علم الشيعة الأخضر الفاطمى

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

المقريزى المؤرخ المسلم يذكر ما فعلة الخليفة الحاكم بأمر الله

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك فاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
الخليفة الحاكم بأمر الله
المؤرخ المقريزى الحاكم

*****************************************************************************************************************************************************

 الجزء التالى من مرجع كتاب الخطط للمقريزى - المسماة بالمواعظ  والإعتبار يذكر الخطط والآثار يختص ذلك بأخبار أقليم مصر والنيل وذكر القاهرة وما يتعلق بها وبأقليمها تأليف سيدنا الشيخ الإمام علامة الأنام / تقى الدين أحمد بن على بن عبد القادر بن المحمد المعروف بالمقريزى - الجزء الرابع = مكتبة ألاداب 42 ميدان الأوبرا القاهرة 

**************************************************************************************** 

من هو الخليفة الحاكم بأمر الله ؟

أبو علي منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معد ولد بالقصر من القاهرة المعزية ليلة الخميس الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلاثمائة في الساعة التاسعة والطالع من برج السرطان سبع وعشرون درجة وسلم عليه بالخلافة في مدينة بلبيس بعد الظهر من يوم الثلاثاء عشري شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة وسار إلى القاهرة في يوم الأربعاء بسائر أهل الدولة والعزيز في قبة على ناقة بين يديه وعلى الحاكم دراعة مصمت وعمامة فيها الجوهر وبيده رمح وقد تقلد السيف‏.‏
ولم يفقد من جميع ما كان مع العساكر شيء ودخل القصر قبل صلاة المغرب وأخذ في جهاز أبيه العزيز بالله ودفنه ثم بكر سائر أهل الدولة إلى القصر يوم الخميس وقد نصب للحاكم سرير من ذهب عليه مرتبة مذهبة في الإيوان فقبلوا له الأرض ومشوا بين يديه حتى جلس على السرير فوقف من رسمه الوقوف وجلس من له عادة أن يجلس وسلم الجميع عليه بالإمامة واللقب الذي اختير له وهو الحاكم بأمر الله وكان سنه يومئذ إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وستة أيام فجعل أبا محمد الحسن بن عمار الكندي واسطة ولقب بأمين الدولة وأسقط مكوسًا كانت بالساحل ورد إلى الحسين بن جوهر القائد البريد والإنشاء فكان يخلفه ابن سورين فخرج ينجو تكين من دمشق وسار منها لمدافعة سليمان بن جعفر بن فلاح فبلغ الرملة وانضم إليه ابن الجراح الطائي في كثير من العرب وواقع ابن فلاح فانهزم وفر ثم أسر فحمل إلى القاهرة وأكرم واختلف أهل الدولة على ابن عمار ووقعت حروب آلت إلى صرفه عن الوساطة‏.‏

بـــرجوان الصقلى الوصى
وله في النظر أحد عشر شهرًا غير خمسة أيام فلزم داره وأطلقت له رسوم وجرايات وأقيم الطواشي برجوان الصقلي مكانه في الوساطة لثلاثة بقين من رمضان سنة سبع وثمانين وثلاثمائة فجعل كاتبه فهد بن إبراهيم يوقع عنه ولقبه بالرئيس وصرف سليمان بن فلاح عن الشام بجيش بن الصمصامة وقلد فحل بن إسماعيل الكتامي مدينة صور وقلد يانس الخادم برقة وميسور الخادم طرابلس ويمنًا لخادم غزة وعسقلان فواقع جيش الروم على فاهية وقتل منهم خمسة آلاف رجل وغزا إلى أن دخل مرعش وقلد وظيفة قضاء القضاء أبا عبد الله الحسين بن علي بن النعمان في صفر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة بعد موت قاضي القضاة محمد بن النعمان وقتل الأستاذ برجوان لأربع بقين من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وله في النظر سنتان وثمانية أشهر غير يوم واحد ورد النظر في أمور الناس وتدبير المملكة والتوقيعات إلى الحسين بن جوهر ولقب بقائد القواد فخلفه الرئيس بن فهد واتخذ الحاكم مجلسًا في الليل يحضر فيه عدة من أعيان الدولة ثم أبطله ومات جيش بن الصمصامة في ربيع الآخر سنة تسعين ثلاثمائة فوصل ابنه بتركته إلى القاهرة ومعهدرج بخط أبيه فيه وصية وثبت بما خلفه مفصلًا وأن ذلك جميعه لأمير المؤمنين الحاكم بأمر الله لايستحق أحد من أولاده منه درهمًا وكان مبلغ ذلك نحو المائتي ألف دينار وما بين عين ومتاع ودواب قد أوقف جميع ذلك تحت القصر فأخذ الحاكم الدرج ونظره ثم أعاده إلى أولاد جيش وخلع عليهم وقال لهم بحضرة وجوه الدولة‏:‏ قد وقفت على وصية أبيكم رحمه الله وما وصى به من عين ومتاع فخذوه هنيئًا مباركًا لكم فيه‏.‏
فانصرفوا بجميع التركة وولي دمشق فحل بن تميم ومات بعد شهور فولي علي بن فلاح ورد النظر في المظالم لعبد العزيز بن محمد بن النعمان ومنع الناس كافة من مخاطبة أحد أو مكاتبة بسيدنا ومولانا إلا أمير المؤمنين وحده وأبيح دم من خالف ذلك وفي شوال قتل ابن عمار‏.‏

