تفسير / شرح أعمال الرسل (أع 2: 4) 4 وامتلا الجميع من الروح القدس، وابتداوا يتكلمون بالسنة اخرى كما اعطاهم الروح ان ينطقوا.
ثانيا : التفسير الحرفى والتاريخى والجغرافى - إعداد عزت اندراوس
1) " وَٱمْتَلأَ ٱلْجَمِيعُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ"
أي من تأثيراته الداخلية وهذا إنجاز لوعد المسيح في قوله «لٰكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ» (ص ١: ٨). وكان الرسل قد حصلوا على شيء من تأثير الروح القدس لكنهم لم يمتلئوا منه إلا حينئذ.(يوحنا 16:14) 16 وانا اطلب من الاب فيعطيكم معزيا اخر ليمكث معكم الى الابد،
بعد قيامة المسيح ظل يعلم التلاميذ والمؤمنين 40 يوما وطلب منهم أن يقيموا فى أورشليم حتى حلول الروح القدس (لو ٢٤ :٤٩ ) 49 وها انا ارسل اليكم موعد ابي. فاقيموا في مدينة اورشليم الى ان تلبسوا قوة من الاعالي». ” ويدعى"موعد أبى "
*** " الإمتلاء " وتعنى كلمة إمتلأ فى اللغة العربية شئ فارغ وإمتلأ مثل كوب إمتلأ بالماء أو بمعنى يعبر عن الشعور بإحساس داخلى امتلأ القلبُ سرورًا، - امتلأ حيويَّة ونشاطًًا: مفعم، - امتلأ فلانٌ غيظًا: بلغ الغيظُ به حدًّا كبيرًا، - حتَّى الامتلاء: إلى الحافة، - لدرجة الامتلاء: طافح.
موضوع الإمتلاء متكرر وردت هذه الكلمة قبل حلول الروح القدس فى التلاميذ فى ألايات (لو 1: 41) ( لو 1: 67) وآيات أخرى بعد حلول الروح القدس على التلاميذ حيث يعد الرب يسوع المؤمنين بأن الروح القدس سيحل عليهم وبصورة دائمة.( أع 2:4) ( أ‘ 4: 8 و 31) ( أع 6: 3 و 5) ( أع 7: 55) ( أع 9: 17) ( أع 11: 24)
ويمكننا ان نميز بين حلول الروح القدس على المؤمنين فقط من التلاميذ والرسل والذى يشترط القبول والإمتلاء قى الاية (يو 14: 17) 17 روح الحق الذي لا يستطيع العالم ان يقبله، لانه لا يراه ولا يعرفه، واما انتم فتعرفونه لانه ماكث معكم ويكون فيكم." فالمؤمنين الـ 120 التلاميذ والرسل إنتظروا وعد الرب فى أورشليم حسب وعد المسيح لهم أن يقبلوا حلول الروح القدس فيهم حتى إمتلأوا بالروح القدس ويقبل المؤنين الروح القدس فى العصور التالية عن طريق المعمودية على إسم الآب والإبن والروح القدس "بماء ونار" والإنسان يعيش حياته العادية بعد قبوله الروح القدس فى ثمر الروح (أف 5: 9- 10) 9 لان ثمر الروح هو في كل صلاح وبر وحق. 10 مختبرين ما هو مرضي عند الرب. " ويسكن الروح القدس في داخل كل مؤمن،(رومية 9:8 )9 واما انتم فلستم في الجسد بل في الروح، ان كان روح الله ساكنا فيكم. ولكن ان كان احد ليس له روح المسيح، فذلك ليس له. (أفسس 13:1-14) 13 الذي فيه ايضا انتم، اذ سمعتم كلمة الحق، انجيل خلاصكم، الذي فيه ايضا اذ امنتم ختمتم بروح الموعد القدوس، 14 الذي هو عربون ميراثنا، لفداء المقتنى، لمدح مجده. " ولكن فى مواقف معينة خاصة بالإيمان أو التبشير يحتد المسيحى ويمتلئ بروح الرب الذى يرشده للقول والفعل ( أع 13: 9) واما شاول، الذي هو بولس ايضا، فامتلا من الروح القدس وشخص اليه " وقد اشارت الآية أن هذه الظاهرة ليست موجودة فى باقى البشر أعل العالم لأنهم لم يقبلوه
أن الروح القدس هو هبة لجميع المؤمنين بالمسيح يسوع من غير أي شروط (يوحنا 37:7-39). وثانياً أن الروح القدس يمنح عند قبول الخلاص (أفسس 1: 13). وتوضح رسالة غلاطية 2:3 نفس الحقيقة بالقول أن ختم وحلول الروح القدس يحدث عند الايمان. ثالثاً، إن حلول الروح القدس في المؤمنين هو شيء دائم. فالروح القدس هو عربون مقدم للمؤمنين، كدليل عما ينتظرهم من الأمجاد المستقبلية في المسيح (كورنثوس الثانية 22:11؛ أفسس 30:4).
