Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ستين ومائتين سنة إحدى وستين ومائتين سنة اثنتين وستين ومائتين

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة256 خلافة المعتمد
سنة257
سنة258 وسنة259
سنة260 وسنة261 وسنة262
سنة263 وسنة264
سنة265
سنة266
سنة267
سنة268
سنة269
سنة270
سنة271 وسنة272
Untitled 4850
سنة276 وسنة277 وسنة278

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

حوادث سنة ستين ومائتين
ذكر دخول يعقوب طبرستان

وفيها واقع يعقوب بن الليث الحسن بن زيد العلوي، فهزمه، ودخل طبرستان.
وكان سبب ذلك أن عبد الله السجزي كان ينازع يعقوب الرئاسة بسجستان، فقهره يعقوب، فهرب منه عبد الله إلى نيسابور، فلما سار يعقوب إلى نيسابور، كما ذكرنأن هرب عبد الله إلى الحسن بن زيد بطبرستان، فسار يعقوب في أثره، فلقيه الحسن بن زيد بقرية سارية.
وكان يعقوب قد أرسل إلى الحسن يسأله أن يبعث إليه عبد الله ويرجع عنه، فإنه إمنا جاء لذلك لا لحربه، فلم يسلمه الحسن، فحاربه يعقوب، فانهزم الحسن، ومضى نحوالسر وأرض الديلم، ودخل يعقوب سارية، وآمل، وجبى أهلها خراج سنة، ثم سار في طلب الحسن، فسار إلى بعض جبال طبرستان، وتتابعت عليه الأمطار نحواً من أربعين يومأن فلم يتخلص إلا بمشقة شديدة، وهلك عامة ما معه من الظهر.
ثم أراد الدخول خلف الحسن، فوقف على الطريق الذي يريد أن يسكه، وأمر أصحابه بالوقوف، ثم تقدم وحده، وتأمل الطريق، ثم رجع إليهم فأمرهم بالانصراف، وقال لهم: إنه لم يكن طريق غير هذأن وإلا لا طريق إليه.
وكان نساء أهل تلك الناحية قلن لرجال: دعوه يدخل، فإنه إن دخل كفيناكم أمره، وعلينا أسره لكم. فلما خرج من طبرستان عرض رجاله، ففقد منهم أربعون ألفأن وذهب أكثر ما كان معه من الخيل، والإبل ،والبغال والأثقال، وكتب إلى الخليفة بما فعله مع الحسن من الهزيمة، وسار إلى الري في طلب عبد الله لأنه كان قد سار إليها بعد هزيمة الحسن، فلما قاربها يعقوب كتب إلى الصلاني واليها يخيره بين تسليم عبد الله إليه وينصرف عنه، وبين المحاربة، فسلم إليه عبد الله فرحل عنه، وقتل عبد الله.
ذكر الفتنة بالموصل وإخراج عاملهم
كان الخليفة المعتمد على الله قد استعمل على الموصل أساتكين، وهومن أكابر قواد الأتراك، فسير إليها ابنه أذكوتكين في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين ومائتين؛ فلما كان يوم النيروز من هذه السنة، وهوالثالث عشر من نيسان، غيره المعتضد بالله، ودعا أذكوتكين ووجوه أهل الموصل إلى قبة في الميدان، وأحضر أنواع الملاهي، وأكثر الخمر، شرب ظاهرأن وتجاهر أصحابه بالفسوق، وفعل المنكرات، وأساء السيرة في الناس. (3/288)
وكان تلك السنة بدرد شديد أهلك الأشجار، والثمار، والحنطة، والشعير، وطالب الناس بالخراج على الغلات التي هلكت، فاشتد ذلك عليهم، وكان لا يسمع بفرس جيد عند أحد إلا أخذه، وأهل الموصل صابرون، إلى أن وثب رجل من أصحابه على امرأة فأخذها في الطريق، فامتنعت، واستغاثت، فقام رجل اسمه إدريس الحميري، وهومن أهل القرآن والصلاح، فخلصها من يده، فعاد الجندي أذكوتكين فشكا من أرجل، فأحضره وضربه ضرباً شديداً من غير أن يكشف الأمر، فاجتمع وجوه الموصل إلى الجامع وقالوا: قد ضربنا على أخذ الأموال، وشتم الأعراض، وإبطال السنن والعسف، وقد أفضى الأمر إلى أخذ الحريم، فاجمع رأيهم على إخراجه، والشكوى منه إلى الخليفة.
وبلغه الخبر، فركب إليهم في جنده، وأخذ معه النفاطين، فخرجوا إليه وقاتلوه قتالاً شديدأن حتى أخرجوه عن الموصل، ونهبوا داره، وأصابه حجر فأثخنه، ومضى من يومه إلى بلده، وسار منه إلى سامرا.
واجتمع الناس إلى يحيى بن سليمان، وقلدوه أمرهم، ففعل، فبقي كذلك إلى أن انقضت سنة ستين؛ فلما دخلت سنة إحدى وستين كتب أساتكين إلى الهيثم بن عبد الله بن المعمر التغلبي، ثم العدوي، في أن يتقلد الموصل، وأرسل إليه الخلع والواء وكان بديار ربيعة، فجمع جموعاً كثيرة، وسار إلى الموصل، ونزل بالجانب الشرقي، وبينه وبين البلد دجلة، فقاتلوه، فعبر إلى الجانب الغربي وزحف إلى باب البلد، فخرج إليه يحيى بن ليمان في أهل الموصل، فقاتلوه فقتل بينهم قتلى كثيرة، وكثرت الجراحات وعاد الهيثم عنهم.
فاستعمل أساتكين على الموصل إسحاق بن أيوب التغلبي فخرج في جمع يبلغون عشرين ألفأن منهم حمدان بن حمدون التغلبي وغيره، فنزل عند الدير الأعلى، فقاتله أهل الموصل ومنعوه، فبقوا كذلك مدة، فمرض يحيى بن سليمان الأمير، فطمع إسحاق في البلد، وجد في الحرب فانطشف الناس بين يديه، فدخل إسحاق البلد، ووصل إلى سوق الأربعاء، وأحرق سوق الحشيش، فخرج بعض العدول، اسمه زياد بن عبد الواحد. وعلق في عنقه مصحفأن واستغاث بالمسلمين فأجابوه، وعادوا إلى الحرب، وحملوا إلى إسحاق وأصحابه، وأخرجوهم من المدينة.
وبلغ يحيى بن سليمان الخبر، فأمر فحمل في محفة، وجعل أمام الصف، فلما رآه أهل الموصل قويت نفوسهم، واشتد قتالهم، ولم يزل الأمر كذلك وإسحاق يراسل أهل الموصل، وبعدهم الأمان وحسن السيرة، فأجابوه إلى أن يدخل البلد، ويقيم بالربض الأعلى، فدخل وأقام سبعة أيام.
ثم وقع بين بعض أصحابه وبين قوم من أهل الموصل شر، فرجعوا إلى الحرب، وأخرجوه عنهأن واستقر يحيى بن سليمان بالموصل.
ذكر الحرب بين أهل طليطلة وهوارة
وفي هذه السنة ظهر موسى بن ذي النون الهواري بشنت برية، وأغار على أهل طليطلة، ودخل حصن وليد من شنت برية، فخرج أهل طليطلة إليه في نحوعشرين ألفأن فلما التقوا بموسى واقتتلوا انهزم محمد بن طريشة في أصحابه، وهومن أهل طليطلة، فتبعه أهل طليطلة في الهزيمة، وانهزم معهم مطرف بن عبد الرحمن، فعمل ذلك محمد مكافأة لمطرف حين انهزم بالناس في العام الماضي، فقتل أهل طليطلة خلق كثير، وقوي موسى ابن ذي النون، وهابه من حاذره.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة قتل رجل من أصحاب مساور الشاري محمد بن هارون ابن المعمر، رآه وهويريد سامرأن فقتله، وحمل رأسه إلى مساور، فطلبت ربيعة بثأره، فندب مسرور البلخي وغيره إلى أخذ الطرق على مساور.
وفيها اشتد الغلاء في عامة بلاد الإسلام، فانجلى من أهل مكة كثير، ورحل عنها عاملهأن وهوبرية، وبلغ الكر الحنطة ببغداد عشرين ومائة دينار، ودام ذلك شهوراً.
