الخليفة الحاكم بأمر الله - الديكتاتور المسلم الغريب
***********************************************************************************************
تعليق من الموقع : هناك مثل مصرى لا يزال يتردد حتى هذا اليوم دليل على قسوة وإستبداد ووحشية الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله ، فعندما يرى أحداً من ولاة الأمور أو الرؤساء مستبد برأيه متحكم أكثر من اللازم بسلطته يسأله المرؤوس الذى تحت سلطته : هل أنت الحاكم بأمره؟ أى هل أنت الحاكم بأمر الله .. فقد صار الحاكم بأمر الله مثلاً حياً فى الإستبداد بالسلطة على مر العصور فى مصر !!
***********************************************************************************************
ديكتاتوريه الحكم الدينى الإسلامى والأقباط
الحاكم بأمر الله ( الفاطمى )
386 – 411هجريه 996- 1020م
الفصل الأول : مراهقا يصبح خليفه ( الوزعه يصير تنينا )
كان الخليفه الفاطمى العزيز بالله يستعد لإستئناف القتال ضد البيزنطيين فى مدينه بلبيس حتى توفى وهو فى الحمام – فخلفه الولد الوحيد الذى انجبه من زوجته المسيحيه اليونانيه الأصل ( التابعه للطائفه الملكيه أى ليست قبطية ) وحسب الشريعه الإسلاميه فإنه إذا كان المولود ذكرا فإنه يتبع أباه فى دينه الإسلامى أما إذا كانت بنتا فتتبع أمها – وهكذا تربى إبن الخليفة وكان إسمه المنصور تربيه إسلاميه شيعية بحته 00ووجد نفسه فى لحظه خليفه وهو يبلغ من العمر 11 سنه , ولقب عند إعتلائه عرش الخلافه بإسم 00الحاكم بأمر الله وسمى أيضاً الإمام المنصور
وقال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 70 من 167 ) : " وقام من بعده ابنه: الحاكم بأمر الله أبو علي منصور وكانت مدة خلافته إلى أن فقد خمسًا وعشرين سنة وشهرًا وفقد وعمره ست وثلاثون سنة وسبعة أشهر في ليلة السابع والعشرين من شوال سنة إحدى عشرة وأربعمائة وقد بسطت خبر العزيز والحاكم عند ذكر الجوامع من هذا الكتاب.
ولما كان إبن العزيز قاصرا قام بالوصايه عليه وزيره برجوان تنفيذا لوصيه أبيه وكان برجوان عبدا خصيا سلاقونيا (1) تربى فى قصر العزيز وكان ماهرا فى القيام بالأعمال الموكله إليه فإكتسب ثقه الخليفه وظل يترقى فى المناصب حتى وصل إلى منصب الوزاره ثم أصبح وصيا على إبنه القاصر بناء على وصيه الخليفه قبل موته إلا أنه كان هناك صراع على السلطه بين الوصى برجوان وبين قائد جيش الخليفه إبن عمار فعمت الفوضى البلاد لشده هذه الخلافات 0
وكان إبن عمار( أبو محمد الحسن بن عمار ) قائد جيش الخليفه وزعيم الكتامين الذين يعتبرون عصب الخلافه الفاطميه 00وكان الكتاميين تظلموا وتقدموا بطلب بعزل عيسى بن نسطور من الوزاره وإنتهى الأمر بتولى إبن عمار شئون إداره الدوله , ولكن لمكانه إبن نسطور لدى الخليفه أسند إليه رئاسه ديوانه الخاص , ولكنه لم يتمتع بهذا المنصب مده طويله , فقد كان هدفا لدسائس ابى عمار الذى إتهمه بالإختلاس فقبض عليه وقتله (2) ولم يلبث إبن عمار أن قتل أيضا بعد أن هزمت القوات التركيه قواته المكونه من قبائل شمال أفرقيا المغاربه0
أما الحاكم بامر الله عندما وصل سنه 15سنه وهو سن الخلافه فى الشريعة الإسلامية ويقول إبن القلانسى (3): " ولم يكن هناك ما ينذر بوقوع أحداث دموية مفجعة التى أخضبت عهده بالدماء , وأدخلت الذعر فى نفوس النصارى والمسلمين على السواء , والواقع أنه حينما بلغ سن الرشد , سارع إلى إطمئنان كل الموظفين النصارى على مراكزهم وإهتدى بنصائح أخته " ست الملك " التى كانت تعطف على النصارى عطفاً شديداً "
قال عنه إبن المقفع (4) أنه نمى وكبر وصار كالأسد يزأر ويطلب فريسه وأصبح محب لسفك الدماء وفاق الأسد الضارى , وقد أحصى من قتل بأوامره فكانوا 18ألفا إنسان وإبتدأ من أكابر وأعيان الدوله وكتبته وقطع أيادى كثير من الناس وأول من قتل هو أستاذه برجوان الذى رباه وسبب غدره على معلمه أنه كان يسميه فى صغره ( الوزغه ) الوزغه هى السحليه وقال الأنبا يوساب أنه سماه الوزعة لأنه كان دميم الخلقة (5) فأرسل فى طلب معلمه قائلا : " الوزغه الصغيره قد صار تنينا عظيما وهو يدعوك " فقام برجوان وذهب إليه وهو يرتعد وعندما حضر إليه أمر بقطع رأسه , وكان ذلك فى عام 390هجريه 1000م ويقول جاك تاجر فى تعليقه على هذه الوحشية : " ولما أمر الخليفة الشاب بقتل برجوان الوصى , أقلق الشعب وأضجره وحمله علىالتوجه إلى مقر الخلافة , " والقايد فضل كان هذا بمثابه إستلامه الحكم الفعلى للبلاد بإزاحه كليهما عن طريقه لما كان لهما من نفوذ ولكن هذه الأحداث أقلقت الشعب لمدى القسوه التى إتبعها فى تنفيذ مخططه فثاروا وتوجهوا الى مقر الخلافه , إلا أنه كان ذكيا فإحتوى غضبهم وقام بتهدئتهم وأقام الحجج والأسانيد الباطله قائلا : " أن برجوان كان يسعى للإستئثار بالسلطه ويمنعه من الإتصال برجال دولته فلم أستطع كخليفة أن أقوم بالحكم الفعلى وأننى أفتقر الى الحكمه بسبب شبابى وصغر سنى وعدم درايتى بإسلوب الحكم " وبكى وناح نادما على ما فعله فرأف الشعب لحاله وتمكن من الإفلات من ثوره الشعب وغضبه ولكنه أضمر الشر فى قلبه صابرا للإنتقام من الشعب فى وقت آخر 0
كان هناك أميرا يسمى القايد فضل وكان بينه وبين برجوان علاقه جيده فدخل يوما القصر كعادته , فرأى الحاكم بأمر الله جالسا وبين يديه صبى جميل الصوره مذبوح وفى يد الحاكم سكينا مخضبه بالدماء ذبحه بها وعلم فيما بعد أنه إشتراه بمائه دينار , وفى يده الأخرى كبده ومصارينه وهو يقطعهم فخرج وهو خائف ومرتعد الى منزله وحكى ما رآه لأهله وكتب وصيته وبعد ساعه جائه سياف الحاكم وقطع رأسه 0(6) وكان من عادته أنه إذا أراد قتل إنسان ينعم عليه بالمال ويكرمه ثم يرسل من يقطع رقبته ويأتيه بها بدأ بقواد جيشة ثم بخواصه ثم الأراخنه والكتاب الأقباط
الحاكم بأمر الله والوزير القبطى
وكان لبرجوان مساعدا كاتبا قبطيا إسمه فهد ابن إبراهيم عرفه الحاكم من كثره تردده على القصر يحمل الرسائل إلى الخليفه والأوامر منه , ومن الظاهر انه كان ذو شأن كبير غنيا ومن أعيان القبط وكبرائهم إذ قال عنه المقريزى (7) " لأنه فى غطاس سنه 288هجريه ضربت المضارب والأسره فى عده مواضع على شاطئ النيل , ونصبت أسره للرئيس فهد بن إبراهيم النصرانى كاتب الأستاذ برجوان , وأوقدت له الشموع والمشاعل وحضر المغنون والملهون , وجلس مع أهله الى أن كان وقت الغطاس فغطس وإنصرف "