الخليفة الحاكم والنساء
وفي سنة إحدى وتسعين واصل الحاكم الركوب في الليل كل ليلة فكان يشق الشوارع والأزقة وبالغ الناس في الوقود والزينة وانفقوا الأموال الكثيرة في المآكل والمشارب والغناء واللهو وكثر تفرجهم على ذلك حتى خرجوا فيه عن الحد فمنع النساء من الخروج في الليل ثم منع الرجال من الجلوس في الحوانيت‏.‏

وفي رمضان سنة اثنتين وتسعين قلد تموصلت بن بكار دمشق عوضًا عن ابن فلاح وابتدأ في عمارة جامع راشدة في سنة ثلاث وتسعين وقتل فهد بن إبراهيم وله منذ نظر في الرياسة خمس سنين وتسعة أشهر واثنا عشر يومًا في ثامن جمادى الآخرة منها وأقيم في مكانه على بن عمر العداس وسار الأمير ما روح لإمارة طبرية ووقع الشروع في إتمام الجامع خارج باب الفتوح وقطع الحاكم الركوب في الليل ومات تموصلت فولي دمشق بعده مفلح اللحياني الخادم وقتل علي بن عمر العداس والأستاذ زيدان الصقلي وعدة كثيرة من الناس وقلد إمارة برقة صندل الأسود في المحررم سنة أربع وتسعين وصرف الحسين بن النعمان عن القضاء في رمضان منها وكانت مدة نظره في القضاء خمس سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يومًا وإليه كانت الدعوة أيضًا فسقال له قاضي القضاة وداعي الدعاة وقلد عبد العزيز بن محمد بن النعمان وظيفة القضاء والدعوة مع ما بيده من النظر في المظالم‏.‏
إضطهاد الخليفة الحاكم للمسيحيين والأقباط خاصة
وفي سنة خمس وتسعين أمر الخليفة الحاكم النصارى واليهود بشد الزنار ولبس الغيار ومنع الناس من أكل الملوخية والجرجير والتوكلية والدلينس وذبح الأبقار السليمة من العاهة إلا في أيام الأضحية ومنع من بيع الفقاع وعمله البتة , وأن لايدخل أحد الحمام إلا بمئزر وأن لا تكشف امرأة وجهها في طريق ولا خلف جنازة و لاتتبرج ولا يباع شيء من السمك بغير قشر ولا يصطاد أحد من الصبيا دين وتتبع اناس في ذلك كله وشدد فيه وضرب جماعة بسبب مخالفتهم ما أمروا به ونهوا عنه مما ذكر وخرجت العساكر لقتال بني قرة أهل البحيرة وكتب على أبواب المساجد وعلى الجوامع بمصر وعلى أبواب الحوانيت واحجر والمقابر سب السلف ولعنهم وأكره الناس على نقش ذلك وكتابته بالأصباغ في سائر الموضع وأقبل الناس من سائر النواحي فدخلوا في الدعوة وجعل لهم يومان في الأسبوع وكثر الإزدحام ومات فيه جماعة ومنع الناس من الخروج بعد المغرب في الطرقات وأن لا يظهر أحد بها لبيع ولا شرراء فخلت الطرق من المارة وكسرت أواني الخمور وأريقت من سائر الأماكن واشتد خوف الناس بأسرهم وقويت الشناعات وزاد الإضراب فاجتمع كثير من الكتاب وغيرهم تحت القصر وضجوا يسألون العفو فكتب عدة أمانات لجميع الطوائف من أهل الدوة وغيرهم من الباعة والرعية وأمر بقتل الكلاب فقتل منها ما لاينحصر حتى فقدت وفتحت دار اللحكمة بالقاهرة وحمل إليها الكتب ودخل إليها الناس فاشتد الطلب على الركابية المستخدمين في الركاب وقتل منهم كثير عفي عنهم وكتب لهم أمان ومنع الناس كافة من الدخول من باب القاهرة ومنع من المشي ملاصق القصر وقتل قاضي القضاة حسين بن النعمان وأحرق بالنار وقتل عددًا كثير من الناس ضربت أعناقهم وفي سنة سصت وتسعين خرج أبو ركوة يدعو إلى نفسه وادعى أنه من بني أمية فقام بأمره بنو قرة لكثرة ما أوقع بهم الحاكم وبايعوه واستجاب له لواته ومزاته وزنادة وأخذ برقة وهزم جيوش الحاكم غير مرة وغنم ما معهم فخرج لقتاله القائد فضل بن صالح في ربيع الأول وواقعة فانهزم منه فضل واشتد الإضراب بمصر وتزايدت الأسعار واشتد الاستعداد لمحاربة أبي ركوة ونزلت العساكر بالجيزة لمحاربة أبي ركوة واستمرت الحروب فانهزم أبو ركوة في ثالث ذي الحجة إلى الفيوم وتبعه القائد فضل بعد أن بعث إلى القاهررة بستة آلاف رأس ومائة أسير إلى أن قبض عليه ببلاد النبوة وأحضر إلى القاهرة فقتل بها وخلع على القائد فضل وسيرت البشائر بقتله إلى الأعمال‏.‏

