Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة اثنتين وعشرين ومائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
قصر هشام‏ ‏بن‏ ‏عبد‏ ‏الملك‏
أكبر فسيفساء بقصر هشام
سنة 105 خلافة هشام
سنة ست ومائة
سنة سبع ومائة
سنة ثمان ومائة
سنة تسع ومائة
سنة عشر ومائة
سنة إحدى عشرة ومائة
سنة اثنتي عشرة ومائة
سنة ثلاث عشرة ومائة
سنة أربع عشرة ومائة
سنة 115 و 116
سنة سبع عشرة ومائة
سنة ثماني عشرة ومائة
سنة تسع عشرة ومائة
دخلت سنة عشرين ومائة
سنة إحدى وعشرين ومائة
سنة اثنتين وعشرين ومائة
سنة أربع وعشرين ومائة
سنة 125 وفاة الخليفة هشام

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

الجزء الثالث

ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائة
ذكر مقتل زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب

في هذه السنة قتل زيد بن علي بن الحسن، قد ذكر سبب مقامه بالكوفة وبيعته بها .
فلما أمر أصحابه بالاستعداد للخروج وأخذ من كان يريد الوفاء له بالبيعة يتجهز انطلق سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر فأخربه، فبعث يوسف في طلب زيد، فلم يوجد، وخاف زيد أن يؤخذ فتيعجل قبل الأجل الذي جعله بينه وبين أهل الكوفة، وعلى الكوفة يومئذ الحكم بن الصلت، وعلى شرطته عمرو بن عبد الرحمن من القارة ومعه عبيد الله بن العاباس الكندي في ناس من أهل الشام، ويوسف بن عمر بالحيرة، قال: فلما رأى أصحاب زيد بن علي من يوسف بن عمر أنه قد بلغه أمره وأنه يبحث عن أمره اجتمع إليه حماعة من رؤوسهم وقالوا: رحمك الله، ما قولك في أبي بكر وعمر؟ قال زيد: رحمها الله وغفر لهما، ما سمعت أحداً من أهل بيتي يقول فيهما إلا خيراً، وإن أشد ما أقول فيما ذكرتم أنا كنا أحق بسلطان ما ذكرتم من رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، من الناس أجمعين، فدفعونا عنه ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً، وقد ولوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة. قالوا: فلم يظلمك هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم، وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم ، وإلى السنن أن تحيا وإلى البدع أن تطفأ، فإن اجبتمونا سعدتم، وإن أبيتم فلست عليكم بوكيل. ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا: سبق الإمام، يعنون محمداً الباقر، وكان قد مات، وقالوزا: جعفر ابنه إمامنا اليوم بعد أبيه، فسماهم زيد الرافضة، وهم يزعمون أن المغيرة سماهم الرافضة حيث فارقوه.
وكانت طائفة أتت جعفر بن محمد الصادق قبل خروج زيد، فأخبره ببيعة زيد، فقال: بايعوه فهو والله أفضلنا وسدنا، فعادوا وكتموا ذلك. وكان زيد واعد أصحابه أول ليلة من صفر، وبلغ ذلك يوسف بن عمر، فبعث إلى الحكم يأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم يحصرهم فيه، فجمعهم فيه، وطلبوا زيداً في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري، فخرج منها ليلاً، ورفعوا الهرادي فيها النيران ونادوا: يا منصور أمت أمت، حتى طلع الفجر، فلما أصبحوا بعث زيد القاسم التبعي ثم الحضرمي وآخر من أصحابه يناديان بشعارهم، فملا كانا بصحراء عبد القيس لقيهما جعفر ابن العباس الكندي فحملا عليه وعلى أصحابه، فقتل الذي كان مع القاسم التبعي وارتث القاسم وأتي به الحكم، فضرب عنقه. فكانا أول من قتل من أصحاب زيد. وأغلق الحكم دروب السوق وأبواب المسجد على الناس .