وكان الحاكم محتاجا لرجل يحل محل برجوان الذى قتله ليدير الحكومه ففكر فى فهد القبطى , الذى رأى رأس برجوان تدحرج علىالأرض أمامه فإمتلأ فزعا وإصفر وجهه من هول المفاجأه , وبخبث ودهاء شديدين أنعم عليه العطايا والهبات وهدئ من روعه , وخلع عليه لقب " الرئيس أبى العلاء "
ولما كان فهد لايطمع فى شئ من دنياه فعمل جاهدا ليرضى الله وأولياء الأمر فى عمله فترقى فى المناصب العليا حتى وصل إلى أن يكون كاتم سر الخليفه وفى ذات يوم دخل إلى الخليفه وكان الخليفه قد قرر إسناد منصب الوزاره إليه ويقص علينا إبن القلانسى (8) الحديث الذى دار فى قصر الخليفه وإنتهى بإعتلاء القبطى فهد أعلى سلطه فى مصر فقال : " جلس الحاكم وقت العشاء الأخير وإستدعى الحسين بن جوهر وأبى العلاء بن فهد بن إبراهيم الوزير , وتقدم إليه بإحضار سائر كتاب
الدواوين والأعمال , ففعل , وحضروا وأوصلهم إليه 00فقال لهم الحاكم : " إن هذا فهدا , كان بالأمس كاتب برجوان عبدى , وهو اليوم وزيرى فإسمعوا له وأطيعوا , ووفوه شروطه فى التقدم عليكم , وتوفروا على مراعاه الأعمال وحراسه الأموال0 " وقبل فهد الأرض وقبلوها , وقالوا : " السمع والطاعه لمولانا0" ثم إلتفت إلى فهد وقال " أنا حامد لك وراض عنك وهؤلاء الكتاب خدمى , فإعرف حقوقهم وأجمل معاملتهم وإحفظ حرمتهم وزد فى واجب من يستحق الزياده بكفايته وأمانته (9)0"
وكان الرجل القبطى فهد عظيما فى تقواه محبا لآخرته أكثر من دنياه مساعدا للفقير مساندا لليتامى والأرامل فكان يعترض طريقه كل من له حاجه فكان يجيبه إلى سؤاله ويفرح قلبه بمساعدته , وكان مجيبا لكل طارق لبيته , وكان من عادته انه عندما كان يجتاز راكبا ركوبته فى طريقه الى عمله وقيل انه نسى فيلقاه من يطلب منه صدقه فكان يمد يده اليمنى إلى كمه حيث كان يضع نقودا لهم وما وضع مالا فى كمه وظن ان ليس فيه شيئا ولكن عندما وضعها وجد ما يدفعه للسائل 0ويقول ابو المكارم فى مخطوطه (10): " أن الشيخ الرئيس ابى العلاء فهد ابن ابراهيم فى الخلافة الحاكمية أنشأ كنيسة الشهيد مرقوريوس فى دير الخندق وكان فهد ينظر فى أمر المملكة شريكاً لقائد القواد الحسين بن جوهر وتحت الأسكنا القبلى الشيخ فهد ومن يخصة "
وبدأ الشر يحيك الدسائس والمؤامرات فأرسل جنوده الحاسدون عندما بدأت شهرته فى فعل الخير للمسلمين والمسيحين على السواء, وخشى الحاسدون إزدياد نفوذ النصارى فى البلاد , فلا ولايه لذمى على مسلم , فأوعزوا على الوشايه به عند مولاه ليضعفوا ثقته به , فكانت التهمه القديمه التى إستعملها ابو عمار هى خطتهم , فإتهمه إثنين من الحاقدين عليه هما أبو طاهر وإبن العداس بإختلاس الأموال , ولم يحسن الحاكم إستقبالهم كما انه لم يستمع إلى وشايتهما إلا أنهم إستمرا على خطتهما الدنيئه وحرضا آخرين على تقديم شكاوى مماثله وكان الحاكم يفهم مغزى هذه الشكاوى المقدمه إليه , فإستغلها للضغط على عامله الأمين القبطى فهد ومساومته بطريقه خبيثه فأرسل إليه فمثل بين يديه وقال له : " أنت تعلم أننى قد إصطفيتك وقدمتك على كل من فى دولتى فإسمع منى وكن معى فى دينى فأرفعك أكثر مما أنت فيه وتكون لى مثل أخ 0" فإذا كان فهد سارقا فلماذا إذا ساومه ؟ وأراد الحاكم أن يستغل الشكاوى ويحوله عن ديانته فرفض القبطى فهد وزاره الملك الأرضى وفضل عار المسيح أعظم من كنوز مصر فكان كموسى النبى الذى ترك قصر فرعون , فأمر الخليفه بقطع رقبه فهد القبطى , وحرق جسده
وأمر بإيقاد النار تحت جسده ثلاثه ايام بلياليها فإحترق جسده ما عدا يده اليمنى التى كان يمدها ممسكه بالنقود معطيه صدقه ومما يذكره الرواه أن فهد أراد مره أن يعطى صدقه لسائلا وكان يضع يده فى كمه ليخرج النقود كعاده أهل ذلك الزمان وكان قد نسى فى هذااليوم أن يضع النقود ولكنه وجد مالاً فأعطاه للفقير0 فإعتبر أن السيد المسيح هو المعطى لكل البركات و لمعرفه اين دفن الرئيس أبو العلا فهد يقول أبو المكارم فى مخطوطه (11) : " أنه كانت هناك حاره من حوارى القاهرة يطلق عليها إسم حارة برجوان الخادم الأسود (12) وكان برجوان هذا استاذاً للحاكم بأمر الله وكان ينظر فى امور المملكة وكاتبة الرئيس أبو العلا فهد ابن إبراهيم النصرانى فى الخلافة الحاكمية أمر الحاكم بقتل برجوان والرئيس أبو العلا وأحرقه بالنار وقبره وذويه تحت كنيسة أبو مرقورة بدير الخندق فى طوفس (13) " وقد أخذ الأروام هذه الكنيسة للصلاة فيها بعد أن أمر أمير الجيوش بدر الدين الجمالى الأقباط بإعطائها لهم وبها جسد هذا الشهيد .
بركه صلوات هذا القديس تكون معنا آمين
المقريزى يذكر قتل الوزير فهد
أبو طاهر يوغر صدر الخليفة الحاكم ضد الوزير القبطى فهد
ذكر المؤرخ المسلم المقريزى فى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 102 من 167 ) : " إلى أن كان جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة حسن لأبي طاهر محمود النحوي الكاتب وكان منقطعًا إليه أن يلقى الحاكم بأمر الله ويبلغه ما تشكوه الناس من تظافر النصارى وغلبتهم على المملكة وتوازرهم وأنّ فهد بن إبراهيم هو الذي يقوْي نفوسهم ويفوّض أمر الأموال والدواوين إليهم وأنه آفة على المسلمين وعدّة للنصارى فوقف أبو الطاهر للحاكم ليلًا في وقت طوافه في الليل وبلّغه ذلك.
ثم قال: يا مولانا إن كنت تؤثر جمع الأموال وإعزاز الإسلام فأرني رأس فهد بن إبراهيم في طشت وإلاّ لم يتم من هذا شيء.
فقال له الحاكم: ويحك ومن يقوم بهذا الأمر الذي تذكره ويضمنه.
فقال: عبدك عليّ بن عمر بن العدّاس.
فقال: ويحك أو يفعل هذا قال: نعم يا أمير المؤمنين.
قال: قل له يلقاني ههنا في غد.
ومضى الحاكم فجاء أبو طاهر إلى ابن العدّاس وأعلمه بما جرى.
فقال: ويحك فتلتني وقتلت نفسك.
فقال: معاذ الله افنصبر لهذا الكلب الكافر على ما يفعل بالإسلام والمسلمين ويتحكم فيهم من اللعب بالأموال والله إن لم تسع في قتله ليسعين في قتلك فلما كان في الليلة القابلة وقف عليّ بن عمر العدّاس للحاكم ووافقه على ما يحتاج إليه فوعدوه بانجاز ما اتفقا عليه وأمر بالكتمان وانصرف الحاكم.
