علم الشيعة الأخضر الفاطمى

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

الخليفـة الحاكم بأمر الله الفاطمى على مصر - 147

+إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك فاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
الخليفة الحاكم بأمر الله
المؤرخ المقريزى الحاكم
الجامع الأقمر

الخليفـة رقم 3 فى سلسلة عائلة الخلفاء الفاطميين الحاكم بأمر الله الفاطمى  - وهو الخليفة 147 فى سلسلة الخلفاء الذين حكموا مصر

هل إعتنق الخليفة الحاكم بامر اللة  المسيحية ؟؟؟
الحاكم بامر الله الفاطمي, هو ابن العزيز من زوجته المسيحية
فى عام 1008 شدد الحاكم بأمر الله القيود على زي الأقباط, ومنع أثريائهم من أقتناء العبيد او استخدام المسلمين. كذلك أمر بهدم عدد من الكنائس بالقاهرة, كما أمر بهدم كنيسة القيامة بالقدس وامر ان يصير سقفها ارضا وطولها عرضا

وفى عام 1011 أصدر الحاكم بأمر الله أمراً بأن يعلق الأقباط حول عنقهم صليباً وزنه خمسة أرطال, ونفذ هذا الأمر على العامة كما على الموظفين الأقباط دون أستثناء
عام 1013 اصدر أمراً بهدم وسلب الكنائس والأديرة الموجودة في الديار المصرية بلا إستثناء ويقال أن عدد الكنائس والأدير التي هدمت في مصر والشام بلغ ثلاثين ألف كنيسة ودير

كانت المفاجئة عام 1018 عندما بدأ من جديد في أظهار التسامح نحو الأقباط, منحهم حق إعادة إعمار الكنائس والأديرة والعودة إلى إقامة الصلوات بها
كذلك رد أوقاف الكنائس والأديرة والسماح لبعض المرتدين عن المسيحية بالعودة إليها, كذلك في العام نفسه 1018 حرر أمراً بإعادة بناء كنيسة القيامة من جديد
كذلك يذكر سعيد الأنطاكي المؤرخ صداقة الحاكم بأمر الله مع الأنبا صلمون أسقف دير سانت كاترين ودير القصير الملكاني
كذلك أرتداء الحاكم بامر اللة ملابس الرهبان في قصره وفي تحركاته
بل يذكر ذات المؤرخ أن الحاكم صرف من ماله على إعمار دير القصير وكان يشرف على العمل بنفسه.
أما عن أختفاء الحاكم فيظل أختفاء وموت الحاكم بأمر الله سراً يحيط به الغموض, فقد أختفى نهائياً أثناء أحدى جولاته ولم يعد. ينسب البعض أختفائه كنتيجة لإغتياله في مؤامرة من تدبير أخته ست الملك
في حين يرى البعض أنه هو مدبر أختفائه بدليل تركه لوالدته أموال, كذلك منعه لخدامه أن يتبعوه في تلك الجولة
 

***************************************************************************************

 الجزء التالى من مرجع عن الخلفاء الذين حكموا مصر وهى تحت إستعمار الأسرة الفاطمية الشيعية الإسلامية - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

******************************************************************************************************************************************** 

الخليفة الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمى على مصر

 ولاية الحاكم بأمر الله هو أبو علي منصور الحاكم بأمر الله بن العزيز بالله نزار بن المعز بالله معد بن المنصور بالله إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدي عبيد الله العبيدي الفاطمي المغربي الأصل المصري المولد والدار والمنشأ الثالث من خلفاء مصر من بني عبيد والسادس منهم ممن ولي من أجداد بالمغرب وهم‏:‏ المهدي والقائم والمنصور المقدم ذكرهم‏.‏
مولده يوم الخميس لأربع ليال بقين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلاثمائة بالقاهرة وقيل‏:‏ في الثالث والعشرين منه‏.‏
وولاه أبوه العزيز عهد الخلافة في شعبان سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وبويع بالخلافة يوم مات أبوه يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة فولي الخلافة وله إحدى عشرة سنة ونصف وقيل‏:‏ عشر سنين ونصف وستة أيام وقيل غير ذلك‏.‏

غـــرابة أعمال الخليفة الحاكم بأمر الله
قال العلامة أبو المظفر بن قزأوغلي في تاريخه‏:‏ وكانت خلافته متضادة بين شجاعة وإقدام وجبن وإحجام ومحبةٍ للعلم وانتقام من العلماء وميل إلى الصلاح وقتل الصلحاء‏.‏
وكان الغالب عليه السخاء وربما بخل بما لم يبخل به أحد قط‏.‏
وأقام يلبس الصوف سبع سنين وامتنع من دخول الحمام وأقام سنين يجلس في الشمع ليلًا ونهارًا ثم عن له أن يجلس في الظلمة فجلس فيها مدة‏.‏
وقتل من العلماء والكتاب والأماثل ما لا يحصى

وكتب على المساجد والجوامع سب أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة ثم محاه في سنة سبع وتسعين

وأمر بقتل الكلاب

وحرم بيع الفقاع وعمله ثم نهى عنه

ورفع المكوس عن البلاد وعما يباع فيها

ونهى عن النجوم وكان ينظر فيها ونفى المنجمين وكان يرصدها ويخدم زحل وطالعه المريخ ولهذا كان يسفك الدماء‏.‏
وبنى جامع القاهرة وجامع راشدة على النيل بمصر ومساجد كثيرة ونقل إليها المصاحف المفضضة والستور الحرير وقناديل الذهب والفضة ومنع من صلاة التراويح عشر سنين ثم أباحها

وقطع الكروم ومنع من بيع العنب ولم يبق في ولايته كرمًا

وأراق خمسة آلاف جرة من عسل في البحر خوفًا من أن تعمل نبيذًا

ومنع النساء من الخروج من بيوتهن ليلًا ونهارًا

وجعل لأهل الذمة علامات يعرفون بها وألبس اليهود العمائم السود

وأمر ألا يركبوا مع المسلمين في سفينة وألا يستخدموا غلامًا مسلمًا ولا يركبوا حمار مسلم

ولا يدخلوا مع المسلمين حمامًا وجعل لهم حمامات على حدة

ولم يبق في ولايته ديرًا ولا كنيسة إلا هدمها

ونهى عن تقبيل الأرض بين يديه والصلاة عليه في الخطب والمكاتبات وجعل مكان الصلاة عليه‏:‏ السلام على أمير المؤمنين ثم رجع عن ذلك

وأسلم خلق من أهل الذمة خوفًا منه ثم ارتدوا وأعاد الكنائس إلى حالها‏.‏
انتهى كلام أبي المظفر‏.‏

قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في تاريخه ‏:‏

كان جوادًا سمحًا خبيثًا ماكرًا رديء الاعتقاد سفاكًا للدماء قتل عددًا كبيرًا من كبراء دولته صبرًا

وكان عجيب السيرة يخترع كل وقت أمورًا وأحكامًا يحمل الرعية عليها

فأمر بكتب سب الصحابة على أبواب المساجد والشوارع وأمر العمال بالسب في الأقطار في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة

وأمر بقتل الكلاب في مملكته

وبطل الفقاع والملوخيا ونهى عن السمك وظفر بمن باع ذلك فقتلهم

ونهى في سنة اثنتين وأربعمائة عن بيع الرطب ثم جمع منه شيئًا عظيمًا فأحرق الكل

ومنع من بيع العنب وأباد كثيرًا من الكروم

وأمر النصارى بأن تعمل في أعناقهم الصلبان وأن يكون طول الصليب ذراعًا وزنته خمسة أرطال بالمصري وأمر اليهود أن يحملوا في أعناقهم قرامي الخشب في زنة الصلبان أيضًا وأن يلبسوا العمائم السود

ولا يكتروا من مسلم بهيمة وأن يدخلوا الحمام بالصلبان ثم أفرد لهم حمامات‏.‏
وفي العام أمر بهدم الكنيسة المعروفة بالقمامة‏.‏

ولما أرسل إليه ابن باديس ينكر عليه أفعاله أراد استمالته فأظهر التفقه وحمل في كمه الدفاتر وطلب إليه فقيهين وأمرهما بتدريس مذهب مالك في الجامع ثم بدا له فقتلهما صبرًا

وأذن للنصارى الذين أكرههم إلى الإسلام في الرجوع إلى الشرك‏.‏

وفي سنة أربع وأربعمائة منع النساء من الخروج في الطريق ومنع من عمل الخفاف لهن فلم يزلن ممنوعات سبع سنين وسبعة أشهر حتى مات‏.‏
ثم إنه بعد مدة أمر ببناء ما كان أمر بهدمه من الكنائس‏.‏
وكان أبوه العزيز قد ابتدأ ببناء جامعه الكبير بالقاهرة يعني الذي هو داخل باب النصر فتممه هو‏.‏
وكان على بنائه ونظره الحافظ عبد الغني بن سعيد‏.‏
وكان الحاكم يفعل الشيء ثم ينقضه‏.‏
وخرج عليه أبو ركوة الوليد بن هشام العثماني الأموي الأندلسي بنواحي برقة فمال إليه خلق عظيم فجهز الحاكم لحربه جيشًا فانتصر عليهم أبو ركوة وملك ثم تكاثروا عليه وأسروه ويقال‏:‏ إنه قتل من أصحابه مقدار سبعين ألفًا‏.‏
وحمل أبو ركوة إلى الحاكم فذبحه في سنة سبع وتسعين‏.‏
انتهى كلام الذهبي باختصار‏.‏

قلت‏:‏ ونذكر واقعته مع عساكر الحاكم وكيف ظفر به الحاكم وقتله مفصلًا في سنة سبع وتسعين المذكورة في الحوادث بأوسع من هذا إن شاء الله تعالى لأن قصته غريبة فتنظر هناك‏.‏
وقال ابن خلكان‏:‏ وكان أبو الحسن علي المعروف بابن يونس المنجم قد صنع له الزيج المعروف بالحاكمي وهو زيج كبير مبسوط‏.‏
قال‏:‏ نقلت من خط الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي رحمه الله تعالى أن الحاكم المذكور كان جالسًا في مجلسه العام وهو حفل بأعيان دولته فقرأ بعض الحاضرين‏:‏ ‏"‏ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا ‏"‏ والقارىء في أثناء ذلك كله يشير إلى الحاكم‏.‏
فلما فرغ من القراءة قرأ شخص يعرف بابن المشجر والمشجر بضم الميم وفتح الشين المعجمة والجيم المشددة وبعدها راء مهملة وكان ابن المشجر رجلًا صالحًا فقرأ‏:‏ ‏"‏ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ‏"‏‏.‏
فلما انتهت قراءته تغير وجه الحاكم ثم أمر لابن المشجر المذكور بمائة دينار ولم يطلق للآخر شيئًا‏.‏
ثم إن بعض أصحاب ابن المشجر قال له‏:‏ أنت تعرف خلق الحاكم وكثرة استحالاته وما تأمن أن يحقد عليك وأنه لا يؤاخذك في هذا الوقت ثم يؤاخذك بعدها فالمصلحة عندي أن تغيب عنه‏.‏
فتجهز ابن المشجر إلى الحج وركب في البحر وغرق‏.‏
فرآه صاحبه في النوم فسأله عن حاله فقال‏:‏ ما قصر الربان معنا أرسى بنا على باب الجنة‏.‏
انتهى كلام ابن خلكان رحمه الله‏.‏
وقال ابن الصابىء‏:‏ كان الحاكم يواصل الركوب ليلًا ونهارًا ويتصدى له الناس على طبقاتهم فيقف عليهم ويسمع منهم فمن أراد قضاء حاجته قضاها في وقته ومن منعة سقطت المراجعة في أمره‏.‏
وكان المصريون موتورين منه فكانوا يدسون إليه الرقاع المختومة بالدعاء عليه والسب له ولأسلافه والوقوع فيه وفي حرمه حتى انتهى فعلهم إلى أن عملوا تمثال امرأة من قراطيس بخف وإزار ونصبوها في بعض الطرق وتركوا في يدها رقعة كأنها ظلامة فتقدم الحاكم وأخذها من يدها‏.‏
فلما فتحها رأى في أولها ما استعظمه فقال‏:‏ انظروا هذه المرأة من هي فقيل له‏:‏ إنها معمولة من قراطيس فعلم أنهم قد سخروا منه وكان في الرقعة كل قبيح‏.‏
فعاد من وقته إلى القاهرة ونزل في قصره واستدعى القواد والعرفاء وأمرهم بالمسير إلى مصر وضربها بالنار ونهبها وقتل من ظفروا به من أهلها فتوجه إليها العبيد والروم والمغاربة وجميع العساكبض عليه وحمل إلى تنيس‏.‏