وفي سنة سبع وتسعين أمر بمحسوب السلف فحمي سائر ما كتب من ذلك وغلت الأسعار لنقص ماء النيل فإنه بلغ ستة عشر أصبعًا من سبعة عشر ذراعًا نقص ومات ينجو تكين في ذي الحجة واشتد الغلاء في سنة ثمان وتسعين وولي علي بن فلاح دمشق وقبض جميع ما محبس على الكنائس وجعل في الديوان وأحرق عدة صلبان على باب الجامع بمصر وكتب إلى سائر الأعمال بذلك‏.‏

وفي سادس عشر رجب قرر مالك بن سعيد الفارقي في وظيفة قضاء القضاة وتسلم كتب الدعوة التي تقرأ بالقصر على الأولياء وصرف عبد العزيز بن النعمان عن ذلك وصرف قائد القواد الحسين بن جوهر عما كان يليه من النظر في سابع شعبان وقرر مكانه صالح بن علي الروذبادي وقرر في ديوان الشام مكانه أبو عبد الله الموصلي الكاتب وأمر حسين بن جوهر وعبد العزيز بلزوم دورهما ومنعا من الركوب وسائر أولادهما ثم عفا عنهما بعد أيام وأمر بالركوب وتوقفت زيادة النيل فاستسقى الناس مرتين وأمر بإبطا عدة مكوس وتعذر وجود الخبز لغلائة وقلته وفتح الخليج في رابع توت والماء على خمسة عشر ذراعًا فاشتد الغلاء‏.‏
أوامر جديده للخليفة الحاكم بأمر الله
وفي تاسع المحرم وهو نصف توت نقص ماء النيل ولم يوف ستة عشر فمنع الناس من التظاهر بالغناء ومن ركوب البحر للتفرج ومنع من بيع المسكرات ومنع الناس كافة من الخروج قب الفجر وبعد العشاء إلى الطرقات واشتد الأمر على اكافة لشدة ما داخلهم من الخوف مع شدة الغلاء وتزايد الأمراض في الناس والموت‏.‏

فلما كان في رجب انحلت الأسعار وقريء سجل فيه يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون ولايعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون وصلاة الخميس للذي جاءهم فيها يصلون وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون يخمس في التكبير على الجنائز المخمسون ولايمنع من التربيع عليها المربعون يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون ولا يؤذي من بها لايؤذنون لايسب أحد من السلف ولا يحتسب على الواصف فيهم بما وصف والحالف منهم بما حلف لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده ولقب صالح بن عي الرروذبادي بثقة ثقات السيف والقلم وأعيد القاضي عبد العزيز بن النعمان إلى النظر في المظالم وتزايدت الأمراض وكثر الموت وعزت الأدوية وأعيدت المكوس التي رفعت وهدمت كنائس كانت بطريق المقس وهدمت كنيسة كانت بحارة الروم من القاهرة ونهب ما فيها وقتل كثير من الخدم ومن الكتاب ومن الصقالية بعدما قطعت أيدي بعضهم من الكتاب بالشطور على الخشبة من وسط الذراع وقتل القائد فضل بن صالح في ذي القعدة وفي حادى عشر صفر صرف صالح بن علي الروذبادي وقرر مكانه ابن عبدون النصراني الكاتب فوقع عن الحاكم ونظر وكتب بهدم كنيسة قماسة وجدد ديوان المفرد برسم من يقبض ماله من المقتولين وغيرهم وكثرت الأمراض وعزت الأدوية وشهر جماعة وجد عندهم فقاع وملوخية ودلينس وضربوا وعدم دائر القصر واشتد بالأمر على النصارى واليهود في إلزامهم لبس الغيار وكتب إبطال أخذ الخمس والنجاوي والفطررة وفر الحسين بن جوهر وأولاده وعبد العزيز بن النعمان وفر أبو القاسم الحسين بن المغربي وكتب عدة أمانات لعدة طوائف من شدة خوفهم وقطعت قرراءة مجالس الحكمة بالقصر ووقع التشديد في المنع من المسكرات وقتل كثير من الكتاب والخدم والفراشين وقتل صالح بن علي الروذبادي في شوال‏.‏

وفي رابع المحرم سنة إحدى وأربعمائة صرف الكافي بن عبدون عن النظر والتوقيع وقرر بدله أحمد بن محمد القشوري الكاتب في الوساطة والسفارة وحصر الحسين بن جوهر وعبد العزيز بن النعمان إلى القاهرة فأكرما‏.‏
منع بيع الملوخية والسمك
ثم صُرف ابن القشوريّ بعد عشرة أيام من استقراره وضربت عنقه وقُرّر بدله زرعة بن عيسى بن نسطورس الكاتب النصراني ولقبَ بالشافي ومُنع الناس من الركوب في المراكب في الخليج وسُدّت أبواب الدور التي على الخليج والطاقات المطلة عليه وأضيف إلى قاضي القضاة مالك بن سعيد النظر في المظالم وأعيدت مجالس الحكمة وأخذ مال النجوى وقُتل ابن عبدون وأخذ ماله وضُرب جماعة وشُهروا من أجل بيعهم الملوخية والسمك الذي لا قشر له وبسبب بيع النبيذ وقُتل الحسين بن جوهر وعبد العزيز بن النعمان في ثاني عشر جمادى الاّخرة سنة إحدى وأربعمائة وأحيط بأموالهما وأبطلت عدة مكوس ومُنع الناس من الغناء واللهو ومن بيع المغنيات ومن الإجتماع بالصحراء‏.‏

