Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

الخليفة العاشر لبنى أمية :  هشام بن عبد الملك

ذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
قصر هشام‏ ‏بن‏ ‏عبد‏ ‏الملك‏
أكبر فسيفساء بقصر هشام
سنة 105 خلافة هشام
سنة ست ومائة
سنة سبع ومائة
سنة ثمان ومائة
سنة تسع ومائة
سنة عشر ومائة
سنة إحدى عشرة ومائة
سنة اثنتي عشرة ومائة
سنة ثلاث عشرة ومائة
سنة أربع عشرة ومائة
سنة 115 و 116
سنة سبع عشرة ومائة
سنة ثماني عشرة ومائة
سنة تسع عشرة ومائة
دخلت سنة عشرين ومائة
سنة إحدى وعشرين ومائة
سنة اثنتين وعشرين ومائة
سنة أربع وعشرين ومائة
سنة 125 وفاة الخليفة هشام

الخليفة العاشر لبنى أمية : أبو الوليد / هشام بن عبد الملك

فلم يكن إلا القليل وورد عليه موت الخليفة هشام بن عبد الملك واستخلف من بعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان

وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس‏.‏
الأموي القرشي الدمشقي أبو الوليد ولد سنة نيف وسبعين واستخلف بعهد من أخيه يزيد بن عبد الملك واستخلف وعمره أربع وثلاثون سنة ودام في الخلافة تسع عشرة سنة وسبعة أشهر وأيامًا وكان جميل الصورة يخضب بالسواد وبعينيه حول مع كيس‏.‏
وأمه فاطمة بنت هشام بن الوليد المغيرة المخزومي قال مصعب الزبيري‏:‏ زعموا أن عبد الملك رأى في منامه أنه بال في المحراب أربع مرات فدس من يسأل سعيد بن المسيب عنها وكان يعبر الرؤيا وعظمت على عبد الملك فقال سعيد بن المسيب‏:‏ يملك من ولده لصلبه أربعة فكان هشام هذا آخرهم لأن أولهم الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام‏.‏
قال حماد الراوية‏:‏ لما ولي هشام الخلافة طلبني فحضرت عنده فوجدته جالسًا في فرش قد غرق فيه وبين يديه صحفة من ذهب مملوءة مسكًا مذوبًا بماء ورد وهو يقلبه بيده فتفوح رائحته فسلمت عليه فرد علي السلام وقال‏:‏ يا حماد إني ذكرت بيتًا من الشعر ما عرفت قائله وهو هذا‏:‏ الخفيف فقلت‏:‏ هو لعدي بن زيد فقال‏:‏ أنشدني القصيدة فأنشدته إياها فقال‏:‏ سل حاجتك وكان على رأسه جاريتان كأنهما أقمار وفي أذن كل واحدة منهما جوهرتان يضيء منهما المنزل فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين جارية من هاتين فقال‏:‏ هما لك وأمر لي بمائة ألف درهم‏.‏

وعندما ولى الخليفة هشام أشرى بن عبد الله السلمي على خراسان ونادى بسقوط الجزية عن من يسلم، سارعوا للإسلام وانكسر الخراج ( البلاذري ص 475). وقد أغضب هذا الخليفة هشام لأن الخراج والجزية كانتا المصدر الرئيسي لأموال الخلفاء

 عقد الوليد بن يزيد بن عبد الملك البيعة لابنيه الحكم وعثمان في شهر رجب بعد أن ولي الخلافة بشهر واحد وكتب بذلك إلى الآفاق‏

في 127 هـ خرج يزيد بن الوليد بن عبد الملك على أبن عمه الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك لما أنتهك الوليد المذكور الحرمات وكثر فسقه وسمته الرعية على قصر مدته‏.‏
فبويع يزيد هذا بالمزة ووثب على دمشق وجهز عسكرًا لقتال الخليفة الوليد‏.‏
وكان الوليد بتدمر قد أنهزم إليها عاكفًا على المعاصي بها فخرج الوليد وقاتل العسكر وانكسر وقتل بنواحي تدمر على ما يأتي ذكره وتم أمر يزيد في الخلافة وسمي بالناقص لكنه لم تطل مدته أيضًا ومات على ما يأتي ذكره أيضًا‏
وفيها توفي الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الهاشمي الأموي الدمشقي المعروف بالفاسق ولد سنة تسعين وقيل سنة اثنتين وتسعين‏.‏
ولما احتضر أبوه يزيد بن عبد الملك لم يمكنه أن يستخلفه لأنه صبي فعهد إلى أخيه هشام بن عبد الملك وجعل ابنه هذا الوليد ولي العهد من بعد هشام‏.‏
وأم الوليد بنت محمد بن يوسف الثقفي فالحجاج عم أمه‏.‏
ولما مات عمه هشام ولي الخلافة وصدرت عنه تلك الأمور القبيحة المشهورة عنه‏:‏ من شرب الخمر والفجور وتخريق المصحف بالنشاب‏.‏

