تفسير إنجيل يوحنا (يوحنا 3: 16) 16 لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الابدية.
ثانيا : التفسير الحرفى والتاريخى والجغرافى - إعداد عزت اندراوس
هذه الآية إنجيل مختصر.
1) " لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ " "لأنه" .. "لأن" يأتى بعدها جملة مسببة تفيد ردا على كل م التساؤلات التى قالها المسيح وليعطى سببا فى قوله "ينبغى ان يرفع إبن الإنسان" <وكما رفعت الحية على العصاة فى البرية" وبالحية المعلقة على خشبة فك المسيح رموز العهد القديم فى مفهوم الصليب ولتمتد الإجابة لتشمل مفهوم الجملة التى قالها يووحنا المعمدان (هذا هو حمل الله الذى يرفع خطية العالم" (يو 1: 29) أما سبب ذلك فهو أن "الله أحب العالم" !!! إن حب الله يخص طبيعته الأزلية للبشر ولهذا خلق الإنسان وهذا يوضح العلاقة بين الإنسان وخالقة فكان دائما معينا له فى الحياة ومنها الحية النحاسية رمزا لشفاء بنى البشر من سم الحية الشيطانية التى تقود إلى الموت وهو البعد عن الرب
+ " هكذا أحب الله " .. "أحب" : أقوى كلمة تعبر عن العلاقة بين الرب والإنسان وقد وردن هنا وفى أماكن أخرى من انجيل يوحنا كلمة "هكذا" ـو " بهذا القدر أحب الله" تشديدا ورفع علاقة الحب إلى مستوى أ‘لى وقد وردت كلمة "أحب" " أغابى" فى الإنجيل 36 مرة وقد جعل هذا الحب توازى فى شدته التجسد والبذل والألم والموزت معا "هكذا أحب ... حتى بذل"
+ " هكذا " .. معنى هكذا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي : "هكذا " كلمة مركَّبة من ( ها { التَّنبيه ، و } ك ) التَّشبيه ، و ( ذا ) اسم الإشارة ومعناها : على هذا النحو ، على هذا .. أو بهذه الطريقة ، ومعنى هذا إشارة إلى الوسيلة وليس المشاعر أى وسيلة إظهار محبته للبشر (رو 5: 8) بـ بذل (يو 3: 16) إبنه أى كلمته فى جسد إنسان ليموت فداءا عن البشرية (إش 53) (رو3: 25) (2كو 5: 21) (1يو 2: 2)
+ " أحب " .. فعل ورد فى الماضى البسيط (كما ورد الفعل بذل فى الماضى البسيط) والآيتان (يو 16 و 17) تتحدثان عن محبة الآب ، كلمة "أحب" فى أصل المخطوط الذى كتب باللغة اليونانية "أغاباو" وقد إستعملت الكنيسة الأولى هذه الكلمة ووضعتها فى معانى محددة تشير بها إلى محبة ألاب ومحبة الأبن وأستخدمت بشكل سلبى لتشير إلى الحب البشرى (يو 3: 19 & 12: 43) (1يو 2: 15) ولاهوتيا وردت كلمة "خسد " ترادف هذه الكلمة فى العهد القديم التى تعنى محبة الله لشعبه وعهده معهم ، وأستعملت اللغة اليونانية فى القرن ألأول كلمتى "أغاباو " و " فيليو " كمرادفتين قارن (يو 3: 35) مع ( يو 5: 20) .. من الواضح أن الوحى الإلههى إستخدم الكلمات البشرية التى تصف الله تحمل معنى بشرى وهو المعنى الذى يفهمه الإنسان فمن الطبيعى أن يستخدم الله لغة البشر السهله ومشاعرهم لتصل رسالته إليهم وتعاليمه وأوامره وعهودة .. ألخ ومن هنا فالكلمات التى تصف الله هى كلمات مجازية إلى أبعد درجة ، إن ما أ‘لنه الله لنا هو حقيقة ،ولكنها جزء من الحقيقة الذى يمكن أن تستوعبه مداركنا وعقولنا كما أننا لا يمكننا وصف الله الفريد ألأزلى والقدوس لأن محدودية البشرية لا تستطيع أن تستوعب الحقيقة المطلقة اللامحدودة حتى أنه لا يمكننا أن نطلق أسما يحتويه أو يصفه
هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰه أعلن المسيح هنا أن أصل الفداء محبة الله فالإنسان مع أنه أثيم مستحق غضب الله لم تكن إحساسات الله من جهته إحساسات الغضب والانتقام بل عواطف المحبة. وجاء مثل هذا في ٢يوحنا ٤: ٧ - ١١. والمحبة هنا ليست محبة الرضى والمسرة كمحبة الله لسكان السماء بل محبة الحنو والشفقة على الذين هم عرضة للهلاك الأبدي ولا ملجأ لهم والرغبة في إنقاذهم ومباركتهم.