وفي هذه السنة خَلَعَ حسان بن مفرّج بن دغفل بن الجرّاح طاعة الحاكم وأقام أبا الفتوح حسين بن جعفر الحسنيّ أمير مكة خليفة وبايعه ودعا الناس إلى طاعته ومبايعته وقاتل عساكر الحاكم‏.‏
منع بيع الزبيب وزيارة القبور
وفي سنة اثنتين وأربعمائة منع من بيع الزبيب وكوتب بالمنع من حمله وألقي في بحر النيل منه شيء كثير وأحرق شيء كثير ومنع النساء من زيارة القبور فلم يُر في الأعياد بالمقابر امرأة واحدة ومُنع من الإجتماع على شاطىء النيل للتفرّج ومُنع من بيع العنب إلا أربعة أرطال فما دونها ومنع من عصره وطُرح كثير منه وديس في الطرقات وغرّق كثير منه في النيل ومُنع من حمله وقطعت كروم الجيزة كلها وسيّر إلى الجهات بذلك‏.‏

وفي سنة ثلاث وأربعمائة نزع السعر وازدحم الناس على الخبز وفي ثاني ربيع الأوّل منها هلك عيسى بن نسطورس فأمر النصارى بلبس السواد وتعلق صلبان الخشب في أعناقهم وأن يكون الصليب ذراعًا في مثله وزنته خمسة أرطال وأن يكون مكشوفًا بحيث يراه الناس ومُنعوا من ركوب الخيل وأن يكون ركوبهم البغال والحمير بسروج الخشب والسيور السود بغير حلية وأن يَسدّوا الزنانير ولا يستخدموا مسلماَ ولا يشتروا عبدًا ولا أمة وتتبعت آثارهم في ذلك فأسلم منهم عدّة وقرّر حسين بن طاهر الوزان في الوساطة والتوقيع عن الحاكم في تاسع عشري ربيع الأوّل منها ولُقب أمين الأمناء ونقش الحاكم على خاتمه‏:‏ بنصر الله العظيم الوليّ ينتصر الإمام أبو علي‏.‏
هدم الكنائس وسرقة ما فيها
وضرب جماعة بسبب اللعب بالشطرنج وهُدمت الكنائس وأخذ جميع ما فيها ومالها من الرباع وكتب بذلك إلى الأعمال فهدمت بها وفيها لحق أبوالفتح بمكة ودعا للحاكم وضرب السكة باسمه وأمر الحاكم أن لا يُقَبَّل أحد له الأرض ولا يُقَبِّل ركابه ولا يده عند السلام عليه في المواكب فإنّ الانحناء إلى الأرض لمخلوق من صنيع الروم وأن لا يزاد على قولهم السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ولا يُصلى أحد عليه في مكاتبة ولا مخاطبة ويقتصر في مكاتبته على سلام الله وتحياته‏.‏

ونوامي بركاته على أمير المؤمنين ويدعي له بما يتفق من الدعاء لا غير فلم يقل الخطباء يوم الجمع سوى اللهمّ صلّ على محمد المصطفى وسلم على أمير المؤمنين علي المرتضى اللهمّ وسلم على أمراء المؤمنين آباء أمير المؤمنين اللهم اجعل أفضل سلامك على عبدك وخليفتك ومُنع من ضرب الطبول والأبواق حول القصر فصاروا يطوفون بغير طبل ولا بوق وكثرت إنعامات الحاكم فتوقف أمين الأمناء حسين بن طاهر الوزان في إمضائها فكتب إليه الحاكم بخطه بعد البسملة الحمد للّه كما هو أهله‏:‏ أصبحتُ لا أرجو ولا أتقي إلاّ إلهي و له الفضل جدي نبي وإمامي أبي ودينيَ الإخلاصُ والعدل المال مال الله عز وجل والخلق عباد اللّه ونحن أمناؤه في الأرض أطلق أرزاق الناس ولا تقطعها والسلام وركب الحاكم يوم عيد الفطر إلى المصلي بغير زينة ولا جنائب ولا أبهة سوى عشرة أفراس تقاد بسروج ولجم محلاة بفضة بيضاء خفيفة وبنود ساذجة ومظلة بيضاء بغير ذهب عليه بياض بغير طرز ولا ذهب ولا جوهر في عمامته ولم يفرش المنبر ومُنع الناس من سَب السلف وضرب في ذلك وشهر وصلى صلاة عيد النحر كما صلى صلاة عيد الفطر من غير أبهة ونحر عنه عبد الرحينبن الياس بن أحمد بن المهديّ وأكثر الحاكم من الركوب إلى الصحراء بحذاء في رجله وفوطة على رأيه‏.‏
الخليفة الحاكم يأمر الأقباط بتعليق صليب  وطردهم للمناطق البيزنطية
وفي سنة أربع وأربعمائة ألزم اليهود أن يكون في أعناقهم جرس إذا دخلوا الحمام وأن يكون في أعناق النصارى صلبان ومنع الناس من الكلام في النجوم وأقيم المنجمون من الطرقات وطلبوا فتغيبوا ونفوا وكثرت هبات الحاكم وصدقاته وعتقه وأمر اليهود والنصارى بالخروج من مصر إلى بلاد الروم وغيرها وأقيم عبد الرحيم بن الياس وليّ العهد وأمر أن يُقال في السلام عليه السلام على ابن عمّ أمير المؤمنين ووليّ عهد المسلمين وصار يجلس بمكان في القصر وصار الحاكم يركب بدراعة صوف بيضاء ويتعمم بفوطة‏.‏
وفي رجله حذاء عربيّ بقبالين وعبد الرحيم يتولى النظر في أمور الدولة كلها وأفرط الحاكم في العطاء وردّ ما كان أخذ من الضياع والأملاك إلى أربابها وفي ربيع الآخر أمر بقطع يدي أبي القاسم الجرجانيّ وكان يكتب للقائد غين ثم قطع يد غين فصار مقطوع اليدين وبعث إليه الحاكم بعد قطع يديه بألف من الذهب والثياب ثم بعد ذلك أمر بقطع لسانه فقُطع‏.‏
قتل الكـــلاب
وأبطل عدّة مكوس وقتل الكلاب كلها وأكثر من الركوب في الليل ومنع النساء من المشي في الطرقات فلم تر امرأة في طريق البتة وأُغلقت حماماتهنّ ومنع الأساكفة من على خفافهنّ وتعطلت حوانيتهم واشتدّت الإشاعة بوقوع السيف في الناس فتهاربوا وغُلفت الأسواق فلم يبع شيء‏.‏