فلما أصبح ركب العداس إلى جار قائد القوّاد حسن بن جوهر القائد فلقي عنده فهد بن إبراهيم فقال له فهد: يا هذا كم تؤذيني وتقدح فيّ عند سلطاني.
فقال العداس: والله ما يقدح ولا يؤذيني عند سلطاني ويسعى عليّ غيرك.
فقال فهد: سلط الله على من يؤذي صاحبه فينا ويسعى به سيف هذا الإمام الحاكم بأمر الله.
فقال العدّاس: آمين وعجِّل ذلك ولا تمهله.
فقتل فهد في ثامن جمادى الآخرة وضربت عنقه وكان له منذ نظر في الرياسة خمس سنين وتسعة أشهر واثني عشر يومًا وقتل العداس بعده بتسعة وعشرين يومً واستجيب دعاء كل منهما في الآخرة وذهبا جميعًا ولا يظلم ربك أحدًا.
وذلك أن الحاكم خلع على العداس في رابع عشره وجعله مكان فهد وخلع على ابنه محمد بن عليّ فهناه الناس واستمرّ إلى خامس عشري رجب منها فضربت رقبة أبي طاهر محمود بن النحوي وكان ينظر في أعمال الشام لكثرة ما رفع عليه من التجبر والعسف ثم قتل العدّاس في سادس شعبان سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة وأحرق بالنار.
شخصيه الحاكم بأمر الله الغريبة
ذكر المؤرخ المسلم المقريزى فى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 102 من 167 ) : "
من الواضح أن الحاكم كان يعى ما يفعله بدليل أنه لم يحسن إستقبال الواشيين فى حق فهد كاتبة فى بدايه الأمر , فقد كان يفهم تماما المغزى من هذه الوشايه وأفهم حاشيته أنه أصدر أمره تحت ضغط شديد , ولكن هل يمكن القول أن الحاكم قد صدق فعلا أنه حاكما بأمر الله ؟ 00 هل أوحى له إسمه الذى أطلق عليه بأن يكون إسما على مسمى ؟00هل كان يختبر رعيته فى إطاعه أوامره طاعه مطلقه ؟ هل إستهوته هذه الفكره وسيطرت عليه – لماذا هبط بتصرفاته إلى دروب التطرف والتناقض والهوس ؟0هل أصيب بجنون العظمه والخيلاء ؟
ولعل التاريخ الإسلامى لم يعرف شخصية يحيط بها الخفاء كتلك الشخصية العجيبة التى تثير من حولها الدهشة والروع فى كل تصرفاتها الخاصة والعامة والتى لا زمها الخفاء لا فى الحياة الدنيا وحدها ولكن فى الحياة الآخرة أيضاً حيث تغادر العالم فى ظروف كالأساطير , وتبقى هذه الظروف
لغزاً على التاريخ حتى يومنا هذا 0(14) وقال كاتب آخر عنه (15): " لقد نشأ مطلق الأمر فى آراءه وتصوراته وتعلم علوم الشيعة فغلا فيها , كما تعلم الفلسفة والنجوم فكان له بها ولع شديد , وكان على طرفى الغلو فى كل أعماله – فإذا عاقب أفرط وسفك الدماء وقتل الأعوان والأقارب والعلماء , وإذا ثاب أو أحب بذل ما لم يبذله ملك , وكانت أعماله متناقضة , يفعل اليوم ما ينقضه غداً "
إن إصداره لتعليمات ومراسيم متضاربه أمرا يثير الدهشه والأسى والضحك فى وقت واحد , كما أنه لا يمكن التكهن بما يمكن أن يفعله أو يأمر به عند عرض عليه أى قضيه أو مشكله , فمثلا فى حاله قتله لفهد أراد أن يغطى فشله فى جذب فهد الى دينه أرسل الحاكم فى طلب أولاد الشهيد فهد وخلع عليهم الخلع وأمر بألا يمسهم أحد بسؤ وألا ينهب منزلهم , أما د0جاك تاجر فله رأى آخر (16): " قد أراد الحاكم بذلك أن يتحدى أبا طاهر وإبن العداس اللذين أوعزا بهذه الجريمه واللذين توصلا إلى أعلى المناصب لتنفيذ خطتهما المعاديه للنصارى فى مصر وسوريا0 " إلا أنه لا يمكن غسل يدى الحاكم من هذه الجرائم التىلا يستطيع أحدا أن يجد لها تفسيرا إلا أنها حاذت على هوى نفسه لهذا قدم على تنفيذها بدون أى شعور بالندم وكان من تقليد الفاطميين الإستعانه بالنصارى إلا أن الحاكم بأمر الله أبطل هذه العاده بعد أن إضطهد الذميين كما هو مكتوب فى جميع كتب المؤرخين بلا إستثناء ولكنه لم يكن فى إستطاعته أن يستغنى أبداً عن جميع الموظفين النصارى
*************************************************
مقتل أبن عمار
ذكر المؤرخ المسلم المقريزى فى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 103 من 167 ) : " خط قصر ابن عمار هذا الخط من جملة حارة كتامة وهو اليوم درب يعرف بالقماحين وفيه حمام كرائي ودار خوند شقرا يُسلك إليه من خط مدرسة الوزير كريم الدين بن غنام ويُسلك منه إلى درب المنصوري وابن عمار هذا هو أبو محمد الحسن بن عمار بن عليّ بن أبي الحسن الكلبي من بني أبي الحسب أحد أمراء صقيلة وأحد شيوخ كتامة وصاه العزيز باللهنزار بن المعز لدين الله لما احتضر هو والقاضي محمد بن النعمان على ولده أبي علي منصور فلما مات العزيز بالله واستخلف من بعده ابنه الحاكم بأمر الله اشترط الكتاميون وهم يومئذ أهل الدولة أن لا ينظر في أمورهم غير أبي محمد بن عمار بعدما تجمعوا وخرج منهم طائفة نحو المصلى وسألوا صرف عيسى بن مشطروس وأن تكون الوساطة لابن عمار فندب لذلك وخلع عليه في ثالث شوّال سنة خمس وسبعين وثلاثمائة وقلد بسيف من سيوف العزيز بالله وحُمل على فرس بسرج ذهب ولقّب بأمين الدولة وهو أوّل من لقب في الدولة الفاطمية من رجال الدولة وقيّد بين يديه بحدّة دواب وحُمل معه خمسون ثوبًا من سائر البز الرفيع وانصرف إلى داره في موكب عظيم وقُرىء سجله فتولى قراءته القاضي محمد بن النعمان بجلوسه للوساطة وتلقيبه بأمين الدولة والزم سائر الناس بالترجُّل إليه فترجَّل الناس بأسرهم له من أهل الدولة وصار يدخل القصر راكبًا ويشق الدواوين ويدخل من الباب الذي يجلس فيه خدم الخليفة الخاصة ثم يعدل إلى باب الحجرة التي فيها أميرالمؤمنين الحاكم فينزل على بابها ويركب من هناك وكان الناس من الشيوخ والرؤساء على طبقاتهم يبكرون إلى داره فجيلسون في الدهاليز بغير ترتيب والباب مغلق ثم يفتح فيدخل إليه جماعة من الوجوه ويجلسون في قاعة الدار على حصير وهو جالس في مجلسه ولا يدخل له أحد ساعة ثم يأذن لوجوه من حضر كالقاضي ووجوه شيوخ كتامة والقوّاد فتدخل أعيانهم ثم يأذن لسائر الناس فيزدحمون عليه بحيث لا يقدر أحد أن يصل إليه فمنهم من يومي بتقبيل الأرض ولا يردّ السلام على أحد ثم يخرج فلا يقدر أحد على تقبيل يده سوى أناس بأعيانهم إلا أنهم يومئون إلى تقبيل الأرض وشرف أكابر الناس بتقبيل ركابه وأجلّ الناس من يقبل ركبته وقرّب كتامة وأنفق فيهم الأموال وأعطاهم الخيول وباع من كان بالاصطلات من الخيل والبغال والنجب وغيرها وكانت شيًا كثيرًا وقطع أكثر الرسوم التي كانت تطلق لأولياء الدولة من الأتراك وقطع أكثر ما كان في المطابخ وقطع أرزاق جماعة وفرّق كثيرًا من جواري القصر وكان به من