وفيها قتلت الأعراب منجوراً والي حمص، واستعمل عليها بكتمر.
وفيها قتل العلاء بن أحمد الأزدي عامل أذربيجان، وكان سبب قتله أنه فلج، فاستعمل الخليفة مكانه أبا الرديني عمر بن علي، فلما قاربها خرج إليه العلاء، فتحاربأن فقتل العلاء، وانهزم أصحابه، وأخذ أبوالرديني ما خلفه العلاء وكان مبلغه ألفي ألف وسبع مائة ألف درهم.
وحج بالناس إبراهيم بن محمد بن إسماعيل المعروف ببرية، وهوأمير مكة. (3/289)
وفيها ظهر بمصر إنسان يكنى أبا روح، واسمه سكن، وكان من أصحاب ابن الصوفي، واجتمع له جماعة، فقطع الطريق، وأخاف السبيل، فوجه إليه ابن طولون جيشأن فوقف أبوروح في أرض كثيرة الشقوق، وقد كان بها قمح فحصد، وبقي من تبنه على الأرض ما يستر الشقوق، وقد ألفوا المشي على مثل هذه الأرض. فلما جاءهم الجيش لقوهم، ثم انهزم أصحاب أبي روح، فتبعهم عسكر ابن طولون، فوقعت حوافر خيولهم في تلك الشقوق، فسقط كثير من فرسانها عنهأن وتراجع أصحاب أبي روح عليهم، فقتلوهم شر قتلة وانهزم الباقون أسوأ هزيمة.
فسير أحمد جيشاً إلى طريقهم إلى الواحات، وجيشاً في طلبه، فلقيه الجيش الذي في طلبه وقد تحصن في مثل تلك الأرض فحذرها عسكر أحمد، فحين بطلت حيلهم انهزموأن وتبعهم العسكر ، فلما خرجوا إلى طريق الواحات رأى أبوروح الطريق قد ملكت عليه، فراسل يطلب الأمان، فبذل له، وبطلت الحرب، وكفي المسلمون شره.
وفيها توفي علي بن محمد العلوي الخماني، وكان يسكن الخمان، فنسب إليها.
وفيها قتل علي بن يزيد صاحب الكوفة، قتله صاحب الزنج.
وفيها كان بإفريقية وبلاد المغرب والأندلس غلاء شديد، وعم غيرها من البلاد، وتبعه وباء وطاعون عظيم هلك فيه كثير من الناس.
وفيها توفي محمد بن إبراهيم بن عبدوس، الفيه المالكي، صاحب المجموعة في الفقه؛ وهومن أهل إفريقية.
وفيها مات مالك بن طوق التغلبي بالرحبة، وهوبناهأن وإليه تنسب.
وفيها توفي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه السلام، وهوأبومحمد العلوي العسكري، وهوأحد الأئمة الاثني عشر، على مذهب الإمامية، وهووالد محمد الذي يعتقدونه المنتظر بسرداب سامرأن وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
وفيها توفي أبوعلي الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، الفقيه الشافعي، وهومن أصحاب الشافعي البغداذيين.
وفيها توفي حسين بن إسحاق الحكيم البيب. وهوالذي نقل كتب الحكماء اليونانيين إلى العربية، وكان عالماً بها.


حوادث سنة إحدى وستين ومائتين
ذكر الحرب بين محمد بن واصل وابن مفلح

وفيها تحارب ابن واصل وعبد الرحمن بن مفلح وطاشتمر.
وكان سبب ذلك أن ابن واصل كان قتل الحارث بن سيمأن وتغلب على فارس، فأضاف المعتمد فارس إلى موسى بن بغأن والأهواز، والبصرة، والبحرين، واليمامة، مع ما كان إليه؛ فوجه موسى عبد الرحمن بن مفلح، وهوشاب عمره إحدى وعشرون سنة، إلى الأهواز، وولاه إياها مع فارس، وأضاف إليه طاشتمر؛ فلما علم ذلك ابن واصل، وأن ابن مفلح قد سار نحوه من الأهواز، زحف إليه من فارس، فالتقيا إليه من فارس، فالتقيا برامهرمز. وانضم أبوداود الصعلوك إلى ابن واصل، فاقتتلوأن فانهزم عبد الرحمن واخذ أسيرأن وقتل طاشتمر، واطلم عسكرهمأن وغمن ما فيه من الأموال والعدة وغير ذلك.
وأرسل الخليفة إلى ابن واصل في إطلاق عبد الرحمن، فلم يفعل، وقتله وأظهر أنه مات، وسار ابن واصل من رامهرمز، من بعد هذه الوقعة، مظهراً أنه يريد واسط لحرب موسى بن بغأن فانتهى إلى الأهواز وفيها إبراهيم بن سيما في جمع كثير، فلما رأى موسى شدة الأمر بهذه الناحية، وكثرة المتغلبين عليهأن وأنه يعجز عنهم، سأل أن يعفى، فأجيب إلى ذلك.
ذكر ولاية أبي الساج الأهواز
وفيها ولي أبوالساج الأهواز، بعد مسير عبد الرحمن عنها إلى فارس، وأمر بمحاربة الزنج، فسير صهره عبد الرحمن لمحاربة الزنج، فلقيه علي ابن أبان بناحية دولاب، فقتل عبد الرحمن، وانحاز أبوالساج إلى ناحية عسكر مكرم، ودخل الزنج الأهواز، فقتلوا أهلهأن وسبوا وأحرقوا.
ثم انصرف أبوالساج عما كان إليه من الأهواز، وحرب الزنج، وولاها إبراهيم بن سيمأن فلم يزل بها حتى انصرف عنها مع موسى بن بغا.
وفيها ولي محمد بن أوس البلخي طريق خراسان.
ذكر عود الصفار إلى فارس
والحرب بينه وبين ابن واصل
لما كان من الوقعة بين عبد الرحمن بن مفلح وبين ابن واصل ما ذكرناه، اتصل خبرهما إلى يعقوب الصفار وهوبسجستان، فتجدد طمعه في ملك بلاد فارس، وأخذ الأموال والخزائن والسلاح التي غمنها ابن واصل من ابن مفلح، فسار مجداً. (3/290)
وبلغ ابن واصل خبر قربه منه وانه نزل البيضاء من أرض فارس، وهوبالأهواز، فعاد عنها لا يلوي علي شيء، وأرسل خاله أب بلال مرداساً إلى الصفار، فوصل إليه، وضمن له طاعة ابن واصل، فأرسل يعقوب الصفار إلى ابن واصل كتباً ورسلاً في المعنى، فحبسهم ابن واصل، وسار يطلب الصفار والرسل معه يريد أن يخفي خبره، وأن يصل إلى الصفار بغتة لم يعلم به. فينال منه غرضه، ويوقع به.
فسار في يوم شديد الحر، في ارض صعبة المسلك، وهويظن أن خبره قد خفي عن الصفار، فلما كان الظهر تعبت دوابهم، فنزلوا ليستريحوأن فمات من أصحاب ابن واصل من الرجالة كثير جوعاً وعطشأن وبلغ خبرهم الصفار، فجمع أصحابه وأعلمهم الخبر وسار، وقال لأبي بلال: إن ابن واصل قد غدر بنأن وحسبنا الله ونعم الوكيل! ومضى الصفار إلى ابن واصل، فلما قاربهم وعلموا به انخذلوا وضعفت نفوسهم عن مقاومته ومقاتلته، ولم يتقدموا خطوة، فلما صار بين الفريقين رمية سهم انهزم أصحاب ابن واصل من غير قتال، وتبعهم عسكر الصفار، وأخذوا منهم جميع ما غمنوه من ابن مفلح، واستولى على بلاد فارس، ورتب بها أصحابه وأصلح أحوالها.
ومضى ابن واصل منهزمأن فأخذ أمواله من قلعته، وكانت أربعين ألف ألف درهم، وأوقع يعقوب بأهل زم لأنهم أعانوا ابن واصل، وحدث نفسه بالاستيلاء على الأهواز وغيرها.
