأمر بإظهاره لأصحاب الخبيث ليزدادوا ثقة، فلم يبرح من مكانه، حتى استأمن جماعة من قواد الزنج منهم شبل بن سالم، فأجابه الموفق، وأرسل إليه شذوات، فركب فيها هووعياله وولده وجماعة من قواده، فلقيهم قوم من الزنج، فقاتلهم ونجا ووصل إلى الموفق، فأحسن إليه ووصله بصلة جليلة، وهومن قدماء أصحاب الخبيث، فعظم ذلك عليه وعلى أوليائه لما رأوا من رغبة رؤسائهم في الأمان.
ولما رأى الموفق مناصحة شبل، وجودة فهمه، أمره أن يكفيه بعض الأمور، فسار ليلاً في جمع من الزنج، ولم يخالطهم غيرهم، إلى عسكر الخبيث يعرف مكانهم، وأوقع بهم، وأسر منهم وقتل وعاد، فأحسن إليه الموفق وإلى أصحابه.
وصار الزنج بعد هذه الوقعة لا ينامون الليل، ولا يزالون يتحارسون للرعب الذي دخلهم، وأقام الموفق ينفذ السرايا إلى الخبيث ويكيده، ويحول بينه وبين القوت، وأصحاب الموفق يتدربون في سلوك تلك المضايق التي في أرضه ويوسعونها.
ذكر استيلاء الموفق على مدينة الخبيث الشرقية (3/325)
لما علم الموفق أن أصحابه قد تمرنوا على سلوك تلك الأرض وعرفوهأن صمم العزم على العبور إلى محاربة الخبيث من الجانب الشرقي من نهر أبي الخصيب، فجلس مجلساً عامأن وأحضر قواد المستأمنة وفرسانهم، فوقفوا بحيث يسمعون كلامه، ثم كلمهم فعرفهم ما كانوا عليه من الضلالة والجهل، وانتهاك المحارم، ومعصية الله عز وجل، وأن ذلك قد أحل له دمائهم، وأنه غفر لهم زلتهم ووصلهم، وأن ذلك يوجب عليهم حقه وطاعته، وأنهم لن يرضوا ربهم وسلطانهم بأكثر من الجد في مجاهدة الخبيث، وأنهم ليعرفون مسالك العسكر، ومضايق مدينته، ومعاقلها التي أعدهأن فهم أولى أن يجتهدوا في الولوج على الخبيث، والوغول إلى حصونه، حتى يمكنهم الله منه، فإذا فعلوا ذلك فلهم الإحسان والمزيد، ومن قصر منهم فقد أسقط منزلته وحاله.
فارتفعت أصواتهم بالدعاء له، والاعتراف بإحسانه، وبما هم عليه من المناصحة والطاعة، وأنهم يبذلون دماءهم في كل ما يقربهم منه، وسألوه أن يفردهم ناحية ليظهر من نكايتهم في العدوما يعرف به إخلاصهم وطاعتهم، فأجابهم إلى ذلك، وأثنى عليهم ووعدهم، وكتب في جمع السفن والمعابر من دجلة والبطيحة ونواحيها ليضيفها إلى ما في عسكره، إذ كان ما عنده يقصر عن الجيش لكثرته، وأحصى ما في الشذأن والسميريات، وأنواع السفن، فكانوا زهاء عشرة آلاف ملاح ممن يجري عليه الرزق من بيت المال مشاهرة، سوى سفن أهل العسكر التي يحمل فيها الميرة، ويركبها الناس في حوائجهم، وسوى ما كان لكل قائد من السميريات، والحربيات، والزواريق.
فلما تكاملت السفن تقدم إلى ابنه أبي العباس، وقواده بقصد مدينة الخبيث الشرقية من جهاتهأن فسير ابنه أبا العباس إلى ناحية دار المهلبي، أسفل العسكر، وكان قد شحنها بالرجال والمقاتلين، وأمر جميع أصحابه بقصد دار الخبيث وإحراقهأن فإن عجزوا عنها اجتمعوا على دار المهلبي، وسار هوفي الشذأن وهي مائة وخمسون قطعة، فيها أنجاد غلمانه، وانتخب من الفرسان والرجالة عشرة آلاف، وأمرهم أن يسيروا على جانبي النهر معه إذا سار، وأن يقفوا معه إذا وقف، ليتصرفوا بأمره.