 السنة الأولى من ولاية الحاكم منصور
وهي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة‏:‏ فيها استولى الحاكم صاحب الترجمة خليفة مصر على السواحل والشامات‏.‏
وفيها توفي السلطان فخر الدولة أبو الحسن علي ابن السلطان ركن الدولة الحسن بن بويه بن فناخسرو الديلمي مات بالري وكان ابن أخيه بهاء الدولة بواسط فجلس للعزاء وجلس ابنه أبو منصور ببغداد‏.‏
وقيل‏:‏ إن فخر الدولة سم وسم ولداه من بعده فمات الكل في هذه السنة فملك أبو الحسين قابوس بن وشمكير من بعده طبرستان وجرجان فإنهما كانا في مملكته وأخذهما منه مؤيد الدولة أخو فخر الدولة هذا المقدم ذكره‏.‏
وكان فخر الدولة شجاعًا لقبه الخليفة الطائع بملك الأمة أو بفلك الأمة‏.‏
وكانت وفاته في عاشر شعبان وله ست وأربعون سنة وخمسة أيام‏.‏
وكانت مدة ملكه ثلاث عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يومًا‏.‏  وخلف مالًا كثيرًا‏.‏
وقال ابن الصابىء بعد ما عدد ما خلفه من المتاع وغيره قال‏:‏ وخلف ألفي ألف وثمانمائة ألف وخمسة وسبعين ألفًا ومائتين وأربعة وثمانين دينارًا ومن الورق والنقرة والفضة مائة ألف ألف وثمانمائة ألف وستين ألفًا وسبعمائة وتسعين درهمًا ومن الجواهر واليواقيت الحمر والصفر والحلي واللؤلؤ والبلخش والماس وغيره أربعة عشر ألفًا وخمسمائة وعشرين قطعة قيمتها ثلاثة آلاف ألف دينار ومن أواني الذهب ما وزنه ثلاثة آلاف ألف دينار ومن البلور والصيني ونحوه ثلاثة آلاف ومن السلاح والثياب والفرش ثلاثة آلاف حمل‏.‏
وقيل‏:‏ إنه خلف من الخيل والبغال والجمال ثلاثين ألف رأس ومن الغلمان والمماليك خمسة آلاف ومن السراري خمسمائة ومن الخيام عشرة آلاف خيمة‏.‏  وكان شحيحًا‏.‏  كانت مفاتيح خزائنه في الكيس الحديد مسمرًا بالمسامير لا يفارقه‏.‏
وملك بعده ابنه أبو طالب رستم وعمره أربع سنين‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وإصبع واحدة‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وسبع أصابع‏.‏
السنة الثانية من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ثمانٍ وثمانين وثلاثمائة‏:‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وسبع أصابع‏.‏
السنة الثالثة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة تسع وثمانين وثلاثمائة‏:‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏
السنة الرابعة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة تسعين وثلاثمائة‏:‏ فيها ظهر بسجستان معدن الذهب فكانوا يصفون من التراب الذهب الأحمر‏.‏
وفيها ولى الحاكم صاحب مصر على نيابة الشام فحل بن تميم فمرض ومات بعد أشهر فولى
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإصبعان‏.‏
السنة الخامسة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة‏:‏ فيها جلس الخليفة القادر بأبهة الخلافة ودخل عليه الحجاج بعد عودهم من الحج والقضاة والأشراف فأعلمهم أنه قد جعل الأمر في ولده أبي الفضل ولقبه الغالب بأمر الله وعمره ثماني سنين وأربعة أشهر وأيام‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وإصبعان‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏
السنة السادسة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة‏:‏ فيها في المحرم غزا السلطان محمود بن سبكتكين الهند فالتقاه صاحبها الملك جيبال ومعه ثلاثمائة فيل فنصر الله ابن سبكتكين وقتل من الكفار خمسة آلاف ومن الفيلة خمسة عشر فيلًا‏.‏
وفيها ولى الحاكم على دمشق أبا منصور ختكين القائد فظلم وأساء السيرة‏.‏
 أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وسبع أصابع‏.‏  مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وعشر أصابع‏.‏
السنة السابعة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة‏:‏
وفيها توفي أمير المؤمنين الطائع لله أبو بكر عبد الكريم ابن الخليفة المطيع لله الفضل ابن الخليفة المقتدر بالله جعفر ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد الهاشمي العباسي البغدادي‏.‏  وأمه أم ولد‏.‏
ولي الخلافة بعد أن خلع والده المطيع نفسه لمرض تمادى به في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة فدام في الخلافة إلى أن خلع بعد القبض عليه في شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وبويع القادر بالله بالخلافة‏.‏
واستمر الطائع محبوسًا في دار عند القادر مكرمًا إلى أن مات في هذه السنة في ليلة عيد الفطر وصلى عليه القادر وكبر عليه خمسًا‏.‏
ومات الطائع وله ثلاث وسبعون سنة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وخمس عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الثامنة من ولاية الحاكم منصور فيها قلد بهاء الدولة الشريف أبا أحمد الحسين بن موسى الموسوي قضاء القضاة والحج والمظالم ونقابة الطالبيين ولقبه الطاهر الأوحد ذا المناقب فلم ينظر في القضاء لامتناع الخليفة القادر بالله من الإذن له في ذلك‏.‏
كان بهاء الدولة قد فوض إليه أموره وقام بتدبير ملكه‏.‏  وكان شجاعًا مقدامًا لا يتوجه في أمر إلا وينصر‏.‏
وارتفع أمره حتى قال رجل لبهاء الدولة‏:‏ يا مولانا زينك الله في عين الموفق‏.‏  ولازال الناس به حتى قبض عليه بهاء الدولة وخنقه‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع سواء‏.‏  مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وخمس عشرة إصبعًا‏.‏
السنة التاسعة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة‏.‏
وفيها قتل الحاكم صاحب مصر جماعة بمصر من أعيانها صبرًا‏.‏
وفيها كانت وقعة بين بهاء الدولة بن بويه وبين عميد الجيوش انكسر فيها عميد الجيوش وانهزم وفيها خرج أبو ركوة على الحاكم وتعاظم أمره حتى عزم الحاكم على الخروج إلى الشام وبرز إلى بلبيس بالعساكر والأموال فأشير عليه بالعود إلى مصر فعاد وجهز إليه جيشًا فواقعوه غير مرة حتى هزموه حسب ما ذكرناه في أصل ترجمة الحاكم من هذا المحل ونذكره أيضًا في السنة الآتية‏.

ابى ركوة يهاجم مصر

‏السنة العاشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ست وتسعين وثلاثمائة‏:‏
أمر النيل في هذه السنة‏: الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وست عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الحادية عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة سبع وتسعين وثلاثمائة‏:‏ فيها دخل بهاء الدولة البصرة وملكها واستولى على ذخائر ابن واصل‏.‏
وفيها استفحل أمر أبي ركوة الذي خرج على الحاكم وذكرنا أمره في الماضية ودعا لعمه هشام الأموي‏.‏
وأبو ركوة المذكور اسمه الوليد وهو من ذرية هشام بن عبد الملك بن مروان وعظم أمره وانضم عليه الخلائق واستولى على برقة وغيرها وكسر عسكر الحاكم وضرب السكة وصعد المنبر وخطب خطبة بليغة ولعن الحاكم وآباءه وصلى بالناس وعاد إلى دار الإمارة وقد استولى على جميع ما كان فيها‏.‏
وعرف الحاكم بما جرى فانزعج وكف عن القتل وانقطع عن الركوب الذي كان يواصله ثم جهز الحاكم إلى حرب أبي ركوة قائدًا من الأتراك يقال له ينال الطويل وأرسل معه خمسة آلاف فارس وكان معظم جيش ينال من كتامة وكانت مستوحشة من ينال فإنه قتل كبار كتامة بأمر الحاكم فتوجه ينال وواقع أبا ركوة فهزمه أبو ركوة وأخذه أسيرًا وقال له‏:‏ العن الحاكم فبصق في وجه أبي ركوة فأمر أبو ركوة به فقطع إربًا إربًا‏.‏
وأخذ أبو ركوة واشتد الأمر على الحاكم أكثر وأكثر بكسر ينال وبعث إلى الشام واستدعى الغلمان الحمدانية والقبائل وأنفق عليهم الأموال وجهزهم وجعل عليهم الفضل بن عبد الله فطرقهم أبو ركوة وكسرهم وساق خلفهم حتى نزل عند الهرمين بالجيزة وغلق الحاكم أبواب القاهرة ثم عاد أبو ركوة إلى عسكره‏.‏
فندب الحاكم العساكر ثانيًا فسار بهم الفضل في جيوش كثيرة والتقى مع أبي ركوة فهزمه وقتل من عسكره نحو ثلاثين ألفًا‏.‏
ثم ظفر الفضل بأبي ركوة وسار به مكرمًا إلى الحاكم‏.‏
وسبب إكرامه له خوفه عليه من أن يقتل نفسه وقصد الفضل أن يأتي به الحاكم حيًا‏.‏
فأمر الحاكم أن يشهر أبو ركوة على جمل ويطاف به‏.‏
وكانت القاهرة قد زينت أحسن زينة وكان بها شيخ يقال له الأبزاري إذا خرج خارجي صنع له طرطورًا وعمل فيه ألوان الخرق المصبوغة وأخذ قردًا ويجعل في يده درة ويعلمه أن يضرب بها الخارجي من ورائه ويعطى مائة دينار وعشر قطع قماش‏.‏
فلما قطع أبو ركوة الجيزة أمر به الحاكم فأركب جملًا بسنامين وألبس الطرطور وأركب الأبزاري خلفه والقرد بيده الدرة وهو يضربه والعساكر حوله وبين يديه خمسة عشر فيلًا مزينة ودخل القاهرة على هذا الوصف ورؤوس أصحابه بين يديه على الخشب والقصب وجلس الحاكم في منظرة على باب الذهب والترك والديلم عليهم السلاح وبأيديهم اللتوت وتحتهم الخيول بالتجافيف حول أبي ركوة وكان يومًا عظيمًا وأمر به الحاكم أن يخرج إلى ظاهر القاهرة ويضرب عنقه على تل بإزاء مسجد ريدان خارج القاهرة‏.‏
فلما حمل إلى هناك أنزل فإذا به ميت فقطع رأسه وحمل به إلى الحاكم فأمر بصلب جسده‏.‏
وارتفعت منزلة الفضل عند الحاكم بحيث إنه مرض فعاده مرتين أو ثلاثًا وأقطعه إقطاعات كثيرة ثم عوفي من مرضه وبعد أيام قبض عليه الحاكم وقتله شر قتلة‏.‏
وفيها كسا الحاكم الكعبة القباطي البيض وبعث مالًا لأهل الحرمين‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع‏.‏ 
مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏

 السنة الثانية عشرة من ولاية الحاكم منصور  وهي سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة‏:‏
وفيها هدم الحاكم بيعة قمامة التي ببيت المقدس وغيرها من الكنائس بمصر والشام وألزم أهل الذمة بما ذكرناه في ترجمة الحاكم‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏  مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعًا وتسع أصابع‏.‏

السنة الثالثة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة‏:‏
كان لؤلؤ شجاعًا مقدامًا‏.‏
ولما مات لؤلؤ تولى الملك بعده ابنه مرتضى الدولة وهرب بعد ذلك إلى الروم‏.‏
وفيها توفي هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس ولقبه المؤيد وهو من ذرية مروان بن الحكم الأموي وهو عم أبي ركوة الذي كان خرج على الحاكم المقدم ذكره وباسمه كان يخطب أبو ركوة المذكور‏.‏
ولي هشام هذا الملك وله تسع سنين وأقام واليًا على

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وست عشرة إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الرابعة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة أربعمائة‏:‏

فيها أرجف بموت الخليفة القادر فجلس للناس بعد صلاة الجمعة ودخل عليه القضاة والأشراف وعليه أبهة الخلافة وقبل أبو حامد الأسفرايني يده‏.‏
وفيها أرسل الحاكم إلى المدينة إلى دار جعفر الصادق من فتحها وأخذ منها ما كان فيها وكان فيها مصحف وسرير وآلات وكان الذي فتحها ختكين العضدي الداعي وحمل معه رسوم الأشراف وعاد إلى مصر بما وجد في الدار وخرج معه من شيوخ العلويين جماعة فلما وصلوا إلى الحاكم أطلق لهم نفقات قليلة ورد عليهم السرير وأخذ الباقي وقال‏:‏ أنا أحق به فانصرفوا داعين عليه‏.‏

الحاكم بأمر الله والآذان الشيعى  الذى ما زال يعمل به فى مصر حتى الان
وشاع فعله في الأمور التي خرق العادات فيها ودعي عليه في أعقاب الصلوات وظوهر بذلك فأشفق فخاف وأمر بعمارة دار العلم وفرشها ونقل إليها الكتب العظيمة وأسكنها من شيوخ السنة شيخين يعرف أحدهما بأبي بكر الأنطاكي وخلع عليهما وقربهما ورسم لهما بحضور مجلسه وملازمته وجمع الفقهاء والمحدثين إليها وأمر أن يقرأ بها فضائل الصحابة ورفع عنهم الاعتراض في ذلك وأطلق صلاة التراويح والضحى وغير الأذان وجعل مكان ‏"‏ حي على خير العمل ‏"‏ ‏"‏ الصلاة خير من النوم ‏"‏