ذكر تجهز أبي أحمد للمسير إلى البصرة
وفيهأن في شوال، جلس المعتمد في دار العامة، فولى ابنه جعفراً العهد، ولقبه المفوض إلى الله، وضم إليه موسى بن بغأن فولاه إفريقية، ومصر، والشام، والجزيرة، والموصل، وأرمينية، وطريق خراسان ومهرجانقذق، وولى أخاه أبا أحمد العهد بعد جعفر، ولقبه الناصر لدين الله الموفق، وولاه المشرق، وبغداد، والسواد، والكوفة، وطريق مكة والمدينة، واليمن، وكسكر، وكور دجلة، والأهواز، وفارس، وأصبهان، وقم، وكرج، ودينور، والري، وزنجان، والسند، وعقد لكل واحد منهما لواءين: أسود وأبيض، وشرط إن حدث به الموت، وجعفر لم يبلغ، أن يكون الأمر للموفق، ثم لجعفر بعده، وأخذت البيعة بذلك.
فعقد جعفر لموسى على المغرب، وأمر الموفق أن يسير إلى حرب الزنج؛ فولى الموفق الأهواز والبصرة وكور دجلة مسروراً البلخي، وسيره في مقدمته في ذي الحجة. وعزم على المسير بعده، فحدث من أمر يعقوب الصفار ما منعه عن المسير، وسنذكر أول سنة اثنتين وستين ومائتين.
وفيها فارق محمد بن زيدويه يعقوب بن الليث، وسار إلى أبي الساج، وأقام معه بالأهواز، وخلع عليه المعتمد وسأل أن يوجه الحسين بن طاهر بن عبد الله بن طاهر إلى خراسان.
وحج بالناس فيها الفضل بن إسحاق بن الحسن بن إسماعيل بن العباس ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس؛ ومات الحسن بن أبي الشوارب بمكة بعدما حج.
ذكر ولاية نصر بن أحمد الساماني
ما وراء النهر
في هذه السنة استعمل نصر بن أحمد بن أسد بن سامان خداه بن جثمان ابن طمغاث بن نوشرد بن بهرام جوبين بن بهرام خشنش؛ وكان بهرام خشنش من الري، فجعله كسرى هرمز بن أنوشروان مرزبان أذربيجان، وقد تقدم ذكر بهرام جوبين عند ذكر كسرى هرمز.
ولما ولي المأمون خراسان، واصطلح أولاد أسد بن سامان، وهم: نوح، وأحمد، ويحيى، وإلياس، بنوأسد بن سامان، قربهم ورفع منهم واستعملهم ورعى حق سلفهم؛ فلما رجع المأمون إلى العراق استخلف على خراسان غسان بن عباد، فولى غسان نوح بن أسد، في سنة أربع ومائتين، سمرقند، وأحمد بن أسد فرغانة، ويحيى بن أسد الشاش وأشروسنة، وإلياس بن أسد هراة.
فلما ولي طاهر بن الحسين خراسان ولاهم هذه الأعمال، ثم توفي نوح ابن أسد، وأقر طاهر بن عبد الله أخويه على عمله: يحيى، وأحمد، وكان أحمد بن أسد عفيف الطعمة، مرضي السيرة، لا يأخذ رشوة، ولا أحد من أصحابه، ففيه قيل، أوفي ابنه نصر:
ثوى ثلاثين حولاً في ولايته ... فجاع يوم ثوى في قبره حشمه
وكان إلياس يلي هراة، وله بها عقب وآثار كثيرة، فاستقدمه عبد الله ابن طاهر، وكان رسمه فيمن يستقدمه أن يعد أيامه، فأبطأ إلياس، فكتب إليه بالمقام حيث يلقاه كتابه، فبلغه الكتاب وقد سار عن بوشنج، فأقام بها سنة تأديباً له، ثم أذن له في القدوم عليه. (3/291)
فلما مات إلياس بهراة أقر عبد الله ابنه أبا إسحاق محمد بن إلياس على عمله، فأقام بهراة، وكان لأحمد بن أسد سبعة بنين، وهم: نصر، وأبويوسف يعقوب، وأبوزكرياء يحيى، وأبوالأشعث أسد، وإسماعيل، وإسحاق وأبوغامن حميد، ولما توفي أحمد بن أسد استخلف ابنه نصراً على أعماله بسمرقند وما وراءهأن فبقي عاملاً عليها إلى آخر أيام الطاهرية، وبعد زوال أمرهم إلى أن مضى لسبيله.
وكان إسماعيل بن أحمد يخدم أخاه نصرأن فولاه نصر بخارى سنة إحدى وستين ومائتين.
ومعنى قول أبي جعفر: وفي سنة إحدى وستين ولي نصر بن أحمد ما وراء النهر، أنه تولاه من جانب الخليفة، وإمنا كان يتولاه، من قبل، من عمال خراسان، وإلا فالقوم تولوا قبل هذا التاريخ.
وكان سبب استعماله إسماعيل إنه لما استولى يعقوب بن الليث على خراسان أنفذ نصر جيشاً إلى شط جيحون ليأمن عبور يعقوب، فقتلوا مقدمهم، ورجعوا إلى بخارى، فخافهم أحمد بن عمر، نائب نصر، على نفسه، فتغيب عنهم، فأمروا عليهم أبا هاشم محمد بن المبشر بن رافع بن الليث بن نصر بن سيار، ثم عزلوه وولوا أحمد بن محمد بن ليث والد أبي عبد الله بن جنيد، ثم صرفوه وولوا الحسن بن محمد من ولد عبدة بن حديد؛ ثم صرفوه، وبقيت بخارى بغير أمير، فكتب رئيسها وفقيهها أبوعبد الله بن أبي حفص إلى نصر يسأله توجيه من يضبط بخارى، فوجه أخاه إسماعيل، ثم إن إسماعيل كاتب رافع بن هرثمة حين ولي خراسان، فتعاقدا على التعاون والتعاضد، فطلب منه إسماعيل أعمال خوارزم فولاه إياها.
وكان إسماعيل يؤامره في المكاتبة، ثم سعت السعاة بين نصر وإسماعيل فأفسدوا ما بينهمأن فقصده نصر سنة اثنتين وسبعين ومائتين، فأرسل إسماعيل حمويه بن علي إلى رافع بن هرثمة يستنجده، فسار إليه في جيش كثيف، فوافى بخارى، قال حمويه: ففكرت في نفسي، وقلت: إن ظفر إسماعيل بأخيه فما يؤمنني أن يقبض رافع على إسماعيل، ويتغلب على ما وراء النهر؟ وإن لم يفعل ذلك، ووفى لإسماعيل، فلا يزال إسماعيل معترفاً فقيد رافع وجريحه، ويحتاج أن يتصرف على أمره ونهيه، فاجتمعت برافع خلوة، وقلت له: نصيحتك واجبة علي، وقد ظهر لي من نصر وإسماعيل ما كان خفياً عني، ولست آمنهما عليك، والراي أن لا تشاهد الحرب، وتحملهما على الصلح؛ فقبل ذلك، فتصالحأن وانصرف عنهما.
قال لحمويه: ثم إنني أعلمت إسماعيل، بعد ذلك، الحال كيف كان، فعذر رافعاً في إلزامه بالصلح، واستصوب فعل حمويه، وبقي نصر وإسماعيل مدة، ثم عادت السعاة، فسد ما بينهمأن حتى تحاربا سنة خمس وسبعين ومائتين، فظفر إسماعيل بأخيه نصر؛ فلما حمل إليه ترجل له إسماعيل، وقبل يديه، ورده من موضعه إلى سمرقند، وتصرف على النيابة عنه ببخارى.
وكان إسماعيل خيرأن يحب أهل العلم والدين، ويكرمهم، وببركتهم دام ملكه وملك حكى أبوالفضل محمد بن عبد الله البلعمي قال: سمعت الأمير أبا إبراهيم إسماعيل بن أحمد يقول: كنت بسمرقند، فجلست يوماً لمظالم، وجلس أخي إسحاق إلى جانبي، فدخل أبوعبد الله محمد بن نصر الفقيه الشافعي، فقمت له إجلالاً لعلمه ودينه، فلما خرج عاتبني أخي إسحاق، وقال: أنت أمير خراسان، يدخل عليك رجل من رعيتك فتقوم له، فتذهب السياسة بهذا.
قال: فبت تلك الليلة، فرأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في المنام وكأني واقف وأخي إسحاق، فأقبل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخذ بعضدي فقال لي: يا إسماعيل! ثبت ملكك وملك بيتك لإجلالك لمحمد ابن نصر. ثم التفت إلى إسحاق وقال: ذهب ملك إسحاق وملك بيته باستخفافه بمحمد بن نصر.