وبعث الحكم إلى يوسف بالحيرة فأخبره الخبر، فأرسل جعفر بن العباس ليأتيه بالخبر، فسار في خمسين فارساً حتى بلغ جبانة سالم فسال ثم رجع إلى يوسف فأخبره، فسار يوسف إلى تل قريب من الحيرة فنزل عليه ومع أشراف الناس، فبعث الريان بن سلمة الأراني في القين ومعه ثلاثمائة من القيقانية رجالة معهم النشاب. [ج3 (2/430)]
وأصبح زيد فكان جميع من وافاه تلك الليلة مائتي رجل وثمانية عشر رجلاً، فقال زيد: سبحان الله أين الناس؟ فقيل: غنهم في المسجد الأعظم محصورون. فقال: والله ما هذا بعذر لمن بايعنا! وسمع نصر بن خزيمة العبسي النداء فأقبل إليه، فلقي عمرو بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم في خيله من جهينة في الطريق، فحمل عليه نصر وأصحابه فقتل عمرو وانهزم من كان معه، وأقبل على جبانة سالم حتى انتهى زيد إلى دار أنس بن عمرو الأزدي، وكان في من بايعه وهو في الدار، فنودي فلم يجبهم، وناداه زيد فلم يخرج إليه، فقال زيد: ما أخلفكم؟ قد فعلتموها، والله حسيبكم، ثم انتنهى زيد إلى الكناسة فحمل على من بها من أهل الشام فهزمهم، ثم سار زيد يوسف ينظر إليه في مائتي رجل، فو قصده لقتله، والريان يتبع أثر زيد بن علي بالكوفة في أهل الشام، فأخذ زيد على مصلى خالد حتى دخل الكوفة، وسار بعض أصحابه نحو جبانة مخنف بن سليم فلقوا أهل الشام فقاتلوهم، فأسر أهل الشام منهم رجلاً، فأمر به يوسف بن عمر فقتل.
فلما رأى زيد خذلان الناس إياه قال: يا نصر بن خزيمة أنا أخاف أن يكونوا قد فعلوها حسينية. قال: أما أنا والله لأقاتلن معك حتى أموت، وإن الناس في المسجد فامض بنا نحوهم. فلقيهم عبيد الله بن العباس الكندي عند ار عمر بن سعد، فاقتتلوا، فانهزم عبيد الله وأصحابه، وجاء زيد حتى انتهى إلى باب المسجد، فجعل أصحابه يدخلون راياتهم من فوق الأبواب ويقولون: يا أهل المسجد اخرجوا من الذل إلى العز، اخرجوا إلى الدين والدنيا فإنكم لستم في دين ولا دنيا. فرماهم أهل الشام بالحجارة من فوق المسجد وانصرف الريان عند المساء إلى الحيرة، وانصرف زيد في من معه، وخرج إليه ناس من أهل الكوفة فنزل دار الرزق، فاتاه الريان بن سلمة فقالتله عند دار الرزق وجرح أهل الشام ومعهم ناس كثير، ورجع أهل الشام مساء يوم الأربعاء أسوأ شيء ظناً.
فلما كان الغد أرسل يوزسف بن عمر العباس بن سعيد المظزني في أهل الشام فانتهى إى زيد في دار الرزق، فلقيه زيد وعلى مجنبته نصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن ثابت فاقتتلوا قتالاُ شديداً، وحمل نابل بن فروة العبسي من اهل الششام على نصر بن خزيمة فضربه بالسيف فقطع فخذه، وضربه نصر فقتله، ولم يلبث نصر أن مات واشتد قتالهم، فانهزم أصحاب العباس وقتل منهم نحو من سبعين رجلاً.
فلما كان العشاء عباهم يوسف بن عمر ثم سرحهم، فالتقوا هم وأصحاب زيد، فحمل عليهم زيد فياصحابه فكشفهم وتبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة، ثم حمل عليهم بالسبخة حتى أخرجهم إلى بني سليم، وجعلت خيلهم لا تثبت لخيله، فبعث العاب إلى يوزسف يعلمه ذلك وقال له: ابعث إلي الناشبية، فبعثهم إليه، فجعلوا يرمون أصحاب زيد، فقاتل معاوية ابن إسحاق الأنصاري بين يدي زيد قتالاً شديداً، فقتل وثبت زيد ابن علي ومن معه إلى الليل، فرمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فثبت في دماغه، ورجع أصحابه ولا يظن أهل الشام أنهم رحعوا إلا للمساء والليل، ونزل زيد في دار من دور أرحب، وأحضر أصحابه طبيباً، فانتزع النصل، فضج زيد، فلما نزع النصل مات زيد، فقال أصحابه: اين ندفنه؟ قال بعضهم: نطرحه في الماء. وقال بعضهم: بل نحتز رأسه ونلقيه في القتلى. فقال ابنه يحيى: والله لا تأكل لحم أبي الكلاب. وقال بعضهم: ندفنه في الخحفرة التي يؤخذ منها الطين ونجعل عليه الماءن ففعلوا، فلما دفنوه أجروا عليه الماء، وقيل: دفن بنهر يعقوب، سكر أصحابه الماء ودفنوه وأجروا الماء وكان معهم مولى لزيد سندي، وقيل رآهم فسار فدل عليه، وتفرق الناس عنه، وسار ابنه يحيى نحو كربلاء فنزل بنينوى على سابق مولى بشر بن عبد الملك بن بشر.
