Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة اثنتي عشرة ومائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
قصر هشام‏ ‏بن‏ ‏عبد‏ ‏الملك‏
أكبر فسيفساء بقصر هشام
سنة 105 خلافة هشام
سنة ست ومائة
سنة سبع ومائة
سنة ثمان ومائة
سنة تسع ومائة
سنة عشر ومائة
سنة إحدى عشرة ومائة
سنة اثنتي عشرة ومائة
سنة ثلاث عشرة ومائة
سنة أربع عشرة ومائة
سنة 115 و 116
سنة سبع عشرة ومائة
سنة ثماني عشرة ومائة
سنة تسع عشرة ومائة
دخلت سنة عشرين ومائة
سنة إحدى وعشرين ومائة
سنة اثنتين وعشرين ومائة
سنة أربع وعشرين ومائة
سنة 125 وفاة الخليفة هشام

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

الجزء الثالث

ثم دخلت سنة اثنتي عشرة ومائة
ذكر قتل الجراح الحكمي

في هذه السنة قتل الجراح بن عبد الله الحكمي. وسبب ذلك ما ذكرناه قبل من دخوله بلاد الخزر وانهزامهم، فلما هزمهم اجتمع الخزر والترك من ناحية اللان، فلقيهم الجراح بن عبد الله فيمن معه من أهل الشام فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس، فصبر الفريقان، وتكاثرت الخزر والترك على المسلمين، فاستشهد الجراح ومن كان معه بمرج أدبيل، وكان قد استخلف أخاه الحجاج ابن عبد الله على أرمينية.
ولما قتل الجراح طمع الخزر وأغلوا في البلاد حتى قاربوا الموصل، وعظم الخطب على المسلمين.
وكان الجراح خيراً فاضلاً من عمال عمر بن عبد العزيز، ورثاه كثير من الشعراء. وقيل: كان قتله ببلنجر.
ولما بلغ هشاماً خبره دعا سعيداً الحرشي فقال له: بلغني أن الجراح قد انحاز عن المشركين. قال: كلا يا أمير المؤمنين، الجراح أعرف بالله من أن ينهزم ولكنه قتل. قال: فما رأيك؟ قال: تبعثني على أربعين دابة من دواب البريد، ثم تبعث إلي كل يوم أربعين رجلاً، ثم اكتب إلى أمراء الأجناد يوافوني. [ج3 (2/402)]
ففعل ذلك هشام، وسار الحرشي، فكان لايمر بمدينة إلا ويستنهض أهلها فيجيبه من يزيد الجهاد، ولم يزل كذلك حتى وصل إلى مدينة أرزن، فلقيه جماعة من أصحاب الجراح وبكوا وبكى لبكائهم وفرق فيهم نفقةً وردهم معه، وجعل لا يلقاه أحد من أصحاب الجراح إلا رده معه، ووصل إلى خلاط، وهي ممتنعة عليه، فحصرها أيضاً وفتحها وقسم غنائمها في أصحابه. ثم سار عن خلاط وفتح الحصون والقلاع شيئاً بعد شيء إلى أن وصل إلى برذعة فنزلها.
وكان ابن خاقان يومئذ بأذربيجان يغي وينهب ويسبي ويقتل وهو محاصر مدينة ورثان، فخاف الحرشي أن يملكها، فأرسل بعض أصحابه إلى أهل ورثان سراً يعرفهم وصولهم ويأمرهم بالصبر، فسار القاصد، ولقيه بعض الخزر فأخذوه وسألوه عن حاله، فاخبرهم وصدقهم، فقالوا له: إن فعلت ما نأمرك به أحسنا إليك وأطلقناك وإلا قتلناك. قال: فما الذي يريدون؟ قالوا: تقول لأهل ورثان إنكم ليس لكم مدد ولا من يكشف ما بكم، وتأمرهم بتسليم البلد إلينا. فأجابهم إلى ذلك.