وكان محمد بن نصر هذا من العلماء بالفقه على مذهب الشافعي، العاملين بعلمه، المصنفين فيه، وسافر إلى البلاد في طلب العلم، وأخذ العلم بمصر من أصحاب الشافعي يونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان، ومحمد بن عبد الله بن الحكم، وصحب الحارث المحاسبي واخذ عنه علم المعاملة، وبرز فيه أيضاً.
ذكر عصيان أهل برقة
وفي هذه السنة عصى أهل برقة على أحمد بن طولون، وأخرجوا أميرهم محمد بن الفرج الفرغاني، فبعث ابن طولون جيشاً عليهم غلامه لؤلؤ، وأمره بالرفق بهم، واستعمال اللين، فإن انقادوا وإلا السيف. (3/292)
فسار العسكر حتى نزلوا على برقة، وحصروا أهلهأن وفعلوا ما أمرهم من اللين، فطمع أهل برقة، وخرجوا يوماً على بعض العسكر، وهم نازلون على باب البلد، فأوقعوا بهم وقتلوا منهم.
فأرسل لؤلؤ إلى صاحبه أحمد يعرفه الخبر، فأمره بالجد في قتالهم، فنصب عليهم المجانيق، ووجد في قتالهم، وطلبوا الأمان، فأمنهم، ففتحوا له الباب، فدخل البلد، وقبض على جماعة من رؤسائهم، وضربهم بالسياط، وقطع أيدي بعضهم، وأخذ معه جماعة منهم وعاد إلى مصر، واستعمل على برقة عاملا.
ولما وصل لؤلؤ إلى مصر خلع عليه أحمد خلعة فيها طوقان، فوضعها في رقبته، وطيف بالأسرى في البلد.
ذكر ولاية إبراهيم بن أحمد إفريقية
في هذه السنة توفي محمد بن أحمد بن الأغلب، صاحب إفريقية، سادس جمادى الأولى، وكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وستة عشر يوماً.
ولما حضره الموت عقد لابنه عقال العهد واستخلف أخاه إبراهيم لئلا ينازعه، وأشهد عليه آل الأغلب ومشايخ القيروان، وأمره أن يتولى الأمر إلى أن يكبر ولده، فلما مات أهل القيروان إبراهيم وسألوه أن يتولى أمرهم، لحسن سيرته وعدله، فلم يفعل، ثم أجاب، وانتقل إلى قصر الإمارة، وباشر الأمور، وقام بها قياماً مرضياً.
وكان عادلأن حازماً في أموره، أمن البلاد، وقتل أهل البغي والفساد، وكان يجلس لعدل في جامع القيروان يوم الخميس والاثنين، يسمع شكوى الخصوم، وبصبر عليهم، ووينصف بينهم.
وكان القوافل والتجار يسيرون في الطرق آمنين.
وبنى الحصون والمحارس على سواحل البحر، حتى كان يوقد النار من سبتة فيصل الخبر إلى الإسكندرية في الليلة الواحدة، وبني على سوسة سورأن وعزم على الحج، فرد المظالم، وأظهر الزهد والنسك، وعلم أنه إن جعل طريقه إلى مكة على مصر منعه صاحبها ابن طولون، فتجري بينهما حرب، فيقتل المسلمون، فجعل طريقه على جزيرة صقلية ليجمع بين الحج والجهاد، ويفتح ما بقي من حصونهأن فاخرج جميع ما أذخره من المال والسلاح وغير ذلك، وسار إلى سوسة فدخلها وعليه فرومرقع في زي الزهاد، أول سنة تسع وثمانين ومائتين، وسار منهأن في الأسطول، إلى صقلية.
وسار إلى مدينة فملكها سلخ رجب، وأظهر العدل، وأحسن إلى الرعية، وسار إلى طبرمين، فاستعد أهلها لقتاله، فلما وصل خرجوا إليه والتقوأن فقرأ القارئ: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) الفتح: 1 فقال الأمير اقرأ: (هذان خصمان اختصموا في ربهم) الحج: 19؛ فقرأ فقال: اللهم إني أختصم أنا والكفار إليك في هذا اليوم! وحمل، ومعه أهل البصائر، فهزم الكفار، وقتلهم المسلمون كيف شاءوأن ودخلوا معهم المدينة عنوة، فركب بعض من بها من الروم مراكب فهربوا فيها.
والتجأ بعضهم إلى الحصن وأحاط بهم المسلمون وقاتلوهم، فاستنزلوهم قهرأن وغمنوا أموالهم، وسبوا ذراريهم، وذلك لسبع بقين من شعبان، وأمر بقتل المقاتلة، وبيع السبي والغنيمة.
ولما اتصل الخبر بفتح طبرمين إلى ملك الروم عظم عليه، وبقي سبعة أيام لا يلبس التاج، وقال: لا يلبس التاج محزون. وتحركت الروم، وعزموا على المسير إلى صقلية لمنعها من المسلمين، فبلغهم أنه سائر إلى القسطنطينية، فترك الملك ها عسكراً عظيمأن وسير جيشاً كثيراً إلى صقلية.
وأما الأمير إبراهيم فإنه لما ملك طبرمين بث السرايا في مدن صقلية التي بيد الروم، وبعث سرية إلى ميقش، وسرية إلى دمشق، فوجدوا أهلها قد أجلوا عنهأن فغمنوا ما وجدوا بها.
وبعث طائفة إلى رمطة، وطائفة إلى الياج، فأذعن القوم جميعاً إلى أداء الجزية، فلم يجبهم الرسل منها يطلبون الأمان فلم يجبهم.
وكان قد ابتدأ به المرض، وهوعلة الذرب، فنزلت العساكر على المدينة، فلم يجدوا في قتالها لغيبة الأمير عنهم، فإنه نزل منفرداً لشدة مرضه، وامتنع منه النوم، وحدث به الفواق، وتوفي ليلة السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة تسع وثمانين ومائتين، فاجتمع أهل الري من العسكر أن يولوا أمرهم أبا مضر بن أبي العباس عبد الله ليحفظ العساكر، والأموال، والخزائن، إلى أن يصل إلى ابنه بإفريقية، وجعلوا الأمير إبراهيم في تابوت، وحملوه إلى إفريقية، ودفنوه بالقيروان، رحمه الله. (3/293)
وكانت ولايته خمساً وعشرين سنة، وكان عاقلأن حسن السيرة، محباً لخير والإحسان، تصدق بجميع ما يملك، ووقف أملاكه جميعها؛ وكان له فطنة عظيمة بإظهار خفايا العملات، فمن ذلك أن تاجراً من أهل القيروان كانت له امرأة جميلة صالحة عفيفة، فاتصل خبرها بوزير الأمير إبراهيم، فأرسل إليهأن فلم تجبه، فاشتد غرامه بهأن وشكا حاله إلى عجوز كانت تغشاه، وكانت أيضاً لها من الأمير منزلة، ومن والدته منزلة كبيرة، وهي موصوفة عندهم بالصلاح، يتبركون بهأن ويسألونها الدعاء، فقالت للوزير: أنا أتلطف بهأن وأجمع بينكما.
وراحت إلى بيت المرأة، فقرعت الباب وقالت: قد أصاب ثوبي نجاسة أريد تطهيرها؛ فخرجت المرأة ولقيتها فرحبت بهأن وأدخلتهأن وطهرت ثوبهأن وقامت العجوز تصلي، فعرضت المرأة عليها الطعام، فقالت: إني صائمة، ولا بد من التردد إليك؛ ثم صارت تغشاهأن ثم قالت لها: عندي يتيمة أريد أن أحملها إلى زوجهأن فإن خفت عليك إعارة حليك أجملها به فعلت.
وأحضرت جميع حليها وسلمته إياهأن فأخذته العجوز وانرفت، وغابت أيامأن وجاءت إليهأن فقالت لها: أين الحلى؟ فقالت: هوعند الوزير، عبرت عليه وهومعي فأخذه مني، وقال لا يسلمه إلا إليك، فتنازعتأن وخرجت العجوز، وجاء التاجر زوج المرأة، فأخبرته الخبر، فحضر دار الأمير إبراهيم وأخبره الخبر، فدخل الأمير إلى والدته، وسألها عن العجوز، فقالت: هي تدعولك؛ فأمر بإحضارها ليتبرك بهأن فأحضرتها والدته، فلما رآها أكرمها وأقبل عليهأن وانبسط معها.