2) " ٱلْعَالَمَ " + " العالم ؟ .. وردت كلمة العالم فى بشارة يوحنا باليونانية "كوزموس" بعدة معانى وهذه الآية رد على الغنوصية الثنائية التى تفصل بين روح الاب والمادة ، فقد إعتقد اليونانيون الفلاسفة أن الشر يكمن فى المادة وإعتبروا أن المادة عبارة عن سجن للشرارة الإلهية ورفضت الوحى الإلهى فى بشارة يوحنا فكرة إعتبار المادة أو الجسد بمثابة شر ، لقد أحب الله العالم / الكون (رو 8: 18 - 22) وكل الكائنات البشرية / الجسد (رو 8: 23) ومن هنا وردت فى بشارة يوحنا كثيرا من هذه الثنائيات (يو 1: 5 & 3: 3و 8)
ؤقول الأب متى المسكين فى تفسيرة لإنجيل يوحنا ص 232 : " لقد كانت التوراة بكل أسفارها شحيحة للغاية من جهة ذكر أو حتى تلميح عن محبة الله للعالم، فالأمم فى الأسفار منبوذون بل ولم يفرق أى قول نبوى بين الأمم والأصنام / فوضعهم ككان موضعا واحدا فقط وإمتد هذا التقيم عند اليهود حتى رأوا "الأمم كلابا" أو فى مصافهم فى حين نسمع أن الله سبق فوهد إبراهيم أبا الدنس اليهودى عامة أن فى نسله (بذرته) تتبارك كل الأمم ! من هذا نفهم أن الأمم كانوا ذوى ذكر وحب مكتوم عند الرب وإنما من وراء أو بعد اليهود الشعب المختار.. الذى إختير ليكون خميرة جيدة يلقى فيها الرب ببذرة الإيمان والتقوى والعبادة والإخلاص له مع محبة خاصة حتى تتخمر الخميرة بفضائل معرفة يهوه وحبه ثم يعود ويوزعها على كل الأرض لتخمر العجين كله ، أو بصورة أوضح أن الرب إختار وأحب شعب إسرائيل فى إبراهيم من أجل بركة العالم كله" أ. هـ فلما بدأت الخميرة تفسد ظهر يسوع فى ملئ الزمان الذى أوضخ الميلاد الذى من فوق بالروح وليس بالجسد وهذا أوضحه حين قال يسوع (لو 21: 23)وتكون اورشليم مدوسة من الامم حتى تكمل ازمنة الامم. " وأوضحها بولس الرسول بالروح (رو 11: 25- 29) 25 فاني لست اريد ايها الاخوة ان تجهلوا هذا السر، لئلا تكونوا عند انفسكم حكماء: ان القساوة قد حصلت جزئيا لاسرائيل الى ان يدخل ملؤ الامم، 26 وهكذا سيخلص جميع اسرائيل. كما هو مكتوب:«سيخرج من صهيون المنقذ ويرد الفجور عن يعقوب. 27 وهذا هو العهد من قبلي لهم متى نزعت خطاياهم». 28 من جهة الانجيل هم اعداء من اجلكم، واما من جهة الاختيار فهم احباء من اجل الاباء، 29 لان هبات الله ودعوته هي بلا ندامة. "
لا الملائكة فقط والمختارين ولا الأمة اليهودية فقط كما زعم نيقوديموس كسائر اليهود أن المسيح لهم دون غيرهم وأن رحمة الله مختصة بهم بل كل نسل آدم. وجاء «العالم» بهذا المعنى أيضاً في (ص ١: ١٠ و٢٩ و٦: ٣٣ و٥١ و٨: ١٢ ورومية ٣: ١٩ و٢كورنثوس ٥: ١٩ و١تيموثاوس ٢: ٤ وعبرانيين ٢: ٩ و٢بطرس ٣: ٩ و١يوحنا ٢: ٢ و٤: ١٤). وهذه الحقيقة من «الحقائق السماوية» التي صعب على اليهود التسليم بها وهي أن محبة الله تعمّ الأمم كما تعمّ اليهود وأن المسيح مخلص للجميع.
3) " حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ " فى الآية السابقة ورد أن الذى "رفع" هو إبن الإنسان وفى بداية هذه الآية الذى " بَذَلَ " أى أن الرب قدم أبنه ضحية وهكذا يتدرج الأمر من "رفع الحية" إلى "رفع الإبن" حتى بذل الرب إبنه الوحيد الذى ا{سله إلى العالم لأنه أحب العالم وهذا أول إستعلان عن "أبوة الرب" للمسيح فى إنجيل يوحنا ويلاحظ هنا أن التركيز على "الرب كأب" بالرغم من أن الذى بذل دمه هو المسيح الأبن ولكن هناك أيضا تضحية من الآب أن يجعل كلمته ان يخلى ذاته ويصير جسدا (رو 8: 32) 32 الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لاجلنا اجمعين، كيف لا يهبنا ايضا معه كل شيء؟ " الآب ضحى والأبن ضخى بالإخلاء وسفك دمه .. ويقول الأب متى المسكين فى تفسير ليوحنا ص 238 : " الإبن قائم فى الآب قياما كليا لا يمكن أن يحدث له شئ بدون شركة الآب إن طاعة إسحق لأبيه لما حمل " الحطب على ظهره ؟ (الصليب) وتمدده على المذبح الذى بناه إبراهيم أعطيا لإبراهيم أبيه الكرامة المضاعفة فى عين الرب مع أن الضحية كانت فى إسحق إلا أن قوة الذبيحة وطاعتها تركزت بصفة أساسية لحساب إبراهيم الآب!! بل أن قوة الذبيحة التى قدمها إبراهيم بالنية كأب هى التى عادت بالبركة على كل شعوب الأرض هكذا فكل الذى صنعه المسيح وصنع فى المسيح هو لحساب الآب... فالآب كان لا يمكن أن يفرط فى أبنه ولا يشفق عليه إلا إذا كان الثمن والهدف مساويين تماما للبذل! قبنوة الإنسان للآب التى آلت للإنسان بموت الإبن الوحيد كريمة وكريمة جدا فى أعين الآب " أ . هـ لهذا قال المسيح (يو 18: 11) الكاس التي اعطاني الاب الا اشربها؟ " و (يو 17: 4) " العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكمل" عمل الفداء الذى أكمل بالحب أوصلنا للنتيجة المطلوبة وهى خلاص العالم وفداء وتبنى الإنسان !!!
+ "إبنه الوحيد " .. الكلمة في اللغة اليونانية monogenes تترجم إلى: "فقط"؛ "واحد فريد"؛ "الوحيد". وردت هذه العبارة فى قواميس الكتاب المقدس والأدب المسيحي تحمل معنيين أساسيين. المعنى الأول "شيء فريد من نوعه في إطار علاقة محددة". ( عبرانيين 11: 17 ) حيث يشير إلى إسحق بأنه إبن إبراهيم الوحيد. كان لإبراهيم أكثر من إبن ولكن إسحق كان إبنه الوحيد من سارة، كما كان إبن الموعد الوحيد إهتم الوحى فى بشارة يوحنا بإظهار أن يسوع هو إبن الله (يوحنا 20: 31) واستخدم هذه الكلمة ليبرز يسوع كإبن الله الوحيد الفريد – مشاركاً إياه في طبيعته الإلهية – في مقابل المؤمنين الذين هم أبناء وبنات الله من خلال الإيمان.... المعنى الثاني هو : "شيء وحيد من نوعه أو جنسه، فريد من نوعه". هذا هو المعنى المقصود في (يوحنا 3: 16) وقد وردت هذه الكلمة فى بشارة يوحنا فقط دون الأناجيل الآزائية الأخرى (متى ومرقس ولوقا) وقد أشار بهذه الكلمة إلى يسوع (أنظر يوحنا 1: 14، 18& 3: 16، 18)؛ (يوحنا الأولى 4: 9).