ثم إن يوسف بن عمر تتبع الجرحى في الدور، فدله السندي مولى زيد يوم الجمعه على زيد، فاستخرجه من قبره وقطع رأسه وسير إلى يوسف ابن عمر وهو بالحيرة، وسيره الحكم بن الصلت، فأمر بحراستهم، وبعث الرأس إلى هشام وولي الوليد فأمر بانزاله وإحراقه. وقيل: كان خراش بن خشب بن يزيد الشيباني على شرطة زيد، وهو الذي نبش زيداً وصلبه؛ فقال السيد الحوي: [ج3 (2/431)]
بت ليلاً مسهدا ... ساهر العين مقصدا
ولقد قلت قولةً ... وأطلت التبلدا
لعن الله حوشباً ... وخراشاً ومزيدا
وزيداً فإنه ... كان أعتى وأعتدا
ألف ألفٍ وألف ألف ... فٍ من اللعن سرمدا
إنهم حاربوا الإل ... ه وآذوا محمدا
شركوا في دم الحس ... ين وزيدٍ تعندا
ثم عالوه فوق جذ ... عٍ صريعاً مجردا
يا خراش بن حوشبٍ ... أنت أشقى الورى غدا
وقيل في أمر يحيى بن زيد غير ما تقدم، وذلك أن أباه زيداً لما قتل قال له رجل من بني أسد: إن أهل خراسان لكم شيعة، والرأي أن تخرج إليها. قال: وكيف لي بذلك؟ قال: تتوارى حتى يسكن عنك الطلب ثم تخرج. فواراه عنده ليلةً، ثم خاف فأتى به عبد الملك بن بشر بن مروان فقال له: إن قرابة زيد بك قريبة زحقه عليك واجب. قال: أجل ولقد كان العفوعنه أقرب للتقوى. قال فقد قتل وهذا ابنه غلام حدث لاذنب له، فإن علم يوسف به قتله، أفتجيره؟ قال: نعم، فأتاه به فأقام عنده، فملا سكن الطلب سار في نفر من الزيدية إلى خراسان. فغضب يوسف بن عمر بعد قتل زيد فقال: يا أهل العراق، إن يحيى بن زيد ينتقل في حجال نسائكم كما كان يفعل أبوه، والله لو بدا لي لعرقت خصييه كما عرقت خصيي أبيه! وتهددهم وذمهم وترك.
ذكر قتل البطال
في هذه اسنة قتل البطال، واسمه عبد الله أبو الحسين الأنطاكي، في جماعة من المسلمين ببلاد الروم، وقيل: سنة ثلاث وعشرين ومائة، وكان كثير الغزاة إلى الروم والإغارة على بلادهم، وله عندهم ذكر عظيم وخوف شديد.
حكي أنه دخل بلادهم في بعض غزاته هو وأصحابه، فدخل قرية لهم ليلاً وامرأة تقول لصغير لها يبكي: تسكت وإلا سلمتك إلى البطال! ثم رفعته بيدها وقالت: خذه يا بطال! فتناوله من يدها.
وسيره عبد الملك مع ابنه مسلمة إلى بلاد الروم وأمره على رؤساء أهل الجزيرة والشام، وأمر ابنه أن يجعله على مقدمته وطلائعه، وقلا:إنه ثقة شجاع مقدام، فجعله مسلمة على عشرة آلاف فارس، فكان بينه وبين الروم، وكان العلافة والسابلة يسيرون آمينين، وسار مرة مع عسكر للمسلمين، فلما صار بأطراف الروم سار وحده فدخل بلادهم، فرأى مبقله فنزل فأكل من ذلك البقل، فجاءت جوفه وكثر إسهاله، فخاف أن يضعف عن الركوب فركب وصار تجيء جوفة في سرجه ولا يجسر ينزل لئلا يضعف عن الركوب، فاستولى عليه الضعف، فاعتنق رقية فرسه وسار عليه ولا يعلم أين هو، ففتح عينه فإذا هو في دير فيه نساء، فاجتمعن عليه وانزلته إحداهن عن فرسهوعسلته وسقته دواء فانقطع عنه ما به، وأقام في الدير ثلاثة أيام، ثم إن بطريقاً حضر الدير فخطب تلك المرأة وبلغه خبر البطال وتبعه فقتله وانهزم أصحاب البطريق وعاد إلى الدير وأقى الرأس إلى النساء وأخذهن وساقهن إلى العسكر، فنقل أمير العسكر تلك المرأة، فهي أم أولاد البطال.