وبكر الموفق لقتال الفاسقين يوم الثلاثاء لثمان خلون من ذي القعدة سنة تسع وستين ومائتين، وكانوا قد تقدموا إليهم يوم الاثنين وواقعوهم، وتقدم كل طائفة إلى الجهة التي أمرهم بهأن فلقيهم الزنج، واشتدت الحرب، وكثر القتل والجراح في الفريقين، وحامى الفسقة عن الذي اقتصروا عليه من مدينتهم واستماتوأن وصبروأن فنصر الله أصحاب الموفق، فانهزم الزنج، وقتل منهم خلق كثير، وأسر من أنجادهم وشجعانهم جمع كثير، فأمر الموفق فضربت أعناق الأسرى في المعركة، وقصد بجمعه الدار التي يسكنها الخبيث، وكان قد لجأ إليهأن وجمع أبطال أصحابه للمدافعة عنهأن فلم يغنوا عنها شيئأن وانهزموا عنها وأسلموهأن ودخلها أصحاب الموفق وفيها بقايا ما كان سلم للخبيث من ماله وولده وأثاثه، فنهبوا ذلك أجمع، وأخذوا حرمه وأولاده، وكانوا عشرين ما بين صبية وصبي، وسار الخبيث هارباً نحودار المهلبي لا يلوي على أهل وال مال، وأحرقت داره، وأتي الموفق بأهل الخبيث وأولاده، فسيرهم إلى بغداد.
وكان أصحاب أبي العباس قد قصدوا دار المهلبي، وقد لجأ إليها خلق كثير من المنهزمين، فغلبوهم عليهأن واشتغلوا بنهبهأن وأخذوا ما فيها من حرم المسلمين وأولادهم، وجعل من ظفر منهم بشيء حمله إلى سفينته، فعلوا في الدار ونواحيهأن فلما رآهم الزنج كذلك رجعوا إليهم فقتلوا فيهم مقتلة يسيرة.
وكان جماعة من غلمان الموفق الذي قصدوا دار الخبيث تشغلوا بحمل الغنائم إلى السفن أيضأن فأطمع ذلك الزنج فيهم، فأكبوا عليهم فكشفوهم، واتبعوا آثارهم، وثبت جماعة من أبطال الموفق، فردوا الزنج حتى تراجع الناس إلى مواقفهم، ودامت الحرب إلى العصر، فأمر الموفق غلمانه بصدق الحملة عليهم، ففعلوأن فانهزم الخبيث وأصحابه، وأخذتهم السيوف حتى انتهوا إلى داره أيضأن فرأى الموفق عند ذلك أن يصرف أصحابه إلى إحسانهم، فردهم وقد غمنوأن واستنقذوا جمعاً من النساء المأسورات كن يخرجن ذلك اليوم أرسالاً فيحملن إلى الموفقية. (3/326)
وكان أبوالعباس قد أرسل في ذلك اليوم قائدأن فأحرق ثم بيادر كانت ذخيرة للخبيث، وكان ذلك مما أضعف به الخبيث وأصحابه، ثم وصل إلى الموفق كتاب لؤلؤ غلام ابن طولون في القدوم عليه، فأمره بذلك، وأخر القتال إلى أن يحضر.
ذكر خلاف لؤلؤ على مولاه أحمد بن طولون
وفيها خالف لؤلؤ أحمد بن طولون، صاحب مصر، على مولاه أحمد بن طولون، وفي يده حمص، وقنسرين، وحلب، وديار مصر، من الجزيرة، وسار إلى بالس فنهبهأن وكاتب الموفق في المسير إليه، واشترط شروطأن فأجابه أبوأحمد إليهأن وكان بالرقة، فسار إلى الموفق فنزل قرقيسيأن وبها ابن صفوان العقيلي، فحاربه، وأخذها منه، وسلمها إلى أحمد بن مالك ابن طوق، وسار إلى الموفق، فوصل إليه وهويقاتل الخبيث العلوي.