وبما أن الإنسان له حرية الإرادة و الإختيار فالروح القدس لا يجبر الإنسان على السلوك فى طريق الرب ولكنه يمكن أن يحزن (أفسس 30:4)، وعمله بداخلنا يمكن أن يخمد (تسالونيكي الأولى 19:5). وعندما نسمح لذلك بأن يحدث، لا نختبر ملء الروح القدس وعمله وقوته في داخلنا ومن خلالنا. فالإمتلاء بالروح القدس يعني حريته في أن يشغل كل جزء من حياتنا، وأن يقودنا ويسود علينا. وبهذا يمكن لقوة الله أن تظهر من خلالنا لعمل أشياء مثمرة. ولا يقتصر الملء بالروح القدس على الأعمال الخارجية فقط ولكنه يتضمن أعمق أفكارنا ودوافع أفعالنا. يقول (مزمور 14:19) "لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ صَخْرَتِي وَوَلِيِّي".
2) " وَٱبْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى"
هذه المعجزة الثالثة للدلالة على حلول الروح القدس علي كل الـ 120 من التلاميذ والرسل والمؤمنين الموجودين فى العلية وكانت المعجزات الثلاث برهاناً للرسل على إنجاز المسيح وعده لهم بإرسال الروح وبياناً لأهمية تلك الهبة وكانت تنبيهاً لغيرهم وآية لإقناعهم بصحة تعاليم الرسل. وقصد بقوله «ألسنة أخرى» لغات غير لغتهم وكانت لغتهم الآرامية أي السريانية الكلدانية فإنهم أخذوا يتكلمون بلغات لم يتعلموها وبعض هذه اللغات ذُكر في (أع 2: 9- 10) وكانت تلك المعجزة بألسنة المتكلمين وفي آذان السامعين وهذا عمل الروح القدس فى المتكلم والسامع كما يظهر من (أع 10: 46) 46 لانهم كانوا يسمعونهم يتكلمون بالسنة ويعظمون الله. حينئذ اجاب بطرس: " (أع ١٩: ٦ ) 6 ولما وضع بولس يديه عليهم حل الروح القدس عليهم، فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنباون. ( ١كورنثوس ١٢: ١٠). 8 فانه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة، ولاخر كلام علم بحسب الروح الواحد، 9 ولاخر ايمان بالروح الواحد، ولاخر مواهب شفاء بالروح الواحد. 10 ولاخر عمل قوات، ولاخر نبوة، ولاخر تمييز الارواح، ولاخر انواع السنة، ولاخر ترجمة السنة. 11 ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسما لكل واحد بمفرده، كما يشاء. "
*** إنھا حرفيا "ألسنة أخرى" ( heterais glōssais.) قد تترجم هذه العبارة إلى "لغات أخرى" توضح فھم ھذه الكلمة وهو المعنى الذى ورد فى الآيات (أع 2: 6و 11) .الترجمة الأخرى الممكنة ھي "كلمات نشوة " استنادا إلى (١ كور ١٢ - ١٤ ) وربما (أع ٢ :١٣) .لسنا نعرف بالتأكيد كيف أن لغات كثيرة ًمختلفة تم التكلم بھا فى لحظة واحدة من تلاميذ صيادين ولكنھا كانت كثيرة. إفإذا أضفنا كل البلدان والمناطق المذكورة في الآيات أع 2: 9- 10) فنجد أنھا تفوق العشرين. العديد من المؤمنين البالغ عددھم الـ ١٢٠ لا بد أنھم تكلموا نفس اللغة.
