Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

تولية المنصور ( الحاكم بأمر الله ) الخلافة

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
هل الخليفة الحاكم مجنون
الحاكم يهدم القيامة
إضطهاد الحاكم للأقباط
الضرب فى الميت حرام
الإختفاء العجيب للحاكم
أوامر الحاكم العجيبة
تولية الحاكم الخلافة
مسجد كان كنيس لليهود
الشهيدين أباكير ويوحنا
الدروز - مقتل الحاكم
جامع الخليفة الحاكم بأمراللّه
من هو الخليفة الفاطمى الحاكم

*************************************************************************************************************

هذه الصفحة تاريخ المنصور ( الحاكم بأمر الله ) ثالث الخلفاء الفاطميين الشيعة الذين حكموا مصر من سنة 385 هـ نقلت من كتاب اتعاظ الحنفا - أحمد بن علي المقريزي ج 1 ص 9 - 11 لفائدة القارئ الدارس وكعادة الموقع لم نزيد أو ننقص منها وضعناها كما هى ولكننا وضعنا لكل مقطع عناوين للتسهيل على الدارس

************************************************************************************************************************************

فى سنة 385 هـ بعد موت الخليفة العزيز بالله -

تولية المنصور ( الحاكم بأمر الله ) الخلافة وكان يلعب على شجرة جميز
 ورحلت سيدة الملك ابنة العزيز في الليل وسار بمسيرها القيصرية لأنهم كانوا برسمها ومعهم القاضي محمد بن النعمان وريدان صاحب المظلة وأبو سعيدا ميمون دبة فوافوا القاهرة وأقيم المأتم والصياح بالقصر وضبط الناس أحسن ضبط فلم يتحرك أحد ولم يبق شارع ولا وبادر برجوان إلى أبي علي منصور بن العزيز فإذا هو على شجرة جميز يلعب في دار ببلبيس فقال له‏:‏ بسك تلعب انزل‏.‏
فقال له‏:‏ ما أنزل والله الساعة‏.‏
فقال له‏:‏ انزل ويحك‏!‏ الله فينا وفيك وأنزله ووضع على رأسه العمامة بالجوهر وقبل له الأرض وقال‏:‏ السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته‏.‏
وأخرج به إلى الناس فقبل جميعهم له الأرض وسلموا عليه بالخلافة‏.‏
وخرج الناس من الغد للقائه فدخل إلى القاهرة وبين يديه البنود والبوقات بالمظلة يحملها ريدان والعساكر كلها معه والعزيز بين يديه على عمارية وقد خرج قدماه منها ونودي في البلد‏:‏ لا مؤنة ولا كلفة وقد أمنكم الله على أنفسكم فمن عارضكم أو خاطبكم فقد حل دمه وماله‏.‏
وقد لقب أبو علي المنصور الحاكم بأمر الله‏.‏
فاتفق كل المغاربة واشترطوا أن لا ينظر في أموالهم إلا ابن عمار‏.‏

الحاكم بأمر الله

أبو علي منصور ابن العزيز بالله أبي المنصور نزار ابن المعز لدين الله أبي تميم معد ولد في القصر بالقاهرة ليلة الخميس الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلثمائة في الساعة التاسعة الموافق صبيحتها الثالث عشر من شهر آب‏.‏

والطالع من السرطان سبع وعشرون درجة والشمس في برج الأسد على خمس وعشرين درجة والقمر بالجوزاء على إحدى عشرة درجة وزحل بالعقرب على أربع وعشرين درجة والمشتري بالميزان على ثمان درج والمريخ بالميزان على ثلاث عشرة درجة والزهرة بالميزان على تسع عشرة درجة وعطارد بالأسد على عشر درج والرأس بالدلو على خمس درج‏.‏
وسلم عليه بالخلافة في الجيش بعد الظهر من يوم الثلاثاء ثامن عشري شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلثمائة‏.‏
وسار إلى قصره في يوم الأربعاء بسائر أهل الدولة والعزيز في قبة على ناقة بين يديه وعلى الحاكم دراعة مصمتة وعمامة فيها الجوهر وبيده رمح وقد تقلد السيف فوصل إلى القصر ولم يفقد من جميع ما كان مع العساكر شيء ودخله قبل صلاة المغرب وأخذ في جهاز أبيه العزيز ودفنه‏.‏
ثم بكر سائر أهل الدولة إلى القصر يوم الخميس وقد نصب للحاكم سرير من ذهب عليه مرتبة مذهبة في الإيوان الكبير‏.‏
وخرج من قصره راكباً وعليه معممة الجوهر فوقف الناس بصحن الإيوان وقبلوا الأرض ومشوا بين يديه حتى جلس على السرير فوقف من مهمته الوقوف وجلس من له عادة الجلوس‏.‏
فسلم عليه الجماعة بالإمامة واللقب الذي اختير له وهو الحاكم بأمر الله‏.‏
وكان سنه يومئذ إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وستة أيام‏.‏

وكان جماعة من شيوخ كتامة تخلفوا عن الحضور وتجمعوا نحو المصلى‏.‏ فخرج إليهم أبو محمد بن الحسن بن عمار في طائفة من شيوخهم وما زالوا بهم حتى أحضروهم بعد امتناعهم من الحضور وشكوا من قيس بن نسطورس وسألوا صرفه وأن تكون الوساطة لرجل منهم فندب لذلك أبو محمد الحسن بن عمار‏.‏
فقرر أحوالهم فيما يطلق لهم من الرزق بعد خطاب طويل على أن يطلق لهم ثماني إطلاقات في كل سنة وأن يكون لكل واحد ثمانية دنانير وأن يطلق هذا الفض في يومهم بحضرة أمير المؤمنين‏.‏
فأحضر المال ودفع إليهم بحضرة الحاكم الفضل وهو وخلع على أبي الحسن يانس الخادم الصقلبي وحمل على فرسخين وقال‏:‏ يتولى القصور‏.‏
وفي أول شوال فرش على سرير الذهب في الإيوان مرتبة نسيج فضة وخرج الحاكم على فرس أدهم بمعممة الجوهر وقد تقلد السيف وفي ركابه الايمن حسين بن عبد الرحمن الرابض وفي ركابه الأيسر برجوان والناس قيام فقبلوا له الأرض ودعوا‏.‏

فقال ابن عمار للقاضي محمد بن النعمان‏:‏ مولانا يأمرك بالخوارج إلى المصلى للصلاة بالناس وإقامة الدعوة لأمير المؤمنين‏.‏
فنهض قائما وقلده برجوان بسيف محلى بذهب من سيوف العزيز ومضى فصلى وأقام الدعوة ثم قدم‏.‏
ونصب السرير الذهب في صفة الإيوان ونصب السماط الفضة وخرج الحاكم من القصر وكان قد دخل إليه وهو على فرس أشقر فجلس على السماط وحضر من له رسم فأكلوا وانصرفوا‏.‏
وفي ثالثه خلع علي ابن عمار وقلد بسيف من سيوف العزيز وحمل على فرس بسرج ذهب وكناه الحاكم ولقبه بأمين الدولة وقال له‏:‏ أنت أميني على دولتي ورجالي‏.‏ وقاد بين الخيل وعمل خمسين ثوبا ملونة من البز الرفيع‏.‏ ومضى في موكب عظيم إلى داره‏.‏

وكتب سجل من إنشاء أبي منصور بن سيرين وبخطه قرأه القاضي محمد بن النعمان بالجامع يتضمن وراثة الحاكم الملك من أبيه ويعد الرعية فيه بحسن النظر لهم وأمر فيه بإسقاط مكوس كانت بالساحل‏.‏ ففرح الناس‏.‏