ذكر مسير المعتمد إلى الشام
وعوده من الطريق

وفيها سار المعتمد نحو مصر، وكان سبب ذلك أنه لم يكن له من الخلافة غير اسمهأن ولا ينفذ له توقيع لا في قليل ولا في كثير، وكان الحكم كله لموفق، والأموال تجبى إليه، فضجر المعتمد من ذلك، وأنف منه، فكتب إلى أحمد بن طولون يشكوإليه حاله سراً من أخيه الموفق، فأشار عليه أحمد باللحاق به بمصر، ووعده النصرة، وسير عسكراً إلى الرقة ينتظر وصول المعتمد إليهم، فاغتمن المعتمد غيبة الموفق عنه، فسار في جمادى الأولى ومعه جماعة من القواد، فأقام بالكحيل يتصيد.
فلما سار إلى عمل إسحاق بن كنداجيق، وكان عامل الموصل وعامة الجزيرة، وثب ابن كنداجيق بمن مع المعتمد من القواد، فقبضهم، وهم نيزك، وأحمد بن خاقان، وخطارمش، فقيدهم، وأخذ أموالهم ودوابهم، وكان قد كتب إليه صاعد بن مخلد وزير الموفق عن الموفق، وكان سبب وصوله إلى قبضهم انه أظهر أنه معهم في طاعة المعتمد، إذ هوالخليفة، ولقيهم لما صاروا إلى عمله،، وسار معهم عدة مراحل، فلما قارب عمل ابن طولون ارتحل الأتباع والغلمان الذين مع المعتمد، وقواد، ولم يترك ابن كنداجيق أصحابه يرحلون، ثم خلا بالقواد عند المعتمد، وقال لهم: إنكم قاربتم عمل ابن طولون والأمر أمره، وتصيرون من جنده، وتحت يده، أفترضون بذلك، وقد علمتم أنه كواحد منكم؟ وجرت بينهم في ذلك مناظرة، حتى تعالى النهار، ولم يرحل المعتمد ومن معه، فقال ابن كنداجيق: قوموا بنا نتناظر في غير حضرة أمير المؤمنين؛ فأخذ بأيديهم إلى خيمته لأن مضاربهم كانت قد سارت، فلما دخلوا خيمته قبض عليهم وقيدهم، وأخذ سائر من مع المعتمد من القواد فقيدهم، فلما فرغ من أمورهم مضى إلى المعتمد فعذله في مسيره من دار ملكه وملك آبائه، وفراق أخيه الموفق إلى الحال التي هوبها من حرب من يريد قتله، وقتل أهل بيته، وزوال ملكهم، ثم حمله والذين كانوا معه حتى أدخلهم سامرا.
ذكر الحرب بين عسكر ابن طولون وعسكر الموفق بمكة
وفيها كانت وقعة بمكة بين جيش لأحمد بن طولون وبين عسكر الموفق في ذي القعدة.
وكان سببها أن أحمد بن طولون سير جيشاً مع قائدين إلى مكة، فوصلوا إليهأن وجمعوا الحناطين، والجزارين، وفرقوا فيهم مالاً؛ وكان عامل مكة هارون بن محمد إذ ذاك ببستان ابن عامر قد فارقها خوفاً منهم، فوافى مكة جعفر الناعمودي في ذي الحجة في عسكر، وتلقاه هارون بن محمد في جماعة، فقوي بهم جعفر، والتقوا هم وأصحاب ابن طولون فاقتتلوأن وأعان أهل خراسان جعفرأن فقتل من أصحاب ابن طولون مائتي رجل، وانهزم الباقون وسلبوا وأخذت أموالهم، واخذ جعفر من القائدين نحومائتي ألف دينار، وأمن المصريين، والجزارين، والحناطين، وقرئ كتاب المسجد الجامع بلعن ابن طولون، وسلم الناس وأموال التجار.
ذكر عدة حوادث
في المحرم من هذه السنة قطع الأعراب الطريق على قافلة من الحاج بين ثور وسميراء، فسلبوهم، وساقوا نحواً من خمسة آلاف بعير بأحمالها وأناساً كثيراً.