هشام قاتل يزيد بن على مولى يوسف بن عمر الثقفى

قصر الخليفة هشام فى أريحا
يعتبر قصر الخليفة الاموي هشام بن عبد الملك،  في اريحا بناة عمال بيزنطيون  مسيحيون و يعرف باسم خربة المفجر، التي تقع على بعد 3 كيلو متر إلى الشمال من مركز مدينة أريحا،على الضفة الشمالية لوادي الناعمة، وهي واحة صغيرة، في غور الأردن، وطوال قرون كانت هذه الخربة محجرا لسكان أريحا، يستخرجون منها الحجارة لبناء منازلهم،   وبناه الخليفة الأموي ولكنه لم يسكنه بسبب زلزال ضرب المنطقة وتركه أطلالا، وطوال القرون الماضية، كان هذا القصر وأطلاله في صراع مع الطبيعة ومع البشر
وفى عام 1995، تسلمت  دائرة الآثار الفلسطينيالموقع من الإسرائيليين، قاموا بالتخطيط لتجديده بالتعاون مع مؤسسات أجنبية وفرق أكاديمية من جامعات مختلفة مثل جامعة فلورنسا، واليونسكو، التي رشحت الموقع ليكون على لائحة التراث العالمي، ودعمت عمليات ترميم لفسيفساء القصر.
و مشروع تطوير القصر تم بدعم اميركي وشملت إعادة تأهيل الموقع وإنقاذه، وتطوير مرافق القصر الخدماتية وإبراز فسيفساء الحمام في القصر التي تعتبر من أهم معالمه، والكشف عن أرضيات فيسفساء الحمام الكبير التي تعتبر من روائع الفن الأموي.
تاريخ القصر
يعتقد ان الخليفة الوليد الثاني أو الوليد بن يزيد الذي حكم ما بين (743 –749م) هو الذي شيد هذا القصر في الفترة ما بين 743م-744م ولكن ينسب القصر للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، على أساس بعض الدلائل الكتابية المكتشفة في الموقع،والقصر بنى ليكون شتوي للراحة والاستجمام على أطراف بادية الشام ودمر هذا القصر العظيم بواسطة زلزال عنيف ضرب المنطقة عام 749م قبل ان يكتمل بناؤه.
وعثر في إطلال القصر على تمثال لرجل يرتدي حلة حمراء ويقف على أسدين جاثمين، مشهرا سيفا، يعتقد انه للخليفة هشام أو الوليد الثاني.
وجرى تنقيب في الموقع من قبل دائرة الآثار الفلسطينية في زمن الانتداب البريطاني ما بين 1935م-1948م تحت إشراف كل من روبرت هاملتون والدكتور ديمتري برامكي وعثر برامكي، وهو آثري فلسطيني رائد، على نقش يشير إلى أن القصر يعود إلى هشام بن عبد الملك الذي حكم لمدة عشرين عاما (724-743م). واستمر الحفر في المكان حتى عام 1948، وكانت النتيجة الكشف عن مسجد وحمامات وفناء كبير تنتشر فيه الأعمدة وبركة مزدانة بالفسيفساء.
وعنما آل المكان للأردن ، نقب الدكتور عوني الدجاني، مدير دائرة الآثار الأردنية وآخرين في المكان وأدى ذلك إلى الكشف عن السرداب والحمام الكبير وغيره من معالم. وعثر الدجاني على بيوت العمال الذين بنوا القصر، ووجد في المخازن كميات من الحبوب والزبيب والتمر والسمسم، وعثر على مواقد وافران، ونقود وأسماء لعمال غير عرب أو غير مسلمين مثل قسطنطين، وسيمون، ويوحنا، وماركوس، يعتقد انه تم الاستعانة منهم بسبب معرفتهم بالفنون البيزنطية ويمكن ملاحظة ذلك من التصاوير الملونة على الجدران، والزخارف من الجبص والتماثيل، والتي تقدم صورة عن ذلك العصر وكأنه إحدى حكايات ألف ليلة وليلة .
ومن بين هذه المكتشفات تمثال الخليفة نفسه والاعمال الجصية بالغة الروعة التي زينت القصر، وتماثيل الراقصات مكشوفات الصدور، وغيرها من مواد ربما تكشف عن طبيعة الحياة في القصور الاموية.ويجمع الاثاريون، بان هذه القصر دمره الزلزال الذي ضرب المنطقة عام 747م، قبل أن يكتمل أو أن يسكنه الخليفة الأموي، ودمر الزلزال أيضا كثيرا من المواقع مثل كنيسة القيامة بالقدس.ولكن هذا الزلزال كان له اثر ايجابي في حفظ بعض معالم القصر، ويعتقد انه بسبب الأنقاض المتراكمة حفظت الفسيفساء والمصورات الرائعة التي كانت موجودة فيه.
ونقلت دائرة الآثار الأردنية المكتشفات إلى المتحف الفلسطيني في القدس المعروف باسم (متحف روكفلر) والذي أصبح ومنذ حزيران (يونيو) 1967 في قبضة إسرائيل 
لوحات الفسيفساء
أظهرت رسوم القطع الفسيفسائية الموجودة في احد الحمامات والمغلق حاليا شجرة نارنج مثمرة، أبدع الفنان البيزنطى في رسمها حتى انه لم ينس رسم الظلال، والى يسارها غزالان يأكلان، وعلى اليمين أسد يصرع غزالا. ومن الأمور اللافتة التي تم العثور عليها في القصر أشكال هندسية لرؤوس رجال مغطاة بالعمامات ونساء مغطاة بالخمار ومزدانة بالأقراط، واخريات عاريات الصدور، وراقصات، ومصورات لجياد طائرة وطيور حجل وحيوانات أخرى.
وفي القصر توجد بقايا خندق مائي، وقاعات وأروقة مرصوفة بالبلاط الأسود، فيها فتحات لخروج الماء من القصر.
وما زال بقايا المسجد موجودا في الجهة الشرقية للقصر، والذي يعتقد بانه المسجد الخاص بالخليفة، وبخلاف باقي منشات القصر فانه خلا من الزخارف أو المصورات، وبجانبه تتناثر قطع من القرميد كانت معدة للاستخدام، وهناك مسجد أخر للضيوف.
ويعتقد بان مقر الخليفة هو في الجانب الغربي ومكون من صفين من الغرف كل صف يحتوي على ست غرف بمساحات مختلفة، لها أبواب داخلية تصلها مع بعضها البعض، ولا تجعل على المقيمين بها مغادرتها.
وبالقصر حمام، والذي يعتبر بهندسته واستقدام الماء إليه من ينابيع بعيدة، قصة أخرى متفردة في العمارة البيزنطية ويقع الحمام وسط مسكن الخليفة، وهو ينخفض بمقدار 5 أمتار، ينزل إليه بدرج دقيق، وفيه بقايا مدفأة، وأحواض ساخنة للاستحمام وأخرى باردة، وغرفة بخار، للاستمتاع بحمام بخار،  ومكان للتمدد والاستراحة، وفوقه غرفة خاصة للخليفة سقفت بالقرميد الأحمر. وفي سقف الحمام توجد نوافذ لدخول ضوء خفيف ليريح الأعصاب والعضلات المرتخية بفعل طقوس الحمام.
والقصر قاعة التي بنيت لتكون مخصصة ليجلس فيها الخليفة لمشاهدة الراقصات وفيها عثر على تماثيل لنساء عاريات الصدور ورجال بلباس الأسود.
وهناك دلائل بان جيش صلاح الدين رمم بعض غرف القصر لإسكان جنوده في القرن الثاني عشر الميلادي، وتم معرفة ذلك من العثور على عملات معدنية وفخاريات تعود لذلك العصر.
متحف القصر
ويقع متحف القصر، ضمن موقع قصر هشام، وهو مبنى حديث، رمم بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2000م، ويعتبر هذا المتحف نموذجا لما يسمى متحف الموقع الذي يستخدم لعرض قطعا أثرية من نفس الموقع الموجود فيه، حيث يعرض نماذج للفخار الأموي والعباسي التي اكتشفت داخل القصر والذي يحمل الكثير من ميزات الفخار العصر البيزنطي المتأخر.
ومن أهم أنواع الفخار المعروضة الأواني ذات اللون الأسود، واغلبها زبادي ذات قاعدة منبسطة وجدران مستقيمة ولبعضها أيدي على شكل بروز خفيف، وزخرفت من الخارج بواسطة التحزيز ويعتقد أن اصل هذا النوع من شمال غربي الجزيرة العربية.
وهناك نوع أخر هو الفخار المقطوع واغلبه زبادي لها جدران مصنوعة باليد مزخرفة بزخارف مقطوعة في جسم الآنية وهي مستوحاة على الأغلب عن نحت خشبي.
ويوجد أيضا الفخار المزخرف بالدهان الأحمر مثل الجرار والأحواض المصنوعة من فخار سميك وهو شائع في شمال فلسطين والأردن وسوريا، ومزين بزخارف حلزونية ونباتية.
ومن أهم أنواع الفخار التي تعرض في هذا المتحف النوع المعروف باسم (فخار المفجر) وهو ذو لون اخضر مائل للأبيض، يعتقد انه ادخل إلى فلسطين من بلاد بين النهرين.