لقد صنع الله أمرا ي لھذه المجموعة الصغيرة من الرجال والنساء ً فريدا الخائفين المنتظرين في علية مغلقة لكي يصبحوا معلنين جريئين للإنجيل (رجاال ً ونساء كليھما). مھما كانت ھذه العلامة الأولية الدالة على مجيء الروح القدس الموعود، لقد استخدمھا الله ليؤكد قبوله للجماعات الخرى (أي السامريين، والموظفون والجنود الرومان، والأمميين).
والتكلم بلغات أو بالألسن أو اللسان له اشكال متعددة يظهرحينما يتكلم التلميذ أو الرسول بلغة لا بعلمها وينطقها دون إرادته وهناك لغة غير مفهومة تحتاج لمترجم كما قرأنه فى (1 كو 27 و 28) كذلك تكلموا بلغة "الألسنة" في أعمال الرسل كانت دائما علامة للمؤمنين على أن الإنجيل قد غلب عوائق عرفيه وعرقية وجغرافية
أ ھناك فرق واضح بين الألسنة في أعمال الرسل والألسنة التي تكلم عنھا بولس في خدمته اللاحقة في كورنثوس (١ كور ١٢ - ١٤ ) لاھوتيا
ويحلو لبعض المفسرين أن يقولوا أن يوم الخمسين ھو النقيض المباشر لبرج بابل (تك ١٠ - ١١) كبشر متكبرين عصاة يؤكدون على استقلالھم (أي رفضھم للإنتشار وملء الأرض)، نفذ الرب إرادته بأن أدخل لغات متعددة. والان، في دھر الروح القدس الجديد، الروح القومية التي تعيق البشر عن الإتحاد (أي حكومة العالم الواحد في الزمن الأخير) قد انقلبت بالنسبة إلى المؤمنين. الشركة المسيحية عبر كل عائق بشري (أي العمر، والجنس، والطبقة الإجتماعية، والمكان الجغرافي، واللغة) ھي عكس تبعات (تكوين ٣ )
3) " كَمَا أَعْطَاهُمُ ٱلرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا»"
الفعل ناقص إشاري مبني للمعلوم، ويعني أن الروح القدس قد بدأ بأن يعطيھم عملا يعملوه .
أعلن المسيح لتلاميذه عن المرحلة التى تلى قيامته أثاء ظهوره لهم وهى التكريز وتعميد الذين يؤمنوا وفعل المعجزات وإخراج الشياطين والتكلم بألسنة وإذا شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويشفون المرضى (مر 16: 14- 18) " ويتكلمون بالسنة جديدة. " وكلمة جديدة تعنى معجزة تتم فى لخظة فهى ليست لغة حسب إمكانيات أو قدرات الإنسان فهو لا يدرسها ويتعلمها ولا يتمرن عليها حسب اصول التعليم والنطق والدراسة ولكن بحسب مواهب الروح القدس يتكلم بها فى لحظة ويقول بعض المفسرين ان التكلم بالسنة يعنى أنه حينما يتكلم بلغته العبرية يفهما السامع بلغتة وقد ثبت فعلا أن الكرازة لم تتم بالنطق باللسنة فقد كانت اللغة اليونانية ومعها العبرية أو الآرامية كافية جدا لنشر الإنجيل بين الأمم ، وأكبر مثل ذلك كثل كرازة بولس الرسول فبالرغم من أنه كان حائزا على موهبة التكلم بألسنه إلا أنه لم يحتاج إليها قط فى تبشيرة وهكذا بقيت معجزة التكلم بألسنة كمعجزة للروح القدس تشهد ليوم الخمسين واصبحت المسيحية فى كل بلاد العالم اليوم فإن كانت المسيحية قد نطقت بالروح على يد رسلها الكارزين بلغات العالم فقد أصبخ العالم هدفها
*** كلمة "أن ينطقوا" (apophtheggomai) ھي مصدر حاضر مبني للمجھول
(مجھول الصيغة معلوم المعنى). ھذه الكلمة إستخدمھا لوقا فقط في أعمال الرسل ( لو ٢ :٤،
١٤) ( لو٢٦ :٢٥ ) تستخدم في السبعينية مع كلام الأنبياء (أي، الكلام الموحى به من الروح القدس (تث 32: 2) ( 1 أخ 25: 1) ( حز 13: 9: 19) ( مى 5: 111) ( زك 10: 2)
أفضل ھذا التفسير على الإتيمولوجية اليونانية الكلاسيكية بمعنى "صوت مرتفع "،"حديث متقد "، أو "خطاب بلاغي رفيع". لقد كان لوقا يعرف الترجمة السبعينية اليونانية للعهد القديم وكان متأثرا مفردات فيھا. السبعينية كانت ھي الكتاب المقدس في عالم البحر األبيض المتوسط وصارت كتاب الكنيسة المقدس.