ثم إنه أخذ خاتماً من إصبعها وجعل يقبله ويعبث به، ثم إنه أحضر خصياً له وقال له: انطلق إلى بيت العجوز، وقل لابنتها تسلم الحق الذي فيه الحلي، وصفته كذأن وهوكذا وكذأن وهذا الخاتم علامة منها.
فمضى الخادم وأحضر الحق، فقال لعجوز: ما هذا؟ فلما رأت الحق سقط في يدهأن وقتلهأن ودفنها في الدار، وأعطى الحق لصاحبه، وأضاف إليه شيئاً آخر، وقال له: أما الوزير فإن انتقمت منه الآن ينكشف الأمر، ولكن سأجعل له ذنباً آخذه به؛ فتركه مدة يسيرة، وجعل له جرماً آخذه به فقتله.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة استعمل المعتمد على الله، الخليفة على أذربيجان، محمد بن عمر ابن علي بن مرا الطائي الموصلي، فسار إليهأن وجمع معه جموعاً كثيرة من خوارج وغيرهم، وكان على أذربيجان العلاء بن أحمد الأزدي، وهومفلوج، فخرج في محفة ليمنع محمد بن عمر، فقاتله، فانهزم عسكر العلاء، وأخذ أسيرأن واستولى محمد بن عمر بن علي على قلعة العلاء، وأخذ منها ثلاثة آلاف ألف درهم، ومات العلاء في يده.
وفيها استعمل المعتمد على الله على الموصل الخضر بن أحمد بن عمر بن الخطاب التغلبي الموصلي.
وفيها رجع الحسن بن زيد إلى طبرستان، وأحرق شالوس لممالأة أهلها ليعقوب، وأقطع ضياعهم للديالمة.
وفيها أمر المعتمد بجمع حاج خرسان، والري، وطبرستان، وجرجان، وأعلمهم أنه لم يول يعقوب خراسان، ولم يكن دخوله خراسان وأسره محمد ابن طاهر بأمره.
وفيها قتل مساور الشاري يحيى بن جعفر الذي كان يلي خراسان، فسار مساور البلخي في طلبه، وتبعه أبوأحمد، وهوالموفق بن المتوكل، فسار من بين أيديهما فلم يدركاه.
وفيها هرب ابن مروان الجليقي من قرطبة، فقصد قلعة الحنش، فملكها وامتنع بهأن فسار إليه محمد، صاحب الأندلس، فحصره ثلاثة أشهر، فضاق به الأمر، حتى أكل دوابه، فطلب الأمان، فأمنه محمد، فأمنه محمد، فسار إلى مدينة بطليوس.
وفيها عصى أهل تاكرنا مع أسد بن الحارث بن رافع، فغزاهم جيش محمد، صاحب الأندلس، وقاتلهم، فعادوا إلى الطاعة.
وفيها توفي أبوهاشم داود بن سليمان الجعفري؛ والحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، قاضي القضاة، وكان موته في رمضان؛ وأبوالحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، صاحب الصحيح؛ وعبد العزيز بن حيان الموصلي، وكان كثير الحديث؛ والنضر بن الحسن الفقيه الحنفي، وكان من الموصل أيضاً.


حوادث سنة اثنتين وستين ومائتين
ذكر الحرب بين الموفق والصفار
(3/294)
في هذه السنة، في المحرم، سار الصفار من فارس إلى الأهواز، فلما بلغ المعتمد إقباله أرسل إليه إسماعيل بن إسحاق وبفراج، وأطلق من كان في حبسه من أصحاب يعقوب، فإنه كان حبسهم لما أخذ يعقوب محمد بن طاهر بن الحسين. عاد إسماعيل برسالة من عند يعقوب، فجلس أبوأحمد ببغداد، وكان قد أخر مسيره إلى الزنج لما بلغه من خبر يعقوب، وأحضر التجار، وأخبرهم بتولية يعقوب خراسان، وجرجان، وطبرستان، والري، وفارس، والشرطة ببغداد، وكان بمحضر من درهم، صاحب يعقوب، كان يعقوب قد أرسله يطلب لنفسه ما ذكرنأن وأعاده أبوأحمد إلى يعقوب، ومعه عمر بن سيمأن بما أضيف إليه من الولايات.
فعاد الرسل من عند يعقوب يقولون: إنه لا يرضيه ما كتب به دون أن يسير إلى باب المعتمد! وارتحل يعقوب من عسكر مكرم، وسار إليه أبوالساج، وصار معه، فأكرمه، وأحسن إليه ووصله.
فلما سمع المعتمد رسالة يعقوب خرج من سامرا ف عساكره، وسار إلى بغداد، ثم إلى الزعفرانية، فنزلهأن وقدم أخاه الموفق، وسار يعقوب من عسكر مكرم إلى واسط، فدخلها لست بقين من جمادى الآخرة، وارتحل المعتمد من الزعفرانية إلى سبب بني كومأن فوافاه هناك مسرور البلخي عائداً من الوجه الذي كان فيه، سار يعقوب من واسط إلى دير العاقول؛ وسير المعتمد أخاه الموفق في العساكر لمحاربة يعقوب، فجعل الموفق على ميمنته موسى بن بغأن وعلى ميسرته مسروراً البلخي، وقام هوفي القلب.
والتقيا، فحملت ميسرة يعقوب على ميمنة الموفق فهزمتهأن وقتلت منها جماعة من قوادهم، منهم إبراهيم بن سيما وغيره، ثم تراجع المنهزمون، وكشف أبوأحمد الموفق رأسه وقال: أنا الغلام الهاشمي! وحمل، وحمل معه سائر عسكره على عسكر يعقوب، قثبتوأن وتحاربوا حرباً شديدة، وقتل من أصحاب يعقوب جماعة منهم الحسن الدرهمي، وأصابت يعقوب ثلاثة أسهم في حلقه ويديه، ولم تزل الحرب إلى آخر وقت العصر، ثم وافى با أحمد الموفق الديراني، ومحمد بن أوس، فاجتمع جميع من بقي في عسكره، وقد ظهر من أصحاب يعقوب كراهة للقتال معه، إذ رأوا الخليفة يقاتله، فحملوا على يعقوب ومن قد ثبت معه للقتال، فانهزم أصحاب يعقوب، وثبت يعقوب في خاصة أصحابه، حتى مضوأن وفارقوا موضع الحرب، وتبعهم أصحاب الموفق، فغمنوا ما في عسكرهم، وكان فيه من الدواب والبغال أكثر من عشرة آلاف، ومن الأموال ما يكل عن حمله، ومن حرب المسك أمر عظيم، وتخلص محمد بن طاهر، وكان مثقلاً بالحديد، وخلع عليه الموفق، وولاه الشرطة ببغداد بعد ذلك.
وسار يعقوب من الهزيمة إلى خوزستان، فنزل جند يسابور، وراسله العلوي البصري يحثه على الرجوع إلى بغداد، ويعده الاسعدة، فقال لكاتبه: اكتب إليه: (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) الكافرون: 2، السورة، وسير الكتاب إليه.
وكانت الوقعة لإحدى عشرة خلت من رجب؛ وكتب المعتمد إلى ابن واصل بتوليته فارس، وكان قد سار إليها وجمع جماعة فغلب عليهأن فسير إليه يعقوب عسكراً عظيماً عليهم ابن عزيز ين السري إلى فارس، واستولى عليهأن ورجع المعتمد إلى سامرا.
وأما أبوأحمد الموفق فإنه سار إلى واسط ليتبع الصفار، وأمر أصحابه بالتجهز لذلك، فأصابه مرض، فعاد إلى بغداد ومعه مسرور، وقبض ما لأبي الساج من الضياع والمنازل، وأقطعها مسروراً البلخي، وقدم محمد بن طاهر بغداد.
ذكر أخبار الفرنج
وفيها نفذ قائد الزنج جيوشه إلى ناحية البطيحة ودست ميسان.
وكان سبب ذلك أن تلك النواحي، لما خلت من العساكر السلطانية بسبب عود مسرور لحرب يعقوب، بث الزنج سارياه فيهأن تنهب، وتخرب.