الجزء التالى من تاريخ كتاب البداية والنهاية لــ أبن كثير الجزء التاسع ( 123 من 239 ) وضعنا له فقط رؤوس مواضيع .

خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان

بويع له بالخلافة يوم الجمعة بعد موت أخيه، لخمس بقين من شعبان من هذه السنة - أعني سنة خمس ومائة - وله من العمر أربع وثلاثون سنة وأشهر، لأنه ولد لما قتل أبوه عبد الملك مصعب بن الزبير في سنة ثنتين وسبعين، فسماه منصوراً تفاؤلاً، ثم قدم فوجد أمه قد أسمته باسم أبيها هشام، فأقره‏.‏

قال الواقدي‏:‏ أتته الخلافة وهو بالديثونة في منزلٍ له، فجاءه البريد بالعصا والخاتم، فسلم عليه بالخلافة فركب من الرصافة حتى أتى دمشق، فقام بأمر الخلافة أتم القيام، فعزل في شوال منها عن إمرة العراق وخراسان عمر بن هبيرة، وولى عليها خالد بن عبد الله القسري‏.‏ وقيل‏:‏ إنه استعمله على العراق في سنة ست ومائة، والمشهور‏:‏ الأول‏.‏

وحج بالناس فيها إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي خال أمير المؤمنين، أخو أمه عائشة بنت هشام بن إسماعيل، ولم تلد من عبد الملك سواه حتى طلقها، لأنها كانت حمقاء‏.‏

وفيها قوي أمر دعوة بني العباس في السر بأرض العراق، وحصل لدعاتهم أموال جزيلة يستعينون بها على أمرهم، وما هم بصدده‏.

ذكر المؤرخ المسلم المقريزى فى لمواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار البلاد التالية فى الجزء الأول  43 / 167 : فلما كانت خلافة هشام بن عبد الملك نازل الروم دمياط في ثلثمائة وستين مركبًا فقتلوا وسبوا وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائة ولما كانت الفتنة بين الأخوين‏:‏ محمد الأمين وعبد الله المأمون وكانت الفتن بأرض مصر طمع الروم في البلاد ونازلوا دمياط في أعوام بضع ومائتين‏.‏

11 - أبو العباس / الوليد بن يزيد

 

الجزء التالى من تاريخ كتاب البداية والنهاية لــ أبن كثير الجزء العاشر ( 123 من 239 ) وضعنا له فقط رؤوس مواضيع .

خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك

قال الواقدي‏:‏ بويع له بالخلافة يوم مات عمه هشام بن عبد الملك يوم الأربعاء لست خلون من ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/3‏)‏

وقال هشام بن الكلبي‏:‏ بويع له يوم السبت في ربيع الآخر، وكان عمره إذ ذاك أربعاً وثلاثين سنة‏.‏

وكان سبب ولايته أن أباه يزيد بن عبد الملك كان قد جعل الأمر من بعده لأخيه هشام، ثم من بعده لولده الوليد هذا، فلما ولي هشام أكرم ابن أخيه الوليد حتى ظهر عليه أمر الشراب وخلطاء السوء ومجالس اللهو، فأراد هشام أن يقطع ذلك عنه فأمره على الحج سنة ست عشر ومائة، فأخذ معه كلاب الصيد خفية من عمه، حتى يقال‏:‏ إنه جعلها في صناديق، فسقط منها صندوق فيه كلب، فسمع صوته فأحالوا ذلك على الجمال، فضرب على ذلك‏.‏

قالوا‏:‏ واصطنع الوليد قبة على قدر الكعبة، ومن عزمه أن ينصب تلك القبة فوق سطح الكعبة ويجلس هو وأصحابه هنالك، واستصحب معه الخمور وآلات الملاهي وغير ذلك من المنكرات، فلما وصل إلى مكة هاب أن يفعل ما كان قد عزم عليه من الجلوس فوق ظهر الكعبة خوفاً من الناس ومن إنكارهم عليه ذلك، فلما تحقق عمه ذلك منه نهاه مراراً فلم ينته، واستمر على حاله القبيح، وعلى فعله الرديء‏.‏

فعزم عمه على خلعه من الخلافة - وليته فعل - وأن يولي بعده مسلمة بن هشام، وأجابه إلى ذلك جماعة من الأمراء، ومن أخواله، ومن أهل المدينة ومن غيرهم، وليت ذلك تم‏.‏

ولكن لم ينتظم حتى قال هشام يوماً للوليد‏:‏ ويحك ‏!‏ والله ما أدري أعلى الإسلام أنت أم لا، فإنك لم تدع شيئاً من المنكرات إلا أتيته غير متحاش ولا مستتر، فكتب إليه الوليد‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/4‏)‏