ذكرة عدة حوادث
قيل: وفي هذه السنة قتل كلثوم بن عياض القشيري الذي كان هشام بعثه في أهل الشام إلى أفريقية حيث وقعت الفتنة بالبربر. وفيها ولد الفضل بن صالح ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن علي. وفيها وجه يوسف بن عمر ابن شبرمة على سجستان فاتقضى محمد بن عبيد الرحمن بن أبي ليلى.
وحج بالناس هذه السنة محمد بن هشام المخزومي، وكان عمال الأمصار من تقدم ذكرهم، قيل: وكان على الموصل أبو قحافة ابن أخي الوليد بن تليد العبسي.
وفيها مات إياس بن معاوية بن قرة قاضي البصرة، وهو الموصوف بالذكاء . وزيد بن الحارث اليامي. ومحمد بن المنكدر بن عبد الله أبو بكر التميم تيم قريش، وقيل: مات سنة ثلاثين، وقيل: إحدى وثلاثين، وكتبه أبو بكر. ويزيد بن عبد الله بن قسط، ويعقوب بن عبد الله بن الأشج.
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائة [ج3 (2/432)]
ذكر صلح نصر بن سيار مع الصغد.
وسبب ذلك أن خاقان لما قتل في ولاية أسد تفرقت الترك في غارة بعضها على بعض، فطمع أهل الصغد في الرجعة إليها، وانحاز قوم منهم إلى الشاش، فلما ولي نصر بن سيار أرسل إليهم يدعوهم إلى الرجوع إلى بلادهم وأعطاهم ما أرادوا، كانوا ينالون شروطاً أنكرها أمراء خراسان، منها: أن لا يعاقب من كان مسلماً فارتد عن الإسلام، ولا يعدى عليهم في دين لأحد منن الناس، ولا يؤخذ أسراء المسلمين من ايديهم إلا بقضية قاضٍ وشهادة عدول. فعاب الناس ذلك على نصر بن سيار وقالوا له فيه، فقال: لو عاينتم شوكتهم في المسلمين مثل ما عاينت ما أنكرتم ذلك. وأرسل رسولاً إلى هشام بن عبيد الملمك في ذلك، فأجابه إليه.
ذكر وفاة عقبة بن الحجاج
ودخول بلج الأندلس
في هذه السنة توفي عقبة بن الحجاج السلولي أمي رالأندلس، فقيل: بل ثار به أهل الأندلس فخلعوه وولوا بعده عبد الملك بن قطن، وهي ولايته الثانية، وكانت ولايته في صفر من هذه السنة، وكانت البربر قد فعلت بإفريقية ما ذكرناه سنة سبع عشرة ومائة، وقد حصروا بلج بن بشر العبسي حتى ضاق عليه وعلى من معه الأمر واشتد الحصر، وهم صابرون إلى هذه السنة، فأرسل إلى عبد الملك بن قطن يطلب منه أن يرسل إليه مراكب يجوز فيها هو ومن معه إلى الأندلس، وذكر ما أنزل عليه من الشدة وأنهم أكلوا دوابهم. فامتنه عبد الملك من إدخالهم الأندلس ووعدهم بإرسال المدد إليهم، فلم يفعل.
فاتفق أن البربر قويت بالأندلس، فاظطر عبد الملك إلى إدخال بلج ومن معه، وقيل: إن عبد الملك استشار أصحابه في جواز بلج فخوفوه من ذلك، فقال: أخاف أمير المؤمنين أن يقول: أهلكت جندي، لإأجازهم وشرط عليهم أن يقيموا سنة ويرجعوا إلى إفريقية، فأجابوه إلى ذلك، وأخذ وهائتنهم وأجازهم.