وكانت عدة ممن قتلهم ابن نسطورس لما احترق الأسطول على الخشبة فأمر بتسليمهم إلى أهليهم وأطلق لكل واحد عشرة دنانير من أجل كفنه فكثر الدعاء من الرعية للحاكم‏.‏
وأمر بقلع الالواح التي على دور الأخباز وسلمت لأربابها ومستحقيها فبلغت شيئا كثيرا‏.‏ وخلع على القائد أبي عبد الله الحسين بن جوهر القائد ورد إليه البريد والإنشاء فكان يخلفه ابن سورين وحمل بين يديه كثير من الخيل والثياب وحمل على فرس بمركبين‏.‏
واستكتب أمين الدولة ابن عمار أبا عبد الله الموصلي واستخلفه على أخذ رقاع الناس وتوقيعاتهم‏.‏
عيسى بن نسطورس وزبراً للحاكم
وأقر عيسى بن نسطورس على ديوان الخاص‏.‏

وخلع على جماعة بولايات عديدة وقرىء سجل قرأه القاضي بالجامع يتضمن ولاية ابن عمار الوساطة وتلقيبه بأمين الدولة وأمر الناس كلهم أن يترجلوا لابن عمار فترجلوا بأسرهم له‏.‏
وفي ثاني ذي القعدة تجمع الكتاميون عند المصلى فأنفذ إليهم واستحضرهم وتقرر أمرهم على النفقة فيهم فأنفق عليهم‏.‏
وحمل راجلهم على الخيل وكانوا نحو الألف رجل وأركبت وفي ثاني عشره خلع على أبي تميم سلمان بن جعفر بن فلاح وقلد السيف وحمل على فرس بمركب ذهب وقيد بين يديه بأربعة أفراس مسرجة ملجمة وحمل بين يديه ثياب كثيرة من كل نوع وجرد معه عسكر ليسير إلى الشام‏.‏
وسارت قافلة الحاج بكسوة الكعبة والصلات والنفقة على الرسم المعتاد في النصف منه‏.‏
وركب الحاكم يوم الأضحى فصلى بالناس صلاة العيد بالمصلى وخطب وأصعد معه المنبر القاضي محمد بن النعمان وبرجوان وابن عمار وجماعة‏.‏
 

سنة سبع وثمانين وثلثمائة
في المحرم ورد سابق الحاج فأخبر بتمام الحج والدعاء للحاكم في الحرمين‏.‏
وفيه نزع سعر القمح وغيره وعز وجوده واشتد الغلاء ووقع في البلد خوف شديد من طرف رجل من اللصوص في الليل وكبسه دور الناس فتحارسوا في الليل وأخذت نساء من الطرقات وعظم الأمر في ذلك‏.‏

قتل عيسى بن نسطورس
وفيه ضربت رقبة عيسى بن نسطورس‏.‏
ووصل الحاج في رابع عشر صفر فخلع على سبكتكين مقدم القافلة وحمل على عدد من ووقف سعر الخبز على أربعة أرطال بدرهم‏.‏
وسار أبو تميم سلمان بن جعفر بن فلاح بعد أن خلع عليه وقيد بين يديه عدة خيول وحمل معه شيء كثير من الثياب وأنفق في أهل عسكره فنزل مسجد تبر فأقام إلى تاسع عشر ربيع الأول فخرج إليه الحاكم وحلفه ومن معه وعاد‏.‏
فرحل ابن فلاح إلى القصور فأقام بها‏.‏
وقرىء سجل يوم الجمعة للنصف منه بمدح كتامة ولعن منجوتكين على سائر منابر مصر وفي القصر‏.‏
وخلع على جماعة من الحمدانية وجهزوا إلى ابن فلاح فساروا معه‏.‏
وفي آخره أخرج ابن عمار إلى سلمان بن جعفر بن فلاح بخزانة مال على ثمانية وستين بغلا في صناديق فيها أربعمائة ألف دينار وسبعمائة ألف درهم وستة وأربعين حملاً من السلاح وعشر جمازات عليها دروع وست قباب بفرشها وأهلتها ومناطقها وجميع آلاتها منها قبتان قرقرى مثقل وباقيها ديباج وست جمازات تجنب بآلة الديباج الملون وثلاثين جمازة بأجلتها وعشرة أفراس وثلاث بغلات بمراكبها ومنديل حمله خادم فيه ثياب مشرف بها من ثياب العزيز وسيف من سيوفه‏.‏
وفي ثالث ربيع الآخر ركب الحاكم وابن عمار إلى القصور فودعا ابن فلاح وسار في ثلاثة من كتامة وسبعمائة فارس من الغلمان وانضم إليه من عرب الرملة ثمانية آلاف‏.‏
وفي النصف منه شق الحاكم المدينة وقد زينت زينة عظيمة وزيدان يحمل مظلة عن يمينه وابن عمار عن يساره ويرجوان وحده خلفه فدخل الصناعة‏.‏
وأما منجوتكين فإنه لما بلغه ما فعله ابن عمار من إكرام كتامة وحطه من مراتب المصطنعين الذين اصطنعهم العزيز من الأتراك خاف‏.‏
فلم يكن غير قليل حتى بلغه خروج سلمان بن جعفر بن فلاح إلى الشام بالكتاميين فسار إلى الرملة مستعد القتال من يجيئه من مصر فالتقيا برفح‏.‏
وكانت الوقعة بين الطوالع فانهزم أصحاب منجوتكين وسار ابن فلاح إلى منجوتكين فلقيه بظاهر عسقلان وقد انضم إليه ابن الجراح في كثير من العرب فاستأمن إلى ابن فلاح عدة من أصحاب منجوتكين‏.‏
واقتتلا يوم الجمعة رابع جمادى الأولى فقتل كثير من أصحاب منجوتكين وأسر عدة منهم وانهزم منجوتكين بمن بقى معه فقطع من عسقلان إلى دمشق في ثلاثة أيام وأهلها في مجاعة من غلاء الأسعار وقلة الطعام وقد راجت الغلال‏.‏
فاجتمع أهل البلد إلى الجامع وهم كثير فيهم حمال السلاح ومن يطلب الفتن‏.‏
فقال الناس‏:‏ نرح منجوتكين عنا وقال طلاب الفتن‏:‏ لا ما نقاتل معه وساروا إلى داره ومعهم قوم من المرج يقال لهم الهياجنة أهل شر وفساد فنهبوها وما حولها من دور أمرائها‏.‏
وخرج منهزما في يسير من الجند فراسخ فنزل على ابن الجراح‏.‏
وبلغ ذلك ابن فلاح فأرسل بأخيه علي بن جعفر بن فلاح في ألفي رجل فنزل بظاهر دمشق لست بقين منه وبعث إلى ابن الجراح رسولاً بأن ينفذ منجوتكين إلى مولانا فإنا لا نريد به سوءاً وهو آمن وبذل له مالا‏.‏
فسار منجوتكين ودخل القاهرة في ثاني عشري رجب فأنزله ابن عمار في دار وكان يركب في خدمته وإذا لقيه وهو راكب ترجل له‏.‏
وكان ابن عمار ينزله أدون المراتب وغير رسومه كلها‏.‏
وأما علي بن جعفر بن فلاح فإنه لما قدم من عند أخيه ولى البلد لرجل من المغاربة لم يكن عنده ما رآه بل كان فظا غليظاً فشاق العامة وواجههم فثاروا عليه بالسلاح وركب المغاربة وكانت بينهم حروب‏.‏
ثم إن شيوخ البلد خرجوا إليه وأصلحوا الأمر‏.‏
وسار علي من الرملة فنزل على دمشق في عسكر عظيم يوم الاثنين لست بقين من رجب وأقام لا يأمر بخير ولا شر‏.‏
وأما ابن عمار فإنه لما نظر في الأمر كان ينزل على باب الحجرة التي فيها الحاكم ويدخل القصر راكبا فيشق قاعة الدواوين ويدخل من الباب الذي يجلس فيه خدم الخاصة ثم يعدل منه إلى باب الحجرة فينزل ويركب منه‏.‏
وكان الناس من الشيوخ والرؤساء على سائر طبقاتهم يبكرون إلى داره والباب مغلق فيفتح بعد وقت فيدخل إليه الوجوه فيجلسون في قاعة الدار على حصير وهو في مجلسه لا يدخل إليه أحد فإذا مضت لهم ساعة أذن للوجوه فالقاضي وبعده كتامة والقواد فيدخل أعيانهم ثم يأذن لسائر الناس فلا يقدر أحد على الوصول إليه فمنهم من يومى إلى تقبيل الأرض ومنهم من يقبل الركاب ومنهم من يقبل ركبته‏.‏
وتسلم النظر والإسطبلات عامرة فأخرج لرجال كتامة وأحداثهم ألفا وخمسمائة فرس ولم يبق من شيوخهم إلا من قاد إليه الفرسين والثلاثة بمراكبها‏.‏
وحمل لسلمان بن جعفر ابن فلاح ما يتجاوز ألف رأس وجل رحل العزيز وأمتعته‏.‏
وباع من الخيل والبغال والنجب والحمر ما يتجاوز الألوف حتى بيعت الناقة بستة دنانير والحمار الذي قيمته أربعون دينارا بأربعة دنانير‏.‏
وقطع أكثر الرسوم التي كانت لأولياء الدولة من الأتراك والعبيد وقطع أكثر ما كان في المطابخ‏.‏
وقطع أرزاق جماعة أرباب الراتب وفرق كثيرا من الجواري طلباً للتوفير‏.‏
واصطنع أحداث المغاربة فكثر عبث أشرارهم وامتدت أيديهم إلى أخذ الحرم في الطرقات وعروا جماعة من الناس فكثرت الشكاية منهم ولم يبد كبير نكير فأفرط الأمر حتى تعرضوا إلى الأتراك يريدون أخذ ثيابهم فثار لذلك شر قتل فيه واحد من المغاربة وغلام تركي فسار أولياء الكتامى ليأخذوا التركي قاتله ويأتوا به إلى قبر المقتول فيعتقوه هناك فلما أخذوه قتلوه على قبر الكتامي‏.‏
فاجتمعت أكابر الطائفتين وتحزبوا فوقعت الحرب بينهما وقتل جماعة وانطلقت ألسن كل منهما في الآخرين بالقبيح‏.‏
وأقاموا على مصافهم يومين آخرهما تاسع شعبان فركب ابن عمار في عاشره بآلة الحرب وقد حفت به المغاربة وتبادر إليه الاتراك فاقتتل الفريقان وقتل منهما جماعة وجرح كثير‏.‏
وجيء لابن عمار بعدة رؤوس طرحت بين يديه فأنكر ذلك وظهر له الخطأ في ركوبه فعاد إلى داره‏.‏
وجاء برجوان ليصلح الأمر فثار الغلمان وركبوا دار ابن عمار للفتك به فأركب برجوان إلى القصر وانبسطت أيدي المغاربة وأحداث الغلمان والنهابة فانتهبوا دار ابن عمار واسطبلاته ودار رشا غلامه وأخذوا ما لا يحصى كثرة‏.‏
وانعزل لثلاث بقين منه وتحول من القاهرة إلى داره بمصر‏.‏
فكانت أيام نظره أحد عشر شهرا غير خمسة أيام‏.‏
فأقام بمصر سبعة وعشرين يوماً ثم عاد إلى القاهرة بأمر الحاكم فأقام بها لا يركب ولا يجتمع به سوى خدمه وأطلقت له رسومه وجراياته وجرايات حشمه على رتبه في أيام نظره‏.‏