فلما قارب المدينة وقف بحيث يسمع أهلها كلامه فقال لهم: أتعرفوني؟ قالوا: نعم أنت فلان. قال: فإن الحرشي قد وصل إلى مكان كذا في عساكر كثيرة، وهو يأمركم بحفظ البلد والصبر، ففي هذين اليومين يصل إليكم فرفعوا أصواتهم بالتكبير والتهليل.
وقتلت الخزر ذلك الرجل ورحلوا عن مدينة ورثان، فوصلها الحرشي في العساكر وليس عندها أحد. فارتحل يطلب الخزر إلى أردبيل، فسار الخزر عنها ونزل الحرشي باجروان، فأتاه فارس على فرس أبيض فسلم عليه وقال له: هل لك أيها المير في الجهاد والغنيمة؟ قال: كيف لي ذلك؟ قال: هذا عسكر الخزر في عشرة آلاف ومعهم خمسة آلاف من أهل بين من المسلمين أسارى أو سبايا وقد نزلوا على أربعة فراسخ.
فسار الحرشي ليلاً فوافاهم آخر الليل وهم نيام، ففرق أصحابه في أربع جهات فكبسهم مع الفجر ووضع المسلمون فيهم السيف، فما بزغت الشمس حتى قتلوا أجمعون غير رجل واحد، وأطلق الحرشي من معهم من المسلمين وأخذهم إلى باجروان، فلما دخلها أتاه ذلك الرجل صاحب الفرس الأبيض فسلم وقال: هذا جيش للخزر ومعهم أموال المسلمين وحرم الجراح وأولاده بمكان كذا. فسار الحرشي إليهم، فما شعروا إلا والمسلمون معهم فوضعوا فيهم السيف فتقلوهم كيف شاؤوا، ولم يفلت من الخزر إلا الشريد، واستنفذوا من معهم في المسلمين والمسلمات وغنموا أموالهم، وأخذ أود الجراح فأكرمهم وأحسن إليهم، وحمل الجميع إلى باجروان.
وبلغ خبر فعله الحرشي بعساكر الخزر ابن ملكهم، فوبخ عساكره وذمهم ونسبهم إلى العجز والوهن، فحرض بعضهم بعضاً وأشاروا عليه بجمع أصحابه والعود إلى قتال الحرشي. فجمع أصحابه من نواحي أذربيجان، فاجتمع معه عساكر كثيرة، وسار الحرشي إليه فالتقيا بأرض برزند، واقتتل الناس أشد قتال وأعظمه، فانحاز المسلمون يسيراً، فحرضهم الحرشي وأمرهم بالصبر، فعادوا إلى القتال وصدقوهم الحملة، واستغاث من مع الخزر من الأساى ونادوا بالتكبير والتهليل والدعاء، فعندها حرص المسلمون بعضهم بعضاً ولم يبق أحد إلا وبكى رحمةً للأسرى، واشتدت نكايتهم في العدو، فولوا الأدبار منهزمين، وتبعهم المسلمون حتى بلغوا بهم نهر رأس، وعادوا عنهم وحووا ما في عساكرهم من الأموال والغنائم، وأطلقوا الأسرى والسبايا وحملوا الجميع إلى باجروان.
ثم إن ابن ملك الخزر جمع من لحق به من عساكره وعاد بهم نحو الحرشي فنزل على نهر البيلقان، فالتقوا هناك، فصاح الحرشي بالناس، فحملوا حملةً صادقة ضعضعوا صفوف الخزر، وتابع الحملات وصبر الخزر صبراً عظيماً ثم كانت الهزيمة عليهم، فولوا الأدبار منهزمين، وكان من غرق منهم في النهر أكثر ممن قتل.