وركب بنفسه إلى جامع عمرو بن العاص وصلى فيه الضحى وأظهر الميل إلى مذهب الإمام مالك والقول به ووضع للجامع تنورًا من فضة يوقد فيه ألف ومائتا فتيلة واثنين آخرين من دونه وزفهم بالدبادب والبوقات والتهليل والتكبير ونصبهم ليلة النصف من شعبان وحضر أول يوم من رمضان إلى الجامع الذي بالقاهرة وحمل إليه الفرش الكثيرة وقناديل الذهب والفضة فكثر الدعاء له‏.‏
ولبس الصوف في هذه السنة يوم الجمعة عاشر شهر رمضان وركب الحمار وأظهر النسك وملأ كفه دفاتر وخطب بالناس يوم الجمعة وصلى بهم ومنع من أن يخاطب يا مولانا ومن تقبيل الأرض بين يديه وأقام الرواتب لمن يأوي المساجد من الفقراء والقراء والغرباء وأبناء السبيل وأجرى لهم الأرزاق وصاغ محرابًا عظيمًا من فضة وعشرة قناديل ورصع المحراب بالجوهر ونصبه بالمسجد الجامع‏.‏
وأقام على ذلك ثلاث سنين يحمل الطيب والبخور والشموع إلى الجوامع وفعل ما لم يفعله أحد‏.‏
ثم بدا له بعد ذلك فقتل الفقيه أبا بكر الأنطاكي والشيخ الآخر وخلقًا كثيرًا أخر من أهل السنة لا لأمر يقتضي ذلك وفعل ذلك كله في يوم واحد‏.‏
وأغلق دار العلم ومنع من جميع ما كان فعله وعاد إلى ما كان عليه أولًا من قتل العلماء والفقهاء وأزيد ودام على ذلك حتى مات قتيلًا حسب ما ذكرناه‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع سواء‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏
السنة الخامسة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة إحدى وأربعمائة‏:‏ فيها خطب أبو المنيع قرواش بن المقلد الملقب بمعتمد الدولة للحاكم صاحب مصر بالموصل‏.‏
وكان الحاكم قد استماله فجمع معتمد الدولة أهل الموصل وأظهر طاعة الحاكم فأجابوه وفي القلوب ما فيها فأحضر الخطيب يوم الجمعة رابع المحرم وخلع عليه قباء دبيقيًا وعمامة صفراء وسراويل ديباج أحمر وخفين أحمرين وقلده سيفًا وأعطاه نسخة ما يخطب به وأولها‏:‏ ‏"‏ الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد‏.‏
الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغضب وانهدت بقدرته أركان النصب وأطلع بقدره شمس الحق من الغرب الذي محا بعدله جور الظلمة وقصم بقوته ظهر الغشمة فعاد الأمر إلى نصابه والحق إلى أربابه البائن بذاته المنفرد بصفاته الظاهر بآياته المتوحد بدلالاته لم تفنه الأوقات فتسبقه الأزمنة ولم يشبه الصور فتحويه الأمكنة ولم تره العيون فتصفه الألسنة سبق كل موجود وجوده وفات كل جود جوده واستقر في كل عقل توحيده وقام في كل مرأىً شهيده‏.‏
أحمده كما يجب على أوليائه الشاكرين تحميده وأستعينه على القيام بما يشاء ويريده وأشهد له بما شهد أصفياؤه وشهوده‏.‏
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يشوبها دنس الشرك ولا يعتريها وهم الشك خالصة من الإدهان قائمة بالطاعة والإذعان‏.‏
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم اصطفاه واختاره لهداية الخلق وإقامة الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة وهدى من الضلالة والناس حينئذ عن الهدى غافلون وعن سبيل الحق ضالون فأنقذهم من عبادة الأوثان وأمرهم بطاعة الرحمن حتى قامت حجج الله وآياته وتمت بالتبليغ كلماته صلى الله عليه وعلى أول مستجيب إليه علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين أساس الفضل والرحمة وعماد العلم والحكمة وأصل الشجرة الكرام البررة النابتة في الأرومة المقدسة المطهرة وعلى خلفائه الأغصان البواسق من تلك الشجرة وعلى ما خلص منها وزكا من الثمرة‏.‏
أيها الناس اتقوا الله حق تقاته وارغبوا في ثوابه واحذروا من عقابه فقد تسمعون ما يتلى عليكم من كتابه قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ يوم ندعو كل أناس بإمامهم ‏"‏‏.‏
فالحذر ثم الحذر فكأني وقد أفضت بكم الدنيا إلى الآخرة وقد بان أشراطها ولاح سراطها ومناقشة حسابها والعرض على كتابها ‏"‏ فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرًا يره ‏"‏‏.‏
اركبوا سفينة نجاتكم قبل أن تغرقوا ‏"‏ واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا ‏"‏ وأنيبوا إليه خير الإنابة وأجيبوا داعي الله على باب الإجابة قبل ‏"‏ أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ‏"‏ إلى قوله‏:‏ ‏"‏ فأكون من المحسنين ‏"‏‏.‏
تيقظوا من الغفلة والفترة قبل الندامة والحسرة وتمني الكر والتماس الخلاص ولات حين مناص وأطيعوا إمامكم ترشدوا وتمسكوا بولاة العهود تهتدوا فقد نصب الله لكم علمًا لتهتدوا به وسبيلًا لتقتدوا به جعلنا الله وإياكم ممن تبع مراده وجعل الإيمان زاده وألهمه تقواه ورشاده أستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المؤمنين‏.‏
ثم جلس وقام وقال‏:‏ ‏"‏ الحمد لله ذي الجلال والإكرام وخالق الأنام ومقدر الأقسام المنفرد بحقيقة البقاء والدوام فالق الإصباح وخالق الأشباح وفاطر الأرواح أحمده أولًا وآخرًا وأشكره باطنًا وظاهرًا وأستعين به إلهًا قادرًا و أستنصره وليًا ناصرًا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله شهادة من أقر بوحدانيته إيمانًا واعترف بربوبيته إيقانًا وعلم برهان ما يدعو إليه وعرف حقيقة الدلالة عليه‏.‏
اللهم وصل على وليك الأزهر وصديقك الأكبر علي بن أبي طالب أبي الخلفاء الراشدين المهديين‏.‏
اللهم وصل على السبطين الطاهرين الحسن والحسين وعلى الأئمة الأبرار والصفوة الأخيار من أقام منهم وظفر ومن خاف فاستتر‏.‏
اللهم وصل على الإمام المهدي بك والذي بلغ بأمرك وأظهر حجتك ونهض بالعدل في بلادك هاديًا لعبادك‏.‏
اللهم وصل على القائم بأمرك والمنصور بنصرك اللذين بذلا نفوسهما في رضائك وجاهدًا أعداءك‏.‏
اللهم وصل على المعز لدينك المجاهد في سبيلك المظهر للآيات الخفية والحجج الجلية‏.‏
اللهم وصل على العزيز بك الذي مهدت به البلاد وهديت به العباد‏.‏
اللهم واجعل نوامي صلواتك وزواكي بركاتك على سيدنا ومولانا إمام الزمان وحصن الإيمان وصاحب الدعوة العلوية و الملة النبوية عبدك ووليك المنصور أبي علي الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين كما صليت على آبائه الراشدين وأكرمت أجداده المهديين‏.‏
اللهم وفقنا لطاعته واجمعنا على كلمته ودعوته واحشرنا في حزبه وزمرته‏.‏
اللهم وأعنه على ما وليته واحفظه فيما استرعيته وبارك له فيما آتيته وانصر جيوشه وأعل أعلامه في مشارق الأرض ومغاربها إنك على كل شيء قدير‏.‏
فلما سمع الخليفة القادر ذلك أزعجه وأرسل عميد الجيوش في تجهيز العساكر‏.‏
فلما بلغ قرواشًا وفيها لم يحج أحد من العراق خوفًا من الأعراب وحج الناس من مصر وغيرها‏.‏
وفيها ولى الحاكم لؤلؤ بن عبد الله الشيرازي دمشق ولقبه بمنتخب الدولة فقدم إليها في جمادى الآخرة من الرقة ثم عزله عنها في يوم عيد الأضحى وولى عوضه أبا المطاع ذا القرنين بن حمدان وكان يوم الجمعة فصلى لؤلؤ بالناس العيد وأبو المطاع الجمعة‏.‏
وحمل لؤلؤ إلى بعلبك فقتل بها بأمر الحاكم‏.‏
مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا‏.‏  السنة السادسة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة اثنتين وأربعمائة‏.‏
فيها في شهر ربيع الآخر كتب الخليفة القادر العباسي محضرًا في معنى الخلفاء المصريين والقدح في أنسابهم وعقائدهم وقرئت النسخ ببغداد وأخذت فيها خطوط القضاة والأئمة والأشراف بما عندهم من العلم بمعرفة نسب الديصانية قالوا‏:‏ شهادة يتقربون بها إلى الله ومعتقدين ما أوجب الله على العلماء أن ينشروه للناس فشهدوا جميعًا أن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار والخزي والنكال ابن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد لا أسعده الله فإنه لما صار إلى المغرب تسمى بعبيد الله وتلقب بالمهدي هو ومن تقدمه من سلفه الأرجاس الأنجاس عليه وعليهم اللعنة أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب وأن ذلك باطل وزور‏.‏
وأنهم لا يعلمون أن أحدًا من الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج إنهم أدعياء‏.‏
وقد كان هذا الإنكار شائعًا بالحرمين في أول أمرهم بالمغرب منتشرًا انتشارًا يمنع من أن يدلس على أحد كذبهم أو يذهب وهم إلى تصديقهم‏.‏
وأن هذا الناجم بمصر هو وسلفه كفار وفساق فجار زنادقة ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية‏.‏
وكتب في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة‏.‏
وكتب خلق كثير في المحضر المذكور منهم‏:‏ الشريف الرضي والمرتضى أخوه وابن الأزرق الموسوي ومحمد بن محمد بن عمر بن أبي يعلى العلويون والقاضي أبو محمد عبد الله بن الأكفاني والقاضي أبو القاسم الجزري والإمام أبو حامد الاسفرايني والفقيه أبو محمد الكشفلي والفقيه أبو الحسين القدوري الحنفي والفقيه أبو علي بن حمكان وأبو القاسم التنوخي والقاضي أبو عبد الله الصيمري‏.‏
انتهى أمر المحضر باختصار‏.‏
فلما بلغ الحاكم قامت قيامته وهان في أعين الناس لكتابة هؤلاء العلماء الأعلام في المحضر‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وثماني أصابع‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشر أصابع‏.‏
السنة السابعة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ثلاث وأربعمائة‏.‏
وفيها أرسل الحاكم صاحب الترجمة كتابًا إلى السلطان محمود بن سبكتكين صاحب غزنة يدعوه إلى طاعته فبعث محمود بالكتاب إلى القادر بعد أن خرقه وبصق في وسطه‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الثامنة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة أربع وأربعمائة‏.‏
فيها قلد فخر الملك الأمر ولقبه الخليفة القادر سلطان الدولة وعقد لواءه بيده وقرىء تقليده وفيها أبطل الحاكم المنجمين من بلاده وأعتق أكثر مماليكه وجعل ولي عهده ابن عمه عبد الرحيم بن إلياس وخطب له بذلك وأمر بحبس النساء في البيوت وصلحت سيرته‏.‏
وفيها استولى الحاكم على حلب وزال ملك بني حمدان منها‏.‏
وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله بن حصن أبو إسحاق الغافقي محتسب دمشق من قبل الحاكم وكان شهمًا في الحسبة أدب رجلًا فلما ضربه درة قال المضروب‏:‏ هذه في قفا أبي بكرة فلما ضربه أخرى قال‏:‏ هذه في قفا عمر فضربه أخرى فقال‏:‏ هذه في قفا عثمان ثم ضربه أخرى فسكت‏.‏
فقال له الغافقي‏:‏ أنت ما تعرف ترتيب الصحابة أنا أعرفك وأفضلهم أهل بدر لأصفعنك على عددهم فصفعه ثلاثمائة وست عشرة درة فحمل من بين يديه فمات بعد أيام‏.‏
قلت‏:‏ إلى سقر‏.‏
وبلغ الحاكم ذلك فأرسل يشكره ويقول‏:‏ هذا جزاء من ينتقص السلف الصالح‏.‏
قلت‏:‏ لعل هذه الواقعة كانت صادفت من الحاكم أيام صلاحه وإظهاره الزهد والتفقه‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع سواء‏.‏  مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا سواء‏.‏