يا أيها السائل عن ديننا * ديني على دين أبي شاكر

نشربها صرفاً وممزوجةً * بالسخن أحياناً وبالفاتر

فغضب هشام على ابنه مسلمة، وكان يسمى‏:‏ أبا شاكر، وقال له‏:‏ تشبه الوليد بن يزيد وأنا أريد أن أرقيك إلى الخلافة‏.‏

وبعثه على الموسم سنة تسع عشر ومائة فأظهر النسك والوقار، وقسم بمكة والمدينة أموالاً، فقال مولى لأهل المدينة‏:‏

يا أيها السائل عن ديننا * نحن على دين أبي شاكر

الواهب الجرد بأرسانها * ليس بزنديق ولا كافر

ووقعت بين هشام وبين الوليد بن يزيد وحشة عظيمة بسبب تعاطي الوليد ما كان يتعاطاه من الفواحش والمنكرات‏.‏

فتنكر له هشام وعزم على خلعه وتولية ولده مسلمة ولاية العهد، ففر منه الوليد إلى الصحراء، وجعلا يتراسلان بأقبح المراسلات، وجعل هشام يتوعده وعيداً شديداً، ويتهدده، ولم يزل كذلك حتى مات هشام والوليد في البرية، فلما كانت الليلة التي قدم في صبيحتها عليه البرد بالخلافة، قلق الوليد تلك الليلة قلقاً شديداً وقال لبعض أصحابه‏:‏ ويحك ‏!‏ قد أخذني الليلة قلق عظيم، فاركب لعلنا نبسط‏.‏

فسارا ميلين يتكلمان في هشام وما يتعلق به، من كتبه إليه بالتهديد والوعيد، ثم رأيا من بعد رهجاً وأصواتاً وغباراً، ثم انكشف ذلك عن برد يقصدونه بالولاية فقال لصاحبه‏:‏ ويحك ‏!‏ إن هذه رسل هشام، اللهم أعطنا خيرها‏.‏

فلما اقتربت البرد منه وتبينوه ترجلوا إلى الأرض وجاؤا فسلموا عليه بالخلافة، فبهت وقال‏:‏ ويحكم ‏!‏ أمات هشام ‏؟‏

قالوا‏:‏ نعم ‏!‏

قال‏:‏ فمن بعثكم ‏؟‏

قالوا‏:‏ سالم بن عبد الرحمن صاحب ديوان الرسائل، وأعطوه الكتاب فقرأه، ثم سألهم عن أحوال الناس، وكيف مات عمه هشام، فأخبروه‏.‏

فكتب من فوره بالاحتياط على أموال هشام وحواصله بالرصافة وقال‏:‏

ليت هشاماً عاش حتى يرى * مكياله الأوفر قد طبعا

كلناه بالصاع الذي كاله * وما ظلمناه به إصبعا

وما أتيناه ذاك بدعة * أحله الفرقان إلى أجمعا

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/5‏)‏

وقد كان الزهري يحث هشاماً على خلع الوليد هذا، ويستنهضه في ذلك، فيحجم هشام عن ذلك، خوف الفضيحة من الناس، ولئلا تتنكر قلوب الأجناد من أجل ذلك، وكان الوليد يفهم ذلك من الزهري ويبغضه ويتوعده ويتهدده، فيقول له الزهري‏:‏ ما كان الله ليسلطك عليَّ يا فاسق ‏!‏

ثم مات الزهري قبل ولاية الوليد، ثم فر الوليد من عمه إلى البرية، فلم يزل بها حتى مات فاحتاط على أموال عمه ثم ركب من فوره من البرية وقصد دمشق، واستعمل العمال وجاءته البيعة من الآفاق، وجاءته الوفود، وكتب إليه مروان بن محمد - وهو إذ ذاك نائب أرمينية - يبارك له في خلافة الله له على عباده، والتمكين في بلاده، ويهنئه بموت هشام وظفره به، والتحكم في أمواله وحواصله، ويذكر له أنه جدد البيعة له في بلاده، وأنهم فرحوا واستبشروا بذلك‏.‏

ولولا خوفه من الثغر لاستناب عليه وركب بنفسه شوقاً إلى رؤيته، ورغبة في مشافهته‏.‏

ثم إن الوليد سار في الناس سيرة حسنة بادي الرأي وأمر بإعطاء الزمنى والمجذومين والعميان، لكل إنسان خادماً، وأخرج من بيت المال الطيب والتحف لعيالات المسلمين، وزاد في أعطيات الناس، ولاسيما أهل الشام والوفود، وكان كريماً ممدحاً شاعراً مجيداً، لا يسأل شيئاً قط فيقول‏:‏ لا ‏!‏

ومن شعره قوله‏:‏ - يمدح نفسه بالكرم -

ضمنت لكم إن لم تعقني عوائق * بأن سماء الضر عنكم ستقلع

سيوشك إلحاق معاً وزيادة * وأعطية مني إليكم تبرّع

محرَّمكم ديوانكم وعطاؤكم * به يكتب الكتّاب شهراً وتطبع

وفي هذه السنة عقد الوليد البيعة لابنه الحكم ثم عثمان، على أن يكونا وليي العهد من بعده، وبعث البيعة إلى يوسف بن عمر أمير العراق وخراسان، فأرسلها إلى نائب خراسان نصر بن سيار، فخطب بذلك نصر خطبة عظيمة بليغة طويلة، ساقها ابن جرير بكمالها‏.‏

واستوثق للوليد الممالك في المشارق والمغارب، وأخذت البيعة لولديه من بعده في الآفاق‏.‏

وكتب الوليد إلى نصر بن سيار بالاستقلال بولاية خراسان، ثم وفد يوسف بن عمر على الوليد فسأله أن يرد إليه ولاية خراسان فردها إليه كما كانت في أيام هشام، وأن كان يكون نصر بن سيار ونوابه من تحت يده، فكتب عند ذلك يوسف بن عمر إلى نصر بن سيار يستوفده إلى أمير المؤمنين بأهله وعياله، وأن يكثر من استصحاب الهدايا والتحف‏.‏

فحمل نصر بن سيار ألف مملوك على الخيل، وألف وصيفة وشيئاً كثيراً من أباريق الفضة والذهب، وغير ذلك من التحف‏.‏

وكتب إليه الوليد يستحثه سريعاً ويطلب منه أن يحمل معه طنابير وبرابط ومغنيات وبازات وبراذين فره، وغير ذلك من آلات الطرب والفسق، فكره الناس ذلك منه وكرهوه‏.‏