وجمع الحرشي الغنائم وعاد إلى باجروان فقسمها، وأرسل الخمس إلى هشام بن عبد الملك وعرفه ما فتح الله على المسلمين، فكتب إليه هشام يشكره. وأقام بباجروان، فأتاه كتاب هشام يأمره بالمصير إليه، واستعمل أخاه مسلمة ابن عبد الملك على أرمينية وأذربيجان، فوصل إلى البلاد وسار إلى الترك في شتاء شديد حتى جاز الباب في آثارهم. [ج3 (2/403)]
ذكر وقعة الجنيد بالشعب
في هذه السنة خرج الجنيد غازياً يريد طخارستان، فوجه عمارة بن حريم إلى طخارستان في ثمانية عشر ألفاً، ووجه إبراهيم بن بسام الليثي في عشرة آلاف إلى وجه آخر، وجاشت الترك فأتوا سمرقند وعليها سورة ابن الحر، فكتب سورة إلى الجنيد: إن خاقان جاش الترك فخرجت إليهم فلم أطق أن أمنع حائط سمرقند، فالغوث الغوث! فأمر الجنيد الناس بعبور النهر، فقام إليه المجشر بن مزاحم السلمي وابن بسطام الأزدي وغيرهما وقالوا: إن الترك ليسوا كغيرهم لا يلقونك صفاً ولا زحفاً وقد فرقت جندك، فمسلم بن عبد الرحمن بالبيروذ، والبختري بهراة، وعمارة بن حريم غائب بطخارستان، وصاحب خراسان لا يعبر النهر في أقل من خمسين ألفاً، فاكتب إلى عمارة فليأتك أمهل ولا تعجل. قال: فكيف بسورة ومن معه من المسلمين؟ لو لم أكن إلا في بني مرة أو من طلع معي من الشام لعبرت؛ وقال شعراً:
أليس أحق الناس أن يشهد الوغى ... وأن يقتل الأبطال ضخماً على ضخم
وقال:
ما علتي ما علتي ما علتي ... إن لم اقتلهم فجزوا لمتي
وعبر الجنيد فنزل كش وتأهب للمسير، وبلغ الترك فعوروا الآبار التي في طريق كش، فقال الجنيد: أي طريق إلى سمرقند أصلح؟ فقالوا: طريق المحترقة. فقال المجشر: القتل بالسيف أصلح من القتل بالنار، طريق المحترقة كثير الشجر والحشيش ولم يزرع منذ سنين، فإن لقينا خاقان أحرق ذلك كله فقتلنا بالنار والدخان، ولكن خذ طريق العقبة فهو بيننا وبينهم سواء.
فأخذ الجنيد طريق العقبة فارتقى في الجبل، فأخذ المجشر بعنان دابته وقال: إنه كان يقال: ليفرخ روعك. قال: أما ما كان بيننا مثلك فلا. فبات في أصل العقبة ثم سار بالناس حتى صار بينه وبين سمرقند أربعة فراسخ ودخل الشعب، فصبحه خاقان في جمع عظم، وزحف إليه أهل الصغد وفرغانة والشاش وطائفة من الترك، فحمل خاقان على المقدمة، وعليها عثمان بن عبد الله بن الشخير، فرجعوا إلى العسكر والترك تتبعهم وجاؤوهم من كل وجه، فجعل الجنيد تميماً والأزد في الميمنة، وربيعة في الميسرة مما يلي الجبل، وعلى مجففة خيل بني تميم عبيد الله بن زهير بن حيان، وعلى المجردة عمروا بن جرقاش المنقري، وعلى جماعة بني تميم عامر بن مالك الحماني، وعلى الأزد عبد الله بن بسطام بن مسعود بن عمرو، وعلى المجففة والمجردة فضيل ابن هناد وعبد الله بن حوذان.