وأتته الأخبار بخلو البطيحة من جند السلطان، فأمر سليمان بن جامع وجماعة من أصحابه بالمسير إلى الحوانيت، وسليمان بن موسى بالمسير إلى القادسية.
وقدم ابن التركي في ثالثين شذاة يريد عسكر الزنج، فنهب، وأحرق، فكتب الخبيث إلى سليمان بن موسى يأمره بمنعه من العبور، فأخذ سليمان عليه الطريق، فقاتلهم شهراً حتى تخلص، وانحاز إلى سليمان بن جامع من مذكوري البلالية، وأنجادهم، جمع كثير في خمسين ومائة سميرية، وكان مسرور قد وجه قبل مسيره عن واسط إلى المعتمد جماعة من أصحابه إلى سليمان في شذوات فظفر بهم سليمان، وهزمهم، وأخذ منهم سبع شذوات وقتل من اسر منهم. (3/295)
وأشار الباهليون على سليمان أن يتحصن في عقر، ما وراء طهثأن والأدغال التي فيها وكرهوا خروجه عنهم لموافقته في فعله، وخافوا السلطان، فسار إليه، فنزل بقرية مروان، بالجانب الشرقي من نهر طهثأن وجمع إليه رؤساء الباهليين، وكتب إلى الخبيث يعلمه بما صنع، فكتب إليه يصوب رأيه، ويأمره بإنفاذ ما عنده ممنيرة ونعم، فأنفذ ذلك إليه.
وورد على سليمان أن أغرتمش وحشيشاً قد أقبلا في الخيل والرجال، والسميريات والذأن يريدون حربه، فجزع جزعاً شديداً؛ فلما أشرفوا عليه ورآهم أخذ جمعاً من أصحابه وسار راجلأن واستدبر أغرتمش، وجد أغرتمش في المسير إلى عسكر سليمان، وكان سليمان قد أمر الذي استخلفه من جيشه أن لا يظهر منهم أحد لأصحاب أغرتمش، وأن يخفوا أنفسهم ما قدروا إلى أن يسمعوا أصوات طبولهم، فإذا سمعوها خرجوا عليه.
وأقبل أغرتمش إليهم، فجزع أصحاب سليمان جزعاً عظيمأن فتفرقوأن ونهضت شرذمة منهم، فواقعوهم، وشغلوهم عن دخول العسكر، وعاد سليمان من خلفهم، وضرب طبوله، وألقوأنفسهم في الماء للعبور إليهم، فانهزم أغرتمش وظهر من كان من السودان بطهثأن ووضعوا السيوف فيهم وقتل حشيش، وانهزم أغرتمش، وتبعه الزنوج إلى عسكره، فنالوا حاجاتهم منه، واخذوا منهم شذوات فيها مال وغيره، فعاد أغرتمش فانتزعها من أيديهم، فعاد سليمان وقد ظفر وغمن، وكتب إلى صاحب الزنج بالخبر، وسير إليه رأس حشيش، فسيره إلى علي بن أبان، وهوبنواحي الأهواز، وسير سليمان سرية، فظفروا بإحدى عشرة شذاة، وقتلوا أصحابها.
ذكر وقعة للزنج عظيمة انهزموا فيها
وفيها كانت وقعة للزنوج مع أحمد بن ليثويه، وكان سبها أن مسروراً اللبلخي وجه أحمد بن ليثويه إلى كور الأهواز، فنزل السوس، وكان يعقوب الصفار قد قلد محمد بن عبيد الله بن هزارمرد الكردي كور الأهواز، فكاتب محمد قائد الزنج يطعمه في الميل إليه، وأوهمه أنه يتولى له كور الأهواز.
وكان محمد يكاتبه قديمأن وعزم على مداراة الصفار، وقائد الزنج، حتى يستقيم له الأمر فيهأن فكاتبه صاحب الزنج يجيبه إلى ما طلب على أن يكون علي بن أبان المتولي لليلاد، ومحمد بن عبيد الله يخلفه عليهأن فقبل محمد ذلك، فوجه إليه علي بن أبان جيشاً كثيرأن وأمدهم محمد بن عبيد الله، فساروا نحوالسوس، فمنعهم أحمد بن ليثويه ومن معه من جند الخليفة عنهأن وقاتلهم فقتل منهم خلقاً كثيرأن وأسر جماعة.
وسار أحمد حتى نزل جندي سابور، وسار علي بن أبان من الأهواز ممداً محمد بن عبيد الله على أحمد بن ليثويه، فلقيه محمد في جيش كثير من الأكراد والصعاليك، ودخل محمد تستر، فانتهى إلى أحمد بن ليثويه الخبر بتضافرهما على قتاله، فخرج عن جند يسابور إلى السوس.
وكان محمد قد وعد علي بن أبان أن يخطب لصاحبه قائد الزنج، يوم الجمعة، على منبر تستر، فلما كان يوم الجمعة خطب للمعتمد وللصفار، فلما علم علي بن أبان ذلك انصرف إلى الأهواز، وهدم قنطرة كانت هناك لئلا تلحقه الخيل، فانتهى أصحاب علي إلى عسكر مكرم فنهبوهأن وكانت داخلة في سلم الخبيث، فغدروا بها وساروا إلى الأهواز.
فلما علم أحمد ذلك أقبل إلى تستر، فواقع محمد بن عبيد الله ومن معه، فانهزم محمد بن عبيد الله، ودخل أحمد تستر، وأتت الأخبار علي بن أبان بأن أحمد على قصدك، فسار إلى لقائه ومحاربته، فالتقيأن واقتتل العسكران، فاستأمن إلى أحمد جماعة من الأعراب الذين مع علي بن أبان، فانهزم باقي أصحاب علي، وثبت معه جماعة يسيرة، واشتد القتال، وترجل علي بن أبان وباشر القتال راجلأن فعرفه بعض أصحاب أحمد فأنذر الناس به، فلما عرفوه انصرف هاربأن وألقى نفسه في المسرقان، فأتاه بعض أصحابه بسميرية، فركب فيها ونجا مجروحأن وقتل من أبطال أصحابه جماعة كثيرة.
ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستاني (3/296)
كان أحمد بن عبد اله الخجستاني من خجستان، وهي من جبال هراة، من أعمال باذغيس، وكان من أصحاب محمد بن طاهر، فلما استولى يعقوب بن الليث على نيسابور، على ما ذكرناه، ضم أحمد إليه وإلى أخيه علي بن الليث، وكان ينوشركب ثلاثة أخوة: إبراهيم، وأبوحفص يعمر، وأبوطلحة منصور، أبومسلم، وكان أسنهم إبراهيم، وكان قد أبلى بين يدي يعقوب عند مواقعة الحسن بن زيد بجرجان، فقدمه، فدخل عليه يوماً نيسابور، وهويوم فيه برد شديد، فخلع عليه يعقوب وبر سمور كان على كتفه، فحسده عليه الخجستاني فقال له: إن يعقوب يريد الغدر بك، لأنه لا يخلع على أحد من خاصته خلعة إلا غدر به.
فغم ذلك إبراهيم، وقال: كيف الحيلة في الخلاص؟ قال: الحيلة أن نهرب جميعاً إلى أخيك يعمر، فإني خائف عليه أيضاً. وكان يعمر قد حاصر أبا داود الناهجوزي ببلخ، ومعه نحومن خمسة آلاف رجل، فاتفقا على الخروج ليلتهم، فسبقه إبراهيم إلى الموعد، فانتظره ساعة فلم يره، فسار نحوسرخس، وذهب الخجستاني إلى يعقوب فأعلمه، فأرسله في أثره، فلحقوه بسرخس فقتلوه، ومال يعقوب إلى الخجستاني.
فلما أراد يعقوب العود إلى سجستان استخلف على نيسابور عزيز بن السري، وولى أخاه عمروبن الليث هراة، فاستخلف عمروعليها طاهر ابن حفص الباذغيسى، وسار يعقوب إلى سجستان سنة إحدى وستين ومائتين، وأحب الخجستاني التخلف لما كان يحدث به نفسه، فقال لعلي بن الليث: إن خويك قد اقتسما خراسان، ولي سلك بها من يقوم بشغلك، فيجب أن تردني إليها لأقوم بأمورك؛ فاستأذن أخاه يعقوب في ذلك، فأذن له، فلما حضر أحمد يودع يعقوب أحسن له القول، وردة وخلع عليه، فلما ولى عنه قال يعقوب: اشهد أن قفاه قفا مستعص، وأن هذا آخر عهدنا بطاعته. فلما فارقهم جمع نحواً من مائة رجل فورد بهم بشت نيسابور، فحارب عاملهأن وأخرجه عنهأن وجباهأن ثم خرج إلى قومس، فقتل ببسطام مقتلة عظيمة، وتغلب عليها وذلك سنة وستين ومائتين.