ودعي لعبد الرحيم بن الياس على المنابر وضربت السكة باسمه بولاية العهد وفي سنة خمس وأربعمائة قتل مالك بن سعيد الفارقي في ربيع الآخر وكانت مدّة نظره في قضاء القضاة ست سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام وبلغ إقطاعه في السنة خمسة عشر ألف دينار وتزايد ركوب الحاكم حتى كان يركب في كلّ يوم عدّة مرّات واشترى الحمير وركبها بدل الخيل‏.‏

وفي جمادى الآخرة منها قُتِل الحسين بن طاهر الوزان فكانت مدّة نظره في الوساطة سنتين وشهرين وعشرين يومًا فأمر أصحاب الدواوين بلزوم دواوينهم وصار الحاكم يركب حمارًا بشاشية مكشوفة بغير عمامة ثم أقام عبد الرحيم بن أبي السيد الكاتب وأخاه أبا عبد اللّه الحسين في الوساطة والسفارة وأقرّ في وظيفة قضاء القضاة أحمد بن محمد بن أبي العوام وخرج الحاكم عن الحدّ في العطاء حتى أقطع نواتية المراكب والمشاعلية وبنى قرّة فما أقطع الإسكندرية والبحيرة ونواحيهما وقتل ابني أبي السيد فكانت مدّة نظرهما اثنتين وستين يومًا وقلد الوساطة فضل بن جعفر بن الفرات ثم قتله في اليوم الخامس من ولايته وغلب بنو قرّة على الإسكندرية وأعمالها وأكثر الحاكم من الركوب فركب في يوم ستة مرّات مرّة على فرس ومرّة على حمار ومرّة في محفة تحمل على الأعناق ومرّة في عشاري في النيل بغير عمامة وكثر من إقطاع الجند والعبيد الإقطاعات وأقام ذا الرياستين قطب الدولة أبا الحسن عليّ بن جعفر بن فلاح في الوساطة والسفارة وولى عبد الرحيم بن الياس دمشق فسار إليها في جمادى الاَخرة سنة تسع وأربعمائة فأقام فيها شهرين ثم هجم عليه قوم فقتلوا جماعة ممن عنده وأخذوه في صندوق وحملوه إلى مصر ثم أعيد إلى دمشق فأقام بها إلى ليلة عيد الفطر وأخرج منها‏.‏

إختفاء الحاكم وإشاعة أن اخته قتلته

فلما كان لليلتين بقيتا من شوّال سنة عشر وأربعمائة فقد الحاكم وقيل أن أخته قتلته وليس بصحيح وكان عمره ستًا وثلاثين سنة وسبعة أشهر وكانت مدّة خلافته خمسًا وعشرين سنة وشهرًا وكان جوادًا سفاكًا للدماء قتل عددًا لا يُحصى وكانت سيرته من أعجب السير وخُطب له على منابر مصر والشام وأفريقية والحجاز وكان يشتغل بعلوم الأوائل ويُنظر في النجوم وعمل رصدًا واتخذ بيتًا في المقطم ينقطع فيه عن الناس لذلك ويقال أنه كان يعتريه جفاف في دماغه فلذلك كثر تناقضه وما أحسن ما قال فيه بعضهم كانت أفعاله لا تعالى وأحلام وساوسه لا تؤوّل