الجواري والخدم عشرة آلاف جارية وخادم فباع من اختار البيع وأعتق من سأل العتق طلبًا للتوفير واصطنع أحداث المغاربة فكثر عتيهم وامتدّت أيديهم إلى الحرام في الطرقات وشلحوا الناس ثيابهم فضج الناس منهم واستغاثوا إليه بشكايتهم فلم يبد منه كبير نكير فأفرط الأمر حتى تعرّض جماعة منهم للغلمان الأتراك وأرادوا أخذ ثيابهم فثار بسبب ذلك شرٌّ قُتِلَ فيه غلام من الترك وحَدَثٌ من المغاربة فتجمع شيوخ الفريقين واقتتلوا يومين آخرهما يوم الأربعاء تاسع شعبان سنة سبع وثمانين وثلاثمائة فلما كان يوم الخميس ركب ابن عمار لابسًا آلة الحرب وحوله المغاربة فاجتمع الأتراك واشتدّت الحرب وقتل جماعة وجرح كثير فعاد إلى داره وقام برجوان بنصرة الأتراك فامتدّت الأيدي إلى دار ابن عمار واصطبلاته ودار رشا غلامه فنهبوا منها ما لا يحصى كثرة فصار إلى داره بمصر في ليلة الجمعة لثلاث بقين ن شعبان واعتزل عن المر فكانت مدّة نظره أحد عشر شهرًا إلاَّ خمسة أيام فأقام بداره في مصر سبة وعشرين يومًا ثم خرج إليه الأمر بعوده إلى القاهرة فعاد إلى قصره هذا ليلة الجمعة الخامس والعشرين من رمضان فأقام به لا يركب ولا يدخل إليه أحد إلاَّ أتباعه وخدمه وأطلقت له رسومه وجراياته التي كانت في أيام العزيز بالله ومبلغها عن اللحم والتوابل والفواكه خمسمائة دينار في كل شهر وفي اليوم سلة فاكهة بدينار وعشرة أرطال شمع ونصف حمل ثلج فلم يزل بداره إلى يوم السبت الخامس من شوّال سنة تسعين وثلثمائة فأذن له الحاكم في الركوب إلى القصر وأن ينزل موضع نزول الناس فواصل الركوب إلى يوم الاثنين رابع عشرة فحضر عشية إلى القصر وجلس مع من حضر فخرج إلى الأمر بالانصراف فلما انصرف ابتدره جماعة من الأتراك وقفوا له فقتلوه واحتزوا رأسه ودفنوه مكانه وحُمل الرأس إلى الحاكم ثم نقل إلى تربته بالقرافة فدفن فيها وكانت مدّة حياته بعد عزله إلى أن قُتل ثلاث سنين وشهرًا واحدًا وثمانية وعشرين يومًا وهو من جملة وزراء الدولة المصرية وولى بعده برجوان وقد مرّ ذكره.
-------------------------------------------------------------
1) السلاقيون هم القبائل التى جاء منها الروس والبلغار وبولانده وإيلليريا وبوهيميا وبوميرانيا ورومانيا
(2) ذيل تاريخ دمشق لأبن القلانسى طبع ليدن عام 1908ص 60 اقباط ومسلمون ص 126
(3) إبن القلانسى ص 60 وراجع أيضاً أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى الى عام 1922م إعداد د0 جاك تاجر د0 فى الآداب من جامعه باريس القاهره 1951ص 126-127
(4) تاريخ البطاركه – ساويرس إبن المقفع نشره سيبولد طبع ببيروت عام 1904م وطبعه ايفتس Evetts طبعه باريس1904 ج2 ص 102
(5) الصغيره تاريخ الآباء البطاركة – للأنبا يوساب أسقف فوةه وهو من آباء القرن الثالث عشر – أعده للنشر للباحثين والمهتمين بالدراسات القبطية الراهب القمص صمؤيل السريانى والأستاذ نبيه كامل ص 95
(6) تاريخ البطاركه – ساويرس إبن المقفع نشره سيبولد طبع ببيروت عام 1904م وطبعه ايفتس Evetts طبعه باريس1904 ج2 ص102
(7) المواعظ والإعتبار فى ذكر الخطط والآثار للمقريزى 0 طبع بولاق 1272هجريه
(8) أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى الى عام 1922م إعداد د0 جاك تاجر د0 فى الآداب من جامعه باريس القاهره 1951 ص 127,128 - عن ذيل تاريخ دمشق لأبن القلانسى طبع ليدن عام 1908ص 56 تاريخ مصر فى العصور الوسطى 0 بالإنجليزية ) – ستانلى لين بول ص 128
(9) سيره الأباءالبطاركه – ساويرس إبن المقفع نشره سيبولد طبع ببيروت عام 1904م وطبعه ايفتس Evetts طبعه باريس1904 ص 102
(10) تاريخ ابوالمكارم تاريخ الكنائس والأديره فىالقرن 12 بالوجه البحرى طبع سنه 1999 ج1 ص 19
(11) تاريخ ابوالمكارم تاريخ الكنائس والأديره فىالقرن 12 بالوجه البحرى طبع سنه 1999 ج1 ص 12
(12) برجوان كان خصياً فى دار الخليفة العزيز بالله
(13) طوفس تعنى مقبرة
(14) راجع مقالة " مصر فى عصر الخلفاء " الذى نشر فى مجلة الهلال عدد ديسمبر1936 ص 153-156
(15) صفحات من تاريخ مصر 2- تاريخ مصر إلى الفتح العثمانى – تأليف عمر الإسكندرى و أ. ج. سَفِدْج – مكتبة مدبولى 1410هـ -1990م أنظر ص 215
(16) أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى الى عام 1922م إعداد د0 جاك تاجر د0 فى الآداب من جامعه باريس القاهره 1951 ص128
==============================================================================
الحاكم بأمر الله يحاول جمع أجساد قادة الإسلام فى مصر فأتى براس الحسين وحاول أن يأخذ جسد نبى الإسلام لمصر
محاولة الحاكم العبيدي: الحاكم بأمر الله (توفي 411 هـ) الأولى. أراد نقل أجسادهم إلى مصر، وكلف بذلك أبا الفتوح الحسن بن جعفر، فلم يُفق بعد أن جاءت ريح شديدة تدرحجت من قوتها الإبل والخيل، وهلك معها خلق من الناس، فكانت رادعاً لأبي الفتوح عن نبش القبور وانشرح صدره لذلك، واعتذر للحاكم بأمر الله بالريح. انظر تفصيلها في: وفاء الوفاء للسمهودي (2/653).
المحاولة الثانية للحاكم بأمر الله، فقد أرسل من ينبش قبر النبي فسكن داراً بجوار المسجد وحفر تحت الأرض فرأى الناس أنواراً وسُمع صائح يقول: أيها الناس إن نبيكم يُنبش ففتش الناس فوجدوهم وقتلوهم. المصدر السابق.
http://www.alminbar.net/alkhutab/mosques_nabawe.htm راجع هذا الموقع لمزيد من المعلومات
=====================================================================
السنكسار القبطى الذى يقرأ على الشعب القبطى يذكر أستشهاد الرئيس أبو العلا فهد بن أبراهيم وزملائه على يد الخليفة المسلم الحاكم بأمر الله الفاطمى فى يوم 20 برمودة
استشهاد الرئيس أبو العلا فهد بن إبراهيم وزملائه ( 20 برمودة)
تحتفل الكنيسة بتذكار الشيخ الرئيس أبو العلا فهد بن إبراهيم الذي نبغ في النصف الأخير من الجيل العاشر وأول الجيل الحادي عشر وقد عاصر أيضا البابا فيلوثاوس البطريرك (63) كما عاصر من الملوك الخلفاء الفاطميين الأمام العزيز بالله وابنه الحاكم بأمر الله .
وكان أرخنا أرثوذكسيا متمسكا بدينه مخلصا لكنيسته كثير الإحسان فلم يرد في حياته سائلا تقدم إليه حتى أنه كان يجتاز الشوارع راكبا فيليفاه طالب الصدقة فيمد إليه كم جبته فيجد فيه السائل خيرا جزيلا وذلك إمعانا في إخفاء عطائه .