وتقدم الحاكم إلى برجوان أن ينظر في التدبير على ما كان ابن عمار فنظر في ذلك لثلاث بقين من رمضان وسار إلى القصر وجمع الغلمان الأتراك ونهاهم عن التعرض لأحد من الكتاميين والمغاربة‏.‏
وقبض على عريف الباطلية فإنهم كانوا قد نهبوا شيئا كثيرا لابن عمار وألزمه بإحضار ما نهب أصحابه‏.‏
وأجرى الرسوم والرواتب التي قطعها ابن عمار وأجرى لابن عمار ما كان يجري له في أيام العزيز ولآله وحرمه ومبلغ ذلك من اللحم والتوابل والفاكهة خمسمائة دينار في كل شهر يزيد على ذلك تارة وينقص أخرى على قدر الأسعار مع ما كان له من الفاكهة وهو في كل يوم سلة بدينار وعشرة أرطال شمع كل يوم وحمل ثلج عن يومين فأجرى له ذلك مدة حياته‏.‏

أبا العلا فهد بن إبراهيم النصراني كاتباً
وجعل برجوان أبا العلا فهد بن إبراهيم النصراني كاتبه يوقع عنه فنظر في قصص الرافعين وظلاماتهم وطالعه بما يحتاج إليه فرتب الغلمان في القصر وأكد عليهم في ملازمة الخدمة وتفقد أحوالهم‏.‏
وأزاح علل أولياء الدولة وتفقد أمور الناس وأزال ضروراتهم ومنع من الترجل له‏.‏
وكان الناس يلقونه في داره فإذا تكاملوا ركب وهم بين يديه إلى القصر‏.‏
ولقب كاتبه فهد بن إبراهيم بالرئيس فكان يخاطب بذلك ويكاتب به ويركب أكثر الناس إلى داره حتى يخرج برجوان إلى القصر فيجلس فيه في آخر دهاليزه ويجلس فهد في الدهليز الأول يوقع وينظر ويطالع برجوان بما يحتاج له فيخرج الأمر بما يكون‏.‏
فلم يزل الأمر على ذلك حتى انتهت مدتهما‏.‏
وكان الحاكم يركب كل يوم إلى الميدان فيجلس على سريره بالطارمة فتعرض عليه الخيل والقراء بين يديه وربما أنشده الشعراء ثم ينصرف إلى القصر فيجلس برجوان وكاتبه لأخذ رقاع المتظلمين وأرباب الحاجات فلا يزالان حتى لا يبقى منهم أحد ثم يدخلان‏.‏
فإذا فرغ الحاكم من غدائه ورفعت المائدة تقدم أبو العلا فجلس بين يديه وبرجوان قائم على رأسه حتى يقرأ جميع تلك الرقاع ويوقع عليها الحاكم في أعلاها بما يراه ثم يخرج بها فتفرق كلها ويمضى بها إلى الديوان فتنفذ من غير مراجعة‏.‏
وكان الحاكم إذا جلس في الطارمة وأنشده الشعراء تناول برجوان قصائدهم فجعلها في كمه فإذا عرض رقاع الناس وفرغ من التوقيع قرأ القصائد وقد حضر من له تمييز ومعرفة بالشعر‏.‏
وكان الحاكم له من الحذق بذلك ما ليس لغيره فإذا أنشده الشاعر أو أنشد له أبو الحسن لا ينشد ويمر بالبيت النادر أو المعنى الحسن إلا نبه برجوان عليه واستعاده مراراً ثم يوقع لكل واحد منهم بقدر استحقاقه ومبلغه من صناعته فتخرج صلاتهم بحسب ذلك‏.‏
ست الملوك تهدى أخيها خيول مسرجة بالذهب