وقال المسبحيّ وفي محرّم سنة خمس عشرة وأربعمائة قبض على رجل من بني حسين ثار بالصعيد الأعلى فأقرّ بأنه قتل الحاكم بأمر اللّه في جملة أربعة أنفس تفرّقوا في البلاد وأظهر قطعة من جلدة رأس الحاكم وقطعة من الفوطة التي كانت عليه فقيل له لم قتلته فقال‏:‏ غيرة للّه وللإسلام‏.‏
فقيل له‏:‏ كيف قتلته‏.‏
فأخرج سكينًا ضرب بها فؤاده فقتل نفسه‏.‏
وقال هكذا قتلته‏.‏
فقطع رأسه وأنفذ به إلى الحضرة مع ما وجد معه وهذا هو الصحيح في خبر قتل الحاكم لا ما تحكيه المشارقة في كتبهم من أن أخته قتلته‏.‏
********************************************

نزع المحاريب الذهبية من الكعبة وسكها دنانير للقتال

وقد ذكر المقريزى المؤرخ المسلم  المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 125 من 167 )  فقال : "بساتين الوزير هذه البساتين في الجهة القبلية من بركة الحبش وهي قرية فيها عدّة مساكن وبساتين كثيرة وبها جامع تقام فيه الجمعة وعرفت بالوزير أبي الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن محمد المغربيّ وبنو المغربيّ أصلهم من البصرة وصاروا إلى بغداد وكان أبو الحسن عليّ بن محمد تخلف على ديوان المغرب ببغداد فنسب به إلى المغرب وولد ابنه الحسين بن عليّ ببغداد فتقلد أعمالًا كثيرة منها‏:‏ تدبير محمد بن ياقوت عند استيلائه على أمر الدولة ببغداد وكان خال ولده عليّ وهو أبو عليّ هارون بن عبد العزيز الأوراجيّ الذي مدحه أبو الطيب المتنبي من أصحاب أبي بكر محمد بن رائق فلما لحق بن رائق ما لحقه بالموصل صار الحسين بن عليّ بن المغربي إلى الشام ولقي الإخشيد وأقام عنده وصار ابنه أبو الحسن عليّ بن الحسين ببغداد فأنفذ الإخشيد غلام فاتك المجنون فحمله ومن يليه إلى مصر ثم خرج ابن المغربيّ من مصر إلى حلب ولحق به سائر أهله ونزلوا عند سيف الدولة أبي الحسن عليّ بن عبد الله بن حمدان مدّة حياته وتخصص به الحسين بن عليّ بن محمد المغربيّ ومدحه أبو نصر بن بناته وتخصص أيضًا عليّ بن الحسين بسعد الدولة بن حمدان ومدحه أبو العباس النامي ثم شجر بينه وبين ابن حمدان ففارقه وصار إلى بكجور بالرقة فحسن له مكاتبة العزيز بالله نزار والتحيز إليه فلما وردت على العزيز مكاتبة بكجور قبله واستدعاه وخرج من الرقة يريد دمشق فوافاه عبد العزيز بولاية دمشق وخلفه فتسلمها وخرج لمحاربة ابن حمدان بحلب بمشورة عليّ بن المغربيّ فلم يتم له أمر وتأخر عنه من كاتبه فقال لابن المغربيّ‏:‏ غررتني فيما أشرت به عليّ‏.‏

وتنكر له ففرّ منه إلى الرقة وكانت بين بكجور وبين ابن حمدان خطوب آلت إلى قتل ابن بكجور ومسير ابن حمدان إلى الرقة ففرّ ابن المغربيّ منها إلى الكوفة وكاتب العزيز بالله يستأذنه في القدوم فأذن له وقدم إلى مصر في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وخدم بها وتقدّم في الخدم فحرّض العزيز على أخذ حلب فقلد ينجوتكين بلاد الشام وضم إليه أبا الحسن بن المغربيّ ليقوم بكتابته ونظر الشام وتدبير الرجال والأموال فسار إلى دمشق في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وخرج إلى حلب وحارب أبا الفضائل بن حمدان وغلامه لؤلؤ فكاتب لؤلؤ أبا الحسن بن المغربيّ واستماله حتى صرف ينجوتكين عن محاربة حلب وعاد إلى دمشق وبلغ ذلك العزيز بالله فاشتدّ حنقه على ابن المغربيّ وصرفه بصالح بن عليّ الروذباديّ واستقدم ابن المغربيّ إلى مصر ولم يزل بها حتى مات العزيز بالله وقام من بعده ابنه الحاكم بأمر الله أبو عليّ منصور فكان هو وولده أبو القاسم حسين من جلسائه فلما شرع الحاكم بأمر الله في قتل رجال الدولة من القوّاد والكتاب والقضاة قبض على عليّ ومحمد ابني المغربيّ وقتلهما ففرّ منه أبو القاسم حسين بن عليّ بن المغربيّ إلى حسان بن مفرّج بن الجرّاح فأجاره وقلد الحاكم يارجتكين الشام فخافه ابن جرّاح لكثرة عساكره فحسن له ابن المغربيّ مهاجمته فطرق يارجتكين في مسيره على غفلة وأسره عاد إلى الرملة فشن الغارات على رساتيقها وخرج العسكر الذي بالرملة فقاتل العرب قتالًا شديدًا كادت العرب أن تنهزم لولا ثبّتها ابن المغربيّ وأشار عليهم بإشهار النداء بإباحة النهب والغنيمة فثبتوا ونادوا في الناس فاجتمع لهم خلق كثير وزحفوا إلى الرملة فملكوها وبالغوا في النهب والهتك والقتل فانزعج الحاكم لذلك انزعاجًا عظيمًا وكتب إلى مفرّج بن جرّاح يحذره سوء العاقبة ويلزمه بإطلاق يارجتكين من يد حسان ابنه‏.‏