وكان هذا الرئيس من أكابر رجال الدولة في العهد الفاطمي حتى أن الحاكم بأمر الله قدمه علي جميع الكتاب وأصحاب الدواوين ، وأنشا الرئيس أبو العلاء كنيسة الشهيد مرقوريوس بدير أنبا رويس الحالي الذي كان معروفا وقتئذ بدر الخندق
وجاء في تاريخ البطاركة أنه لما أراد الحاكم بأمر الله أن يجعل كبار الكتاب الأقباط يتخلون عن دينهم كان الرئيس فهد من بين الرؤساء العشرة الذين اختارهم لهذا الغرض فأحضره بين يديه وقال له : " أنت تعلم أني اصطفيتك وقدمتك علي كل من في دولتي فاسمع مني وكن معي في ديني فأرفعك أكثر مما أنت فيه وتكون لي مثل أخ " فلم يجبه إلى قوله فأمر أن يضرب عنقه وأحرق جسده بالنار وظلت النار مشتعلة ثلاثة أيام ولم يحترق وبقيت يده اليمني التي كان يمدها للصدقة في كل وقت سليمة كأن النار لم تكن منها البتة .
وجاء في كتاب الخطط التوفيقية أن الرئيس أبو العلاء فهد بن إبراهيم كان ينظر في أمر المملكة مع قائد القواد الحسين بن جوهر وكان الحاكم بأمر الله يرغبه في ترك مذهبه بوعود عظيمة فلم يقبل فقطع رقبته وأمر بحرق جسمه ولكن الله حماه من الاحتراق ودفن في الركن القبلي من كنيسة القديس مرقوريوس إلى شيدها في دير الخندق .
وذكر المقريزي في خططه : وقتل فهد بن إبراهيم بعد أن أستمر في الرئاسة خمس سنين وتسعة أشهر وأثنا عشر يوما .
وقد انتقم الله شر انتقام من الأشرار الذين سعوا بالرئيس أبي العلاء فهد لدي الخليفة وغيروا قلبه عليه فقد كان علي بن عمر بن العداس هو الذي حرك قلب الحاكم بأمر الله عليه فلم يمض علي وفاة الرئيس فهد 29 يوما حتى قتل علي ثم قتل شريكه طاهر محمود بن النحوي
وتحتفل الكنيسة أيضا بباقي الرؤساء العشرة الذين لما طالبهم الحاكم بترك دينهم لم يفعلوا ذلك ولم يطيعوه فأمر بتعذيبهم فضربوا بالسياط ولما تزايد عليهم الضرب أسلم منهم أربعة مات أحدهم في ليلته بعينها وأما الثلاثة الآخرون فانهم بعد انقضاء زمان الاضطهاد عادوا إلى دينهم المسيحي وأما الباقون فقد ماتوا وهم يعذبون ونالوا إكليل الشهادة استحقوا الحياة الدائمة.
استشهاد السعيد يوحنا أبو نجاح الكبير ( 20 برمودة)
في مثل هذا اليوم من سنة 719 للشهداء استشهد السعيد الذكر يوحنا أبو نجاح الكبير وقد كان من عظماء الأقباط في الجيلين العاشر والحادي عشر للميلاد . وكان كبير الكتاب المباشرين في عصره . كما كان مقدم الأراخنة في عهد الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي . وكان هذا الشيخ الكبير يعاصر البابا فيلوثاؤس البطريرك ( 63 ) الذي تولي الكرسي من 28 مارس سنة 979 م إلى 8 نوفمبر سنة 1003 م .
وكان يوحنا هذا مسيحيا تقيا وبارا محسنا كبيرا ، ومحبا للكنيسة غيورا علي الإيمان الأرثوذكسي . ولما انتهي الحاكم بأمر الله من إفناء خواصه ومقدمي جيشه ، عاد إلى مقدمي الأراخنة ورؤساء الكتاب فأخذ منهم عشرة وعرض عليهم الإسلام وكان أولهم يوحنا أبو نجاح رئيس المقدمين ، فأحضره إليه وقال له " أريد أن تترك دينك وتعود إلى ديني وأجعلك وزيري فتقوم بتدبير أمور مملكتي " فأجابه يوحنا قائلا " أمهلني إلى غد حتى أشاور نفسي " فأمهله وأطلقه فمضي يوحنا إلى منزله وأحضر أصدقاءه وعرفهم ما جرى له مع الخليفة وقال لهم " أنا مستعد أن أموت علي اسم السيد المسيح وان غرضي من طلب المهلة إلى الغد لم يكن لمشاورة نفسي بل قلت هذا حتى اجتمع بكم وبأهلي فأودعكم وأوصيكم" ، ثم أوصاهم قائلا "والآن يا أخوتي لا تطلبوا هذا المجد الفاني فتضيعوا عليكم مجد السيد المسيح الدائم الباقي فقد اشبع نفوسنا من خيرات الأرض وهوذا برحمته قد دعانا إلى ملكوت السموات فقووا قلوبكم " .
وقد كان من أثر كلامه الذهبي المملوء حكمة أن تشددت قلوب سامعيه أجمعين وعزموا علي أن يموتوا علي اسم السيد المسيح ، ثم صنع لهم في ذلك اليوم وليمة عظيمة وأقاموا عنده إلى المساء ثم مضوا إلى منازلهم .
وفي الصباح مضي يوحنا إلى الحاكم بأمر الله فقال له الخليفة : " يا نجاح ، أتري هل طابت نفسك ؟ " أجابه يوحنا قائلا : " نعم " قال الخليفة : " علي أية قضية ؟ " قال يوحنا بشجاعة وثبات : بقائي علي ديني " .
فاجتهد الحاكم بكل أنواع الترغيب والوعيد أن ينقله من النصرانية فكان يوحنا كالصخرة لا يتزعزع ، وثبت متمسكا بالإيمان المسيح ولم يقو الحاكم - مع ما أوتي من قوة - علي أن يزحزحه عن دين آبائه .
ولما فشل الحاكم أمام يوحنا أمر بنزع ثيابه وأن يشد في المعصرة ويضرب ، فضربوه خمسمائة سوط علي ذلك الجسم الناعم حتى أنتثر لحمه وسأل دمه مثل الماء وكانت السياط المستعملة في الضرب مصنوعة من عروق البقر لا تقوي الجبابرة علي احتمال سوط منها علي أجسامهم فكم يكون الحال في هذا العود الرطب .ثم أمر الحاكم بأن يضرب إلى تمام الآلف سوط فلما ضرب ثلاثمائة أخري قال مثل سيده " أنا عطشان " فأوقفوا عنه الضرب وأعلموا الحاكم بذلك فقال " اسقوه بعد أن تقولوا له أن يرجع عن دينه " فلما جاءوا إليه بالماء وقالوا له ما أمرهم به الخليفة ، أجابهم يوحنا بكل أباء وشمم قائلا : " أعيدوا له ماءه فآني غير محتاج إليه لأن سيدي يسوع المسيح قد سقاني وأطفأ ظمأى " وقد شهد قوم من الأعوان وغيرهم ممن كانوا هناك أنهم أبصروا الماء يسقط في هذه اللحظة من لحيته . ولما قال هذا اسلم الروح فأعلموا الخليفة الجبار بوفاته فأمر أن يضرب وهو جثة هامدة حتى تمام الآلف سوط وهكذا تمت شهادته ونال الإكليل المعد له من الملك العظيم يسوع المسيح ولم يذكر تاريخ البطاركة اليوم الذي استشهد فيه إلا أن المقريزي في خططه قال : " ان الرئيس فهد بن إبراهيم وهو أحد العشرة وزميل يوحنا بن نجاح قتل في 8 جمادى الآخر سنة 393 هجرية الموافق 19 برمودة سنة 719 ش و 14 أبريل سنة 1003 م " .
وقد جاء استشهاد السعيد الذكر يوحنا بن نجاح في تاريخ البطاركة ، قبل ذكر استشهاد الرئيس فهد بن إبراهيم كما أن يوحنا في وليمة أصدقائه وأهله الذين كان من بينهم التسعة المختارون الآخرون - لم يذكر خبر استشهاد هذا القديس في نفس اليوم الذي استشهد فيه الرئيس فهد فيما تكلم به أثناء الوليمة وعلي ذلك يكون استشهاد هذا القديس في نفس اليوم الذي استشهد فيه الرئيس فهد.