وقال المنجمون لنصر بن سيار‏:‏ إن الفتنة قريباً ستقع بالشام، فجعل يتثاقل في سيره، فلما أن كان ببعض الطريق جاءته البرد فأخبروه بأن الخليفة الوليد قد قتل وهاجت الفتنة العظيمة في الناس بالشام، فعدل بما معه إلى بعض المدن فأقام بها‏.‏

وبلغه أن يوسف بن عمر قد هرب من العراق، واضطربت الأمور وذلك بسبب قتل الخليفة على ما سنذكره، وبالله المستعان‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/6‏)‏

وفي هذه السنة ولى الوليد يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي ولاية المدينة ومكة والطائف، وأمره أن يقيم إبراهيم ومحمداً ابني هشام بن إسماعيل المخزومي بالمدينة مهانين لكونهما خالي هشام، ثم يبعث بهما إلى يوسف بن عمر نائب العراق، فبعثهما إليه‏.‏

فما زال يعذبهما حتى ماتا، وأخذ منهما أموالاً كثيرة‏.‏

وفي هذه السنة ولى يوسف بن محمد يحيى بن سعيد الأنصاري قضاء المدينة‏.‏

وفيها‏:‏ بعث الوليد بن يزيد إلى أهل قبرص جيشاً مع أخيه، وقال‏:‏ خيِّرهم فمن شاء أن يتحول إلى الشام، ومن شاء أن يتحول إلى الروم، فكان منهم اختار جوار المسلمين بالشام، ومنهم من انتقل إلى بلاد الروم‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وفيها قدم سليمان بن كثير، ومالك بن الهيثم، ولاهز بن قريظ، وقحطبة بن شبيب مكة، فلقوا - في قول بعض أهل السير - محمد بن علي فأخبروه بقصة أبي مسلم فقال‏:‏ أحر هو أم لا ‏؟‏

فقالوا‏:‏ أما هو فيزعم أنه حر، وأما مولاه فيزعم أنه عبده‏.‏

فاشتروه فاعتقوه، ودفعوا إلى محمد بن علي مائتي ألف درهم وكسوة بثلاثين ألفاً‏.‏

وقال لهم‏:‏ لعلكم لا تلقوني بعد عامكم هذا، فإن مت فإن صاحبكم إبراهيم بن محمد - يعني‏:‏ ابنه - فإنه ابني فأوصيكم به‏.‏

ومات محمد بن علي في مستهل ذي القعدة في هذه السنة، بعد أبيه بسبع سنين‏.‏

وفيها‏:‏ قتل يحيى بن يزيد بن علي بخراسان‏.‏

وحج الناس فيها يوسف بن محمد الثقفي أمير مكة والمدينة والطائف‏.‏

وأمير العراق ويوسف بن عمر، وأمير خراسان نصر بن سيار وهو في همة الوفود إلى الوليد بن يزيد أمير المؤمنين بما معه من الهدايا والتحف، فقتل الوليد قبل أن يجتمع به‏.‏

 

*******************************************************************************

الجزء التالى من تاريخ كتاب البداية والنهاية لــ أبن كثير الجزء العاشر ( 123 من 239 ) وضعنا له فقط رؤوس مواضيع .

فيها كان مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك وهذه ترجمته

هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، أبو العباس، الأموي الدمشقي‏.‏

بويع له بالخلافة بعد عمه هشام في السنة الخالية بعهد من أبيه كما قدمنا‏.‏

وأمه أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفي‏.‏

وكان مولده سنة تسعين‏.‏ وقيل‏:‏ ثنتين وتسعين‏.‏ وقيل‏:‏ سبع وثمانين‏.‏

وقتل يوم الخميس لليلتين بقيتا في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة، ووقعت بسبب ذلك فتنة عظيمة بين الناس بسبب قتله، ومع ذلك إنما قتل لفسقه، وقيل‏:‏ وزندقته‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو المغيرة، ثنا ابن عياش، حدثني الأوزاعي وغيره، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب، قال‏:‏ ولد لأخي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم غلام فسموه الوليد فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏سميتموه باسم فراعينكم، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له‏:‏ الوليد، لهو أشد فساداً لهذه الأمة من فرعون لقومه‏)‏‏)‏‏.‏

قال الحافظ ابن عساكر‏:‏ وقد رواه الوليد بن مسلم ومعقل بن زياد ومحمد بن كثير وبشر بن بكر، عن الأوزاعي، فلم يذكروا عمر في إسناده وأرسلوه، ولم يذكر ابن كثير سعيد بن المسيب، ثم ساق طرقه هذه كلها بأسانيدها وألفاظها‏.‏

وحكي عن البيهقي أنه قال‏:‏ هو مرسل حسن‏.‏

ثم ساق من طريق محمد، عن محمد بن عمر بن عطاء، عن زينب بنت أم سلمة، عن أمها، قالت‏:‏ دخل النبي صلى الله عليه وسلم وعندي غلام من آل المغيرة اسمه الوليد فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من هذا يا أم سلمة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ هذا الوليد ‏!‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏وقد اتخذتم الوليد خنانا حسانا غيروا اسمه، فإنه سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له‏:‏ الوليد‏)‏‏)‏‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/8‏)‏

وروى ابن عساكر من حديث عبد الله بن محمد بن مسلم، ثنا محمد بن غالب الأنطاكي، ثنا محمد بن سليمان بن أبي داود، ثنا صدقة، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة بن الجراح، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يزال هذا الأمر قائماً بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية‏)‏‏)‏‏.‏

 

مقتله وزوال دولته

كان هذا الرجل مجاهراً بالفواحش مصراً عليها، منتهكاً محارم الله عز وجل، لا يتحاشى من معصية‏.‏

وربما اتهمه بعضهم بالزندقة والانحلال من الدين، فالله أعلم‏.‏

لكن الذي يظهر أنه كان عاصياً شاعراً ماجناً متعاطياً للمعاصي، لا يتحاشاها من أحد، ولا يستحي من أحد، قبل أن يلي الخلافة وبعد أن ولي‏.‏

وقد روي أن أخاه سليمان كان من جملة من سعى في قتله، قال‏:‏ أشهد أنه كان شروباً للخمر، ماجناً فاسقاً، ولقد أرادني على نفسي الفاسق‏.‏