فلما وصوا إليه رأى هو والمسلمون ما بهم من سوء الحال والفقر والعري لشدة الحصار عليهم، فكسوهم وأحسنوا إليهم، وقصدوا جمعاً من البربر بشدونة فقاتلوهم فظفروا بالبربر فأهلكوهم وغنموا مالهم ودوابهم وسلاحهم، فصلت أحوال أصحاب بلج وصار لهم دواب يركبونها.
ورجع عبد الملك بن قطن إلى قرطبة وقال لبلج ومن معه ليخرجوا من الأندلس، فأجابوه إلى ذلك، فطلبوا منه مراكي يسيرون فيها من غير الجزيرة الخضراء لئلا يلقوا البرابر الذين حصروهم. فامتنع عبد الملك وقال: ليس لي مراكب إلا في الجزيرة. فقالوا: إننا لا نرجع نتعرض إلى البربر ولا نقصد الجهة التي هم فيها لأننا نخاف أن يقتلونا في بلادهم. فألح عليهم في العود، فلما رأوا ذلك ثاروا به وقاتلوه، فظفروا به وأخرجوه من القصر، وذلك أوائل ذي القعدة من هذه السنة.
فلما ظفر بلج بعبد الملك أشار عليه أصحابه بقتل عبد الملك، فأخرجه من داره وكأنه فرخ لكبر سنة فقتله وصلبه، وولي الأندلس، وكان عمر عبد الملك تسعين سنة، وهرب ابناه قطن وأمية، فلحق أحدهما بماردة والآخر بسر قسطة، وكان هربهما قبل قتل أبيهما، فلما قتل فعلا ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة أوفد يوسف بن عمر الحكم بن الصلت إلى هشام يطلب إليه أن يستعمله على خراسان ويذكر أنه خبير بها وأنه عمل بها الأعمال الكثيرة ويقع في نصر بن سيار، فوجه هشام إلى دار الضيافة فأحضر مقاتل بن علي السعدي وقد قدم من خاسان ومعه مائة وخمسون من الترك، فسأله عن الحكم وما ولي بخراسان، فقال: ولي قرية يقال لها لفارياب سبعون ألفاً خراجها، فأسره الحارث بن سريج فعرك أذنه وأطلقه وقا: أنت أهون من أن قتلك. فلم يعزل هشام نصر بن سيار عن خراسان.
وفي هذه السنة غزا نصر بن سيار فرغنة غزوته الثانية، فأوفد وفداً إلى العراق عليهم معن بن أحمر النميري، ثم إلى هشام، فاجتاز بيوسف بن عمر وقال له: يا بن أحمر أبلغبكم الأقطع على سلطانكم يا معشر قريش! قال: قد كان ذاك، فأمره أن يعيبه عند هشام، فقال: كيف أعيبه مع بلائه وآثاره الجميلة عند وعند قومي؟ فلم يزل به، قال: فيم أعيبه؟ أعيب تجربته أم طاعته أم يمن نقيبته أو سياسته؟ قال: عبه بالكبر. [ج3 (2/433)]
فلما دخل على هشام ذكر جند خراسان ونجدتهم وطاعتهم، فقال: إلا أنهم ليس لهم قائد. قال: ويحك! فما فعل الكناني؟ يعني نصراً. قال: له بأس ورأي إلا أنه لا يعرف الرجل ولا يسمع صوته حتى يدني منه، وما يكاد يفهم منه من الضعف لأجل كبره، فقال شبيل بن عبد الرحمن المازني: كذب والله، وإنه ليس بالشيخ يخشى خرفه، ولا الشاب يخشى سفهه، بل هو المجرب وقد ولي عامة ثغور خراسان قد آثر معناً وأعلى منزلته وشفعه في حوائجه، فلما فعل هذا أجفى القيسية فحضروا عنده واعتذروا إليه.
وحج بالناس هذه السنة يزيد بن هشام بن عبد الملك. وكان العمال في الأمصارهم العمال في السنة التي قبلها.
وفيها مات محمد بن زاسع الأزدي البصري، وقيل: سنة سبع وعشرين. وفيها توفي جعفر بن إباس. وفيها مات ثابت البناني، وقيل: سنة سبع وعشرين، وله ست وثمانون سنة. وفيها توفي سعيد بن أبي سعد المقبري، واسم أبي سعيد كيسان، وقيل: مات سنة خمس وعشرين، وقيل ست وعشرين. ومالك ابن دينار لزاهد.
 

This site was last updated 06/22/11