****************************************************************************
من هو برجوان؟
ذكر المقريزى فى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 90 من 167 ) : " قال ابن ميسر: هذه المنظرة بناها العزيز بالله ولما ولي برجوان الحاكم بأمر الله بعد أمين الدولة بن عمار الكتامي: سكن بمنظر اللؤلؤة في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وثلثمائة إلى أن قتل وفي السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة: أمر الحاكم بأمر الله بهدم اللؤلؤة ونهبها فهدمت ونهبت وبيع ما فيها.
وقال المسبحي: وفي سادس عشري ربيع الآخر يعني سنة اثنتين وأربعمائة: أمر الحاكم بأمر الله بهدم الموضع المعروف: باللؤلؤة على الخليج موازاة المقس وأمر بنهب أنقاضه فنهبت كلها ثم قبض على من وجد عنده شيء من نهب أنقاض اللؤلؤة واعتقلوا.
وقال ابن المأمون: لما وقع الاهتمام بسكن اللؤلؤة والمقام فيها مدة النيل على الحكم الأول يعني قبل وزارة أمير الجيوش بدر وابنه الأفضل أمر بإزالة ما لم تكن العادة جارية به من مضايقها بالبناء ولما بدت زيادة النيل وعول الخليفة الآمر بأحكام الله على السكن باللؤلؤة أمر الأجل الوزير المأمون: بأخذ جماعة الفراشين الموقوفين برسم خدمتها بالمبيت بها على سبيل الحراسةلا على سبيل السكن بها وعندما بلغ النيل: ستة عشر ذراعًا أمر بإخراج الخيم
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الثالث ( 97 من 167 ) : " حارة بَرَجَوَان منسوبة إلى الأستاذ أبي الفتوح برجوان الخادم وكان خصيًّا أبيض تامّ الخلقة رُبّي في دار الخليفة العزيز بالله وولاه أمر القصور.
فلمّا حضرته الوفاة وصّاه على ابنه الأمير أبي عليّ منصور فلمّا مات العزيز بالله أقيم ابنه منصور في الخلافة من بعده وقام بتدبير الدولة أبو محمد الحسن بن عمّار الكتامي فدبّر الأمور وبرجوان يناكده فيما يصدر عنه ويختصّ بطوائف من العسكر دونه إلى أن أفسد أمر ابن عمّار فنظر برجوان في تدبير الأمور يوم الجمعة لثلاث بقين من رمضان سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وصار الواسطة بين الحاكم وبين الناس فأمر بجمع الغلمان ونهاهم عن التعرّض لأحد من الكتاميين والمغاربة ووجّه إلى جار ابن عمّار فمنع الناس عنها بعد أن كانوا قد أحاطوا بها وانتبهوا منها وأمر أن يُجري لأصحاب الرسوم الرواتب جميع ما كان ابن عمّار قطعه وأجرى لابن عمّار ما كان يُجري له في أيام العزيز بالله من الجرايات لنفسه ولأهله وحرمه ومبلغ ذلك من اللحم والتوابل خمسمائة دنيار في كلّ شهر يزيد عن ذلك أو ينقص عنه على قدر الأسعار مع ما كان له من الفاكهة وهو في كلّ يوم سلّة بدينار وعشرة أرطال شمع بدينار ونصف وحمل بلح.
وجعل كاتبه أبا العلاء فهد بن إبراهيم النصراني يوقّع عنه وينظر في قصص الرافعين وظلاماتهم فجلس لذلك في القصر وصار يطالعه بجميع ما يحتاج إليه ورتّب الغلمان في القصر وأمرهم بملازمة الخدمة وتفقّد أحوالهم وأزال علل أولياء الدولة وتفقّد أمور الناس وأزال ضروراتهم ومنع الناس كافة من الترجّل له فكان الناس يلقونه في داره فإذا تكامل لقاؤهم ركبوا بين يديه إلى القصر ما عدا الحسين بن جوهر والقاضي ابن النعمان فقط فإنهما كانا يتقدّمانه من دورهما إلى القصر حتّى أنّه لقّب كاتبه فهدًا بالرئيس فصار يخاطب بذلك ويكاتب به.
وكان برجوان يجلس في دهاليز القصر ويجلس الرئيس فهد بالدهليز الأول يوقّع وينظر ويطالع برجوان ما يحتاج إليه ممّا يطالع به الحاكم فيخرج الأمر بما يكون العمل به.
وترقّت أحوال برجوان إلى أن بلغ النهاية فقصر عن الخدمة وتشاغل بلذّاته وأقبل على سماع الغناء وأكثر من الطرب وكان شديد المحبّة في الغناء فكان المغنّون من الرجال والنساء يحضرون داره فيكون معهم كأحدهم ثمّ يجلس في داره حتّى يمضي صدر النهار ويتكامل جميع أهل الدولة وأرباب الأشغال على بابه فيخرج راكبًا ويمضي إلى القصر فيمشي من الأمور ما يختار بغير مشاورة.
فلما تزايد المر وكثر استبداده تحرّد له الحاكم ونقم عليه أشياء من تجرّئه عليه ومعاملته له بالإذلال وعمد الامتثال ومنها أنّه استدعاه يومًا وهو راكب معه فصار إلهي وقد ثنى رجله على عنق فرسهوصار باطن قدمه وفيه الخفّ قبالة وجه الحاكم ونحو ذلك من سوء الأدب.
فلما كان يوم الخميس سادس عشري شهر ربيع الآخر سنة تسعين وثلاثمائة أنفذ إليه الحاكم عشيّة للركوب معه إلى المقياس فجاء بعدما تباطأ وقد ضاق الوقت فلم يكن بأسرع من خروج عقيق الخادم باكيًا يصيح: قتل مولاي.
وكان هذا الخادم عينًا لبرجوان في القصر فاضطرب الناس وأشرف عليهم الحاكم وقام زيدان صاحب المظّلة فصاح بهم: من كان في الطاعة فلينصرف ويتكامل جميع أهل الدولة وأرباب الأشغال على بابه فيخرج راكبًا ويمضي إلى القصر فيمشي من الأمور ما يختار بغير مشاورة.
فلما تزايد المر وكثر استبداده تحرّد له الحاكم ونقم عليه أشياء من تجرّئه عليه ومعاملته له بالإذلال وعمد الامتثال ومنها أنّه استدعاه يومًا وهو راكب معه فصار إلهي وقد ثنى رجله على عنق فرسه وصار باطن قدمه وفيه الخفّ قبالة وجه الحاكم ونحو ذلك من سوء الأدب.
فلما كان يوم الخميس سادس عشري شهر ربيع الآخر سنة تسعين وثلاثمائة أنفذ إليه الحاكم عشيّة للركوب معه إلى المقياس فجاء بعدما تباطأ وقد ضاق الوقت فلم يكن بأسرع من خروج عقيق الخادم باكيًا يصيح: قتل مولاي.
وكان هذا الخادم عينًا لبرجوان في القصر فاضطرب الناس وأشرف عليهم الحاكم وقام زيدان صاحب المظّلة فصاح بهم: من كان في الطاعة فلينصرف إلى منزله ويكبر إلى القصر المعمور. فانصرف الجميع.
قتل برجوان
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الثالث ( 97 من 167 ) : " فكان من خبر قتل برجوان أنّه لما دخل إلى القصر كان الحاكم في بستان يعرف بدّويرة التين والعنّاب ومعه زيدان فوافاه برجوان بها وهو قائم فسلّم ووقف فسار الحاكم إلى أنخرج من باب الدويرة فوثب زيدان على برجوان وضربه بسكّين كانت معه في عنقه وابتدره قوم كانوا قد أعدّوا للفتك به فأثخنوه جراحة بالخناجر واحتزّوا رأسه ودفنوه هناك.