وسار إلى نيسابور، وبها عزيز بن السري، فهرب عزيز، وأخذ أحمد أثقاله، واستولى على نيسابور يدعوإلى الطاهرية، وذلك أول سنة اثنتين وستين ومائتين، وكتب إلى رافع بن هرثمة يستقدمه، فقدم عليه، فجعله صاحب جيشه، وكتب إلى يعمر بن شركب، وهويحاصر بلخ، يستقدمه ليتفقا على تلك البلاد، فلم يثق إليه لفعله بأخيه، وسار يعمر إلى هراة، فحارب طاهر بن حفص فقتله، واستولى على أعمال طاهر، فسار إليه أحمد، فكانت بينهما مناوشات.
وكان أبوطلحة بن شركب غلاماً من أحسن الغلمان، وكان عبد الله ابن بلال يميل إليه، وهوأحد قواد يعمر، فراسل الخجستاني، وأعلمه أنه يعمل ضيافة ليعمر وقواده، ويدعوهم إليه يوماً ذكره، ويأمره بالنهوض إليهم فيه، فإنه يساعده، وشرط عليه أن يسلم إليه أبا طلحة، فأجابه أحمد إلى ذلك، فصنع ابن بلال طعامأن ودعا يعمر وأصحابه، وكبسهم أحمد، وقبض على يعمر، وسيره إلى نائبه بنيسابور فقتله، واجتمع إلى أبي طلحة جماعة من أصحاب أخيه فقتلوا ابن بلال وساروا إلى نيسابور وكان بها الحسين بن طاهر أخومحمد بن طاهر قد وردها من أصبهان، طمعاً أن يخطب لهم أحمد كما كان يظهره من نفسه، فلم يفعل، فخطب له أبوطلحة بهأن وأقام معه، فسار إليه الخجستاني من هراة في اثني عشر ألف عنان، فأقام على ثلاث مراحل من نيسابور، ووجه أخاه العباس إليهأن فخرج إليه أبوطلحة، فقاتله، فقتل العباس وانهزم أصحابه.
فلما بلغ خبرهم إلى أحمد عاد إلى هراة، ولم يعلمه لأخيه خبرأن فبذل الأموال لمن يأتيه بخبره، فلم يقدم أحد على ذلك، وأجابه رافع بن هرثمة إليه، فاستأمن إلى أبي طلحة فأمنه وقربه ووثق إليه، وتحقق رافع خبر العباس، فأنهاه إلى أخيه أحمد، وأنفذه أبوطلحة إلى بيهق وبست ليجبي أموالها لنفسه، وضم إليه قائدين، فجبى رافع الأموال، وقبض على القائدين، وسار إلى الخجستاني، إلى قرية من قرى خواف، فنزلها وبها حلي بن يحيى الخارجي، فنزل ناحية عنه.
فبلغ الخبر إلى أبي لحة، فركب كجدأن فوصل إليهم ليلأن فأوقع بحلي وأصحابه، وهويظنه رافعأن وهرب رافع سالمأن وعلم أبوطلحة بحال حلي بعد حرب شديدة، فكف عنه، وأحسن إليه وإلى أصحابه. (3/297)
ثم وجه أبوطلحة جيشاً إلى جرجان، وبها ثابت بن الحسن بن زيد، ومعه الديلم، وكان على جيش أبي طلحة إسحاق الشاري، فحاربوا الديلم بجرجان، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأجلوهم عنهأن وذلك في رجب سنة ثلاث وستين ومائتين.
ثم عصى إسحاق على أبي طلحة، فسار إليه أبوطلحة، واشتغل في طريقه باللهو والصيد، فكبسه إسحاق وقتل أصحابه، وانهزم أبوطلحة إلى نيسابور، فاستضعفه أهلهأن فأخرجوه منهأن فنزل على فرسخ عنهأن وجمع جمعاً وحاربهم، ثم افتعل كتاباً عن أهل نيسابور إلى إسحاق، يستقدمونه إليهم، ويعدونه المساعدة على أبي طلحة، فاغتر إسحاق بذلك، وكتب أبوطلحة عن إسحاق كتاباً إلى أهل نيسابور يعدهم أنه يساعدهم على أب يطلحة، ويأمرهم بحفظ الدروب، وترك مقاربة البلد إلى أن يوافيهم، فاغتروا بذلك، وظنوه كتابه، ففعلوا ما أمرهم.
وسار إسحاق مجدأن فلما قارب نيسابور لقيه أبوطلحة، فغافصه، فطعنه أبوطلحة، فألقاه عن فرسه في بئر هناك، فلم يعلم له خبر، وانهزم أصحابه، ودخل بعضهم إلى نيسابور، وضيق عليهم أوطلحة، فكاتبوا الخجستاني واستقدموه من هراة، فأتاهم في يومين وليلتين، وورد عليهم ليلأن ففتحوا له الأبواب، ودخلها وسار عنها أبوطلحة إلى الحسن بن زيد، فأمده بجنود، فعاد إلى نيسابور، فلم يظفر بشي، فسار إلى بلخ، وحصر أبا داود الناهجوزي، واجتمع معه خلق كثير، وذلك سنة خمس، وقيل ست وستين ومائتين.
وسار الخجستاني إلى محاربة الحسن بن زيد لمساعدته أبا طلحة، فاستعان الحسن بأهل جرجان، فأعانوه، فحاربهم الخجستاني فهزمهم، وأغار عليهم، وجباهم أربعة آلاف ألف درهم، وذلك في رمضان سنة خمس وستين.
واتفق أن يعقوب بن الليث توفي سنة خمس وستين أيضاً، وولي مكانه أخوه عمرو، فعاد إلى سجستان وقصد هراة فعاد الخجستاني من جرجان إلى نيسابور، ووافاه عمروبن الليث، فاقتتلأن وانهزم عمروورجع إلى هراة، وأقام أحمد بنيسابور، وكان كيكان، وهويحيى بن محمد بن يحيى الذهلي، وجماعة من المتطوعة والفقهاء بنيسابور يميلون إلى عمرولتولية السلطان إياه، فرأى الخجستاني أن يوقع بينهم ليشتغل بعضهم ببعض، وأحضر منهم جماعة من الفقهاء القائلين بمذاهب أهل العراق، فأحسن إليهم، وقربهم، وأكرمهم، وأظهروا الخلاف على كيكان، ونابذوه.
وكان كيكان يقول بمذهب أهل المدينة، فكفي شرهم، وسار إلى هراة فحصر بها عمروبن الليث سنة سبع وستين، فلم يظفر بشيء، فسار نحوسجستان فحصر في طريقه رمل سي فلم يظفر بشيء منهأن فاحتال حتى استمال رجلاً قطاناً كانت داره إلى جانب السور، ووعده أن ينقب من العسكر إلى داره، ويخرج أصحابه إلى البلد، فاستأمن رجلان إلى البلد من أصحاب الخجستاني وذكرا الخبر لصاحبه، فأخذ القطان وأخربت داره، وبطل ما كان الخجستاني عزم عليه.
وكان خليفة الخجستاني بنيساور قد أساء السيرة، وقوى العيارين وأهل الفساد، فاجتمع الناس إلى كيكان، فثار على نائبه، وأعانهم عمروبن الليث بجنده، فقبضوا على خليفة الخجستاني، وأقام أصحاب عمروبنيسابور، فبلغ الخبر إلى أحمد، فوافى نيسابور، فخرج عنها كيكان وغيره، فردهم أصحاب أحمد الخجستاني، فقتل منهم جماعة، وغيب كيكان، فلم يظهر إلا بعد مدة ميتأن وقد بنى عليه حائطاً فمات فيه.