وفي يوم الثلاثاء تاسع شعبان أهدت ست الملوك إلى أخيها الحاكم بأمر الله ثلاثين فرسا مسرجة أحدها مرصع وآخر بلور وبقيتها ذهب وعشرين بغلة مسرجة ملجمة وخمسين خادما منها عشرة صقالبة ومائة تخت ثياب وتاجا مرصعا وشاشية مرصعة وأسفاطا كثيرة من طيب وبستانا من الفضة مزروعا من أنواع الشجر‏.‏
وصلى الحاكم بالناس صلاة عيد الفطر بالمصلى وخطب وأصعد معه المنبر الحسين بن جوهر والقاضي والأستاذ برجوان وجماعة‏.‏
وسارت قافلة الحاج من بركة الجب بالكسوة للكعبة والزيت والدقيق والقمح والشمع والطيب لمكة والمدينة في تاسع ذي القعدة‏.‏
وفيه خرج جيش بن الصمصامة إلى الشام مكان سلمان بن جعفر بن فلاح فرحل ابن فلاح عن دمشق في يوم الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة بعسكره وسار إلى الرملة‏.‏
وفيها صلى الحاكم بالمصلى صلاة العيد يوم النحر بالناس وخطب على رسمه‏.‏
وورد الخبر من مدينة قوص بأن شدةً نزلت بهم من برق ورعد ومطر وحجارة نزلت من السماء منها ما لم يسمع بمثله وأنهم زلزلوا زلزلة شديدة قصفت النخل والجميز واقتلعت خمسمائة نخلة من أصولها‏.‏
وانبثق بقوص وأعمالها زرقة خضراء على ظهر الأرض وغرقت عدة مراكب مشحونة بغلال تساوى أموالا كثيرة‏.‏
وفيها كتب الحاكم بأمر الله مع الشريف الداعي علي بن عبد الله سجلين لأبي مناد باديس ابن يوسف بن زيرى أحدهما بولايته المغرب وتلقيبه نصير دولة الحاكم والثاني بوفاة العزيز بالله وخلافة الحاكم وأخذه العهد على بني مناد‏.‏
فأنزل وأكرم وأخذ العهد على جميع قبائل صنهاجة وعمومهم بالبيعة للحاكم في جمادى الآخرة ثم عاد فقدم إلى القاهرة يوم الخميس لليلتين خلتا من جمادى الآخرة بعد أن وصله نصير الدولة بمال جليل وثياب وخيول‏.‏
 

ودخلت سنة ثمان وثمانين وثلثمائة
الأقباط يحتفلون بعيد الغطاس
في المحرم كان غطاس النصارى فضربت الخيام والمضارب والأشرعة في عدة مواضع من شاطىء النيل ونصبت أسرة للرئيس فهد بن إبراهيم وأوقدت له الشموع والمشاعل وحضر المغنون والملهون وجلس مع أهله يشرب إلى أن جاء وقت الغطاس فغطس وانصرف‏.‏

وورد سابق الحاج لثمان خلون منه‏.‏
وخلع على أبي الحارث فحل بن إسماعيل بن تميم بن فحل الكتامي وقيد بين يديه وحمل إليه وقلد صور وخلع على أبي سعيد وقلد الحسبة‏.‏
وخلع على أبي الحسن يانس الخادم الصقلبي وقلد بسيف ودفع إليه رمح وحمل على فرس بمركب ذهب ثقيل وحمل إليه خمسة آلاف دينار وعدة من الخيل والثياب ومائة غلام وسار لولاية برقة‏.‏
وخلع على خود الصقلبي وقلد بسيف وحمل وقيد بين يديه فرس وحمل إليه ثياب وقلد ووصلت قافلة الحاج سابع عشر صفر‏.‏
وسار ميسور الخادم الصقلبي والباعلي طرابلس وخلع على فائق الخادم الصقلبي وجعل على الأسطول‏.‏


وفي سادس عشر ربيع الأول كان نوروز الفرس فأهدى الأتراك وقوادهم وجماعة الأولياء إلى الحاكم الخيل والسلاح الكثير فقبل يسيراً منه وشكر ذلك لهم ورد الباقي إليهم‏.‏
وفي أول ربيع الآخر قدم سلمان بن فلاح وأخوه من الرملة‏.‏
الإحتفال بعيد القيامة
وفي سادس عشر كان فصح النصارى فخلع على فهد بن إبراهيم خلعة حملت إلى داره ومعها بغلتان بمركبيهما وألف دينار‏.‏

وخلع على أبي سعادة أيمن الخادم أخي برجوان وقلد غزة وعسقلان في سادس جمادى الأولى‏.‏
وورد الخبر بفتح صور‏.‏
وذلك أن أهل صور ثاروا على من عندهم من المغاربة وقتلوا منهم جماعة وقتلوا من بقى وغلب على البلد رجل من البجوية يقال له العلاقة وأرسل إلى الروم فسيروا إليه بمراكب فيها رجال فخرج إليهم عسكره وسارت إليها المراكب من مصر فقاتلوا من بها من الروم فانهزموا عنها في مراكبهم وبدت أهل البلد فألح القتال عليهم حتى ملكت منهم‏.‏
وامتنع العلاقة ومعه طائفة في بعض الأبرجة ثم طلبوا الأمان‏.‏
فانتهبت المدينة وأخذ منها ما لا يعرف قدره كثرة في الرابع عشر من جمادى الآخرة‏.‏
وحمل العلاقة مقيدا وسيق في جماعة معهم إلى القاهرة فشهروا وقد ألبس العلاقة طرطورا من رصاص له عظم وثقل على رأسه وكاد أن يغوص على رقبته ثم قتل وصلب وقتلت أصحابه‏.‏
وفي شعبان ورد الخبر من جيش بمواقعة الروم على فامية وأنطاكية‏.‏
وذلك أن جيشا نزل على دمشق ونزل بشارة إلى طبرية أيضاً لأربع خلون من رجب وكتب إلى بشارة بولاية دمشق فأقر عليا والياً من قبله وسار بعساكره هو جيش في رابع عشره إلى فامية وبها الروم‏.‏
فاشتد القتال بينهم وبين الروم فانهزم المسلمون وملك الروم سوادهم‏.‏
ثم غلبوا وعادوا إلى محاربة الروم فواقعوهم فانهزم الروم وقتل منهم نحو خمسة آلاف وقتل مقدمهم وذلك لتسع بقين من رجب‏.‏
ورجع المنهزمون إلى جيش ابن الصمصامة وقد خافوه فسار بهم إلى نحو مرعش فأحرقوا وهدموا ولم يلقهم أحد ونزل على أنطاكية فقاتل أهلها أياماً ثم رحل عنها إلى شيزر‏.‏
وسار بشارة إلى دمشق فنزلها للنصف من شوال على أنه قد ولى البلد فأقبل إليه جيش فنزل ظاهر المزة لسبع بقين من ذي القعدة وقد هجم الشتاء فوافى الكتاب من مصر بعزل بشارة عن دمشق وولايته طبرية واستقرار جيش على ولاية دمشق فدخلها واستقر بها‏.‏
وفي شهر رمضان صلى الحاكم بجامع القاهرة بالناس بعد ما خطب وعليه رداء وهو متقلد سيفا وبيده قضيب وزرر عليه جلال القبة لما خطب وقال خطبة مختصرة سمعها من قرب منه‏.‏
وهي أول جمعة صلاها ثم صلى جمعة أخرى وصلى صلاة عيد الفطر في المصلى وخطب على الرسم المعتاد وحضر السماط‏.‏