هذا مقياس محبة الله لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل عنه لا العالم أو الملائكة بل أفضل موهبة في السماء وهي ابنه الوحيد يسوع المسيح فهو «عطية الله» (ص ٤: ١٠) و «عَطِيَّتِهِ ٱلَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا» (٢كورنثوس ٩: ١٥). وسمي المسيح عطية لأنه قُدّم لنا مجاناً هذا الحب إذ ليس لأحد حق فيه ولا يستطيع أن يثيبه على عمله. ولا يخفى ما في تقديم تلك العطية من إنكار الذات والنفقة العظيمة.
والله بذل ابنه لا ليملك باحتفال ويُكرم ويُمدح من الناس بل ليكون مهاناً مرذولاً ولا يُسخر به مصلوباً وميتاً لفداء البشر (رومية ٤: ٢٥ و٨: ٣٢). وعلة عطية المسيح للعالم ليست محبة العالم لله بل محبة الله للعالم.
سمّى المسيح نفسه في هذه الآية «ابن الله»: وسمّى نفسه في الآية التي قبلها «ابن الإنسان» لكي يعلم نيقوديموس أنه ذو طبيعتين. وقال بعض المفسرين أن في هذا العدد تلميح إلى ما أتاه إبراهيم فإنه كان مستعداً لبذل ابنه الوحيد إسحاق طوعاً لأمر الله وأظهر بذلك محبته لله (تكوين ص ٢٢) فالله أعطى الإنسان الخاطئ أكثر مما رضي تعالى أن إبراهيم يعطيه.
4) " لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ " + " لا يهلك كل من يؤمن به " .تكررت هذه العبارة فى هذه الآية والآية السابقة لأن كان تركيز المسيح على الإيمان به ربا ومسيحا وفاديا وأبسط صورة للإيمان أن المسيح مثل ورمز الحية النحاسية أبسط صورة للإيمان هو وعد إلهى أوحى إلى موسى أن من ينظر للحية المرفوعة على سارية خشبية يشفى من لدغة الحية ليرتفع بالإيمان من مجرد كلمة بوعد إلى إعلان أول وأبسط صورة للقداء " إبن الإنسان " مرفوعا عن الأرض على خشبة بمعنى الموت وأكمل الإستعلان إلى أقصاة حينما عرفت البشرية أن أبن الإنسان المرفوع عن الأرض هو فى الحقيقة إبن الله الذى قدى البشرية ببذل دمه حتى الموت كان منظر الحية النحاسية معلقة على عود خشبى مرتفع فى وسط شعب إسرائيل منظر غريبا وعجيبا وفريدا هذه الحية تشفى ليس عامة الشعب فقط بل وجميع علماء اليهود والربيين لأن سموم الحية الشيطانية مست الجميع والجميع زاغ وفسد وأعوزهم مجد الرب صحيح أن الحية منظر وشكل من النحاس معروض للإيمان والإيمان لا يعتمد على المنظور ولكن ما هو جوهر هذا الشكل وهذا المنظر؟ إنه رمز للمسيح كما كان إسحق إبن الموعد رمزا للآب الذى يذبح إبنه والفداء .ليس الإيمان بمجرد النظر للحية بل بنال الغفران بأكل جسد المسيح وشرب دمه ترياقا لإبطال سم الحية الشيطانية والمسيح ربط بين الأثنين بقوله : " كما رفع موسى الحية" هكذا " ينبغى أو يتحتم ان يرفع إبن الإنسان " تشير هذه الكلمة إلى هلاك البعض وهم الذين لا يؤمنون بيسوع فالله أعطاهم فرص من تعاليم وعهود ولكنهم رفضوها (حز 18: 23 و 32) (1تى 2: 4) (2 بط 3: 9) وقد قام بعض الفسرين بتفسير هذه الكلمة حرفيا وقالوا أنها تعنى إبادة الأشرار وغير المؤمنين ولكن يتناقض هذا مع التفسير (دا 12: 2) و (مت 25: 46)
5) " كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ " الإيمان المطلوب ليس بالفكر ولا بالجهد والقياس ولكن " الإيمان بحب الرب وتنفيذا للوصية الأولى(لو 10: 27) فأجاب وقال: «تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك، وقريبك مثل نفسك»