وحكى المعافى بن زكريا، عن ابن دريد، عن أبي حاتم، عن العتبي‏:‏ أن الوليد بن يزيد نظر إلى نصرانية من حسان نساء النصارى اسمها‏:‏ سفرى فأحبها، فبعث يراودها عن نفسها، فأبت عليه، فألح عليها وعشقها، فلم تطاوعه‏.‏

فاتفق اجتماع النصارى في بعض كنائسهم لعيد لهم، فذهب الوليد إلى بستان هناك فتنكر وأظهر أنه مصاب، فخرج النساء من الكنيسة إلى ذلك البستان، فرأينه فأحدقن به، فجعل يكلم سفرى ويحادثها وتضاحكه ولا تعرفه، حتى اشتفى من النظر إليها، فلما انصرفت قيل لها‏:‏ ويحك ‏!‏ أتدرين من هذا الرجل ‏؟‏

فقالت‏:‏ لا ‏!‏

فقيل لها‏:‏ هو الوليد‏.‏

فلما تحققت ذلك حنت عليه بعد ذلك، وكانت عليه أحرص منه عليها، قبل أن تحن عليه‏.‏

فقال الوليد في ذلك أبياتاً‏:‏

أضحك فؤادك يا وليد عميداً * صباً قديماً للحسان صيودا

في حب واضحة العوارض طفلة * برزت لنا نحو الكنيسة عيدا

ما زلت أرمقها بعيني وامق * حتى بصرت بها تقبِّل عودا

عود الصليب فويح نفسي من رأى * منكم صليباً مثله معبودا

فسألت ربي أن أكون مكانه * وأكون في لهب الجحيم وقودا

وقال فيها أيضاً‏:‏ لما ظهر أمره وعلم بحال الناس‏.‏

وقيل‏:‏ أن هذا وقع قبل أن يلي الخلافة‏:‏

ألا حبذا سفري و إن قيل إنني * كلفت بنصرانية تشرب الخمرا

يهون علينا أن نظل نهارنا * إلى الليل لا ظهراً نصلِّي ولا عصرا

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/ 9‏)‏

قال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري المعروف‏:‏ بابن طرار النهرواني بعد إيراده هذه الأشياء‏:‏ للوليد في نحو هذا من الخلاعة والمجون وسخافة الدين، وما يطول ذكره، وقد ناقضناه في أشياء من منظوم شعره المتضمن ركيك ضلاله وكفره‏.‏

وروى ابن عساكر بسنده أن الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر، وهو راكب على فرسه، ومعه اثنان من أصحابه، فلما انصرف أمر للخمار بخمسمائة دينار‏.‏

وقال القاضي أبو الفرج‏:‏ أخبار الوليد كثيرة قد جمعها الأخباريون مجموعة ومفردة، وقد جمعت شيئاً من سيرته وأخباره، ومن شعره الذي ضمنه ما فجر به من جرأته وسفاهته وحمقه وهزله ومجونه وسخافة دينه، وما صرح به من الإلحاد في القرآن العزيز، والكفر بمن أنزله وأنزل عليه، وقد عارضت شعره السخيف بشعر حصيف، وباطله بحق نبيه شريف، وترجيت رضاء الله عز وجل، واستيجاب مغفرته‏.‏

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة‏:‏ ثنا سليمان بن أبي شيخ، ثنا صالح بن سليمان، قال‏:‏ أراد الوليد بن يزيد الحج، وقال‏:‏ أشرب فوق ظهر الكعبة الخمر، فهموا أن يفتكوا به إذا خرج، فجاؤوا إلى خالد ابن عبد الله القسري فسألوه أن يكون معهم فأبى‏.‏

فقالوا له‏:‏ فاكتم علينا‏.‏

فقال‏:‏ أما هذا فنعم‏.‏

فجاء إلى الوليد فقال‏:‏ لاتخرج فإني أخاف عليك‏.‏

فقال‏:‏ ومن هؤلاء الذين تخافهم عليَّ ‏؟‏

قال‏:‏ لا أخبرك بهم‏.‏

قال‏:‏ إن لم تخبرني بهم بعثت بك إلى يوسف بن عمر‏.‏

قال‏:‏ وإن بعثت بي إلى يوسف بن عمر‏.‏

فبعثه إلى يوسف فعاقبه حتى قتله‏.‏

وذكر ابن جرير أنه لما امتنع أن يعلمه بهم سجنه ثم سلمه إلى يوسف بن عمر، يستخلص منه أموال العراق فقتله‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن يوسف لما وفد إلى الوليد اشترى منه خالد بن عبد الله القسري بخمسين ألف ألف يخلصها منه، فما زال يعاقبه ويستخلص منه حتى قتله، فغضب أهل اليمن من قتله، وخرجوا على الوليد‏.‏

قال الزبير بن بكار‏:‏ حدثنا مصعب بن عبد الله، قال‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ كنت عند المهدي فذكر الوليد بن يزيد فقال رجل‏:‏ في المجلس كان زنديقاً‏.‏

فقال المهدي‏:‏ خلافة الله عنده أجل من أن يجعلها في زنديق‏.‏

وقال أحمد بن عمير بن حوصاء الدمشقي‏:‏ ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا حصين بن الوليد، عن الأزهري بن الوليد، قال‏:‏ سمعت أم الدرداء، تقول‏:‏ إذا قتل الخليفة الشاب من بني أمية بين الشام والعراق مظلوماً لم يزل طاعة مستخف بها ودم مسفوك على وجه الأرض بغير حق‏.‏

قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري‏:‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/10‏)‏

 قتل يزيد بن الوليد الناقص للوليد بن يزيد

قد ذكرنا بعض أمر الوليد بن يزيد وخلاعته ومجانته وفسقه، وما ذكر عن تهاونه بالصلوات واستخفافه بأمر دينه قبل خلافته وبعدها، فإنه لم يزدد في الخلافة إلا شراً ولهواً ولذةً وركوباً للصيد وشرب المسكر ومنادمة الفساق، فما زادته الخلافة على ما كان قبلها إلا تمادياً وغروراً، فثقل ذلك على الأمراء والرعية والجند، وكرهوه كراهة شديدة، وكان من أعظم ما جنى على نفسه حتى أورثه ذلك هلاكه، إفساده على نفسه بني عميه هشام والوليد بن عبد الملك مع إفساده اليمانية، وهي أعظم جند خراسان، وذلك أنه لما قتل خالد بن عبد الله القسري وسلمه إلى غريمه يوسف بن عمر الذي هو نائب العراق إذ ذاك، فلم يزل يعاقبه حتى هلك، انقلبوا عليه وتنكروا له وساءهم قتله، كما سنذكره في ترجمته‏.‏