السنة التاسعة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة خمس وأربعمائة‏.‏
فيها منع الحاكم النساء من الخروج من بيوتهن وقتل بسبب ذلك عدة نسوة‏.‏
وفيها جلس الخليفة القادر ببغداد وأحضر العلويين والعباسيين والقضاة وأحضر الخلع السلطانية ماعدا التاج ولواء واحدًا وقرىء عهد أبي طاهر ركن الدين بن بهاء الدولة ولقبه بجلال الدولة وجمال الملة ركن الدين‏.‏
الماء القديم ثلاث أذرع سواء‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإصبعان‏.‏  السنة العشرون من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ست وأربعمائة
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراع وعشرون إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإصبعان‏.‏

السنة الحادية والعشرون من ولاية الحاكم منصور وهي سنة سبع وأربعمائة ‏:‏ فيها وقعت القبة الكبيرة التي على الصخرة ببيت المقدس‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع سواء‏.‏  مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع أصابع‏.‏

السنة الثانية والعشرون من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ثمان وأربعمائة‏:‏ فيها عزل الحاكم شاتكين من إمرة دمشق وكان ظالمًا غشومًا وهو الذي بنى جسر الحديد تحت قلعة دمشق واتفق أن يوم فراغ الجسر قال‏:‏ لا يعبر غدًا أحد عليه‏.‏
فلما أصبح جلس على الباب ينظر إليه وقد عزم على أن يكون أول من يركب ويعبر عليه وإذا بفارس قد أقبل فعبر عليه فأنكره وقال‏:‏ من أين قال‏:‏ من مصر وناوله كتابًا من الحاكم بعزله‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الثالثة والعشرون من ولاية الحاكم منصور وهي سنة تسع وأربعمائة‏:‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وثماني أصابع‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الرابعة والعشرون من ولاية الحاكم منصور وهي سنة عشر وأربعمائة‏:‏

فيها جلس الخليفة القادر بالله ببغداد وحضر القضاة وكتب عهد أبي الفوارس بن بهاء الدولة على كرمان وأعمالها وبعث إليه بالخلع السلطانية على العادة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة تسع عشرة ذراعًا وثماني أصابع‏.‏
السنة الخامسة والعشرون من ولاية الحاكم منصور وهي التي مات فيها الحاكم حسب ما ذكرناه في ترجمته‏.‏

والسنة المذكورة سنة إحدى عشرة وأربعمائة‏:‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثماني أذرع وخمس أصابع‏.‏  مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏

إختفــــــــاء الخليفة الحـــاكم بأمر الله 
وفقد الناس الحاكم في اليوم الثاني ومنع أبو عروس من فتح أبواب القاهرة انتظارًا للحاكم على حسب ما أمره به‏.‏
ثم خرج الناس في اليوم الثالث إلى الصحراء وقصدوا الجبل فلم يقفوا له على أثر‏.‏
وأرسل القواد إلى أخته وسألوها عنه فقالت‏:‏ ذكر لي أنه يغيب سبعة أيام وما هنا إلا الخير فانصرفوا على سكون وطمأنينة‏.‏
ولم تزل أخته في هذه الأيام ترتب الأمور وتفرق الأموال وتستحلف الجند ثم بعثت إلى ابن دواس المذكور وأمرته أن يستحلف الناس لابن الحاكم كتامة وغيرها ففعل ذلك‏.‏
فلما كان في اليوم السابع ألبست أبا الحسن علي بن الحاكم أفخر الملابس واستدعت ابن دواس وقالت له‏:‏ المعول في قيام هذه الدولة عليك وتدبيرها موكل إليك وهذا الصبي ولدك فابذل في خدمته وسعك فقبل الأرض ووعدها بالطاعة‏.‏
ووضعت التاج على رأس الصبي وهو تاج عظيم فيه من الجواهر ما لا يوجد في خزانة خليفة وهو تاج المعز جد أبيه وأركبته مركبًا من مراكب الخليفة وخرج بين يديه الوزير وأرباب الدولة‏.‏
فلما صار إلى باب القصر صاح خطير الملك الوزير‏:‏ يا عبيد الدولة مولاتنا السيدة تقول لكم هذا مولاكم فسلموا عليه فقبلوا الأرض بأجمعهم وارتفعت الأصوات بالتكبير والتهليل ولقبوه الظاهر لإعزاز دين الله وأقبل الناس أفواجًا فبايعوه وأطلق المال وفرح الناس وأقيم العزاء على الحاكم ثلاثة أيام‏.‏
وقال القضاعي في قتله وجهًا آخر قال‏:‏ خرج الحاكم إلى الجبل المعروف بالمقطم ليلة الاثنين السابع والعشرين من شوال هذه السنة يعني سنة إحدى عشرة وأربعمائة فطاف ليلته كلها وأصبح عند قبر الفقاعي ثم توجه شرقي حلوان‏:‏ موضع بالمقطم ومعه ركابيان فرد أحدهما مع تسعة نفر من العرب كانت لهم رسوم ويقال لهم السويديون إلى بيت المال وأمر لهم بجائزة ثم عاد الركابي الآخر وذكر أنه فارقه عند قبر الفقاعي والقصبة وأصبح الناس على رسمهم فخرجوا ومعهم الموكب والقضاة والأشراف والقواد فأقاموا عند الجبل إلى آخر النهار ثم رجعوا إلى القاهرة ثم عادوا ففعلوا ذلك ثلاثة أيام‏.‏
فلما كان يوم الخميس سلخ شوال خرج مظفر صاحب المظلة ونسيم صاحب الستر وابن مسكين صاحب الرمح وجماعة من الأولياء الكتاميين والأتراك والقضاة والعدول وأرباب الدولة فبلغوا دير القصير المكان المعروف بحلوان وأمعنوا في الجبل فبينما هم كذلك بصروا بالحمار الذي كان راكبه على قرن الجبل قد ضربت يداه بسيف فقطعتا وعليه سرجه ولجامه فتتبعوا الأثر فإذا أثر راجل خلف أثر الحمار وأثر راجل قدامه فقصوا الأثر حتى أتوا إلى البركة التي شرقي حلوان فنزلها بعض الرجالة فوجد فيها ثيابه وهي سبع جباب مزررة لم تحل أزرارها وفيها أثر السكاكين فتيقنوا قتله‏.‏
وكان عمره ستًا وثلاثين سنة وسبعة أشهر وولايته على مصر خمسًا وعشرين سنة وشهرًا واحدًا‏.‏
قال ابن خلكان بعد ما ذكر قتلته بنحو ما ذكرناه هنا‏:‏ مع أن جماعة من الغالين في حبهم السخيفي العقول يظنون حياته وأنه لا بد أن يظهر ويحلفون بغيبة الحاكم وتلك خيالات هذيانية‏.‏
انتهى‏.‏
قال القضاعي بعد ما ساق سبب قتله بنحو ما ذكرناه إلى أن قال‏:‏ ثم أمرت ست الملك بخلع عظيمة ومال كثير ومراكب ذهب وفضة للأعيان وأمرت ابن دواس أن يشاهدها في الخزانة وقالت له‏:‏ غدًا نخلع عليك فقبل ابن دواس الأرض وفرح‏.‏
وأصبح من الغد فجلس عند الستر ينتظر الإذن حتى يأمر وينهى وكان للحاكم مائة عبد يختصون بركابه ويحملون السيوف بين يديه ويقتلون من يأمرهم بقتله فبعثت بهم ست الملك إلى ابن دواس ليكونوا في خدمته فجاؤوا في هذا اليوم ووقفوا بين يديه فقالت ست الملك لنسيم صاحب الستر‏:‏ اخرج قف بين يدي ابن دواس وقل للعبيد‏:‏ يا عبيد مولاتنا تقول لكم هذا قاتل مولانا الحاكم فاقتلوه فخرج نسيم فقال لهم ذلك فمالوا على ابن دواس بالسيوف فقطعوه وقتلوا العبدين اللذين قتلا الحاكم وكل من اطلع على سرها قتلته فقامت لها الهيبة في قلوب الناس‏.‏
انتهى كلام القضاعي‏.‏

ثروة الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمى
وقال ابن الصابىء‏:‏ لما قتلت ست الملك ابن دواس قتلت الوزير الخطير ومن كانت تخاف منه ممن عرف بأمرها‏.‏
وأما ما خلفه الحاكم من المال فشيء كثير‏.‏
قيل‏:‏ إنه ورد عليه أيام خلافته رسول ملك الروم فأمر الحاكم بزينة القصر‏.‏
قالت السيدة رشيدة عمة الحاكم‏:‏ فأخرج أعدالًا مكتوبًا على بعضها‏:‏ الحادي والثلاثون والثلاثمائة وكان في الأعدال الديباج المغرز بالذهب فأخرج ذلك وفرش الإيوان وعلق في حيطانه حتى صار الإيوان يتلألأ بالذهب وعلق في صدره العسجدة وهي درقة من ذهب مكللة بفاخر الجوهر يضيء لها ما حولها إذا وقعت عليها الشمس لا تطيق العيون النظر إليها‏.‏
وأيضًا مما يدل على كثرة ماله ما خلفته ابنته ست مصر بعد موتها فخلفت شيئًا كثيرًا يطول الشرح في ذكره من ذلك ثمانية آلاف جارية قاله المقريزي وغيره ونيف وثمانون زيرًا صينيًا مملوءة جميعًا مسكًا ووجد لها جوهر نفيس من جملته قطعة ياقوت زنتها عشرة مثاقيل‏.‏
وكان إقطاعها في السنة خمسين ألف دينار وكانت مع ذلك كريمة سمحة والشيء بالشيء يذكر‏.‏
وماتت في أيام الحاكم عمته السيدة رشيدة بنت المعز فخلفت ما قيمته ألف وسبعمائة ألف دينار ومن جملة ما وجد لها في خزائن كسوتها ثلاثون ألف ثوب خز واثنا عشر ألفًا من الثياب المصمتة ألوانًا ومائة قطرميز مملوءة كافورًا وكانت مع ذلك دينة تأكل من غزلها لا من مال السلطان‏.‏
وماتت أختها عبدة بنت المعز بعدها بثلاثة أيام وكانتا قد ولدتا برقادة من عمل القيروان‏.‏
وتركت أيضًا عبدة المذكورة ما لا يحصى من ذلك‏:‏ أنه ختم على موجودها بأربعين رطل شمع مصرية ومن جملة ما وجد لها ألف وثلاثمائة قطعة مينا فضة زنة كل مينا عشرة آلاف درهم وأربعمائة سيف محلى بذهب وثلاثون ألف شقة صقلية ومن الجوهر إردب زمرد وكانت لا تأكل عمرها إلا الثريد‏.‏
وقد خرجنا عن المقصود ونعود إلى ما يتعلق بالحاكم وأسبابه‏.‏