وإرساله إلى القاهرة ووعده على ذلك بخمسين ألف دينار فبادر ابن المغربيّ لما بلغه ذلك إلى حسان ومازال يغريه بقتل يارجتكين حتى أحضره وضرب عنقه فشق ذلك على مفرّج وعلم أنه فسد ما بينهم وبين الحاكم فأخذ ابن المغربيّ يحسن لمفرّج خلع طاعة الحاكم والدعاء لغيره إلى أن استجاب له فراسل أبا الفتوح الحسن بن جعفر العلويّ أمير مكة يدعوه إلى الخلافة وسهل له الأمر وسير إليه بابن المغربيّ يحثه على المسير وجرّأه على أخذ مال تركه بعض المياسير ونزع المحاريب الذهب والفضة المنصوبة على الكعبة وضربها دنانير دراهم وسماها الكعبية وخرج ابن المغربيّ من مكة فدعا العرب من سليم وهلال وعوف بن عامر ثم سار به وبمن اجتمع عليه من العرب حتى نزل الرملة فتلقاه بنو الجرّاح وقبلوا له الأرض وسلموا عليه بإمرة المؤمنين ونادى في الناس بالأمان وصلّى بالناس الجمعة فامتغص الحاكم لذلك وأخذ في استمالة حسان ومفرّج وغيرهما وبذلك لهم الأموال فتنكروا على أبي الفتوح وقلد أيضًا مكة بعض بني عمّ أبي الفتوح فضعف أمره وأحس من حسان بالغدر فرجع إلى مكة وكاتب الحاكم واعتذر إليه فقبل عذره وأما ابن المغربيّ فإنه لما انحلّ أمر أبي الفتوح ورأى ميل بني الجرّاح إلى الحاكم كتب إليه‏:‏ وأنتَ حسبي أنتَ تعلم أنَّ لي لسانًا أمامَ المجد يبني ويهدمُ وليسَ حليمًا من تُباسُ يمينُهُ فيرضى ولكنْ من تعُضُ فيحلُمُ فسير إليه أمانًا بخطه وتوجه ابن المغربيّ قبل وصول أمان الحاكم إليه إلى بغداد وبلغ القادر بالله خبره فاتهمه بأنه قدم في فساد الدولة العباسية فخرج إلى واسط واستعطف القادر فعطف عليه وعاد إلى بغداد ثم مضى إلى قرواش بن المقلد أمير العرب وسار معه إلى الموصل فأقام بها مدّة وخافه وزير قرواش فأخرجه إلى ديار بكر فأقام عند أميرها نصير الدولة أبي نصر أحمد بن مروان الكرديّ وتصرّف له وكان يلبس في هذه المدّة المرقة والصوف فلما تصرّف غير لباسه وانكشف حاله فصار كمن قيل فيه ابتاع غلامًا تركيًا كان يهواه قبل أن يبتاعه‏:‏ تبدّلَ من مرقعةٍ نسكٍ بأنواعِ الممسّكِ والشفوفِ وعنَّ لهُ غزالٌ ليس يحوي هواهُ ولا رضاهُ بلبسِ صوفِ فعاد أشدّ ما كان انتهاكًا كذاك الدهرِ مختلفِ الصروفِ وأقام هناك مدّة طويلة في أعلى حال وأجل رتبة وأعظم منزلة ثم كوتب بالمسير إلى الموصل ليستوزره صاحبها فسار عن ميافارقين وديار بكر إلى الموصل فتقلد وزارتها وتردّد إلى بغداد في الوساطة بين صاحب الموصل وبين السلطان أبي عليّ بن سلطان الدولة أبي شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة أبي شجاع بن ركن الدولة أبي عليّ بن بوي واجتمع برؤساء الديلم والأتراك وتحدّث في وزارة الحضرة حتى تقلدها بغير خلع ولا لقب ولا مفارقة الدراعة في شهر رمضان سنة خمس عشرة وأربعمائة فأقام شهورًا وأغرى رجال الدولة بعضهم ببعض وكانت أمور طويلة آلت إلى خروجه من الحضرة لى قرواش فتجدّد للقادر بالله فيه سواء ظنّ بسبب ما أثار من الفتنة العظيمة بالكوفة حتى ذهبت فيها عدّة نفوس وأموال ففرّ إلى أبي نصر بن مروان فأكره وأقطعه ضياعًا وأقام عنده فكوتب من بغداد بالعود إليها فبرز عن ميافارقين يريد المسير إلى بغداد فسُمَّ هناك وعادى إلى المدينة فمات بها لأيام خلت من شهر رمضان سنة ثمان عشرة وأربعمائة ومولده بمصر ليلة الثالث عشر من ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة‏.‏