ثم روى ابن جرير بسنده أن الوليد بن يزيد ضرب ابن عمه سليمان بن هشام مائة سوط وحلق رأسه ولحيته وغرَّبه إلى عمان فحبسه بها، فلم يزل هناك حتى قتل الوليد وأخذ جارية كانت لآل عمه الوليد بن عبد الملك، فكلمه فيها عمر بن الوليد، فقال‏:‏ لا أردها‏.‏

فقال‏:‏ إذاً تكثر الصواهل حول عسكرك‏.‏

وحبس الأفقم يزيد بن هشام، وبايع لولديه الحكم وعثمان، وكانا دون البلوغ، فشق ذلك على الناس أيضاً، ونصحوه فلم ينتصح، ونهوه فلم يرتدع ولم يقبل‏.‏

قال المدائني في روايته‏:‏ ثقل ذلك على الناس ورماه بنو هاشم وبنو الوليد بالكفر والزندقة وغشيان أمهات أولاد أبيه وباللواط وغيره، وقالوا‏:‏ اتخذ مائة جامعة على كل جامعة اسم رجل من بني هاشم ليقتله بها، ورموه بالزندقة وكان أشدهم فيه قولاً يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وكان الناس إلى قوله أميل، لأنه أظهر النسك والتواضع، ويقول‏:‏ ما يسعنا الرضا بالوليد حتى حمل الناس على الفتك به‏.‏

قالوا‏:‏ وانتدب للقيام عليه جماعة من قضاعة واليمانية وخلق من أعيان الأمراء وآل الوليد بن عبد الملك، وكان القائم بأعباء ذلك كله والداعي إليه يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وهو من سادات بني أمية، وكان ينسب إلى الصلاح والدين والورع، فبايعه الناس على ذلك، وقد نهاه أخوة العباس بن الوليد، فلم يقبل‏.‏

فقال‏:‏ والله لولا إني أخاف عليك لقيدتك وأرسلتك إليه‏.‏

واتفق خروج الناس من دمشق من وباء وقع بها، فكان ممن خرج الوليد بن يزيد أمير المؤمنين في طائفة من أصحابه نحو المائتين، إلى ناحية مشارف دمشق، فانتظم إلى يزيد بن الوليد أمره وجعل أخوه العباس ينهاه عن ذلك أشد النهي، فلا يقبل، فقال العباس ذلك‏:‏

إني أعيذكم بالله من فتن * مثل الجبال تسامى ثم تندفع

إن البرية قد ملت سياستكم * فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا

لا تلحمن ذئاب الناس أنفسكم * إن الذباب إذا ما ألحمت رتعوا

لا تبقرنَّ بأيديكم بطونكم * فثم لا حسرة تغني ولا جزع

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/11‏)‏

فلما استوثق ليزيد بن الوليد أمره، وبايعه من الناس، قصد دمشق فدخلها في غيبة الوليد فبايعه أكثر أهلها في الليل، وبلغه أن أهل المزة قد بايعوا كبيرهم معاوية بن مَصَاد، فمضى إليه يزيد ماشياً في نفر من أصحابه، فأصابهم في الطريق خطر شديد، فأتوه فطرقوا بابه ليلاً ثم دخلوا فكلمه يزيد في ذلك فبايعه معاوية بن مصاد‏.‏

ثم رجع يزيد من ليلته إلى دمشق على طريق القناة وهو على حمار أسود، فحلف أصحابه أنه لا يدخل دمشق إلا في السلاح، فلبس سلاحاً من تحت ثيابه فدخلها‏.‏

وكان الوليد قد استناب على دمشق في غيبته عبد الملك بن محمد بن الحجاج بن يوسف الثقفي، وعلى شرطتها أبو العاج كثير بن عبد الله السلمي‏.‏

فلما كان ليلة الجمعة اجتمع أصحاب يزيد بين العشائين عند باب الفراديس، فلما أذن العشاء الآخرة دخلوا المسجد، فلما لم يبق في المسجد غيرهم بعثوا إلى يزيد بن الوليد، فجاءهم فقصدوا باب المقصورة، ففتح لهم خادم، فدخلوا فوجدوا أبا العاج وهو سكران، فأخذوا خزائن بيت المال وتسلموا الحواصل، وتقووا بالأسلحة‏.‏

وأمر يزيد بإغلاق أبواب البلد، وأن لا يفتح إلا لمن يعرف، فلما أصبح الناس قدم أهل الحواضر من كل جانب فدخلوا من سائر أبواب البلد كل أهل محلة من الباب الذي يليهم، فكثرت الجيوش حول يزيد بن الوليد بن عبد الملك في نصرته، وكلهم قد بايعه بالخلافة‏.‏

وقد قال فيه بعض الشعراء في ذلك‏:‏

فجاءتهم أنصارهم حين أصبحوا * سكاسكها أهل البيوت الصنادد

وكلب فجاؤهم بخيل وعدة * من البيض والأبدان ثم السواعد

فأكرم بها أحياء أنصار سنة * هم منعوا حرماتها كل جاحد

وجاءتهم شيبان والأزد شرعاً * وعبس ولخم بين حام وذائد

وغسان والحيَّان قيس وثعلب * وأحجم عنها كل وان وزاهد

فما أصبحوا إلا وهم أهل ملكها * قد استوثقوا من كل عات ومارد

وبعث يزيد بن الوليد عبد الرحمن بن مصاد في مائتي فارس إلى قطنا، ليأتوه بعبد الملك بن محمد بن الحجاج نائب دمشق وله الأمان، وكان قد تحصن هناك، فدخلوا عليه فوجدوا عنده خرجين في كل واحد منهما ثلاثون ألف دينار، فلما مروا بالمزة قال أصحاب ابن مصاد‏:‏ خذ هذا المال فهو خير من يزيد بن الوليد‏.‏