فالتقوا، وقصد العدو الميمنة لضيق الميسرة، فترجل حسان بن عبيد الله ابن زهير بين يدي أبيه، فأمره أبوه بالركوب، فركب، وأحاط العدو بالميمنة، فأمدهم الجنيد بنصر بن سيار، فشد هو ومن معه على العدو فكشفوهم، ثم كروا عليهم وقنتلوا عبيد الله بن زهير وابن جرقاش والفضيل ابن هناد، وجالت الميمنة والجنيد واقف في اقلب، فأقبل إلى الميمنة ووقف تحت راية الأزد، وكان قد جفاهم، فقال له صاحب الراية: ما هلكنا لم تبك علينا. وتقدم فقتل، وأخذ الراية ابن مجاعة فقتل، وتداولها ثمانية عشر رجلاً فقتلوا، وقتل يومئذ من الأزد ثمانون رجلاً.
وصبر الناس يقاتلون حتى أعيوا، فكانت السيوف لا تقطع شيئاً، فقطع عبدهم الخشب يقاتلون به حتى مل الفريقان، فكانت المعانقة ثم تحاجزوا. وقتل من الأزد عبد الله بن بسطام، ومحمد بن عبد الله بن حوذان، والحسن ابن شيخ، والفضيل صاحب الخيل، ويزيد بن الفضل الحداني، وكان قد حج فأنفق في حجته ثمانين ومائة ألف، وقال لأمه: ادعي الله أن يرزقني الشهادة، فدعت له وغشي عليها، فاستشهد بعد مقدمة من الحج بثلاثة عشر يوماً، وقتل النضر بن راشد العبدي، وكان قد دخل على امرأته والناس يقتتلون فقال لها: كيف أنت إذا أتيت بأبي ضمرة في لبد مضرجاً بالدم؟ فشقت جيبها ودعت بالويل؛ فقال لها: حسبك، لو أعولت علي كل أنثى لعصيتها شوقاً إلى الحور العين! فرجع وقاتل حتى استشهد، رحمه الله.
فبينا الناس كذلك إذ أقبل رهج وطلعت فرسان، فنادى الجنيد: الأرض الأرض! فترجل وترجل الناس، ثم نادى: يخندق كل قائد على حياله، فخندقوا وتحاجزوا، وقد أصيب من الأزد مائة وتسعون رجلاً. وكان قتالهم يوم الجمعة، فلما كان يوم السبت قصدهم خاقان وقت الظهر فلم ير موضعاً للقتال أسهل من موضع بكر بن وائل، وعليهم زياد بن الحارث، فقصدهم، فلما قربوا حملت بكر عليهم فأخرجوا لهم، فسجد الجنيد واشتد القتال بينهم.  [ج3 (2/404)]
ذكر مقتل سورة بن الحر
فلما اشتد القتال ورأى الجنيد شدة الأمر استشار أصحابه، فقال له عبيد الله بن حبيب: احتراماً أن تهلك أنت وسورة بن الحر. قال: هلاك سورة أهون علي. قال: فاكتب إليه فليأتك في أهل سمرقند، فإنه إذا بلغ الترك إقباله توجهوا إليه فقاتلوه. فكتب إليه الجنيد يأمره بالقدوم. وقال حليس بن غالب الشيباني: إن الترك بينك وبين الجنيد، فإن خرجت كروا عليك فاختطفوك. فكتب إلى الجنيد: إني لا أقدر على الخروج. فكتب إليه الجنيد: يا ابن اللخناء تخرج وإلا وجهت إليك شداد بن خليد الباهلي، وكان عدوه، فاخرج الزم الماء ولا تفارقه، فأجمع على المسير وقال: إذا سرت على النهر لا أصل في يويمين وبيني وينه في هذا الوجه ليلة، فإذا سكت الرجل سرت.
فجاءت عيون الأتراك فأخبروهم بمقالة يورة، ورحل سورة واستخلف على سمر قند موسى بن أسود الحنظلي، وسار في اثني عشر ألفاً، فأصبح على رأس جبل، فتلقاه خاقان حين أصبح وقد سار ثلاثة فراسخ وبينه وبين الجنيد فرسخ فقاتلهم، فاشتد القتال وصبروا. فقال غوزك لخاقان: اليوم حار فلا نقاتلهم حتى يحمى عليهم السلاح، فوافقهم وأشعل النار في الحشيش وحال بينهم وبين الماء، فقال سورة لعبادة: ما ترى يا أبا سليم؟ فقال: أرى أن الترك يريدون الغنيمة فاعقر الدواب واحرق المتاع وجر السيف، فإنهم يخلون لنا الطريق، وإن منعونا شرعنا الرماح ونزحف زحفاً، وإنما هو فرسخ حتى نصل إلى العسكر. فقال: لا أقوى على هذا ولا فلان وفلان، وعد رجالاً، ولكن أجمع الخيل فأصكهم بها سلمت أم عطبت.