ثمّ إنَّ الحاكم أحضر إليه الرئيس فهدأ بعد العشاء الأخيرة وقال له: أنت كابني وأمّنه وطمّنه فكانت مدّة نظر برجوان في الوساطة سنتين وثمانية أشهر تنقص يومًا واحدًا ووجد الحاكم في تركته مائة منديل يعني عمامة كلّها شروب ملوّنة معمّمة على مائة شاشية وألف سراويل دبيقية بألف تكّة حرير أرمنيّ ومن الثياب المخيطة والصحاح والحليّ والمصاغ والطيب والفرش والصياغات الذهب والفضّة ما لا يحصى كثرة ومن العين ثلاثة وثلاثين ألف دينار ومن الخيل الركابيّة مائة وخمسين فرسًا وخمسين بغلة ومن بغال النقل ودواب الغلمان نحو ثلثمائة راس ومائة وخمسين سرجًا منها عشرون ذهبًا ومن الكتب شيء كثير. وحمل لجاريته من مصر إلى القاهرة رحل على ثمانين حمارًا.
قطع رأس عطفوان
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الثالث ( 99 من 167 ) : "هذه الحارة ( حارة العطوفية ) تنسب إلى طائفة من طوائف العسكر يقال لها العطوفية وقال ابن عبد الظاهر: العطوفية منسوبة لعطوف أحد خدّام القصر وهو عطوف غلام الطويلة وكان قد خدم ستّ الملك أخت الحاكم قال: وسكنت - يعني الطائفة الجيوشية - بحارة العطوفية بالقاهرة ولله درّ الأديب إبراهيم المعمار إذ يقول مواليًا يشتمل على ذكر حارات بالقاهرة وفيها تورية: في الجودرية رأيت صورة هلالية للباطليّة تميل لا للعطوفية لها من اللؤلؤة ثغرين منشيّة إن حرّكوا وجهها بنت الحسينيّة وكانت العطوفية من أجلّ مساكن القاهرة وفيها من الدور العظيمة والحمامات والأسواق والمساجد ما لايدخل تحت حصر وقد خربت كلّها وبيعت أنقاضها وبيوتها ومنازلها وأضحت أوحش ن وتد عير في قاع.
وعطوف هذا كان خادمًا أسود قتله الحاكم بجماعة من الأتراك وقفوا له في دهليز القصر واحتزّوا رأسه في يوم الأحد لإحدى عشرة خلت من صفر سنة إحدى وأربعمائة قاله المسبِّحي.
قتل القائد حسين
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الثالث ( 99 من 167 ) : " فلما قتلَ الحاكمُ الأستاذَ برجوان كما تقدم خلع على القائد حسين لثلاث عشرة ليلة خلت من جمادى الولى سنة تسعين وثلثمائة ثوبًا أ مر وعمامة زرقاء مذهّبة وقلّده سيفًا محلّى بذهب وحمله على فرس بسرج ولجام من ذهب وقاد بين يديه ثلاثة أفراس بمراكبها وحمل معه خمسين ثوبًا صحاحًا من كلّ نوع وردّ إليه التوقيعات والنظر في أمرو النار وتدبير المملكة كما كان برجوان ولم يطلق عليه اسم وزير فكان يبكّر إلى القصر ومعه خليفته الرئيس أبو العلاء فهد بن إبراهيم النصراني - كاتب برجوان - فينظران في الأمور ثمّ يدخلان وينهيان الحال إلى الخليفة فيكون القائد جالسًا وفهد في خلفه قائمًا.
ومنع القائد الناس أن يلقوه في الطريف أويركبوا إليه في داره وأنّ من كان له حاجة فليبلغه إياها بالقصر ومنع الناسمن مخاطبته في الرقاع بسيدنا وأمر أن لا يخاطب ولا يكاتب إلا بالقائد فقط وتشدّد في ذلك لخوفه من غيرة الحاكم حتّى أنّه رأى جماعة من القوّاد الأتراك قيامًا على الطريق ينتظرونه فأمسك عنان فرسه ووقف وقال لهم: كلّنا عبيد مولانا صلوات الله عليه ومماليكه ولست والله أبرح من موضعي أو تنصرفوا عنّي ولا يلقاني أحد إلا في القصر فانصرفوا وأقام بعد ذلك خادمًا من الصقالبة الطرّادين على الطريق بالنوبة لمنع الناس المجيء إلى داره ومن لقائه إلا في القصر وأمر أبا الفتوح مسعود الصقلبي صاحب الستر أن يوصل الناس بأسرهم إلى الحاكم وأن لا يمنع أحدًا عنه.
فلما كان في سابع عشر جمادى الآخرة قرىء سجل على سائر المنابر بتلقيب القائد حسين بقائد القوّاد وخلع عليه ومازال إلى يوم الجمعة سابع شعبان سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة فاجتمع سائر أهل الدولة في القصر بعدما طلبوا وخرج الأمر إليه أن لا يقام لأحد وخرج خادم من عند الخليفة فأسرّ إلى صاحب الستر كلامًا فصاح: صالح بن عليّ فقام صالح بن عليّ الرودباذي متقلّد ديوان الشام فأخذ صاحب الستر بيده وهو لا يعلم هو ولا أحد ما يراد به فأدخل إلى بيت المال وأخرج وعليه درّعة مصمتة وعمامة مذهّبةً ومعه مسعود فأجلسه بحضرة قائد القوّاد وأخرج سجلًا قرأه ابن عبد السميع الخطيب فإذا فيه ردّ سائر الأمور التي نظر فيها قائد القواد حسين بن جوهر إلي. فعندما سمع من السجل ذكره قام وقبّل الأرض.
فلما انتهت قراءة السجلّ قام قائدج القوّاد وقبّل خدّ صالح وهنأه. وانصرف فكان يركب إلى القصر ويحضر الأسمِطة إلى اليوم الثالث من شوّال أمره الحاكم أن يلزم داره هو وصهره قاضي القضاة عبد العزيز بن النعمان وأن لا يركباهما وسائر أولادهما فلبسا الصوف ومُنع الناس من الاجتماع بهما وصاروا يجلسون على حُصْر.
فلمّا كان في تاسع عشر ذي القعدة عفا عنهما الحاكم وأذن لهما في الركوب فركبا إلى القصر بزيّهما من غير حلق شعر ولا تغيير حال الحزن فلمّا كان في حادي عشر جمادة الآخرة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة قبض على عبد العزيز بن النعمان وطلب القاهرة وأسواقها فأفرج عنه ونودي أن لا يغلق أحد فرّدَّ حسين بعد ثلاثة أيام بابنيه وتمثلوا بحضرة الحاكم فعفا عنهم وأمرهم بالمسير إلى دورهم بعد أن خلع على حسين وعلى صهره عبد العزيز وعلى أولادهما وكُتب لهما أمانان ثمّ أعيد عبد العزيز في شهر رمضان إلى ما كان يتقلّده من النظر في المظالم ثم رَدّ الحاكم في شهر ربيع الأوّل سنة أربعمائة على حسين بن جوهر وأولاده وصهره عبد العديز ما كان لهم من الإقطاعات وقرىء لهم سجل بذلك.
فلما كان ليلة التاسع من ذي القعدة فرّ حسين بأولاده وصهره وميع أموالهم وسلاحهم فسير الحاكم الخيل في طلبهم نحو دجوة فلم يدركهم وأوقع الحوطة على سائر دورهم وجعلت للديوان المفرد وهو ديوان أحدثه الحاكم يتعلّق بما يقبض من أموال من يسخط عليه وحمل سائر ما وجد لهم بعدما ضبط وخرجت العساكر في طلب حسين ومن معه وأشيع أنّه قد صار إلى بني قرّة بالبحيرة فأنفدت إليه الكتب بتأمينه واستدعائه إلى الحضور فأعاد الجواب بأنه لا يخل ما دام أبو نصر ابن عبدون النصرانيّ الملقّب بالكافي ينظر في الوساطة ويوقّع عن الخليفة فإنّي أحسنت إليه أيام نظري فسعى بين إلى المحرّم سنة إحدى وأربعمائة وقدم حسين بن جوهر ومعه عبد العزيز بن النعمان وسائر من خرج معهما فخرج جميع أهل الدولة إلى لقائ وتلقّته الخلع فأُفيضت عليه وعلى أولاده وصهره وقيّد بين أيديهم الدواب فلمّا وصلوا إلى باب القاهرة ترجّلوا ومشرواومشى الناس بأسرهم إلى القصر فصاروا بحضرة الحاكم ثمّ خرجوا وقد عفا عنهم وأذن لحسين أن يكاتّب بقائد القوّاد ويكون اسمه تاليًا للقبه وأني خاطب بذلك.