وأحضرت امرأة من الشام في علبة طولها ذراع واحد من غير زيادة وافت من خراسان ومعها أخ لها في قد الرجال فأنزلت بالقصر وأقيم لها ولمن معها الأنزال وكانوا عدة وقطع لها في وقت واحد مائة ثوب مثقل وحرير‏.‏
وكانت مليحة الكلام نظيفة ولبثت بضعة وثلاثين يوماً وماتت فكانت لها جنازة عظيمة‏.‏
وسارت قافلة الحاج في ثالث عشر ذي القعدة بالكسوة والصلات على العادة‏.‏
وصلى الحاكم يوم عيد النحر بالمصلى وخطب‏.‏
ووصل خود من قبل جيش بن الصمصامة في عشري ذي القعدة ومعه عدة أسارى ورءوس كثيرة فطيف بهم في البلد ثم عفى عن الأسرى وأطلقوا سنة ثمان وثمانين وثلثمائة في حادي عشر المحرم ورد سابق الحاج فأخبر أن عدن احترقت كلها وتلف فيها من المال ما لا يعرف له قيمة لكثرته‏.‏
وفي ليلة الرابع من صفر مات قاضي القضاة محمد بن النعمان فركب الحاكم وصلى عليه‏.‏
وله من العمر تسع وأربعون سنة إلا يوما ومولده لثلاث خلون من صفر سنة أربعين وثلثمائة وكانت مدة ولايته القضاء بمصر وأعمالها أربع عشرة سنة وستة أشهر وعشرة أيام‏.‏
ودفن بداره ثم نقل إلى القرافة وقيدت دوابه إلى الاصطبل‏.‏
وترك عليه دينا للأيتام وغيرهم عشرين ألف دينار وقيل ستة وثلاثين ألف دينار فبعث برجوان كاتبه أبا العلاء فهد بن ابراهيم فختم على جميع ما ترك القاضي ولم يمكن ورثته من شيء وباع ذلك كله‏.‏
وطالب الأمناء والعدول بأموال اليتامى المتبقية عليهم في ديوان القضاء فزعموا أن القاضي قبضها وأقام بعضهم بينة على ذلك وعجز بعضهم فأغرم من لم يقم بينة ما ثبت عليه‏.‏
فاجتمع من البيع والأمناء ثمانية عشر ألف دينار أخذها الغرماء بحق النصف مما لهم‏.‏
وأمر الحاكم ألا يودع عند عدل ولا أمين شيء من أموال اليتامى وأن يكتروا مخزنا في زقاق القناديل وتودع فيه أموال اليتامى فإذا أرادوا دفع أموال اليتامى حضر أربعة من ثقات القاضي وجاء كل أمين فأطلق لمن يلي عليه رزقه بعد مشورة القاضي في ذلك فكتب على الأمين وثيقة بما بقبضه من المال لمن يلي عليه‏.‏
ورجم في ولايته رجلا زنى في ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة‏.‏
وكان أكثر أيامه عليلا بالنقرس والقولنج وكان برجوان على كلالته يعوده إذا مرض فمن دونه‏.‏
وكان يكاتب بقاضي القضاة‏.‏
وعلت منزلته حتى جاز حد القضاة وكانت النعمة تليق به وعم إحسانه سائر أصحابه وأتباعه‏.‏
وكان حسن الخلق ندي الوجه فاخر الزي يلبس الدراعة والعمامة بغير ولما مرض رأى كأن الحق تعالى نزل من السماء فلما بلغ باب داره مات فقال له ابن قديد عابر الرؤيا موت الحق إبطاله والله هو الحق ولا يزال الحق حيا حتى يصير إلى بابك فيموت فمات هو بعد ذلك بقليل‏.‏
ومن شعره‏:‏
أيا مشبه البدر بدر السماء ** لسبعٍ وخمسٍ مضت واثنتين
ويا كامل الحسن في نعته ** شغلت فؤادي وأنهرت عيني
فهل لي من مطمع أرتجيه ** وإلا انصرفت بخفّى حنين
ويشمت بي شامت في ** هواك صفر اليديين
فإمّا مننت وإمّا قتلت ** فأنت القدير على الحالتين

ومنه‏:‏
تأمل لذى الدنيا تجدها مشوبة ** سرورا بحزن في تقلّب أحوال
وقد قسمت أشياؤها بين أهلها ** فمالٌ بلا أمنٍ وأمنٌ بلا مال
وأقامت البلد بعد موته تسع عشرة ليلة بغير قاض‏.‏

وفي ثالث عشر منه استدعى برجوان أبا عبد الله الحسين بن علي ابن النعمان إلى حضرة الحاكم بأمر الله وأضعف له أرزاق عمه وصلاته وإقطاعاته وقال له‏:‏ قد أرحت عليك فلا توجد لي سبيلا إليك بتعرضك لدرهم من أموال المسلمين فقد أغنيتك عنها‏.‏
ثم خلع عليه ثيابا بيضا ورداءً محشّى مذهبا وعمامة مذهبة وقلده سيفا وحمله على بغلة وقاد بين يديه بغلتين بسروجهما ولجمهما وحمل معه ثيابا كثيرة صحاحا ورد إليه القضاء بمصر وأعمالها ولم يظن ذلك أحد لضعف حاله وكان الناس يتخيلون ولاية عبد العزيز بن محمد بن النعمان بعد أبيه لأنه كان يخلف أباه فنزل إلى الجامع العتيق وقرئ سجله على منبره‏.‏
فنظر بين الناس وأوقف شهادة جماعة من الشهود وندب أربعة لكشف أحوال الشهود وألزم ولاة أمور الأيتام برفع حسابهم‏.‏
وطالب عبد العزيز بن النعمان بما على أبيه من أموال الأيتام‏.‏
وجعل موضعا بزقاق القناديل يكون مودعا لأموال الأيتام وجعل خمسة من الشهود يضبطون ما يرد إليه وما يخرج منه بحجج يكتب فيها خطوطهم فاستحسن ذلك من فعله‏.‏
وهو أول من اتخذ مودعا للأيتام من القضاة‏.‏
واستخلف بمصر أبا عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر وبالقاهرة أبا الحسن مالك ابن سعيد الفارقي وعلى العرض والنظر بين المتحاكمين إذا غاب الحسن بن طاهر وأبا العباس أحمد بن محمد بن عبيد الله بن العوام‏.‏
واستكتب أبا طاهر زيد بن أحمد بن السندي وأبا القاسم علي بن عبد الرزاق وجعل إلى أخيه أبي النعمان المنذر بن علي النظر في العيار ودار الضرب‏.‏
واستخلف على الإسكندرية وأعمالها‏.‏
وقوى أمره وتشدد في الأحكام وقبل شهادة من أوقف شهادته وعزل آخرين واتخذ حاجبا‏.‏
وتولى أمر الدعوة وقراءة ما يقرأ في القصر من مجالس الدعوة وكتبها وعلت منزلته‏.‏
وفي خامس عشري صفر وصل حاج البيت‏.‏
وصلى الحاكم في رمضان بالناس جمعتين وخطب وصلى صلاة عيد الفطر وخطب وأصعد القاضي معه في جماعة وجلس على السماط‏.‏
وسارت قافلة الحاج أول ذي القعدة بالكسوة والصلات على العادة‏.‏
وصلى الحاكم صلاة عيد النحر وخطب على الرسم وأجرى الناس في أضاحيهم على عوائدهم‏.‏
وعمل عيد الغدير على العادة وطاف الناس بالقصر على رسمهم‏.‏

سنة تسعين وثلثمائة
في أول يوم من المحرم ظهر الحاكم ودخل الناس فهنئوه بالعام‏.‏
كان سعر الخبز ستة عشر رطلاً بدرهم‏.‏
وسقط إصطبل فهد بن ابراهيم فمات له نحو ستين وفي حادي عشر صفر وصلت قافلة الحاج من غير أن يدخلوا إلى المدينة النبوية‏.‏