وجمع الناس وحملوا، فانكشف الترك وثار الغبار فلم يبصروا من وراء الترك لهيب فسقطوا فيه، وسقط العدو والمسلمون وسقط سوة فاندقت فخذه وتفرق الناس، فقتلهم الترك ولم ينجح منهم غير ألفين، وقال ألف، وكان ممن نجا منهم عاصم بن عمير السمرقند، واستشهد حليس بن غالب الشيباني، وانحاز المهلب بن زياد العجلي في سبعمائة إلى رستاق يسمى المرغاب فنزلوا قصراً هناك، فأتاهم الأشكند صاحب نسف في خيل ومعه غوزك، فأعطاهم غوزك الأمان. فقال قريش بن عبد الله العبدي: لا تثقوا بهم، ولكن إذا جننا الليل خرجنا عليهم حتى نأتي سمرقند. فعصوه فنزلوا بالأمان، فساقهم إلى خاقان فقال: لا أجيز أمان غوزك، فقاتلهم الوجف بن خالد والمسلمون فأصيبوا غير سبعة عشر رجلاً فقتلوا غير ثلاثة.
وقتل سورة في اللهبن فلما قتل خرج الجنيد من الشعب يريد سمرقند مبادراً فقال له خالد بن عبيد الله: سر وأسرع. فقال له المجشر: انزل وخذ بلجام دابته، فنزل ونزل الناس معه، فلم يستتم نزولهم حتى طلع الترك، فقال المجشر له: لو لقونا ونحن نسير ألم يهلكونا؟ فلما أصبحوا تناهضوا فجال الناس، فقال الجنيد: أيها الناس إنها النار، فرجعوا، ونادى الجنيد: أي عبد قاتل فهو حر. فقاتل العبيد قتالاً عجب منه الناس، فسروا بما رأوا من صبرهم وصبر الناس حتى انهزم العدو ومضوا، فقال موسى بن التعراء للناس: تفرحون بما رأيتم من العبيد إن لكم منهم ليوماً أروزبان.
ومضى الجنيد إلى سمر قند فحمل عيال من كان مع سورة إلى مرو وأقام بالصغد أربعة أشهر.
وكان صاحب رأي خراسان في الحرب المجشر بن مزاحم وعبد الرحمن بن صبح الخرقي وعبيد الله بن حبيب الهجري، وكان المجشر ينزل الناس على راياتهم ويضع المسالح ليس لأحد مثل رأيه في ذلك، وكان المجشر ينزل الناس على راياتهم ويضع المسالح ليس لأحد مثل رأيه، وكان عبيد الله على تعبية القتال. وكان رجال من الموالي مثل هؤلاء في الرأي والمشورة والعلم بالحرب، فمنهم: الفضل بن بسام، مولى ليث، وعبد الله بن أي عبد الله، مولى سليم، والبختري بن مجاهد، مولى شيبان.
فلما انصرف الترك بعث الجنيد نهار بن توسعة، أحد بني تيم الللات، وزبل بن سويد المري إلى هشام، وكتب إليه: إن سورة عصاني، أمرته بلزوم الماء فلم يفعل فتفرق عنه أصحابه فأتتني طائفة إلى كش وطائفة إلى نسف وطائفة إلى سمرقند وأصيب سورة في بقية أصحابه.  [ج3 (2/405)]
فسأل هشام نهار بن توسعة عن الخبر، فأخبره بما شهد، فكتب هشام إلى الجنيد: قد وجهت إليك عشرة آلاف من أهل البصرة، وعشرة آلاف من أهل الكوفة، ومن السلاح ثلاثين ألف رمح، ومثلها ترسة، فافرض فلا غاية لك في الفريضة لخمسة عشر ألفاً. فلما سمع هشام مصاب سورة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مصاب سورة بخراسان ومصاب الجراح بالباب.