وفيها انخسف القمر، وغاب منخسفأن وانكسفت الشمس فيه أيضاً آخر النهار، وغابت منكسفة، فاجتمع في المحرم كسوفان. (3/327)
وفيهأن وفي صفر، وثبت العامة ببغداد بإبراهيم الخليجي، فانتهبوا داره، وكان سبب ذلك أن غلاماً له رمى امرأة بسهم فقتلهأن فاستعدى السلطان عليه، فامتنع، ورمى غلمانه الناس، فقتلوا جماعة، وجرحوأن فثارت بهم العامة فقتلوا فيهم رجلين من أصحاب السلطان، ونهبوا منزله ودواببه، وخرج هاربأن فجمع محمد بن عبيد اله بن عبد الله بن طاهر، وكان نائب أبيه، دواب إبراهيم، وما أخذ له، فرده عليه.
وفيها وجه إلى أبي الساج جيش انصرف من مكة، فسيره إلى جدة، فأخذ للمخزومي مركبين فيهما مال وسلاح.
وفيها وثب خلف صاحب أحمد بن طولون بالثغور الشامية وعامله عليها بازمار الخادم، مولى مفلح بن خاقان، فحبسه، فوثب به جماعة فاستنقذوا بازمار، وهرب خلف، وتركوا الدعاء لابن طولون، فسار إليهم ابن طولون، ونزل أذنة، فاعتصم أهل طرسوس بهأن ومعهم بازمار، فرجع عنهم ابن طولون إلى حمص، ثم إلى دمشق، فأقام بها.
وفيها قام رافع هرثمة بما كان الخجستاني غلب غليه من مدن خراسان، فاجتبى عدة من كور خراسان خراجها لبضع عشرة سنة، فأفقر أهلها وأخربها.
وفيها كانت وقعة بين الحسنيين والحسينيين بالحجاز، والجعفريين، فقتل من الجعفريين ثمانية نفر، وخلصوا الفضل بن العباس العباسي عامل المدينة.
وفيهأن في جمادى الآخرة، عقد هارون بن الموفق لابن أبي الساج على الأنبار وطريق الفرات والرحبة، وولى محمد بن احمد الكوفة وسوادهأن فلقي محمد الهيصم العجلي، فانهزم الهيصم.
وفيها توفي عيسى بن الشيخ بن الشليل الشيباني، ويده أرمينية، وديار بكر.
وفيها لعن المعتمد أحمد بن طولون في دار العامة بلعنه على المنابر، وولى إسحاق بن كنداجيق على أعمال ابن طولون، وفوض إليه من باب الشماسية إلى إفريقية، وولى شرطة الخاصة.
وكان سبب هذا اللعن أن ابن طولون قطع خطبة الموفق، وأسقط اسمه من الطرز، فتقدم الموفق إلى المعتمد بلعنه، ففعل مكرهأن لأن هوى المعتمد كان مع ابن طولون.
وفيها كانت وقعة بين ابن أبي الساج والأعراب، فهزموه، ثم بيتهم فقتل منهم وأسر، ووجه بالرؤوس والأسرى إلى بغداد.
وفيهأن في شوال، دخل ابن أبي الساج رحبة مالك بن طوق، بعد أن قاتله أهلها فغلبهم وقتلهم، وهرب أحمد بن مالك بن طوق إلى الشام، ثم سار ابن أبي الساج إلى قرقيسيا فدخلها. وحج بالناس هارون بن محمد ابن إسحاق الهاشمي.
وفيها خرج محمد بن الفضل أمير صقلية في عسكر إلى ناحية رمطة، وبلغ العسكر إلى قطانية، فقتل كثيراً من الروم، وسبى وغمن، ثم انصرف إلى بلرم في ذي الحجة.
وفيها توفي أحمد بن مخالد، مولى المعتصم، وهومن دعاة المعتزلة، وأخذ الكلام عن جعفر بن مبشر.
وفيها توفي سليمان بن حفص بن أبي عصفور الإفريقي، وكان معتزلياً يقول بخلق القرآن، وأراد أهل القيروان، فسلم لذلك، وصحب بشراً المريسي، وأب الهذيل وغيرهما من المعتزلة.

This site was last updated 07/15/11