الحاكم بأمر الله يقتل برجوان
وفي سادس عشر من ربيع الآخر أنهد الحاكم إلى برجوان عشية يستدعيه للركوب معه إلى المقس فجاء بعد بطء وقد ضاق الوقت إلى القصر ودخل بالموكب ورؤساء الدولة والكتاب إلى الباب الذي يخرج منه الحاكم إلى المقس فلم يكن بأسرع من خروج عقيق الخادم وهو يصيح‏:‏ قتل مولاي وكان عقيق عيناً لبرجوان في القصر وقد جعله على خزاناته الخاصة‏.‏
فاضطرب الناس وبادروا إلى باب القصر الكبير فوقفوا عنده وأشرف عليهم الحاكم‏.‏
وقام زيدان صاحب المظلة فصاح بهم‏:‏ من كان في الطاعة فلينصرف إلى منزله ويبكر إلى القصر المعمور فانصرف الجميع‏.‏
وكان قتل برجوان في بستان يعرف بدويرة التين والعناب كان الحاكم فيه مع زيدان فجاء برجوان ووقف مع زيدان‏.‏
فسار الحاكم حتى خرج من باب الدويرة فعاجل زيدان وضرب برجوان بسكين كانت في خفه وابتدره قوم وقد أعدوا له السكاكين والخناجر فقتل مكانه وحزت رأسه وطرح عليه حائط‏.‏
وسبب ذلك أن برجوان لما بلغ النهاية قصر في الخدمة واستقل بلذاته وأقبل على سماع الغناء وكان كثير الطرب شديد الشغف به فكان يجمع المغنين من الرجال والنساء بداره فيكون معهم كأحدهم ولا يخرج من داره حتى يمضى صدر من النهار ويتكامل الناس على بابه فيركب إلى وكان برجوان من استبداده يكثر من الدالة على الحاكم فحقد عليه أموراً منها أنه قال بعد قتله إنه كان سيىء الأدب جدا والله إني لأذكر وقد استدعيته يوما ونحن ركبان فصار إلي ورجله على عنق دابته وبطن خفه قبالة وجهي فشاغلته بالحديث ولم أره فكرةً في ذلك‏.‏
وغير ذلك مما يطول شرحه‏.‏

وأنهد الحاكم بعد قتل برجوان فأحضر كاتبه فهد بن إبراهيم في الليل وأمنه وقال‏:‏ أنت كاتبي وصاحبك عبدي وهو كان الواسطة بيني وبينك وجرت منه أشياء أنكرتها عليه فجازيته عليها بما استوجبه فكن أنت على رسمك في كتابك آمناً على نفسك ومالك‏.‏
فكانت مدة نظر برجوان سنتين وثمانية أشهر غير يوم واحد‏.‏

وبرجوان بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الجيم والواو وبعد الألف نون‏.‏

وبكر الناس إلى القصر فوقفوا بالباب ونزل القائد أبو عبد الله الحسين بن جوهر القائد وحده إلى القصر وأذن للناس فدخلوا إلى الحضرة وخرج الحاكم على فرس أشقر فوقف في صحن القصر قائماً وزيدان عن يمينه وأبو القاسم الفارقي عن يساره والناس قيام بين يديه فقال لهم بنفسه من غير واسطة‏:‏ إن برجوان عبدي استخدمته فنصح فأحسنت إليه ثم أساء في أشياء عملها فقتلته والآن فأنتم شيوخ دولتي وأشار إلى كتامة وأنتم عندي الآن أفضل مما كنتم فيه مما تقدم‏.‏
والتفت إلى الأتراك وقال لهم‏:‏ أنتم تربية العزيز بالله وفي مقام الأولاد وما لكل أحد عنيد إلا ما يؤثره ويحبه فكونوا على رسومكم وامضوا إلى منازلكم وخذوا على أيدي سفهائكم‏.‏
فدعوا جميعا وقبلوا الأرض وانصرفوا‏.‏
وأمر بكتابة سجل أنشأه أبو منصور بن سورين كاتب الإنشاء قرىء بسائر الجوامع في مصر والقاهرة والجيزة والجزيرة نصه بعد البسملة‏:‏ من عبد الله ووليه المنصور أبي علي الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين إلى سائر من شهد الصلاة الجامعة في مساجد القاهرة المعزية ومصر والجزيرة‏:‏ سلام عليكم معاشر المسلمين المصلين في يومنا هذا في الجوامع وسائر الناس كافة أجمعين فإن أمير المؤمنين يحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على جده محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى أهل بيته الطاهرين‏.‏

أما بعد فالحمد لله الذي قال وقوله الحق المبين‏:‏ ‏"‏ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلَهِةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسّدَتَا فَسُبْحَانَ اللّهِ رَبِّ الْعَرْش عَمَّا يَصِفُونَ * لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون * ‏"‏ يحمده أمير المؤمنين على ما أعطاه من خلافته وجعل إليه فيها دون بريته من الضبط والقبض والإبرام والنقض‏.‏
معاشر الناس إن برجوان كان فيما مضى عبداً ناصحا أرضى أمير المؤمنين حينا فاستخدمهم كما يشاء فيما يشاء وفعل به ما شاء كما سبق في العلوم وجاز عليه في المختوم‏.‏
قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وَلَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لعِبَادِهِ لَبَغَوْا في الأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدرٍ مِا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ‏"‏ * ولقد كان أمير المؤمنين ملكه فلما أساء ألبسه النقم لقول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمُ ‏"‏ * وقوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى ‏"‏ أن رآه استغنى * فحظره أمير المؤمنين عما صبا إليه ونزعه ما كان فيه وتمت مشيئة الله عز وجل ونفذ قضاؤه وتقديره فيه‏.‏
‏"‏كَانَ ذَلِكَ في الْكِتَابِ مَسْطُوراً ‏"‏ * فأقبلوا معاشر التجار والرعية على معايشكم واشتغلوا بأشغالكم فهو أعود لشأنكم ولا تطغوا في أمر أنفسكم فلأمير المؤمنين الرأي فيه وفيكم‏.‏
فمن كانت له منكم مطالبة أو حاجة فليمض إلى أمير المؤمنين بها فإنه مباشر ذلك لكم بنفسه وبابه مفتوح بينكم وبينه‏.‏
‏"‏ والله يَخْتَصُّ برَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم" وأنتم رعايا أمير المؤمنين المفتحة لها أبواب عدله وإحسانه وفضله‏.‏
والله يريده فيما يريده ويعتمده من الخير لمن أطاعه من الأنام والحماية لحمى الإسلام ‏"‏ عَلَيْهٍ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ‏"‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏
وكتب يوم الجمعة لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسعين وثلثمائة‏.‏
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الأخيار وسلم تسليما‏.‏
وكتبت سجلات على نسخة واحدة وأنفذت إلى سائر النواحي والأعمال‏.‏
ولثلاث خلون من جمادى الأولى خلع على القائد الحسين بن جوهر ثوب ديباج أحمر ومنديل أزرق مذهب وتقلد سيفا عليه ذهب وحمل على فرس بسرج ولجام ذهب وبين يديه ثلاثة أفراس بمراكبها وخمسون ثوبا من كل فن‏.‏
ورد إليه الحاكم التوقيعات والنظر في أمور الناس وتدبير المملكة وإنصاف المظلوم‏.‏