وأقام أحمد بنيسابور تمام سنة سبع وستين ومائتين؛ ثم إن عمراً أبا طلحة، وهويحاصر بلخ، يستقدمه إلى هراة، فأتاه، فأكرمه، وأعطاه مالاً عظيمأن ووعده وتركه بخراسان، وعاد إلى سجستان؛ فسار أحمد إلى سرخس، وبها عامل عمرو، فأتاه أبوطلحة، فقاتله، فانهزم أبوطلحة ومر على وجه، وسار أحمد خلفه، فلحقه بخلم فحاربه، فهزمه أيضأن وسار نحوسجستان، وأقام أحمد بطخارستان.
وكان ناسرار عباس القطان قد أتى طلحة، فسار نحونيسابور، فأعانه أهلهأن فاخذوا والدة الخجستاني وما كان معها؛ وأقام بنيسابور، ولحق به أبوطلحة، فمنعه أهل نيسابور من دخولها.
واتصل الخبر بالخجستاني وهوبطايكان من طخارستان، فسار مجداً نحونيسابور. (3/298)
ولما أيس الطاهرية من الخجستاني، وكان أحمد بن محمد بن طاهر بخوارزم والياً عليهأن أنفذ أبا العباس النوفلي في خمسة آلاف رجل ليخرج أحمد من نيسابور، فبلغ خبره أحمد، فأرسل إليه ينهاه عن سفك الدماء، فأخذ النوفلي الرسل، فأمر بضربهم، وحلق لحاهم، وأراد قتلهم، فبيمنا هم يطلبون الجلادين، والحجامين ليحلقوا لحاهم، أتاهم الخبر بقرب جيش أحمد منهم، فاشتغلوأن وتركوا الرسل، فهربوا إلى أحمد وأعلموه الخبر، فعبأ أصحابه، وحملوا على النوفلي حملة رجل واحد، فاكثروا فيهم القتل، وقبضوا على النوفلي، وأحضروه عنده، فقال له: إن الرسل لتختلف إلى بلاد الكفار، فلا تتعرض لهم، أفلا استحيت أن تأمر في رسلي بما أمرت؟ فقال النوفلي: أخطأت؛ فقال: لكني سأصيب في أمرك! ثم أمر به فقتل.
وبلغه أن إبراهيم بن محمد بن طلحة بمروقد جبى أهلها في سنتين خمسة عشر خراجأن فسار إليه في أبيورد في يوم وليلة، فأخذه من على فراشه، وأقام بمرو، فجبى خراجهأن ثم ولاها موسى البلخي، ثم وافاها الحسين بن طاهر، فأحسن فيهم السيرة، ووصل إليه نحوعشرين ألف ألف درهم.
ذكر قتل الخجستاني
لما كان الخجستاني بطخارستان وافاه خبر أخذ والدته من نيسابور، وسار مجدأن فلما قارب هراة أتاه غلام لأبي طلحة، يعرف بينال ده هزار، مستأمناً فأتاه خبره قبل وصوله، وكان للخجستاني غلام اسمه رامجور على خزائنه، فقال له كالممازح له: إن سيدك ينال ده هزار قد استأمن إلي، كما علمت، فانظر كيف يكون برك به. فحقدها عليه رامجور، وخاف أن يقدم ذلك الغلام عليه، ويطلب الفرصة ليقتله.
وكان لأحمد غلام يدعى قتلغ، وهوعلى شرابه، فسقاه يومأن فرأى في الكوز شيئأن فأمر به فقلعت إحدى عينيه، فتواطأ قتلغ ورامجور على قتله، فشرب يوماً بنيسابور عند وصوله من طايكان، فسكر ونام، فتفرق عنه أصحابه، فقتله رامجور وقتلغ، وكان قتله في شوال سنة ثمان وستين ومائتين، وأخذ رامجور خاتمه فأرسله إلى الإصطبل يأمرهم بإسراج عدة دواب، ففعلوأن فسير عليها جماعة إلى أبي طلحة وهوبجرجان يعلمه الحال، ويأمره بالقدوم، ثم أغلق رامجور الباب على أحمد واختفى.
وبكر القواد إلى باب أحمد، فوجدوا باب حجرته مغلقأن فانتظروه ساعة طويلة، فرابهم الأمر، ففتحوا الباب فرأوه مقتولأن فبحثوا عن الحال، وأخبرهم صاحب الاصطبل خبر رامجور في إنفاذ الخاتم، فطلبوه فلم يجدوه، ثم وجدوه بعد مدة.
وكان سبب إطلاعهم عليه أن صبياً من أهل تلك الدار التي هوبها طلب نارأن فقيل له: ما تعلمون بالنار في اليوم الحار؟ فقيل: نتخذ طعاماً للقائد؛ قيل: ومن القائد؟ قال: رامجور؛ فأنهوا خبره إلى بعض القواد، فأخذوه وقتلوه.
واجتمع أصحاب أحمد بعد قتله على رافع بن هرثمة، وسنذكر أخبار رافع سنة صمان وستين ومائتين.
وكان أحمد بن عبد الله، لما عاد من طايكان بعد قتل والدته، نصب رمحاً طويلاً في صحن داره وقال: يحتاج أهل نيسابور أن يضعوا الدر حتى يغمروا هذا الرمح. فخافوا منه، واستخفى جمع من الرؤساء والتجار، وفزع الناس إلى الدعاء، وسألوا أبا عثمان وغيره من أصحاب أبي حفص الزاهد أن يتضرعوا إلى اله تعالى ليفرج عنهم، وفعلوأن فتداركهم الله برحمته، فقتل تلك الليلة، وفرج الله عنهم.
وكان أحمد كريمأن جوادأن شجاعأن حسن العشرة، كثير البر لإخوانه الذين صحبوه قبل إمارته، والإحسان إليهم، ولم يتغير لهم عما كان يفعله من التواضع والآداب.
ذكر عدة حوادث
فيها ولي القضاء علي بن محمد بن أبي الشوارب.
وفيها سار الحسين بن طاهر بن عبد الله بن طاهر إلى الجبل في صفر.
وفيها مات الصلاني والي الري ووليها كيغلغ.
وفيها نهب ابن زيدويه الطبيب؛ ومات صلح بن علي بن يعقوب بن المنصور، وولي إسماعيل بن إسحاق قضاء الجانب الشرقي من بغداد، فصار له قضاء الجانبين.
وفيها تنافر أبوأحمد الموفق وأحمد بن طولون، أمير ديار مصر، وصار به بينهما وحشة مستحكمة، وتطلب الموفق من يتولى الديار المصرية، فلم يجد أحداً لأن ابن طولون كانت خدمه وهداياه متصلة إلى القواد بالعراق وأرباب المناصب، فلهذا لم يجد من يتولاهأن فكتب إلى ابن طولون يهدده بالعزل، فأجابه جواباً فيه بعض الغلظة، فسير إليه الموفق موسى بن بغا في جيش كثيف، فسار إلى الرقة. (3/299)
وبلغ الخبر ابن طولون، فحصن الديار المصرية، وأقام ابن بغا عشرة أشهر بالرقة، لم يمكنه المسير لقلة الأموال معه، وطالبه الأجناد بالعطاء، فلم يكن معه ما يعطيهم، فاختلفوا عليه، وثاروا بوزيره عبد الله بن سليمان، فاستتر، واضطر ابن بغا إلى العود إلى العراق، وكفى اله أحمد بن طولون شرة فتصدق بأموال كثيرة.
وفيها قتل محمد بن عتاب وكان سائراً إلى السيبين، وهي في ولايته، فقتله الأعراب.
وفيها قتل القطان صاحب مفلح، وكان عاملاً بالموصل، فانصرف عنهأن فقتل بالرقة.
وفيها عقد لكفتمر علي بن الحسين بن دود على طريق مكة.
وفيها وقع بين الخياطين والجزارين بمكة قتال يوم التروية، حتى خاف الناس أن يبطل الحج، ثم تحاجزوا إلى أن يحج الناس، وقد قتل منهم سبعة عشر رجلاً؛ وحج بالناس الفضل بن إسحاق بن العباس بن محمد.
وفيها سير محمد صاحب الأندلس ابنه المنذر في جيش إلى الجليقي، وكان بمدينة بطليوس، فلا سمع خبرهم فارقهأن ودخل حصن كركر، فحوصر فيه، وكثر القتل في أصحابه في شوال.
وفيها مات عمروبن شبه المنيري الأخباري، وكان مولده سنة ثلاث وسبعين ومائة.

This site was last updated 07/15/11