وأبلى نصر بن سيار يومئذ بلاء حسناً. وأرسل الجنيد ليلة بالشعب رجلاً وقال له: تسمع ما يقول الناس وكيف حالهم. ففعل ثم رجع إليه فقال: رأيتهم طيبة أنفسهم، يتناشدون الأشعار ويقرأون القرآن. فسره ذلك.
قال عبيد بن حاتم بن النعمان: رأيت فساطيط بين السماء والأرض فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: بعدب الله بن بسطام وأصحابه، فقتلوا في غدٍ، فقال رجل: مررت في ذلك الموضع بعد ذلك بحين فشممت رائحة المسك.
وأقام الجنيد بسمرقند وتوجه خاقان إلى بخارى وعليها قطن بن قتيبة بن مسلم، فخاف الجنيد الترك على قطن بن قتيبة فشاور أصحابه فقال قوم: نلزم سمرقند. وقال قوم: نسير منها فنأتي ربنجين، ثم كش، ثم إلى نسف فنتصل منها إلى أرض زم ونقطع النهر وننزل آمل فنأخذ عليه بالطريق.
فاستشار عبد الله بن أبي عبد الله مولى بني سليم وأخبره بما قالوا فاشترط عليه أن لا يخالفه فيما يشير به عليه من ارتحال ونزول وقتال، قال: نعم. قال: فإن أطلب إليك خصالاً. قال: وما هي؟ قال: تخندق حيث ما نزلت، فلا يفوتنك حمل الماء ولو كنت على شاطئ نهر ، وأن تعطيني في نزولك وارتحالك. قال: نعم. قال: أما ما أشاروا عليك في مقامك بسمرقند حتى يأتيك الغياث فالغياث يبطئ عنك، وأما ما أشاروا من طريق كش ونسف فإنك إن سرت بالناس في غير الطريق فتت في أعضادهم وانكسروا عن عدوهم واجترأ عليك خاقان، وهو اليوم قد استفتح بخارى فلم يفتحوا له، فإن أخذت غير الطريق بلغ أهل بخارى ما فعلت فيستسلموا لعدوهم، وإن أخذت الطريق الأعظم هابك العدو، والرأي عندي أن تأخذ عيال من قتل مع سورة فتقسمهم على عشائرهم وتحملهم معك، فإني أرجو بذلك أن ينصرك الله على عدوك وتعطي كل رجل تخلف بمسرقند ألف درهم فرساً.
فأخذ برأيه وخلف بسمرقند عثمان بن عبد الله بن الشخير في أربعمائة فاس وأربعمائة راجل. فشتم الناس عبد الله بن أبي عبد الله وقالوا: ما أراد إلا هلاكنا. فخرج الجنيد وحمل العيال معه وسرح الأشحب بن عبيد الحنظلي ومعه عشرة من الطلائع وقال: كلما مضت مرحلة سرح إلي رجلاً يعلمني الخبر. وسار الجنيد فأسرع السير، فقال له عطاء الدبوسي: انظر أضعف شيخ في العسكر فسلحه سلاحاً تاماً بسيفه ورمحه وترسه وجعبته ثم سر على قدر مشيه، فإنا لا نقدر على سرعة المسير والقتال ونحن رجالة. ففعل الجنيد ذلك، ولم يعرض للناس عارض حتى خرجوا من الأماكن المخوفة، ودنا من الطواويس، وأقبل إليه خاقان بكرمينية أول يوم من رمضان واقتتلوا، فأتاه عبد الله بن أبي عبد الله وهو يضحك، فقال الجنيد: ليس هذا يوم ضحك. قال: الحمد لله الذي لم يلقاك هؤلاء في جبال معطشة وعلى ظهر إنما أتوك وأنت مخندق آخر النهار كالين وأنت معك الزاد، فقاتلوا قليلاً ثم رجعوا. ثم قال للجنيد: ارتحل فن خاقان وذأنك تقيم فينطوي عليك إذا شاء.