وخلع على فهد بن إبراهيم وحمل على بغلة وبين يديه بغلة أخرى وعشرون ثوبا‏.‏
فانصرف القائد وخلفه فهد وسائر الناس بين يديه إلى داره‏.‏
وتقدم إلى فهد بالتوقيعات في رقاع الرافعين على رسمه وأن يعاضد القائد حسينا في النظر ويعاونه ويخلفه إذا غاب‏.‏
فكان القائد يبكر إلى القصر ومعه الرئيس فهد فينظران في أمور الناس وينهيان الأمور إلى الحاكم والقائد متقدم وفهد يتبعه فإذا دخلا إلى حضرة الحاكم جلس القائد وقام فهد خلفه فيعرضان الكتب والرقاع عليه‏.‏
وأمر القائد ألا يلقاه أحد من الناس على طريق ولا يركب إليه إلى داره أحد لقضاء حق ولا سؤال في مصلحة ومن كان له حاجة يلقاه في القصر‏.‏
ونهى الناس أن يخاطبوه في الرقاع التي تكتب إليه بسيدنا ومولانا ولا يخاطبونه ويكاتبونه إلا بالقائد فقط ولا يخاطب فهد ويكاتب إلا بالرئيس فقط‏.‏
وحمل فهد إلى الحاكم هدية منها ثلاثون بغلة بألوان من الأجلة وعشرون فرسا منها عشرة مسرجة ملجمة وعشرة بجلال ملونة وعشرون ألف دينار وسفط فيه حلة دبيقية مذهبة لم ير مثلها ودرج فيه جوهر وأسفاط كثيرة فيها البز الرفيع وخزانة مدهونة‏.‏
وأمر أبو جعفر محمد بن حسين بن مهذب صاحب بيت المال بإحضار تركة برجوان فوجد فيها مائة منديل شرب ملونة معممة كلها على مائة شاشية وألف سروال دبيقي بألف تكة حرير أرمني ومن الثياب المخيطة والصحاح والحلى والمصاغ والطيب والفرش ما لا يحصى كثرة ومن العين ثلاثة وثلاثون ألف دينار ومائة وخمسون فرسا لركابه وخمسون بغلة وثلثمائة رأس من بغال النقل ودواب الغلمان ومائة وخمسون سرجا منها عشرون من ذهب ومن الكتب شيء كثير‏.‏
لما ركب القائد حسين رأى جماعة من قواد الأتراك قياما على الطريق ينتظرونه فوقف وقال‏:‏ كلنا عبيد مولانا صلوات الله عليه ومماليكه وليس والله أبرح من موضعي أو تنصرفوا عني ولا يلقاني أحد إلا في القصر فانصرفوا‏.‏
وأقام خدما من الصقالبة بنوب على الطريق يمنعون الناس من المصير إلى داره ومن لقائه إلا في القصر وجلس في موضع رسم له بالجلوس فيه‏.‏
وتقدم حسين بن جوهر إلى أبي الفتوح مسعود الصقلبي صاحب الستر بأن يوصل الناس بأسرهم إلى الحاكم ولا يمنع أحدا وأن يعرف رسم كل من يحضر من يجلس للتوقيع إذا وقع له‏.‏
فدخل الناس ليأخذ رقاعهم وقصصهم ووقع فيها والحاكم في مكانه جالس يدخل إليه أرباب الحوائج ويشاور في الأمور المهمة‏.‏
ووصل إلى الحاكم جماعة ممن كان يدخل في الليل إلى العزيز وأمروا بملازمة القصر وقت جلوسه ودوام الجلوس بالعشايا فدخل أول ليلة وهي ليلة الأربعاء سابع جمادى الأولى القائد الحسين والقائد فضل بن صالح والحسين بن الحسن البازيار‏.‏
فجلس حسين بن جوهر من اليمين وإلى جانبه فضل بن صالح ودونه ابن البازيار وبعده أبو الحسن علي بن إبراهيم المرسي ويليه القاضي عبد العزيز بن محمد بن النعمان وجلس من اليسار رجاء ومسعود ابنا أبي الحسين ودونهما أبو الفتح منصور بن معشر الطبيب وأبو الحسين بن المغربي الكاتب وأخوه‏.‏
ووقف عنده عدة من الأقارب وجماعة من القواد منهم منجوتكين وغيره ثم دخل بعد ذلك جماعة منهم ابن طاهر الوزان‏.‏
فجرى الرسم على ذلك إلى اثني عشر جمادى الآخرة‏.‏
ثم صار السلام يخرج فينصرفون إلا ابن البازيار وابن معشر الطبيب وعبد الأعلى بن هاشم من القرابة فإنهم يجلسون فربما أطالوا الجلوس وربما خدموا‏.‏
وركب الحاكم عدة مرار إلى ناحية سردوس وإلى بركة الجب وإلى عين شمس وحلوان للصيد وغيره‏.‏
وفي سابع عشري جمادى الآخرة قرئ سجل على سائر منابر المساجد الجامعة بأن يلقب القائد حسين بن جوهر بقائد القواد‏.‏
وخلع على جابر بن منصور الجودري جبة مثقلة ومنديل بذهب وحمل بين يديه ثياب كثيرة وقلد بسيف وندب ناظرا في السواحل والحسبة بمصر‏.‏
وأما الشام فإن جيش بن الصمصامة لما استقر بدمشق وقد خرب البلد وضعف وقل ناسه وطمعت رعيته فكان فيهم جهال يأخذون الخفارة ويطمعون في أموال أهل السلامة فصارت لهم أموال وخيول ومشى بين أيديهم الرجال وقويت نفوسهم وصاروا يوالون خروجهم مع جيش في وقائع الروم فوعدهم جيش بالأرزاق فاطمأنوا إليه‏.‏
ثم إنه رتب جماعة وقبض على المذكورين وقيدهم وأمر بهم فحبسوا وأفاض عليهم العذاب حتى سلبهم جميع أموالهم وتتبع من استتر منهم فضرب أعناقهم وصلبهم على أبواب البلد فلم يبق منهم أحد‏.‏
فلما خلا له البلد من حمال السلاح طمع في أهل القرى فعم كثيرا من الناس البلاء منه وشمل أهل المدينة والقرى ضرره حتى غلق أكثر الأسواق وضج الناس إلى الله بالدعاء وهو يعدهم بحريق البلد وبذل السيف فيهم فهرب كثير من الناس عن البلد‏.‏
ووصل الخبر بقدوم عسكر الروم فأخذ جيش في جمع العرب ونزل ملك الروم على شيزر وفيها عسكر من قبل الحاكم فقاتلهم حتى ملكهم بأمان‏.‏
ونزلت العرب الذين جمعهم جيش فيما بين حرستا والقابول وانتقل الروم من شيزر إلى حمص فأخذوها وسبوا أهلها وأحرقوا وذلك في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وهي دخلة الروم الثالثة إلى حمص فأقاموا بها وقد اشتد البرد وغلت عليهم الأسعار حتى بيعت العليقة عندهم بدينار فرحلوا وقد مات أكثر دوابهم إلى طرابلس فنزلوا عليها وهم في ضيق ثم رحلوا عنها إلى ميافارقين وآمد وهادنوهم‏.‏
ثم ساروا إلى أرمينية‏.‏
وزاد جور جيش وأسرف في الظلم وكان به طرف جذام فاشتد به وسقط شعر بدنه ورشح جسمه واسود حتى انمحت سحنة وجهه وزاد وأروح سائر بدنه فكان يصيح‏:‏ ويحكم ‏!‏ اقتلوني أريحوني‏!‏‏!‏ إلى أن هلك يوم الأحد لسبع خلون من ربيع الآخر‏.‏
فكان مقامه بدمشق ستة عشر شهرا وستة عشر يوما‏.‏
ووصل ابنه أبو عبد الله بتركته إلى القاهرة فخلع عليه الحاكم وحمله‏.‏
ورفع زيدان إلى الحاكم درجاً بخط جيش وفيه وصية وثبت بما خلف مفصلاً مشروحا وأن ذلك جميعه لأمير المؤمنين الحاكم بأمر الله لا يستحق أحد من أولاده منه درهما وكان ذلك يبلغ نحو مائتي ألف دينار ما بين عين ورحل ومتاع‏.‏
وقد قال فيه جيش‏:‏ لو زيدان يتسلم ذلك فإنه على بغال تحت القصر بظاهر والقاهرة‏.‏
فأخذ الحاكم الدرج وأوصله لابني جيش وخلع عليهما وقال لهما بحضرة أولياء الدولة ووجوهها‏:‏ قد وقفت على وصية أبيكما رحمه الله من عين ومتاع فيما وصى به فخذوه هنيئاً مباركاً لكما فيه‏.‏
فانصرفا بجميع التركة‏.‏
وأقطعت سيدة الملك على عبرة سنة تسع وثمانين الخراجية إقطاعا مبلغه مائة ألف دينار منها ضياع في الصعيد وأسفل الأرض ثمانية وستون ألفا وأربعمائة وخمسون دينارا منها بوتيج ستة آلاف وسبعمائة وخمسون دينارا وصهرشت سبعة عشر ألف دينار ودمنهور خمسة آلاف دينار وباقي ذلك وهو أحد وثلاثون ألف دينار وخمسمائة وخمسون ديناراً من دور وبساتين ورسوم‏.‏
وأما المغرب فإن الأستاذ برجوان لما ولى تدبير الدولة ثقل عليه أبو الحسن يانس الصقلبي العزيزي فإنه كان ينافسه في الرئاسة فتحيل حتى أخرجه إلى برقة كما تقدم فتوالت كتب تموصلت بن بكار يسأله أن يأتيه أحد ليسلمه مدينة أطرابلس وتقدم إلى الحضرة‏.‏
فقصد برجوان إبعاد يانس فكتب إليه حتى سار إليها وقدم إليها للنصف من جمادى الأولى سنة سبعين فسلمه تموصلت البلد ومضى إلى القاهرة وقد تأخر أكثر عسكره مع يانس فاختلفوا مع أصحابه حتى اقتتلوا وخرجوا أقبح خروج إلى إفريقية وشكوا ما نزل بهم إلى نصير الدولة أبي مناد باديس‏.‏
فبعث القائد جعفر بن حبيب على عسكر فقاتل يانس فقتل في رابع ذي القعدة‏.‏
وبادر فتوح بن علي بن عقيان من أصحاب يانس إلى أطرابلس فدخلها وانضم إليه بقية أصحابه وقاتل بها جعفر بن حبيب سنة إحدى وتسعين واستمد الحاكم فأمده بيحيى بن علي بن الأندلسي على عسكر فاختلف عليه أصحابه وعاد أقبح عود إلى القاهرة‏.‏