وفي هذه المعجزة خمس ملاحظات:
الأولى: أنها معجزة عظيمة جداً لأن أولئك الرسل كانوا أميين لا فرصة لهم لأن يتعلموا اللغات الغريبة ولم يكن لهم ما يدعوهم إلى ذلك قبل حلول الروح وفي لحظة صاروا يعرفون مفردات تلك اللغات الكثيرة ومركّباتها وألفاظها المختلفة والتمكن من أحكام التلفظ بها حتى كأنهم من أهلها.
الثانية: أنها كانت إنجازاً لمواعيد العهد القديم إذ قيل «إِنَّهُ بِشَفَةٍ لَكْنَاءَ وَبِلِسَانٍ آخَرَ يُكَلِّمُ هٰذَا ٱلشَّعْبَ» (إشعياء ٢٨: ١١). ونعلم أن النبي أشار إلى ذلك من قول بولس الرسول في (١كورنثوس ١٤: ٢١).
الثالثة: أنها إنجاز لما أنبأ به يسوع بقوله «إنهم يتكلمون بألسنة أخرى» (مرقس ١٦: ١٧).
الرابعة: أنه لا يلزم مما ذُكر هنا أن كل رسول كان يحسن التكلم بكل من اللغات المذكورة بعد ذلك بل أن بعضهم تكلم ببعض اللغات وبعضهم بلغة أو بلغات أخرى.
الخامسة: أن الغاية من إعطاء هذه الآية للرسل كالغاية من إعطاء سائر المعجزات وهي البرهان على صدق الإنجيل وكون الرسل هم رسل الله. وتلك المعجزات كانت ضرورية في بداءة التبشير بالإنجيل. وليس من دليل على أن الرسل استعملوا تلك اللغات في تبشيرهم وتعليمهم إلا على سبيل المعجزة ليقنعوا الشعب بصحة تعاليمهم والبرهان على ذلك قول الرسل «مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ يَبْنِي نَفْسَهُ، وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي ٱلْكَنِيسَةَ» (١كورنثوس ١٤: ٤). وقوله أيضاً «إِذاً ٱلأَلْسِنَةُ آيَةٌ لاَ لِلْمُؤْمِنِينَ، بَلْ لِغَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ» (١كورنثوس ١٤: ٢٢) وقوله «لٰكِنْ فِي كَنِيسَةٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَكَلَّمَ خَمْسَ كَلِمَاتٍ بِذِهْنِي لِكَيْ أُعَلِّمَ آخَرِينَ أَيْضاً، أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلاَفِ كَلِمَةٍ بِلِسَانٍ» (١كورنثوس ١٤: ١٩). وكان بولس يحسن التكلم بلغات مختلفة أكثر من غيره ومع ذلك لم يفهم لغة أهل ليكأونيّة (ص ١٤: ١١) ولم يحتج في كل البلاد التي بشر فيها إلا إلى التكلم باللغة اليونانية كما احتاج إليها في كتابته رسائله. ومع ذلك ظن بعض الناس أن الرسل تكلموا في جولانهم في البلدان بألسنة أهل البلاد الخاصة بالقوة التي حصلوا عليها يوم حلول الروح القدس ونسبوا النجاح العظيم الذي كان على أيدهم إلى نوالهم تلك القوة.