+ " كل من يؤمن به " .. يؤمن هى أسم فاعل فى الزمن المضارع والتى تعنى بداءة وإستمرارية الإيمان وقد تكررت هذه الكلمة فى (يو 3: 15) للتوكيد وكلمة "كل" تعنى من يؤمن بيسوع بغض النظر عن طائفته العرقية أو مكانته الإجتماعية أو الثقافية أو الحضارية أو لونه أو جنسه .. ألخ وهذا لا يعنى تعارض سيادة الإله وربوبيته مع حرية البشر ، الحرية هي إمكانية الفرد أن يفعل ما يشاء وقتما يشاء دون أي جبر أو شرط أو ضغط خارجي على إتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة أن مفهوم الحرية ليس مفهوما مطلقا لأنها بالنسبة لإنسان تنتهى حريته عندما تبدأ حريات الأخرين ولكن فى العالم يتميز بوجود طريقين الخير والشر الحرية هى فعل الإنسان ما يشاء للبنيان وإستمرار البشرية للخير فمن غير المعقول أن يكون الإنسان حرا فى فعل الشر من قتل وسرقة وزنا وإغتصاب وغيرها من الموبيقات كما يفعل المسلمين
كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ جاء في تفسير هذه في الآية السابقة. الله أحب العالم كله لكن الذين يستفيدون من تلك المحبة هم المؤمنون فإنه لا ينال الخلاص الذي أعده إلا هم. إنّ الله فعل كل ما اقتضاه خلاص البشر ببذل ابنه والابن فعل كل ما اقتضى ذلك بموته على الصليب من أجلهم فبقي على الناس أن يفعلوا ما عليهم وهو أن يؤمنوا بيسوع مصلوباً فالإيمان بيسوع هو الشرط الوحيد لنوال كل فوائد «عطية الله التي لا يُعبر عنها».
5) "بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ" وردت هذه العبارة فى الأناجيل الأخرى بمعنى "حياة الدهر الآتى" بحسب مفهومها اليهودى الربانى التقليدى ولكن فى إنجيل يوحنا تعنى الحياة التى بلا نهاية مع الرب "كعطية حاضرة" الآن مع الرب وهى تقابل "ملكوت الله" فى الأناجيل الأحرى وكذلك ملكوت الله أيضا فى إ. يوحنا ولو أنها عطية الدهر الآتى ولكن المسيح بدأها الآن وصارت حقيقة معاشة فى المسيج
بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ هذا المقصود من عطية الله وهو خلاص الهالكين.
أولا : التفسير الروحى/ الرمزى والمجازى الذى أسسه العلامة القبطى أوريجانوس - والتأملى الذى أشتهرت به الكنيسة القبطية
تفسير المشرقى للقس ابو الفرج لإجيل يوحنا - كتاب طبعه يوسف منقريوس ناظر المدرسة الإكليريكية سنة 1908م فى عصر البابا كيرلس الخامس112
وقوله "هكذا" معناه بمقدار لا يوصف ولا يدخل تحت تغيير بشرى "أحب الله" لا الملائكة فقط ولا الأمة اليهودية فقط بل أحب " العالم" أى كل نسل آدم وحواء الذى أظهر العداوة له وإستحق الهلاك ورغب فى إنقاذهم من الهلاك ومباركتهم فكان حنانه عظيما بهذا المقدار "حتى بذل أبنه الوحيد " لا ليملك بإحتفال ويكرم ويمدح من الناس بل ليكون مهانا ومرذولا يسخر به مصلوبا لفداء البشر أى " لكى لا يهلك كل من يؤمن به" إن الله أحب العالم كله لكن الذين يستفيدون من تلك المحبة هم الذين يؤمنون به ، إن الله فعل كل ما إقتضاه خلاص البشر وإبن الله فعل كل ما إقتضاه هذا الخلاص بموته على الصليب فبقى على الناس أن يفعلوا ما عليهم أى أن يؤمنوا بالمسيح مصلوبا فكل من آمن لا يخلص من الهلاك فقط "بل تكون له الحياة الأبدية" فما أعظم هذه المراحم.