فقال‏:‏ لا والله، لا تحدث العرب أني أول من خان‏.‏

ثم أتوا به يزيد بن الوليد فاستخدم من ذلك المال جنداً للقتال قريباً من ألفي فارس، وبعث به مع أخيه عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك خلف الوليد بن يزيد ليأتوا به، وركب بعض موالي الوليد فرساً سابقاً فساق به حتى انتهى إلى مولاه من الليل، وقد نفق الفرس من السوق، فأخبره الخبر فلم يصدقه وأمر بضربه، ثم تواترت عليه الأخبار فأشار عليه بعض أصحابه أن يتحول من منزله إلى حمص فإنها حصينة‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/12‏)‏

وقال الأبرش سعيد بن الوليد الكلبي‏:‏ أنزل على قومي بتدمر، فأبى أن يقبل شيئاً من ذلك، بل ركب بمن معه وهو في مائتي فارس، وقصد أصحاب يزيد فالتقوا بثقلة في أثناء الطريق، فأخذوه وجاء الوليد فنزل حصن البخراء الذي كان للنعمان بن بشير، وجاءه رسول العباس بن الوليد إني آتيك - وكان من أنصاره - فأمر الوليد بإبراز سريره فجلس عليه وقال‏:‏ أعليَّ يتوثب الرجال وأنا أثب على الأسد وأتخصر الأفاعي ‏؟‏

وقدم عبد العزيز بن الوليد بمن معه، وإنما كان قد خلص معه من الألفي فارس ثمان مائة فارس، فتصافوا فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل من أصحاب العباس جماعة حملت رؤسهم إلى الوالي، وقد كان جاء العباس بن الوليد لنصرة الوليد بن يزيد، فبعث إليه أخوه عبد العزيز فجيء به قهراً حتى بايع لأخيه يزيد بن الوليد واجتمعوا على حرب الوليد بن يزيد، فلما رأى الناس اجتماعهم فروا من الوليد إليهم، وبقي الوليد في ذل وقل من الناس، فلجأ إلى الحصن، فجاؤا إليه وأحاطوا به من كل جانب يحاصرونه، فدنا الوليد من باب الحصن فنادى ليكلمني رجل شريف، فكلمه يزيد بن عنبسة السكسكي‏.‏

فقال الوليد‏:‏ ألم أدفع الموت عنكم‏؟‏ ألم أعط فقرائكم‏؟‏ ألم أخدم نساءكم ‏؟‏

فقال يزيد‏:‏ إنما ننقم عليك انتهاك المحارم وشرب الخمور ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله عز وجل‏.‏

فقال‏:‏ حسبك يا أخا السكاسك، لقد أكثرت وأغرقت، وإن فيما أحل الله لي لسعة عما ذكرته‏.‏

ثم قال‏:‏ أما والله لئن قتلتموني لا ترتقن فتنتكم، ولا يلم شعثكم، ولا تجتمع كلمتكم‏.‏

ورجع إلى القصر فجلس ووضع بين يديه مصحفاً فنشره، وأقبل يقرأ فيه وقال‏:‏ يوم كيوم عثمان، واستسلم، وتسور عليه أولئك الحائط، فكان أول من نزل إليه يزيد بن عنبسة، فتقدم إليه وإلى جانبه سيف، فقال‏:‏ نحه عنك‏.‏

فقال الوليد‏:‏ لو أردت القتال به لكان غير هذا، فأخذ بيده وهو يريد أن يحبسه حتى يبعث به إلى يزيد بن الوليد‏.‏

فبادره عليه عشرة من الأمراء، فأقبلوا على الوليد يضربونه على رأسه ووجهه بالسيوف، حتى قتلوه، ثم جروه برجله ليخرجوه، فصاحت النسوة، فتركوه واحتز أبو علاقة القضاعي رأسه‏.‏

واحتاطوا على ما كان معه مما كان خرج به في وجهه ذلك، وبعثوا به إلى يزيد مع عشرة نفر منهم‏:‏ منصور بن جمهور، وروح بن مقبل، وبشر مولى كنانة من بني كلب، وعبد الرحمن الملقب‏:‏ بوجه الفلس، فلما انتهوا إليه بشروه بقتل الوليد، وسلموا عليه بالخلافة، فأطلق لكل رجل من العشرة عشرة آلاف‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/13‏)‏

فقال له روح بن بشر بن مقبل‏:‏ أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الوليد الفاسق، فسجد شكراً لله‏.‏

ورجعت الجيوش إلى يزيد، فكان أول من أخذ يده للمبايعة يزيد بن عنبسة السكسكي فانتزع يده من يده، وقال‏:‏ اللهم إن كان هذا رضى لك فأعني عليه‏.‏

وكان قد جعل لمن جاءه برأس الوليد مائة ألف درهم، فلما جيء به وكان ذلك ليلة الجمعة - قيل‏:‏ يوم الأربعاء - لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة، فأمر يزيد بنصب رأسه على رمح وأن يطاف به في البلد‏.‏

فقيل له‏:‏ إنما ينصب رأس الخارجي‏.‏

فقال‏:‏ والله لأنصبنه‏.‏

فشهره في البلد على رمح ثم أودعه عند رجل شهراً ثم بعث به إلى أخيه سليمان بن يزيد فقال أخوه‏:‏ بعداً له، أشهد أنك كنت شروباً للخمر، ماجناً فاسقاً، ولقد أرادني على نفسي هذا الفاسق وأنا أخوه لم يأنف من ذلك‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن رأسه لم يزل معلقاً بحائط جامع دمشق الشرقي مما يلي الصحن حتى انقضت دولة بني أمية‏.‏

وقيل‏:‏ إنما كان ذلك أثر دمه، وكان عمره يوم قتل ستاً وثلاثين سنة‏.‏

وقيل‏:‏ ثمانياً وثلاثين‏.‏

وقيل‏:‏ إحدى وثلاثين‏.‏

وقيل‏:‏ ثنتان، وقيل‏:‏ خمس، وقيل‏:‏ ست وأربعون سنة‏.‏

ومدة ولايته سنة وست أشهر على الأشهر‏.‏

وقيل‏:‏ ثلاثة أشهر‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ كان شديد البطش، طويل أصابع الرجلين، كانت تضرب له سكة الحديد في الأرض ويربط فيها خيط إلى رجله ثم يثب على الفرس فيركبها ولا يمس الفرس، فتنقلع تلك السكة من الأرض مع وثبته‏

***********************************************************************************

This site was last updated 07/22/16