قتل ولى العهد  - ست الملك تدير الدولة
وأما ولي العهد الذي كان بدمشق وكتبت ست الملك بحضوره فاسمه الياس وقيل‏:‏ عبد الرحيم وقيل‏:‏ عبد الرحمن بن أحمد وكنيته أبو القاسم ويلقب بالمهدي ولاه الحاكم العهد سنة أربع وأربعمائة‏.‏
وقد قدمنا من ذكره أنه كان وصل إلى تنيس وقبض عليه صاحب تنيس وبعث به إلى ست الملك فحبسته في دار وأقامت له الإقامات ووكلت بخدمته خواص خدمها وواصلته بالملاطفات والافتقادات فلما مرضت ويئست من نفسها أحضرت الظاهر لإعزاز دين الله أعني ابن أخيها الحاكم وقالت له‏:‏ قد علمت ما عاملتك به وأقله حراسة نفسك من أبيك فإنه لو تمكن منك لقتلك وما تركت لك أحدًا تخافه إلا ولي العهد فبكى بين يديها هو ووالدته وسلمت إليهما مفاتيح الخزائن وأوصتهما بما أرادت‏.‏
وقالت لمعضاد الخادم‏:‏ امض إلى ولي العهد وتفقد خدمته فإذا دخلت عليه فانكب كأنك تسائله بعد أن توافق الخدم على ضربه بالسكاكين فمضى إليه معضاد فقتله ودفنه وعاد فأخبرها فأقامت بعد ذلك ثلاثة أيام وماتت‏.‏
وتولى أمر الدولة معضاد الخادم المذكور ورجل آخر علوي من أهل قزوين وآخرون‏.‏
وذكر القضاعي في قصة ولي العهد شيئًا غير ذلك قال‏:‏ إن ست الملك لما كتبت إلى دمشق بحمل ولي العهد إلى مصر لم يلتفت إلى ذلك واستولى على دمشق ورخص للناس ما كان الحاكم حظره عليهم من شرب الخمر وسماع الملاهي فأحبه أهل دمشق‏.‏
وكان بخيلًا ظالمًا‏.‏  فشرع في جمع المال ومصادرة الناس فأبغضه الجند وأهل البلد‏.‏
فكتبت أخت الحاكم إلى الجند فتتبعوه حتى مسكوه وبعثوا به مقيدًا إلى مصر فحبس في القصر مكرمًا فأقام مدة‏.‏
وحمل إليه يومًا بطيخ ومعه سكين فأدخلها في سرته حتى غابت‏.‏
وبلغ ابن عمه الظاهر بن الحاكم فبعث إليه القضاة والشهود فلما دخلوا عليه اعترف أنه الذي فعل ذلك بنفسه‏.‏
وحضر الطبيب فوجد طرف السكين ظاهرًا فقال لهم‏:‏ لم تصادف مقتلًا‏.‏
فلما سمع ولي العهد ذلك وضع يده عليها فغيبها في جوفه فمات‏.‏
وقال ابن الصابىء‏:‏ وكان على حلب عند هلاك الحاكم عزيز الدولة فاتك الوحيدي وقد استفحل أمره وعظم شأنه وحدث نفسه بالعصيان فلاطفته ست الملك وراسلته وآنسته وبعثت إليه بالخلع والخيل بمراكب الذهب وغيرها ولم تزل تعمل عليه الحيل حتى أفسدت غلاما له يقال له بدر وكان مالك أمره وغلمانه تحت يده وبذلت له العطاء الجزيل على الفتك به ووعدته أن توليه مكانه‏.‏
وكان لفاتك غلام هندي يهواه فاستغواه بدر المذكور وقال‏:‏ قد عرفت من مولاك ملالك وتغير نيته فيك وعزم على قتلك ودافعته عنك دفعات وأنا أخاف عليك‏.‏
ثم تركه بدر أيامًا ووهب له دنانير وثيابًا ثم أظهر له المحبة وقال‏:‏ إن علم بنا الأمير قتلنا فقال الهندي‏:‏ فما أفعل فاستحلفه بدر واستوثق منه وقال‏:‏ إن قبلت ما أقول أعطيتك مالًا وأغنيتك وعشنا جميعًا في أطيب عيش‏.‏
قال‏:‏ فما تريد قال‏:‏ تقتله ونستريح منه فأجابه وقال‏:‏ الليلة يشرب وأنا أسقيه وأميل عليه فإذا سكر فأقتله‏.‏
وجلس فاتك المذكور على الشرب فلما قام إلى مرقده حمل الهندي سيفه وكان ماضيًا ثم دخل في اللحاف وبدر على باب المجلس واقف‏.‏
فلما ثقل فاتك في نومه غمز بدر الهندي فضربه بالسيف فقطع رأسه فصاح بدر واستدعى الغلمان وأمرهم بقتل الهندي فقتلوه‏.‏
واستولى بدر على القلعة وما فيها وكتب إلى أخت الحاكم بما جرى فأظهرت الوجد على فاتك في الظاهر وشكرت بدرًا في الباطن على ما كان منه من حفظ الخزائن وبعثت إليه بالخلع ووهبت له جميع ما خلفه مولاه وقلدته موضعه‏.‏

ونظرت ست الملك في أمور الدولة بعد قتل الحاكم أربع سنين أعادت الملك فيها إلى غضارته وعمرت الخزائن بالأموال واصطنعت الرجال‏.‏  ثم اعتلت علة لحقها فيها ذرب فماتت منه‏.‏
وكانت عارفة مدبرة غزيرة العقل‏.‏
وقد خرجنا عن المقصود على سبيل الاستطراد‏.‏
وكانت وفاة الحاكم ليلة الثلاثاء لليلتين بقيتا من شوال سنة إحدى عشرة وأربعمائة وكان فيه كسوف الشمس‏.‏
وكانت مدة عمره ستًا وثلاثين سنة وسبعة أشهر وقيل‏:‏ سبعًا وثلاثين سنة‏.‏
وكانت ولايته على مصر خمسًا وعشرين سنة وشهرًا واحدًا قاله القضاعي‏.‏
وتولى الملك من بعده ابنه الظاهر لإعزاز دين الله علي بن الحاكم وقام بتدبير مملكته عمته ست الملك المقدم انتهت ترجمة الحاكم‏.‏
ونذكر أيضًا من أحواله نبذة كبيرة في الحوادث المتعلقة بأيامه مرتبة على السنين فيها عجائب وغرائب‏.‏
وأما ما ينسب إليه من الشعر وقيل‏:‏ هو للآمر العبيدي الآتي ذكره فهو قوله‏:‏ دع اللوم عني لست مني بموثق فلا بد لي من صدمة المتحنق وأسقي جيادي من فرات ودجلة وأجمع شمل الدين بعد التفرق

 

ولاية الخليفة المستنصر على مصر
تولى الملك بعده ابنه أبو تميم معد ولقب بالمستنصر وسنه ثماني سنين وقام علي بن أحمد الجرجرائي الوزير بالأمر وأخذ له البيعة وقرر للجند أرزاقهم واستقامت الأحوال‏.‏
وكانت وفاة الظاهر بعلة الاستسقاء طالت به نيفًا وعشرين سنة من عمره‏.‏
قلت‏:‏ ولهذا أشرنا أنه كان كثرة من تغلب عليه لضعف بدنه وصغر سنه‏.‏
وكان الظاهر جوادًا ممدحًا سمحًا حليمًا محببًا للرعية ولا بأس به بالنسبة لآبائه وأجداده‏.‏
وهو الذي بنى قصر اللؤلؤة عند باب القنطرة وهو من القصور المعدودة بالقاهرة وصار يتنزه به هو ومن جاء بعده من خلفاء مصر من ذريته وأقاربه وكان التوصل إلى القصر من باب مراد وصار الخلفاء يقيمون به في أيام النيل‏.‏
ودام أمر هذا القصر مستقيمًا إلى أن وقع الغلاء بالديار المصرية في زمن المستنصر وذهب من محاسن القاهرة شيء كثير من عظم الغلاء والوباء كما سيأتي ذكره إن شاء الله في محله‏.‏
السنة الأولى من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهي سنة اثنتي عشرة وأربعمائة‏:‏
‏أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وست عشرة إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏
السنة الثانية من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة‏:‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا‏
========================================================================

This site was last updated 02/19/14