وكان أسمر شديد السمرة بساطًا عالمًا بليغًا مترسلًا متفننًا في كثير من العلوم الدينية والأدبية والنحوية مشارًا إليه في قوّة الذكاء والفطنة وسرعة الخاطر والبديهة عظيم القدر صاحب سياسة وتدبير وحيل كثيرة وأمور عظام دوّخ الممالك وقلَّب الدول وسمع الحديث وروى وصنف عدّة تصانيف وكان ملولًا حقودًا لا تلين كبه لا تنحلّ عقده‏.‏

ولا يحني عوده ولا ترجى وعوده وله رأي يزين له العقوق ويبغض إليه رعاية الحقوق كأنه من كبره قد ركب الفلك واستولى على ذات الحبك وكان بمصر من بني المغربيّ أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين المغربيّ قد قتل الحاكم جدّه محمدًا مع أبيه عليّ بن الحسين كما تقدّم فلما نشأ أبو جعفر سار إلى العراق وخدم هناك وتنقلت به الأحوال ثم عاد إلى مصر واصطنعه الوزير البارزيّ وولاه ديوان الجيش وكانت السيدة أم المستنصر بالله تعني به فلما مات الزير البارزيّ واعتقله فتقرّرت له الوزارة وهو في الاعتقال وخلع عليه في الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة خمسين وأربعمائة ولقب بالوزير الأجل الكامل الأوحد صفيّ أمير المؤمنين وخالصته فما تعرّض لأحد ولا فعل في البابليّ ما فعله البابليّ فيه وفي أصحاب البارزيّ فأقام سنتين وشهورًا وصُرف في تاسع شهر رمضان سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة وكان الوزراء إذا صرفوا لم يتصرّفوا فاقترح أبو الفرج بن المغربيّ لما صرف أن يتولى بعض الدواوين فوليَ ديوان الإنشاء الذي يعرف اليوم بوظيفة كاتب السرّ وهو الذي استنبط هذه الوظيفة بديار مصر واستحدث استخدام الوزراء بعد صرفهم عن الوزارة ولم يزل نابه القدر إلى أن توفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة‏
*******************************************************************************

 المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 131 من 761) : " فلما قام من بعده ابنه الحاكم بأمر الله في الخلافة أمر في خامس شوال بحط الذين صلبم ابن نسطورس فتسلمهم أهلهم وأعطى لأهل كلّ مصلوب عشرة دنانير برسم كفنه ودفنه وخلع على عيسى بن نسطورس وأقرّه في ديوان الخاص ثم قبض عليه في ليلة الأربعاء سابع المحرّم سنة سبع وثمانين وثلاثمائة واعتقله إلى ليلة الإثنين سابع عشريه فأخرجه الأستاذ برجوان وهو يومئذ يتولى تدبير الدولة إلى المقس وضرب عنقه فقال وهو ماض إلى المقس‏:‏ كلّ شيء قد كنت أحسبه إلاّ موت العزيز بالله ولكن الله لا يظلم أحدًا والله إني لأذكر وقد ألقيت السهام للقوم المأخوذين في نهب دارماتك وفي بعضها مكتوب يُقتل وفي أخرى يُضرب فأخذ شاب ممن قبض عليه رقعة منها فجاء فيها يُقتل فأمرت به إلى القتل فصاحت أمّه ولطمت وجهها وحلفت أنها وهو ما كانا ليلة النهب في شيء من أعمال مصر وإنما ورد أمصر بعد النهب بثلاثة أيام وناشدتني الله تعالى أن أجعله من جملة من يَرب بالسوط وأن يُعفى من القتل فلم ألتفت إليها وأمرت بضرب عنقه فقالت أمّه‏:‏ إن كنتّ لا بدّ قاتله فاجعله آخر من يُقتل لأتمتع به ساعة فأمرت به فجُعل أوّل من ضرب عنقه فلطخت بدمه وجهها وسبقتني وهي منبوشة الشعر ذاهلة القعل إلى القصر فلما وافيت قالت لي أقتلته كذلك‏.‏

يقتلك الله فأمرت بها فضُربت حتى سقطت إلى الأرض ثم كان من الأمر ما ترون مما أنا صائر إليه وكان خبره عبرة لمن اعتبر وفي نصف شعبان سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ركب الحاكم بأمر الله إلى صناعة المقس لتطرح المراكب بين يديه‏.‏

صناعة الجزيرة‏:‏ هذه الصناعة كانت بجزيرة مصر التي تُعرف اليوم بالروضة وهي أوّل صناعة عملت بفسطاط مصر بنيت في سنة أربع وخمسين من الهجرة وكان قبل بنائها هناك خمسمائة فاعل تكون مقيمة أبدًا معدذة لحريق يكون في البلاد أو هدم ثم اعتنى الأمير أبو العباس أحمد بن طولون بإنشاء المراكب الحربية في هذه الصناعة وأطافها بالجزيرة ولم تزل هذه الصناعة إلى أيام الملك الأمير أبي بكر محمد بن طفج الإخشيد فأنشأ صناعة بساحل فسطاط مصر وجعل موضع هذه الصناعة البستان المختار كما قد ذكر في موضعه من هذا الكتاب‏.‏

========================================================================

 This site was last updated 11/03/11