فسار وعبد الله على الساقة، ثم أمره بالنزول فنزل، واستقى الناس وباتوا، فلما اصبحوا ارتحلوا، فقال عبد الله: إني أتوقع أن خاقان يصدم الساقة اليوم فشدوها بالرجال، فقواهم الجنيد، وجاءت الترك فمالت على الساقة فاقتتلوا، فاشتد بينهم وقتل مسلم بن أحوز عظيماً من عظماء الترك، فتطيروا من ذلك وانصرفوا من الطواويس. وسار المسلمون فدخلوا بخارى يوم المهرجان، فتلقوهم بالدراهم البخارية، فأعطاهم عشرة عشرة.
قال عبد المؤمن بن خالد: رأيت عبد الله بن أبي عبد الله في المنام بعد موته، فقال: حدث الناس عني برأيي يوم الشعب.
وكان الجنيد يذكر خالد بن عبد الله فيقول: زبدة من الزبد، صنبور من صنبور، قل من قل، هيفة من الهيف. والهيفة: الضبع، والقل: الفرد، الصنبور: الذي لا أخ له، وقيل الملصق.
وقدمت الجنود من الكوفة على الجنيد، فسرح معهم حوثرة بن زيد العنبري فيمن انتدب معه. وقيل: إن وقعة الشعب كانت سنة ثلاث عشرة؛ وقال نصر بن سيار يذكر يوم الشعب:  [ج3 (2/406)]
إني نشأت وحسادي ذوو عددٍ ... يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا
إن تحسدوني على مثل البلاء لكم ... يوماً فمثل بلائي جر لي الحسدا
يأبى الإله الذي أعلى بقدرته ... كعبي عليكم وأعطى فوقكم عددا
أرمي العداة بأفراس مكلمةٍ ... حتى اتخذن على حسادهن يدا
من ذا الذي منكم في الشعب إذ وردوا ... لم يتخذ حومة الأثقال معتمدا
هلا شهدتم دفاعي عن جنيدكم ... وقع القنا وشهاب الحرب قد وقدا
وقال ابن عرس يمدح نصراً:
يا نصر أنت فتى نزار كلها ... فلك المآثر والفعال الأرفع
فرجت عن كل القبائل كربةً ... بالشعب حين تخاضعوا وتضعضعوا
يوم الجنيد إذ القنا متشاجر ... والنحر دامٍ والخوافق تلمع
ما زلت ترميهم بنفسٍ حرةٍ ... حتى تفرج جمعهم وتصدعوا
فالناس كل بعدها عتقاؤكم ... ولك المكارم والمعالي أجمع
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة غزا معاوية بن هشام الصائفة فافتتح خرشنة. وحج بالناس هذه السنة إبراهيم بن هشام المخزومي، وقيل: سليمان بن هشام عبد الملك. وفيها استعمل أهل الأندلس على أنفسهم بعد موت الهيثم أميرهم محمد بن عبد الملك الأشجعي، فبقي شهرين، وولي بعده عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، وكان عمال الأمصار هذه السنة من ذكرناهم في السنة قلها.
وفيها مات رجاء بن حيوة بقسين؛ حيوة بالحاء المهملة المفتوحة، وسكون الياء المثناة من تحت. وفيها توفي مكحول أبو عبد الله الشامي الفقيه. وعبد الجبار بن وائل بن حجر الحضرمي، ومات أبوه وأمه حامل به، فكل ما يروونه عن أبيه فهو منقطع.

This site was last updated 06/22/11