وانصرف إلى داره فكان يوما عظيمًا وحمل إليه جميع ما قبض له من مال وعقار وغيره وأنعم عليه وواصل الركوب هو وعبد العزيز بن النعمان إلى القصر ثم قبض عليه وعلى عبد العزيز واعتقلا ثلاثة أيام ثمّ حلفا أنّهما لا يغيبان عن الحضرة وأشهدا على أنفسهما بذلك وأفرج عنهما وحلف لهما الحاكم في أمان كتبه لهما.
فلما كان في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعمائة ركب حسين وعبد العزيز على رسمهما إلى القصر فلمّا خر للسلام على الناس قيل للحسين وعبد العزيز وأبي علي أخي الفضل: أجلسوا لأمر تريده الحضرة منكم فجلس الثلاثة وأنصرف الناس فقبض عليهم وقتلوا في وقت واحد وأحيد بأموالهم وضياعهم ودورهم وأخذت الأمانات والسجلات التي كتبت لهم.
واستدعي أولاد عبد العزيز بن النعمان وأولاد حسين بن جوهر ووُعدوا بالجميل وخلع عليهم وجملوا والله يفعل ما يشاء.
أشتداد خوف المصريين من جبروت الخليفة الحاكم بأمر الله
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الثالث ( 100 من 167 ) : " حارة الحسينية عرفت بطائفة من عبيد الشراء يقال لهم الحسينية: قال المسبِّحي في حوادث سنة خمس وتسعين وثلثمائة: وأمر بعمل شُونة ممّا يلي الجبال ملئت بالسنط والبوص والحلفاء فابتدىء بعملها في ذي الحجة سنة اربع وتسعين وثلثمائة إلى شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين فخامر قلوب الناس من ذلك جزع شديد وظن كلّ من يتعلق بخدمة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أنّ هذه الشونة عُملت لهم.
ثمّ قويت الإشاعات وتحدّث العوام في الطرقات أنها للكتّاب وأصحاب الدواوين وأسبابهم فاجتمع سائر الكتّاب وخرجوا بأجمعهم في خامس ربيع الول ومعهم سائر المتصرفين في الدواوين من المسلمين والنصارى إلى الرماحين بالقاهرة ولميزالوا يقبّلون الأرض حتّى وصلوا إلى القصر فوقفوا على بابه يدعون ويتضرّعون ويضجّون ويسألون العفو عنهم ومعهم رقعة قد كتبت عن جميعهم إلى أن دخلوا باب القصر الكبير وسألوا أن يُعفى عنهم ولا يُسمع فيهم قول ساعٍ يسعى بهم وسلّموا رقعتهم إلى قائد القوّاد الحسين بن جوهر فأوصلها إلى أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله فأجيبوا إلى ما سألوا وخرج إليهم قائد القوّاد فأمرهم بالانصراف والبكور لقراءة سجل بالعفو عنهم فانصرفوا بعد العصر وقرىء من الغد سجل كتب منه نسخة للمسلمين ونسخة للنصارى ونسخة لليهود بأمان لهم والعفو عنهم.
وقال: في ربيع الآخر واشتدّ خوف الناس من أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله فكتب ما شاء الله من الأمانات للغلمان الأتراك الخاصّة وزمامهم وأمرائهم من الحمدانية والكجورية والغلمان العرفان والمماليك وصبيان الدار وأصحاب الإقطاعات والمرتزقة والغلمان الحاكميّة القدم على اختلاف اصنافهم وكُتب أمان الجماعة من خدم القصر الموسومين بخدمة الحضرة بعدما تجمّعوا وصاروا إلى تربة للعزيز بالله وضجوا بالبكاء وكشفوا رؤوسهم وكتبت سجلاّت عدّة بأمانات للديلم والجبل والغلمان الشرابية والعلمان الريحانية والغلمان البشارية والغلمان المفرّقة العجم وغيرهم والنقباء والروم المرتزقة وكتبت عدّة أمانات للزويليين والبنادين والطبّالين والبرقيين والعطوفيين وللعرافة الجوانية والجودرية وللمظفرّية وللصنهاجيين ولعبيد الشراء الحسينية وللميمونية وللفرحية وأمان لمؤذني أبواب القصر وأمانات لسائر البيارزة والفهّدين والحجّالين وأمانات أخر لعدّة أقوام كلّ ذلك بعد سؤالهم وتضرّعهم.
وقال: في جمادي الآخرة وخرج أهل الأسواق على طبقاتهم كلّ يلتمس كتب أمان يكون لهم فكتب فوق المائة سجل بأمان لأهل الأسواق على طبقاتهم نسخة واحدة وكان يقرأ جميعها في القصر أبو عليّ أحمد بن عبد السميع العباسيّ وتسلم أهل كل سوق ما كتب لهم وهذه نسخة إحداها.
بعد البسملة: هذا كتاب من عبد الله ووليه المنصور أبي عليّ الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين لأهل مسجد عبد الله أنكم من الآمنين بأمان الله الملك الحق المبين وأمان جدّنا محمد خاتم النبيين وأبينا علي خير الوصيين وآبائنا الذريّة النبويّة المهديين صلى الله على الرسول ووصيه وعليهم أجمعين وأمان أمير المؤمنين على النفس والحال والدم والمال لاخوف عليكم ولا تمتدّ يد بسوء إليكم إلاّ في حدّ يقام بواجبه وحق يُؤخذ بمستوجبه فليوثق بذلك وليعول عليه إن شاء الله تعالى.
وكتب في جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة والحمد لله وصلى الله على محمد سيد المرسلين وعلى خير الوصيين وعلى الأئمة المهديين ذرية النبوّة وسلم تسليمًا كثيرًا.
***************************************************************************
المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الرابع ( 144 من 167 ) : " جامع المقس هذا الجامع أنشأه الحاكم بأمر الله على شاطئ النيل بالمقس في لآن المقس كان خطة كبيرة وهي بلد قديم من قبل الفتح كما تقدم ذكر ذلك في هذا الكتاب.
وقال في الكتاب الذي تضمن وقف الحاكم بأمر الله الأماكن بمصر على الجوامع كما ذكر في خبر الجامع الأزهر ما نصه: ويكون جميع ما بقي مما تصدق به على هذه المواضع يصرف في جميع ما يحتاج إليه في جامع المقس المذكور من عمارته ومن تمن الحصر العبدانية والمظفورة وثمن العود للبخور وغيره على ما شرح من الوظائف في الذي تقدم وكان لهذا الجامع نخل كثير في الدولة الفاطمية ويركب الخليفة إلى منظرة كانت بجانبه عند عرض الأسطول فيجلس بها لمشاهدة ذلك كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب عند ذكر المناظر وفي سنة سبع وثمانين وخمسمائة انشقت زريبة من هذا الجامع السقوط فأمر بعمارتها.
ولما بنى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب هذا السور الذي على القاهرة وأراد أن يوصله بسور مصر من خارج باب البحر إلى الكوم الأحمر حيث منشأه المهراني اليوم وكان المتولي لعمارة ذلك الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي أنشأ بجوار جامع المقس برجًا كبيرًا عرف بقلعة المقس في مكان المنظرة التي كانت للخلفاء فلما كان في سنة سبعين وسبعمائة جدد بناء هذا الجامع الوزير الصاحب شمس الدين عبد الله المقسي وهدم القلعة وجعل مكانها جنينة واتهمه الناس بأنه وجد هنالك مالًا كثيرًا وأنه عمر منه الجامع المذكور فصار العامة اليوم يقولون جامع المقسي ويظن من لاعلم عنده أن هذا الجامع من إنشائه وليس كذلك بل إنما جدده وبيضه وقد انحسر ماء النيل عن تجاه هذا الجامع كما ذكر في خبر بولاق في غاية العمارة وقد تلاشت المساكن التي هناك وبها إلى اليوم بقية يسيرة ونظر هذا الجامع اليوم بيد أولاد الوزير المقسي فإنه جدده وجعل عليه أوقافًا لمدرس وخطيب وقومة ومؤذنين وغير ذلك. .
*********************************************