فأراد الحاكم قتله فأظهر كتاب زيدان صاحب المظلة بخطه أن يدفع إليه المال من برقة وأنه قبض ذلك من مال الحضرة فلم يجد ببرقة مالاً ينفقه على العساكر فقبل هذا العذر وقتل زيدان على ما فعل‏.‏
وكان مع يحيى بن علي عند خروجه من المغرب جماعة من بني قرة فكسروا عسكره ورجعوا إلى موضعهم فبعث الحاكم يستدعيهم إلى القاهرة فخافوا وامتنعوا فأعرض عنهم مدة ثم كتب إليهم أمانا فبعثوا رهائن منهم فأمرهم بالوصول إلى الإسكندرية ليقفوا على ما يأمرهم به فحذر أكثرهم وقدمت طائفة إلى الإسكندرية فقتلوا وحملت رؤوسهم إلى القاهرة وقتل من كان بها من رهائنهم فنفرت عنه بنو قرة وكان منهم ما يأتي ذكره من قيامهم مع أبي ركوة‏.‏
وفي ثالث رجب خلع على أبي القاسم عبد العزيز بن محمد بن النعمان ونزل إلى الجامع العتيق وبين يديه ثياب صحاح وحمل على بغلتين مسرجتين ملجمتين وقرئ له سجل بالنظر في المظالم وسماع البينة فيها‏.‏
وحمل رحل برجوان إلى القصر على ثمانين حمارا‏.‏
وقرئ سجل بالقصر نصه بعد البسملة‏:‏ معاشر من يسمع هذا النداء من الناس أجمعين إن الله وله الكبرياء والعظمة أوجب اختصاص الأئمة بما لا يشركها فيه أحد من الأمة‏.‏
فمن أقدم بعد قراءة هذا المنشور على فليبلغ الشاهد الغائب إن شاء الله‏.‏
وأفطر في رمضان مع الحاكم جماعة رتبوا عن يمينه ويساره وصلى فيه جمعتين بالناس وركب لفتح الخليج‏.‏
ووصل تموصلت بن بكار الأسود عبد ابن زيرى وكان قد ولاه طرابلس المغرب فجار على أهلها وأخذ منها مالا كثيرا وفر خوفا من مولاه فسار من طرابلس المغرب ومعه نيف وستون ولداً ما بين ذكر وأنثى في عسكر كبير بعد أن مر ببرقة ودفع ليانس العزيزي متوليها ثلاثين ألف دينار لخاصة نفقته وأنفق في عسكره ورجاله مالا كثيرا وسلم إليه مخازن فيها العسل والسمن والقمح والشعير والزيت وغيره‏.‏
فجلس له الحاكم وأجلسه فكان من كلامه للحاكم‏:‏ قد وصلت إلى حضرة مولانا بالأهل والمال والولد ومعي ما يكفيني ويكفي عقب عقبي ولكن الرجال الذين معي رجال مولانا وهو يحسن إليهم على ما يراه‏.‏
وأهدى إلى الحاكم مائة ألف دينار ومائة ألف درهم ونيفا وخمسين حملا من البز والطرف وثمانين فرسا منها أربعون بسرجها ولجمها وأربعين بغلا وخمسين بختيا بأكوارها ومائتي جمل‏.‏
فخلع عليه وعلى من حضر من أولاده وسار إلى دار قد أعدت له فيها خمس وثلاثون حجرة في كل حجرة آلاتها وفرشها فبلغت النفقة على هذه الدار خمسة آلاف دينار‏.‏
وفي يوم عيد الفطر صلى الحاكم بالناس بالمصلى وخطب على رسمه وأصعد ابن النعمان وعدة من القواد معه المنبر فجلس على الدرج‏.‏
ولخمس خلون من شوال أذن لابن عمار في الركوب إلى القصر فركب ونزل حيث ينزل سائر الناس وواصل الركوب إلى الرابع عشر منه فأحضر عشية إلى القصر فجلس إلى بعد العشاء الآخرة ثم أذن له في الانصراف فلما انصرف ابتدره جماعة من الأتراك قد أوقفوا لقتله فقتلوه واحتزوا رأسه ودفنوه هنالك ثم نقل إلى تربته بالقرافة فكانت مدة حياته بعد عزله ثلاث سنين وشهراً واحداً وثمانية عشر يوما‏.‏
وسارت قافلة الحاج لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة‏.‏
وعزل خود عن الشرطة السفلى وجمعت الشرطتان لمسعود الصقلبي فنزل بالخلع والطبول والبنود إلى الجامع العتيق حتى قرئ سجله على المنبر‏.‏
وفي ثالث ذي الحجة أمر الناس بتعليق القنادل على سائر الحوانيت وأبواب الدور كلها وفي جميع المحال والسكك الشارعة وغير الشارعة ففعلوا‏.‏
وصلى الحاكم صلاة عيد النحر بالمصلى وخطب ونحر في القصر على رسمه وجلس على السماط‏.‏
وكان الناس بين عبد العزيز بن النعمان وبين قاضي القضاة الحسين بن النعمان في شرور وبلاء وذلك أن عبد العزيز قبل شهادة جماعة اختارهم فكان من حاكم خصمه إلى الحسين اختار خصمه بالمرافعة إلى عبد العزيز وبالعكس‏.‏
وكان عبد العزيز إذا جلس للنظر في المظالم حضر شهوده عنده وسمع شهادتهم وأشهدهم فيما يقول ويمضى ولا يحضر أحد منهم عند الحسين ولا يقرب داره ويقيد الشهود القدماء يشهدون عنده غير أنهم لا يحضرون مجلس عبد العزيز مواصلين لذلك ولا يركبون معه‏.‏
وفيها عقد ليانس الصقلبي على ولاية أطرابلس الغرب بعد موت المنصور من بلكين فوصل إليها في ألف وخمسمائة فارس وملكها‏.‏
فبعث باديس بن جعفر بن حبيب على عسكر فلقيه على زنزوير واقتتلا يومين فانهزم عسكر يانس وقتل‏.

This site was last updated 11/03/11